خدَعُ الاستقطاب: تراجع الاستعلاء الغربي ونهاية الهيمنة الأحاديَّة

image_pdf

مستخلص:**

استخدم مصطلح “القطبيَّة” كثيراً في فترة الاستقطاب الحاد إبَّان الحرب الباردة بين العملاقين الغربي والشرقي، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، ولكنه لم يخضع لتحليل معمَّق بعد اندثارها عام 1989، وتأثيرات ذلك على منظومة العلاقات الدولية، وتوزيع القوة في النظام العالمي. وتسعى هذه الدراسة إلى فهم ترتيب العالم في المستوى المنهجي بطريقة وصفية مع التعرف على التحديات، التي نشأت، استهدافاً لاستنتاج مفاده أنَّ الهيكل الهرمي للعالم أحادي القطب، تهيمن عليه الولايات المتحدة مادياً وفكرياً، بإسناد عسكري وسياسي.

ورغم اضطراب خطوات هذا المسعى بعد صعود الصين، وحرب روسيا على أوكرانيا، إلا أن مفهوم القطبية “المُبتكر” في نظرية العلاقات الدولية الأمريكية، مرهون باتجاه هذه المستجدات. وهناك العديد من المدارس الفكرية المتنافسة، التي لا تتفق مع بعضها البعض على مسألة القطبية، وأهميتها في راهن النظام الدولي. حتى المدرسة الواقعية الأمريكية، التي توليها تقليدياً أهمية كبرى، فإنَّ مشكلة القطبية الآن لا تتحدث بصوت واحد، مما يدفع بطرح سؤال منهجي يعزز الجانب النظري والمفاهيمي حول: ما هي الهياكل المتوقعة للنظام العالمي بعد التحولات الرافضة لأحادية القطب، وبوادر الانتقال إلى بنية غير قطبية، وكيف يمكن شرح هذه الظاهرة بالأدوات المنهجية، التي تتقصد مظان فلسفة العلاقات الدولية؟ مع محاولة تصور واختبار وتحليل تكوينات القوى وأنماط ما بعد المرحلة الانتقالية داخل النظم السياسية العالمية، بهدف تحديد ما إذا كان يمكن التحقق من نمط الهيمنة، الذي يمكن تمييزه في تعبيرات “عصا” الهيمنة، التي أرادت بها أمريكا إدارة العالم بطريقة أحادية، وتخلت فيها عن “جزرة” الاستقطاب، التي كانت تستخدمها في الحرب الباردة، وما يمكن أن يحدث للنظام السياسي العالمي بعد اليقين بنهاية هذه القطبية الأحادية؟ فالعالم يتجه بسرعة نحو تعددية الأقطاب، كما يتضح من الصراع الروسي الأوكراني المستمر والأحداث المرتبطة به؛ أوربياً وعالمياً.

توطئة:

تعيش الإنسانية تحت طيف متزايد من التهديدات الوجودية، وتزايد معدلات الصراعات والحروب، التي تعود أصولها إلى غياب فاعلية العدالة البشرية، والتي يمكن أن يُؤدي عدم الاحتكام إليها إلى انهيار الحضارة العالمية الحديثة، أو حتى مدعاة لانقراض الجنس البشري.[1] وقد يتبادر إلى الذهن، والحال هذه، سؤالين إشكاليين مهمين؛ أولاهما، لماذا رغم تكاثر كل هذه الصراعات والحروب لا يوجد “قانون للسلام” يؤكد على “ضرورة وضع سياسات قادرة على إيجاد حلول بيئية وإنسانية لمواجهتها ورفع الوعي”[2] بالأخطار المُحْدِقَة بالبشرية، ويحكم التصرفات الجماعية العنيفة؛ المتمثلة في الصراعات والحروب؟ وثانيها، لماذا تفشل الدول في حشد الإرادة والموارد لتحييد مثل هذه التحديات والتهديدات الوجودية؟ وهما سؤالان يبدوان، بهذه الصياغة، أقرب إلى الأطروحة الفلسفية منهما إلى استفسارات مسارات التطور السياسي الطبيعي، لذلك يتعين مقاربة الإجابة عليهما بأكثر من مدخل منهجيٍ، في محاولة قاصدة للفهم المُؤكِّد لملاءمتهما لمقتضيات الحال؛ بأبعادها “الرؤيوية” والتشريعية، وبملاحظة التجربة الإنسانية في نجاحاتها وعثراتها، التي لا تتأتى إلا عبر دراسة الظاهرة التجريبية للفشل المتكرر للدول في اتخاذ إجراءات غير عادية من أجل أمن وبقاء الجنس البشري. لذلك كانت دعوة الأمير الحسن بن طلال المُلِحَّة لـ”قانون للسلام”[3] يتجلى في شكل شراكة ونظام إنساني جديد. وقد وضِعَت على طاولات البحث والنظر أطروحات كثيرة؛ تفاوتت في قيمتها وتقييمها للأوضاع الدولية، وما تمارسه القوى العظمى من “خِدَعٍ للاستقطاب” كلما شعرت أنها بدأت تفقد السيطرة على مقعدها في قيادة العالم، وما ذكريات الحرب الباردة بعيدة عن الأذهان.[4]

ومن ضمن المحاولات الجادة لإعطاء تفسير موضوعي لهذه الظاهرة، ما اجتهد ناثان سيرز في تطويره، في دراسة موسومة بعنوان: “فشل الأمننة الكبير”، وذلك بنقده لنظرية الأمننة، التي يمكن مقاربتها بما يُشبِه “التوريق” في العمليات المصرفية، والتي تستهدف مفهوم “الأمن الكلي”، إذ نجد عبر مبدأ دمج الرهون الفردية ذات الخصائص المتشابهة، أو المتساوية والمتماثلة، في مجموعة واحدة، مقارنة جائزة بالفكر الجيوسياسي، الذي حاول سيرز تحليله. وفي رأي سيرز، فإن إجماع القوى العظمى، أو التنافس على الاستقطاب، هو الديناميكية المركزية وراء نجاح، أو فشل الأمن الكلي في العلاقات الدولية. ففي غياب كيان سياسي عالمي يتمتع بالسلطة والقدرات على “التحدث” و”القيام بالأمن” نيابة عن الإنسانية، فإن القوى العظمى تحاول جاهدة أن تُشَكِّل على أساس جماعي مصير الأمن الكلي وسلامة البشرية.[5] والحجة هنا هي أن الروايات الأمنية المتضاربة لـ”الأمننة الإنسانية” و”الأمن القومي”، أو طرق تأطير الهدف المرجعي، والتهديد، والتدابير الضرورية للأمن، التي تُشَكِّل تفكير القوى العظمى وأفعالها تجاه الأمن الكلي الإنساني. وعندما تسود قصة الأمننة الإنسانية، فإن هذا يمكن أن يفتح المجال لإجماع القوى العظمى على المواطنة الكلية؛ ولكن عندما تنتصر فكرة الأمن الوطني، تندفع الدول للاحتماء من استقطاب، ومنافسات القوى العظمى، التي تسعى إلى إعطاء الأولوية للسلطة والأمن الوطنيين على أمن وبقاء الجنس البشري. لذلك، نجد أن أطروحة ناثان سيرز تدرس ثلاث حالات تاريخية عن الأمن الكلي، الذي يمثل الفشل في العلاقات الدولية، وهو ما جرى في محاولة السيطرة الدولية على الطاقة الذرية بين عامي 1942-1946، واتفاقية الأسلحة البيولوجية بين عامي 1968-1972، والذكاء الاصطناعي من 2014 حتى الآن. ويطرح الإطار النظري ثلاث متغيرات لشرح تأثير الروايات الأمنية المتضاربة على القوى العظمى؛ أولاها، استقرار توزيع القوة في النظام الدولي؛ وثانيتها، سلطة ومصالح الجهات الفاعلة في التوريق المحلي على جمهور الدولة؛ وثالثتها، معتقدات وتصورات القادة السياسيين حول التهديدات. في النهاية، تفشل عملية الأمن الكلي عندما تفضل هذه الظروف رواية أمنية عن الأمن الوطني بين القوى العظمى، حيث يفوق الخوف من “الآخر” الخوف من التهديد الوجودي.

