برنامج تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية المغربيَّة بأوروبا

image_pdf

من نظام ELCO إلى EILE

على سبيل التقديم:

انخرط المغرب منذ السبعينات من القرن الماضي في تجربة مهمَّة ومسبوقة، ارتبطت أساسا بهدف ربط الجسور مع المغاربة المقيمين في الخارج حيث أطلق المغرب منذ منتصف هذا العقد (منذ سنة 1977)[1] حسب علمنا البرامج الأولى لتعليم اللغة العربيَّة لفائدة أبناء الجالية المغربيَّة المقيمين في الخارج. وقد كان يتعلق الأمر آنذاك بإعطاء أبناء هذه الجالية دروسا في اللغة العربيَّة وفي ثقافة بلدهم الأصلي قصد تسهيل اندماجهم في النظام التربوي المغربي في حالة عودتهم إلى بلدهم (وكالة التعاون الدولي – وزارة الشؤون الاسلاميَّة ). لقد كانت الفكرة هي إعطاء أبناء الوطن المقيمين في دول أوروبا، من خلال تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة، الوسائل اللغويَّة التي ستساعدهم على الاندماج عند عودتهم إلى بلدهم، على اعتبار أنَّ الهجرة مرحلة انتقاليَّة يجب أن تنتهي بالعودة إلى البلد الأصلي. لكن ظاهرة الهجرة عرفت تطورا وتغيرات غيرت بشكل كبير مشاريع المهاجرين منذ الجيل الأول إلى يومنا هذا، نظرا لتغيرات سوسيوثقافيَّة وقانونيَّة ببلدان المهجر… حيث ولد تعاقب الأجيال علاقات جديدة مع البلدان المستقبلة للمهاجرين، وخلق، بالتالي، مسارات فرديَّة وجماعيَّة معقَّدة لا تنتهي بالضرورة بالعودة إلى البلد الأصلي. بل ولدت في بعض الحالات الانسجام التام والانخراط الفعلي في المسار الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي أيضا لأبناء الجالية المغربيَّة في بلدان الاستقبال ممَّا ولَّد تصورات وأفكارا جديدة وانتظارات كبيرة فاقت الأهداف والغايات الأولى لهذه البرامج.  كما أن تغير وضع اللغات التي كانت تعتبر اللغات الأصليَّة للمهاجرين بما فيه اللغة العربيَّة ثم مع مختلف التعديلات والإصلاحات التي عرفتها الأنظمة التعليميَّة بمختلف الدول ومع تزايد الوضع الاعتباري للمهاجر بمختلف دول الاستقطاب. ومع ذلك، فإنَّ هذا التطوَّر لم يؤدِ إلى إعادة النظر في تعليم اللغة العربيَّة وثقافة البلد الأصلي الذي استمر وفق انطلاقته الأولى لسنوات عدة. كيف ذلك؟ ثم كيف لبرنامج مرَّت عليه أزيد من 40 سنة أن لا يكتسب تجربة مهمَّة تستحق الدراسة وكذا التنويه والتطوير والتأقلم مع مختلف التعديلات والتغييرات التي عرفها المغرب كبلد ثم مع مختلف الإصلاحات (بعد دستور 2011) التي عرفتها المنظومة التربويَّة المغربيَّة وخاصة مع ما جاءت به الرؤية الاستراتيجيَّة(2015-2030) والقانون الإطار 51/17 ثم مع مقترحات النموذج التنموي الجديد في أفق 2035…؟ هي توجّهات كبيرة جدا جعلتنا نخوض هذه التجربة للحديث أولا على هذا المشروع الكبير والذي واكبته الدولة المغربيَّة منذ بدايته وصرفت عليه أموالا باهظة وكبيرة، وسخَّرت له موارد بشريَّة لا يستهان بها،  كما قامت بتقييمات ودراسات وندوات وأيام دراسيَّة ولعل أبرز هذه التقييمات ذلك التقرير الموضوعاتي الذي قام به المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي[2] سنة 2017 بشراكة مع مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج والتي كانت تشرف فعليا على هذا البرنامج الضخم منذ سنة 1989. ثم للحديث عن الإطار المرجعي أو  بالأحرى المنهاج المعتمد لنوع هذا التعليم وخاصة منذ سنة 2015 حيث أصدرت وزارة التربية الوطنيَّة – مديريَّة المناهج – أول وثيقة رسميَّة تحدد التصور العام والإطار المنهاجي لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية المغربيَّة، فهل فعلا حاولت هذه الوثيقة احترام مختلف التغيرات سواء الداخليَّة للمغرب( الوطنيَّة) وكذا الخارجيَّة لدول الاستقبال؟ ثم ماذا عن الوضعيَّة الحاليَّة لهذا البرنامج انطلاقا من مختلف الاتفاقيات الثنائيَّة بين المغرب وبلدان المهجر وآخرها اتفاقيَّة ثنائيَّة وقعت بالرباط بتاريخ 06 أكتوبر 2020 بين المملكة المغربيَّة ودولة فرنسا؟ وهل فعلا استطاعت مختلف هذه البرامج منذ بدايتها إلى اليوم أن تحقِّق تلك الأهداف والغايات الكبرى والمتمثِّلة أساسا في ضمان المحافظة على الهويَّة الأصليَّة للمغاربة وكذا الحرص على التشبُّع بالقيم الثقافيَّة والهوياتيَّة للبلد الأصلي لجميع أبناء الجالية المغربيَّة ( القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة والثقافة الامازيغيَّة – المخطَّط الحكومي المندمج لتفعيل الامازيغيَّة) مع ضرورة تحقيق الانسجام والانفتاح على الثقافات والقيم لمختلف بلدان الاستقبال وبالتالي محاولة خلق الاندماج في كلا البلدين : الاصلي وبلد الاستقبال؟ أم أن الأمر معقَّد وغير مجدي وبالتالي ثمَّة هفوات وصعوبات ممَّا ولد في بعض الحالات تناقضات لدى هذه الفئة المستهدفة مما يجعل مشيها ليس بمشي الحمامة ولا بمشي الغراب؟ وماذا عن هذه البرامج مع مغرب ما بعد دستور 2011 وما بعد تداعيات وباء كرونا(كوفيد 19)؟  أليس من اللازم حاليا التفكير في جعل مثل هذه البرامج ضمن الأولويات الأساسيَّة لخدمة الجالية نظرا لكون مفتاح الهويَّة وضبط المناعة الثقافيَّة وضمان الانسجام والاندماج الاجتماعي لدى مختلف الأجيال وخاصة التي تولد ببلدان الإقامة، هو بالأساس اكتساب لغة وثقافة البلد الأصلي؟ ثم  ماذا عن نظام EILE الذي أصبح في مكان ELCO ؟

