سقراط فيلسوفًا مربِّيًا

image_pdf

 

” أيّها الأثينيّون لقد حكمتم عليّ بالإعدام وهذا لا يحزنني بل يُسعدني، لأنَّني انتصرت على أعدائي. أفضِّل أن أموت حرًّا على أن أعيش عبدًا…”. سقراط

1- مقدمة :

يعد سقراط (469-399) مَعْلماَ في تاريخ الفلسفة بعامة والحكمة الفلسفية في اليونان بخاصة. ويعد واحدا من أكبر أساطنة الفلسفة القديمة في بلاد الإغريق القديمة. ولد سقراط في أثينا حوالي 470 ق.م من أب يحترف مهنة النحت ومن أم تمتهن حكمة النساء (مولدة للنساء). عمل في البداية في مهنة النحت ثم تركها ليشتغل في الحكمة والفلسفة ([1]).

يقول آدير إنه عندما كان سقراط في أواسط عمره كان يمتلك بين كتفيه رأساً كرأس الإله الأسطوري ساتير ذي الذيل الطويل وأذني الفرس (إشارة إلى العظمة والنبوغ)، ويقال إن أنفه كان أفطس، فيه فتحتان شديدتا الاتساع، وله عينان متقدتان كعيني الحدأة، وشفتان غليظتان، وكان كرشه ضخما يهتز أمامه عند المسير. ولم يكن سقراط من طراز الناس المتبجحين الذين تستهويهم المظاهر، فلقد كان يرتدي ثيابا بسيطة، وينتعل في العادة حذاء قديما عفا عليه الزمن.

كان سقراط كما يبين آدير قبيح المنظر، قصير بدين دميم، بارز العينين كبير الأنف في قبح، واسع الفم بالي الثياب، ولكن الله أراد لهذا الجسد أن يكون مسكنا لعقل إنساني متفرد وروح ذكية قوية جميلة. فلم يكن يضاهي قبح جسده إلا جمال نفسه ورجاحة عقله وقوة شكيمته وصدق أخلاقه ونبل شجاعته. ومع كل ما منحه الله لسقراط من ذكاء وعبقرية إلا أنه كان يعلن أنه لا يعرف شيئا وأنه ليس حكيما ولكنه فيلسوف محب للحكمة فكثيرا ما قال: “أنا أعرف شيئا واحدا وهو أنني لا أعرف شيئا ” ([2]).

وقد عرف عن سقراط ولعه الشديد بالحوار فكان يجوب طرقات المدينة ويغشى ساحاتها في طلب الحوار والجدل مع العامة والخاصة من الناس لا يوفر أحدا البتة. وكان في حواره هذا يبز جميع خصومه من مفكرين وعلماء وحكماء وسوفسطائيين حتى ذاع صيته وطبق الآفاق. وقد ألب على نفسه الطبقة العليا في أثينا لأنه كانت يمقت هذه الطبقة ويحتقرها لما تجره على الشعب من ظلم وقهر وويلات. واستطاع خصومه من المفكرين والسياسيين أن يوجهوا إليه تهما عديدة باطلة أهمها: أنه يكفر بآلهة المدينة ويدعو إلى آلهة جديدة ويفسد عقول الناشئة والشباب.

وكان رهط من تلاميذ سقراط يلتفون حوله ويلازمونه وكأنهم ظلاله، ومن أشهرهم أفلاطون وزينوفون، مفتتنين بذكاء المعلم ومأسورين بشخصيته الكاريزمية المؤثرة وذكائه المفرط. وأصبح يطلق على هذه الجماعة التي استسلمت طواعية لسحر شخصية سقراط اسم “السقراطيون”، وكان من أهمهم أفلاطون الذي قال في سقراط، بعد أن بلغ في فكره الفلسفي شأوا كبيرا: “من بين كل الرجال الذين قابلتهم في حياتي، كان سقراط الأكثر حكمة واستقامة”.

كان سقراط تاعسا مع زوجته، ويقال إنه شاهد امرأة تحمل نارا فقال نار تحمل نارا والحامل شر من المحمول “. وكان كسولا لا يصلح لشيء في نظرها، وقد أهمل زوجته وأولاده أيضا ولم يستطع أن يوفر لهم الكريمة. ومن الصعب معرفة الطريقة التي كان يحصل فيها سقراط حياته، فهو لم يعمل في حياته في مهنة ولم يتقاض أجراً على التعليم الذي كان يقوم به، وكان يأكل عندما يدعوه تلامذته لتناول الطعام على موائدهم.

