الكتابة التاريخيَّة ورهاناتها عند الهادي ونّاس الزريبي

image_pdf

ولد الهادي وناس الزريبي سنة 1936 بمدينة الحامة بالجنوب التونسي، درس بمدرسة الزيتونة ثم التحق بجامعة دمشق حيث تخرّج متخصصا في الآداب العربية. اشتغل بالتدريس بالمعاهد الثانوية وكانت له عديد الأنشطة النقابية والحقوقية والإنسانية. له إنتاج صحفي وثقافي غزير كما أنجز بحوثا تاريخية كثيرة. نشر أكثر من 10 كتب وله عديد المخطوطات الجاهزة للنشر.

 تقديم:

حفظنا عن ابن خلدون أن” التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الأخبار وفي باطنه نظر وتحقيق“، أي تدقيق منهجي وتثبّت من الأحداث وتأكّد من أطوارها ومختلف أسبابها وإدراك لتفاعلاتها حتى تكتمل الرؤية وتظهر جميع ملامحها بموضوعية وتجرّد. وهذا ما يبرز جليا في كتابات الأستاذ الهادي ونّاس الزريبي الذي يعلّمنا أن التأريخ التزام أيضا واجتهاد من أجل المبادئ وتمسّك بالقيم وبالأهداف التي تعوّل عليها الأمة بكاملها من أجل إعادة بناء ذاتها واستعادة ما ضاع من أمجادها. ويكون ذلك في إطار تمشي منهجي شامل ينفذ بعيدا لأغوار الأحداث ويربط بينها ويجرؤ على كشف تقاطعاتها وخفاياها. وبذلك تتدعّم موضوعيته بخيارات دقيقة والتزامات منهجية صارمة تعيد بناء الأحداث وإجلائها بعيدا عن الذاتيات والشخصنة والمواقف الخاصة. وبهذا يكتمل البحث التاريخي ويكسب الإقناع ويفوز بدعم الآخرين وبتفاعلهم الإيجابي. فلا وجود في العمل التاريخي عند الهادي ونّاس الزريبي لسرديات عفوية عابرة للأحداث ولا تبني مواقف منها ولا يكون لها وصل بها. بل تبدو جميع اجتهاداته مبنية بدقّة وموظّفة بإحكام من أجل أهداف حضارية قومية شاملة تستوعب الأمنيات والآمال الخاصة وتصهرها في إطار رهانات الأمة كلها. وقد تأكد لنا ذلك من خلال جميع كتب الهادي الزريبي الثمانية التي تسنى لنا الإطّلاع عليها وهي على التوالي(1): 1 – العرب ورسالة القرآن ( 1986). 2 – أصول البربر العربية ( 1990). 3 – ثورة 1915 – 1918 ودورها في تحرير المغرب العربي. 4 – الطاهر لسود القيادة العامة لجيش تحرير شمال افريقيا. 5 – الحامة تاريخ وحضارة. 6 – التكامل النضالي بين محمد علي والطاهر الحدّاد ( 2015). 7 – قابس درة خليج سرت الصغرى ( 2016). 8 – الجذور التاريخية للقبائل الأمازيغية ( 2017).

فأن يقع التأكيد على عروبة البربر في كتابين وعلى الدّور النضالي العروبي لشخصيات إعتباريّة وازنة في تاريخ الحركة الوطنية التونسية والحركة التحررية العربية مثل الطاهر لسود ( القائد العام لجيش تحرير شمال إفريقيا) ومحمد علي الحامي ( الذي تطوّع في الجهاد الليبي وشارك في حرب الريف بالمغرب التي قادها عبد الكريم الخطابي وتنقل بين تونس وتركيا والسعودية) وعلي باش حانبه ( قائد ثورة الجنوب 1915 لتحرير بلدان المغرب العربي) والطاهر الحدّاد الذي دوّت نداءاته بتحرير المرأة في كل البلاد العربية والإسلامية. ثم الإهتمام بمسألة حارقة جدا وحاسمة في رسم تخوم الرؤية القومية وهي مسألة العلاقة بين العروبة والإسلام، إضافة إلى الإهتمام بمدن ضاربة في عمق التاريخ كقابس والحامة، وبأقطار المغرب العربي، كل ذلك يدعم ما ذهبنا إليه من عدم اشتغال الهادي الزريبي في فضاء عفوي غير موجّه بمحددات الإلتزام وبثوابت الهوية.  فما هي رهانات وإلتزامات الهادي الزريبي في هذه الأعمال؟ وما هي خياراته وتمشياته المنهجية لخدمة هذه الأهداف العامة؟ وكيف يمكن قراءة وتقييم هذه الإبداعات الغزيرة؟

1 – الالتزام الحضاري للبحث التأريخي ومضامينه:

