منهجيَّة تحليل المعرفة الإنسانيَّة عند ديفيد هيوم

منهجيَّة تحليل المعرفة الإنسانيَّة عند ديفيد هيوم
image_pdf

” يا أيها الإنسان كن فيلسوفاً ولكن، عبر كامل فلسفتك تلك، ابق إنساناً “. ” إنَّ المنهج الوحيد الذي نقدر به على تحرير المعرفة من هذه المسائل المستغلِقة هو أن نجدّ في تقصِّي طبيعة الذهن البشري وأن نبيِّن من خلال  تحليل دقيق لقواه وطاقاته أنَّه ليس مُعدّاً بأي وجه من الوجوه للخوض في مثل هذه الموضوعات القصيّة والمستغلِقة. لا مهرَب لنا من القبول بهذا الإجهاد إذا ما رمنا راحة العيش من بعده دوماً “. ( دايفد هيوم: تحقيق في الذهن البشري، ص 9-16)

يعتبر ديفيد هيوم الفيلسوف والاقتصادي والمؤرخ الاسكتلندي (1711-1776) شيخ التجريبيين والشكاكين، الذي قوض الفلسفة الغربية في عصر الأنوار، وأطاح بالعقل من عرشه المقدس، وهو بذلك وجه ضربة قاصمة للمثاليين والماديين. فاختصت فلسفة هيوم في تفكيك ونقد الذهن البشري، وكانت هذه هي العتبة التي انطلق منها الفيلسوف الألماني كانط في نقده للعقل المحض، وهو القائل بأن هيوم أنقذه من سباته الدوغماطيقي (أوس حسن، 2020).

يتوسل هيوم في عرض آرائه والدفاع منهجية التحليل السيكولوجي النقدي لـ “ الأفكار المجردة ” المستندة إلى حصر إدراكات الذهن في صنفين: الانطباعات والأفكار. وهو يوضح ذلك بالقول: أعني… بلفظ انطباع كل ما هو أكثر حياة في إدراكاتنا حين نسمع ونرى ونلمس ونحب ونكره ونرغب ونريد. وتتميز الانطباعات من الأفكار التي هي ما هو أقل حياة في إدراكاتنا وما نعيه عندما نفكر بأي من الإحساسات تلك. أما الأفكار فليست سوى نُسخ عن الانطباعات: سواء كانت ذكريات عن انطباعات سابقة أم استباقات للمخيلة عما سنحس به، فلا تبلغ البتة قوة الانطباعات وحيويتها. وهذا يعني أنه لا يمكن إثبات صواب الأفكار ومدلولها إلا بالصلة مع الانطباعات التي عنها صدرت (ديفيد هيوم، 2008، ص 12).

بذلك، سعت منهجية هيوم إلى تحليل المعرفة كما تبدو للوجدان خالصة من كل إضافة عقلية، وفقاً للمبدأ الحسي، وعلى تقدير قيمة المعرفة تبعاً لهذا التحليل ومن جهة صلاحيتها لإدراك الوجود مع العلم بأن شيئاً لا يحضر في الذهن إلا أن يكون صورة أو إدراكاً على ما يقضي به المبدأ التصوري، فمذهبه يرجع إلى نقطتين: حسية وتصورية، كمذهب لوك ومذهب باركلي، إلا أنه أدق تطبيقاً للمبدأين وأكثر جرأة في مواجهة نتائجهما الشكية، حتى أعلن الشك صراحة (يوسف كرم، 1949، ص 164 ).

ذهب هيوم إلى أن العناصر التي تتألف منها معرفتنا كلها هي ” الإدراكات ” التي تتلقاها عقولنا وننفعل بها. قسّم هيوم هذه الإدراكات إلى قسمين : ” الانطباعات ” و ” الأفكار “. والفرق بينهما يكمن في درجة القوة التي تؤثر بها كل منهما في العقل. فالانطباعات أقوى في العقل أثراً وأوضح ظهوراً ، أما الأفكار فهي الصور الباهتة لهذه الانطباعات. ولا يمكن أن تنشأ في العقول أفكاراً إلا إذا سبقتها انطباعات. إذن : فالانطباعات هي المرجع الوحيد الذي نقيس به صحة الأفكار وحقيقتها (أمل مبروك، 2011، ص 159).

