نظريَّة الصراع الاجتماعي الإيجابي عند لويس كوزر

image_pdf

(قراءة تحليليَّة – نقديَّة)

إنني مهتم ومعني أساساً بوظائف الصراع الاجتماعي أكثر من اهتمامي بوظائفه السلبية أو اللا وظيفية، إنني معني بتلك النتائج المترتبة على الصراع الاجتماعي، التي تزيد وتنمي تكيف وتوافق علاقات اجتماعية ما أو جماعات معينة “. لويس كوزر

تمهيد: يضم مصطلح ” الصراع الاجتماعي ” في أكثر مستوياته عمومية، مجموعة من الظواهر تتراوح بين الخلافات والمشاحنات الشخصية إلى الصراع الطبقي، وهو يضم المنافسات والصراعات الدولية والحروب.

يعترف لويس كوزر  Lewis A. Coser عالم اجتماع أمريكي (1913- 2003) بأنه ليس ثمة نظرية قائمة في الصراع الاجتماعي تستوعب هذه الظواهر كافة. كما أنه ليس معنياً ببناء مثل هذه النظرية الغامضة، بل إنه يعتبر عمله مجهوداً فكرياً لتوضيح مفهوم الصراع الاجتماعي ومحاولة لتوحيد الأطر التصورية الوثيقة الصلة بمعطيات الصراع الاجتماعي. أما عن منهجه فيتمثل في تطوير وتوضيح الأفكار والرؤى الثاقبة المستمدة من كتاباتجورج زيمل*.

تناول كوزر مشكلات الصراع الاجتماعي. في كتابين: ” وظائف الصراع الاجتماعي ” 1956، و       ” الاتصالات الفكرية في دراسة الصراع الاجتماعي “1967، وهو يشير إلى أن اهتمامه بفكرة الصراع ينصب على الكشف عن الوظائف الإيجابية التي يقوم بها الصراع الاجتماعي أكثر مما يحاول إظهار المعوقات الوظيفية له، ويعني ذلك إبراز النتائج المترتبة على وجود الصراع، والتي تؤدي إلى زيادة قدرة العلاقات الاجتماعية أو الجماعات على تحقيق التكيف أو التلاؤم في المجتمع بدلاً من إظهار تلك النتائج التي تقلل من قدرة هذه العلاقات الاجتماعية والجماعات على القيام بهذا التكيف. ذلك أنه بدلاً من أن يكون الصراع عاملاً سلبياً يفرق المجتمع ويمزق أوصاله، يمكن أن يحقق هذا الصراع عدداً من الوظائف المحددة بالنسبة للجماعات أو لغيرها من العلاقات الجماعية فهو يسهم مثلاً في المحافظة على حدود الجماعة ويمنع انسحاب أعضائها منها.

أولاًأحداث السياق الاجتماعي وتفاعلاته في تأسيس مفهوم الصراع الاجتماعي عند كوزر: لقد جمع لويس كوزر(2000-1913) Lewis Coser ، كغيره من منظري الصراع بين مهنة أكاديمية مميزة واهتمام قوي وانخراط في السياسة الاجتماعية والسياسة. ولد في برلين لعائلة يهودية، وكان والده مصرفياً تربطه به علاقة عدائية، وبسبب انخراطه في الحركة الطلابية الاشتراكية، غادر ألمانيا عندما تسلم هتلر السلطة، وتبع ذلك سنوات تعيسة قضاها في باريس حيث كان دون تصريح عمل. وعاش كوزر فوق مستوى الكفاف تماماً، ورغم ذلك فإن التسجيل في جامعة السوربون كان مجاناً، ودرس كوزر فيها الأدب المقارن وقدم عنواناً لأطروحة يقارن فيها بين روايات القرن التاسع عشر في كل من فرنسا وبريطانيا، وألمانيا بالاستناد إلى البناءات الاجتماعية المختلفة لتلك البلدان، لكن أستاذه صرح برهبة ” هذا علم اجتماع وليس أدب مقارن ” ولذلك، يوضح كوزر “ لقد تحولت إلى علم الاجتماع، والتحقت به منذ ذلك الحين “.