نقاشات تتجدد:

كما أسلفنا، تُشير كل الدلائل إلى وجود أزمة في النظام العالمي، وتؤكد الاستجابة الدولية غير المنسقة لوباء الفيروس التاجي “كورونا”، والاحتباس الحراري، وتغيرات المناخ، والركود الاقتصادي الناتج عنها، وعودة السياسات الشعبوية، وتصلب حدود الدولة بعد خضات العولمة، وحتى “مونديال كأس العالم بدولة قطر”، يبدو أن كلها تبشر بظهور نظام دولي أقل تعاوناً وأكثر هشاشة. [6]وبحسب العديد من المراقبين، فإن هذه التطورات أكدت مخاطر سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب “أمريكا أولاً” وانسحابه من القيادة العالمية، مثلما فعلتها نماذج الانكفاء، التي سبق أن سُمِيَّت بـ”العزلة المجيدة” من قبل. فقد شهدنا أنه حتى قبل الوباء، انتقد ترامب بشكل روتيني قيمة التحالفات والمؤسسات القائمة؛ مثل، حلف شمال الأطلسي، وانسحب من مجموعة من الاتفاقيات والمنظمات الدولية، ولم يتردد في دعم تفكك الاتحاد الأوروبي، وتصالح مع قادة أنظمة كان الغرب يعتبر حكامها “مستبدين”؛ مثل، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وكان عكس أسلافه في استخدامهم لسلاح القيم الليبرالية في معارك الاستقطاب، بل تساءل عن مزايا وضع هذه القيم الليبرالية؛ مثل، الديمقراطية وحقوق الإنسان في صميم السياسة الخارجية، وتعريض هذه المصالح للخطر. وقد دعم تفضيل ترامب الواضح لسياسات المعاملات الصفرية بشكل أكبر فكرة أن الولايات المتحدة تتخلى عن التزامها بتعزيز نظام دولي ليبرالي، تشبث به كثيراً كلاً من جورج بوش الأب والابن. ولا تزال الولايات المتحدة غير قادرة على تغيير هذا الوضع، الذي أرسى قواعده ترامب، وذلك رغم محاولات استعادة الاستراتيجيات، التي قامت من خلالها المبادئ الليبرالية. وباءت اجتهادات الديمقراطيين، بقيادة الرئيس جو بايدن من استعادة مسؤوليات الولايات المتحدة الأمريكية ووضعها على رأس القوة العالمية، التي لم يعدو كونها خطوة إضافية على طريق الفوضى الدائمة، بدلاً عن الفوضى الخلاقة، التي كانت صِنْعَة المحافظين الجدد.

وتتعلق إحدى أكثر النقاشات استعصاءً في مجال السياسة العالمية بعمليات خِدَع الاستقطاب، التي ربطت نظام القطبية بالاستقرار الدولي. على الرغم من العديد من العروض النظرية والمنهجية، والاختبارات المحدودة لتوافقاتها، لا يزال الخلاف قائماً حول نوع الهيكل وتوزيع القوة الأكثر استقراراً. فقد ركز الحوار طوال الحرب الباردة حول القطبية والاستقرار على المزايا النسبية للهياكل ثنائية القطب الغربي والشرقي، أو بين حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي، ومتعددة الأقطاب، إذا احتسبنا في المعادلة منظومة دول عدم الانحياز، التي تمخضت عن لقاء باندونج، عام 1955، في إندونيسيا، وكانت تتزعمها مصر جمال عبدالناصر، ويوغسلافيا جوزيف بروز تيتو، وإندونيسيا أحمد سوكارنو. بمعنى آخر، استمر الحوار بلا نتائج، رغم أنه طرأ سؤال: ما هو تكوين مراكز القوة الأكثر استقراراً، اثنان، أو أكثر من هذا الرقم؟ فكان للمدافعين عن كل نظام أتباعهم، واستمر الحال لبعض الوقت، وما يزال متفاعلاً حتى الآن، بموافقة شبه جماعية على عدم الاتفاق. إن معظم الجدل الدائر حول الاستقطاب والاستقرار لم يفض إلى إجابات صريحة، إذ كثيراً ما صُرِّحَ بعباراتٍ لا يسهل فهمها، أو طُرِحَت مسائل مُعَقَّدَة يصعب حلها. لذلك، فإن الهدف الذي عبرت عنه آراء باتريك جيمس ومايكل بريشر، في بحثهما عن “الاستقرار والقطبية: مسارات جديدة للاستفسار”، هو إعادة صياغة النقاش، من أجل تسهيل حكم تجريبي أكثر إقناعاً للادعاءات المتنافسة. [7]وبشكل أكثر تحديداً، يتضمن هذا البحث مراجعة المفاهيم المركزية، والتأكيد على أن القطبية لا يمكن تقييمها فقط من حيث توزيع القوة، إذ يجب أن يتضمن المفهوم أيضاً فكرة مراكز القرار المستقلة. فيما يتعلق بعدم الاستقرار، يقولان إن الحرب تُعتبر مقياساً أقل شمولية من الأزمة الدولية. يوصى بأن يركز الاختبار المتجدد على ربط القطبية بالاستقرار على النحو المحدد.[8]

من جانبه، يعتبر الكاتب الروسي فلاديسلاف سولويانوف، في بحث له بعنوان: “مفهوم التعددية القطبية: تنوع المناهج والتفسيرات”، أن التعددية القطبية هي سؤال مفتوح للنقاش، وتنوع الإجابات، التي تساهم ليس فقط في الفهم الشامل للظاهرة، ولكن أيضاً في تصور العمليات، التي تحدث في السياسة العالمية.[9] ويعتقد سولويانوف أن الكشف عن محتوى مفهوم التعددية القطبية يتم من خلال وجهات نظر الواقعية، والواقعية الجديدة، والنهج الحضاري، والنهج الإقليمي، والليبرالية، والبنائية، أما من منظور الواقعية، فيمكن اعتبار التعددية القطبية انعكاساً موضوعياً لتطور العالم. ويتمثل أساس التعددية القطبية، وفقاً لهذا التصور، في نمو الإمكانات الاقتصادية والعسكرية والسياسية للقوى غير الغربية، وإضعاف مكانة الولايات المتحدة كقيادة عالمية. ففي الوقت، الذي تنظر فيه الواقعية الجديدة إلى التعددية القطبية باعتبارها خاصية للنظام الدولي تؤثر على سلوك الدول، فإن النهج الحضاري يركز على تحديد الحضارات كجهات فاعلة جديدة ومراكز قوة على المسرح العالمي. ويسلط النهج الإقليمي الضوء على أهمية عمليات الأقلمة المتزايدة، وإنشاء أنظمة تكامل إقليمي، التي تساهم في تشكيل التعددية القطبية في سياق صعود القوى الإقليمية وإضعاف مكانة الولايات المتحدة العالمية. وتسعى الليبرالية إلى تقييم تأثير التعددية القطبية على استقرار وأمن النظام الدولي. وإلى جانب الموقف المتوقع من التعددية القطبية باعتبارها تهديداً للسلام والأمن، هناك وجهة نظر أخرى أكثر تفاؤلاً، إذ تعتبر البنائية التعددية القطبية بمثابة خطاب للسياسة الخارجية ومشروع لعدة دول، وفي مقدمتها روسيا.[10]

تناقض التفسيرات:

لقد كان هناك إجماع واسع يتقاسمه الأكاديميون والمعلقون السياسيون وصانعو السياسات الأمريكيون، منذ نهاية الحرب الباردة وحتى نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة على الأقل، وفحواه أن العالم أحادي القطب، وسيظل كذلك لبعض الوقت. ولكن، على النقيض من ذلك، ساد تفسير خارج الولايات المتحدة يقول بتعدد الأقطاب؛ على الرغم من الاختلافات في التفاصيل، يبدو أن دول البريكس، وبعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، تتشارك في وجهة نظر واحدة، وهي أن العالم هو بالفعل متعدد الأقطاب، أو سيصبح كذلك قريباً جداً. [11]وهذا التناقض استدعى التشكيك في ادعاء الواقعيين الجدد بأن القطبية هي عنصر الهيكلة المركزية للنظام الدولي حيث يفترض هذا أنه يمكن للمحللين الاتفاق، على الأقل، على ما إذا كانت هذه الفترة هي حقاً أحادية القطب، أو ثنائية القطب، أو متعددة الأقطاب. ويستكشف قويدلا كيرسمايكر في كتابه “القطبية وتوازن القوى ونظرية العلاقات الدولية”، هذا التناقض، ويحدد تعريفات مختلفة للقطبية، ويعود إلى جذور الحرب الباردة، التي تأثرت بها بشدة.[12] ثم يلقي نظرة على القرن التاسع عشر ويظهر أنه على الرغم من حقيقة أن ذلك يعتبر عادة متعدد الأقطاب، إلا أن توزيع القوة والعلاقات بين القوى العظمى كان أكثر تشابهاً مع أحادي القطب بعد الحرب الباردة، مما هو مقبول عادة. ويقارن طريقة استخدام تعدد الأقطاب في النصوص الفرنسية بالطريقة، التي استخدم بها ميزان القوى في القرن التاسع عشر، ويُبين أن الخطابين كان لهما نفس الوظيفة بالفعل. على النقيض من ذلك، فإن أحادية القطب والهيمنة الأمريكية قريبة من التقليد الأوروبي القديم للملكية العالمية، والذي رفضه تفكير توازن القوى.