وكان سقراط بطلا محاربا شجاعا تشهد المعارك التي خاضها على بسالته وشجاعته وحسن تدبيره. وقد عرض نفسه مرارا عديدة للخطر وأنقذ حياة القائد الأثيني ” السيبيادس” في المعاركة بعد أن اخترق صفوف الأعداء الداخلية([3]).

وقد قدم سقراط إلى المحاكمة بتهمة الإلحاد وإفساد عقول الشباب ، ورفض سقراط أن يلتمس عفوا من المحكمة التي أدانته بالإعدام وشرب سم الشكران. وكان سقراط يستطيع أن يحصل على البراءة ولكنه سخر من قضاته وسفههم كما أنه كان يستطيع الهرب من سجنه بمساعدة تلامذته ولكنه رفض كل ذلك وقام بإعدام نفسه على خلاف العادة إذ هو من طلب السم وتجرع كأسه حتى آخر قطرة منه ومات وهو يبتسم بين تلامذته وأصدقائه الذين كانوا يجهشون ببكاء مرير على أستاذهم الكبير. ويعدّ سقراط أول شهيد للعقل والفلسفة في تاريخ الإنسانية ولذلك أطلق عليه شهيد العقل وأطلق على إعدامه ” مقتل العقل ” وقد أدينت ديمقراطية أثينا تاريخيا بإقدامها على هذه الجريمة الكبرى بحق الفلسفة. ونال سقراط بمقتله خلودا فكريا وفلسفيا ينقطع نظيره. فالطريقة التي أعدم بها جعلته بالإضافة إلى ما هو عليه أشبه بأسطورة للفلسفة والعقل والذكاء والحكمة. ” هكذا مات سقراط وحفر موته إلى البد في ذاكرة الأجيال ذكرى شخصيته المدهشة “([4]).

ويعود الفضل لسقراط في القضاء على الحركة السوفسطائية، وتحرير الوعي اليوناني من الإرباك والتشويش والاضطراب في الرؤية الذي نشرته تلك الحركة. وقد افتتح سقراط بفلسفته مرحلة جديدة في ازدهار الفلسفة اليونانية، ومهّد لتلميذه أفلاطون تطوير هذه الفلسفة إلى آفاق جديدة، انتهت إلى ذروتها على يد تلميذ الأخير أرسطو.

2- سقراط فيلسوفا

أقرّ سقراط المبدأ السوفسطائي بأن ” الإنسان مقياس الأشياء” وما دام الأمر كذلك فيتوجب على الإنسان أن يعرف نفسه وعلى هذا الأساس أطلق سقراط شعاره المشهور “أيها الإنسان اعرف نفسك” وهو الشعار الذي نجده مدونا على معبد دلفي المشهور. وفي هذا الأمر يقول شيشرون بأن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض وحول النظر عن البحث في الطبيعة إلى البحث في الإنسان نفسه” وهكذا اتجهت الحكمة السقراطية للبحث في ماهية الإنسان بدلا من البحث في مظاهر الحياة الإنسانية.

كان بروتاغوراس زعيم السوفسطائيين يرى بأن المعرفة تتكون من إحساسات أما سقراط فعلى خلاف ذلك كان يعتقد بأن المعرفة تتكون من إدراكات كلية أي من أفكار ومعان صحيحة يقرها الناموس الكوني في الإنسان ، ورفض أن تكون المعرفة خاضعة لمجرد إحساسات فردية مختلفة لا يحكمها قانون ولا ينظمها كيان معرفي محدد وواضح. ومن هذا المنطلق فإن سقراط يرى أن المعرفة كامنة في النفس كمون النار في الحجر وأن هذه المعرفة كلية شمولية تحكمها قوانين ونواميس عامة لا تغاير فيه بين البشر. وهذا يعني أنه يرفض هذه النسبية المطلقة التي يبحثها ويقرها السوفسطائيون ويقر بوجود حقائق كونية ثابتة تسجل حضورها في كل زمان ومكان.