وإيان نشوب الحرب اعتقل كوزر كعدو أجنبي، لكن أفرج عنه بمساعدة محافظ اشتراكي محلي. سعى كوزر للحصول على الفيزا كلاجئ سياسي، ووصل بعد ذلك إلى نيويورك عن طريق إسبانيا والبرتغال، وبعد الحرب، درس في جامعة شيكاغو لفترة وجيزة، قبل أن يحصل على درجة الدكتوراه من جامعة كولومبيا، قضى تقريباً عشرين عاماً في جامعة برانديس، ومن عام 1968-1988 كان أستاذاً مميزاً لعلم الاجتماع في جامعة نيويورك الحكومية، في ستوني بروك. ومنذ أن تقاعد في عام 1988، بقي أستاذاً فخرياً لعلم الاجتماع في جامعة نيويورك الحكومية في ستوني بروك، وأستاذاً لعلم الاجتماع في كلية يوستون.

ظل كوزر اشتراكياً، مع أنه لم يكن ماركسياً، وقد عكست كتاباته دائماً اهتمامه بالسياسة والربط بين الأفكار وطبيعة المجتمع، وأسس بالاشتراك مع إرفنج هاو Irving Howe‏  معارضة خلال السنوات المظلمة لكابوس المكارثية([1]) McCarthy لينشق عن تعصب وجبن العديد من المفكرين الناطقين باسم المكارثية والذين يميزون تلك السلسلة من الأحداث الموحشة. اشترك كوزر كذلك بصورة متكررة في مجلات جادة أخرى غير متخصصة، كما اشترك في مؤلف مشترك حول تاريخ الحزب الشيوعي الأمريكي والذي أهداه إلى ميلوفان جيلاس Milovan Djilas .

ومن الأعمال المتأخرة لكوزر، عمله حول ” المؤسسات الجشعة Greedy Institutions ، التي تطلب من أعضائها انهماكاً كلياً فيها. يقول كوزر ذلك في وجه الإدانات المشوشة لخاصية الحياة الحديثة المتمايزة والمجزأة والمغتربة. لقد شعر بأنه ملتزم أدبياً للإشارة إلى تهديد الحرية الإنسانية الملازم للانهماك والاستخدام الكلي. ويكتب: ” أرغب بأن يكون مفهوماً بوضوح، بأنني اعتبر من الضروري الحفاظ على المجتمع المفتوح فوق كل ذلك “.

ومن بين المنظرين المحدثين، يعتبر كوزر الأقرب إلى جورج زيمل. إنه الأكثر اهتماماً بـ ” شبكة الصراع “، أو الولاءات المتعارضة، والتي يمكن أن تؤدي التحام المجتمع ببعضه، وكذلك تولد الصراعات والتعارضات. إن الكتاب الأساسي لكوزر في نظرية الصراع هو “ وظائف الصراع الاجتماعي“، وهو شرح وتطوير لرؤى زيمل المبعثرة، ويؤكد كوزر بأنه على الرغم من أهمية الصراع، إلا أنه يمثل فقط جانباً واحداً من الحياة الاجتماعية كما أنه لا يزيد في أهميته وجوهره عن الإجماع.

إن إسهامات كوزر في نظرية الصراع تتميز كذلك في ناحيتين: الأولى، إنه يناقش الصراع الاجتماعي باعتباره نتيجة لعوامل أخرى غير جماعات المصالح المتعارضة. الثانية، أنه مهتم بنتائج الصراع. وكما رأينا في المقال السابق ” نظرية الصراع الاجتماعي المعاصرة عند رالف داهرندورف (دراسة تحليلية – نقدية) ” كيف انصب اهتمام داهرندورف الأساسي حول أصول الصراع التي تنتج التغير الاجتماعي. نجد أن كوزر يمتلك القليل مما يقوله حول العوامل الجوهرية المسببة للصراع، لكنه يميز بين نتائجه المحتملة المختلفة، والتي تتضمن استقراراً اجتماعياً كبيراً كما تتضمن التغير. إن مناقشته للشروط التي يحتمل أن يكون الصراع من خلالها انقسامياً أو تماسكياً تضيف الشيء الكثير لتحليل داهرندورف المتعلق بخصائص الصراع.

ثانياً– الصراع الاجتماع عند لويس كوزر: يعرّف كوزر مفهوم الصراع الاجتماعي بوصفه ” نضالاً حول القيم، وأحقية المصادر والقوة والمكانة النادرة، وحيث يستهدف الفرقاء المتخاصمين من خلاله، تحييد منافسيهم أو الأضرار بهم أو التخلص منهم “. كما أنه يتمثل في تلك الحالة التي يكون فيها هدف الجماعات المتصارعة التخفيف من حدّة الضرر أو الإصابة أو التخلص من منافسيهم. كما قام كوزر بدراسة كل من وظائف الصراع والأضرار أو المعوقات أو الخلل الوظيفي Dysfunction الناجم عن الصراع.