بعد كل شيء، فإن التنبؤات بالتراجع الأمريكي والتحول في النظام الدولي بعيدة كل البعد عن كونها جديدة، وإن لم تصدق في بعض تفاصيلها، إلا أنها لم تكن خاطئة دائماً. ففي منتصف الثمانينيات، اعتقد العديد من المحللين أن القيادة الأمريكية كانت في طريقها للتداعي والانهيار، إذ انتهى نظام بريتون وودز في السبعينيات، وواجهت الولايات المتحدة منافسة متزايدة من اقتصادات أوروبا وشرق آسيا، ولا سيما ألمانيا الغربية واليابان. وبدا الاتحاد السوفياتي وكأنه سمة دائمة للسياسة العالمية، ولكن بحلول نهاية عام 1991، كانت نهايته الكارثية، وقد تفكك حلف وارسو رسمياً، وكانت اليابان تدخل “العقد الضائع” من الركود الاقتصادي، واستهلكت مهمة التكامل الأوربي المكلفة ألمانيا الموحدة. وبالتزامن مع هذه التراجعات والانهيارات والتفكك والضياع، شهدت الولايات المتحدة عقداً من الابتكار التكنولوجي المزدهر والنمو الاقتصادي المرتفع بشكل غير متوقع. بالإضافة إلى ذلك، فقد مكنت للنظام، الذي قادته الولايات المتحدة في فترة ما بعد الحرب الباردة ثلاث تطورات مهمة؛ أولها، خفوت حِدَّة الاستقطاب، لأن الولايات المتحدة لم تواجه أي مشروع أيديولوجي عالمي كبير يمكن أن ينافس مشروعها، بعد هزيمة الشيوعية. وثانيها، مع تفكك الاتحاد السوفيتي والبنية التحتية المصاحبة له من المؤسسات والشراكات، افتقرت الدول الأضعف إلى بدائل مهمة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين عندما تعلق الأمر بتأمين الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي. والثالثة، كان المستقطبون الجدد من اليسار المنهزم قد تحولوا إلى نشطاء وقادة حركات عابرة للحدود ينشرون القيم والمعايير الليبرالية، التي عززت النظام الليبرالي في المجتمعات الممانعة. وكانت النتيجة ما وصفه كثيرون بـ”لحظة أحادية القطب” للهيمنة الأمريكية، لكنها هذه المرة كانت لحظة مختلفة حقاً، فالقوى ذاتها، التي جعلت الهيمنة الأمريكية دائمة للغاية من قبل تدفع اليوم إلى تفككها. [13]

إن كيرسمايكر لم يكن وحده في تلك الملاحظات، فبعد الحرب الباردة كان هناك فعلاً الكثير من التناقض بين التفسيرات متعددة الأقطاب وأحادية القطب للنظام الدولي الجديد، الذي حاول أن يجد له اعترافاً عقب نهاية القطبية الثنائية. ونظراً لأن الواقعية الجديدة والواقعية الكلاسيكية الجديدة تنظران إلى القطبية كعنصر هيكلي مركزي في العلاقات الدولية، يتعين على المرء أن يتفق على ما إذا كانت فترة معينة أحادية القطب، أو ثنائية القطب، أو متعددة الأقطاب. علاوة على ذلك، غالباً ما يتم استخدام التعددية القطبية في البيانات الرسمية من قبل دول البريكس، أو الاتحاد الأوروبي. ويمكن مقاربة هذا التناقض من خلال تطبيق مفهوم القطبية أولاً على الحرب الباردة والقرن التاسع عشر؛ وما بعد الحرب الباردة. كما تَصِحُّ مقارنة خطاب القطبية في فرنسا والولايات المتحدة مع تقليد توازن القوى التاريخي.[14] وقد استخدمت عبارات الهيمنة والإمبراطورية والقطبية الأحادية، بعد الحرب الباردة، لوصف الهيمنة الأمريكية، سواء في النقاش العام الأوسع، أو في الأدبيات الأكاديمية. ومع ذلك، فقد امتنع صانعو السياسة دائماً عن استخدام مثل هذه المصطلحات، على الرغم من أن السياسة الخارجية الأمريكية، منذ منتصف التسعينيات، اعتبرت ضمنياً الهيمنة الأمريكية وقيادة المجتمع الدولي أمراً مفروغاً منه. علاوة على ذلك، وافقت إدارة جورج دبليو بوش ضمنياً أيضاً على ظهور قوى عظمى جديدة بهدف الحفاظ على الهيمنة الأمريكية. وخلال نزاع 2003 مع فرنسا حول غزو العراق، استخدمت واشنطن لغة القطبية بشكل صريح، رافضة تماماً لمنطق التعددية القطبية، لكن هذا أشَّرَ في المقام الأول إلى اختلافات في وجهات النظر داخل تحالفات الناتو، وبالتالي أوجد حالة من القطبية العنقودية. ولكن فقط في ظل إدارة أوباما تم قبول مبدأ التعددية القطبية كتطور واقعي ينبغي التعامل مع حقائقه المستجدة، من دون استعلاء وتَجَبُّر.

تراجع فاضح:

في خِضَمِّ ما دار ويدور من نقاشات، ما توقع أحد أن يتراجع مُفَكِّر المحافظين الجدد المدلل فرانسيس فوكوياما بهذه السرعة من قطعياته وحتمياته، التي شغل بها الناس أكثر من عقدين من الزمان، بعد أن انتصر لليبرالية، وأعلن في لحظة الزهو بسكرة القضاء على الاتحاد السوفيتي “نهاية التاريخ، والرجل الأخير”، مُبَشِرَاً ببزوغ فجرٍ جديد للرأسمالية والقطبية الأحادية لا تغرب عنه الشمس. ولكن، كما قال حديثاً: “يبدو أن الصور المروعة لأفغان يائسين يحاولون الخروج من كابول بعد انهيار الحكومة المدعومة من الغرب في أغسطس تشير إلى منعطف كبير في تاريخ العالم، حيث ابتعدت أمريكا عن العالم. لكن في الحقيقة، جاءت نهاية الحقبة الأمريكية قبل ذلك بكثير”.[15] بل وأقَرَّ أن المصادر طويلة المدى للضعف والانحدار الأمريكي محلية أكثر منها دولية. وتكهن أن أمريكا ربما تبقى قوة عظمى لسنوات عديدة، لكن مدى تأثيرها يعتمد على قدرتها على إصلاح مشاكلها الداخلية، بدلاً من سياستها الخارجية. فقد استمرت فترة ذروة الهيمنة الأمريكية أقل من 20 عاماً، من سقوط جدار برلين، في عام 1989، إلى الأزمة المالية في 2007-2009. كانت البلاد مهيمنة في العديد من مجالات القوة العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية. وكانت ذروة الغطرسة الأمريكية هي غزو العراق في عام 2003، عندما كانت تأمل في إعادة تشكيل، ليس فقط العراق وأفغانستان، التي تم غزوها قبل عامين، ولكن الشرق الأوسط بأكمله. ويقول فوكوياما إن أمريكا بالغت في تقدير فعالية القوة العسكرية لإحداث تغيير سياسي عميق، حتى في الوقت، الذي قللت فيه من تقدير تأثير نموذج اقتصاد السوق الحرة على التمويل العالمي. وانتهى العقد بتورط قواتها في حربين ضد التمرد، وأزمة مالية زادت من التفاوتات، التي أحدثتها العولمة بقيادة الولايات المتحدة.[16]

بقراءته للواقع الحقيقي، يعترف فوكوياما أن “القطبية الأحادية” نادرة في التاريخ، لأن العالم كان يعود إلى حالة طبيعية كلما تصيدت قوة كبرى ضعف الآخرين، وحاولت أن تجثم على أقدارهم. والآن، “مع اكتساب الصين وروسيا والهند وأوروبا ومراكز أخرى القوة مقارنة بأمريكا، من المرجح أن يكون التأثير النهائي لأفغانستان على الجغرافيا السياسية ضئيلاً: فقد نجت أمريكا من هزيمة مذلة سابقة عندما انسحبت من فيتنام في عام 1975، لكنها استعادت هيمنتها في غضون ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمان. التحدي الأكبر بكثير لمكانة أمريكا العالمية هو محلي”.[17] وهذا إقرار صريح بالحقيقة، التي حاول من قبل أن يصوغها بشكل موسع في كتابه “أمريكا على مفترق الطرق: ما بعد المحافظين الجدد”،[18] الذي ركز فيه بشكل واضح على حدة وخِدَع الاستقطاب الداخلي، وارتباطه بجوار أمريكا الديمغرافي والجغرافي المباشر. والذي اختصره لاحقاً الرئيس دونالد ترامب في هزلية “حائط” الحدود مع المكسيك، باعتباره خط الصد الأوحد لهجرة كل أمريكا اللاتينية لـ”الفردوس” الأمريكي. فالمجتمع الأمريكي، كما يصفه فوكوياما، شديد الاستقطاب، ويجد صعوبة في إيجاد إجماع على أي شيء تقريباً. ويقول إن هذا الاستقطاب بدأ حول قضايا السياسة التقليدية؛ مثل، الضرائب والإجهاض، لكنه تحول منذ ذلك الحين إلى صراع مرير حول الهوية الثقافية، الذي تعقده موجات الهجرة اللاتينية. وقد امتدت هذه الصراعات إلى جميع جوانب الحياة، من الرياضة إلى العلامات التجارية. من المنتجات الاستهلاكية، التي يشتريها الأمريكيون ذوو اللون الأحمر والأزرق، من دون ذِكرٍ للأبيض والأصفر والأسود.

