الوزاد دارسًا وباحثًا في الفكر الفلسفي بالأندلس

image_pdf

قراءة في رسالته الجامعية “نشأة الفكر الفلسفي في الأندلس”

يعد المرحوم محمد  الوزاد من أبرز الشخصيات العلمية والفكرية التي اشتغلت على تراث الأندلس  الفلسفي والفكري والصوفي  والمنطقي في القرن الثالث إلى القرن الخامس الهجري،  فقد كانت له عناية بالغة بالظروف السياسية والثقافية والفكرية التي كانت عليها  الأندلس في هذه القرون،  وأثرها في بناء وتركيب الفكروالاجتهاد الفلسفي،  وباقي   العلوم، التي منها الشرعية واللغوية والادبية.

وقد قدم المرحوم محمد  الوزاد رسالة جامعية اختار لها اسم  “نشأة الفكر الفلسفي في الأندلس” أشرف عليها المرحوم محمد عابد الجابري وناقشها المرحوم الفيلسوف الحبيب الشاروني، بمعية الفيلسوف المغربي علي امليل.

وقد اخترنا التعريف بهذه الشخصية العلمية وبرسالته الجامعية في ربيع الفكر الفلسفي الأندلسي  الذي عقد يومي 29-30 ابريل بتونس وشرفنا المنظمون بحضوره، لكن ظرف حالت ومنعت حضورنا في هذا الملتقي الفلسفي، فاخترنا مقاسمة ومشاركة هذه الورقة مع القراء والدارسين للفكر الفلسفي الأندلسي.

تقديم

ما زالت الأندلس بحاجة إلى مزيد  من البحث والدراسة والمتابعة الأكاديمية والعلمية لتراثها الفكري والفلسفي الذي انتعش في القرن الخامس الهجري ، وهوالقرن  الذهبي في الحضارة الأندلسية، بحيث ازدهرت العلوم باختلاف أصنافها، وأنواعها  منها الشرعية والعقلية واللغوية والفلسفية، وقد تطورت هذه العلوم بفضل التأثير الذي مارسته الرحلة الذي قام بها علماء الأندلس والمغرب إلى المشرق،  بحيث نقلوا كثيرا من هذه  العلوم  وحملوا كثيرا من هذه المصنفات،  ما أدى إلى ازهار العلوم النقلية بجانب العلوم العقلية.

ومن الشخصيات الفلسفية في الأندلس، شخصية  ابن حزم الأندلسي، فهو من أبرز الشخصيات الفلسفية الأندلسية، التي عملت على تقريب المنطق إلى علوم الشريعة عامة وعلم أصول الفقه بشكل خاص الإمام ابن حزم الأندلسي، وهو ما جعله يخص علم المنطق بكتاب اختار له اسم “التقريب لحد المنطق”.

ويعد المستشرق الإسباني مجيل آسين بلاثيوس Miguel Asin Placios (1871-194من اكثر المستشرقين عناية واهتماما بشخصية ابن حزم وبثراته ومؤلفاته…..فلقد  ترجم كتاب الفصل من العربية  إلى الاسسبانية وصدره بمقدمة حول حياة ابن حزم وتراثه .وجاءت هذه المقدمة جامعة وشاملة….وقد اعتبرت هذه المقدمة مرجعا لمن طلب البحث في شخصية ابن حزم ومؤلفاته….

لقد اشتغل ابن حزم على المنطق  في بيئة وثقافة تعارض الممارسة بالمنطق بالمرة،  تتحدد في رفض الممارسة المنطقية  [1].

بحيث عارض الفقهاء المنطق جملة تفصيلا، وهو ما  كشف عنه الحاج ابن طملوس ت620ه  في كتابه “المدخل إلى صناعة المنطق” حيث قال :” فإني رأيتها –صناعة المنطق- مرفوضة  عندهم مطروحة  لديهم ..لا يلتف إليها .وزيادة على هذا أن  أهل زمننا  ينفرون  عنها…….   “[2].

لكن رغم هذا الرفض والتنكر للممارسة المنطقية بالأندلس،  فلقد كانت لمؤلفات ابن حزم الأثر القوي والفعل المباشر في إدخال المنطق إلى الأندلس….[3]

وقد أشار اليه في مقدمة كتابه التقريب لحد المنطق،  أن التقصير في طلب المنطق  يعد عائقا في الاستدلال، وفي تفهم النصوص الشرعية، وقد صرح بذلك في مقدمة كتاب التقريب لحد المنطق بهذا التصريح  :”وليعلم العالمون ان من لم يفهم هذا القدر فقد بعد عن الفهم عن ربه  وعن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجيز له أن يفتي بين اثنين لجهله بحدود الكلام  وبناء بعضه على بعض …”.[4]

وقد  انجز المرحوم الدكتور سالم يفوت  دراسة جامعية حول المنطق بين الغزالي وابن حزم،   وهي الدراسة المنشورة بمجلة كلية الآداب الرباط العدد الخاص بندوة الإمام الغزالي سنة :1986، وفيها يثبت الريادة لابن حزم الأندلسي في ممارسة المنطق بالأندلس.

