الخليـفة عُـمَـر ورسم الـمـصاحف على حرف قريش؛ مـفهوم سـيـادة الـدَّولـة

image_pdf

إنَّ المقصود بالأحرف السبعة لغات للعرب على أرجح الأقوال، وأنَّ عثمان رضي الله عنه ومن كان معه من الصحابة جمعوا القرآن على حرف واحد من تلك الأحرف، وهو حرف قريش، وصار المصحف العثماني شاملاً لحرف قريش، ولِمَا يحتمله رسمه من الأحرف الستَّة المتبقية؛ وأنَّ القراءات المتواترة ما هي إلا قراءات ضمن حرف قريش، احتملها الرسم العثماني الذي لم يكن منقوطًا ولا مشكولاً حينذاك. كما أنَّ نسبة القراءات السبع إلى القراء السبعة إنَّما هي نسبة اختيار وشهرة، واتباع للنقل والأثر ليس إلا. والله أعلم بالصواب. إسلام ويب (09/10/2016)، نزول القرآن على سبعة أحرف.

تقترح كثير من الكتابات وجود أحرف سبعة أو قراءات سبع مختلفة للقرآن عبر اللغات العربية الفصحى، ومن بين هذه القراءات كانت لغة قريش واحدة منها. تشير هذه المقالة إلى أن موقف الخليفة عمر بن الخطاب ر. في هذا السياق لا يتعارض مع الأحاديث التي تؤكِّد شرعيَّة وإسلاميَّة القراءات السبعة أو الأحرف السبعة. ومع ذلك، يعكس إصرار عمر بن الخطاب ر. في مرحلة من مراحل خلافته على جعل القراءة القرشيَّة اختيارًا رئيسًا لرسم معالم هويَّة الدولة اللغويَّة. أمر كهذا يجعلنا نرجِّح أنَّ مصحفًا رسم بلغة قريش يعزِّز أهميَّة وقبول قبيلة قريش التي كانت تحكم بلاد المسلمين الشاسعة. ولنا أن نقدِّر حجم تصدُّع هويَّة الدولة القرشيَّة إذا ما انتشرت مصاحف تكتب بلغات قبائل ستَّة أخرى، وما سيترتَّب جرّائه من تهديد لسيادة دولة الخلافة الإسلاميَّة القرشيَّة. بمعنى آخر، انتشار سبع مصاحف كل أحدهم ينطق لغة قبيلة مختلفة سيؤدِّي ذلك إلى تحتيت سيادة الدولة القرشيَّة الفتية.

شرعيَّة الأحرف السبعة

تتبَّع الإمام ابن الجزري في كتابه “النشر في القراءات العشر” حديث قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : “إنَّ هذا القُرْآنَ أُنْزِلَ علَى سَبْعَةِ أحْرُفٍ، فاقْرَؤُوا ما تَيَسَّرَ منه”. فوجده في البخاري ومسلم وباقي الكتب الخمسة.

معنى حرف

يطلق لفظ حرف في اللغة على عدَّة أوجه، منها ذروة الشيء أو أعلاه، أو على شفرة السيف أو حدّه، ويطلق على حرف الهجاء، وعلى اللهجة. وقد وردت آراء كثيرة حول هذا الموضوع، تفسِّر وتفنِّد معنى الحروف السبع أو القراءات أو اللُّغات السبع، وهي لهجات قبائل العرب.

وهناك من علماء الأمَّة من ربط بين تعبير “سبعة أحرف” و “القراءات السبع” وهناك من قال إنَّ التعبيرين منفصلان في دلالتهما.

