النظريَّة النقديَّة المعاصرة؛ مدرسة فرانكفورت نموذجًا

image_pdf

(دراسة تحليليَّة – نقديَّة)

تمهيد

أظهرت الفلسفة منذ بداية ظهورها احتواءها على عنصر هدام. يبيِّن عمل أفلاطوندفاع سقراط ” كيفية اتِّهام مواطني أثينا لسقراط بإفساده أخلاق الشباب والتشكيك في وجود الآلهة. وكان هذا الاتِّهام ينطوي على شيء من الحقيقة؛ فقد شكَّك سقراط في المعتقدات السائدة، وأخضع اعتقادات راسخة لفترات طويلة للتدقيق العقلاني، وأعمل فكره في مسائل تتجاوز النظام القائم. وما عرف بـ: ” النظرية النقدية ” قام على هذا الإرث، فقد ظهر هذا الاتجاه الفلسفي الجديد في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وشن أبرز ممثليه حرباً ضروساً على الاستغلال والقمع والاغتراب التي تنطوي عليها الحضارة الغربية.

ترفض النظرية النقدية ربط الحرية بأي تنظيم مؤسسي أو منظومة فكريَّة محدَّدة، إنها تبحث في الافتراضات والأغراض الخفيَّة للنظريَّات المتضاربة وأشكال التطبيق القائمة. وليست هذه النظرية بحاجة إلى توظيف ما يعرف ﺑ”الفلسفة الدائمة “، إذ تصرّ على أنَّ التفكير يجب أن يستجيب للمشكلات الجديدة والاحتمالات الجديدة للتحرُّر التي تنبثق عن تغيُّر الظروف التاريخيَّة. كانت النظريَّة النقديَّة – التي تتَّسم بأنَّها متعدِّدة التخصُّصات، وتجريبية في جوهرها على نحو فريد، ومتشكِّكة على نحو عميق في التقاليد والمزاعم المطلقة كافة – مهتمَّة دائماً، ليس فقط بالكيفية التي عليها الأمور بالفعل، وإنَّما أيضاً بالكيفيَّة التي يمكن أن تكون الأمور عليها أو يجب أن تكون عليها. وقد دفع هذا الالتزام الأخلاقي مفكِّريها الكبار لتطوير مجموعة من الموضوعات والمحاور ومنهج نقدي جديد غيَّر وجه فهمنا للمجتمع.

وللنظرية النقدية مصادر كثيرة، يعرف إيمانويل كانط (1727- 1804) الاستقلال الأخلاقي بأنه أسمى قيمة بالنسبة للفرد، وقد أمد كانط النظرية النقدية بتعريفها للعقلانية العلمية وهدفها المتمثل في مواجهة الواقع باحتمالات الحرية. في الوقت نفسه، رأى هيجل أن الوعي هو محرك التاريخ، وأن التفكير مرتبط بالاهتمامات العملية، وأن الفلسفة هي ” المنظور الفكري الذي يُنظَر من خلاله لحقبة تاريخية معينة “. تعلم منظرو النظرية النقدية تأويل الجزء بالنظر إلى الكل. وبدت لحظة الحرية في مطالبة المستعبدين والمستغلين بالتقدير([1]).

لقد جسّد كل من كانط وهيجل الافتراضات العامة المستمدة من عصر التنوير الأوروبي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، فقد اعتمدا على العقل لمحاربة الخرافة والانحياز والقسوة والممارسات التعسفية من جانب السلطة المؤسسية. كما وضعا افتراضات بشأن الآمال الإنسانية التي تعبر عنها الجماليات، والرغبة في الخلاص التي تنطوي عليها الأديان، وطرق التفكير الحديثة حول العلاقة بين النظرية والتطبيق. أما كارل ماركس الشاب، فقد ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بتأملاته اليوتوبية حول التحرر الإنساني([2]).

لقد تشكلت النظرية النقدية في البوتقة الفكرية الماركسية، إلا أن ممثليها الرواد رفضوا منذ البداية الحتمية الاقتصادية، والنظرية المرحلية للتاريخ، وأي اعتقاد جبري في الانتصار (المحتوم) للاشتراكية. وكانوا أقل اهتماماً بما أطلق عليه ماركس (القاعدة) الاقتصادية منهم ﺑ (البنية الفوقية) السياسية والثقافية للمجتمع. لقد كانت ماركسيتهم بمذاق مختلف، وقد ركزوا على منهجها النقدي أكثر مما ركزوا على ادعاءاتها التنظيمية، وعلى اهتمامها بالاغتراب والتشيؤ، وعلى علاقتها المعقدة بمثل عصر التنوير، وعلى لحظتها اليوتوبية، وعلى تشديدها على دور الإيديولوجيا، وعلى التزامها بمقاومة مسخ الفرد. وتشكل هذه المجموعة من المحاور جوهر النظرية النقدية حسبما استوعبها رائدا ” الماركسية الغربيةكارل كورش وجورج لوكاتش. قدم هذان المفكران إطار عمل المشروع النقدي الذي بات يعرف لاحقاً بمعهد البحوث الاجتماعية أو ” مدرسة فرانكفورت “.

أنتجت مدرسة فرنكفورت أو النظرية النقدية المستمرة في أجيالها الأربعة منذ تأسيسها عام 1923 في ألمانيا تحت اسم معهد البحوث الاجتماعية، العديد من الطروحات التي تصنف في خانة الفلسفة الاجتماعية والسياسية والنقد الثقافي([3]).

وبالرغم من التمايزات التي تطبع كل جيل بسبب من اختلاف تأثير المناخات التاريخية وحيثياتها، إلا أن فلاسفة المدرسة ومفكريها لم يقعوا في فخ التقليد والاتباع والتكرار الإحيائي لتراث مدرسة كانت عصية على التمدرس، بمعنى أن الخلف فيها لم يحتذ نهج السلف، ما جنب النظرية النقدية الانقياد إلى السلفية التنظيرية غير القابلة للتجديد..

وهكذا نجد أن التعريف بالنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت ليس بالأمر السهل كما يظنه البعض بسبب تعدد وتشابك المرجعيات الفكرية الفلسفية لمفكري مدرسة فرانكفورت النقدية، وبعد أن أصبحت المرشد الأساسي لأغلب النظريات والاتجاهات النقدية الحديثة والمعاصرة، في الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والانثروبولوجيا وحتى في الأدب والفن والموسيقى، لكننا في هذا السياق سنحاول توضيح أسسها النظرية والمنهجية الرئيسية، وانعكاس نتائجه  تنظيرها على تطور التفكير السوسيولوجي النقدي والحركات الاجتماعية والثقافية والسياسية في العالم الغربي.