بمعنى آخر، يذهب كوزر إلى أن الصراع يسهم داخل الجماعة في إقامة الوحدة والاتساق عندما تكون الجماعة مهددة بالمشاعر العدائية والمتعارضة بين أعضائها. وتتوقف فائدة الصراع في تحقيق التكيف الداخلي على نمط المسائل المتصارع عليها ونمط البناء الاجتماعي الذي يظهر داخله الصراع. كما بين كوزر أن الصراع يمكن أن يزيد من التوافق والتكيف والاحتفاظ بالحدود بين الجماعات ولا يؤدي إلى التفكك والانحلال الاجتماعي. أي إن الصراع يؤدي وظيفة إيجابية كما يؤدي إلى الإحباط الوظيفي، حيث إن الصراع يعمل على زيادة التوافق والتكيف داخل المجموعة أو الجماعة الواحدة، وبالتالي يؤدي إلى وظائف إيجابية. وفي هذا الصدد يقول كوزر ” إنني مهتم ومعني أساساً بوظائف الصراع الاجتماعي أكثر من اهتمامي بوظائفه السلبية أو اللا وظيفية، إنني معني بتلك النتائج المترتبة على الصراع الاجتماعي، التي تزيد وتنمي تكيف وتوافق علاقات اجتماعية ما أو جماعات معينة “.

نظر كوزر إلى المجتمع كوحدة نسقية يتكون من أجزاء مترابطة، ولكن يختلف عن الوظيفيين بقوله بإمكانية اللا مساواة والتباين في البناء الاجتماعي، حيث أراد بذلك أن يلفت نظر معاصريه من الباحثين في علم الاجتماع بما تقوم به الصراعات من دور حاسم في الحياة الاجتماعية عن طريق إبرازه للإسهامات التي تقوم بها هذه الصراعات في تحقيق التكامل وتعني هذه المحاولة من جانبه رؤية جديدة للصراع الاجتماعي دون التخلي عن الإطار التصوري للوظيفة.

وقد أرجع  كوزر مصادر الصراع ومنابعه إلى الطموحات الفردية بدلاً من أن يرد منابع الصراع إلى الخواص المميزة للبناء الاجتماعي. وكان مهتماً بأن يبرز أثر الصراعات الاجتماعية في البناء الاجتماعي أكثر من اهتمامه بالكشف عن أثر البناء الاجتماعي في خلق الصراع كما يفعل ماركس، وهو يرى أن البناء الاجتماعي يحدد الشكل أو المظهر الذي تتبدى فيه الصراعات الاجتماعية، كما يحدد شكل الحلول التي تتخذ لوضع حد لتلك الصراعات، ولكن منبع الصراع الاجتماعي لا يكمن في بناء المجتمع بل في مصادر أخرى. كما أنه لم يفرد أهمية كبيرة لفكرة التعارض بين مصالح الجماعات المتصارعة رغم أن هذه الفكرة تلعب دوراً حاسماً في الاتجاهات الصراعية الأخرى. ويبدو أنه قد استلهم تحليله للصراع كصورة من صور التفاعل بين الأفراد من فكر جورج زيمل، أكثر مما استلهم هذا التحليل من أفكار ماركس أو جمبلوفتش.

وعموماً يمكن إجمال إسهامات كوزر حول نظرية الصراع الاجتماعي في نقطتين أساسيتين، الأولى: مناقشته للصراع الاجتماعي Social conflict، باعتباره نتاجاً لمجموعة من العوامل، أكثر منه ارتباطاً ونتاجاً لمصالح الجماعات المتصارعة interests of conflicting groups، أما الثانية: اهتمامه بدراسة نتائج الصراع the consequences of conflict. ومن هذا المنطلق وضع كوزر تصور للمجتمع يؤكد على ما يلي:

1- يمكن النظر إلى العالم الاجتماعي كنظام أو نسق من الأجزاء المترابطة بشكل مختلف.

2- في كافة الأنساق (المنظومات الاجتماعية) يظهر اختلال التوازن والتوترات والصراعات المصلحية بين مختلف الأجزاء المترابطة.