أشهر من قال إن الأحرف السبعة هي القراءات السبع الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ). والفراهيدي  إمام العربية وحجَّة النحاة وقد أحاط و تدبَّر واستبصر هذه المسألة. علما أنه لم يسبق الخليل بن أحمد الفراهيدى الذي توفي عام 170 ه تطور مصطلح تسبيع القراءات، حيث لم تشتهر عبارة القراءات السبع إلا أيام ابن مجاهد، وهو الذي توفي عام 324 هـ. ولم يكن الخليل بن أحمد يعني بالطبع هذه القراءات السبع التي تظاهر العلماء على اعتمادها وإقرارها بدءاً من القرن الرابع الهجري، ولكنه كان يريد أن ثمة سبع قراءات قرأ بها النبي وتلقاها عنه أصحابه، ومن بعدهم أئمة السلف، وهي تنتمي إلى أمهات قواعدية لم يتيسر من يجمعها بعد ـ أي في زمن الخليل وأنها لدى جمعها وضبطها ترتد إلى سبعة مناهج، وفق الحديث: “إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف”.

وأشهر من قال إن المقصود من تعبير “سبعة أحرف” هو احتواء القران على سبع لغات قبائل عربية هو أبو عبيد القاسم بن سلام ([1]) (ت 224هـ) وورد ذلك في كتابه “لغات القبائل الواردة في القرآن”.  حيث ذكر أبو عبيد ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات  بل اللغات السبع مفرقة في آيات القران الكريم. فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وغيرهم.  كما َعين الأندلسي، بن عَبْدِ الْبَرِّ (463 هـ) السَّبْعَ مِنْ مُضَرَ أنهم هذيل ، وكنانة ، وقيس ، وضبة ، وتيم الرباب وأسد بن خزيمة ، وقريش ; فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات . السيوطي – جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، [ ص: 179 ] “الإتقان في علوم القرآن”.

كما تبنا هذا الرأي ابن عطية الأندلسي (ت 541 هـ)  صاحب كتاب “المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز”  ([2]).

ودليلهم على الذهاب إلى هذا القول هو عدم معرفة بعض الصحابة لبعض ألفاظ القرآن إلا من بعض الأعراب. فقد ذكر ابن كثير (ت 774 هـ) في تفسيره في صفحة 532 قال سفيان الثوري ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض ، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما [ لصاحبه ] : أنا فطرتها ، أنا بدأتها . فقال ابن عباس أيضا : ( فاطر السماوات والأرض ) بديع السماوات والأرض .

كما ذهب جمع من العلماء من أبرزهم أبو الفضل الرازي المقرىء (ت 454هـ) و أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدِّينَوَرِيُّ (ت 276 هـ) و عالم التجويد و القراءات ابن الجزري  (ت 833 هـ) إلى أن الأحرف السبعة هي سبعة أوجه لا يخرج عنها الاختلاف في القراءات وهي:

اختلاف وجوه الإعراب.

اختلاف بالنقص والزيادة.

الاختلاف بالتقديم والتأخير.

الاختلاف بالإبدال.

اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة والتفخيم والترقيق والإظهار والإدغام.

وقال الشيخ عبد الفتاح القاضي ، (1325 هـ/ 1403 هـ) وهو من أعلام المقارئ المصرية، ومتخصص في علم القراءات، في شرح الشاطبية: وقد اختلف العلماء فى المراد بالأحرف السبعة اختلافًا كثيرًا، وذهبوا فيه مذاهب شتى، والذى نرجحه من بين هذه المذاهب مذهب الإمام أبى الفضل الرازى وهو أن المراد بهذه الأحرف الأوجه التى يقع بها التغاير والاختلاف، والأوجه التى يقع بها هذا التغاير والاختلاف لا تخرج عن سبعة:

الأول: اختلاف الأسماء فى الإفراد والتثنية والجمع . نحو قوله تعالى فى ســـــورة البقرة : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، قرئ لفظ مسكين هكذا بالإفراد وقرئ مساكين بالجمع . وقوله تعالى فى الحجرات: فأصلحوا بين أخويكم قرئ بفتح الهمزة والخاء والواو وبعدها ياء ساكنة على أنه مثنى أخ ، وقرئ إخوتكم بكسر الهمزة وسكون الخاء وفتح الواو وبعدها تاء مكسورة على أنه جمع أخ . وقوله تعالى فى سبأ: وهم فى الغرفات آمنون قرئ بإثبات الألف بعد الفاء مع ضم الراء على الجمع، وقرئ بحذف الألف وسكون الراء على الإفراد.