من أهم الأسس المنهجية، التي تقوم عليها هذه النظرية هو النقد (النقد الثقافي والتنويري)، الذي يعتبر أقل راديكالية وشمولاً؛ أي إنه يهدف إلى عملية التغيير الثقافي والتنويري لتشكيل توجهات ثقافية وقيمية جديدة تحكم التفاعل الكائن في الواقع الاجتماعي والحضاري، ويظهر هذا المستوى من النقد الاجتماعي حينما تنحدر الحركات السياسية الراديكالية وتقتصر بأهدافها على النقد الذاتي والثقافي للمجتمع، أو عندما لا يكون الفاعل الثوري للمجتمع مهيأً لتنفيذ مهام النقد ومتطلباته. وهذا النقد قد يصبح هو المستوى المسموح به حينما يثبت الواقع ويؤكد صلابته أمام الانتقادات الموجه إليه، حيث يسعى هذا الواقع إلى استيعاب مضمون النقد بما يدعم بنائه وصلابته ويفقد النقد مبرره ومشروعيته. كما يبرز هذا المستوى النقدي في المراحل التاريخية التي يكون فيها الواقع الاجتماعي قوياً، قادراً على استيعاب تناقضاته مؤكداً على وحدته وتكامله، أو حينما يقتصر النقد الاجتماعي على فضح وتفنيد ما هو قائم، وامتلاك القدرة على الانطلاق إلى ما ينبغي أن يكون عن طريق امتلاك نموذج مثالي ومستقبلي يتحرك نحوه المجتمع، أو حينما لا يمتلك التيار النقدي قوى التحول الاجتماعي أو الفاعل الثوري([4]).

إن بروز التنظير النقدي لمدرسة فرانكفورت لم يكن وليدة الصدفة بل جاء استجابةً لمجموعة من المتغيرات والتعقيدات التي شهدها العالم في النصف الأول من القرن العشرين المنصرم. وقد وطدت المدرسة دعائم فكرها في الفلسفة الاجتماعية المعاصرة من خلال أمرين أساسيين هما: إنشاء نظرية نقدية جديدة منافية للنظرية التقليدية، بحيث تقدم رؤية للإنسان بعيدة عن رؤى الفلسفة الوضعية ومفرزات عقلها الأداتي، الذي يمثل أهم ما جاءت به الحداثة هذا من جهة، ومن جهة أخرى إرساء منهج تحليلي- نقدي قادر على استيعاب المشكلات والصعوبات الاجتماعية التي تعرض الإنسان في المجتمع الصناعي المتقدم. بحيث قام رواد النظرية النقدية بإعادة قراءة وتحليل ونقد تاريخ الفكر الغربي، انطلاقاً من العودة إلى كانط، مروراً بهيجل والوقوف على منهجه الجدلي، وصولاً لكارل ماركس وثوريته راديكالية، والعقلانية الترشيدية عند ماكس فيبر، ومحاولة قراءة فكر كل منهما والعمل على استيعاب أفكارهم في نظرية نقدية بحيث تكون جامعة لكل الفلسفات والأفكار السابقة. أطلقوا عليها اسم النظرية النقدية النافية للنظرية التقليدية – حسب رأيهم – في رؤية استراتيجية لتجاوزها.

وفي حقيقة الأمر نحن أمام لوحة (فكرية، فسيفسائية)، وعلى الرغم من إجماع مفكري النظرية النقدية على نقد الواقع الاجتماعي بكل تجلياته إلا أن لكل مفكر منهم أسلوبه الخاص في نقده لهذا الواقع من منطلق القاعدة النظرية (الابستمولوجية*) التي تقول: حضور كل الأجزاء في الكل على الرغم من اختلافها في أسلوب ومناقشة الفكرة الرئيسية، ففي المدرسة الفكرية على سبيل المثال يمارس التعدد داخل الوحدة و لمجرد الحديث عن المدرسة يكون الصعيد المجهري ” micro ” هو المقصود، أي جزء خاص محدد من المعرفة العلمية الحديثة وهو ما نشير إليه بالمدرسة النقدية([5]).

أي إن كل مفكري النظرية النقدية اهتموا بنقد الوضع القائم في المجتمع من خلال نقد النظريات الاجتماعية التقليدية والمعاصرة، التي تقوم على تثبيت هذا الوضع وذلك كلاً بطريقته وأسلوبه المميز، من خلال الإجماع والعمل على تأسيس نظرية نقدية للمجتمع ذات أسس نظرية ومنهجية تتمتع بالقدرة الكافية من المرونة والكفاءة لكي تقوم بدورها البناء في نقد المجتمع للارتقاء به نحو الأفضل لتحقيق إنسانية الإنسان المهدورة بإطار المجتمعات الرأسمالية التكنولوجيا، هذا التنوع الغني والإثراء الكبير لأفكار مفكريها جعلها من النظريات الاجتماعية المميزة على الصعيد الأكاديمي لعلم الاجتماع بشكل عام والمعاصر بشكل خاص. وفي هذا السياق سنحاول أن نستعرض العناصر التالية:

أولاً – ما هو النقد؟

إن كلمة النقد ترتد إلى اللفظة الإغريقية   Xpivierوتعني الحكم، وهو نفس ما يعنيه تعريفها القاموسي في لغات أوروبا القديمة والوسيطة، ويحدد لنا بوتومور دلالتين للمصطلح في اللغة الانكليزية الأولى هي الـCriticism  ويعني النقد بمعناه الشائع بمعنى الكشف عن الأخطاء، كما يعني الفحص الدقيق غير المتحيز لمعنى شيء ولمضمونه وقيمته، والثانية هي Critique و تعني النقد المستند إلى أسس منهجية واضحة المعالم. فالنقد يعني فاعلية نظرية وأداة إجرائية رئيسية في النظر والتفكير تستهدف مسألة الطرق التي تتكون بها القناعات بإظهار زيفها ونقصها وتجريحها([6]).

عُرف القرن الثامن عشر الأوروبي باسم قرن النقد، وقد ارتبط هذا النقد بحركة دينية وفلسفية شاملة ابتدأت في انجلترا وفرنسا بتكسير الشكل التقليدي للمعرفة الفلسفية أي الشكل الميتافيزيقي وهو يرفع شعار محاربة اللاهوت والخرافات التي تكبل تفكير الإنسان الأوروبي وتقيد عقله، ونادت بإعطاء الحرية للعقل ونقد شامل لكل الأشياء والظواهر والمؤسسات والمفاهيم، لإخضاع هذه الموضوعات لمحك العقل وبالتالي الخروج بأوروبا من ظلام الجمود والظلم والأساطير إلى أنوار العقل والتقدم والحرية ([7]).     

تستعمل كلمة نقد في ” معجم لالاند ” لفحص مبدأ أو الظاهرة للحكم عليه حكماً تقويمياً تقديرياً، لذلك يطلق مفهوم العقل النقدي على الفكر الذي لا يأخذ بأي إقرار دون التساؤل أولاً عن قيمة هذا الإقرار سواء من حيث المضمون أو الأصل. ويطلق النقد إما على اعتراض وإما على استقباح يدور حول نقطة خاصة، وإما على دراسة إجمالية ترمي إلى دحض أو إدانة عمل ما([8]).

ويمكن اعتبار النقد مجرد وسيلة وليس هدفاً لوسيلة توجيهية ” مع ” أو ” ضد ” وربما بينهما، فهو أحياناً يتضمن الرفض وأحياناً أخرى يشير إلى المعرفة الإيجابية للحدود. فهناك من يذهب إلى القول بأن النقد خروج المزيف من الأصيل، وهناك من يذهب إلى أن النقد هو توجيه السهام لنقاط الضعف، وهناك من يحاول أن يستخدم النقد كبنية أساسية لبناء صرح فكري أساسه التخلص من الأفكار الزائفة والضعيفة([9]).