إذن، المعرفة في جملتها مجموع إدراكات أي أفكار بلغة ديكارت أو معانٍ بلغة لوك وباركلي، والإدراكات منها انفعالات ومنها أفكار أو معانٍ ومنها علاقات بين المعاني بعضها والبعض، وبينها وبين الانفعالات، فالانعفالات هي الظواهر الوجدانية الأولية، أو هي إدراكاتنا القوية البارزة، مثل: انفعالات الحواس الظاهرة، واللذة والألم و” انفعالات التفكير ” التي تحدث تبعاً للذة والألم، كالمحبة والكراهية، والرجاء والخوف، والمعاني صور الانفعالات، لذا كانت أضعف منها، والقاعدة فيما يخصها هي أن ليس من قيمة إلا أن يكون صورة انفعال أو جملة انفعالات، فإذا لم يكن كذلك كان مركباً صناعياً يجب الفحص عن أصله ويجب تبديده، ومن هذا القبيل المعاني المجردة، وهيوم يرفضها رفضاً باتاً ويصطنع الاسمية مثل باركلي، فيتحدث نفس حديثه ويسوق نفس الأمثلة، يقول: ” إن معانينا الكلية جميعاً هي في الحقيقة معانٍ جزئية مرتبطة باسم كلي يذكر اتفاقاً بمعانٍ أخرى جزئية تشبه في بعض النقط المعنى الماثل في الذهن “، فاسم فرس مثلًا ( يطلق عادة على أفراد مختلفة اللون والشكل والمقدار، فبمناسبته تتذكر هذه المعاني أو الأفراد بسهولة ).

تنشأ العلاقات بفعل قوانين تداعي المعاني، أي قوانين التشابه، والتقارن في المكان والزمان والعلية، هذه القوانين هي القوانين الأولية للذهن، تعمل فيه دون تدخل منه، وهي بالإضافة إليه كقانون الجاذبية بالإضافة إلى الطبيعة، فهيوم يزيد على لوك أن ليس للذهن فعل خاص في المضاهاة والتركيب والتجريد التي هي وسائل تكوين المعاني، ويقصر وظيفة الذهن على مجرد قبول الانفعالات فتحصل منها المعاني حصولاً آلياً بموجب قوانين التداعي، والعلاقات التي تؤلف العلوم نوعان: علاقات بين انفعالات قائمة في أن بعض الانفعالات علل والبعض الآخر معلولات، كما هو الحال في العلوم الطبيعية، وعلاقات بين معانٍ، وهي التي تتألف منها الرياضيات، فيتعين النظر في كل من هذين النوعين (يوسف كرم، 1949، ص 164-165).

أما العلوم الطبيعية فقيمتها تابعة لقيمة علاقة العلية، وهذه العلاقة هي التي تسمح لنا بالاستدلال بالمعلول الحاضر على العلة الماضية، وبالعلة الحاضرة على المعلول المستقبل، ولكنها عديمة القيمة؛ فإنها ليست غريزية وليست مكتسبة بالحس الظاهر، أو الحس الباطن، أو بالاستدلال، لقد بيَّن لوك أن ليس في الذهن شيء غريزي، والحواس تظهرنا على تعاقب الظواهر الخارجية، ولا تظهرنا على قوة الشيء الذي يسمى علة يحدث بها الشيء الذي يسمى معلولاً، فأنا أرى كرة البلياردو تتحرك، فتصادف كرة أخرى، فتتحرك هذه، وليس في حركة الأولى ما يظهرني على ضرورة تحرك الثانية، والحس الباطن يدلني على أن حركة الأعضاء في تعقب أمر الإرادة، ولكني لا أدرك به إدراكاً مباشراً علاقة ضرورية بين الحركة والأمر، ولا أدري كيف يمكن لفعل ذهني أن يحرك عضواً مادياً، وأخيراً ليس يمكن القول بأن رابطة العلية مكتسبة بالاستدلال.