وقوله تعالى فى البقرة : فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شئ قدير قرئ أعلم بهمزة قطع مفتوحة مع رفع الميم على أنه فعل مضارع ، وقرئ اعلم بهمزة وصل تثبت مكسورة فى الابتداء وتسقط فى الدرج مع سكون الميم على أنه فعل أمر .

الثالث: اختلاف وجوه الإعراب نحو: قوله تعالى فى البقرة: ولا تسأل عن أصحاب الجحيم قرئ بضم التاء ورفع اللام على أن لا نافية ، وقرئ بفتح التاء وجزم اللام على أن لا ناهية . وقوله تعالى في إبراهيم: الله الذى له ما فى السموات قرئ بخفض الهاء من لفظ الجلالة وقرئ برفعها . وقوله تعالى فى النور: يسبح له فيها بالغدو والآصال، قرئ يسبح بكسر الباء وفتحها على البناء للمعلوم والمجهول .

الرابع : الاختلاف بالنقص والزيادة ، كقوله تعالى بآل عمران: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم قرئ بإثبات الواو قبل السين وقرئ بحذفها. وقوله تعالى فى يوسف: قال يا بشراى هذا غلام قرئ بزيادة الياء المفتوحة بعد الألف وقرئ بحذفها. وقوله تعالى في الشورى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ، قرئ فبما بفاء قبل الباء وقرئ بما بحذف الفاء .

الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير، كقوله تعالى فى آل عمران: وقاتلوا وقتلوا قرئ بتقديم وقاتلوا وتأخير وقتلوا وقرئ بتقديم وقتلوا وتأخير وقاتلوا. وقوله تعالى في الإسراء وفصلت : ونآى بجانبه قرئ بتقديم الهمزة على الألف وقرئ بتقديم الألف على الهمزة . وقوله تعالى في المطففين : ختامه مسك قرئ بكسر الخاء وتقديم التاء المفتوحة على الألف وقرئ بفتح الخاء وتقديم الألف على التاء المفتوحة .

السادس: الاختلاف بالإبدال، أى جعل حرف مكان آخر، كقوله تعالى فى ســــــورة يونس: هنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت قرئ تبلوا بتاء مفتوحة فباء ساكنة وقرئ بتاءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة . وقوله تعالى في الشعراء: وتوكل على العزيز الرحيم قرئ وتوكل بالواو وقرئ فتوكل بالفاء . وقوله تعالى في ســــــورة التكوير: وماهو على الغيب بضنين قرئ بالضاد وبالظاء .

السابع: الاختلاف فى اللهجات: كالفتح والإمالة، والإظهار والإدغام ، والتسهيل والتحقيق والتفخيم والترقيق وهكذا، ويدخل فى هذا النوع الكلمات التى اختلفت فيها لغة القبائل وتباينت ألسنتهم فى النطق بها نحو: خطوات ، بيوت ، خفية ، زبورًا ، شنآن ، السحت ، الأذن ، بالعدوة ، بزعمهم ، يعزب ، يقنط .

ما هو حرف الرسول ص؟

حينما هاجر النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ إلى المدينة صار القرآن ينزل عليه على سبعة أحرف بعد أن كان ينزل على حرف واحد وهو حرف قريش وذلك تخفيفاً وتيسيراً على الناس ليسهل على المسلمين من القبائل المختلفة تلقي القرآن وحفظه وتلاوته، وقد أخرج الشيخان من حديث ابن عباس _رضي الله عنهما_ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف” ونزل القرآن على سبعة أحرف متواتر عن النبي _صلى الله عليه وآله سلم.

الحديث التالي يبين لنا حرف الرسول صلى الله عليه وآله سلم فقد روى البخاري، أن عثمان بن عفان ر. قال لكتّاب المصاحف: «إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش؛ فإن القرآن أنزل بلسانهم». [صحيح البخاري، رقم: 3506].