ويقترب بيتر سانشيز، أكثر من التأشير على عمق الاستقطاب بين ما هو خارجي وداخلي في السياسة الأمريكية، وذلك في مقال له حول “نهاية الهيمنة: بنما والولايات المتحدة”، يقول فيه إن سياسة الولايات المتحدة تجاه بنما في القرن الماضي كانت متسقة ومركزة على الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، حتى لو بدا في بعض الأحيان أن الاقتتال البيروقراطي والسياسة الداخلية يجعل السياسة الأمريكية فوضوية.[19] خلال أزمة نورييغا في الثمانينيات، والتي غالباً ما يُنظر إليها على أنها حالة فشلت فيها واشنطن، كانت تصرفات الولايات المتحدة منطقية وفعالة في تعزيز المصالح الأمريكية. على الرغم من أن الولايات المتحدة قد سلمت السيطرة على القناة إلى بنما في 31 ديسمبر 1999، وأغلقت جميع القواعد العسكرية الأمريكية، فقد فعلت ذلك بسبب الالتزامات التعاهدية، ولأن الهيمنة الأمريكية كانت أكثر أماناً من أي وقت مضى في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. على الرغم من أنها دفعت ثمناً باهظاً كمستعمرة جديدة للولايات المتحدة لما يقرب من 100 عام، إلا أن بنما سيطرت أخيراً على أعظم أصولها؛ بما في ذلك موقعها الجغرافي وقناة بنما. لذلك، يعتقد فوكوياما أن نفوذ أمريكا في الخارج يعتمد على قدرتها على إصلاح مشاكلها الداخلية، ويعزز رأيه بأن الاستقطاب الداخلي على السياسة الخارجية بشكل مباشر. ويذكر مثالاً لذلك أنه خلال رئاسة باراك أوباما، اتخذ الجمهوريون موقفاً متشدداً ووبخوا الديمقراطيين بسبب “إعادة ضبط” روسيا وسذاجتهم المزعومة بشأن فلاديمير بوتين. ولذلك، قلب دونالد ترامب الأمور باحتضانه لبوتين، واليوم يعتقد نصف الجمهوريين تقريباً أن الديمقراطيين يشكلون تهديداً لأسلوب الحياة الأمريكي أكبر من روسيا.[20]

مخاوف اليمين:

إن الجمهوريين في الولايات المتحدة الأمريكية لا يعرفون تحديداً إلى ماذا يطمئنون، وممن يخافون، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، نشرت مجلة “فورين أفيرز” مقالاً للأكاديمي، وأستاذ العلوم السياسية في كلية بارنارد بجامعة كولومبيا “ألكسندر كولي”، و”دانيال نيكسون“، الأستاذ المشارك في كلية الخدمة الخارجية وقسم الحكومة في جامعة جورجتاون، مقالاً بعنوان: “الخروج من الهيمنة: تفكك النظام العالمي الأمريكي”، جاء في افتتاحيته أن أمريكا تعيش في فترة من عدم اليقين الشديد بشأن مصير قيادتها للعالم.[21] وتبع الجدل حول الانحدار الأمريكي، الذي ميز الثمانينيات، نقاش حول الهيمنة الجديدة غير المتنازع عليها للولايات المتحدة، في أعقاب انهيار منافسها العسكري الجاد، إذ كانت نهاية الحرب الباردة انتصاراً أيديولوجياً وسياسياً للولايات المتحدة، وتم الاحتفال بها على نطاق واسع، باعتبارها إثباتاً لاستراتيجية الاحتواء والضغط طويلة المدى، التي اتبعها الأمريكيون على مدى أربعة عقود. في الوقت نفسه، خلقت فراغاً في سياسة الولايات المتحدة، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان نظام القواعد المتطور والميزانيات العسكرية الضخمة، التي تم إنشاؤها خلال الحرب الباردة ضرورية. على الرغم من حدوث بعض التخفيضات في الميزانيات، إلا أن الانكماش الإجمالي للقدرة العسكرية الأمريكية، ومدى وصولها في التسعينيات كان صغيراً، وبدلاً من ذلك تم شن حملة قوية لتدعيم وتوسيع نظام التفوق غير المسبوق، الذي اكتسبته الولايات المتحدة. وتعمدت المؤسسات المهيمنة على التوجهات العامة في أمريكا صياغة مذاهب جديدة من الأحادية، والاستباقية، والأولوية لتبرير الحفاظ على القوة العالمية للولايات المتحدة. كان المنتج النموذجي لهذا الجهد هو مشروع القرن الأمريكي في عام 1998، والذي وقعه العديد من الجمهوريين، الذين سرعان ما تولوا مناصب في إدارة بوش.[22]

وفي المحصلة المتوقعة، يعتقد الكثيرون أن رئاسة دونالد ترامب تمثل نهاية النظام الدولي الليبرالي؛ نظام المؤسسات والقواعد والقيم العالمية، التي شكلت النظام الدولي الأمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. من المؤكد أن رفض ترامب المتكرر للنظام الليبرالي، وانتقاداته لحلفاء الولايات المتحدة على المدى الطويل، وتقاربهم مع القادة الاستبداديين يقوض بالتأكيد النظام الدولي الأمريكي، لكن الحقيقة هي أن النظام الدولي الليبرالي كان يتآكل بهدوء لمدة خمسة عشرة عاماً على الأقل.[23] لذلك، تحاول كثير من الدراسات أن تتحدى فكرة أن الولايات المتحدة هي قوة مهيمنة آخذة في التراجع، أو أن النظام الغربي في خطر، معتمدة في ذلك على بعض المقارنات بين الناتج الاقتصادي والتجارة وإحصاءات القوة، التي تُشير إلى أن الولايات المتحدة لا تزال تحتفظ بمكانة أكثر تفضيلاً من الهيمنة السابقة في فترات مماثلة في مسار حكمهم فيما يتعلق بكل من حلفائها وخصومها. والأهم من ذلك، يركزون على مؤشرات القوة، على عكس المؤشرات الاقتصادية، وإلى أن توزيع القوة في النظام العالمي، الذي يظنون أنه لم يتغير إلا قليلاً منذ الحرب العالمية الثانية، ويجزمون أنه لا يزال يؤمن الهيمنة الأمريكية. ويقولون بإصرار الواثق إن مقدمات الحديث عن الهيمنة الأمريكية المتضائلة هي تقييم عصري شائع، ولكنه غير دقيق.[24]

الهاجس الأكبر:

لقد ظن غالب الغربيين أن الصين هي الهاجس الأكبر، بعد أن خُيِّلَ إليهم أن “إعادة ضبط” روسيا ضمن السياق الليبرالي يمكن أن تؤتي أكلها بأسرع من خطل أحلامهم. وقد تعالت الهمسات، بل التصريحات بهذه الأحلام الأوهام، رغم التنبيهات القوية، التي أطلقها زبيغنيو بريجينسكي في “منتدى الأمن العالمي”، الذي عقد في 3 أبريل 2013 في العاصمة السلوفاكية براتسلافا، وقال فيها إن النزعة القومية المتشددة في روسيا ستمنعها من الانخراط في المنظومة الغربية.[25] بيد أن هناك إجماع أكثر وضوحاً بشأن الصين، إذ يتفق كل من الجمهوريين والديمقراطيين على أنها تشكل تهديداً لـ”القيم الديمقراطية”. لكن هذه المخاوف هي فقط ما تضمره أمريكا حتى الآن، وستكون تايوان اختباراً له، وهو اختبار أعظم بكثير للسياسة الخارجية الأمريكية من أفغانستان، إذا تعرضت لهجوم صيني مباشر. فهل يشفع هذا الاجماع للولايات المتحدة أن تكون على استعداد للتضحية بأبنائها وبناتها من أجل استقلال تلك الجزيرة؟ أو في الواقع، سيكون بذات الدرجة من “التهويش” السابق، بأنها ربما ستخاطر بالصراع العسكري مع روسيا إذا غزت الأخيرة أوكرانيا؟ ورغم ما يبدو من أن هذه أسئلة جادة، إلا أنها ستظل من دون إجابات سهلة، خاصة بعد أن غزت روسيا أوكرانيا بالفعل، واعتذرت واشنطن عن زيارة عضو الكونغرس المتهورة نانسي بيلوسي للعاصمة التايوانية تايبي. ولكن من المحتمل أن يتم إجراء نقاش منطقي حول المصلحة الوطنية الأمريكية في المقام الأول من خلال عدسة كيفية تأثيرها على النضال الحزبي مستقبلاً.[26]

إذا كان القول إن أحادية القطب هي المفهوم الأكثر شيوعاً المستخدم لتحليل الموقف العالمي للولايات المتحدة، الذي ظهر في عام 1991، فإنه يمكن أخذ وجهة نظر ستيفن بروكس وويليام وولفورث، الوارد في بحثهما الموسوم: “صعود وسقوط القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين: صعود الصين ومصير الموقف العالمي لأمريكا”، الذي يؤكدان فيه أن المفهوم غير مناسب تماماً لتقييم كيف تغير هذا الموقف في السنوات، التي تلت ذلك. إن إطار العمل الجديد، الذي يتجنب المزالق المفاهيمية للقطبية الأحادية، ويوفر نهجاً منظماً لقياس كيفية تغير توزيع القدرات في السياسة العالمية للقرن الحادي والعشرين، يوضح أن الولايات المتحدة ستظل لفترة طويلة الدولة الوحيدة، التي لديها القدرة على أن تكون قوة عظمى. بالإضافة إلى ذلك، الصين في طبقة بحد ذاتها، فئة لا يمكن لمفهوم القطبية الأحادية تفسيرها. ولتقييم السرعة، التي قد يحول بها صعود الصين هذا الأمر إلى شيء آخر غير نظام القوة العظمى الواحدة، فإن المقارنات من تحولات القوة السابقة مضللة. ويذهب بروكس وولفورث إلى التقرير بأنه على عكس القوى الصاعدة السابقة، تتمتع الصين بمستوى تكنولوجي أقل بكثير من مستوى الدولة الرائدة، والفجوة، التي تفصل بين القدرات العسكرية الصينية والأمريكية أكبر بكثير مما كانت عليه في الماضي. بالإضافة إلى ذلك، تغيرت طبيعة القوة ذاتها: فالصعوبة المعززة بشكل كبير لتحويل القدرة الاقتصادية إلى قدرة عسكرية تجعل الانتقال من قوة عظمى إلى قوة عظمى أصعب بكثير الآن مما كان عليه في الماضي. ومع ذلك، فإن صعود الصين حقيقي والتغيير على قدم وساق،[27] ولا شك أن التَعَجُّل في تأسيس حلف “الأوكوس”،[28] بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا، إلا إدراك مباغت لهذه الحقيقة، تنبهت فيه هذه القوى الغربية أنها لم تعد وحدها، التي يمكن أن تهيمن على العالم.

