فقه الذكاء الاصطناعي في عمليَّة الاستنباط الفقهي

فقه الذكاء الاصطناعي في عمليَّة الاستنباط الفقهي
image_pdf

يعدُّ الذكاء الاصطناعي ظاهرة تكنولوجيَّة باتت تكتسح عالمنا، حتى أصبحت المحرك الفعلي للتقنيات المختلفة، والتي تتمثَّل في جمع البيانات الضخمة والروبوتات ورقمنة الأشياء، وفي ظل كثير من التحدّيات التي يواجهها ديننا، هناك كثير من التساؤلات المطروحة عن الدور الذي يمكن أن يلعبه الذكاء الاصطناعي للتصدِّي لمختلف المسائل الفقهيَّة المعاصرة والمتجدِّدة، بمنظور كل المذاهب الإسلاميَّة المتنوّعة، والخروج بأحكام شرعيَّة استنادًا إلى مختلف المصادر والمراجع ذات الصلة.

في ظلِّ التحدِّيات المعاصرة، استنباط الفقه الإسلامي بالذكاء الاصطناعي ضرورة وحاجة

تواجه مجتمعاتنا الإسلاميَّة في عصر الزوبعة الرقميَّة، كثيرًا من المتغيرات الطارئة والمتجدِّدة، إضافة إلى التطور المجتمعي المذهل، لذلك فإنَّ الفقه الإسلامي يواجه كل هذه التحدّيات، مستخدمًا كل الوسائل العصريَّة لاستنباط الأحكام الشرعيَّة التي تتناسب مع المسائل المستحدثة.

وصحيح أن عمليَّة استنباط الفقه الإسلامي ليست بالسهولة بمكان، باعتبار أنها تتطلَّب معرفة متعمِّقة بالنصوص الشرعيَّة واستخلاص القواعد المشتقَّة منها، غير أن الاستعانة بالذكاء الاصطناعي وبرامجه أسهم بشكل كبير في استنباط الفقه الإسلامي بشكل أكثر دقة وفعاليَّة، بل وفي وقت قياسي، فيتمّ استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل: تعلّم الآلة، وتحليل البيانات لتحليل النصوص الشرعيَّة، واستخلاص القواعد الشرعيَّة المتّصلة بها.وبفضل استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للباحثين في الفقه الإسلامي أن يقوموا بتحليل النصوص الشرعيَّة بشكل أسرع وأدق، كما سيساعدهم في استخلاص الفهم الشامل للأحكام الشرعيَّة المتضمّنة فيها.

كما يمكن تحليل البيانات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي لاستنباط القواعد الشرعيَّة مشتقَّة بناء على الأدلة الشرعيَّة المتاحة، إضافة إلى استخدام البرامج الآليَّة لاستكشاف العلاقات والقواعد غير المباشرة المختلفة المرتبطة بموضوعات معيَّنة في الفقه، وكلها تصبّ في خدمة الباحث وتسهيل عمليَّة الاستنباط.

وبهذا، يشكِّل الذكاء الاصطناعي أداة قويَّة ومبتكرة لاستنباط الفقه الإسلامي، لكنَّها تتطلَّب الاهتمام بالجوانب الشرعيَّة والتوجيه العلمي المناسب، لضمان الدقَّة والاعتماديَّة في النتائج.كما أنَّ استخدام التقنيات الحديثة هذه يمكن أن يسهم في تطوير المنهجيَّة التقليديَّة لاستنباط الفقه، وتسهيل فهم وتطبيق الأحكام الشرعيَّة.

استنباط الأحكام الشرعيَّة بالذكاء الاصطناعي وسيلة وليست بديلا 

يعدُّ الفقه الإسلامي من العلوم الشرعيَّة المهمَّة، فهو يسهم في فهم وتطبيق الأحكام الشرعيَّة في حياة المسلمين، ويلبي حاجياتهم اليوميَّة المتجدِّدة، وهو في تطوّر مستمرّ بما يتناسب مستجدات العصر وفق فقه الواقع، ولا شك أنه يحتاج إلى أدوات ووسيلة عصريَّة تتلاءم مع طبيعة هذه المرحلة، ومع التطوّر التكنولوجي.

يأتي الذكاء الاصطناعي كوسيلة جديدة يمكن استخدامها وتوظيفها في عمليَّة الاستنباط والتحليل للأحكام الفقهيَّة، ورغم الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في استخراج أحكام الفقه، يجب علينا أن ننظر إلى هذه التكنولوجيا كأداة ووسيلة مساعدة، دورها يكمن في تعزيز استنباط الأحكام الشرعيَّة، وليس بديلا عن التفسير البشري والاستنباط الفقهي التقليدي، لأنَّ الفهم الشامل والعميق للأحكام الفقهيَّة يتطلَّب الخبرة والاستدلال والتفكير النقدي، وهذه المهارات يحملها العلماء والفقهاء وحدهم.

لذلك، يجب أن نزاوج بين التكنولوجيا والمعرفة الإسلاميَّة التقليديَّة، لتحقيق تطبيقات أفضل للذكاء الاصطناعي في استنباط الاحكام الشرعيَّة، خاصَّة أنَّ هذه التكنولوجيا في تطوُّر وتقدُّم سريع، ممَّا يزيد من فاعليتها وفعاليتها في خدمة الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعيَّة بطرق أكثر دقَّة وشموليَّة.
________
*السيد محمد علي الحسيني.

جديدنا