وقال ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ ) في “فتح الباري بشرح البخاري”: أن أبو شامة المقدسي (ت. 665 هـ) ([3]) نقل عن بعض الشيوخ أنه قال: أنزل القرآن أولا بلسان قريش، ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيل فهم المراد، كل ذلك من اتفاق المعنى. انتهى.

النقل عن علي ع. نقل على حرف الرسول ص.

هناك من يقول إن قراءات الكوفة كلها خليط بين قراءتي ابن مسعود ر. وعلي بن أبي طالب ع. ويتساءل البعض قائلا: حتى قراءة حفص متأثرة بقراءة ابن مسعود أكثر من قراءة علي، فالهمز وترقيق اللام وأشباه ذلك هي من مواصفات لهجة هذيل وليست لهجة قريش. 

والجواب هو أن قراءة حفص متأثرة بعلي بن أبي طالب ع. فقد جاء في النص بأن حفصا لم يخالف عاصم في شيء من قراءته، وعاصم لم يخالف ابى عبد الرحمن السلمى، والسلمى لم يخالف على بن ابى طالب ع. في شيء من قراءته. 

 وذكر أن شعبة سأل عاصم فقال (إنى اجد اختلافا فى الحروف بينى وبين حفص)، فقال اقراتك بما قرات به على زر بن حبيش عن ابن مسعود واقرات حفصا بما قرات به على ابى عبد الرحمن السلمى عن علي بن أبي طالب ع. 

وقال العلماء تعليقا رواية حفص عى القراءة التى يرفعها إلى علي بن أبي طالب ع.  

والمعلوم لدى اهل الاسناد ان سند حفص يرحع الى قراءة الدانى على طاهر بن غلبون صاحب التذكرة وذكر اسناد حفص فيها هكذا وقرات بها الفرءان كله على ابى الحسن الهاشمى عن احمد بن سهل الاشنانى عن عبيد بن الصباح عن حفص عن عاصم عن ابى عبد الرحمن السلمى عن علي بن ابى طالب ع. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. 

وذكره غير طاهر كمكى فى التبصرة وابن الباذش فى الاقناع وابن شريح فى الكافى وغيرهم.

رفض عمر بن الخطاب ر. الأحرف الستة

قد يبدو لنا أنَّ القراءات السبعة ليست هى المعنية فى حديث جبريل فى طلب النبى صلى الله عليه وسلم الإستزادة حتى استقر الامر على سبعة أحرف. وأن الأحرف السبعة تعنى سبع لهجات، وأن عمر بن الخطاب ر. ومن ثم تبعه عثمان بن عفان ر. مع سكوت علي بن أبي طالب الإيجابي جمع صحابة المدينة المنورة الناس على حرف قريش، فالقراءت السبعة مطابقة لحرف قريش مع بعض الزيادات التى أدخلت من الأحرف الست الباقية مما وافق الرسم العثماني.

ولكن كيف أدخلت هذه الزيادات على الرسم العثمانى، وأن من المقطوع به أن يكون أى تغير فى أحد القرأءات من مد وتقديم وترقيق و تفخيم وما شابه ذالك لابد وان يكون توقيفى، بمعنى أن وجه منه موافق لحرف قريش والباقى من الأحرف الباقية أليس كذالك؟

هذه الأحاديث والروايات التالية توضح لنا أن عمر بن الخطاب ر.  بموافقة كبار الصحابة قرر توحيد لفظ آي القران على حرف نطقه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.  كما بينا أن قراءة حفص كلها على حرف قريش حيث سندها متصل بعلي بن أبي طالب ع. الذي أخذ روايته عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا اللفظ ثبته رسم مصحف عثمان ر. أبان خلافته.