لقد رفض سقراط البيان السفسطائي الذي يعتمد على محاججات لفظية قوامها التلاعب بالألفاظ والكلمات وتشويه الحقائق. وعمل على بناء المفاهيم العلمية التي تنتظم في أنواع وأجناس وعمل على تحديد هذه المفاهيم تحديدا يمتنع عليه الخلط والتداخل مع بعضها البعض وذلك من أجل بناء الحقيقية التي تمتنع على التزييف والتحريف والدجل السفسطائي المعروف

ومن جهة أخرى أقر سقراط مبدأ توأمة المعرفة والفضيلة فالفضيلة معرفة وكذلك المعرفة فضيلة بذاتها. فالمعرفة هي التي توجه الإنسان إلى الفضيلة ومن غير المعرفة تصبح الفضيلة فعلا بهيميا لا قيمة أخلاقية فيها. فالمعرفة هي التي تكسب الفعل الإنساني خاصته الأخلاقية ومن غير معرفة يستحيل أن نتحدث عن فضيلة أخلاقية([5]).

أراد سقراط أن يصلح ما أفسده السوفسطائيون وأن يعيد إلى العقل ثقته بالحقيقية والفضيلة. فالسوفسطائيون كانوا يرون بأن النفس شهوة وهوى أما سقراط وعلى خلاف ذلك كان يرى أن الإنسان روح وعقل يسيطر على الحس ويعقله. وبالتالي فإن الإنسان بوصفه كينونة عاقلة يبحث عن الخير والفضيلة ويستلهمهما وهو وفقا لهذه الطبيعة العاقلة يرفض الرذيلة والخطيئة. فالجهل بذاته يولد الخطيئة والرزيلة أما المعرفة الحقة فهي التي تولد فينا حي الخير والسعي إليه.

فالقوانين كما يراها سقراط عادلة؛ لأنها صادرة عن العقل، ومطابقة للطبيعة الحقة، وان ما في العقل من القوانين هي صورة لقوانين إلهية غير مكتوبة بل مرسومة في قلوب البشر، فمن يحترم القوانين كما يحترم العقل والنظام الإلهي. والإنسان يريد الخير دائماً ويرفض الشر. وعنده أن الفضيلة علم، والرذيلة جهل، أما الدين فهو تكريم الضمير النقي للعدالة الإلهية.

 آمن سقراط بالخلود، وان النفس متمايزة عن الجسد، ولا تفسد بفساده، بل إنها تخلص منه بالموت، لأنه سجن لها، وتعود بعد ذلك إلى طبيعتها الصافية. لقد أحدث سقراط تأثيراً هائلاً في الحياة العقلية عند أهل أثينا، مما أدى الى حنق بعضهم عليه، فلفقوا له اتهاما بإنكار الآلهة الشعبية، وإفساد عقول الشباب، فَحُكِمَ عليه سنة 399 ق.م بتجرع السم، وقضى بعد أن تجرع سم الشوكران.

ولم يسجل سقراط تعاليمه في كتب أو مصنفات أو مذكرات. بل كان يحاور الناس في الطرقات وفي المحافل العامة وفي كل مكان يمكن أن يجتمع فيه الناس. وكان السؤال لديه فنا ومحاورة ومنهجا.

3- منهج سقراط أو الحوار السقراطي

ما قدمه سقراط للإنسانية يتمثل في عبقرية المنهج وفي فن الحوار الفلسفي. فإليه يعود الأصل في منهج التفكير المنظم الحكيم الذي يولد الحقائق ويفجر المعرفة في عقل الإنسان. ويأخذ منهج الحوار الفلسفي عند سقراط مرحلتين متكاملتين تقتضي إحداهما الأخرى في عملية توليد المعرفة وتفجير ينابيعها. ويطبق على المرحلتين مرحلتا التهكم والتوليد. وقد قيل عن منهجه بأنه منهج الثعلب وفن الوصول إلى الحقيقية باكتشاف التناقضات في قول الخصم.