إن غزارة إنتاج الهادي الزريبي وكثرة كتبه لا تمنع وحدة التوجه لديه ووضوح الرؤية عنده، فالرجل صاحب مشروع يروم تحقيقه بتدرّج من المحلي إلى الجهوي ثم الوطني الكبير الشاسع الذي يعني في عرفه البلاد العربية كافة، وجميع أعماله تتقدم في هذا الإتجاه بتؤدة وبخطوات محسوبة وواضحة التحديد. وفي ذلك إلتزام مسترسل لديه يتم بوعي كامل بمراحل البناء وبشروطه دون قفز على الأحداث ولا استهانة بالواقع بل تُقدّر الخطوات حقّ تقديرها. وهذه الإلتزامات هي حضارية بالأساس عنوانها الوفاء والإعتراف بالجميل لبعض الأماكن التاريخية التي همّشت وغيبت بشكل متعمّد لدى السلط وأسقطت من اهتمامات الباحثين رغم فاعلية دورها عبر التاريخ ولبعض الشخصيات الإعتبارية التي حُوصرت هي أيضا حيّة وميّتة ووقع تغييبها وتناسيها والحدّ من إشعاعها ومن تأثيراتها الممكنة. ويبدو الرهان هنا واضحا وهو مواجهة الآلة الإعلامية المسيطرة وإقرار جدارة هذه الأماكن وهذه الشخصيات بالإبراز والحفاوة وإشهار الخصال والمناقب. هذا بالإضافة إلى رهانات أخرى ارتبط حضورها طويلا بهذه العناصر المذكورة ونورد منها:

– ترسيخ فكرة القومية والوحدة والدفاع عن العروبة.

– تأكيد العلاقة المتينة بين العروبة والإسلام وارتباطهما العضوي.

– تأكيد وحدة المغرب العربي الأنثروبولوجية والثقافية وليس الجغرافية فقط.

– تأكيد عروبة البربر وحسمها بشكل قاطع لا يشوبه شكّ ولا ريبة.

إن غزارة إنتاج الهادي ونّاس الزريبي وكثرة كتبه لا تمنع وحدة التوجّه لديه ووضوح الرؤية عنده، فالرجل صاحب رسالة ومشروع يروم الإقناع به وتحقيقه ولو بتدرّج. كما يتضح لنا أن هذه الإلتزامات التي تعهّد بها الباحث هي حضارية بالأساس منها الجغرافي ومنها الإنساني بمعنى البشري ومنها القيمي المعنوي أي أنّها تذهب من الإحتفاء بجهات وأماكن لها بصمة لا تمّحي في المسارات التاريخية للوطن، إلى الإشادة بسير وأفعال شخصيات اعتبارية سكنت ذاكرة التاريخ لبلدانها ثم إشهار القيم والمبادئ والرهانات التي عليها ينبني مستقبل الأمّة ومصيرها.

أ – جغرافية الاحتفاء التاريخي ومساحاته:  

من شيم الوفاء للأوطان والاعتراف لها بجميل الاحتضان على أرضها والنشأة في رحابها التعريف بها وبمناقبها والإشادة بفضلها على الجميع وهو ما حرص الهادي الزريبي فعلا على الإيفاء به في حديثه عن مواطن نشأته ونموّه جميعها بدأ بالحامة مهد طفولته ومسكن أهله وذويه ثم قابس التي تلقّى فيها العلوم وكوّن الصداقات، وقد خصص لكل منهما كتابا على حده ثم الوطن العربي الكبير الذي احتضن رحلاته وتجواله سواء لاستكمال الدراسة المتخصصة ( سوريا) أو للتدريس في إطار التعاون الفني ( ليبيا) أو لمواكبة بعض الأحداث الفارقة ( العراق، مصر، لبنان)، وهو ما فتأ يردّد ذلك ويشيد به في مختلف كتبه.

ففي حديثه عن الحامة شدد الهادي الزريبي على ابراز أصالة هذه المدينة الضاربة في أعماق التاريخ منذ العهود القديمة جدا، أي أنها وجدت في كل العهود: اللوبي واليوناني والفينيقي القرطاجنّي. علما وأن العهد القرطاجني هو عنده إمتداد للعهد الفينيقي ذاته. ويقول عنها أنها هيبة المياه المعدنية الساخنة التي عرفت بها واشتهرت عبر التاريخ. وهو يستدل على ذلك بما ذكره المؤرخ اليوناني أبولينوس في الجزء الخامس من مجلده منذ القرن الأوّل الميلادي. وقد” كانت الحامة مدينة مسورة في العهد الروماني وقلة هي المدن المسوّرة في ذلك العهد. ورغم أن ذكر الحامة خفت في العهود الوندالية والإسلامية شأنها في ذلك شأن منطقة قابس عموما، إلا أن ذكرها نشط وطفا اسمها على السطح في العهد الفاطمي عندما أصبحت مركزا للأباضيين بعد تدمير عاصمتهم تاهرت بالجزائر واشتهر من علمائها آنذاك أبو القاسم يزيد بن مخلد ( ص 216) . كما ارتقت إلى مستوى ولاية مستقلة لها قضاؤها الخاص في العهد الحفصي. إلا أن المدينة أهملت ثانية في العهد العثماني التركي الذي قاومته بكل شدّة والذي وقع خلاله تدمير المدينة” ( ص 215).  