أسئلة كثيرة جعلتنا نناقش هذا الملف الضخم والكبير والذي يشكِّل بوابة ومدخل لمزيد من التساؤلات حول العلاقة التي تربط الجالية المغربيَّة بمختلف الدول، والتي يكنّها ملك البلاد كل التقدير والاحترام لما لها من أهميَّة في التمثيليَّة الديبلوماسيَّة للمغرب[3] وكذا  دورها في خلق التوازنات الاقتصاديَّة والسياسيَّة داخليا وخارجيا، ببلدهم الأصلي المغرب، بلد الجذور والهويَّة وتغذية الأنا وبالتالي بلد العودة في نهاية المطاف رغم مرور السنين وكذا مختلف الظروف. وبمختلف بلدان الاستقبال بشكل عام وبأوروبا خاصة(فرنسا- بلجيكا – إسبانيا- ألمانيا – هولندا – البرتغال – ايطاليا…). لكن يبقى السؤال أهم من الجواب كما تشير بعض الدراسات السوسيولوجيَّة(بورديو). ولهذا  سنحاول إثارة هذا الموضوع ومناقشته من زاوية وثيقة الإطار المرجعي لهذا التعليم بين الواقع والآفاق المستقبليَّة. وفتح المجال لإبراز وجهة نظر فاعل تربوي ومتتبع لهذا الملف وبالتالي إعادة فتح النقاش من جديد مع مختلف الفاعلين من بعثة تعليميَّة وكذا جميع الجهات الوصيَّة على هذا القطاع. ( وزارة التربية الوطنيَّة – مؤسَّسة الحسن الثاني – المجلس الأعلى للتربية والتكوين – الوزارة المكلفة بالجالية – مجلس الجالية – وزارة الخارجيَّة – ). وخاصة بعد صدور تقرير معهد مونتاني للدراسات والبحوث شتنبر 2018  بفرنسا والذي أكَّد حوله حكيم القروي وهو من أعد التقرير تحت عنوان “صناعة الإسلام المتطرَّف” أن “كلما تأخَّرنا في تعليم اللغة العربيَّة في المدارس كلما ارتفع عدد التلاميذ في المساجد”.[4] وبعد أزمة كورونا التي غيرت الحياة في العالم بشكل كبير جدا. أي بعد اعتماد نظام التعليم الدولي للغات الأجنبيَّة.

يان: السياق العام لبرنامج تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة.

إنَّ هذا التعليم الذي تحول على مر السنين من أداة لخدمة العودة إلى البلد إلى عامل للتوازن الهوياتي والثقافي واللغوي للأجيال الجديدة من المغاربة المقيمين في الخارج، ثم في إطار التوجه الجديد حاليا لضرورة اعتبار اللغة العربيَّة في بعض الدول فرنسا بالخصوص كمدخل لمحاربة التطرُّف وكذا كلغةٍ حيَّة للبحث العلمي…(من برنامج ELCO  إلى برنامج EILE ) يستحق العناية والنقاش والدراسة وكذا التقاسم والتقييم. نظرا لكونه تعليما يهم شريحة كبيرة من المغاربة موزَّعة على بلدان مختلفة بأوروبا وبأمريكا وبإفريقيا أيضا، إذ يشكِّل لهم من أهم الحقوق التي يجب أن توفرها الدولة المغربيَّة لهم كمواطنين حيث لا يجب أن يبقى كحقٍّ ثانوي بل هو واجب على الجميع كما هو داخل الوطن. وبالتالي فمسؤوليَّة الدولة وباقي المؤسَّسات الدبلوماسيَّة المغربيَّة وفي علاقتها بدول الاستقبال، تبقى جد مهمَّة وتحتاج إلى ترسانة قانونيَّة ومشاريع تربويَّة جد متنوّعة … من أجل مأسسة هذا الحقّ الدستوري لجميع أطفال الجالية وكذا لمختلف المواطنين بالخارج. بهدف مساعدتهم على المحافظة على هويتهم المغربيَّة، وتعزيز تشبّعهم بالقيم الثقافيَّة لبلدهم الأصلي حسب دستور 2011.

وأنا أبحث في هذا الموضوع اطَّلعت على مجموعة من الوثائق الرسميَّة وكذا بعض الكتابات حول الموضوع كما قمت بإجراء لقاءات مباشرة أو عبر الهاتف مع زملاء مكلَّفين ضمن البعثة التعليميَّة المغربيَّة بفرنسا وبإسبانيا….فتوصَّلت إلى مجموعة من الحقائق والمعلومات اختصرها في  ما يلي:

– تنوّع أنظمة وفئات تعليم اللغة العربيَّة :

التعليم النظامي : ويتضمَّن 3 فئات:

-التعليم المندمج: يدرس بالمدارس النظاميَّة داخل التوقيت الرسمي للدراسة أعلى المستويات التي سجَّلها التعليم المندمج فاقت (20 %) من الأطفال المستفيدين،

-التعليم المؤجل : يدرس بالمدارس لكن خارج التوقيت الرسمي للدراسة ويمثل (55%) من الأطفال المستفيدين من الأطفال المستفيدين.

-التعليم غير النظامي ويطلق عليه التعليم الموازي : يدرس في مقرَّات الجمعيات والمساجد والمراكز الثقافيَّة بمبادرة من هذه الجمعيات وبدعم من المؤسَّسة ويمثِّل (25%) من الأطفال المستفيدين.

التعليم غير النظامي:  والذي يتمّ عبر مؤسَّسات المجتمع المدني حيث ينتشر بدول الاستقبال عدد لا يستهان به من جمعيات تعنى بتدريس اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة وهي تتخذ غالبا المساجد كمقر لها أو عبر مقرَّات خاصَّة بها. وتمتاز هذه الجمعيات بالتعليم الديني بالدرجة الاولى عبر تدريس اللغة العربيَّة (هذا النوع من التعليم الذي يطرح إشكاليَّة لدول الاستقبال لأنه يصعب مراقبته وكذا تنظيمه بشكل دقيق.)