3- العلميات داخل وبين مختلف الأجزاء التي يتألف منها النظام تعمل في ظل ظروف من أجل صيانة وتغيير وزيادة أو تقليل تكامل وتوافق النظام.

4- كثير من العمليات كالعنف والتفكك والانحراف والصراع والتي تعتبر مفككة للنظام يمكن اعتبارها في ظل ظروف معينة معززة لأسس التكامل في النظام وأيضاً لقدرة النظام على التوافق مع البيئة.

رابعاً- أصل الصراع الاجتماعي عند كوزر: اهتم كوزر ضمن مناقشته لمصدر الصراع الاجتماعي، بالدور الذي تلعبه عواطف الناس People Emotions في ظهور الصراع الاجتماعي. فلقد أكد على آراء زيمل حول مدى تأثير عواطف الناس على ظهور الصراع العدائي وخاصةً بين الأفراد الذين تجمعهم علاقات اجتماعية قوية، حيث تظهر مظاهر الحب والكراهية بصورة واضحة، ضمن إطار هذه العلاقات والتي تنتج عن نوعية العواطف، وتأثيرها على طبيعة علاقاتهم الحياتية، كما حاول كوزر أن يوضح طبيعة تكوين الصراع الاجتماعي، الذي يتغير ويتطور بصورة سريعة نسبة لعواطف الناس، والذي يظهر في العديد من مظاهر الحياة البشرية والعلاقات الاجتماعية، والتي قد تزيد قوة الروابط والعلاقات، وليس من الضروري أن تصبح هذه العواطف مؤشراً لوجود الصراع وعدم الاستقرار فقط. أما فيما يتعلق بالفروض الخاصة بوظائف الصراع بالنسبة للأطراف المتصارعة يعتقد كوزر بأنها تنحصر فيما يلي:

الفرض الأول: كلما اشتد الصراع، كلما كانت حدود كل طرف في الصراع واضحة.

الفرض الثاني: كلما اشتد الصراع، كلما كان عمل كل طرف فيه متمايزاً، كلما زاد احتمال مركزية اتخاذ القرار لكل طرف.

أ- كلما اشتد الصراع قل التمايز في البناء، كلما كان البناء والتماسك الداخلي أقل استقراراً، زاد احتمال أن تكون المركزية استبدادية.

الفرض الثالث: كلما اشتد الصراع، كلما زاد الإدراك أنه سيؤثر على جميع القطاعات لكل جماعة، كلما عزز الصراع التماسك البنائي والإيديولوجي بين أعضاء كل جماعة مشتركة في الصراع.

الفرض الرابع: كلما كانت العلاقات أولية بين أعضاء جماعات الصراع، كلما أدى الصراع إلى قمع الانشقاق والانحراف داخل كل جماعة وفرض الامتثال للمعايير والقيم.

أ- كلما أدى الصراع بين الجماعات إلى الامتثال الإجباري أو القسري، زاد تراكم العداوات، زاد احتمال الصراع الداخلي بين الجماعة في الأمد الطويل.

في هذه الفروض يرى كوزر أن شدة الصراع – أي اشتراك الناس فيه والالتزام بمواصلته تزيد من قوة الحدود الفاصلة ومركزية السلطة والتماسك الإيديولوجي وقمع الانشقاق والانحراف داخل كل طرف من أطراف الصراع. ويفترض أن شدة الصراع وظيفية لأنها تعزز وتقوي التكامل. إلا أن المركزية المستبدة وقمع الانحراف والانشقاق تنتج في الأجل الطويل ضغوطاً سيئة على التكامل، وهكذا يبدو أن هناك جدلاً متأصلاً في توحيد جماعة الصراع مما يخلق ضغوطاً نحو التفكك. ولسوء الحظ فإن كوزر لا يحدد الظروف التي في ظلها يمكن أن تطفو على السطح الضغوط التفكيكية. وفي تركيزه على الوظائف – أي القوى المعززة للتكامل لم يكن تحليله واعداً بالبحث، بل إن هذا الإنجاز يصبح أكثر وضوحاً عندما ينقل كوزر اهتمامه إلى وظائف الصراع بالنسبة للكل النظامي الذي يحدث داخله الصراع.

الفرض الخامس: كلما كان البناء الاجتماعي الذي يحدث فيه الصراع بين الجماعات أقل صرامة وجموداً، كلما تكرر الصراع وأصبح أقل شدة، وكلما زاد احتمال أن يؤدي الصراع إلى تعزيز النظام بوسائل تعزز القابلية للتوافق والتكامل.