أما في العهد القديم جدا الذي يعود إلى القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد ( ص 220)، فكانت الحامة تعرف بمدينة النحاس وكانت توجد على ميناء شط الفجاج الذي أسسه اللوبيون، سكان افريقيا القدامى  ( ص 224)، عندها كان شط الجريد بحرا عائما ينغرس عميقا في أرض هذه الربوع وتوجد به جزيرة الأطلنتس العجيبة ( ص 215). وفي العصر الحديث اشتهرت الحامة باطلاق شعلة الثورة التحريرية المسلحة سنة 1952 قبل جميع المدن التونسية الأخرى. أما عن سكان الحامة فهم حسب المؤلف من الأمازيغ بالمدينة ومن القبائل العربية بالسهول المجاورة من قبائل الخرجة، الصهبة، الأصابعة وأولاد أحمد ويرجعون جميعا إلى قبيلة بني يزيد ( ص 249).

– وبنفس هذه اللغة التمجيدية والإحتفائية يتحدّث الهادي الزريبي عن قابس فيسمّيها تارة درّة خليج سرت الصغير وتارة جنّة الدنيا وتارة دمشق الصغرى، ونجمة الهلال الخصيب وعاصمة الأعراض الدافئ الوسيع ( ص 289) مؤكّدا” أنه لا يجتمع على مائدة صيد البرّ والبحر وأصناف التمر والفواكه ما لا نظير له إلا على مائدة من سكان قابس” ( ص 289).  ويقول عنها المؤلف أيضا بوابة افريقيا ومفتاح الصحراء موقعها استراتيجي ولها أهمية فلاحيّة وبحرية.

وتواجدت بمنطقة قابس حضارات قديمة كحضارة وادي العكاريت الذي اكتشفت به أخيرا آثار قد تكون على علاقة بالحضارة القفصية ( ص 308)، ومنطقة مطماطة وشط الفجاج عندما كان البحر متصلا بشط الجريد ما بين القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد. ومرّت قابس بكل العهود اللوبي والفينيقي والقرطاجني والروماني الذي أحاط المدينة بالأسوار العالية، وصولا إلى العهد الإسلامي والعصر الحديث كما تحدّث عنها المؤرخون وكثير من الرحالة. إسمها الأصلي هو تكاب Tacape وهو لوبي ( أي عربي) يعني” المكان المنخفض كالحوض والمستنقع ونحوها…” وكلمة” كاب من اصل كوب والكوب الكأس المستديرة من غير عروة، وهو عادة يكون قليل العمق” ( ص 296) أضيف له حرف ت لضرورات النطق في الأمازيغية كما في تطاوين وتمزرط وتوجان وتوجوت، تلابت، تهرت، تطوان… ( ص 295). ولنفس الضرورة أضاف له الرومان حرف س.

أمّا عن الالتزام الجغرافي الثالث والذي يخص الوطن الكبير أي البلاد العربية فهو مبثوث في كامل كتب الهادي الزريبي خاصة عند حديثه عن الهجرات المتعاقبة من الشرق في اتجاه مصر والبلاد المغاربية، وعند حديثه عن الأصول العربية للفينيقيين والبربر ثم عند حديثه عن الفتوحات الاسلامية المتعاقبة. فمسرحها جميعا واحد ورقعتها محددة بأرض الوطن العربي من اليمن إلى الجزيرة فالشام ومصر ولبنان وليبيا وبقية البلاد المغاربية .

ب – جدارة الإشادة التاريخية واستحقاقاتها:

تتواصل الروح الإحتفائية التي يكتب بها الهادي الزريبي لتتعمّق أكثر وتشمل بعض الرموز النضالية والتحديثية الذين عرفتهم الحامة وانتسبوا إليها وعُرفوا بنضالاتهم وبصمودهم سواء من أجل تحرير الوطن أو من أجل تحديثه، وهم كثيرون في الحامة لكن المؤلف تخير منهم ثلاثة ليخصهم بمؤلفات على حده لتأثير فعلهم وعمق إشعاعهم وهم على التوالي النقابي محمد علي الحامي والمصلح الإجتماعي الطاهر الحدّاد والقائد العسكري والسياسي الطاهر لسود. ولئن اهتمّ بالأولين في إطار بحث التكامل النضالي بينهما باعتبار اشتغال كل منهما على قطاع غير منفصل عن مجال الآخر، فإن اهتمامه بالثالث، أي الطاهر لسود، كان في إطار البحث في مسارات حركة تحرير المغرب العربي وحركة التحرير التونسي وما شابها من تجاذبات بين رموزها وصل إلى حدّ الصراع المسلّح والمواجهة العسكرية في لحظة ما من مسارها.