وعن أهداف تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية بالخارج فهي حسب وثيقة الإطار المنهاجي على الشكل التالي:

  • جعل التربية والتعليم حقا للطفل وواجبا على الأسرة والدولة المغربيَّة.
  • المساواة في حق الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة.
  • التنشئة على التشبث بالهويَّة المغربيَّة والثوابت الوطنيَّة الراسخة.
  • تمكين أبناء الجالية من معرفة المقومات اللغويَّة والثقافيَّة للمغرب.
  • حماية اللغة العربيَّة وتطويرها، وتنمية استعمالها.
  • اعتبار اللغة الأمازيغيَّة، هي أيضا، رصيدا ثقافيا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.
  • صيانة الحسانيَّة وسائر اللهجات والتعبيرات الثقافيَّة المستعملة في المغرب باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهويَّة الثقافيَّة المغربيَّة الموحَّدة.
  • الانفتاح على اللغات الأجنبيَّة الأكثر تداولا في العالم، باعتبارها وسائل للتواصل والتفاعل مع مختلف الثقافات، والانخراط في مجتمع المعرفة وحضارة العصر.
  • تعزيز الانخراط الايجابي لأبناء الجالية المغربيَّة في مجتمعات بلدان الإقامة.
  • تنمية ذوات المتعلمين وانفتاحهم على المجتمع الذي يعيشون فيه وثقافته.
  • تنمية الكفايات اللغويَّة لأجل التحكم في لغة عربيَّة معياريَّة تفي بأغراض التواصل الاعتيادي استماعا ونطقا وقرا ة وكتابة.
  • تنمية الكفايات التواصليَّة الوظيفيَّة الكفيلة بتعزيز عالقة الطفل بمحيطه معرفيا ووجدانيا.
  • تنمية الكفايات الثقافيَّة والحضاريَّة المساعدة على الاندماج السلس في مجتمع الإقامة والانفتاح على العالم.
  • تقويَّة معرفة الطفل المغربي ببلده وبمقومات ثقافته ومظاهرها الحضاريَّة والاعتزاز بها.
  • تنمية فكره النقدي عبر تزويده بآليات التعلم الذاتي.
  • دعم فرص النجاح في المسار الدراسىي العام وحفز رغبته في التعلم مدى الحياة. [5]

و بالنسبة لمجريات تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة بالخارج وحسب موقع مؤسَّسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج فان خلال الموسم الدراسي 2020/2021 كانت المعطيات على الشكل التالي:

1- تعداد أعضاء البعثة التعليميَّة الحاليَّة حسب بلدان التعيين: الطاقم التعليمي

البلد الأساتذة المؤطرون المجموع
الموضوعون رهن الاشارة المتعاقدون
فرنسا 331 14 المفتشون 03 348
بلجيكا 100 00 مفتش واحد 01 101
اسبانيا 57 03 مفتش ومنسق تربوي 02 62
ألمانيا 02 04 مفتش واحد 01 07
هولندا 00 02 02
المجموع 490 23* 07 520

* 03 منهم سيحالون على التقاعد أخر السنة الدراسيَّة الجاريَّة.

2- حصيلة مقارنة قبل وأثناء كوفيد-19 برسم السنوات الدراسيَّة (2018/2019 و2019/2020 و2020/2021):

 

 

البلد

طاقم التدريس مجموع المستفيدين من دروس اللغة العربيَّة التعلم عن بعد كبرنامج قائم الذات
قبل كوفيد 19 في ظل كوفيد 19
قبل كوفيد19 في ظل كوفيد19 التعليم الحضوري عن بعد

تكميلي

حضوري
2018/2019 2019/2020 20/21 18/19 19/20 19/20 20/21 20/21
فرنسا 374 357 347 49,769 34,498 17,177 39,916  

 

 

*85.304

اسبانيا 108 105 101 9.560 6.237 6.445
بلجيكا 64 62 62 7.932 6.354 7.345 6.778
ألمانيا 07 07 08 1.655 693 693
هولندا 05 02 02
المجموع 558 533(-4,5%) 520(-7%) 69.793 48.122 24.522 54.180

(22%-)

72.644

وضعيَّة شهر ماي 2021.

*يهم العدد حصريا أبناء الجالية المغربيَّة بكل من فرنسا وبلجيكا،

*يشمل العدد مجمل المتتبعين ل e.madrassa من دول مختلفة منها: (إيطاليا، الولايات المتحدة الأمريكيَّة، بريطانيا، كندا، الدانمارك، المكسيك، قطر، الموزمبيق، …).

3- مؤشرات أداء أعضاء البعثة التعليميَّة برسم السنة الدراسيَّة 2020/2021

حجم التغطيَّة والاستفادة مع الغلاف الزمني الأسبوعي لدروس اللغة العربيَّة

البلد حجم التغطيَّة حجم الاستفادة الغلاف الزمني الاسبوعي الاجمالي
الاساتذة المدارس الجمعيات المدارس الجمعيات المجموع المدارس الجمعيات المجموع
فرنسا 347 1914 505 33.241 6.675 39.916 3414س45د 1111س30د 4.526 س25د
اسبانيا 101 366 00 6.445 00 6.445 1538س85 د 00 1.538 س85 د
بلجيكا 62 68 69 3.764 3.014 6.778 607 س 55د 804س30 د 1.412 س 41د
ألمانيا 07 17 05 521 172 693 83 س 41س 124س
هولندا 02 00 03 00 348 348 00 36س 36س
المجموع 520 2.365 582 43.971 10.209 54.180 5.647س 1.993 س 7.640س
2.947

وضعيَّة شهر ماي 2021.

4- الإجراءات الظرفيَّة الإستثنائيَّة المتخذة لمواكبة ظروف كوفيد-19

ا- فتح مجال الاستفادة من دروس تعليم اللغة العربيَّة عبر بوابة التعلم عن بعد www.e-madrassa.ma، وهمت حصريا فرنسا وبلجيكا (السنة الدراسيَّة 2019/2020)

البلد الأساتذة المفاتيح الموزعة خصيصا على أبناء جاليتنا المغربيَّة بواسطة الأساتذة المستفيدون من الدروس عن بعد عبر بوابة www.e-madrassa.ma
فرنسا 373 39.348 17.177
بلجيكا 64 7.061 7.345
المجموع 437 46.409 24.522 (47%)

 

ب/ تعليق تنفيذ عمليَّة تجديد أساتذة تعليم اللغة العربيَّة لسنتين دراسيتين متتاليتين (2020/2021، 2021/2022)، شمل الإجراء فوجي 2016 و2017 وعددهم الإجمالي 173 أستاذا (34% من الطاقم التعليمي الحالي) يتوزعون حسب بلدان التعيين كالتالي:

 