اليوم، انقلبت هذه الديناميكيات نفسها ضد الولايات المتحدة: فقد حلت الحلقة المفرغة، التي أدت إلى تآكل القوة الأمريكية محل الدورات الفاضلة، التي عززتها ذات يوم، وما زالت تخسرها حتى اليوم. [29]مع صعود القوى العظمى مثل الصين وروسيا، تنافس المشاريع غير الليبرالية النظام الدولي الليبرالي، الذي تقوده الولايات المتحدة، وتدخل معركة استقطاب حادة مع قوىً مارست خِدَع الجزرة والعصا في فترة اضطراب نظام القطبية، الذي أعقب نهاية الحرب الباردة. والآن، يمكن للبلدان النامية؛ وحتى العديد من الدول المتقدمة، البحث عن رعاة بديلين بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على جزرة الهبات والدعم الغربيين، والنجاة من عصا الردع والتخويف. ونلاحظ أن الكثير من الشبكات الغربية العابرة للحدود، وغير الليبرالية، واليمينية في كثير من الأحيان، تعمل ضد أعراف النظام الدولي الليبرالي وأعماله، التي كانت تبدو ذات يوم صلبة للغاية. باختصار، القيادة العالمية للولايات المتحدة ليست في حالة تراجع ببساطة؛ إنه يتفكك. والتراجع ليس دورياً، ولكنه دائم. فمنذ ذلك الحين، فتحت جهات الإقراض الصينية التابعة للدولة، مثل بنك التنمية الصيني، خطوط ائتمان كبيرة عبر إفريقيا والعالم النامي. وفي أعقاب الأزمة المالية لعام 2008، أصبحت الصين مصدراً مهماً للقروض والتمويل الطارئ للدول، التي لم تتمكن من الوصول إلى المؤسسات المالية الغربية، أو تم استبعادها منها. وخلال الأزمة المالية، قدمت الصين أكثر من 75 مليار دولار من القروض لصفقات الطاقة لدول في أمريكا اللاتينية؛ مثل، البرازيل والإكوادور وفنزويلا، وأخرى في أوراسيا؛ مثل، كازاخستان وروسيا وتركمانستان، وأنفقت أضعاف هذا الرقم في قروض واستثمارات في غالب الدول الأفريقية. ومنذ ذلك الحين، تجاوزت مدفوعات المساعدات الأمريكية السنوية، إذ بلغ إجمالي مساعدات المساعدات الخارجية الصينية بين عامي 2000 و2014 بلغ 354 مليار دولار، وتضاعف فيما تلى ذلك من أعوام حتى 2022. 

لقاء التنين والدب:

لقد فات على الغرب فعلاً الانتباه الحصيف لخطوات التقارب الصيني الروسي في مراحله الأولى، وذلك للانشغال الكبير بالتجارة مع الصين ومحاولات استمالة موسكو نحو أوروبا وأمريكا، ولم يُدْرِكوا أن عودة القوة العظمى في الشرق إلى بعضها، وتشكيل تحالفات استراتيجية تمثل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الغرب، بما في ذلك أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية. فاليوم، تقدم هذه القوى العظمى الأخرى مفاهيمَ منافسة للنظام العالمي، غالباً ما تكون تروق لكثير من قادة الدول الأضعف، التي سئمت خِدَع الاستقطاب الغربي. والغرب لم يعد يحتكر حتى “المحسوبية”، التي شكلت الكثير من سياسته في الماضي، فالمنظمات الإقليمية الجديدة والشبكات العابرة للحدود غير الليبرالية تتحدى النفوذ الأمريكي. ولا شك أن التحولات طويلة الأجل في الاقتصاد العالمي، ولا سيما صعود الصين، مسؤولة عن العديد من هذه التطورات والتغيرات، وما التقارب الصيني الروسي إلا البداية، التي غيرت المشهد الجيوسياسي. ففي أبريل 1997، تعهد الرئيس الصيني جيانغ زيمين والرئيس الروسي بوريس يلتسين “بتعزيز تعدد الأقطاب في العالم وإقامة نظام دولي جديد”،[30] ولسنوات عديدة، قلل الكثير من العلماء وصانعي السياسات الغربيين من شأن مثل هذه التحديات، أو رفضوها، باعتبارها خطابات تمنيات لا تصمد أمام حقائق الواقع. وجادلوا بأن بكين ظلت ملتزمة بقواعد ومعايير النظام، الذي تقوده الولايات المتحدة، مشيرين إلى أن الصين استمرت في الاستفادة من النظام الحالي. وحتى في الوقت، الذي أصبحت فيه روسيا أكثر حزماً في إدانتها للولايات المتحدة في العقد الأول من هذا القرن ودعت إلى عالم أكثر تعددية، لم يعتقد المراقبون أن موسكو يمكنها حشد الدعم من أي حلفاء مهمين. وشكك المحللون في الغرب، على وجه التحديد، في قدرة بكين وموسكو على التغلب على عقود من انعدام الثقة والتنافس للتعاون ضد أمريكا وحلفائها.

إن مثل هذه الشكوك كانت منطقية في ذروة الهيمنة الأمريكية العالمية في التسعينيات، بل وظلت مقبولة خلال معظم العقد التالي. لكن إعلان عام 1997 يبدو الآن وكأنه مخطط للطريقة، التي حاولت بها بكين وموسكو إعادة تنظيم السياسة الدولية في السنوات العشرين الماضية. وتتنافس الصين وروسيا الآن بشكل مباشر على الجوانب الليبرالية للنظام الدولي من داخل مؤسسات ومنتديات ذلك النظام؛ في الوقت نفسه، يقومون ببناء نظام بديل من خلال مؤسسات وأماكن جديدة يمارسون فيها نفوذاً أكبر ويمكنهم التقليل من أهمية مطلوبات الدعاية الأيديولوجية الغربية، التي تتلبس حقوق الإنسان والحريات المدنية، بما فيه الحرية في مفارقة الطبيعة البشرية. ففي الأمم المتحدة، على سبيل المثال، يتشاور البلدان بشكل روتيني بشأن التصويت والمبادرات، التي تُعَظِّم مصالحهما. وبصفتهم أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فقد نسقوا معارضتهم لانتقاد التدخلات الغربية والدعوات لتغيير النظام؛ مستخدمين حق النقض ضد المقترحات، التي يرعاها الغرب بشأن سوريا والجهود المبذولة لفرض عقوبات على فنزويلا واليمن.[31] وكانت الصين وروسيا أيضاً في طليعة إنشاء مؤسسات دولية ومنتديات إقليمية جديدة تستبعد الولايات المتحدة والغرب على نطاق أوسع مما تصورته واشنطن وحليفاتها. ولعل أشهر هذه المجموعات هي مجموعة البريكس، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، وقد تتوسع أكثر في قمة 2023،[32] والتي قدمت نفسها كإطار ديناميكي لمناقشة مسائل النظام الدولي والقيادة العالمية، بما في ذلك بناء بدائل للمؤسسات، التي يسيطر عليها الغرب في مجالات حوكمة الإنترنت وأنظمة الدفع الدولية والمساعدة الإنمائية.

إن الصين وروسيا رسخا من دور البريكس، والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، يؤسسون علاقات دبلوماسية أكثر كثافة بين أعضائهم، والتي بدورها تسهل على هؤلاء الأعضاء بناء تحالفات عسكرية وسياسية، بما في ذلك مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، وآلية التعاون والتنسيق الرباعية، بعد أن أضيفت الهند وباكستان كعضوين كاملي العضوية في عام 2017. وتشكل هذه المنظمات جزءاً مهماً من البنية التحتية للنظام الدولي الجديد، وجلبت معها آليات الحكم عبر الوطنية إلى مناطق مثل آسيا الوسطى، والتي كانت في السابق منفصلة عن العديد من مؤسسات الحكم العالمي. ومنذ عام 2001، انضمت معظم دول آسيا الوسطى إلى منظمة شنغهاي للتعاون، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا، ومشروع استثمار البنية التحتية الصيني المعروف باسم مبادرة الحزام والطريق، وغيرها من المنظمات الناشئة. وتضغط الصين وروسيا لاستقطاب مناطق تهيمن عليها تقليدياً الولايات المتحدة وحلفاؤها؛ على سبيل المثال، تعقد الصين مجموعة 17 + 1 مع دول في وسط وشرق أوروبا ومنتدى الصين، الذي يجمع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وتوفر هذه التجمعات للدول في هذه المناطق ساحات جديدة للشراكة والدعم بينما تتحدى أيضاً تماسك الكتل الغربية التقليدية؛ قبل أيام قليلة من توسع مجموعة 16 + 1 لتشمل اليونان العضو في الاتحاد الأوروبي في أبريل 2020، تحركت المفوضية الأوروبية لتصنيف الصين “منافساً منهجياً” وسط مخاوف من أن صفقات مبادرة الحزام والطريق في أوروبا تقوض لوائح الاتحاد الأوروبي ومعاييره.

