سالم يفوت قارئًا  لابن حزم الأندلسي

image_pdf

– تقديم

لا يزال التراث الإسلامي بجميع قطاعاته، ونظمه المعرفيَّة، يحضر في ذواتنا، وفي وجداننا بشكل قوي، فهو جزء منَّا، ومن حياتنا، ما يعني باستحالة التقاطع معه، أو التنكُّر له، أو تجاهله بالمرة، بحث يتعذَّر إن لم نقل يستحيل تجاهل التراث العربي الإسلامي.

ورغم اختلاف المقاربات للمسألة التراثيَّة إلى درجة التباين، فإنَّ وجهة كثير من الباحثين المعاصرين، واختيارهم  وجهة الآليَّات والبحث في الوسائل  المنتجة لمضامين علوم هذا التراث، فلا يتيسَّر رد الاعتبار للتراث، إلا بالعناية بالمنهج  الذي أنتج معارف ومضامين  هذا التراث.

لعلَّ هذا الخيار المعرفي، هو الذي جعل الفيلسوف المغربي سالم يفوت يوجه بحوثه  في بادئ الأمر نحو البحث في المعرفة والابستومولوجيا، والمناهج الجديدة، وكان هذا في بداية مشواره العلمي، إذ أنجز رسالة جامعية في موضوع مفهوم الواقع في الفكر المعاصر[1]، وأعدَّ عددًا من البحوث والدراسات الأكاديميَّة في هذا التخصّص العلمي، المتعلق  بما هو معرفي وابستملوجي، أغلبها منشور في الدوريات والمجلات الأكاديمية.

لكن بعد ذلك انتقل واختار عن قصد، أن يوجَّه مشروعه الفلسفي والفكري نحو قراءة التراث الأندلسي في جهة تراث ابن حزم الفلسفي، وشكَّل هذا تحولا في المسار العلمي لهذا الفيلسوف، فرغم أنه اشتغل بالبحث في الابستمولوجيا لفترات طويلة كما سبقت الإشارة، فإنَّه انتقل إلى الاشتغال بقراءة التراث الفلسفي الأندلسي.

-الاشتغال  بتراث  ابن حزم الأندلسي

رغم الاعتراف أن ما كتب على الأندلس كثير في المجال الفلسفي والفكري، فمع ذلك فإن حضارة الأندلس وفكرها بحاجة إلى مزيد من التعريف، فهناك جوانب فكرية مازالت بحاجة إلى التعريف والمدارسة.

هذه  الوجهة هي  التي دفعت  الدكتور سالم يفوت بالاشتغال بالتراث عامة والتراث الأندلسي بشكل خاص في شخصية ابن حزم الأندلسي ت 456 ه،  وهذا يعود أن ابن حزم  كان من أعلام الأندلس في  القرن الخامس الهجري، فقد كان عالما موسوعيا جامعا بين كثير من العلوم، ومشاركا ومساهما في العلوم النقلية، والعلوم العقلية على حد سواء.

وقد كانت له مناصرة لعلم المنطق، فاعتبره ضرورة للفقيه والمجتهد، ولتفهم النصوص الشرعية.

وكانت للظروف السياسية والثقافية والاجتماعية التي عاشتها ومرت منها الأندلس في القرن الخامس الهجري الأثر القوي على شخصيته، وتراثه، وفكره، وعلى إنتاجه الفكري والعلمي والفقهي بشكل عام.

مع ذلك كان هذه الفترة، هي الفترة  الذهبية للحضارة الإسلامية في الأندلس، إذ ساهم جو الاستقرار  في خلق جو ثقافي وعلمي، وتعايش سلمي وعلمي بين المسلمين واليهود.[2]

ورغم هذه الظروف الصعبة التي مر منها ابن حزم الأندلسي، فقد اختار التفوق والمشاركة والريادة في العلم والمعرفة بأنواعها المختلفة،  والتقدم نحو المناصب العليا في الدولة، ومناصرة المدرسة الظاهرية التي نشأت بالمشرق.[3]

وقد اشتهر بكتابه “الإحكام في أصول الأحكام”، وكتاب “الأصول والفروع” و”التقريب لحد المنطق”، و”المحلى”، “والفصل في الملل والأهواء والنحل”، ورسالة في الألفاظ الدائرة بين النظر”.