البلد

التمديد الاستثنائي لمهمة فوجي 2016 و2017 برسم السنة الدراسيَّة  

المجموع

2019/ 2020 (فوج 2016) 2020/2021 (فوج 2017)
فرنسا 120 07 127 (24% )من الطاقم الحالي
اسبانيا 43 01 44 (9%) من الطاقم الحالي
المانيا 02 02
المجموع 165 08 173

ج – انهاء مهمة مجموعة من الأساتذة خلال السنة الدراسيَّة 2020/ 2021 (لبواعث مختلفة

 

البلد

مجموع الأساتذة المشمولين بقرار إنهاء المهمة بواعث إنهاء المهام
بطلب منهم لأسباب تأديبيَّة
فرنسا 21 17 04
إسبانيا 08 04 04
بلجيكا 03 02 01
المجموع 32 22 10
32

 

فمن خلال المعطيات المدرجة أعلاه وكذلك من خلال الوضعيَّة الواقعيَّة لملف تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة بالخارج، فان الملفت للنظر  هو كون هذا البرنامج ولمدة طويلة تقترب من نصف قرن- لم يستقر وضعه بعد ويبقى في تدبدب مستمر حسب تطور الوضعيَّة الديبلوماسيَّة للمغرب وفي علاقته باوروبا بشكل عام وبفرنسا بشكل خاص….لكن ما يمكن الجزم فيه أن هناك تزايد كبير في الطلب وتراجع في العرض نظرا لعدم توحيد الرؤية بين دول الأصل ودول الاستقبال وخاصة في المسألة الدينيَّة وربطها بتعليم اللغة العربيَّة. إذ يكفي أن تقع بعض الأحداث الاجراميَّة كما في 2015 وفي 2020 لتظهر  توجهات وتصريحات تدعو إلى التراجع عن ملف تعليم اللغة العربيَّة(اليمين المتطرِّف). ولهذا يبقى السياق العام لهذه البرامج بين مد وزجر حسب الحكومات المتعاقبة  وكذا حسب المصالح المتبادلة بين الأطراف المعنيَّة ثم بالدرجة الاولى حسب التطورات التي تعرفها السوق اللغويَّة الدوليَّة ومدى احترام الخصوصيات الوطنيَّة لبلدان الاستقبال مثل قانون “مكافحة الانفصاليَّة” وضرورة احترام مبادئ الجمهوريَّة الفرنسيَّة. وبالفعل يبقى هذا الأمر من الأساسيات التي يجب اعتمادها في ملف تعليم اللغات الاجنبيَّة في جميع دول العالم إذ أن احترام الخصوصيات الوطنيَّة هو المبدأ الأول والمدخل الاساسي لضمان مدى مراقبة الدولة لجميع ملفات التعليم ومدى احترام القانون الوطني لجميع الدول.

 

سين: برنامج تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة من ELCO إلى EILE

انطلاقا من مختلف التغيرات والتطورات التي عرفتها جميع دول العالم وبفضل تطور عمليات تدريس اللغات والثقافات الوطنيَّة ثم استحضارا لمختلف المكتسبات التي عرفتها الأنظمة التربويَّة بدول شمال افريقيا بما فيها المغرب ومع  تطور منظومة حقوق الانسان في شقها الثقافي والهوياتي للأفراد وفي إطار ما سمي بالمصالحة مع الذات الوطنيَّة….فقد عرف ملف تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة مجموعة من التغييرات وفق مختلف الاتفاقيات التي وقعتها المملكة المغربيَّة مع مختلف الدول الاوروبيَّة بشكل عام ومع دولة فرنسا بشكل خاص. فماذا عن نظام تعليم اللغة والثقافة الأصليتين ELCO؟ ونظام التعليم الدولي للغات الأجنبيَّة EILE ؟ وما موقع اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة ضمن النظامين؟

يشار بالمختصر اللفظي  ELCO (L’enseignements de  langue et de culture d’origine) إلى تعليم اللغة والثقافة الأصليتين، وهو نوع من التعليم موجه إلى أبناء الجاليات بأوروبا، ومنها تلك المنحدرة من المغرب الكبير، أو تركيا أو إسبانيا أو البرتغال … وهو تعليم يشرف عليه طاقم تربوي يوضع رهن إشارة الدول المستقبلة تبعا للاتفاقيات الثنائيَّة بين الدول المعنيَّة. وإذا كان هذا التعليم عرف انتشارا واسعا في فرنسا وبلجيكا، فانه انتشر في السنوات العشر الأخيرة بدول أخرى مثل : إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا والدانمارك. ويعد المغرب واحدا من الدول التي أولت كبير العناية والاهتمام لتعليم العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء جاليتها في الدول الأوروبيَّة، حيث يعود تاريخه إلى سنة 1977 حسب مذكرة بتاريخ 25 يوليوز  والذي يهدف من خلاله العنايَّة باللغة الام وبالثقافة الاصليَّة لأبناء المهاجرين نظرا لكونها ستساعدهم على تعلم اللغة الثانيَّة وهي لغة بلد الاستقبال. وعرف هذا النظام التعليمي مجموعة من الإنجازات على مستوى انخراط أبناء الجالية في جميع أنشطته المتنوعة سواء بشكل رسمي عبر أنشطة مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج أو عبر مختلف المتدخلين في إطار الديبلوماسيَّة المغربيَّة والبعثة التربويَّة بالخصوص ثم بشكل موازي وغير رسمي عبر مختلف أنشطة جمعيات المجتمع المدني. وكذا معهد العالم العربي بباريس ومختلف القنصليات والسفارات الوطنيَّة. وفي إطار الاحتفال باليوم العالمي للغة العربيَّة (18 دجنبر من كل سنة) ثم من خلال مختلف الأنشطة التي تنظم في إطار الاحتفال بالأعياد الوطنيَّة للملكة المغربيَّة وكذا مختلف الأعياد الدينيَّة.