لحظة التلاشي:

بالنسبة للمحللين الغربيين، قد يبدو من المستبعد الحديث عن تراجع دائم للولايات المتحدة الأمريكية، التي تنفق على جيشها أكثر من منافسيها السبعة التاليين لها مجتمعين، وتحافظ على شبكة لا مثيل لها من القواعد العسكرية الخارجية، والتي يتجاوز عددها الثمانين، إضافة إلى نقاط الارتكاز المنتشرة في كل القارات. فقد لعبت هذه القوة العسكرية دوراً مهماً في خلق التفوق الأمريكي، والحفاظ عليه في التسعينيات والسنوات الأولى من هذا القرن، إلا أنه تعرض لاختبارات كارثية في العراق وأفغانستان بعد ذلك. وصار من المؤكد الآن أنه لا يمكن لأية دولة أخرى تقديم ضمانات أمنية موثوقة عبر النظام الدولي بأكمله، بما في ذلك الولايات المتحدة. لكن، ولمصلحة الحقيقة، فإن الهيمنة العسكرية للولايات المتحدة لم تكن مرتبطة بميزانيات الدفاع؛ بالقيمة الحقيقية، إذ انخفض الإنفاق العسكري الأمريكي خلال التسعينيات، ولم يتضخم إلا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أكثر من عدة عوامل أخرى، التي منها اختفاء الاتحاد السوفيتي كمنافس، وتزايد الميزة التكنولوجية، والتي يتمتع بها الجيش الأمريكي، واستعداد معظم القوى من الدرجة الثانية في العالم للاعتماد على الولايات المتحدة بدلاً من بناء قواتها العسكرية. لذلك، فقد كان ظهور الولايات المتحدة كقوة أحادية القطب متوقفاً في الغالب على تفكك الاتحاد السوفيتي، إلا أن استمرار هذه القطبية الأحادية خلال العقد اللاحق نابع من حقيقة أن الحلفاء الآسيويين والأوروبيين كانوا راضين عن الاشتراك في هيمنة الولايات المتحدة، ولم تظهر ممانعة الصين وروسيا، وغيرهما، إلا في وقت لاحق.

لهذا، يُخفي الحديث عن اللحظة الأحادية القطبية السمات الحاسمة للسياسة العالمية، التي شكلت أساس الهيمنة الأمريكية، في العقد الأخير من القرن الماضي وبداية هذا القرن، إذ أدى تفكك الاتحاد السوفيتي أخيراً إلى إغلاق الباب أمام المشروع الوحيد للنظام العالمي، الذي يمكن أن ينافس الرأسمالية. فقد اختفت الماركسية اللينينية، وتفرعاتها المختلفة، في الغالب، كمصدر للمنافسة الأيديولوجية والاستقطاب السياسي. وانهارت كل البنية التحتية العابرة للحدود المرتبطة بها، كمؤسساتها وممارساتها وشبكاتها، بما في ذلك حلف وارسو، ومجلس المساعدة الاقتصادية المتبادلة، والاتحاد السوفيتي نفسه، التي انفجرت داخلياً بكاملها. ومن هنا، قررت معظم الدول التابعة لموسكو، والجماعات المتمردة، والحركات السياسية، التي فقدت الدعم السوفيتي، أنه من الأفضل إما أن ترفع راية الاستسلام، أو أن تنضم إلى توابع الولايات المتحدة. وبحلول منتصف التسعينيات، لم يكن هناك سوى إطار واحد مهيمن للمعايير والقواعد الدولية، تمتعت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون معاً باحتكار رعاية الأمر الواقع فيما عُرِفَ بفترة القطبية الأحادية؛ مع بعض الاستثناءات المحدودة، وحاولوا إقناع كل المخالفين لهم أنهم هم المصدر المهم الوحيد المتبقي لتوفير الأمن، وإنتاج السلع الاقتصادية، وتقديم الدعم السياسي، وإصباغ الشرعية على الأنظمة غير الديمقراطية، خاصة الدول “الغنية” في الشرق الأوسط.

وبالتالي، لم تعد الدول النامية قادرة على ممارسة نفوذها القديم على واشنطن من خلال التهديد باللجوء إلى موسكو، أو الإشارة إلى خطر استيلاء الشيوعيين على السلطة لحماية أنفسهم من الاضطرار إلى إجراء إصلاحات داخلية. وقد كان اكتساح القوة والنفوذ الغربيين بلا قيود لدرجة أن العديد من صانعي السياسة أصبحوا يؤمنون بالانتصار الدائم لليبرالية، ولم تر معظم الحكومات غير الغربية بديلاً قابلاً للتطبيق. لذلك، ومع عدم وجود مصدر آخر للدعم، كان من المرجح أن تلتزم الدول بشروط المساعدات الغربية، التي تتلقاها عبر كل خِدَع الاستقطاب الجديدة. وواجه المخالفون لهذا النهج انتقادات دولية شديدة، ومطالب ثقيلة من المنظمات الدولية، التي يسيطر عليها الغرب، بما في ذلك الضغوط السياسية والحصار الاقتصادي. بينما انتهكت الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، الأعراف الدولية المتعلقة بالحقوق الإنسانية والمدنية والسياسية، وبشكل كبير في شكل الاعتقال والتعذيب والترحيل الاستثنائي، خلال ما يسمى بالحرب على الإرهاب. وكان يعينها في ذلك عدد متزايد من الشبكات عبر الوطنية، التي أوجدها نظام العلاج بالصدمة المدعوم من الغرب، الذي أدى إلى إفقار عشرات الملايين بينما خلق طبقة من القلة الأثرياء، الذين حولوا أصول الدولة السابقة إلى إمبراطوريات شخصية، بدعم من المؤسسات المالية الدولية والهيئات التنظيمية الحكومية ومحافظو البنوك المركزية الكبرى في العالم.

أحصنة طروادة:

لقد دعا انهيار الاقتصادات المخططة مركزياً، في عالم ما بعد الشيوعية، إلى انتشار ما يُسمى بـ”منظمات المجتمع المدني”، التي تدعو عشرات الحكومات عبر العالم إلى “تقليص المساحة المتاحة” لها، لأنها أصبحت عبارة عن جنود مشاة للهيمنة الأمريكية من خلال نشر الأعراف والممارسات الليبرالية على نطاق واسع، وتعزيز البنية الناشئة للنظام الدولي بعد الحرب الباردة.[33] كما أدى إلى ظهور موجات من الاستشاريين والمقاولين الغربيين للمساعدة في بدء إصلاحات السوق؛ مع عواقب وخيمة في كثير الأحيان، كما هو الحال في روسيا وأوكرانيا. وقد سعت مجموعات المجتمع المدني أيضاً إلى توجيه البلدان ما بعد الشيوعية والنامية نحو النماذج الغربية للديمقراطية الليبرالية. وقدمت فرق من الخبراء الغربيين المشورة للحكومات بشأن تصميم دساتير جديدة، وإصلاحات قانونية،[34] وأنظمة متعددة الأحزاب، وراقب المراقبون الدوليون، ومعظمهم من الدول الغربية، الانتخابات في البلدان النائية. وقامت “منظمات المجتمع المدني” غير الحكومية، التي دعت إلى توسيع نطاق حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، وحماية البيئة، بتشكيل تحالفات مع الدول المتعاطفة ووسائل الإعلام. وساعد عمل النشطاء عبر الوطنيين، والمجتمعات العلمية، والحركات الاجتماعية، في بناء مشروع ليبرالي شامل للتكامل الاقتصادي والسياسي مع الغرب. وخلال التسعينيات، بشكل خاص، وعبر الاستقطاب الحاد، ساعدت هذه القوى على إنتاج وهم بنظام ليبرالي لا يمكن التغلب عليه، يعتمد على هيمنة أمريكية عالمية دائمة.[35]

بيد أن خِدَع الاستقطاب، التي مُورِسَت بواسطة هذه المنظمات، أو من خِلالها، لم تنطل على الجميع، فَشُنَّت هجمات ضارية على “شرعيتها”، وأُمْطِرَت بوابل من الاتهامات، التي تمحورت حول أربع حجج رئيسة؛ أولاها، أن “منظمات المجتمع المدني” معيّنة بنفسها وليست منتخبة، وبالتالي لا تمثل الإرادة الشعبية. على سبيل المثال، بررت الحكومة المجرية فرض قيود جديدة على هذه المنظمات الممولة من الخارج بالقول إن “المجتمع يمثله الحكومات المنتخبة والسياسيون المنتخبون، ولم يصوت أحد لمنظمة مدنية واحدة”، واقتربت من وصفهم بالعملاء.[36] والحجة الثانية، أن “منظمات المجتمع المدني”، التي تتلقى تمويلاً أجنبياً مسؤولة أمام الدوائر الخارجية وليس المحلية، وتعمل على النهوض بالأجندات الأجنبية بدلاً من الأجندات المحلية. ففي الهند، على سبيل المثال، شجبت حكومة الرئيس ناريندا مودي المنظمات غير الحكومية البيئية الممولة من الخارج ووصفتها بأنها “معادية للقومية”، مرددة اتهامات مماثلة في السودان، وإثيوبيا، ومصر، ومقدونيا، ورومانيا، وتركيا، وأماكن أخرى. وثالث الحجج، أن “منظمات المجتمع المدني” هي جهات فاعلة سياسية حزبية متخفية في هيئة فاعلين مدنيين غير حزبيين، أو “ذئاب سياسية” في ملابس المواطنين.[37] وكثيراً ما تندد الحكومات بأهداف هذه المنظمات المدنية وأساليبها في الاستقطاب، باعتبارها سياسية بشكل غير شرعي، وترفض أي اتصالات بين الجماعات المدنية وأحزاب المعارضة، كدليل على هذا الاتهام. وتذهب الحجة الرابعة، إلى أن مجموعات المجتمع المدني هي جهات فاعلة نخبوية لا تمثل الأشخاص الذين تدعي أنها تمثلهم. ويشير النقاد إلى الخلفيات التعليمية الأجنبية، والرواتب العالية، والسفر المتكرر للنشطاء المدنيين إلى الخارج، وحملهم للجوازات الأجنبية، لتصويرهم على أنهم بعيدون عن اهتمامات المواطنين العاديين، ويعملون فقط على إدامة أسلوب حياتهم المتميز.[38]