والاهتمام بأعلام مدينة الحامة ليس جديدا عند الهادي الزريبي، بل يعود إلى فترة دراسته الجامعية سنة 1966 عندما كان طالبا بدمشق وكتب أول مقال له عن الطاهر الحدّاد. وممّا شدّ انتباهه هذا التشابه الكبير بين المصلحين محمد علي والطاهر الحداد في النشأة إذ تربيا في نفس البيئة وخرجا منها متشبعين بقيم ومبادئ العروبة والإسلام فكان تشابههما أيضا في التفكير وفي الأهداف وفي الأحلام أيضا التي عمّدها النضال من أجل الطبقة العاملة عند محمد علي ومن أجل المرأة عند الطاهر الحدّاد، وكله في صالح الوطن الذي سيستفيد بإصلاح وضع شرائحه ومهمشيه والإرتقاء بأحوالهم جميعا.” ومن المصادفات الغريبة أن يكون هناك تقارب في تاريخ ميلادهما وتاريخ وفاتهما، بل قل استشهادهما حيث ماتا في سن الشباب وقبل أن يتزوج كل منهما” ( ص 339). ( الطاهر الحداد 1899 – 1935 ومحمد علي 1890 / 1891 – 1928).

ولقد ركز الباحث كثيرا على فهم الطاهر الحدّاد للإسلام ( ص 347) ودعوته للاجتهاد ( ص 348) من جهة وعلى التوجه القومي العربي لنضالات محمد علي الحامي التي تجاوزت القُطرية التونسية إلى بلدان عربية أخرى خاصة المغرب الأقصى وليبيا.

أما عن الطاهر لسود فقد استغل المؤلف علاقة والده به وعامل الجيرة بين أسرتيهما ليفصّل القول في شخصيته ومتابعة جميع مراحل حياته وأحوالها من العمل كخيّاط إلى الغياب والحضور والوضع المادي المتقشف خاصة منذ لقاء الطاهر لسود ببورقيبه بالحامة في مارس 1950 وبداية الاستعداد الفعلي للثورة المسلحة التي كان الطاهر لسود قائدها العام وهو أيضا من قادة حركة تحرير المغرب العربي بعد لقائه بعبد الناصر وتحوله صحبة صالح بن يوسف إلى طرابلس لافتتاح مكتب لهذه الحركة، ثم غادره وعاد إلى تونس بعد إعلان الإستقلال معتبرا أن الغاية من الثورة التونسية قد تحققت ولا موجب بعد ذلك لمواصلة رفع السلاح وعدم تسليمه.

ج – التأريخ كإشهار للمبادئ والرهانات وإبراز لدورها في ضمان مصير الأمّة:

أمّا الإلتزام الحضاري المعنوي الذي شدد عليه الهادي الزريبي ودقق تفاصيله وقلبه من عديد الأوجه فيتعلق بعروبة البربر وارتباط مصيرهم بمصير الأمة كما كان شأنهم في كل تاريخهم. فالمغاربة القدامى، أي البربر، يعودون بأصولهم إلى الجنس السامي أو الحامي الذين يعودان في أصلهما إلى مصدر واحد” إذ كان الساميون والحاميون فرعين مختلفين ثم تلاقيا وامتزجا أو كانا أصلا واحدا ثمّ تفرع إلى فرعين اثنين” ( ص 111). والمؤلف يقرّ هذه الحقيقة بناء على متابعته للهجرات العديدة التي حدثت تاريخيا من اليمن إلى شمال افريقيا مرورا بمصر، وعددها سبعة هجرات ( ص 93 / 94). وباعتمادها يرى المؤرخون أن المغاربة القدامى من أصل سامي داعمين رأيهم بأوجه التشابه الكثيرة بين العرب والبربر سواء في الحروف العربية المستعملة ضمن الأبجدية البربرية كحرف الحاء والعين والضاد ( ص 95) بل وكثرة الكلمات في اللغة البربرية التي تعود إلى أصول عربية وكذلك التشابه في العادات والتقاليد والملابس والمأكولات بل وفي الملامح أيضا التي تدل على أن المغاربة / البربر مزيج من الأفارقة القادمين من الجنوب ومن الساميين القادمين من المشرق ( ص 95). ويعود  المؤلف إلى مؤرخين قدامى جدّا مثل هيرودوت والبحث في نصوصهم عمّا يفيد عمله الإستقصائي هذا. وتعود نصوص هيرودوت إلى القرن الخامس قبل الميلاد تاريخ زيارته شخصيا إلى بلاد المغرب ( ص 98) وهو الذي أخبر عن أبرهة المذكور في القرآن بذي القرنين وغزوه لهذه البلاد قرابة سنة 3850 ق م قادما من بلاد اليمن.” وهو أبرهة بن الرائش أحد ملوك العرب البائدة الملقب بذي المنار. وتعتقد جماعة من المؤرخين بأنه ذو القرنين المذكور في القرآن وقد خلّف قوما كثيرين عند رجوعه يقال أنهم أجداد قبيلتي صنهاجة وكتامة” ( ص 99). كما يضيف الهادي الزريبي الحقائق التالية حول هذه الهجرات من الشرق في اتجاه الغرب:

 -” حوالي 1500 ق م قدم البحارة الكنعانيون إلى سواحل شمال افريقيا وأنشؤوا بها مراكز تجارية. وكان ذلك سببا في تدفق موجات بشرية أخرى على المنطقة.

– حوالي 1300 ق م هاجم العبريون الكنعانيين الفلسطينيين وأجلوا قسما منهم إلى مصر لكن سكانها منعوهم من الإقامة بأرضهم فتابعوا سيرهم إلى بلاد المغرب.

– سنة 1095 ق م اضطهد الملك شاوول الفلسطينيين وأخرجهم من أرضهم فقصدوا مصر ومنها انتقل قسم منهم إلى بلاد المغرب.

وهذا يؤكد تتالي الهجرات الكنعانية إلى بلاد المغرب ( ص 100)” ولا يشك مؤرخ واحد في نسبة الكنعانيين العربية فهم ساميون استوطنوا بلاد الشام إثر خروجهم من شبه الجزيرة العربية حوالي 3500 سنة ق م” ( ص 101) ثم كان مرورهم إلى بلاد المغرب في رحلات متتالية من مصر.” وتوغلوا في الدواخل… واختلطوا بمن سبقهم وتزاوجوا معهم فتكوّن نتيجة لذلك الشعب المغربي النوميدي الذي وجده العرب الفاتحون بهذه الربوع” ( ص 101). وفي هذا يستشهد المؤلف أيضا بقول المؤرّخ المغربي السلاوي الذي يرى أيضا” أن البربر هم عشائر الكنعانيين تنازعوا مع العبريين فهاجر كثير منهم إلى بلاد المغرب وبقي البعض بنواحي بلاد الشام وكان ذلك زمن النبي داود الذي قتل زعيم الكنعانيين جالوت، فاتجهوا من بلاد كنعان إلى أرض المغرب ولحقوا بمن سبقهم” ( ص 104) وفي هذا يتفق مع الطبري ( ج 1 ص 442). كما يتفق أيضا مع المؤرخ الأمريكي وليام لانغر الذي فنّد الفكرة القائلة بأن البربر هاجروا من أوروبا إلى شمال إفريقيا لأن الهجرات آنذاك كانت تتم من الجنوب في اتجاه الشمال إذ أن أوروبا” كانت عصرئذ تعيش عصرا جليديا لا حياة فيه بحيث يتعذّر أن تخرج منها هجرات بشرية. ثمّ أن هذه المناطق كانت تعيش وقتئذ تخلفا وقلة في عدد السكان لا يسمحان بالهجرة منها، بينما كان الشرق العربي على العكس من ذلك يعجّ بالسكان وكانت تعيش فيه حضارات بلغت أوج تقدمها” ( ص 105).

وبنفس الحماس والإندفاعية يدافع الهادي الزريبي أيضا عن خيار حضاري آخر حاسم جدّا وشديد الأهمية يتمثّل في العلاقة المتينة جدا بين القومية العربية والدين الإسلامي وقد ألّف في ذلك كتابه” العرب ورسالة القرآن السماوية” أكد فيه أنّ” الجانب الروحي والعامل الديني دعامة أساسية من دعائم القومية العربية قبل الإسلام وبعده” ( ص 27) و” كان أوّل عمل قام به صلّ الله عليه وسلم حينما بُعث بالدين الجديد وهو توحيد صفوف هذه الأمّة وتقوية شوكتها” ( ص 28) مثل التوحيد بين الأوس والخزرج: القبيلتان الكبيرتان وبين المهاجرين والأنصار أي بين أهل مكة وأهل المدينة وتوحيد شبه الجزيرة العربية وجمع شتات القبائل العربية تحت لواء الإسلام. وبذلك فسح المجال شاسعا أمام هذه الأمة العربية بعد أن جعل العروبة هي اللسان وليس رابطة الدّم والنسب، أي إنتماء حضاري ووطني بالأساس إذ قال” ليست العربية بأحدكم من أب وأمّ لكنها اللسان فمن تكلم العربية فهو عربي” وهكذا تدعمت القومية العربية وعزّ جانبها وأخذت مفهوما جديدا ثوريا متطوّرا” ( ص 29). وإثر ذلك انطلق العرب لنشر دين الإسلام وتحملوا مسؤولية تبليغ الرسالة إلى جميع البلدان والتبشير بها. فكان فعلهم تأكيدا لربط الرسول بين العروبة والإسلام وهو القائل” إذا ذلّ العرب ذلّ الإسلام” ( ص 33) بما يجيز ربط مصير الإسلام بمصير العرب الذين هم موكّلون بنشره والحفاظ عليه. لذلك يدعو المؤلف إلى استعادة مسار الرسول والعمل على” توحيد العرب كمرحلة أولى لنشر الإسلام والوصول إلى الوحدة الإسلامية في مرحلة ثانية. وهذا الإنطلاق من الخاص إلى العام يعتبر في رأيه سنّة يجب الحرص عليها باعتبارها الأيسر.