وحسب مختلف الاتفاقيات الموقعة مع المملكة المغربيَّة فان تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية بالخارج  يهدف إلى تحقيق مجموعة من المواصفات العامة لدى المتعلم ليكون مواطنا مسؤولا قادرا على الانخراط في تنمية مجتمع ديمقراطي متضامن وتعددي ومنفتح على الثقافات الأخرى .كما يهدف من جهة أخرى إلى الإبقاء على الروابط التي ترسخ انتماهم إلى أصوله المغربيَّة وتيسر اندماجه الإيجابي في بلد الإقامة .وفي هذا الإطار ، يتم الالتزام بضمان تكافؤ الفرص بين جميع الأطفال المغاربة المهاجرين البالغين سن التمدرس في الاستفادة من تعليم جيد للغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة. كما تم اعتماد مختلف الكفايات والمواصفات وفق  الإطار المرجعي الأوروبي المشترك للغات[6] كما تم  اعتماد  المستويات  المرجعيَّة  الأساسيَّة  في هذا الإطار المرجعي  قاعدة  موحدة  لهندسة المنهاج والبرامج الدراسيَّة الخاصة بمستويات التمكن من اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة، بالنسبة  لأبناء  الجالية  المغربيَّة المقيمين بالخارج، تعلما وتعليما وتقويما. وهذه المستويات هي:   – مستوى المبتدئ في استعمال اللغة (Elémentaire)  – مستوى المستقل في استعمال اللغة  (Indépendant) – مستوى الخبير في استعمال اللغة (  Expérimenté).

 

كما أن اللغة العربيَّة المخصصة للتعلم  في  إطار برنامج  (إلكو (ELCOهي اللغة العربيَّة المعياريَّة المعاصرة  الميسرة،  التي  تتميز بكونها  ذات  طبيعة  وظيفيَّة  وعمليَّة، يكتسب بواسطتها المتعلم المعارف والمهارات والاستراتيجيات التي تمكنه من التواصل باللغة العربيَّة ومن الاطلاع على الثقافة المغربيَّة والإنتاج الأدبي وغير الأدب المكتوب  بها. وتعتمد في ذلك أهم قواعد النحو والصرف العربيَّة  الوظيفيَّة والأكثر تداولا وما  توافق مع الاستعمال المعاصر.[7] وعبر هذا النظام التعليمي فقد تمكنت وزارة التربية الوطنيَّة مديريَّة المناهج وبتعاون مع مؤسسة الحسن الثاني للجاليَّة المغربيَّة بالخارج، من  إنتاج وثيقة مرجعيَّة أساسيَّة رسميَّة كاطار منهاجي لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة شتنبر 2015. هذه الوثيقة التي يجب اعادة النظر في محتوياتها وفق المستجدات التي عرفها اليوم هذا الملف وكذا استحضارا لمختلف المستجدات التي عرفتها المنظومة التربويَّة المغربيَّة.

 

ومنذ سنة 2016 فقد بدأ العمل باعتماد التعليم الدولي للغات الاجنبيَّة EILE  حيث انطلق منذ الدخول المدرسي لهذه السنة مع اللغة البرتغاليَّة بفرنسا وذلك انطلاقا بتوقيع اتفاقيَّة بين البلدين بتاريخ 25 يوليوز 2016 حيث تم اعتبار اللغة البرتغاليَّة لغة حيَّة وسيتم تدريسها وفق هذا البرنامج الجديد والذي عوض تعليم اللغة والثقافة الاصليتين. وبهذا يتم التخلي عن برنامج ELCO بشكل تدريجي وتعويضه وفق الاتفاقيات الجديدة التي توقعها الدول المعنيَّة.

وحسب خطاب الرئيس الفرنسي “امانويل ماكرون بتاريخ 18 فبراير 2020 بمدينة ميلوز حيث أكد على ضرورة تعويض نظامELCO  بنظام التعليم الدولي للغات الاجنبيَّة EILE  ابتداء من الدخول المدرسي 2020. فإن هذا البرنامج الذي يوفر تعليما اختياريا للغة أجنبيَّة حيَّة، مدعوما بالإطار الأوروبي المرجعي المشترك للغات (CEFR) ، يهدف إلى الحصول على المستوى A1 في نهاية CM2.و يخصص هذا التعليم للمتعلمين من CE1 إلى CM2 خارج 24 ساعة الإجباريَّة في الأسبوع من التدريس. كما لا يتعلق الامر هنا بطلاب الكليَّة أو المدارس الثانويَّة. ويبلغ الغلاف الزمني المخصص لدروس  EILE  ساعة  ونصف (1.5H  )، بغض النظر عن اللغة التي يتم تدريسها والدولة الشريكة. وعلى هذا الأساس فقد وقع المغرب وفرنسا اتفاقيَّة ثنائيَّة بتاريخ 06 اكتوبر 2020 من أجل اعتماد هذا النظام الجديد لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة. هذه الاتفاقيَّة التي تضم 20 مادة والموقعة بالرباط. واطلع عليها أعضاء المجلس الحكومي بتاريخ 17 دجنبر 2020 حسب بلاغ للمجلس.

ومن هنا يظهر بأن ملف تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة قد عرف منذ اكتوبر 2020 تعديلات شملت السياسة اللغويَّة الجديدة وفق الإطار الاوروبي المرجعي  المشترك للغات، حيث انتقلت عمليَّة تعليم العربيَّة من نظام يعتبرها كلغة اصليَّة للمهاجرين وأبنائهم إلى لغة حيَّة أجنبيَّة من حق كل الدول تعلمها كلغة في اطار التعليم الدولي للغات الأجنبيَّة. ويعتبر هذا التعليم حسب الاتفاقيَّة، اختياريا، ويسمح بولوجه كما اشرنا سابقا لكافة التلاميذ المتطوعين بعد موافقة ممثليهم القانونيين ابتداء من السنة الأولى إلى غاية السنة الخامسة من التعليم الابتدائي، مشيرة إلى ضرورة أن يتماشى محتوى هذا التعليم مع الإطار الأوروبي الموحد للغات. وتتحمل الحكومة المغربيَّة، وفقا للاتفاقيَّة، أجور المدرسين المعينين من طرفها، وفق الحاجيات المحددة من طرف الوزارة الفرنسيَّة المكلفة بالتربية الوطنيَّة بعد مشاورات بين الطرفين، معلنة أن المدرسين يعينون من ضمن أطر التعليم الابتدائي المغربي مزدوجي التكوين العربي والفرنسي، والذين يتوفرون على مؤهلات بيداغوجيَّة ولغويَّة تمكنهم من ممارسة مهامهم بمدرسة فرنسيَّة.