1- كلما كان النظام أقل صرامة زاد احتمال تعزيز الصراع للابتكار والإبداع في النظام.

2- كلما كلن النظام أقل صرامة وجموداً قل احتمال أن ينطوي الصراع على إزاحة العداوات إلى أشياء بديلة وزاد احتمال مواجهة الصراع لمصادر واقعية للتوتر.

3- كلما كان النظام قائماً على الاعتماد الوظيفي المتبادل تكرر الصراع وكان أقل عنفاً وزاد احتمال إعاقته للتوترات بدون استقطاب النظام.

4- كلما كانت العلاقات الأولية أكثر استقراراً في النظام تكرر الصراع وكان أقل شدة وزاد احتمال إطلاق التوترات بدون حدوث استقطاب في النظام.

5- كلما كان النظام أقل صرامة وتصلباً زاد احتمال إدراك الصراع من جانب الذين يتولون السلطة والقوة كمؤشر لسوء التوافق الذي يحتاج إلى إصلاح.

الفرض السادس: كلما تكرر الصراع،  كلما قل احتمال اعتباره انعكاساً للاختلاف والانقسام حول قيم صميمة، وكلما كان الصراع وظيفياً لصيانة توازن النظام.

1- كلما كان في مقدور جماعة الصراع الالتجاء إلى القيم الصميمة للنظام، قل احتمال أن يؤدي الصراع إلى الانقسام والاختلاف حول تلك القيم وزاد احتمال تعزيز الصراع لتكامل النظام.

2- كلما كانت جماعة الصراع لا تدافع عن تفسيرات متطرفة للقيم الصميمة قل احتمال تكوين جماعة صراع وقادة وكان الصراع أقل تمزيقاً للنظام.

الفرض السابع: كلما تكرر الصراع وكان أقل شدة، زاد احتمال تعزيزه للتنظيم المعياري للصراع.

1- كلما كان النظام أقل صرامة وتصلباً، تكرر الصراع وكان أقل شدة.

2- كلما كان النظام أقل صرامة وتصلباً، زاد احتمال إحياء الصراع للقيم والمعايير السائدة.

3- كلما قلت صرامة وجمود النظام، زاد احتمال أن يؤدي الصراع إلى معايير جديدة.

4- كلما تكرر حدوث الصراع وكان أقل شدة زاد احتمال تمركز الجماعات في محاولة لتعزيز امتثال أعضاء كل جماعة للمعايير التي تحكم الصراع.

5- كلما كانت قوة جماعات الصراع متعادلة، زاد احتمال أن يؤدي الصراع إلى المركزية التي تقوى وتعزز الامتثال المعياري والقيمي.

الفرض الثامن: كلما كان النظام أقل صرامة وتصلباً، كلما زاد احتمال تحقيق وتوطيد الصراع لتوازنات السلطة والتسلسل الهرمي لها في النظام.

1- كلما قل مستوى معرفة جوانب القوة لدى الخضم وقلت مؤشرات تلك القوة، زاد احتمال حدوث الصراع بين جماعتين تتسابقان على القوة لتعزيز توازن العلاقات في النظام.

الفرض التاسع : كلما كان النظام أقل صرامة وجموداً، كلما زاد من احتمال أن يؤدي الصراع إلى تكوين تحالفات ترابطية تزيد من تماسك وتكامل النظام.

1- كلما كان الأطراف الآخرين في النظام مهددين من تحالفات الأطراف الآخرين، زاد احتمال تكوينهم لتحالفات ترابطية.

2- كلما كان النظام مبنياً على الاعتماد الوظيفي المتبادل، زاد احتمال أن تكون التحالفات وسيلة وأقل استمرارية.

أ- كلما كُشف النظام، زاد احتمال أن يكون للجماعات المنضمة إلى تحالف صراعات المصالح الخاصة بها وكلما زاد احتمال أن يكون التحالف وسيلياً.

 ب- كلما كان التخالف مؤلفاً لأغراض دفاعية، زاد احتمال أن يكون وسيلياً.

3- كلما كانت العلاقات أولية ومُحكمة البناء في النظام، زاد احتمال طرح التحالفات لمعايير وقيم مشتركة وتكوين جماعات دائمة.