إن الفلاسفة الذين يدعون أن للشيء الذي يظهر للوجود علة بالضرورة وإلا كان علة نفسه أو كان معلولاً للعدم، يفترضون المطلوب، أعني استحالة استبعاد البحث عن العلة، يجب البرهنة على ضرورة العلة قبل الاحتجاج ببطلان وضع هذه العلة في الشيء الذي يظهر للوجود أو في العدم، وعلى هذا فمبدأ العلية لا يلزم من مبدأ عدم التناقض، ولا تناقض في تصور بداية شيء دون رده إلى علة، إن معنى العلة معنى البداية، وليس متضمناً فيه، ومن الممكن للمخيلة أن تفصل بين معنى العلة ومعنى ابتداء الوجود، ثم إن معنى العلة ومعنى المعلول متغايران، ويستحيل علينا أن نعلم مبدئياً معنى المعلول من معنى العلة: إن آدم، قبل الخطيئة، مهما افترضنا لعقله من كمال، ما كان يستطيع أبداً أن يستنتج مبدئياً من لون الماء وشفافيته أنه يخنقه، يستحيل على العقل مهما دقت ملاحظته أن يجد المعلول في العلة المفترضة، لأن المعلول مختلف بالكلية عن العلة، فلا يمكن استكشافه فيها، بل إن الاستدلال لا يخولنا في توقع نفس المعلولات بعد نفس العلل، إذ ليس في وسع العقل أن يبرهن على أن الحالات غير الواقعة في تجربتنا يجب أن تشابه الحالات التي جربناها، كما أنه ليس في وسع التجربة أن تبرهن على وجوب التشابه بين المستقبل والماضي، من حيث إن التجربة نفسها قائمة على هذا الافتراض، وكل ما هنالك ” أن العلة شيء كثر بعده تكرار شيء آخر حتى إن حضور الأول يجعلنا دائماً نفكر في الثاني “، وعلى ذلك تعود علاقة العلية إلى علاقتي التشابه والتقارن، فهاتان العلاقتان هما الأصليتان، وعلاقة العلية مجرد عادة فكرية من نوعهما، وما يزعم لها من ضرورة، ناشئ من أن العادة تجعل الفكر غير قادر على عدم تصور اللاحق وتوقعه إذا ما تصور السابق، والنتيجة أن ليس يوجد حقائق ضرورية ومبادئ بمعنى الكلمة وأن العلوم الطبيعية نسبية ترجع إلى تصديقات ذاتية يولدها تكرار التجربة.

وأما العلاقات التي بين المعاني فتتجلى في الرياضيات، ويميز هيوم بين الحساب والجبر من ناحية والهندسة من ناحية أخرى، فيقول إن الحساب والجبر علمان مضبوطان يقينيان، لأنهما قائمان على معنى الوحدة وهو معنى ثابت يسمح بتأليف مقادير والمعادلة بينها بما يطابق الواقع، في حين أن الوحدات المكانية في الهندسة ( كالخط والسطح ) ليس لها في الواقع مثل ذلك الثبات، وإنما هي مقاربة له، وليس يستنبط منها من نتائج سوى الاحتمال القوي (يوسف كرم، 1949، ص 165-166).

هذا ما وصل إليه هيوم في تحليل المعرفة ونقد العلوم، وأول ما يسترعي النظر قصره وظيفة الذهن على القبول، وتفسير محتوياته تفسيراً آلياً بقوة الانفعالات وضعفها وفعل قوانين التداعي، على أنه يعترف بأنه إذا كان التمييز بين الانفعالات والمعاني ميسوراً عادة، فقد يحدث أن تكون المعاني قوية والانفعالات ضعيفة، كما يشاهد في حالة التخييل وبعض الأمراض النفسية وحينئذ فإما ألا يبقى لنا سبيل للتمييز بين الحقيقة والخيال، أو أن يقوم الذهن بهذا التمييز بناء على علامات مكتسبة من التجربة، فيبين عن فاعليته، وهيوم يعترف أيضاً بأنه قد يحدث أن نحصل على معنى دون انفعال مقابل، كما إذا افترضنا عدة ألوان متضائلة بالتدريج، وافتقدنا لوناً من بينها، فإننا نحس هذه الثغرة ونحصل على معنى هذا اللون ولو لم نره قط، ثم إن طائفتي الانفعالات والمعاني تختلف ليس فقط بالقوة بل بالطبيعة أيضاً، ذلك بأن معنى لذة ماضية أو ألم ماضٍ لا يشبه تلك اللذة أو ذلك الألم كما تشبه الصورة الأصل، أو ليس المعنى من نوع اللذة أو من نوع الألم في الوجدان، ولكنه تذكر أو تصور اللذة أو الألم، أي إن اللذة أو الألم موضوع المعنى، فالمعنى فعل مخصوص يقتضي قوة مخصوصة، ولابد من الاعتراف أيضاً بقوة مخصوصة تدرك التشابه والتقارن اللذين يجعل هيوم منهما قانوني الفكر، إذ ليس هناك انفعالان يقابلانهما ويعتبران أصلاً لهما، كذلك لا بد من القول بقوة مخصوصة لتفسير الاسم الكلي، إذ كيف يطلق على كثيرين إذا لم يكن فينا قوة تنتقل من جزئي إلى آخر؟ ولم يطلق على كثيرين إلا إذا كانوا يتفقون في النوع أو في ( بعض النقط ) كما يقول هيوم؟ إذا كان هناك نوع ولو مؤقت على رأي لوك كانت له خصائص متضامنة تؤلف ماهية معقولة.

