الجودة في المنهاج الجديد للسلك الابتدائي بالمدرسة المغربيَّة

image_pdf

ـ تقديم

نسعى في هذه الورقة إلى إبراز حضور خطاب الجودة في المنهاج الجديد للسلك الابتدائي بالمدرسة المغربية من خلال عرض معايير وعناصر الجودة، وإبراز مكوناتها، وتشخيص مستوياتها وأشكالها وفق المستجدات التربوية التي يعرفها قطاع التربية والتعليم بالمغرب،  وهذه المستجدات جاءت نتيجة لمجموعة من السياقات والاختيارات والتحولات التربوية والبيداغوجية التي عرفها قطاع التربية في الآونة الأخيرة، ومن أبرز معالم هذه التحولات، الشروع في العمل بالمنهاج الجديد للتعليم الابتدائي، الذي حمل مجموعة من المرجعيات التربوية،  والتوجيهات البيداغوجية، وتضمن بناء ديداكتيكيا جديدا  يتسم بالتماسك والانسجام،  وكان رهان هذا المنهاج الجديد هو تحقيق الجودة التربوية وتفعيلها في التعلمات الأساس في  الممارسات الصفية، وحتى الأنشطة الموازية التي يكون  المتعلم طرفا متدخلا فيها.

لكن رغم هذه المراجعة الشاملة والجذرية للمنهاج الدراسي في بنائه، وفي هندسته البيداغوجية، فما زال خطاب الجودة تعترضه مجموعة من الإكراهات، وتقيد امتداداته عدد من الصعوبات  والعراقيل على مستوى التنزيل والتطبيق.

تعريف الجودة في المفهوم التربوي

رغم هذا الاختلاف والتعدُّد في تحديد مفهوم الجودة، وفي بيان وتعيين معاييرها ووحداتها بين المتدخلين في الميدان التربوي، “فالجودة في التربية تتأسس على مجموعة من العناصر والمكونات، إذا ما توفرت وحضرت هذه المعايير والعناصر المذكورة، فإن المنتوج أو العرض التربوي يوصف وينعت بأنه منتوج حامل لمعايير ومواصفات الجودة، كما هي متفق عليها بين أغلب المتدخلين في قطاع التربية والتعليم”[1].

ـ الخيار التربوي والبيداغوجي  للجودة

رغم أن الخيار التربوي والبيداغوجي الذي سار عليه المغرب، وراهن عليه في جميع الإصلاحات  التربوية، هو تعزيز الجودة  في المنهاج  التعليمي، وبالأخص في الأقسام الابتدائية من خلال:

ـ ربط التعليم بمحيطه،  أي بمراعاة المتعلم في أحواله وفي إكراهاته تبعا للوسط الذي يعيش  فيه.

ـ السعي نحوملاءمة المناهج والبرامج التعليمية لحاجيات المتعلم .

ـ مراعاة  الفوارق بين المتعلمين باعتماد أساليب  متنوعة ومتعددة  تستجيب لهذه الفوارق.

وهذا الرهان على الجودة في التعلمات ، جاء في سياق هذا الرهان، بحيث  يعرف قطاع التربية والتعليم المدرسي حركية مستمرة ودائمة، وهي حركية تترجمها  التغيرات السريعة والتحولات الطارئة التي مست بنيات ومؤسسات المجتمع المغربي،  بسبب التحولات السريعة التي  أحدثتها الثورة الرقمية، وما حملته من تأثيرات  مباشرة على المتعلم والإنسان والمجتمع.

ـ  سياق لخطاب الجودة

إنّ  سياق الجودة يتحدَّد في تراجع مستوى المتعلِّم المغربي في تحصيله للتعلُّمات الأساس.

فبناء على نتائج مختلف التقويمات  المنجزة وطنيا ودوليا، والتي تكشف عن تدني ملحوظ للمكتسبات الدراسية للتلميذات والتلاميذ، والذي يعزى  من بين مسبباته الأساسية إلى عوامل بيداغوجية  أبرزها عدم  ملائمة المقررات الدراسية، والطرائق التعليمية المعتمدة مع الحاجيات التربوية الأساسية للمتعلمين من جهة، ومع المستجدات التي يعرفها حقل التدريس من جهة أخرى.

فمثلا لاحظنا، وبشكل ملموس تراجعًا  كبيرًا، وإخفاقا بينا في مستوى المتعلم في اللغة العربية،  إذ تحضر كثير من الصعوبات القرائية في مكون القراءة، بحيث يتعثر المتعلم في الفصل والتمييز بين الحروف  والحركات، أو قراءته للحروف والمقاطع، وهو ما يوثر على مكتسباته  في مكونات اللغة العربية الأخرى  في المعارف  والمهارات المتصلة بالتعلمات الأساس المشكلة للمنهاج، لأن اللغة العربية هي في أصلها هي  لغة التدريس والتعليم للمواد المحمولة في المنهاج.