قال عمر ابن شبة في تاريخ المدينة ج 3 ص 1010:

(… عن عبد الرحمن بن عبد الله – يعني أبي بن كعب بن عجرة – عن أبيه، عن جده قال: كنت عند عمر بن الخطاب ر.، فقرأ رجل من سورة يوسف “عتا حين” فقال عمر ر.: من أقرأك هكذا؟ قال: ابن مسعود ر.، فكتب عمر ر. إلى ابن مسعود ر.: أما بعد، فإن الله أنزل هذا القرآن بلسان قريش، وجعله بلسان عربي مبين، فأقرئ الناس بلغة قريش، ولا تقرئهم بلغة هذيل والسلام!).

حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمر بن محمد بن زيد عن أبيه أن الأنصار جاؤوا إلى عمر بن الخطاب فقالوا: يا أمير المؤمنين نجمع القرآن في مصحف واحد؟ فقال: إنكم أقوام في ألسنتكم لحن وأنا أكره أن تحدثوا في القرآن لحنا وأبى عليهم!

كنز العمال ص 578 – ج 2

كما ورد في كتاب “المصاحف” لابن أبي داود في ص: 174 عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة ، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: ” لا يملين في مصاحفنا هذه  إلا غلمان قريش أو غلمان ثقيف “.

موافقة صحابة المدينة المنورة قائم إلى يومنا الراهن

حدثنا أبو داود قال، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال، سمعت مصعب بن سعد يقول: أدركت أصحاب رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم متوافرين فما رأيت أحدا منهم عاب ما صنع عثمان رضي الله عنه في المصاحف.

هكذا يتضح لنا أن قرار عمر بن الخطاب ر. التركيز على حرف قريش بمعنى اللغة التي نطق بها الرسول صلى الله عليه وآله سلم عند تلاوته القرآن العظيم أبان حقبة مكة المكرمة المباركة وأغلب أيام وليالي حقبة المدينة المنورة المباركة لم يكن ذلك  لإنقاص أو إزدراء لغات أخرى أقرها الرسول صلى الله عليه وآله سلم. بل كان القصد منها حفظ وصون الحكم القرشي وبذلك تثبيت الأمن والأمان عبر توحيد رسم ونطق القران العظيم. في الختام، يظهر لنا تأمل في قصة الخليفة عمر بن الخطاب وقراره بتوحيد كتابة القرآن على حرف قريش، كيف أن هذا القرار لم يكن مجرد قرار للحفاظ على توحيد النص القرآني بل كان أيضًا تأكيدًا على سيادة دولة الإسلام وقوتها. من خلال توجيه اهتمامنا إلى مفهوم سيادة الدولة، ندرك أهمية اللغة والثقافة في تعزيز هوية الدولة ووحدتها. ومن خلال رسم المصاحف على حرف قريش، أراد الخليفة عمر بن الخطاب أن يؤكد على أصالة اللغة القرشية وقوة الدولة الإسلامية، وهو ما يعكس تفاني الدولة في الحفاظ على هويتها وقيمها. ولا شك أن توجيه اهتمامنا لهذه الجوانب يعزز فهمنا للتطورات التاريخية والسياسية في العالم الإسلامي، ويسلط الضوء على أهمية اللغة والثقافة في تشكيل الهوية الوطنية والإسلامية. لذا، يبقى دراسة تلك الفترة من تاريخنا الإسلامي ذات أهمية بالغة، وتبقى قصة الخليفة عمر بن الخطاب وقراره الحكيم نموذجًا للحكم الرشيد والرؤية الواعية في بناء الدولة وتعزيز وحدتها. علما أن القراءات السبع والعشر لم يطمسها أحد لا زمن عمر بن الخطاب ر. ولا في زمننا الراهن. بل أنها مقيدة ومسجلة وتدرس ويتعلمها المختصون بتلاوات القران على الأحرف السبع.