خلاصة القول والنقد هو فن الحكم، أي الفصل بين الحقائق واستخلاص الصحيح من الخطأ. وهو أداة تحكيم عقلانية هدفها تهيئة الوعي وإعادة الاعتبار للذات الإنسانية. إنه محاولة جادة لفهم العالم وتطوير عقل نقدي يرسخ ثقافة التساؤل والابداع. أما محرك النقد فهو الشك بالحقيقة الكلية والجزئية وأن الشك يعكس بدوره معرفة أخرى، شرط أن يكون النقد داخلياً وعقلانياً ويهتم بالموضوع وليس بالشكل. النقد هو جدل العقل للنظر إلى الأمور بحكمة وعقلانية. وقد ارتبط النقد بعصر التنوير (عصر التحرر والتقدم والعقلانية… إلخ) ويعود مفهوم التنوير إلى كانط الذي قال:   بأن عصرنا هو عصر النقد، وإن كل شيء ينبغي أن يخضع للفحص النقدي بهدف قبوله أو رفضه، وبالتالي إصدار حكم عقلاني على ذلك .” والنقد والحرية لأن ممارسة النقد تحتاج إلى الحرية لأن جوهر النقد هو الحرية. ومن أجل تحرر الذات من أسرها المجتمعي علينا إجراء نقد مركب:

  • نقد الذات.
  • نقد التراث الذي يقوم على المعرفة التقليدية وليس على العقل.
  • نقد الوافد الجديد، الحداثي وما بعد الحداثي.

أما النقد الذاتي فهدفه معرفة الذات ومحاكمتها لمعرفة مواطن القوة والضعف، ومن ثم تقييم وتقويم الذات لمواجهة السلبيات وإعادة بنائها من جديد على أسس عقلانية([10]).

ثانياً – ما هي النظرية النقدية؟

قامت النظرية النقدية منذ نشأتها على أساس النقد الجذري لمشروع التنوير بما هو رمز للحداثة الغربية([11]). وتشكل تلك النظرية في حقيقة الأمر مدخل للعلوم الإنسانية والفلسفة التي ظهرت أصلاً في الثلاثينيات وبداية الأربعينيات على يد بعض الأعضاء البارزين في معهد فرانكفورت للبحث الاجتماعي (مدرسة فرانكفورت) الذي أنشئ عام 1923([12]). وقد ظهر هذا المصطلح تحديداً عندما نشر هوركهايمر عام 1937 دراسته حول (النظرية النقدية والنظرية التقليدية)، والتي تعد الوثيقة الأساسية في توضيح التوجه الفكري للنظرية النقدية. فالنظرية التقليدية لديه هي ما تعبر عنه الاتجاهات الوضعية في نظرتها للنشاط البشري على أنه شيء أو موضوع خارجي داخل الحتمية الميكانيكية، وعلى هذا الأساس اختزلت الوضعية العقل وحددت دوره أو وظيفته فيما يلي:

  1. معرفة ما هو معطى بوصفه كذلك، ولهذا نادت بالوقوف عند حد الملاحظة والتجريب وتصنيف الوقائع وفق المقولات الكمية والصور المنطقية قصد الوصول إلى صياغة القوانين ثم التنبؤ بحدوث الظواهر حتى يتم التحكم فيها.
  2. اعتبار الرياضيات آلة أو جهاز مفاهيمياً أو نسقاً يفسر ما هو معطى، إلى درجة أن كل ما لا يتطابق مع معايير الحساب والكم والتقنين هو أمر مشبوه من التنوير في صياغته المتطرفة، ولهذا تم استبعاد أو إقصاء القيم الدينية والجمالية والأخلاقية والفلسفية التي اعتبرت ميتافيزيقا، لا علاقة لها بالمعرفة العلمية والتقنية، وبهذا المعنى تم تقديم العقل (الأداتي) وكأنه هو النموذج الأوحد للمعرفة أو الحقيقة([13]).

أما على الطرف الآخر تماماً ترفض النظرية النقدية النظر إلى الوقائع الاجتماعية على أنها أشياء، ومن ثم ترفض طابع الحياد الذي تتسم به الوضعية، وتحاول في المقابل أن تطرح فكراً لا يفصل بين النظرية والممارسة. وقد فهم هوركهايمر، ومعه فلاسفة فرانكفورت، الماركسية على أنها العلم النقدي للمجتمع، وأن مهمة الفلسفة بالتالي متابعة العملية النقدية والتحري عن أشكال الاغتراب الجديدة. وقد أخذت مساهمته الخاصة شكل تحليل نقدي للعقل. فلئن يكن العقل قد صاغ في الماضي مُثل العدالة والحرية والديمقراطية، فإن هذه المُثل حل بها الفساد في هيمنة البرجوازية التي أدت إلى تحلل حقيقي للعقل. ومن هنا بدت الحاجة إلى نظرية نقدية جدلية تستطيع أن تتعقل اغتراب العقل بالذات([14]).

ترمي النظرية النقدية عند هوركهايمر([15]) إلى تحقيق ثلاث مهام: أولها الكشف في كل نظرية عن المصلحة الاجتماعية التي ولدتها وحددتها، وهنا يتوجه هوركهايمر، كما فعل ماركس، إلى تحقيق الانفصال عن المثالية الألمانية ومناقشتها على ضوء المصالح الاجتماعية التي أنتجتها.

والمهمة الثانية للنظرية النقدية عنده هي أن تظل هذه النظرية على وعي بكونها لا تمثل مذهباً خارجاً عن التطور الاجتماعي التاريخي. فهي لا تطرح نفسها باعتبارها مبدأ أخلاقياً، أو أنها تعكس أي مبدأ أخلاقي خارج صيرورة الواقع. والمقياس الوحيد الذي تلتزم به هو كونها تعكس مصلحة الأغلبية الاجتماعية في تنظيم علاقات الإنتاج بما يحقق تطابق العقل مع الواقع، وتطابق مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة.

أما المهمة الثالثة، فهي التصدي لمختلف الأشكال اللا معقولة التي حاولت المصالح الطبقية السائدة أن تلبسها للعقل وأن تؤسس اليقين بها على اعتبار أنها ليست سوى أدوات لاستخدام العقل في تدعيم النظم الاجتماعية القائمة، وهو ما دعاه هوركهايمر بالعقل الأداتي([16]).

وتؤكد النظرية النقدية على انتسابها إلى الماركسية، دون أن تضيع الاختلاف مع قراءاتها الكلاسيكية، وبخاصة تلك التفسيرات والأطروحات التي قدمها رواد ومنظري الأممية الثانية والثالثة، وعلى رفضها الاختيار بين التماثل المتناقض مع الفلسفة والعلم، بادعاء أن ما قدمته هو شكل جديد للموضوعية الاجتماعية التاريخية، وهو ما جعلها في تعارض مع الميتافيزيقية والوضعية. وقد أخفقت مدرسة فرانكفورت في الالتزام بالطريقة القاطعة التي اقترحها هوركهايمر للنظرية النقدية. مثال ذلك أن ماركيوز قد تحول خلال الستينيات إلى ناقد لهذه النظرية، حين ذكر أنها لا تمتلك المفاهيم والأدوات التصورية القادرة على سد الفجوة بين الحاضر والمستقبل.