وأخيراً ليست الاعتراضات التي يوجهها هيوم إلى مبدأ العلية حاسمة، فإذا سلمنا له أن الإدراك الظاهري لا يظهرنا على القوة التي تفعل، وإذا سلمنا جدلاً أن الإدراك الباطني لا يظهرنا على علاقة ضرورية تربط حركات الأعضاء بأمر الإرادة، فإننا ندعي أن العقل يدرك هذه العلاقة وضرورتها، أجل إن معنى العلة ومعنى المعلول متغايران، ولكن المعلول موجود يظهر للوجود، وبهذا الاعتبار هو لا يظهر بنفسه ولا بفعل العدم، وإنما يظهر بفعل موجود آخر هو علته، وإذا كان مبدأ العلية لا يلزم من مبدأ عدم التناقض، بمعنى أنه لا يستنبط منه استنباطاً مستقيماً، فإنه يستند إليه من جهة أن منكره يقع في التناقض إذ أنه يزعم أن ما يوجد ليس له ما به يوجد، وهذا خلف، والواقع أن مبدأ العلية أولى في العقل، وأن الاعتقاد به واحد عند جميع الناس وفي جميع الأعمار، مع أن المذهب الحسي يقضي بأن تكون قوة العادة معادلة لعدد التجارب وأن يتفاوت الاعتقاد بتفاوت التجربة، فالفلسفة الحسية تنتهي إلى إلغاء العقل وإلغاء العلم الطبيعي لأنها لا تعتقد بضرورة القانون وترد الشعور بالضرورة إلى أثر العادة، وإذا كان هيوم اعتقد بقيمة مطلقة للحساب بحجة أنه قائم على علاقات بين معان لا بين انفعالات، قد نسي أن المعاني عنده ترجع إلى انفعالات، وأن العلاقات تابعة كلها للتكرار والتداعي ولقد كان الواجب عليه، حين بدا له يقين القضايا الرياضية، أن يعود إلى مبدئه الحسي ويكمله بالعقل، ولكنه لم يفعل (يوسف كرم، 1949، ص 166-167).

خلاصة القول، يميز هيوم بين نوعين من الإدراكات: بسيطة ومركبة. البسيطة هي التي لا تقبل القسمة أو الانفصال. أما المركبة فهي التي تنقسم إلى أجزاء. فمثلاً: إدراكنا ” التفاحة ” يشمل مجموعة من الصفات الخاصة بلونها وملمسها ورائحتها، وهذه الصفات لا تختلط ونستطيع دائماً أن نميز الواحدة من الأخرى. لذلك فكل إدراكاتنا لها وجهان: بوصفها انطباعات حسية، وبوصفها أفكاراً. فعلى سبيل المثال: عندما أُغمض عيني وأفكر في حجرة، فإن أفكاري عنها تكون تمثلات للإدراكات الحسية التي كنت أحس بها. وإذا استعرضت إدراكاتي الأخرى فإنني أجد دائماً نفس التشابه ونفس التمثل. إذن هناك توافق بين الأفكار والانطباعات الحسية.

والحق أن الأمر يختلف بالنسبة للإدراكات المركبة. فالأفكار المركبة لا تطابقها انطباعات حسية. وفي هذا الصدد يقول هيوم: ” من الممكن أن أتصور مدينة قدس جديدة ، جدرانها من ذهب وأحجارها من ياقوت. علماً أنني لم أرَ شيئاً مثل ذلك. ولكن إذا كنت رأيت ” باريس ” فهل من الممكن أن تكون عندي فكرة عن هذه المدينة بكل شوارعها وبيوتها بنفس شكلها وحجمها ؟ “.