[1] ) أبو عبيد العلم، وسمع الحديث، ودرس الأدب، ونظر في الفقه، أقام ببغداد مدة، ثم ولي القضاء بطرسوس، وخرج بعد ذلك إلى مكة، فسكنها حتى مات بها من كتبه: غريب الحديث، كتاب الأموال، والأمثال، توفي سنة 224هـ. قال عنه الخطيب البغدادي: «كان أحد الأئمة في الدين وعلما من أعلام المسلمين».، وقال عنه الذهبي: «من علماء بغداد المحدثين النحويين على مذهب الكوفيين، ورواة اللغة والغريب، عن البصريين، والكوفيين، والعلماء بالقراءات، ومن جمع صنوفا من العلم، وصنف الكتب في كل فن من العلوم والآداب فأكثر». والكتاب يتكلم عن اللغات الواردة في كلمات القرآن الكريم، ويعد من أقدم الكتب المؤلفة في هذا الباب مع كتاب لغات القرآن للفراء، والمؤلف يذكر السورة ثم يذكر كلمة كلمة فيها مما كانت من لغة قبيلة مشهورة، فيذكر معناها، ويقول مثلا: «(رجزا) يعني العذاب بلغة طيء، (بغيا) حسدا بلغة تميم». واستمر كذلك حتى نهاية القرآن حيث ختم الكتاب بسورة العاديات.

[2] ) من أقوال العلماء في تفسير ابن عطية : قال ابن جزى :” وأما ابن عطية فكتابه في التفسير أحسن التأليف وأعدلها، فإنه اطلع على تآليف من كان قبله فهذبها ولخصها، وهو مع ذلك حسن العبارة، مسدد النظر، محافظ على السنة”.ويقول ابن خلدون :”وجاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب، فلخص تلك التفاسير كلها، وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها، ووضع ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والاندلس حسن المنحى وتبعه القرطبي في تلك الطريقة على منهاج واحد في كتاب آخر مشهور بالمشرق”. قال ابن تيمية (ت:٧٢٨) في تفسير ابن عطية :”وتفسير ابن عطية وأمثاله أتبع للسنة والجماعة وأسلم من البدعة من تفسير الزمخشري، ولو ذكر كلام السلف الموجود في التفاسير المأثورة عنهم على وجهه لكان أحسن وأجمل، فإنه كثيرًا ما ينقل من تفسير محمد بن جرير الطبري وهو من أجلِّ التفاسير».وقال أيضاً : وتفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري وأصح نقلاً وبحثاً ، وأبعد عن البدع ، وإن اشتمل على بعضها ، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير(يعني تفسير الزمخشري والقرطبي والبغوي والواحدي)، لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها. وقال في مجموع الفتاوى بعد ما نقل تفسير ابن عطية لآية الوسيلة (٥٧) من سورة الإسراء:«ولكن ابن عطية كان أقعد بالعربية والمعاني من هؤلاء (الزجاج وابن الجوزي وغيرهما) وأخبر بمذهب سيبويه والبصريين، فعرف تطفيف الزجاج مع علمه رحمه الله بالعربية وسبقه ومعرفته بما يعرفه من المعاني والبيان . وأولئك لهم براعة وفضيلة في أمور يبرزون فيها على ابن عطية . لكن دلالة الألفاظ من جهة العربية هو بها أخبر وإن كانوا هم أخبر بشيء آخر من المنقولات أو غيرها”.وقال أبو حيان :وكتاب ابن عطية أنقل وأجمع وأخلص، وكتاب الزمخشري ألخص وأغوص.

[3]  أبو شامة المقدسي (و. 599 هـ ت. 665 هـ) عبد الرحمٰن بن إسماعيل بن إبراهيم بن عُثمان المقدسي، فقيه شافعي ومحدِّث ومؤرخ، اشتهر بأبي شامة لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر. ولد في دمشق وتوفي فيها. قام بالتدريس والإفتاء، وتولى مشيخة دار الحديث الأشرفية ومشيخة الإقراء بالتربة الأشرفية، وأخذ عنه القراءات: أحمد اللبّان، والحافظ المزي، وغيرهما. وهو مدفون في دمشق في مقبرة الدحداح.

وسوم:

اترك رد

جديدنا