ثالثاً- التعريف بمدرسة فرانكفورت النقدية

يعود تأسيس مدرسة فرانكفورت إلى عشرينيات القرن العشرين 1923، حيث أنشئ في جامعة فرانكفورت معهد للبحث الاجتماعي اشترك في تأسيسه كل من: فيليكس فايل الذي أرسى المبادئ الأساسية له، وكارل جرينبرج (1895-1973) الذي أصبح أول مدير له، وفريدريخ بولوك (1894-1970)، وكارل أغويت فيتفوغل (ولد عام1896)، تيودور أدورنو (1903-1970)، فالتر بنيامين (1892-1940)، وماكس هوركهايمر (1895-1973) الذي تسلم بعد ذلك إدارة المعهد في عام 1931 وكان يعتبر الشخصية المركزية فيه. بالإضافة إلى تعامل المعهد مع عدد من المفكرين الذين كانت لهم صلات بالأحزاب الشيوعية والعمالية أو الذين كانوا يحملون بعض النزعات الماركسية([17]).

انضم إلى المعهد في الثلاثينيات هربرت ماركيوز (1898-1979) وإريك فروم (1900-1980)، ومع صعود النازية إلى سدة الحكم في ألمانيا التي أصبحت تشكل خطراً على الحياة السياسية والثقافية وجد المعهد نفسه مضطراً لمغادرة ألمانيا، فانتقل بعض أعضائه إلى باريس ثم إلى سويسرا ومنها إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أعادوا تشكيل المعهد وأصدروا مجلة له([18]).

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عاد معظم رواد المدرسة إلى ألمانيا وتابعوا نشاطهم ضمن جامعة فرانكفورت. وقد بلغ هذا النشاط ذروته في أواخر الخمسينيات والستينيات، في هذا الفترة ظهر جيل جديد من أتباع هذه المدرسة كان أبرزهم يورغن هابرماس (1929-  ) الذي يعد من أهم وأبرز مفكري ألمانيا وكذلك ألفرد شميت وغيره. علماً بأن اسم مدرسة فرانكفورت نفسه لم يستخدم إلا بعد عودة المعهد إلى ألمانيا عام 1950. لم ينحصر اهتمام هذه المدرسة بعلم الاجتماع وحده بل تجاوزت ذلك الاهتمام بالعلوم الاجتماعية الأخرى وبخاصة الاقتصاد والتاريخ والفلسفة والقانون والأدب والموسيقى، تأكيداً منها على كلية التاريخ (افتراضه كلاً واحداً لا يتجزأ)([19]).

ويمكن اعتبار النقد السمة الرئيسية لمدرسة فرانكفورت، حيث عبرت عن هذه الأفكار من خلال ” نظرية المجتمع النقدية ” التي اعتبرت بمثابة مدخل للعلوم الاجتماعية يعتمد على أعمال كل من ” كارل ماركس، وسيغموند فرويد “. وتستهدف هذه النظرية نقد وتحليل المجتمع، وبذلك تكون في جوهرها نظرية تقييمية معارضة للعقائد المذهبية مثل ” الوضعية ” التي ترى بأن العلوم الاجتماعية ينبغي أن تكون متحررة من التقييم. ففي مقابل ما تراه الوضعية حول ” ماذا يكون “، فإن النظرية النقدية تطرح الموقف المثالي “ما ينبغي أن يكون”([20]).    

وفي سياق التعريف بمدرسة فرانكفورت يشير توم بوتومور إلى أن اسم مدرسة فرانكفورت يطلق على المعهد، أي على المشروع العلمي للفلسفة الاجتماعية، وعلى مسار النظرية النقدية، فهذه المدرسة تمثل ظاهرة مركبة، فمنذ إنشاء المعهد وهو يمثل جزءاً من حركة فكرية أكبر عرفت أحياناً باسم ” الماركسية الغربية ” Western Marxism([21]) مما يعني أن مدرسة فرانكفورت هي نتاج لظروف الواقع الاجتماعي الألماني في القرنين التاسع عشر والعشرين الماضيين.

ويذهب أيضاً بول لوران أسون إلى أن مدرسة فرانكفورت هي الشعار للدلالة على حدث إنشاء معهد فرانكفورت للدراسات الاجتماعية ومشروعه العلمي الذي يحمل عنوان ” الفلسفة الاجتماعية ” فمدرسة فرانكفورت ظاهرة إيديولوجية تنتج وبشكل غريب معايير فلسفية اجتماعية([22]).

رابعاً – التنظير النقدي لمدرسة فرانكفورت:

سنسعى في هذا العنصر إلى استعراض النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، كنموذج فكري تحليلي – نقدي للواقع الاجتماعي، على اعتبار أن هذا النموذج قد أسهم إسهاماً كبيراً بإثراء الجانب النظري للمدرسة النقدية في علم الاجتماع المعاصر بشكل عام.

– النظرية النقدية للمجتمع:

بدايةً إن النقد الاجتماعي عند ماركس ليس منفصلاً عن الواقع الذي يحيا به الإنسان، بل هو نقد يرتبط بالممارسة والعمل والفعل قصد تحقيق التغيير الضروري للواقع الاجتماعي. وقد كان هذا حجر الأساس للنظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت خلال النصف من القرن العشرين([23]).

لذا يرتبط اسم النظرية النقدية بمدرسة فرانكفورت للبحث الاجتماعي، التي هي قبل كل شيء نظرية نقدية للمجتمع، التي تركز على الجانب الاجتماعي للسلوك الإنساني، بحيث تسعى جاهدة للبحث عن الطاقات الكامنة في الحرية والعدالة والسعادة حين تمارس تحت ظروف وشروط تاريخية محددة، والتي تهدف إلى نظام اجتماعي أفضل يحقق تلك الطاقات والظروف، وكنظرية اجتماعية معيارية تحاول فهم وتشخيص المشاكل والأوضاع السيئة في الواقع الاجتماعي. بمعنى أن النظرية النقدية تتناول العلاقات الخاصة بين الفرد والمجتمع، وبين الفكر والعمل، التي تعد سمة من سمات المجتمعات الحديثة. هذه المجتمعات المتسلطة نتيجةً للهيمنة الثقافية التي أرست قواعدها العقلانية التكنولوجية([24]). ينطبق هذا الهدف مع المقولات النظرية لروادها الأوائل، وعلى رأسهم ماكس هوركهايمر وتيودور أدورنو مثلما ينطبق ذلك على آراء زملائهم وتلاميذهم المعاصرين، وعلى رأسهم هربرت ماركيوز ويورغن هابرماس، الذين جميعهم ينتمون إلى ” اليسار الأوروبي ” بصفة عامة والألماني بخاصة.

يشير هوركهايمر إلى أن النظرية النقدية للمجتمع ليست في المقام الأول نظرية للمعرفة أو نظرية للحقيقة، مع أنها جزء من المحاولات المستمرة التي تهدف للوصول إليها، انطلاقاً من اهتماماتها بالجانب الفلسفي للعلاقات الاجتماعية، إنما هي محاولة جادة لإيجاد بديل (نظري- نقدي) واضح المعالم للوقوف أمام التيارات الفكرية والفلسفية التقليدية التي مارست أنواعاً من السلطة التي هدفت إلى إيجاد تقويض طوعي لتاريخ الفلسفة والمعرفة الاجتماعية، الذي أجبر النظرية الاجتماعية على التراجع.

