التَّلمُود اليهوديّ بينَ استمراءِ التوحشِّ واستعداءِ التَّعايش

image_pdf

يتحصَّنون خلفَ مدرعاتِهم العسكريَّة لدعسِ سنابلِ الحياةِ، يرنِّمون أسفارَ الذبحِ ومشناهَ الدمِ وهم يضعونَ أرطالا من المتفجِّراتِ والقنابلِ الفتاكةِ في جوفِ طائراتِهم الحربيَّةِ استعدادًا لطمرِ مدينةِ غزَّة بمن عليها، إنَّها ليست سرديَّة متخيَّلةِ تتأتَّى من طيَّاتِ عوالمِ العصورِ الوسطَى الظلاميَّةِ، ولا من عقيدةِ السَّحقِ النازيَّة ولا من مهلكةِ هولاكو وهو يدكُّ أسوارَ بغداد، بل تتحدَّرُ من كيانٍ غاصبٍ تفشَّت فيهِ نزوةُ الاغتصابِ وغريزةُ الدَّمارَ فأنشأ يرتكبُ المجزرةَ تلوى المجزرةٍ غيرُ آبهٍ بنداءاتِ الاستجداء، وليس من الصُّدفِ في شيء أن تتصاولَ هذهِ المحارِق الفظيعةِ بحقِّ أبناءِ غزَّة العزَّل معَ ما يبوحُ بهِ التلمود المحرَّفِ بنصوصهِ الغاصة في بحرٍ لجيِّ من الانتهاكاتِ الإنسانيَّةِ.  

ذلكَ أنَّ الكيانَ الغاصب يُشايعُ النَّص الديني لتسويغِ تواجده في أرضِ فلسطين ولو تطلَّب الأمر حزَّ الرقابِ وشقَّ أخاديد من الدِّماء المنساحةِ على تلالِ الصمتِ الغربي المريبِ، كونَ  هذا يعدُّ من وصايا الربّ المقدَّسة التي لا فكاكِ عن التواصيِّ بها والتأسيِّ بأوامرهَا، وهكذا تتبدَّى المعضلة الإسرائيليَّة في ثنائية قطبيَّة شديدة المراسِ أي بينَ الالتجاءِ إلى خياطةِ النص التلموديِّ بمقاساتِ تتلاءمُ مع حكومةِ ناتنياهو الراميَةِ إلى استئصالِ الشخصية الفلسطينيَّةِ تماما والاستعانةِ بالدعمِ الغربيِّ بمؤسَّساتهِ الاقتصاديَّة والعسكريَّة، وبالتالي يتحالفُ النص التلموديِّ المستوحش مع المخرج السياسيِّ المنابذِ لحقوق الفلسطينيِّ في العيشِ بكرامةِ في أرضهِ المصادرةِ.

وينقسم التلمود إلى فرعينِ رئيسيينِ يهيكلانِ المدِّ الدينيِّ للشخصيةِ اليهوديَّةِ:

1/ المشناه: وهي كلمةٌ من أصل “شنا” بمعنى “يكرِّر أو يتعلَّم أو يعلِّم”، وتشمل كلَّ النَّاموس غير المكتوب الذي ظهر إلى حيِّز الوجود حتى نهاية القرن الثاني الميلادي وكان يتناقل شفويًّا.

2/ الجمارا: وهي كلمة مأخوذة من “جمار” بمعنى (ينجز أو يتعلَّم)، وهذا القسم من التلمود يُعنى بالضبط بالتفسير إذ يختصُّ يتناول المشناه بالبحث والدراسة والتنقيب، لكن بينما يصنَّف الجمارا كتعليقات على المشناه وككتابات تفسيريَّة للحاخامات الحكماء، نراه أيضاً يخوض مواضيع أخرى ويتناولها بالشَّرح الواسع”[1].