أولا: مرحلة التهكم:

تتمثل هذه المرحلة في فن التساؤل السقراطي وعبقرية الكشف عن التناقض في قول الخصم. ويطلق على هذه المرحلة بمرحلة المخاض التي تسبق وتمهد لمرحلة التوليد، في هذه المرحلة يطرح سقراط أسئلة عدة على مخاصمه متصنعا الجهل بها، ويتظاهر بتسليم ما يتضمنه قول محدثيه، ثم يلقي الأسئلة تباعا وهي أسئلة تجترح نفسها من مواطن التناقض والضعف في قول الخصم. وهو في هذه العملية ينتقل من قول إلى سؤال لازم منه ومن فكرة إلى فكرة أخرى حيث يدفع الخصم إلى تيهٍ من المعلومات المتضاربة المتناقضة فيوقع خصومه في التناقض والحيرة والدهشة والإحساس بالضعف والجهل والضياع وعدم القدرة على تنظيم الأفكار وتحقيق التساوق والانسجام بين جوانب القول والتفكير. وعندها تأتي اللحظة التي يعترف فيها الخصم بضعفه وجهله وعدم قدرته على امتلاك الحقيقية هذه التي يبحث عنها سقراط ويولدها. وتهدف هذه المرحلة إلى تحرير العقل من المعرفة السوفسطائية الناقصة وهي ما يطلق عليه العلم الزائف، ومن ثم إعدادها لقبول الحقيقية.

ثانيا: مرحلة التوليد:

المرحلة الأولى ن مرحلة التهكم، إعداد وتهيئة لمرحلة التوليد، وقد أطلق على المرحلة الأولى مرحلة المخاض التي تصيب المرأة بالإعياء والوهن أثناء الولادة حيث تسلم نفسها للداية لتساعدها في عملية الإنجاب. وفي مستوى المنهج فإن الخصم يصاب بحالة من الوهن والإعياء ويقر بضعفه وزيف معرفته. وعند ذلك يتدخل المعلم الحكيم سقراط ليعيد له تصنيف الحقائق وترتيبها وتوليدها في أعماق الخصم فيكشف له عم طبيعة التناقضات التي وقع فيها ثم يحررها من هذا التناقض ويعيد صقلها من جديد لتخرج في حلة معرفية جديدة سقط منها صدأ التناقض وزيف المعرفة. وباختصار في هذه المرحلة يساعد سقراط خصمه على التبصر والنظر والكشف وامتلاك الحقيقية ناصية الحقيقية وهذه هي مرحلة توليد الحقائق. فالتوليد هو استخراج الحق من النفس وكان سقراط يقول في تثمين هذا المنهج أنه كان يمارس مهنة أمه وكانت قابلة (مولدة النساء) ولكنه يولد الحقائق الكامنة في عقول الرجال.

4- التربية عند سقراط

وهب سقراط التربية منهجا في العمل والتفكير والتكوين. وفي منهجه هذا يعلمنا كيف تصنع الحقائق وكيف ترتسم القيم وكيف تتفجر المعرفة في عقول الأطفال والناشئة عبر الحوار التربوي. وليس غريبا أبدا أن يكون منهج سقراط أحد أركان التربية الحديثة وقد أطلق عليه المنهج الحواري التوليدي أو المنهج السقراطي الذي يعتمد في تحرير عقول الأطفال من دائرة الجمود التي تفرضها المناهج التقليدية التي تعتمد على التلقين والاستظهار والجمود في تكوين العقل. وليس غريبا أيضا أن نجد مفكرا ثائرا مثل باولو فرايري ينادي بهذا المنهج السقراطي في كتابه المشهور ” تعليم المقهورين “. اهتم سقراط بالتربية وكان مربيا بمنهجه وتعاليمه وحواره ودعوته إلى الفضيلة.

لقد أثر سقراط في التربية تأثيرا شمل المضمون والطريقة :

1- لقد أعطى سقراط للتربية مضمونها الأخلاقي وربط بشكل جوهري بين المعرفة والفضيلة. كما أنه أكد على هذه المعرفة التي تتوغل في أعماق الإنسان بدعوته التي لا تنقطع للبحث في النفس ومعرفة النفس بوصفها أشرف المعارف واسماها.

2- أما فيما يتعلق بالمنهج فإن المنهج العقلي الذي قدمه سقراط للإنسانية منهج تربوي بمعالمه وخطواته وغاياته. فهو المنهج الذي ينمي العقل ويفجر المعرفة ويسقط عن العقل صدأ الجمود ويحرر العقل من الترويض والوقوع في مصائد الجمود والتلقين.

3- كان سقراط يعتقد أن الأهداف الحقيقية للتربية تكون في تنمية عقل الفرد وصقل قواه العقلية وتمكينه من التفكير منهجيا في مختلف جوانب الحياة المعرفية من أجل الوصول إلى الحقائق اليقينية.