تقوم النظرية النقدية على أساس منهجي قويم وهو الربط الجدلي بين النظرية والممارسة، كما أكد هوركهايمر، أي إن جدلية النظرية والممارسة يجب أن تكون داخلية، حتى لو تنكرت النظرية لكل فهم ذاتي، لكن على النظرية النقدية أيضاً أن تستغني، في الوقت ذاته، عن المماثلة والأحكام القطعية التي تثير المصالح أو التي ترتبط بها، كما عليها أن تستغني عن كل وساطة، لأن قيمة أية نظرية نقدية للمجتمع لا تحدد بالفصل الشكلي للحقيقة وإنما بالشروع في لحظة تاريخية معينة بالقيام بواجبها تجاه القوى الاجتماعية، وأن اتخاذ مثل هذا الموقف إنما يهدف أساساً إلى توجيه المعرفة الذاتية نحو المجتمع ونحو مصلحة عقلانية ايجابية، وهو ما مكنها من أن تكون نظرية اجتماعية هدفها نقد المجتمع وتعريته من خلال نقد النظام القائم والكشف عن جوانب الخلل فيه ورفضه إذا كان سلبياً، وبمعنى آخر تعرية المجتمع  ” الصناعي – البرجوازي ” وعقلانيته التكنولوجية، وما يرتبط بها من إيديولوجية، لأن نقد المجتمع هو في الوقت ذاته نقد ذاتي للأفكار التي تصدر عنه.

وهكذا تحولت المعرفة في تلك المجتمعات إلى أداة سيطرة بدلاً من أن تكون أداة تحرر، وذلك عندما أصبحت مرتبطة بالغايات السياسية والاجتماعية التي تتوخى الهيمنة والسيطرة، أو بعبارة أخرى عندما ارتبطت فكرة السيطرة على الطبيعة بالسيطرة على المجتمع([25]).

لذا لا بد لنا من حيث الأهمية والموضوعية العلمية أن نذكر أهم الجذور التاريخية والعقلية التي تغذت عليها النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت ونمت في تربتها([26]):

  • تراث الفلسفة المثالية الألمانية وفي مقدمتها تراث هيجل (1770- 1832).
  • كتابات الشباب المبكر لكارل ماركس (1818- 1883)، خاصة المخطوطات الاقتصادية الفلسفية لعام 1844، التي تحتل فيها فكرة الاغتراب موقعاً هاماً وخصوصاً اغتراب الإنسان في ظل مجتمع علاقات الإنتاج الرأسمالي مكانة كبيرة.
  • الفلسفات الاجتماعية الألمانية، وبخاصة فلسفة ماكس فيبر (1864- 1920) مما أثر على بحوثهم في علم اجتماع المعرفة والفن والأدب.
  • فلسفة التحليل النفسي وفلسفة الحضارة عند سيجموند فرويد (1856- 1939) خصوصاً بعد تطويرها بمنظور اجتماعي عند إيريك فروم وماركيوز.
  • الأفكار والتصورات الماركسية والهيجلية الجديدة التي عبر عنها في العشرينيات من القرن الماضي كل من كارل كورش (1886- 1961) وجورج لوكاش* (1885- 1971) لا سيما في كتابه ” التاريخ والوعي الطبقي ” 1923 الذي تعرض فيه لفكرة تشيؤ الإنسان واغترابه التي كان لها تأثير قوي على رواد النظرية النقدية.
  • التأثر ببعض أفكار فلسفة الظاهراتية (الفينومينولوجيا)، وفلسفة الحياة والوجود التي انطلق منها بعض أعلام مدرسة فرانكفورت.

أما مصطلح ” النظرية النقدية ” للمجتمع بحد ذاته، الذي ينسب إلى ” مدرسة فرانكفورت النقدية ” التي استفادت من فعل التراكم الفكري والفلسفي والاجتماعي والصياغات المنهجية والمعرفية لمسار الطرح النقدي المعاصر، حاولت من خلال هذا المصطلح أن تقدم بعض الإسهامات الفكرية النقدية، لتجاوز رواسب التأمل العقلاني في مشروع الهيمنة، وإعادة النظر في فكرة انتصار البنى على الإنسان المنطلقة من فلسفة البقاء للأصلح.

إن ما يميز النظرية النقدية باختصار شديد هو أسلوب النظر الدائم إلى معطيات الحداثة، والبحث عن أفق جديد لطرح الأسئلة، وبذلك تحوّل النقد عندهم إلى وسيلة من وسائل مقاومة أشكال الاستقطاب وإلى فعل تغييري من منطلق النزعة الإنسانية، من خلال الارتكاز على المعطى الاجتماعي الإنساني، لذلك وضعت النظرية النقدية في سلم أولوياتها عدة مقاصد لتعميق الوعي النقدي وهي: ” نقد العقل الأداتي، التشيؤ، الاغتراب، القمع والتسلط ” الذي يطبع المجتمع الصناعي بطابعه، وأكدت مبدئياً أن ليس هناك نظرية تدعي امتلاك الحقيقة وهذه الاعتبار تطبقه على نفسها من أجل الانفلات من أي انغلاق على ذاتها كما حدث في النظريات التقليدية السابقة عنها.

ونجد المقاصد السابقة مرتبطة مع بعضها البعض، لأن العقل الأداتي يعتبر العامل المهم والأساسي في إنتاج كل المفاهيم السابقة لأنه عقل خصوصي يعطي للتنظيم الاجتماعي حقيقته العقلانية، ونقده هو نقد لعقلانية السيطرة والهيمنة ذاتـها، ونقد أيضاً  لما يفرزه من متغيرات تؤدي إلى تهميش النزعة الإنسانية للفرد واغترابه عن ذاته ومجتمعه، من خلال التقنية التي تعتبر من أهم منجزاته والتي تتحول من عقلانية نافعة إلى عقلانية سياسية نفعية غرضها الاستلاب والاستعمـار والسيطرة، فتقود إلى التآكل التدريجي لكل جوانب النزعة الإنسانية للمجتمع بكل تجلياتها.

ويقصد بالعقل الأداتي نوعاً من التفكير السائد في المجتمع الصناعي الحديث وهو ما وصفه هربرت ماركيوز بالتفكير ذو البعد الواحد، ويتضح ذلك في أسلوب التفكير العلمي والتقني، كما تعبر عنه الفلسفة الوضعية بأشكالها المعاصرة والفلسفة البراغماتية([27]).