بهذا تتحدّد الإلتزامات العامة للباحث الهادي الزريبي وترتسم اهتماماته بين جغرافية متدرجة من المحلي إلى الجهوي فالوطني الكبير و” حضارية ترفع لواء التجديد والإجتهاد والوحدة تصرّ على عروبة الأمازيغ وعلى وحدة المصير بين العروبة والإسلام بشكل لا انفصام له. ولتدعيم كل هذه الرؤى كان لزاما على الباحث الإلتزام بالصرامة المنهجية وبالإشتراطات البحثية الداعمة.

2 – منهج الإلتزام وآلياته البحثية:  

يقول الأستاذ رمضان اللطيفي متحدثا عن كتب الهادي الزريبي أنها” رحلة فكرية شيقة تراوح ما بين ما هو تاريخي وما هو أدبي، ما هو نقابي وما هو سياسي، دراسات قيّمة فيها من الإجتهاد الشخصي الواضح والومضات الفكرية المستنيرة” ( ص 338). وأعمال الهادي الزريبي هي بحوث وصفيّة تحليلية مليئة بالمعلومات والأحداث الفريدة التي جمعها صاحبها والمعطيات والروايات التي تثبّت منها ودقق إسنادها قبل أن يعتمدها. فهو قد اعتمد منهجا صارما في عمله آل فيه على نفسه ألا ينجز عملا إلا إذا امتلك بين يديه أغلب وأهم مراجعه ( ص 217) لذلك هو يتمهل كثيرا قبل أن يبدأ ويأخذ منه الإستعداد السنين الطويلة أحيانا، فهو مثلا بدأ التفكير في الكتابة عن الحامة في الدورة  الرسمية الأولى لمهرجان الحمّام سنة 1970 لكنه لم يبدأ الإنجاز الفعلي لذلك إلا بعد 1995 بعد أن بدأت تتوفر له المراجع الضرورية والشروط التي ألزم بها نفسه، واطّلع على أمهات الكتب المطبوعة والمحاضرات المتنوعة التي يمكن أن تفيده في عمله، سواء منها الشفوية الحية من قصص وأشعار شعبية أو البقايا الأثرية أو عقود الملكية ( ص 217). بل هو لا يكتفي بذلك دائما إذ كثيرا ما يعمد إلى تجميع المعلومات من أقارب الأشخاص موضوع بحثه ومن معارفهم مثلما فعل مع محمد علي الحامي والطاهر الحداد وغيرهما بل ويتصل بهم أحيانا مباشرة حتى ينقل عنهم الأحداث كما عاشوها فعلا. وهو ما قام به مع المناضل الطاهر لسود مثلا إذ زاره بمقرّ سكناه بالروحية من ولاية ( القصرين) ثلاثة مرات ولم تثنه طول المسافة ولا الإقامة الجبرية المضيقة للطاهر لسود عن تدقيق معلوماته من مصدرها الفعلي. كما ينقل أحيانا بعض التجارب الشخصية التي عايشها بنفسه خلال شبابه لما انتمى إلى إحدى المجموعات الشبابية المناضلة المتكفّلة بالدعم اللوجستي للثورة وبالإعلام ( ص 177). إضافة إلى كونه واكب شخصيا العديد من الأحداث وحضر دفن بعض الشهداء ( ص 186)، وهو ما يضفي على شهاداته وتحاليله قيمة توثيقية كبرى.  