وقد اعترف ابن حزم لنفسه بريادته، وأسبقيته في إدخال الممارسة المنطقية وتأصيلها في  العلوم الإسلامية، وهو ما صرح به في مقدمة كتابه التقريب لحد المنطق، وهذا الكتاب من تحقيق الدكتور إحسان عباس ويقع ضمن رسائل ابن حزم.

وقد خصص ابن حزم رسالة سماها:“رسالة في  فضل الأندلس، وذكر رجالها “، ذكر فيها أهم العلوم التي برع وتميز  فيها الأندلسيون عن غيرهم من علماء المشرق، فهي سرد للعلوم التي نبغ فيها علماء الأندلس، وهذه الرسالة تقع ضمن الرسائل المسماة برسائل ابن حزم التي حققها الدكتور إحسان عباس.

– سالم يفوت قارئا لابن حزم الاندلسي

يعتبر الفيلسوف المغربي سالم يفوت من أبرز  الباحثين والأكاديميين المغاربة اشتغالا على تراث ابن حزم الأندلسي، وهو الذي خصص وأعد أطروحة جامعية بعنوان”ابن حزم الفكر الفلسفي المغرب والأندلس”[4]، أشرف عليها المفكر الدكتور محمد عابد الجابري، وناقشها الدكتوران محمد بنشريفة، وعلي أمليل.

ومما تميز به  المفكر سالم يفوت، هو الجمع بين عدة حقول معرفية متعددة، من البحث في الإبستمولوجية وتاريخ العلوم والمناهج، إلى البحث في الفلسفة المعاصرة، وقراءة التراث العربي الاسلامي.

والمضمون العام لهذه الأطروحة، هو الإجابة على السؤال الإشكالي، والمركب، وهو هل كان ابن حزم الأندلسي تابعا للظاهرية بالمشرق، وامتدادا لأعلامها   بالمشرق، وهل كان ابن  حزم مقلدا للظاهرية في اجتهاداتها الفقهية واختياراتها الأصولية، علما أن هذه المدرسة  لقيت انتشارا كبيرا بالمشرق وانتقلت إلى الاندلس في حدود القرن الثالث الهجري.[5]

يعني هذا أن  المشروع الفلسفي عند الدكتور سالم يفوت يحمل إشكالية مركبة لها استقلاليتها، ومفاهيمها  الخاصة، ومختصة بسياقاتها التاريخية، وهي  السياقات التي  كانت عليه الأندلس في القرن الخامس الهجري.

ومدخل هذه الأطروحة، اعتراف صريح، مضمونه، أنه ورغم تعدد الدراسات واختلاف  القراءات حول تراث ابن حزم وفكره،واختياراته، ورغم ما يحمله تراثه  من أهمية معرفية ومن إشكالات منهجية، فإن معظم  الدراسات والبحوث  المنجزة حول الفكر الفلسفي عند ابن حزم، لم يتيسر لها ملامسة ومقاربة الإشكال المعرفي والفلسفي  في تراث ابن حزم.

فقد صرح في مقدمة اطروحته أن الدراسات الفلسفية حول ابن حزم  “لم تمس  الإشكالية العامة التي تحكم فكر ابن حزم”.[6]

الفكر الفلسفي عند ابن حزم

أما عن الباعث من الاشتغال بالفكر الفلسفي عند ابن حزم، فأرجعه الباحث أن الدراسات البحوث التي انجزت حول ابن حزم ومشروعه الفلسفي لم يتيسر  لها ملامسة  الإشكالية المحورية والمركبة التي تحضر في المشروع الفلسفي عند ابن حزم  الأندلسي، بل اكتفت بربط ظاهرية ابن حزم الاندلسي بظاهرية المشرق التي نشأت ببغداد، ودخلت إلى الأندلس بفضل الرحلات العلمية.