وهنا يجب أن نشير أن مصطلح (الأداتية) يتضمن مضمونين: فهو أسلوب لرؤية العالم، وأسلوب لرؤية المعرفة النظرية. بحيث أن رؤية العالم بوصفه أداة تعني اعتبار عناصره أدوات نستطيع بواسطتها تحقيق غاياتنا، والمثال على ذلك، أنا لا انظر إلى الشجرة لما يجلب جمالها لي من رضى، بل أراها خشباً يمكن أن يحول إلى ورق يطبع عليه كتابي الذي أقوم بتأليفه…. وبإمكاننا أيضاً النظر إلى المعرفة باعتبارها أداة ووسيلة لتحقيق غاية. وربما تكون هذه الفكرة أصعب كثيراً لأنها تتخلل ثقافتنا لدرجة أن أي وجهة نظر أخرى لا ترى في المعرفة أداة يصعب تصورها([28]).

– ويتسم هذا العقل بالسمات التالية([29]):

  1. ينظر العقل الأداتي إلى الواقع من منظور التماثل بحيث لا يهتم بالخصوصية المميزة للواقع الاجتماعي، لأنه يبحث عن السمات المتماثلة في الأشياء ويهمل السمات التي تميز ظاهرة ما عن أخرى.
  2. العقل الأداتي قادر على إدراك الأجزاء، فهو يعمل على تفتيت الواقع إلى أجزاء غير مترابطة، ويفككه دون أن يستطيع إعادة تركيبه إلا من خلال نماذج اختزالية بسيطة.
  3.  ينظر العقل الأداتي إلى الإنسان باعتباره مجرد جزء يشبه الأجزاء الطبيعية (المادية) الأخرى، وهذا الجزء ليس له ما يميزه عن بقية العالم، فهو مستوعب في كليته في النظام الاجتماعي القائم وفي تقسيم العمل السائد في الطبيعة(المادة).
  4. العقل الأداتي ينظر إلى الإنسان من منظور العلوم الطبيعية باعتباره شيئاً ثابتاً وكماً واضحاً ووضعاً قائماً لا يحتوي أية إمكانيات إنسانية خلاقة.
  5. العقل الأداتي ينظر إلى الطبيعة والإنسـان باعتبارهما مادة استعمالية يمكن توظيفها واستغلالها لخدمة أي هـدف.
  6.  الهدف النهائي من الوجود كما يؤمن العقل الأداتي هو الحفاظ على بقاء الذات وهيمنتها وتفوقها، ومن هنا جاءت تسميته بالعقل الذاتي أيضاً.
  7.  لتحقيق هذا الهدف، يلجأ العقل الأداتي إلى فرض المقولات الكمية على الواقع وإخضاع جميع الوقائع والظواهر (الطبيعة والإنسان) للقوانين الشكلية والقواعد القياسية والنماذج الرياضية، حتى يمكن التحكم في الواقع ويصل هذا إلى ذروته في الفلسفة الوضعية. وينتج عن هذا ما يلي([30]):
  8. إن العقل الأداتي يصبح عاجزاً تماماً عن إدراك العمليات الاجتماعية والسياسية والتاريخية في سياقها الشامل الذي يتخطى حدوده المباشرة، بل إنه يعجز تماماً عن إدراك أي غايات نهائية أو كليات متجاوزة للمعطيات الجزئية الحسية والمعطيات المادية الآنية. ولذا يمكن تسميته بالعقل الجزئي أي أنه يصبح عاجزاً تماماً عن تحقيق أي تجاوز معرفي أو أخلاقي.
  9. لهذا السبب نفسه يصبح العقل الأداتي غير قادر على تجاوز الحاضر للوصول إلى الماضي أو استشراف المستقبل، أي إن العقل الأداتي يسقط تماماً في ” اللازمنية واللاتاريخية “.
  10. مع غياب أية مقدرة على إدراك الكل المتجاوز وأية أسس تاريخية ورؤى مستقبلية، أي مع غياب أية أرضية معرفية ثابتة، يمكن أن تستند إليها المعايير العامة، يسقط العقل الأداتي تماماً في النسبية المعرفية والأخلاقية والجمالية إذ تصبح كل الأمور متساوية، ومن ثم تظهر حالة من “اللامعيارية الكاملة“، فيمكن القول بأن النموذج الكامن والمهيمن على الإنسان الذي يصبح مع تساوي الأمور هو: (الطبيعة – المادة – السلعة – الشيء في ذاته – علاقات التبادل المجردة).
  11. لذلك يصبح العقل الأداتي قادراً على شيء واحد فقط وهو قبول أمر الواقع، من خلال التكيف مع ما هو قائم من أحداث ووقائع وجزئيات بالإضافة إلى التكيف مع الظروف المنتجة (للقهر والقمع والتنميط والاغتراب) التي تؤدي جميعها بنهاية الأمر إلى تثبيت دعائم السلطة وعلاقات القوة والسيادة القائمة في مجتمع معين، مع العمل على كبح أية نزعات إبداعية تلقائية تتجاوز ما هو مألوف.      
  12. لذلك يتحول العقل رغم تحرره من الأساطير، إلى قوة عقلانية تحاول السيطرة على الطبيعة والإنسـان وترشـيد الحياة بشـكل يؤدي إلى نفي الحرية تماماً كما يتبدى في بنى التسلط الرشيدة الحديثة، ولذلك نجد أن التقدم أدى إلى عكسه وأن التنوير أدى إلى الشمولية، فالمجتمعات الحديثة التي تسعى إلى الفردية همشت الفرد، وأنها في طريقها إلى شكل من أشكال البربرية التي تتقدم بخطى حثيثة نحو الجحيم، والبرهان على ذلك ما حدث في معسكرات الإبادة النازية فهو جزء عضوي من هذه المسيرة الشيطانية حسب آراء مفكري المدرسة النقدية باعتباره ينتمون إلى الديانة اليهودية([31]).

فالترشيد الأداتي والسيطرة المتزايدة لمجالات متنامية في الحياة الاجتماعية، من قبل الأنظمة والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والإدارية، يؤدي إلى استعباد الإنسان وإلى تقليص عالم الحياة وهيمنة عالم الأداة واستبعاد كثير من جوانب حياته الثرية وإمكانياته الكامنة المتنوعة، أي إن العقل الأداتي يؤدي إلى هيمنة الواحدية الموضوعية المادية.

– مناقشة ختامية: من خلال ما تقدم نجد أن النظرية النقدية اتجهت إلى نقد وتفكيك تشكلات قوى الهيمنة داخل البنى الاجتماعية (المتمثلة بالعقل الأداتي ومفرزاته)، من خلال رسم أدواراً حاسمة وواضحة في تحقيقها لذلك، فأسهمت في تنوير الفرد الملتزم بها، وبهذا وصفت بأنها تمثل نقداً فاحصاً لإيديولوجية المجتمع وتعريته لها، فقد حاولت النظرية النقدية تجاوز المراحل الاستبدادية، وتشكيل نواة جديدة لنظرية في المجتمع، تبنى على معطى النزعة الإنسانية، من خلال وضع تصور فكري نقدي من خلال الآتي:

  1. جعل النقد أسلوباً رئيسياً في النظر إلى الأشياء والأفكار والأحداث.
  2. الانسلاخ عن كل نزعة تروج الدمج والاحتواء الشامل.
  3. الابتعاد عن كل استقطاب مؤسساتي لا سيما الدولة والأحزاب.
  4. عدم الفصل بين الممارسة الفلسفية وبين مختلف العلوم الاجتماعية.
  5. التخلص من استبدادية الفعل ومن إنتاجيات الحداثة ذات التجليات الشاذة.
  6. تفكيك الادعاءات المطروحات التي تدعي الامتلاك التام للحقيقة المطلقة.
  7. محاربة النزعة العلمية التي تحاول أن تضفي الشرعية المزيفة على النظام السياسي والاجتماعي المؤسس على العقلانية التقنية.
  8. القيام بمحاكمة نقدية لأساسيات الفلسفة العلمية، ونقد الإيديولوجية.