وجاء في الاتفاقيَّة أيضا أن الهدف منها هو تمتين روابط الصداقة وتكثيف علاقة تعاون البلدين في مجال التربية، مشددة على أن تطوير تدريس اللغة العربيَّة في فرنسا يجب أن يحترم المبادئ الفرنسيَّة، وخصوصا في ما يتعلق بالعلمانيَّة والحياد وفق التشريع الفرنسي .وفي هذا الصدد أكدت الاتفاقيَّة على أهميَّة الاعتراف بالمجهود المنجز من قبل كل طرف من أجل تقديم تعليم لغة حيَّة ذي جودة لصالح تلاميذ المنظومة التربويَّة من الطرفين، مشيرة إلى أن الاتفاق يدخل ضمن سياسة تطوير فرنسا للغات الحيَّة ومخطط اللغات وإدراج لغة حيَّة في التعليم الإلزامي. ولضمان حسن تطبيق هذا الاتفاق، سيتم وفقا لمشروع القانون إحداث فريق عمل مشترك، تعيين كل من الحكومتين أعضاءه، موضحا أنه يتكلف بدراسة التطبيق العام للاتفاق وتحديد شروط هذا التعليم، ويجتمع مرة واحدة في السنة بمدينة باريس من أجل تحضير الدخول المدرسي، وكلما دعت الضرورة بالتناوب.[8]

كراض: وثيقة الإطار المرجعي لسنة 2015: الأهميَّة والمكونات

تعتبر وثيقة ” الإطار المرجعي لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية المغربيَّة بالخارج” والصادرة عن مديريَّة المناهج في شتنبر 2015 أهم وأبرز وأول وثيقة رسميَّة جامعة ومفصلة بطريقة دقيقة ومحترفة، حيث تتكون من 143 صفحة وتضم بين دفتيها تسعة فصول، يتناول الفصل الأول منها التعريف بالإطار المرجعي ومبادئه ووظيفته ومكوناته والفئات المعنيَّة به ومجال تطبيقه وكذا المنهجيَّة التي تم اعتمادها في إعداده. ويتناول الفصل الثاني الاختيارات والأهداف في مجال العنايَّة بتعليم أبناء الجالية المغربيَّة بالخارج. ويحدد الفصل الثالث الكفايات والمواصفات المستهدفة لدى المتعلم المغربي المستفيد من تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة. أما الفصل الرابع فيشير إلى الهندسة البيداغوجيَّة وتنظيم الدراسة حسب الأسلاك التعليميَّة والمستويات المرجعيَّة للتمكن من الكفايات اللغويَّة وما يعادلها من أسلاك ومستويات في التعليم النظامي. ويحدد الفصل الخامس طبيعة اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة ونوعيَّة المضامين اللغويَّة والثقافيَّة في هذا البرنامج. ويختص الفصل السادس بتوصيف البرامج الدراسيَّة. ويحدد الفصل السابع المقاربة البيداغوجيَّة والمقاربات الديداكتيكيَّة المعتمدة في تعلم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة وتدريسها. ويتناول الفصل الثامن طرائق التدريس والوسائل التعليميَّة وكيفيات استعمالها في الدروس. ويقدم الفصل التاسع والأخير التقويم والدعم وإجرءاته.

ومن خلال تصفحنا وقرائتنا لهذا المشروع التربوي، المنسجم من حيث الموضوع وكذا من حيث المنهجيَّة المتبعة في إعداده وإنتاجه، اتضح لنا بأن فريق الخبراء المكلفين بإنتاج هذه الوثيقة قد حاولوا تسابق الزمن واقترحوا افكارا جد حديثة في مجال الكفايات اللغويَّة والثقافيَّة وكذا مهارات اكتساب اللغة العربيَّة والتي لم يتم العمل بها داخل المغرب إلا بعد تنقيح المنهاج الدراسي منذ 2018 حيث أن الاشتغال والتركيز على المهارات الاربعة لتعلم اللغة العربيَّة والمتمثلة أساسا في الاستماع (الوعي الصوتي) والتحدث ( الكفايَّة التواصليَّة) ثم القراءة والكتابة. إذ تشكل هذه المهارات الأربعة تلك الركيزة الاساسيَّة والمنطلق البيداغوجي لتعلم اللغة العربيَّة وجميع اللغات  بشكل دقيق ومنهجي. نظرا لكون منهجيَّة تعليم أيَّة لغة جديدة بالنسبة للفرد وجب احترام التسلسل الطبيعي للحواس وبالتالي الانطلاقة من الوعي الصوتي أي اعتماد حاسة السمع والتركيز على مهارة الاستماع ( نتذكر هنا ما قاله ابو الدرداء ” إنما جعل لك اذنان اثنتان لتسمع أكثر مما تقول” ) ثم مهارة التحدث عن طريق اعتماد وضعيات تواصليَّة حقيقيَّة ووظيفيَّة بعدها اعتماد القراءة البصريَّة وفك الرموز بما فيها الحروف لنصل إلى مهارة ربط القراءة بالكتابة وتأجيل الفهم إلى مراقي متقدمة.

وبالتالي فالإطار المرجعي لسنة 2015 هو بدايَّة لضمان مأسسة برنامج تعليم اللغة العربيَّة لأبناء الجالية بالخارج نظرا لكون الموضوع حساس وغير مهيكل بشكل شمولي وكذا لتعدد المتدخلين فيه. كما أنه يشكل أول مرجع رسمي يحاول إبراز كخارطة طريق أهم الأسس التي تشكل ملامح منهاج اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة في دول الإقامة وعدة بيداغوجيَّة ملائمة.

وقد تم الاعتماد في بناء هذه الوثيقة على مشروع  أولي للمنهاج الخاص بتعليم اللغة العربيَّة تم إعداده من قبل في سنة 2009 حيث تمت الاشارة إلى ذلك في الوثيقة (الصفح الأخيرة)، كما تم إعدادها في ضوء المستجدات الوطنيَّة، وعلى الخصوص منها الدستور المغربي الجديد، وأيضا بالاستناد إلى الوثائق التربويَّة المؤطرة لتعليم اللغة والثقافة الأصليَّة ببعض الدول، سيما بأوربا، وهي وثائق مختلفة ومتنوعة، في شكلها ومضمونها، تم تنسيقها في تصور موحد يحدد الغايات والأهداف من تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية المغربيَّة ويوفر العناصر الأساس للمنهاج التربوي: البرامج الدراسيَّة، والمواصفات المنتظرة لدى المتعلم، والمقاربة البيداغوجيَّة، والتنظيم التربوي، والكتب المدرسيَّة والوسائل والمعينات الديداكتيكيَّة، وسائر المستلزمات الكفيلة بتلبيَّة احتياجات أبناء الجالية في مجال تعلم اللغة العربيَّة والقيم والمعارف المرتبطة بمقومات الهويَّة والثقافة المغربيَّة، بتعدد روافدها، وذلك في تكامل مع ثقافات بلدان الإقامة وانفتاح تام على مقومات الحضارة الإنسانيَّة. يتوخى “الإطار المرجعي لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية المغربيَّة المقيمين بالخارج” تقديم الموجهات العامة الضروريَّة لبناء كفايات أبناء وبنات المغاربة بالخارج، والارتقاء بها ومساعدتهم على الاندماج والانخراط في أوراش التنمية حيثما كانوا. وذلك في انسجام وتكامل مع ما تقوم به الأنظمة التربويَّة الجاري بها العمل في الدول المحتضنة لهذا البرنامج التربوي والتعليمي.  ومن خلال الوثيقة يروم هذا الإطار المرجعي المساهمة في تحقيق الغايات والأهداف الآتية[9]:

أ. ترسيخ التشبث بمقدسات الأمة لدى أبناء الجالية والاعتزاز بالانتماء إلى المغرب وحضارته العريقة، والانخراط في المسار الراسخ لبناء مجتمع ديمقراطي حداثي متشبث بهويته المغربيَّة الأصيلة والموحدة، الغنيَّة بتعدُّد روافدها.