لا مريةَ أن يكونَ التلمودُ بأبوابهِ المتفرعةِ المصدر الثاني للتشريعِ بعدَ التوراةِ فهو يدعِّم مقولاتِهم حول أسطورةِ الخلقِ وفكرةِ العرقِ السَّاميِّ وعقيدة الفداءِ المقدَّس، وأحكامِ فقهِ العباداتِ، “بل وبلغَ بهم التعصُّب إلى تصنيفِ كلِّ من يتخاذلُ عن قراءةِ المشناهِ والجمارا بالمدانِ والمارقِ عن شريعةِ اليَهود”[2].

وفي سرِّ هذا التقديس الأعمى يُرجعُ المؤرِّخ الأمريكي ول ديو رانت ذلكَ إلى الطابع الشفويِّ لهذه النصوص فهي وليدَة صياغة شفويَّة بحتة تروم تبليغ القوانين التي أوحاهَا الله إلى موسَى ثمَّ علَّمها موسى لخلفائِهِ “وعليهِ فإنَّ مَا فيها من الأوامر والنَّواهيِّ تغدو واجبة ومن ثمَّ فإنَّها تستوي في الطَّاعةِ مع ما جاءَ في الكِتابِ المقدَّس”[3].

ولو تدبَّرنا سويًّا قسم الأضرارِ وهو رابعُ أقسامِ المشناه الستَّة أين يناقشُ الأحكام الخاصة بالأضرارِ التي يُسبِّبُها اليهودي لبني جلدتهِ أو  لغيرهِ عن طريقِ السرقةِ أو الأغارةِ أو السّلبِ لوقفنا جليًّا على غيابِ روح العدالةِ وفشُّوِّ ثقافةِ التَّمييزِ القائمةِ على لونِ المعتقدِ فليس سيَّان الأمر بين اليهوديِّ وغيرهِ فمثلا: إذا نطحَ ثورٌ الإسرائيليِّ ثورَ الغريبِ {غير اليهوديِّ} فإنَّه يُعفَى أمَّا إذَا نطحَ ثورُ الغريبِ ثورَ الإسرائيليِّ فسواءَ كانَ غيرَ مؤذِ الضرر أو مشهودَ الضررَ يعوَّض غيرُ اليهوديِّ عن الضرر كاملا”[4].

تكمنُ الفجيعة في هذا النَّص حولَ توسيع ثقافةِ الاحتيالِ التي تسرَّبَت إلى مربطِ الحكمِ الفقهيِّ لتفاضلِ بينَ يهودي يقوم ثورهُ بجرمِ النطيحةِ لكنه يُستثنَى من العقابِ لكونِ المتضرِّر لا يُدين بشريعةِ اليهود ولو عكسنَا المسألةَ وأصبح ثور غير اليهوديِّ هو الذي قام بالنطيحةِ فإنَّ اليهوديَّ يحق لهُ أن يأخذَ تعويض الضررِ كاملًا وإن لم يكن هناك داعٍ للتعويض مادام الضررُ غير مشهودٍ.

هكذا تتهشَّمُ العدالة ويتوارى الحكم الفقهيِّ خلفَ منازع الانتِماءِ ما يدلُّ على وجود تراتبيَّة خطيرة تحكمُ المبنَى الفكريِّ والعقائديِّ لليهودي، فهو أشرف الخلقِ وحبيبُ الله والأنقى من بينِ الأجناسِ وبالتاليِّ يُخوَّلُ له ارتكاب مختلفِ الآثامِ باسمِ هذا الموقفِ المصطنعِ من وحيِ خيالاتِهم الباطلةِ.

وفي هذا القسم نلفي نصوصًا لا تتسامحُ البتَّة مع من أوقدَ نَارًا ابتغاءَ المنفعةِ أو الضَّرر خاصةً إذا شبَّت النارُ في زرعٍ أو حرثٍ: “فإذَا خرجت نارٌ و أصابت شوكًا فأحرقت أكداسَ زرعٍ أو حقلٍ فالذي أوقد الوقيدَ يُعوِّض”[5].