وهكذا نجد أن النظرية النقدية للمجتمع قامت بدور فاعل ومهم المتمثل بنقد الآليات الفكرية والعملية للمجتمع الرأسمالي بكل تجلياته ومرتكزاته، من خلال تفسيرها وتحليلها له فهي شكلت نقطة تحول جذرية في الفكر الاجتماعي النقدي والفلسفي على حد السواء.

لكن بالمقابل هناك الكثير من الملاحظات النقدية التي تأخذ على نظرية مدرسة فرانكفورت تستحق التوقف عندها لنقدها، وهذا تماشياً مع منهجها النقدي، حيث يؤخذ عليها أنها عجزت عن تقديم تصور نظري بديل واضح المعالم لإخراج الإنسانية من مأزقها ووضعها الحالي، مع العلم أن معظم روادها كانوا جميعهم يلحّون باستمرار على ضرورة التغيير الشامل للوضع القائم، لكن كان يغلب على أفكارهم الطابع الطوباوي (المثالي غير الواقعي) الذي يهدف إلى  نقد الوضع القائم مع سعي على الحفاظ عليه بالوقت ذاته، بمعنى آخر هي مهمة مزدوجة هدفها نقد النظام القائم وتنقيته من الشوائب مع ضرورة الإبقاء على مكاسبه التي تحترم إنسانية الإنسان. بذلك تدخل مدرسة فرانكفورت دائرة النقد الثقافي الاجتماعي غير الهدام.

كما يؤخذ عليها اختلاف آراء مفكريها من شخص إلى آخر، واختلاف توجهاتها لما بعد الحداثة عن مدرسة فرانكفورت في فترة الثلاثينيات من القرن العشرين، كما استبعدت المدرسة اهتمامها بالتاريخ والاقتصاد إلى حدٍّ كبيرٍ، وانحرفت انحرافاً كبيراً عن مبادئ الماركسية الكلاسيكية كما عند الجيل الثاني من مفكري معهد فرانكفورت. وقد همشت النظرية النقدية الجديدة مع هابرماس الطبقة العاملة، باعتبارها طبقة ثورية سياسية فاعلة ومغيرة.

لذا وصفت مدرسة فرانكفورت بأنها ” ماركسية بدون بروليتاريا “. ومن هنا، يبدو أن مفهوم مدرسة فرانكفورت عن تدهور، أو تلاشي الطبقة العاملة كقوة سياسية، قدم أساساً على فكرة طوباوية وخيالية عن الثورة، التي هي بأي حال الطريقة الوحيدة، أو الأكثر ماركسية، لتصور عملية الثورة الاجتماعية. وربما يكون هذا المفهوم قائماً أيضاً على انعكاس الخبرة الاستثنائية الأمريكية، الناجمة عن غياب طبقة عاملة منظمة سياسياً في المجتمع الأمريكي، على فكرهم، ولا سيما في حالة ماركيوز. وفي هذا السياق، يقول بوتومور: إن مدرسة فرانكفورت أخفقت في الالتزام بالطريقة القاطعة التي اقترحها هوركهايمر للنظرية النقدية، حين ذكر أنها لا تمتلك المفاهيم والأدوات التصورية القادرة على سد الفجوة بين الحاضر والمستقبل.

كما أنها قد ابتعدت في مراحلها الأخيرة عن الماركسية التي انطلقت منها في بداياتها، بل أعلنت هذه النظرية فشلها حينما اعتبر هابرماس بأن نظرية ما بعد الحداثة حالة مرضية، بسبب اختلال التوازن بين ما هو معنوي وما هو مادي. وهكذا، نصل إلى أن النظرية النقدية هي قراءة ماركسية للمجتمع، ونقد للنظرية العلمية والوضعية التي أهملت الإنسان والذات والتاريخ والمجتمع والأخلاق. ومن ثم، تعمل النظرية النقدية على تنوير المرء الملزم، وتنويره عقلانياً وذهنياً، وانتقاد الاغتراب في المجتمع الرأسمالي، وإدانة فكرة التشيؤ والاستلاب والقمع الآلي. ومن ثم، تستند النظرية النقدية في قراءتها للأدب والفن إلى مفاهيم النقد الماركسي الكلاسيكي أو الماركسية المعدلة في نظرية هابرماس. ويمكن أن نحدد مجموعة من المراحل التي قطعتها النظرية النقدية الجديدة، فكان هناك في البداية اهتمام بنقد الوضعية العلمية، ومعاداة الفكرة السامية. وبعد ذلك، انتقل الاهتمام إلى المجال الثقافي مع ماركيوز، ليتم الإنصات إلى الحركات الثورية الطلابية والأقليات المضطهدة، لتتخذ النظرية النقدية توجهاً جدياً مع هابرماس، حيث بدأت النظرية النقدية الجديدة تقدم تصورات مختلفة حول المجتمع متأرجحة بين الفلسفة والعلم، كما أعيدت صياغة الماركسية من جديد على أسس علمية وسياسية واجتماعية ما بعد حداثية، لتنتهي النظرية النقدية بالثورة على ما بعد الحداثة نفسها، وذلك حينما وقع اختلال مجتمعي وحضاري بين القيم المادية والقيم المعنوية، فترتب عن ذلك أن أصبحت ما بعد الحداثة حالة مرضية مأساوية.

وأخيراً، يجب علينا من منطلق مقولات النظرية النقدية المشبعة بالنزعة الإنسانية طرح مكاشفة نقدية حول أحداث السابع من أكتوبر في فلسطين المحتلة (غزة الأبية) من مبدأ ربط النظرية بالممارسة، وبالأخص فيما يتعلق بطبيعة أحداث السياق الاجتماعي وتفاعلاته التي أثّرت بشكل مباشر في صياغة معالم الفكر النقدي لرواد النظرية النقدية أهمها: (معسكرات أوشفيتز النازية)، وفي هذا الصدد يرى الكاتب: ”تعتبر الممارسات اللا إنسانية والقمعية على يد النازيين في الحرب العالمية الثانية ضد الجماعات العرقية والدينية في معسكرات الموت (أوشفيتز)، إحدى العاملات الفارقة في تشكيل معالم الفكر النقدي لرواد النظرية النقدية…. لكن بالمقابل ألا يدعو هذا الحدث الذي يُعاد تكراره من حيث المبدأ مفكري النظرية النقدية المعاصرين (هابرماس، هونيث…) إلى إدانة ممارسات الكيان الصهيوني الغاصب في الإبادة الجماعية والقتل الوحشي والاعتقال التعسفي وانتهاك حقوق الإنسان ضد الشعب الفلسطيني صاحب الأرض….. سؤال برسم الإجابة وإعادة الطرح والتمحيص؛ لأن الإنسانية لا تتجزأ حسب مقولات النظرية النقدية لرواد مدرسة فرانكفورت“.