ب. تأطير أبناء الجالية المغربيَّة لتحقيق النجاح في تحصيلهم الدراسىي عبر تعليم ملائم ومتنوع ومنفتح يسهم في المحافظة على الهويَّة المغربيَّة ويدعم الامتلاك الواعي لثقافة بلد الإقامة، ويعزِّز التعدّد الثقافي وتنوعه.

ج- تكوين كفاءات مغربيَّة من أبناء الجالية، تتقن اللغة العربيَّة ولها معرفة بالثقافة المغربيَّة، بتنو ع روافدها، وفي سائر أبعادها، لتكون جسرا لتوطيد علاقات التعاون المشترك.

د- المساهمة في تكوين خبراء مغاربة من أبناء الجالية متخصصين في مختلف الميادين، وتعبئة طاقاتهم للمساهمة في تنمية بلدهم وتحديث مجتمعهم.

ج – التعريف بقيم الحضارة المغربيَّة الموسومة بالتفتح والتسامح والاعتدال، إسهاما في تعزيز التعارف والتقارب فيما بين الشعوب والثقافات ضمن صرح الحضارات الإنسانيَّة.

وتعتبر هذه الوثيقة، كما اشرنا سابقا، المرجع الرسمي المؤطر لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية بالخارج في جميع مجالاته بالابتدائي والثانوي، العام والتقني في العرضين العمومي والخصوصىي والنظامي وغير النظامي.

كوز: الإطار المرجعي بين الواقع والآفاق المستقبليَّة

إن مقاربة تعليم اللغة لدى أفراد الجالية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التعدُّد اللغوي للمجتمع المغربي الذي يعكس التنوع والتعدديَّة الثقافيَّة والإثنيَّة ، خصوصا وأن التطورات التي عرفها المغرب خلال العشر سنوات الأخيرة سارت بخطى وئيدة نحو دعم الحقوق الثقافيَّة ومن ضمنها الحقوق اللغويَّة التي كرسها دستور 2011. فالاهتمام بهذه الحقوق وتكريسها دستوريا يعد من أسس بناء المجتمعات المعاصرة التي تسود فيها قيم التعدد والحوار والوفرة الثقافيَّة. وبالإضافة إلى ذلك يعتبر الشخص المهاجر أو المنحدر من فضاء الهجرة حاملا ومجسدا لقيم التعدديَّة الثقافيَّة بامتياز ومؤهلا بفعل وضعه للعب دور الوسيط الثقافي بين المجتمعات، أو على الأقل بين مجتمعه الأصلي ومجتمع إقامته. وبالتالي فان استحضار هذه المستجدات الحقوقيَّة واللغويَّة والثقافيَّة التي شهدتها الساحة الوطنيَّة منذ التعديل الدستوري تبقى هي الموجه الرسمي للفلسفة التربويَّة والثقافيَّة بالمغرب وفي تعامله مع الدول الاخرى بما فيها الاوروبيَّة. أي أن ايَّة وثيقة لا تأخذ بعين الاعتبار هذه المكتسبات الوطنيَّة تبقى في حاجة إلى تعديل والى تجديد وفق متطلبات المرحلة الراهنة والتي انخرط فيها المغرب بشكل رسمي.

ولهذا فالمرحلة الحاليَّة تتطلب في هذا السياق، وبموازاة مع التحولات الديموغرافيَّة والسوسيوثقافيَّة التي تعرفها الجاليات المغربيَّة بالخارج، إعادة النظر في الخدمات التي توفرها الدولة لمغاربة العالم بشكل يسمح بجعلها أكثر استجابة لحاجيات تلك الجاليات، وأكثر استشرافا للتطورات التي ستعرفها مستقبلا. فهناك اليوم شعور بنوع من الإحباط في سياسة تدريس اللغة العربيَّة خاصة عندما نلاحظ المعاناة التي يولدها البرنامج لدى الفئات المستهدفة الرئيسة، والفاعلين الممثلين في المدرسين، ولدى المسؤولين والفاعلين في بلدان الإقامة، على حد سواء. فحسب الفصل الخامس للدستور فاللغة العربيَّة واللغة الامازيغيَّة هي اللغتان الرسميتان للدولة وبالتالي لابد من استحضار هذا المعطى الدستوري والقانوني… حيث أضحى الطابع المتعدد للفضاء اللغوي المغربي (العربيَّة، الدارجة المغربيَّة بمختلف تقسيماتها الجهويَّة، الحسانيَّة، الأمازيغيَّة بأقسامها الثلاثة) واقعا يكرسه الدستور الجديد للمملكة. وهو واقع يعكس تعدد مستويات الهويَّة المغربيَّة التي تنتج عنها مطالب معينة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في مقاربة مسألة تدريس اللغة والثقافة المغربيتين لأبناء أفراد الجالية.دون  أن ننسى بان الأخذ بعين الاعتبار من الآن فصاعدا تلك التحولات الجديدة للجاليَّة والتي تتجلى على الخصوص في اتجاهها أكثر فأكثر إلى التجذر في البلدان التي تقيم فيها والتي تشكل أجيالها  الأكثر حداثة جزءا  لا يتجزأ من مواطنيها. يعني ذلك أن الأساس الذي بنيت عليه سياسة تدريس اللغة والثقافة العربيَّة في بدايته لم يعد قادرا على مواكبة التطورات التي تعرفها جاليات مغربيَّة تعيش تحولا مستمرا في مجتمعات تتقاسمه مع جاليات منحدرة من أصول أخرى غير مغربيَّة بالإضافة إلى المواطنين الأصليين.