كما شارك  الدكتور عبد المجيد تركي  ببحث بعنوان : موقف ابن حزم الأصولي من منطق أرسطو، قدمه  ضمن ندوة :الفكر العربي والثقافة اليونانية .منشورات كلية الآداب الرباط.-المنطق عند الغزالي لرفيق العجم .دار الشروق 1885.

ومن الدراسات مقاربة الدرس المنطقي عند ابن حزم :

-ابن حزم والفكر الفسلفي في المغرب والأندلس لسالم يفوت.المركز الثقافي العربي :1986.

-المنطق عند ابن حزم بين الأصول الأرسطية والنزعة الظاهرية لعبد المالك بن عباس. رسالة جامعية مرقونة كلية أصول الدين قسنطينة:2011.

– اثر المنطق اليوناني في المنهج الأصولي عند ابن حزم للدكتور محمد بواليت .أطروحة مرقونة بكلية الآداب الرباط المغرب:2003

وقد أشاد ابن حزم بالمنطق، ورفع من شأنه وقيمته العلمية، واعتبر الاطلاع عليه ضرورة لا غنى عنها لكل من تصدى للإفتاء والاستدلال والبرهان، أو قصد الفهم للنصوص الشرعية.لأن المنطق  يتصف بقوة التمييز التي بها يفهم خطاب الله سبحانه على حقيقته التي تقرها اللغة العربية،  ونحكمها ضوابط الفهم. وهوفي أحد جهاته هو السبيل إلى معرفة الأشياء على حقيقتها…”.[5]

كما أشاد بكتابه التقريب لحد المنطق،  ورفع  من شأنه وقدره  فقال : “فهو  كتاب جليل المنفعة عظيم الفائدة لا غنى لطالب الحقائق عنه فمن أحب أن يقف على الحقائق فليقرأه” .[6]

وكان  لابن حزم الأندلسي إشارات ومشاركات واسعة في تقريب صناعة المنطق إلى علم أصول الفقه، كما تدل على ذلك مقدمة كتاب التقريب لحد المنطق.إذ اشترط على الفقيه أن يكون على اطلاع على المنطق .متمكنا من آلياته لأنه الأداة المعينة على تفهم الخطاب الشرعي.وعلى الاستنباط والاستدلال .[7]

وقد جعل  ابن حزم   قيمة العلوم في ما تحققه من انتفاع، وما تسديه من خدمات، وهو  يعني انه ضد العلوم  التي لا تحقق  المنفعة ، أي والتي لا تسدي  أية منفعة دينية أو دنيوية…..[8].

تركيب

ان هذا  التقارب بين العلمين والتواصل بين علم الأصول وعلم المنطق الذي أرسى دعائمه الإمام الغزالي ت 505 ه،  واستمر  مع ابن حزم الأندلسي في الأندلس،  كان الهدف منه حل القضايا   والمشاكل التشريعية الذي تطرحها القضايا الطارئة والنوازل الجديدة  والأقضية المستحدثة في المجتمع الأندلسي.

[1] -حاولت كثير من الدراسات مقاربة الدرس المنطقي عند ابن حزم :

-ابن حزم والفكر الفسلفي في المغرب والأندلس لسالم يفوت.المركز الثقافي العربي :1986.

-المنطق عند ابن حزم بين الأصول الأرسطية والنزعة الظاهرية لعبد المالك بن عباس. رسالة جامعية مرقونة كلية أصول الدين قسنطينة:2011.

– اثر المنطق اليوناني في المنهج الأصولي عند ابن حزم للدكتور محمد بواليت .أطروحة مرقونة بكلية الآداب الرباط المغرب:2003


[1] -نشاه الفكر الفلسفي في الاندلس محمد الوزاد مجلة كلية الاداب فاس العدد 4   السنة : 1980ص:123

[2] -المدخل إلى صناعة المنطق للحاج ابن طملوس نشر المستشرق بلاثيوس:114.

[3] -الأثر الأرسطي في البلاغة والنقد لعباس ارحيلة :.منشورات كلية الآداب الرباط: 244

[4] –  التقريب لحد المنطق يقع ضمن رسائل ابن حزم الاندلسي التي حققها المرحوم احسان عباسج4ص:22 .

[5] – الإحكام  في أصول الاحكام لابن حزم:- ج1/ص:4

[6] – نفسه  ج5 – ص 82.

[7] يراجع بحثنا : علم أصول الفقه وتداخل العلوم .مجلة التفاهم العدد:32 صيف:2011. ص:171

[8] – رسائل ابن حزم الاندلسي :4/152

وسوم:

اترك رد

جديدنا