ورغم ذلك كله فإن المؤلف على وعي تام في عمله بمحدودية مصادره وبصعوبة الحصول على وثائق يثق بها الثقة التامة خاصة منها الشفوية لإمكانية تلونها بذاتية الراوي وبنوعية علاقته بالشخص أو بالحديث. ويستشهد المؤلف أيضا بأقوال المؤرخين المعروفين سواء على المستوى الوطني أو العربي أو الدولي، القدامى والمحدثين ويعود إلى المستشرقين الثقاة والأركيولوجيين ويعتمد نتائج أبحاثهم التي تحظى بالإجماع في علم الحفريات وفي الأنثروبولوجيا والمقارنات الجينية. لذلك أكثر من” إقتناء المصادر والمراجع التي لها صلة بالموضوع وتجميعها والإطلاع عليها وتعميق النظر في مضامينها” ( ص 87). كما أنه يعمد إلى تعريف المفاهيم التي يشتغل عليها وتدقيق معانيها لخلق أرضية إتفاق حولها، مثل مفهوم القومية والقبلية والعصبية والثورة والبربر والمغرب العربي… الخ. فتوضيح هذه المسائل مهمّ جدا لتحديد الجهاز المفهومي للبحث. لكن رغم هذه الإحتياطات والتشدد في إخضاع أعماله لمقاييس الموضوعية المطلوبة في العمل البحثي المقنع فإن أعمال الهادي الزريبي تستثير فينا عديد الملاحظات.

3 –  تحليل وتقييم:

إن الإضافات التي جاءت بها أعمال الهادي الزريبي مهمة جدا:

– من حيث التنوع المضموني إذ شملت مسائل كثيرة منها الجغرافي والتاريخي والأنثروبولوجي، القديم والحديث، والسير الذاتية لعديد الشخصيات المهمة التي كان لها تأثير كبير في تاريخ بلدانها. كما عرّفت بأحداث فارقة في تاريخ البلاد العربية والإسلامية مثل ثورة 1915 – 1918 ودورها في تحرير المغرب العربي ومختلف تفاعلاتها التي جرت بين البلدان المغاربية واسطنبول، وما كان من دور، سقط في النسيان، لكثير من قادتها المحليين في الإعداد لها وإنجاحها مثل علي باش حانبه وغيره.

وكما نفض الهادي الزريبي الغبار على أسماء وازنة في تاريخ حركة التحرر الوطني مثل القائد الطاهر لسود، تحسب له أيضا حسم مسألة حارقة جدا وحساسة كثر حولها اللغط والتباين واتخذت مطية لعديد المزايدات العرقية والإيديولوجية ووظفها الغرب خاصة لبث بذور التفرقة والتمرّد بين ابناء الأمة الواحدة وهي مسألة أصل البربر في التسمية وفي النسب فحسم عروبتهم بشكل علمي مدعم لا لبس فيه وينهي كل المزايدات. 

أما النقاط التي يمكن احتسابها مثار جدل واختلاف في أعماله فنذكر منها:

– بعض الإستشهادات التي إعتمدها المؤلف في حين أنها قد لا تدعم كثيرا صحة الحقائق التي جيء بها من أجلها مثل إستشهاده مرّة بأعمال جرجي زيدان ( ص 90) التي نعلم أن  أحداثها امتزجت بالخيال الروائي الإبداعي المبتدع لصاحبها ممّا جعلها غير معتمدة في البحوث التأريخية.

– الإهتمام الكلي بالماضي وبأحداثه وبشكل مكثف عند الحديث عن الحامة مثلا وعن قابس وإهمال كلي للحاضر ولواقع هذه المناطق وما يمتزج فيه من إشكاليات تنموية ومن صعوبات،  فما يهمه هو إبراز عراقة هذه المدن وليس معاناتها مما غلب الجانب التاريخي السردي على بحوثه والجانب القطاعي أو المحلي أيضا. ففي الحديث عن قابس مثلا لم يهتم الهادي الزريبي بحدودها الجبلية والجنوبية حيث جبال مطماطة وحفرياتها التاريخية الفريدة من جهة وسهول مارث وخطها العسكري الذي شهد أقوى معارك الحرب الكونية الثانية من أخرى، وما لكل ذلك من دور في رسم تاريخ الجهة ككل بل والعالم أيضا بهزيمة هتلر واندحار جيشه في تلك الربوع. فما شغله أساسا هي قابس المدينة وبحرها ثم تمددها في اتجاه الحامة التي مثلت مركز إهتمامه الملحّ.

– بعض الأقوال التقريرية التي تبدو غير مستوفية القول والحجة مثل تأكيد أن فكرة الوحدة المغاربية تعود إلى العهد القرطاجني والوحدة العربية تعود إلى العهد الإسلامي الأول، فتمثل الوحدة ذاتها ومفهومها لم يكن بنفس المنظور المعاصر وبالتالي هنالك إسقاط لمفهوم القومية الحديث على وقائع قديمة جدا لا يتناسب معها .