هنَا يتحوَّلُ النص العائم على بحيرةٍ منَ التناقضاتِ إلى سندٍ تعرويِّ يفضحَ الانفصام السلوكيِّ للشخصيَّة اليهوديَّة فإذا كان الشررُ الذي يحرق الأغصان والشجر ويؤذي الزرع والثَّمر يستوجبُ تعويض الضَّرر، فماذا عن المحارقِ التي ارتكبتها اليهوديَّة على مرِّ الحقبِ التاريخيَّة، بحق الفلسطينيين: أين التعويض عمَّا جرى في محرقة قرية الطنطورةِ وكفر قاسم وجنين وقانَا واللَّد وخان يونس، أينَ التعويضات مما يجريِّ في غزَّة وقد استخدمَ العدوُّ الإسرائيليِّ جميع الأسلحةِ المحظورة دوليًّا في سبيل التمتع بشواءِ أطفالِ غزَّة وهم يتأوهون من الآلامِ، أم أنّ الشجر والنبات هو أقدس من الإنسان العربيِّ،  هكذا تتماوجُ الأسئلةِ في شكلِ استنفار عقليِّ يودُّ الإطباقَ على هذهِ الطائفةِ بالجنونِ  والشذوذِ والمروقِ عن الفطرةِ الإنسانيَّةَ.

والخطيئةُ إذا أتَاهَا فرد واحدٌ فإنَّ حدَّها يتحمَّل وزره المدينة أو القرية برمَّتِها كدليلٍ واضِح على هوسِ اليهوديِّ بالعقابِ الجماعيِّ ورغبتِهِ في ارتكابِ المجازرِ الجماعيَّة، متحجِّجا بأنَّ الخطايا تُحجبُ بواسِطةِ التَّعزير الجماعيِّ وإرضاء الربِّ متعلِّق بمدى إبداءِ التوحُّش وإثخانِ الآثمينِ والأبرياء سواء دونما هوادة:

اقضوا قضاءً على سكانِ تلكَ المدينةِ وعلى بهائِهم واقتلوهم بحدِّ السَّيفِ”.

واحرقوا المدينةَ مع كلِّ أمتِعتِها كاملةً انتِقَامًا للربِّ، فتصبح تلًّا خرابًا للأبدِ لا تُبنى للأبد”[6].

لا ينام لليهوديِّ جفنٌ حتى يتأكَّد بأنَّ تلك المدينة صائرة للخرابِ وأهلها سائرون للحرقِ جميعًا والأغرب أن تطال العقوبةُ كلَّ البهائمِ التي تستوطن تلك المدينةِ المحكومِ عليها بالعقابِ، فما ذنبُها إذن وهي التي تفتقِد الأهليَّة العقليَّة، عدا ذلكَ فإنَّ النزوة اليهوديَّة الميَّالة إلى لعق الدم دومًا تستند في تسويغِ جرمِهَا إلى موافقةِ الربِّ ذاتهِ الأمرُ الذي يعكس وجود مقاربة تخييليَّة يقيمها اليهوديِّ حيثُ تراهُ يصطنِعُ إلهً في مقرراتهِ الدينيَّة تبعًا لنفسيتهِ المعقَّدةِ التي تنوء بالأحقادِ والضَّغينةِ.

ويحظُر التلمود أيَّ مساحةٍ نقديَّة يبديها المعترضون على بعضِ أحكامهِ ذلكَ أن هذا الفعل يُعزِّزُ درجاتِ الانحرافِ فكلام الحاخامِ مسيِّج بترسانةٍ من الأنساقِ المعرفيَّة المتعاليَّة التي تعطيهِ الحق في خلافةِ الربِّ على أرضهِ:

من يُعرضُ حاخَامًا أو يُناقِشه أو يتململُ منهُ يُعارضُ العزَّة الإلهيَّة”.

كلامُ الحاخامِ إن ناقضَ كلامَ حاخامٍ آخر هو من وحيِّ الله أيضًا فلليهوديِّ أن يختار من الرأيينِ المتناقضيِّنِ ما يوافقه”[7].