استنتاجات:

لقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن خِدَع الغرب لاستقطاب واستمالة دول العالم تحت قيادة أمريكية أحادية فشلت تماماً، وأن فكرة القطب الواحد قد طوتها تحولات جيوسياسية متسارعة، وبقيت الأسئلة الرئيسة الآن، التي تتعلق بالبحث عن إجابة إلى أي مدى سينتشر الانهيار. فهل حقاً سينفصل الحلفاء الأساسيون عن نظام الهيمنة الأمريكية؟ وإلى متى وإلى أي مدى يمكن للولايات المتحدة أن تحافظ على هيمنتها المالية والنقدية، بعد أن تزايدت الجرأة على سيطرة الدولار؟ وباستطاعتنا أن نقول، حتى لو ظل بعض جوهر نظام الهيمنة الأمريكية، الذي يتكون في الغالب من حلفاء آسيويين وأوروبيين قديمين ويعتمد على المعايير والمؤسسات، التي تم تطويرها خلال الحرب الباردة قوياً، وحتى لو أمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الاستفادة من قوتهما الاقتصادية والعسكرية المشتركة لصالحهما، فإن الحقيقة هي أنه سيتعين على واشنطن أن تعتاد على نظام دولي معقد ومتنازع عليه بشكل متزايد، وأن تفكك الغرب سيستمر.

إن هناك اجماع، في الغرب والشرق، أن الولايات المتحدة تفتقر إلى كل من الإرادة والموارد اللازمة للمزايدة على الصين وروسيا والقوى الناشئة الأخرى على ولاء دول العالم، أو أن تبدع خِدَعَاً جديدة لإغوائها، إذ سيكون من المستحيل ضمان التزام هذه الدول برؤى الولايات المتحدة للنظام الدولي. فقد أصبحت العديد من تلك حكومات الدول تنظر إلى النظام، الذي تقوده الولايات المتحدة على أنه تهديد لاستقلاليتها، إن لم يكن لبقائها. وبعض الحكومات، التي لا تزال ترحب بالنظام الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة تتعامل الآن مع الحركات الشعبوية، وغيرها من الحركات غير الليبرالية، التي تعارضها واشنطن. فالنموذج السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة لم يستطع أن يحتفظ بجاذبية كبيرة حتى في ذروة اللحظة أحادية القطب، وذلك بعد أن فشلت في ترتيب شأنها الخاص، ويجب عليها الآن أن تدرك أن العالم لم يعد يشبه الفترة الشاذة تاريخياً للتسعينيات والعقد الأول من هذا القرن، التي مرت ولن تعود.

وفي المقابل، فإن بكين وموسكو، وهما تديران تحالف الملاءمة بينهما، في تحدٍ للتنبؤات بأنهما لن يكونا قادرين على التسامح مع المشاريع الدولية لبعضهما البعض، تواجهان عقباتهما الخاصة في إنتاج نظام بديل؛ قد تزعج بكين شركائها وعملائها بتكتيكاتها للضغط وصفقاتها الغامضة والفاسدة في كثير من الأحيان، كما أن موسكو أغرقت نفسها في محرقة ضخمة لا تستطيع أن تتحكم وحدها في وضع استراتيجية الخروج منها. وذلك، على الرغم من نجاحهما في تجاوز الكثير من عوائق العلاقة بينهما. فقد كان هذا هو الحال حتى في المجالات، التي يمكن أن تؤدي فيها مصالحهم المتباينة إلى توترات كبيرة، إذ تدعم روسيا جهاراً مبادرة الحزام والطريق الصينية، على الرغم من اقتحام آسيا الوسطى، التي لا تزال موسكو تعتبرها ساحتها الخلفية. في الواقع، منذ عام 2017، تحول خطاب الكرملين من الحديث عن “مجال نفوذ” روسي محدد بوضوح في أوراسيا إلى تبني “أوراسيا الكبرى” حيث يتوافق الاستثمار والتكامل بقيادة الصين مع الجهود الروسية لإغلاق النفوذ الغربي.[39] كما أثبتت الصين استعدادها للتكيف مع المخاوف والحساسيات الروسية، إذ انضمت إلى دول البريكس الأخرى في الامتناع عن إدانة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، في عام 2014، على الرغم من أن ذلك يتعارض بوضوح مع معارضة الصين طويلة الأمد للانفصالية وانتهاكات السلامة الإقليمية.

علاوة على ذلك، أعطت الحرب التجارية لإدارة الرئيس دونالد ترامب مع الصين حوافز إضافية لبكين لدعم الجهود الروسية لتطوير بدائل لنظام الدفع الدولي SWIFT، الخاضع لسيطرة الغرب، والتجارة المقومة بالدولار لتقويض الامتداد العالمي لأنظمة العقوبات الأمريكية. وبطبيعة الحال، فإن بعض هذه التحديات المُهَدِدَة للقيادة الأمريكية سوف تستمر، لأنها تنبع من تغير الظروف السياسية وتصرفات القادة والدول، والتوسع في “خيارات الخروج” من استقطاب الرعاة والمؤسسات والنماذج السياسية الغربية، يبدو الآن سمة غالبة للسياسة الدولية. فالحكومات لديها الآن مجال أكبر للمناورة، ويمنحهم نفوذاً أكبر، وبناء أنظمة بديلة. ونتيجة لذلك، نرى أمثلة لقيادات صاعدة؛ مثل، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني إبراهيم رئيسي، والماليزي مهاتير محمد، والباكستاني عمران خان، والسوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، والرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي،[40]  الذين وجدوا أنفسهم أوصياء على السيادة المحلية ضد التخريب الليبرالي؛ إنهم يرفضون المخاوف الغربية بشأن التراجع الديمقراطي في بلدانهم، ويؤكدون على الأهمية المتزايدة لعلاقاتهم الاقتصادية والأمنية مع الصين وروسيا، ما يعني نهاية احتكار الغرب للنموذج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأخلاقي.

________

* الدكتور الصادق الفقيه: سفير سوداني، الأمين العام السابق لمنتدى الفكر العربي، الأردن

 ** نشر هذا البحث في مجلة الاستغراب، العدد ٢٩، بتاريخ ١٢ أبريل ٢٠٢٣

الخميس 5 يناير 2023

صقاريا، تركيا


[1]  صار الغرب، في لحظة فراغه الروحي، مولعاً بفكرة “النهايات”، حتى امتلأت صفحات الكتب بحالة كثافة من التشاؤم، أخذتها الدكتورة كاتي ماك من إشكاليات الفكر والفلسفة إلى الفيزياء، فجاء كتابها الأخير، الصادر عن دار نشر سكرايبر، في 4 أغسطس 2020، بعنوان: “نهاية كل شيء – The End of Everything”، وتساءلت فيه حول: ماذا يحدث للكون في نهاية القصة؟ وماذا يعني ذلك لنا الآن؟ وللإجابة، تأخذنا المؤلفة في جولة مثيرة للعقل خلال خمسة من نهائيات الكون المحتملة: الأزمة الكبيرة، والموت الحراري، والتمزق الكبير، والتحلل الفراغي (الذي يمكن أن يحدث في أي لحظة!)، والارتداد. من خلال توجيهنا من خلال أحدث العلوم والمفاهيم الرئيسية في ميكانيكا الكم، وعلم الكونيات، ونظرية الأوتار.

[2] https://www.sahafahh.com/details/13601974?news

[3] https://alrai.com/article/780458/محليات/الأمير-الحسن-يدعو-الى-قانون-للسلام

[4] تشرفت (كاتب هذا المقال) بتكليف صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال لي لكتابة المسودة، التي قام عليها مؤتمر حول: “نظام دولي قائم على الحكم وقانون السلام – Rule-based International Order and a Law of Peace”، الذي انتظم في 12 سبتمبر 2022، في فندق انتركونتيننتال، عمان، المملكة الأردنية الهاشمية، بحضور دولي رفيع.

[5] Sears, Nathan. (2022). Sears, Nathan (2022) Great Power Rivalry and Macrosecuritization Failure- PhD Thesis.pdf.

[6] Tony Karon Daniel Levy, “What Qatar’s World Cup Tells Us About the World in 2022”, The Nation, USA, 21/12/2022.