ومما لا شك فيه أن منهج سقراط والأهداف التي يعلنها ما تزال حتى اليوم غاية تنشدها التربية الحديثة التي ما زالت تعاني وتعاني من الطرائق التربوي الجامدة الساكنة التي تميت العقل بدلا من أن تحييه وتسطح المعرفة بدلا من أن تجعلها أكثر عمقا.

ومهما قيل في فضل سقراط على التربية وعلى الفلسفة فإن القول لن يفيه حقه. ويكفيه أنه أنجب للإنسانية عقلا فريداً فذاً عبقريا خالداً وهو عقل تلميذه الخالد أفلاطون مؤسس التربية المثالية. ويكفي سقراط فخرا أنه كان أول من رفع الشعار الفلسفي ” أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك” فدعا إلى عمق المعرفة الذي يتمثل في النفس الإنسانية، ويكفيه أنه أول من أعطى للمعرفة طابعا أخلاقيا، ويكفيه أيضا أنه حرر العقل الإنساني من أباطيل النسبية التي أسس لها السوفسطائيون. وفوق ذلك كله يكفيه أنه أول من سطر منهجا عقليا فلسفيا يتسم بالقدرة على بناء المعرفة وتطويرها.

5-خاتمة :

معظم النظريات تأفل مع الزمن وأكثرها يذوب في ثناياه ، ولكن بعضها يومض ويزداد توهجا مع استطالات الأيام وتعاقب الأزمان. وها هو سقراط بفلسفته وشموخه الأخلاقي وعبقريته الفلسفية يتوهج دائما في كل عصر ويكبر مع الأيام ويزداد ومضا في كل الأزمان. ولا ريب أنه الفيلسوف الذي فجر ينابيع المعرفة معلما ومربيا وفيلسوفا وحكيما. وها هو ما زال ملهما للفكر ومنبراً للهداية في التربية ومرجعا فريدا في الأخلاق الإنسانية.

وها نحن اليوم ما زلنا نقف في القاعات وفي المدارج نستلهم منهجه الحواري الذي بقي المنجم التربوي العظيم الذي لا ينقطع مداده في التربية والتعليم، وها نحن نقول أيضا أن كل تربية لا تنهج منهجا سقراطيا محكوم عليها بالإخفاق والعدم. ومهما قيل في سقراط سيبقى بفلسفته وسيرته معْلماً أخلاقياً وصرحاً فكريا فلسفياً يندر مثيله في التاريخ الإنساني. ويطيب لنا في هذه الوقفة الاختتامية أن نقف مع الأبيات الخالدة لشاعر الكبير أحمد شوقي الذي ألمح إلى عظمة سقراط في تناوله كأس المنية دفاعا عن الشرف والكرامة والحقيقية:

قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا********* كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي *********يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
سـبحانكَ اللهمَّ خـيرَ معـلّمٍ********* علَّمتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى
أخرجـتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ*********وهديتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا
سقراط أعطى الكـأس وهي منيّةٌ********* شفتي مُحِبٍّ يشتهي التقبيـلا
عرضوا الحيـاةَ عليه وهي غباوة********* فأبى وآثَرَ أن يَمُوتَ نبيـلا
إنَّ الشجاعةَ في القلوبِ كثيرةٌ********* ووجدتُ شجعانَ العقولِ قليلا

وإذا أصيـبَ القومُ في أخلاقِـهمْ ********* فأقـمْ عليهـم مأتماً وعـويلا

 هوامش المقالة ومراجعها :


[1]– أحمد أمين، وزكي نجيب محمود، قصة الفلسفة اليونانية، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1935، ص105.

[2]– أحمد أمين، وزكي نجيب محمود، قصة الفلسفة اليونانية، مرجع سابق، ص107.

[3]– ول ديورانت، قصة الفلسفة، ترجمة فتح الله محمد المشعشع، مكتبة العارف، بيروت، 1985، ص 11.

[4]– ثيوكاريس كيسيدس، سقراط مسألة الجدل، الفارابي، ترجمة طلال السهيل، 2001، ص 249.

[5]– لمزيد من التفاصيل حول سقراط انظر: فرانسيس ولف،سقراط، ترجمة منصور القاضي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 2002.
_______
*علي أسعد وطفة/ كلية التربية – جامعة الكويت.

جديدنا