التقويمات الوطنية والدولية

لقد جاء في  البرنامج الوطني لتقويم التعلمات المنجز سنة: 2009،  وسنة 2019 أنَّ المتعلم المغربي في مختلف الأسلاك التعليمية يعاني من قصور كبير، ومن تعثر شديد في التعبير اللغوي بقسميه الكتابي والشفهي  في اللغة العربية، وفي اللغة  الفرنسية على حد سواء،  فأظهر هذا التقريرارقاما مقلقة، وحمل  نتائج صادمة، وإحصائيات  أبانت عن التراجع الواسع في اكتساب اللغة العربية في المدرسة المغربية.

 فعلى سبيل المثال لا يستطيع المتعلم  قراءة الجمل البسيطة، والجمل المركبة، فضلا عن تعثره في إعداد وانجاز نصوص  بسيطة  في   مادتي التعبير والإنشاء،  وفق النماذج المقدمة له في حصة تقديم الموارد رغم ارتباط  واقتران هذه الموارد بشكل خاص بالنماذج المقدمة له في  حصة الدروس[2]

ومن أبرزهذه التقويمات الدولية التي شارك بها المغرب، تقويم الدولي لقراءة PIRLS[3]لسنة :2011 وسنة 2016 الذي خرج بنتائج  صادمة وبأرقام مقلة،  تخص مهارة القراءة عند المتعلم المغربي.[4]

الرهان المستقبلي على الجودة

1-جعل المتعلم في قلب الاهتمام، مع العناية بجميع الأطراف المتدخلة في العملية التعليمية.

 2.تفعيل التكوين الأساس والمستمر، والمواكبة التربوية لجميع الجهات المتدخلة والمباشرة للعملية التعلمية التعليمية.

3-جعل المتعلم متحليا بالقيم النبيلة وبروح التضامن، ومعترفا بالمشترك الإنساني.

4-التربية على الاختلاف والتنوع، والتشبث بالحوار وقبول الآخر ونبذ التعصب.

5-التربية على القيم في الوسط المدرسي، بالتربية على مناهضة خطاب الكراهية، ورفض العنف بجميع أشكاله وأنواعه.

6-التحكم في التعلمات الأساس حسب المستوى التعليمي للمتعلم.

7-ضبط المهارات التواصلية والتعبيرية والكتابية في قطب اللغات بصفة عامة.

8-الربط المتوازي بين التعليم واحتياجات سوق الشغل.

 9-تفعيل التعامل مع الوسائط والموارد الرقمية والتكنولوجية الحديثة، التي تعرفها المجتمعات الإنسانية اليوم، مع العمل على حسن توظيفها، واستثمارها بطريقة إيجابية في بناء التعلمات الأساس.

-10 ـ التربية والتحفيز على مهارة التعلم الذاتي.

الرهان على المتعلم  نحو الاهتمام بالمتعلم والكيفية التي يشيد هذا المتعلم تعلماته أي الطريقة التي بها  يتعلم ويكتسب المتعلم  المعرفة،  وبعبارة مختصرة وموجزة ” الانتقال مما يقوله المعلم إلى ما يقوم به   المتعلم أي الانتقال من محتوى التعلم إلى كيفيَّة التعلُّم ”.[5].


[1]اوزي أحمد،  جودة التربية تربية الجودة،  منشورات عالم التربية،  مطبعة النجاح الجديدة،  الرباط،  2012،  ص14.

[2]-تقرير المركز العربي  حول التعلمات   السنة :2011-2010

-يراجع في هذا الموضوع :التقرير التركيبي للمجلس الأعلى للتعليم لسنتي:2008-2009- منشورات المجلس الأعلى للتعليمالسنة 2009.

[3] –   PIRLS 2016″ : هو تقويم دولي لمســتوى التلامــذة المغاربــة في   القــراءة ويطمــح التقريــر”نتائج التلامذة المغاربة في الدراسة الدولية لقياس مدى تقدم القراءاتية   “،  لأن يكــون مرجعــا لتقييــم منتظــم،  كل خمــس ســنوات.

[4]التقرير الصحفي للنتائج العامة للتلاميذ المغاربة في الدراسة الدولية لتقويم تطور الكفايات Pirls القراءاتيةالذي نشر   05-12-2017

[5] – الذكاءات المتعددة: التأسيس العلمي للدكتور عبد الواحد الفقيهي:.منشورات مجلة علوم التربية 2000.ص: 23

جديدنا