[7] باتريك جيمس ومايكل بريشر، “الاستقرار والقطبية: مسارات جديدة للاستفسار”، مجلة أبحاث السلام، المجلد 25، رقم 1، (مارس 1988)، الصفحات 31-42.

[8] باتريك جيمس ومايكل بريشر، المصدر السابق، الصفحة 3.

[9] فلاديسلاف سولويانوف، “مفهوم التعددية القطبية: تنوع المناهج والتفسيرات”، مجلة السياسة العالمية وآفاق الديمقراطية، الصادرة عن جامعة الصداقة بين الشعوب في روسيا، العدد: المجلد 23، العدد 3 (2021): الصفحات 424-445.

[10]  ألكسندر دوغين، “أسس الجيوبولتيكا، مستقبل روسيا الجيوبولتيكي”، دار الكتاب الجديد المتحدة، 01/06/2004.

[11] البريكس هي مجموعة الدول، التي تضم جمهورية البرازيل الاتحادية والاتحاد الروسي وجمهورية الهند وجمهورية الصين الشعبية وجمهورية جنوب إفريقيا. ابتدر الجانب الروسي الفكرة، وعُقِدَ أو اجتماع وزاري لها في 20 سبتمبر 2006، وأعرب الوزراء عن اهتمامهم بتوسيع التعاون متعدد الأطراف.

[12] قويدلا كيرسمايكر، “القطبية وتوازن القوى ونظرية العلاقات الدولية”، الصادر في يناير 2017، مطبعة جامعة غينت، بلجيكا، DOI: 10.1007 / 978-3-319-42652-5

[13] https://foreignpolicy-org-tr.translate.goog/how-hegemony-ends/?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc

[14] American Hegemony Empire and Unipolarity, https://www.researchgate.net/publication/311462662

[15] فرانسيس فوكوياما، ظهر هذا المقال في القسم الخاص بالولايات المتحدة من النسخة المطبوعة من The World Ahead 2022 ، تحت عنوان “نهاية الهيمنة الأمريكية”، ونُشِرَ في 8 نوفمبر 2021. https://www-economist-com.goog/the-world-ahead/2021/11/08/francis-fukuyama-on-the-end-of-american-hegemony?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc

[16]  فوكوياما، المصدر السابق.

[17]  فوكوياما، المصدر السابق.

[18]فرانسيس فوكوياما، ” أمريكا على مفترق الطرق: ما بعد المحافظين الجدد”، ترجمة محمد محمود التوبة، الناشر: العبيكان – الرياض، الطبعة: 2007، الصفحات 276.

[19] بيتر إم سانشيز، “نهاية الهيمنة: بنما والولايات المتحدة”، المجلة الدولية حول السلام العالمي، الناشر براغون هاوس، المجلد 19، رقم 3 (سبتمبر 2002)، الصفحات 57-89.

[20] فرانسيس فوكوياما، “نهاية الهيمنة الأمريكية”، المصدر السابق.

[21] ألكسندر كولي ودانييل نيكسون، “الخروج من الهيمنة: تفكك النظام العالمي الأمريكي”، مطبعة جامعة أكسفورد، 2020، ص 304. https://www-foreignaffairs-com.translate.goog/reviews/capsule-review/2020-04-14/exit-hegemony-unraveling-american-global-order?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc

[22] ألكسندر كولي ودانيال نيكسون، “الخروج من الهيمنة: تفكك النظام العالمي الأمريكي”، مجلة “فورين أفيرز”، 9 سبتمبر 2020. https://www-foreignaffairs-com.goog/articles/united-states/2020-06-09/how-hegemony-ends?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc

[23] أندرو غامبل، “الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي: نهاية الهيمنة”، الاتحاد الأوروبي والسياسة العالمية. بالجريف ماكميلان، لندن (2009).  https://doi.org/10.1057/9780230246188_2

[24] Jacek Kugler & A. F. K. Organski (1989) The end of hegemony? International Interactions, 15:2, pp. 113-128.

[25]  زبيغنيو بريجينسكي، جاء ذلك في كلمته الافتتاحية لـ”منتدى الأمن العالمي”، في 3 أبريل 2013، الذي نظمته المفوضية الأطلسية السلوفاكية، وهو مؤتمر سنوي حول الشؤون الأوروبية والاقتصاد. وشاركت فيه (كاتب المقال) كأمين عام منتدى الفكر العربي وقتئذٍ.

[26] فرانسيس فوكوياما، “نهاية الهيمنة الأمريكية”، المصدر السابق.

[27] ستيفن ج.بروكس وويليام سي وولفورث، “صعود وسقوط القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين: صعود الصين ومصير الموقف العالمي لأمريكا”، مجلة الأمن الدولي، مطبعة MIT، المجلد 40، رقم 3 (شتاء 2015/16)، الصفحات 7-53.

[28] تعتبر الـ”أوكوس – AUKUS” شراكة دفاعية جديدة وقعتها كل من أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية يوم الأربعاء 15 سبتمبر 2021، لـ”حماية مصالحها” في المحيطين الهادي والهندي أمام النفوذ الصيني هناك، ما أثار امتعاض بكين، التي قرأت فيه بداية “حرب باردة” جديدة.

[29] فيليم كين، “لماذا وزير خارجية الصين الجديد يمكن أن يكون مشكلة لبايدن”، موقع بولوتيكو، 01/04/2023. أغلقت إدارة بايدن السفير الصيني المنتهية ولايته تشين جانج طوال فترة عمله التي تزيد عن 500 يوم في واشنطن العاصمة. لكن كل هذا تغير عندما عيّن الزعيم الصيني شي جين بينغ تشين وزيراً جديداً للخارجية في البلاد، مما خلق صداعاً للإدارة في وقت يشهد توتراً شديداً بين واشنطن وبكين. https://www.politico.com/news/2023/01/04/qin-gang-biden-china-blinken-00076376

[30] ألكسندر كولي ودانيال نيكسون، المصدر السابق.

[31] لقد صوتت الصين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بين عامي 2006 و2018، وروسيا بنفس الطريقة بنسبة 86٪ من الوقت، أكثر من التصويت خلال اتفاق التصويت بنسبة 78٪ بين عامي 1991 و2005. وافقت الولايات المتحدة على 21٪ فقط من الوقت. كما قادت بكين وموسكو مبادرات الأمم المتحدة لتعزيز المعايير الجديدة، ولا سيما في مجال الفضاء السيبراني، التي تمنح السيادة الوطنية على الحقوق الفردية.

[32] تستضيف جنوب إفريقيا قمة مجموعة البريكس، للعام 2023 في شهر أغسطس المقبل. وقد تقدمت الجزائر والأرجنتين وإيران بطلب للانضمام، فيما أعلنت السعودية وتركيا ومصر اهتمامها بالعضوية في هذه المجموعة.

[33] ساسكيا بريشنماخر، وتوماس كاروثرز، “فحص شرعية المجتمع المدني”، دراسة مشتركة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، ومؤسسة فورد، ومؤسسة تشارلز ستيوارت موت، ووزارة التنمية الدولية البريطانية، صدرت في 2 مايو 2018. https://carnegieendowment-org.goog/2018/05/02/examining-civil-society-legitimacy-pub-76211?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc

[34]  السودان

[35] ساسكيا بريشنماخر، وتوماس كاروثرز، المصدر السابق.

[36] أدخلت حكومة رئيس الوزراء فيكتور أوربان تشريعات، اعتبارًا من 1 يوليو 2021، تتطلب من مكتب تدقيق الدولة تدقيق جميع منظمات المجتمع المدني في المجر بميزانيات سنوية تزيد عن 20 مليون فورنت هنغاري (حوالي 55000 يورو). تعود المحاولة الأولى لإدخال ما يسمى بقانون الشفافية بشأن المنظمات غير الحكومية إلى عام 2017.

[37] يقدم كتاب نيدهي سرينيفاس، “ضد المنظمات غير الحكومية: منظور نقدي حول المجتمع المدني والإدارة والتنمية”، الصادر عن مطبعة جامعة كمبردج في 31 أكتوبر 2022، منظوراً نقدياً للمنظمات غير الحكومية، ويُظهر كيف تم تجنيد منظمات المجتمع المدني تدريجياً كجهات فاعلة تكنوقراطية غير حكومية تستجيب بشكل مثمر لأزمات اللحظة المعاصرة.

[38] اتهم رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، خلال اجتماع عقده، يوم الثلاثاء 3 يناير 2023، بمقر القيادة العامة للجيش السوداني، مع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية بعض منظمات المجتمع المدني بنشر المخدرات عن طريق دعمها لبعض المجموعات الشبابية تحت ستار “دعم الديمقراطية”.

[39] اتبعت موسكو نمطاً مشابهاً عندما اقترحت بكين لأول مرة تشكيل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في عام 2015. رفضت وزارة المالية الروسية في البداية دعم البنك، لكن الكرملين غير مساره بعد أن رأى في أي اتجاه كانت الرياح تهب. انضمت روسيا رسمياً إلى البنك في نهاية العام.

[40]  في حالة الفلبين، أنهى دوتيرتي مؤخراً معاهدة عسكرية دامت عقدين مع الولايات المتحدة بعد أن ألغت واشنطن تأشيرة رئيس الشرطة الوطنية السابق.

وسوم:

اترك رد

جديدنا