أ- كلما كانت التحالف مكون من أفراد أو بصفة عامة، كلما كانت الوحدات المكونة للتحالف صغيرة زاد احتمال تطورها إلى جماعة دائمة.

ب- كلما زاد التفاعل المتبادل المطلوب بين أطراف التحالف، زاد احتمال تكوينهم لجماعة دائمة.

خامساً- نتائج ووظائف الصراع عند كوزر:يشير كوزر إلى أن الصراع الاجتماعي قد تكرر إهماله وتجاهله، وحين كان علماء الاجتماع يعالجونه، فقد كان تركيزهم ينصب على جانبه ” السلبي ” وكيف يقوض النظام والاستقرار والوحدة. إنه يمزقها باختصار. يريد كوزر إذن أن يجدد التوازن بتأكيده على الجانب ” الإيجابي ” للصراع، وكيف يسهم في استمرارية الجماعات الاجتماعية والعلاقات والأنساق الاجتماعية و” تكيفها ” إن لغة الوظيفة مستخدمة هنا كما لو كانت منسجمة ومتناغمة مع تعريف كوزر الخاص للصراع الاجتماعي على الرغم من أن هذا التعريف يركز على الفرقاء المتصارعين، على القيم النادرة، والذين يسعى كل منهم جاهداً إلى تحقيق المزيد من مصالحه على حساب الآخرين. وعلاوة على ذلك، فإنه في توضيحاته وتعليقاته التفسيرية يتحدث عن الصراع بوصفه وظيفياً، أي حسن وإيجابي أو ” لا وظيفي ” أي سيء، وذلك بالنسبة للعلاقات والبناءات بما فيها النسق الاجتماعي ككل.

وإذا كان نموذج الصراع في أكثر مستوياته عمومية – يفهم المجتمع بوصفه ينطوي على العديد من المجموعات ذات القيم والمصالح المتصارعة، وإذا كان يفهم المجموعات المكونة للمجتمع بوصفها مكونة من فردين أو أكثر، فإن المرء يستطيع أن يحدد ما إذا كانت أفعالاً معينة تفيد البعض عن الآخر وتحقق بالتالي مصالحهم – مع أن ذلك ليس ميسراً دائماً – لكنه لن يستطيع على الاطلاق أن يقرر ما إذا كانت أفعالاً مفيدة للنسق ككل، وإن استطاع أن يقول كذلك، فإن قوله سوف يأتي مضللاً.

فإذا أخذنا الأسرة كنسق – على سبيل المثال – وفي حالة تكرار المشاجرات بين الزوج وزوجته وتعمق الخلافات بينهما ولجوؤهما إلى حل الصراعات دون الوصول إلى مرحلة الطلاق. فإن كل ما نستطيع أن نقوله حول نسق الأسرة ككل هنا أنه مستمر ولم يتعرض للانهيار، لكننا لا نستطيع أن نقول شيئاً حول ما إذا كان الصراع وظيفياً أو لا وظيفياً (حسن أو سيء) بالنسبة لذلك النسق إننا لن نعرف ذلك إطلاقاً ولا يمكن أن نعرفه. إن كل ما نستطيع أن نعرفه عن هذا الصراع هو ما يترتب عليه بالنسبة للزوج والزوجة والأطفال، هل انتصرت وجهة نظر الزوج أم الزوجة أم حدث نوع من التوفيق بين وجهتي النظر؟ ما الثمن الذي دفعه كل عضو من الأسرة من أجل استمرارها؟ … إلخ. أما في حالة الأنساق الاجتماعية الأكبر، التي تتكون من مجموعات عديدة ذات مصالح مختلفة ومتصارعة فإن من العبث، ومن قبيل اللغو أن نتحدث عن “ وظائف ” و ” لا وظائف ” بالنسبة للنسق ككل. وفي معرض إعادة صياغة أفكار (زيمل) في مصطلحات وظيفية لا يكون (كوزر) أميناً مع النصوص الأصلية في أغلب الأحيان، ففي الفقرة الأولى من الفصل الثالث، على سبيل المثال، يذهب زيمل إلى أن معارضة (زميل أو شريك) تكون غالباً بمثابة الوسيلة الوحيدة لجعل التعايش ممكناً مع أناس لا يمكن تحملهم فعلاً ويواصل حديثه قائلاً أنه في حالة غياب وانعدام هذه المعارضة فإن عضواً أعضاء الجماعة قد يتخذ خطوات انفصالية وينهي علاقته من بالجماعة.  