ولهذا فإن أيَّة مقاربة لسياسة تدريس اللغات والثقافات الوطنيَّة  والرسميَّة لأبناء الجاليات المغربيَّة بالخارج يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مطالب أفراد الجالية المغربيَّة (الآباء والامهات)، وانتظارات الفئة المستهدفة بشكل مباشر (المتمدرسين)، وسياسات بلدان الإقامة، ومصالح الدولة المغربيَّة. كما أن عليها أن تعالج معادلة صعبة تحاول الجمع بين ضرورة الحفاظ على الروابط الثقافيَّة بين مغاربة العالم وبين وطنهم الأصلي، وتشجيع اندماجهم الكامل في البلدان التي أصبحوا يمثلون جزءا من مواطنيها.

وفي هذا الإطار لابد من التذكير بأنه أصبح من اللازم اليوم استحضار كل هذه المعطيات السالفة الذكر  من أجل خلق مبادرة وطنيَّة تعمل على مراجعة السياسة التربويَّة الخاصة بتدريس اللغات والثقافات الوطنيَّة لأبناء الجاليات المغربيَّة بالخارج على مستوى مضامين التكوينات المقترحة، وبرامج التدريس ومناهجه، والبيداغوجيا والحكامة، سعيا إلى ضمان جودة ونجاعة التكوين، وملاءمته مع واقع الأطفال المغاربة بالخارج، حتى يستجيب بذلك للانتظارات الحقيقيَّة للفئات المستهدفة.[10]

على سبيل الختم:

ختاما، يبقى ملف تعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية ذلك الملف المهم والشائك في نفس الوقت نظرا لحساسيته المطلقة وكذا لكونه يشكل جسرا  يربط العلاقة بين المهاجر المغربي ووطنه المغرب، ولكونه هو مرآة للسياسة التربويَّة المغربيَّة بالخارج والقناة الرسميَّة لترسيخ الهويَّة الوطنيَّة وتربية الاجيال القادمة على تلك القيم الوطنيَّة والدينيَّة والثقافيَّة المتجدرة في الحضارة المغربيَّة عبر التاريخ. ومن أجل الحماية وبناء المناعة الهوياتيَّة والثقافيَّة فلابد من جعل هذا الملف ضمن الأولويات الأساسيَّة لدى جميع الادارات المغربيَّة بشكل عام والبعثة التعليميَّة المغربيَّة بالخارج بشكل خاص. والعمل على اعداد منهاج دراسي ومقررات وبرامج تعليميَّة مناسبة وتستحضر كل التغييرات والديناميَّة الحقوقيَّة واللغويَّة والثقافيَّة التي عرفتها المملكة المغربيَّة منذ 1999 سنة تولي جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، العرش  ومع مقتضيات الدستور الجديد لسنة 2011. فالعنايَّة بجدور الشجرة هو الذي يمكن الفروع من النمو السليم كما أنه لا يمكن لأيَّة شجرة أن تنمو إلا بجذورها الأصليَّة.

المراجع المعتمدة:

  • وثيقة الإطار المرجعي لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية المقيمين بالخارج – مديريَّة المناهج – شتنبر 2015
  • نص التقرير الموضوعاتي حول تقييم تأثير تدريس اللغة العربيَّة على التمكن من اللغة والثقافة عند الجالية المغربيَّة المقيمة بالخارج. صادر عن المجلس الاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بشراكة مع مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج سنة 2017.
  • مقال بعنوان ” الصورة الجليَّة لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجالية” لحسن تفروت بموقع هسبريس بتاريخ 19 اكتوبر 2015.
  • احمد سراج مقال حول الدين واللغة بموقع: https://www.ccme.org.ma/ar/opinions-ar/32138  بتاريخ الزيارة : 08 شتنبر 2021
  • Rapport de l’inspection générale de l’éducation nationale n°2005-090 mars 2006 sur l’enseignement de la langue et de la culture d’origine.
  • Accord France- Maroc portant sur l’enseignement de la langue Arabe dans le cadre de l’EILE – signé à Rabat le 06 Octobre 2020.
  • Le Cadre Européen Commun de Référence pour les langues. Unité des Politiques linguistiques, Strasbourg-  coe.int/lang-CECR
  • Marocains de l’Extérieur 2017 – Fondation H2 pour les marocains résidants à l’étranger.
  • la directive européenne 77/486/CEE du 25 juillet 1977 visant à la scolarisation des enfants des travailleurs migrants.
  • https://www.hespress.com// اتفاقيَّة تتيح للمغرب تعليم العربيَّة بالمدارس الفرنسيَّة /   محمد قاسم بتاريخ الجمعة 18 دجنبر 2020

[1] Selon la directive européenne 77/486/CEE du 25 juillet 1977 visant à la scolarisation des enfants des travailleurs migrants.

[2]  التقرير الموضوعاتي : تقييم تأثير تدريس اللغة العربيَّة على التمكن من اللغة والثقافة  عند الجاليَّة المغربيَّة المقيمة بالخارج سنة 2017 الذي انجزالمجلس الاعلى للتربيَّة والتكوين والبحث العلمي بشراكة مع مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج.

[3]  المبادرة الملكيَّة خلال صيف 2021 والتي استجاب من خلالها جلالته لنداءات ابناء الجاليَّة الراغبين لزيارة بلدهم وتعليماته لتخفيض تكلفة السفر عبر الطائرة وتوفير جميع الاجراءات لعمليَّة مرحبا 2021.رغم توثر العلاقات مع الجارة اسبانيا.

[4]  فرنسا: تقرير يقترح تعليم اللغة العربيَّة في المدارس العموميَّة (france24.com) اطلعت عليه بتاريخ 28/08/2021

 

[5]  الإطار المرجعي لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة لأبناء الجاليَّة المغربيَّة المقيمين بالخارج –  مديريَّة المناهج – شتنبر 2015.

[6] Cadre Européen Commun de Référence pour les Langues.

[7]  وثيقة الاطار المرجعي لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة  ص 38

[8] https://www.hespress.com// اتفاقيَّة تتيح للمغرب تعليم العربيَّة بالمدارس الفرنسيَّة /   محمد قاسم بتاريخ الجمعة 18 دجنبر 2020

[9]  الاطار المرجعي لتعليم اللغة العربيَّة والثقافة المغربيَّة – المرجع السابق ص 04

[10]  احمد سراج مقال حول الدين واللغة بموقع:  https://www.ccme.org.ma/ar/opinions-ar/32138 تاريخ الزيارة : 08 شتنبر 2021.
_____________
*امحمد عليلوش: مفتش تربوي ممتاز.

جديدنا