ومن الإدراكات المركبة ما يؤكد ارتباط الأفكار بالانطباعات الحسية ومنها ما ينفيه. والأمر يبدو أكثر وضوحاً بالنسبة للإدراكات البسيطة. حيث يرى هيوم أن كل فكرة يجب أن يسبقها انطباع حسي ، بينما العكس ليس صحيحاً. وبالتالي : فإننا نستطيع القول بأن الانطباعات الحسية هي علة الأفكار، بينما الأفكار لا يمكن أن تكون سبباً للانطباعات الحسية. وهذا هو المبدأ الأول والأساسي الذي تقوم عليه الطبيعة البشرية، وهذا المبدأ ينفي ما كان يتردد بين المفكرين من وجود أفكار فطرية في العقل. ويؤكد أن كل الأفكار تأتي إلينا عن طريق الإحساس والتفكير. لكن من الأفكار الهامة التي تميزت بها فلسفة هيوم هي القول بتداعي المعاني أو ترابطها إذ إن الخيال بإمكانه أن يفصل الأفكار البسيطة بعضها عن بعض ثم يعيد ربطها من جديد. هذا الترابط ينشأ عن علاقات التشابه والتجاوز الزماني والمكاني والسببية. فيرى أن التفكير الواعي المنظم هو الذي يرتب أفكارنا ترتيباً يجعل الفكر اللاحقة ذات ارتباط بالفكر السابقة (أمل مبروك، 2011، ص 160… 162).

وفي النهاية، شرع هيوم إلى دراسة السلوك الإنساني وما يتكشف به من أحاسيس وانفعالات، فدراسة الدوافع الأساسية للسلوك البشري سينتهي بنا حتماً إلى الانفعال والعاطفة، فحسب هيوم أن العقل لا يمكن أن يشكل دافعاً للسلوك ولا مركزاً للإرادة أو القرار بل إن العقل لدى هيوم هو ملكة  خادمة للانفعالات والأحاسيس، والعقل البشري لا يعرف الحدود الأخلاقية ولا يفرق بين الرذيلة والفضيلة أو الخير والشر إلا بمقدار تأثر الإنسان من هذا الحدث أو ذاك. ومن خلال فحصه لظروف الأخلاقيات عند البشر، وجد أن الناس جميعاً يمتلكون رغبة طيبة أو عاطفة خيرة، أما الأخلاق فهي نسبية ويحددها البشر وفقاً لما هو نافع لهم (حسب هيوم) (أوس حسن، 2020).

وهكذا تعتبر فلسفة هيوم آلية تجريبية، تدرس الإنسان كمجموعة من الأجهزة والوظائف، فهي تسلخ الإنسان من كل عاطفة مقدسة ومن كل فكر خلاق يسمو به، وهي غير مسؤولة عن إيجاد حلول لمعضلته الوجودية، أما عن ماهية الإنسان في هذا العالم فكان يرى في الإنسان كائناً دائم البحث عن اللذة، يتجنب الألم قدر الإمكان، ويجلب المنفعة أنى أتيحت له. أثرت فلسفة هيوم في عدد من الفلاسفة النفعيين من بعده وعلى رأسهم جيرمي بنتام وهو القائل: ” عندما قرأت فلسفة هيوم سقطت الغشاوة عن عيني “ (أوس حسن، 2020).
_________

المراجع المعتمدة:

– ديفيد هيوم: مبحث في الفاهمة البشرية، ترجمة: موسى وهبة، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2008.

– دايفد هيوم: تحقيق في الذهن البشري، ترجمة: محمد محجوب، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ط1، 2008.

– يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الحديثة، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1949.

– أمل مبروك: الفلسفة الحديثة، دار التنوير، بيروت، ط1، 2011.

– أوس حسن: تفكيك الذهن البشري عند هيوم، موقع ميدل إيست أونلاين، الجمعة 30/10/2020. https://2u.pw/J81bYPl
___________
*د. حسام الدين فياض/ الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة/ قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً.

جديدنا