لذا سعى كوزر ضمن نظريته عن الصراع الاجتماعي، إلى تحليل طبيعة النتائج ووظائف الصراع التي غالباً ما تؤدي إلى حدوث التغير والتطور الاجتماعي، وإن كان الهدف الأساسي الذي سعى عن طريقه كوزر لتحليل الدور الوظيفي للصراع في المحافظة على تماسك الجماعة Group cohesion، كأحد أهم النتائج الهامة لحدوث الصراع الذي يرى أن له مظاهر ونتائج محددة، ولقد ميز كوزر بين الصراع الخارجي والداخلي بالنسبة للجماعة، ويوضح بأن كلاً من النوعين المهيمن، يمكن أن يعرف الجماعة ويؤسس هويتها ويحفظ استقرارها ويزيد بتماسكها، ويمكن توضيح ذلك من خلال ما يلي:

1- الصراع الخارجي External conflict: يؤكد كوزر على ضرورة الصراع الخارجي في تأسيس هوية الجماعة، وتقوية الروابط والعلاقات داخل الجماعة، ولا سيما أنه يحث الأفراد نحو تماسك جماعتهم وزيادة وعيهم الجمعي حول مصالحهم وأهدافهم ومتطلباتهم داخل البناءات الاجتماعية، مؤكدا النتائج السلبية التي قد تظهر نتيجة وجود عناصر التفكيك بينهم، كالشعور العدائي والصراع الحقيقي يعتبر عنصراً هاماً لزيادة تكتل الجماعة وتكوينها، متبعاً بذلك خطى كل من زيمل وماركس الذي يصور أن الصراع وحده فقط يمكن أن يخلق الوعي الذاتي الطبقي.

وهكذا يوضح كوزر بأن الصراع الخارجي يمكن أن يؤدي غالباً إلى تقوية وتدعيم الجماعة. إنه يجعل أعضاء الجماعة مدركين لهويتهم بواسطة تقديم ” جماعة مرجعية سلبية ” قوية، والتي يقارنون أنفسهم بها. كما يعمل على زيادة مشاركتهم، ومع ذلك فإن العملية ليست محتومة. فإذا كان التماسك الداخلي قبل نشوب الصراع متديناً كثيراً، فإنه يجعل اللا تكامل يعمل بسرعة بسيطة. وفي هذا الصدد يقارن كوزر النتائج التمزيقية للحرب العالمية الثانية على المجتمع الفرنسي مع نتائجها الموحدة لبريطانيا.

2- الصراع الداخلي Internal conflict: يتبع كوزر دوركايم وماركس وميد عندما نظروا إلى الصراع جميعاً، بأنه يعكس مظاهر الانحلال والانحراف، الذي يظهر بين أعضاء الجماعة، ومن ثم فإن الجماعة تحرص على ضرورة تماسكها، وذلك عن طريق وجود عدد من المعايير Norms، التي تقوم بتقويم وتصحيح السلوك الفردي لأعضاء الجماعة، وإن كان كوزر يضيف إلى ذلك الرأي، بأن الصراع الداخلي من شأنه أن يزيد تماسك وبقاء الجماعة والاستقرار، كما يؤكد على رأي زيمل خاصةً، بأن الصراع الداخلي يعتبر صمام أمن وهام، ويحول دون حدوث مظاهر الإحباط، ونجاح حدوث العداءات التي تؤدي إلى انهيار الجماعة كبناء. وفي هذا الصدد يقول كوزر: ” إن الصراعات الاجتماعية الداخلية التي تتعلق بالأهداف والقيم والمصالح التي لا تتناقض مع القضايا الأساسية التي قامت العلاقات على أساسها تميل إلى أن تكون ذات وظائف إيجابية بالنسبة للبناءات الاجتماعية“.

إلا أن كوزر لم يشرح لنا إطلاقاً ما يعنيه من أن الصراع ” إيجابي وظيفياً بالنسبة للبناء الاجتماعي “. فإذا كانت هذه العبارة تشير إلى الوحدة المدعمة أو التماسك الذي يفترض أنه ينتج عن الصراع فإن كوزر لم يطرح إطلاقاً أي محك مستقل لقياس هذه الوحدة أو ذلك التماسك. وكل ما يتبقى آنئذ استمرار المجموعة. لكن العبارة تصبح حينئذ من قبيل اللغو. إن الطريقة الوحيدة للحكم على أن الصراعات الداخلية لا تتناقض مع القضايا الأساسية التي قامت عليها العلاقات هي استمرار تلك العلاقات فاستمرار المجموعة هو برهان على عدم وجود تناقضات أساسية، والبرهان على عدم وجود تناقضات أساسية، يتمثل في استمرار المجموعة.