وليسَ بدعًا الآن أن يرتكنَ الجنديُّ الإسرائيلي إلى فتوى الحاخامِ على شذوذِها وعدمِ توافقِها مع مخرجاتِ العقل والمنطقِ فضلا عن مبادئ الإنسانيَّة، والأنكى من ذلكَ أن يستجيبَ الضبَّاط السَّامون لنصوصِ الحاخاماتِ فيكرسونَها في ميدانِ الحربِ كأن يعرِضُوا عن إغاثةِ المجروحِ وتركه يترنَّح حتى يموت، عدمِ سقايةِ الأسرى حتَّى يُهلكهم العطش، الإجهاز على الرضَّع والصَّبَايَا، حرقُ المزارع وتدمير الحقولِ وتسميم الآبارِ.

وفي نواهي وأوامر التلمود خشونة إنسانيَّة وعنصريَّة فظيعة حيثُ يحرمُ على المرأةِ والرَّسولِ والأبكم والأعمَى والقاصر لمسَ القرابين لأنَّها مهداة إلى الربِّ: للجميع أن يضعُوا أيديهم على رأسِ القربانِ فيمَا عدا الأصمِّ والمعتوه والقاصر والأعمى والغريب والعبد والرَّسول ويعدُّ وضع اليدِ من بقايَا الوصيَّة”[8].

يفتقدُ هذا الخِطاب الإيعازيِّ إلى أدنَى الأخلاقياتِ الإنسانيَّة، فما ذنبُ تلك الصنوفِ التي حدَّدها التلمود حتَّى يُحرموا من لمسِ القربانِ، ما ينبئ عن ثقافةِ الإلغاءِ التي تدبُّ في شرايينِ النص التلموديِّ كما أنَّه من المفارقاتِ العجيبة أن نلغيِّ ممارسةَ الشعيرةِ على الأعمى مثلًا وهو صناعةُ الإله الذي يودُّون تقريبَ القرابينِ إليهِ.

لعلَّ التمييز الحاصل في وصايا التلمود نلقَفها في السياق السياسيِّ والعسكريِّ المعاصر فاليهوديِّ شديد العنصريَّة، ميَّالٌ إلى إقصاءِ الآخر الذي يختلف عنهُ في الديانةِ ولو استَوجبَ الأمر استخدام كل الوسائل التدميريَّة، فقط ليهنَأ هو بمعيَّة أبنائهِ بالأرضِ ومن عليها من خَراج، ولذلكَ لا نتعجَّب مما يحدثُ في غزَّةٍ من صور موحشة ضاربة في القتامةِ فهي وليدة تلمود محرَّف يحويِّ على أنساق إجراميَّة وتمايزيَّة شديدة الخطورةِ.

والتلمودِ شديد الهوسِ بأحكامِ الذبائحِ، لدرجةِ أنَّه لا يتساهل مع الآلاتِ الحافةِ التي لا تستطيعُ ذبحَ الأضحيَة بالشكلِ الذي يفضيِّ إلى انصبابِ الدِّماء بغزارةٍ:

وبكلِّ الأدواتِ يذبحون، ودائِمًا يذبحون، وبكلِّ الأدواتِ فيما عدا منجلِ الحصادِ والمنشار والأسنانِ والظُفر لأنَّها لا تقطعُ الرقبةِ وإنَّما تخنق الذَّبيحة”[9].

إنَّ العلَّة من وراءِ استثناء تلك الآلاتِ هو عدم قدرتِها على تقطيع الرقبةِ وسكبِ الدِّماء بل ربما تكتفي بالخنق ليسَ إلَّا، وهذا ما يدلُّ على ربط الشعيرةِ بميثاقِ الدمِ والذبيحةِ ومن ثمَّ انطلق المدُّ الصهيونيِّ في مشايعةِ هذهِ الرغيبةِ ونقلِها إلى مداراتِ الحروبِ، ذلكَ أنَّ كل حربٍ يُذكيها اليهود لن تستهدِفَ إلَّا إراقة الدم وإفشاءِ الذبائحِ البشريَّة وكأنَّها قرابين يتزلفون بِها إلى إلههم المزعومِ بغيةَ التَّطهر من الخطايا، فكلَّما كانت المذابح أكبر وتفشَّت رائحة الدِّماء تجذَّلت مكانة اليهوديِّ أمام الربِّ.