[1] – ستيفن إريك برونر: النظرية النقدية: مقدمة قصيرة جداً، ترجمة: سارة عادل، مراجعة: مصطفى محمد فؤاد، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط2، 2016، ص (9-10).

[2] – المرجع السابق نفسه، ص (10).

[3] – حسام الدين فياض: النقد الثقافي والتنويري؛ قراءة في مقولات النظرية النقدية (نقد النقد)، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 18 ديسمبر 2023. https://n9.cl/lub5j

[4] – حسام الدين فياض: تطور الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصر (دراسة تحليلية- نقدية في النظرية السوسيولوجية المعاصرة)، سلسلة نحو علم اجتماع تنويري، الكتاب الأول، دار كريتار، إسطنبول، ط1، 2020، ص (20).

* فرع من فروع الفلسفة الذي يهتم بالمعرفة، والكلمة مشتقة من اللفظين الإغريقيين: Epistem معرفة، وLogos علم، وتعنى بالدراسة النقدية لمبادئ العلوم المختلفة، وفروضها، ونتائجها، وتحديد أصلها المنطقي وقيمتها الموضوعية، من حيث شروط إمكانها في مجال الحياة الاجتماعية، وبالقواعد التي تتعلق بإنشاء معطياتها والتي ترتبط بالموضوعية، وبالمسافة بين الباحث والوقائع المعاينة، والتي تتعلق بنقد المخارج والإيديولوجيات ومقاييس البراهين. ويعد ماكس هوركهايمر أحد مؤسسي مدرسة فرانكفورت من أهم من تناول فلسفة التنوير عند كانط برؤية ابستمولوجية، ورأى في هذه الفلسفة اتجاها لم يكتسب امتداده الاجتماعي.  

[5] – عبد الله إبراهيم: الاتجاهات والمدارس في علم الاجتماع (دراسة في فلسفة العلم الابستمولوجيا)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2005، ص (17).

[6] – توم بوتومور: مدرسة فرانكفـورت، ترجمة: سعد هجرس، دار أويا، بنغازي، 2004، ص (205).

[7] – محمد نور الدين آفاية: الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة: نموذج هابرماس، دار إفريقيا للنشر، المغرب، ط1، 1991، ص (28).

[8] – أندريه لالاند: موسوعة لالاند الفلسفية، تعريب: خليل أحمد خليل، منشورات عويدات، بيروت، م1، 1966، ص (237-238).

[9] – أبو النور حمدي أبو النور حسن: يورجين هابرماس “الأخلاق والتواصل”، دار التنوير، بيروت، 2009، ص (20).

[10] – إبراهيم الحديري: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، الحوار المتمدن، العدد: 4286، تاريخ 25/11/2013. https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=388524

[11] – كمال بومنير: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت – من هوركهايمر إلى أكسل هونيث، الدار العربية للعلوم والنشر، بيروت، ط1، 2010، ص (11). 

[12] – ميشيل مان: موسوعة العلوم الاجتماعية، ترجمة: عادل مختار الهواري– سعد عبد العزيز مصلوح، مكتبة الفلاح، بيروت، 1994، ص (160).

[13] – كمال بومنير: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت – من هوركهايمر إلى أكسل هونيث، مرجع سبق ذكره، ص (14). 

[14] – توم بوتومور: مدرسة فرانكفـورت، مرجع سبق ذكره، ص (206).

[15] – للمزيد من القراءة والاطلاع انظر: ماكس هوريهايمر: النظرية التقليدية والنظرية النقدية، ترجمة: مصطفى الناوي، مراجعة: مصطفى خياطي، عيون المقالات، مطبعة النجاح الجديدة، ط1، 1990.

[16] – توم بوتومور: مدرسة فرانكفـورت، مرجع سبق ذكره، ص (206-207).

[17] – فيل سلتير: مدرسة فرانكفورت (نشأتها ومغزاها – وجهة ماركسية)، ترجمة: خليل كلفت، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، العدد: 154، ط2، 2004، ص (21-22).

[18] – حسام الدين فياض: تطور الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصر، مرجع سبق ذكره، ص (40).

[19] – خضر زكريا: نظريات سوسيولوجية، دار الأهالي، دمشق، ط1، 1998، ص (245-246).

[20] – ميشيل مان: موسوعة العلوم الاجتماعية، ترجمة: عادل مختار الهواري– سعد عبد العزيز مصلوح، مكتبة الفلاح، بيروت، 1994، ص (160).

[21] – توم بوتومور: مدرسة فرانكفـورت، مرجع سبق ذكره، ص (37-38).

[22] – أبو النور حمدي أبو النور حسن: يورجين هابرماس ” الأخلاق والتواصل “، مرجع سبق ذكره، ص (19).

[23] – كمال بومنير: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت – من هوركهايمر إلى أكسل هونيث، مرجع سبق ذكره، ص (39). 

[24] – Tim Dant: Critical Social Theory – Culture, Society and Critique, op.cit, p. (160).

[25] – كمال بومنير: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت – من هوركهايمر إلى أكسل هونيث، مرجع سبق ذكره، ص (43). 

[26] – عبد الغفار مكاوي: النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت- تمهيد وتعقيب نقدي، جامعة الكويت، حوليات كلية الآداب، الكويت، ح)13(- الرسالة)88(، 1992-1993، ص (23-24).

* ماركسي مجري، اختلف الباحثون في تحليل أعماله، وفي تحديد اتجاهه الفكري. ولد في مدينة بودابست عام 1885، درس على يد جورج سيمل بيرلين، وماكس فيبر بهيدلبرج، وكان في بدايته وجودياً، ثم تحول إلى الماركسية، وانضم إلى الحزب الشيوعي المجري عام 1918. كتابه الرئيسي (التاريخ والوعي الطبقي) عام 1923 في محاولة لإعادة صياغة الماركسية صياغة هيجلية، وكان أول الذين اكتشفوا إمكانية تفسير النظرية الماركسية باستخدام الجدل الهيجلي، وترسخت نظريته بنشر كراسات ماركس الاقتصادية والفلسفية عام 1944، لكن تفسيره المثالي لماركس تعارض مع تفسير لينين، وأساء له.

[27] – حسام الدين فياض: تطور الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصر، مرجع سبق ذكره، ص (122-123).

[28] – إيان كريب: النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة: محمد حسين غلوم- محمد عصفور، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، ع)244(، شهر يناير، 1999، ص (316). 

[29] – حسام الدين فياض: تطور الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصر، مرجع سبق ذكره، ص (50-51).

[30] – حسام الدين محمود فياض: الانثروبولوجيا بين الأكاديمية والأداتية (دراسة تحليلية- نقدية لطبيعة العلاقة بين الانثروبولوجيا والاستعمار)، المجلة العربية للعلوم ونشر الأبحاث (مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية)، مجلة علمية محكمة دولية، فلسطين، المجلد: 5، العدد: 5، 2021، ص (69-70).

[31] – حسام الدين فياض: تطور الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصر، مرجع سبق ذكره، ص (52).

_____
*د. حسام الدين فياض/ الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة/ قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقًا.

وسوم:

اترك رد

جديدنا