– ونفس الملاحظة نسوقها أيضا حول إصرار الهادي الزريبي على إلحاق الأمانة العامة للحزب الدستوري التونسي وصالح بن يوسف والطاهر لسود بالفكر القومي الوحدوي الناصري أساسا. وهذا غير مؤكد ولا يدعمه أي تصريح لبن يوسف مثلا باستثناء تنويهه كما جاء في أحد تصريحاته بجدوى وحدة الحركة التحريرية في تونس والجزائر والمغرب وعملها المتزامن لتشديد الضغط على فرنسا حتى تُرغم على القبول باستقلال هذه الأقطار، وهذا إلتزام منه بتوجّه مكتب لجنة المغرب العربي بالقاهرة وبخطّته التي رسمت هذه الإستراتيجية منذ 1948 وتبنّاها الحزب الدستوري آنذاك، لكن الزعيم بورقيبه تجاهلها فيما بعد وبقي بن يوسف وفيا لها إلتزاما بهذا الإتفاق وليس إلتزاما بالفكر القومي الوحدوي كما يريد أن يبرزه المؤلف. ونفس الشيء بالنسبة للطاهر لسود الذي تخلى عن صالح بن يوسف الذي استقر معه بطرابلس مدة من الزمن وبادر بالعودة إلى تونس بعد الإستقلال قائلا أنه لا موجب بعد ذلك لمواصلة رفع السلاح وعدم تسليمه.

– كما أن قول المؤلف أن النقابات كانت في جانب صالح بن يوسف في مؤتمر صفاقس لا يجوز تعميمه أيضا لأننا نعلم أن الإتحاد العام التونسي للشغل بقيادة الحبيب عاشور اصطفّ إلى جانب بورقيبه وتكفلت هياكله بحماية ذلك المؤتمر.

– وكذلك فإن بعض الإجتهادات التي جاء بها المؤلف للعودة ببعض الكلمات إلى اللغة العربية تبدو متعسفة أيضا مثل القول بالأصل العربي لكلمة سرت الواردة في تسمية خليج سرت والعودة بها إلى مصدر سرد باعتبار عدم وجود كلمة سرت في العربية مع القول بتحريفه أو القول بإدغام كلمتي هاني بعل للحصول على تسمية حنّبعل. فالهادي الزريبي يسمح لنفسه بعديد الفرضيات من أجل تأكيد فكرتين دائما: القومية العربية وسلبيات الرئيس الحبيب بورقيبه وسقطاته، مع مجاملة واضحة أحيانا وتوجيه للرؤية، مثل القول بأن معارضة البعض للطاهر الحداد وتحاملهم عليه تعود لكونه من الآفاق، أي من الجنوب ( ص 354)، وفي هذا توظيف لشعبوية الجهويات لتفسير موقف فكري وإيديولوجي تبنّاه بعض رجال الدين من الطاهر الحداد عجز فكرهم المحافظ عن مجاراة رؤيته التحديثية الداعية إلى تطوير الفكر الديني وعن استيعاب التجديدات التي جاء بها.

وهكذا تتوضّح رهانات الباحث الهادي الزريبي في مختلف كتاباته كما يلي:

1 – رفع التهميش والنسيان عن بعض الأماكن وعن عديد الشخصيات الإعتباريّة التي كان لها حضور مؤثر في تاريخ تونس، ومن هنالك نؤكد التكامل بين اختيار الأشخاص واختيار الأماكن والبلدان لتكون موضوعا للبحث.

2 – الدفاع عن العروبة ودعم القومية العربية وإيجاد حلول وقول فصل في قضايا حارقة جدا مثل عروبة البربر، وحدة المغرب العربي، والعلاقة بين المغرب الكبير والمشرق العربي وبين العروبة والإسلام…

فهذه هي الرهانات التي اشتغل عليها الهادي الزريبي وهي رهانات حضارية بالأساس تؤكّد نضاليته ووفاءه لمبادئه والتزامه بقناعاته وسعيه لخلق توازن مع الآلة الإعلامية الرسمية التي أصرّت طويلا على حجب وتهميش هذه المواقع وهذه الشخصيات. وفي كل الحالات تمثل أعمال الباحث الهادي الزريبي حصادا ثريا ومتنوعا لعمر زاخر بالبحث والإجتهاد لم يعرف الكلل لسنوات طويلة ولا تردّد في اقتحام مسائل حساسة وشائكة تقلّ فيها المصادر والمستندات، وهو في كل ذلك لم يتنازل عن ثوابته الفكرية وعن انتماءاته التي ناضل من أجلها طوال عمره وفي طليعتها تحديث المجتمعات العربية وتحرير الأمة وتوحيدها.  

(1) – أعاد الهادي الزريبي سنة 2019 طبع كتبه الثمانية هذه في مجلد ضخم عنوانه” الهادي الزريبي من خلال كتبه” الجزء الأول، وهو الذي اعتمدناه في عملنا هذا وكل الإحالات تشير إليه. 

* ملاحظة: كتبت هذا المقال لتقديمه كمساهمة في تكريم الباحث الهادي الزريبي من طرف الجمعية العامة للمتقاعدين فرع قابس والمندوبية الجهوية للثقافة بقابس المقرر ليوم السبت 17 جوان 2023 .  
_________
 * محمد رحومة العزّي/ مستشار عام التوجيه المدرسي والجامعي – قابس / تونس.

جديدنا