وتغزو مظاهر الدماء والذبح مظاهرَ العبادة اليهودية فكأنَّها تقوم على المعادلةِ التاليَةِ كل خطيئة تمحها الذبيحةُ وما يعقبُها من مراسيم تتغلغل في مخيالِ اليهوديِّ:

 “قال المشرف لهم من يرشَّ الدم ومن يُنظِّف رماد المذبحِ الدَّاخليِّ ومن يُنظِّف رماد الشَمعدان ومن يرفع أعضاء الذبيحةِ اليوميَّةِ”[10].

وفق هذه التراتبيَّة تبدو الحياة الدينيَّة أشبه بالقلاع الصلدة التي تضمُّ السباع المتهارشة المشرئبَّة إلى مصِّ مزيدٍ من الدِّماء أملًا في نسفِ حزامِ الخطايَا، ولا جرمَ أن تستويِّ هذه الأفعال داخل بينيةِ المجتمعِ الإسرائيليِّ المعاصر الذي يعانيِّ تصدُّعات نفسيَّة ملتوية جرَّاء فداحةِ هذهِ الأحكامِ وسرعةِ تقبُّلها كونها تُسبِّبُ عاهاتٍ شعوريَّة خطيرة تمضيِّ به نحو أعتَى درجاتِ التَّطرُّف.

والتلمود لا يَفتأُ في تحجيمِ المرأةِ وتصغير دورها حتى تكاد تتماثلُ مع البهيمةِ في الأحكام علاوةً على ضرر تلكَ العقوباتِ التي تخلو من الوازعِ الأخلاقيِّ كما يَبوح به النَّص الآتيِّ: لا ينتظرون المرأةَ المحكوم عليها بالإعدام حتَّى تلد، وإن كانت جالسة على كرسيّ الولادةِ ينتظرونَها حتَّى تلد ويجوز أن ينتفعوا بشعر المرأةِ التي أُعدِمت، ولكن إذا قُتِلت البهيمةُ فإنَّه يُحرم الانتِفاعُ بِها”[11].

لاشكَّ أن هذهِ السرديَّة الموحشة هي رسالة لأولئكَ المتصهينين الذين يتشدَّقون بحقوق المرأةِ ويرافِعونَ من أجل تنظيفِ صورة دولةِ إسرائيل من الدَّاخل كونها تضمنُ حريَّة لا سقف لها للمرأةِ أيًّا كان شأنها، بينما النَّص التلموديِّ يصعق كلَّ سامعٍ أو متبصِّر لأحكامِهِ، وهذا نظيرَ كميَّة القسوةِ الموجودةِ بداخلهِ، فالمرأة المدانة بجرم ما كالزنا أو القتل أو السرقة مثلا تعدم بجنينها، هذا إن لم يأتِها المخاضُ في الحين، فلو سوَّلت لنَا أنفسنا في ضوء هذا المخرجِ الفقهيِّ أن نقبلَ حكم الإعدام على المرأةِ جرَّاء جرمِها فما ذنبُ الجنينِ إذن؟

وعطفا على ما قِيل يتمُّ تأجيلُ الإعدام على المرأةِ إذا كانت جالسة على كرسيِّ الإعدام فكأنَّما بذلكَ تُعانيِّ الأمريِّن عسرَ المخاضِ، وعسر انتظار تنفيذِ الحكمِ فيها بعد الولادةِ فأيٌّ جحيم هذا تطيقُه تلك المرأة المسكينة، ولذا لا نستغرب من سلوك الجندي الصهيوني الشاذ حيث تراهُ شغوفا ببقرِ البطونِ والدَّهس بالجراراتِ الثَّقيلةِ لإخراجِ أحشاءِ النِّساء الحوامل دون رحمةٍ.