استجابة لهذا الاختياروالتوجه، حاول الباحث سالم يفوت أن يعمد إلى رصد  آثار التقاطع بين المدرستين بإبراز الخصائص والمفاهيم، ورصد التأثير والسياقات التي كانت من وراء ظهور المدرسة  الظاهرية في القرن الخامس الهجري بالأندلس مع ابن حزم الأندلسي.[7]

ـ بحوث  أكاديمية منشورة في مجلات

استجابة لهذه القناعة  العلمية في العناية بالتراث الاندلسي في جهته الفلسفية، فقد  اختار الدكتور سالم يفوت، أن يوجه بحوثه ودراساته  نحو تراث ابن حزم  الاندلسي في جهته الفلسفية، تشده هذه القناعة  الأكاديمية وهي البحث عن المرجعيات الفلسفية والفكرية  والاليات المتحكمة في المنتوج الفلسفي عند ابن حزم ضرورة منهجية.

ومن هذه الدراسات التي أنجزها الدكتور سالم يفوت:

ـمدخل لقراءة كتاب الحدود  لأبي الوليد الباجي ، بحث منشور في مجلة كلية الآداب الرباط العدد:8  السنة :1982.

ـ تصنيف العلوم عند ابن حزم بحث منشور في مجلة كلية الآداب الرباط العدد:9  السنة :1982.

ـالتاريخ والسياسة عند ابن حزم  بحثمنشور في مجلة كلية الآداب الرباط العدد: 10السنة : 1983.

ـدراسة في الفكر الأصولي عند   ابن حزم بحثمنشور في مجلة كلية الآداب الرباط العدد:11السنة : 1985  .

-ابن حزم ونقد منهج المتكلمين بحث في مجلة دراسات عربية السنة : 1985.

ـ-ابن حزم والمنطق  بحث في مجلة الوحدة   إصدار المجلس الوطني للثقافة السنة : 1986

-العلوم في الأندلس ، وخلفياتها الفلسفية، بحث منشور في مجلة كلية الآداب الرباط العدد: 13السنة : 1987.

ـ المنطق بين الغزالي وابن حزم الأندلسي  بجث منشور في كتاب الندوة :ابو حامد الغزالي :دراسات في فكره وعصره منشورات كلية الآداب الرباط السنة :1988.

ـمكانة العلم في الثقافة العربية بحث منشور في مجلة «ثقافات” يناير السنة :2006.

فهذه الكتابات تبرز مدى اشتغال الاستاذ سالم يفوت  بالدراسات الأندلسية وبالتراث الفلسفي عند  ابن حزم الأندلسي.

خاتمة

 إن رهان الدكتور سالم يفوت سواء في الأطروحة الجامعية التي أنجزها، أو في الدراسات  الفلسفية التي أعدها  ونشرها في الدوريات والمجلات، كان قصده هو التعريف بتراث الأندلس الفلسفي عن طريق تراث ابن حزم،  وكان يعتبر هذا التعريف ضرورة تاريخية ومقتضى حضاري وفكري.

فالأندلس بتراثها المدون والمخطوط ما زال بحاجة  إلى مزيد من  البحوث والدراسات التي تسعى وتهدف إلى التعريف  بما هو خفي من هذا التراث في جهته الفلسفية والفكرية.


[1] هذه الرسالة الجامعية هي من منشورات كلية الآداب والعلوم الانسانية الرباط المغرب.

[2] يراجع: لأندلس قرون من التقلبات والعطاء ات   لمجموعة من الأساتذة. الناشر: مكتبة الملك عبد العزيز العامة السعودية.

[3] التأثيرات المشرقية في الأندلس لمحمد علي مكي مجلة معهد الدراسات الاسبانية ص:494

[4]– صدرت  هذه الدراسة عن المركز الثقافي العربي سنة :1986

[5]-ابن حزم والاختيار الظاهري لمحمد بنعمر ص:11

[6]-“ابن حزم الفكر الفلسفي المغرب والأندلسص:5

[7] الظاهرية عند ابن حزم لمحمد بنعمر بحث منشور

جديدنا