والتلمود لا يتوانَى في زجر غير اليهود بل واعتبارهم أنجاسًا وعبيدا يُحرم التعامل معهم حتى في أعيادِهم ما يعكس يقينا تجذُّر الكراهية في دواخلِهم واشتِهائهم بغض الآخر المختلف عنهم ولو تطلَّب قتله أو استئصال شأفتهِ من الحياةِ لفعلوا دونما تردُّدٍ: قبل أعياد الجُوييم {غير اليَهود} بثلاثةِ أيامٍ يُحرمُ التعَّامل معهم سواءً لإعارتهم أشياءً أم للاستعارةِ منهم، أو لإقراضِهم أو الاقتراضِ منهم”[12].

ما انفكَّ هذا الحكمُ الجائر يستديم في علاقاتِهم فهم يَخذلون غير اليهودِ في تجاراتِهم وعلاقاتِهم الاقتصاديَّة، ويخونونُ الساسةَ والحكَّام بعد أن يُغروهم بالمواثيقِ الزَّائِفةِ، ويبطشونَ بالمشاهيرِ وصنَّاعِ الترفيهِ والفكرِ بعد أن يوهموهم بالشُّهرةِ والمالِ، ويكيدونَ للإعلامييِّن كيدا بعد أن يستجلبوهم لمدحِ دولتِهم المفترسةِ.

ختاما: لا ينبغيِّ فهم ظاهرةَ العنفِ المستشريةِ في هذا الكيانِ الغاصبِ ما لم نعد إلى أوكارِ نصوصهم التلموديَّة التي توجُ بمظاهر العنفِ، دلالاتِ الإقصاء، شهوة القتلِ، استصغار المرأةِ، المبالغة في أحكامِ القِصاصِ والإعدامِ ومن ثمَّ قراءتِها قراءةً متبصِّرة تربط سياق الماضيِّ بمآلاتِ الحاضرِ ومستنفراتِ المستقبلِ، مع البحثِ عن وسائلِ معرفيَّة وعلميَّة مقاومةِ لتلكَ الأنساق القبيحةِ التي تنبثقِ من خطاباتِهم السوداويَّة والعملِ على تدويلِ هذهِ الممارساتِ الخطابيَّة العمياء إلى المجتمع العالميِّ برمَّته كي يستفيقَ من غيبوبته، وهو الذي درج على التعاطفِ مع دولةِ إسرائيل باسم حادثة المحرقةِ النازيَّة التي تنبنيِّ على إثارةِ الشفقة بتهويل الأرقامِ وتكديسِ وثائقِ التاريخ في قبابِ الهيئات الدوليَّة وتزييفِ الحقائق وتشويهِ الأدلَّةِ.    


 [1] ينظر: المشناه قداسة المقدَّسات، القسم الخامس، تر: مصطفى عبد المعبود، مكتبة النَّافذة، مصر، ط1، 2007 ص9-11. 

 [2] ينظر: محمد أحمد دياب، أضواءٌ على اليهوديَّة، دار المنار للنَّشر، القاهرة، ط1، 1985،ص155 .   

 [3] ول ديورا نت، قصة الحضارة، ج3: تر: محمد بدران، مكتبة عصر الإيمان، 1975، ص17.

 [4] المشناه، الأضرار، القسم الرابع، المرجع السابق، ص 42.

 [5] المشناه، الأضرار، المرجع نفسه ص50.    

 [6] المشناه، قسم الأضرار، المرجع السَّابق، ص267

 [7] سفر التثنية 16/7

 [8] المشناه، القسم الخامس، قداسيم المقدَّسات، المرجع السابق، ص133.

 [9] المشناه، القسم الخامس، قداسيم المقدَّسات، المرجع السابق، ص159.

 [10] المرجع نفسهُ، ص 364.

 [11] المرجع نفسه، ص250.

 [12] المشناه، قسم الأضرار، المرجع السابق، ص 279.
_________
*الكاتب: د. معطى الله محمد الأمين من الجزائر.

جديدنا