علاوةً على ذلك فإن القول بأن الوحدة والتماسك أفضل دائماً من التفكك والانحلال هو قول ضعيف لا يصمد أمام النقد. فما إذا كان الارتباط بالجماعة أفضل لها من انسحاب بعض أو كل أعضائها إنما يعتمد على مجموعة متنوعة من الظروف والأحكام القيمية والمصالح. فقد تستمر الوحدة في ظروف لا تهدر فقط مصالح أعضاء المجموعة بل قد تهدد حياتهم أيضاً.

ولكل هذه الأسباب فإن الصياغة الوظيفية لنتائج كوزر هي صياغة غير مرضية ولا مقنعة. فهو يتحدث عن الصراع في عبارته الأخيرة على سبيل المثال بوصفه لا وظيفياً بالنسبة للبناء الاجتماعي الذي لا ينطوي على تسامح بالنسبة للصراع أو على تأسيس وتنظيم له، أو لا ينطوي إلا على قدر ضئيل منهما. إن كثافة الصراع الذي يهدد بالتمزيق، والذي يهاجم أساس الاجماع لنسق اجتماعي يرتبط بجمود البناء، وما يهدد توازن مثل هذا البناء ليس الصراع في حد ذاته، ولكنه الجمود نفسه الذي يسمح بتراكم العداوات ونقلها عبر خط رئيسي واحد للنزاع والتي تنفجر في شكل صراع. إن هذه الصياغة تتجاهل الواقع وتخفيه، كما تفعل الوظيفية التقليدية تماماً.

إن أي قدر من الحديث عن اللا وظيفية بالنسبة للبناء الاجتماعي أو عن جموده لا يستطيع أن يكشف عن الصراعات الفعلية بين المصالح داخل الجماعة والتنظيم والمجتمع، ولن يستطيع أن يميط اللثام عن علاقات السيطرة التي تميزها.

والحقيقة أن الأفكار الثاقبة التي أستمدها كوزر من زيمل ودعمها من مصادر أخرى لا تفتقر تماماً إلى الأهمية والإثارة لكن حين تترجم هذه الأفكار الأصلية إلى صياغة وظيفية فإنها لا تحقق شيئاً بل تفتقد دقتها ووضوحها. إلا أن كوزر بالمقابل حاول الجمع بين أوجه التكامل والصراع باعتبار مفهوم الصراع مفهوماً وظيفياً يعمل على تقوية التضامن داخل الجماعة وبذلك يكون وظيفياً للنسق الاجتماعي أو بعض أجزائه لكنه لم يكن موفقاً إلى حدٍ كبير.

سادساًتقييم نظرية لويس كوزر حول الصراع الاجتماعي: حاول كوزر من خلال نتاجه الفكري التعامل مع الصراع الاجتماعي من داخل رؤية وظيفية بنيوية للعالم، ورغم أنه من المفيد النظر إلى وظائف الصراع، فإن هناك في دراسة الصراع ما هو أكثر من تحليل وظائفه الإيجابية بكثير. ويرى داهرندورف أن عمل كوزر ركز على دور الصراع في الحفاظ على الوضع الراهن. ومع ذلك أدرك داهرندورف بأن الوظيفة المحافظة للصراع ليست سوى جزء واحد من الواقع الاجتماعي. فالصراع يؤدي أيضاً إلى التغيير والتنمية.

كما هو معروف لنا، أن جورج زيمل قدم المساهمات الأساسية فيما يتعلق بوظائف الصراع الاجتماعي، ولكن عمل كوزر على توسيع نطاقها، الذي جادل بأن الصراع قد يعمل على تماسك المجموعة ذات البناء المتفكك. ففي مجتمع متفكك، قد يعيد الصراع مع مجتمع آخر جوهر التكامل. قد يُعزى تماسك الكيان الصهيوني، جزئياً على الأقل، إلى الصراع طويل الأمد مع الدول العربية به في الشرق الأوسط. وقد تؤدي النهاية المحتملة للصراع إلى تفاقم التوترات الكامنة في هذا المجتمع. لقد أدرك المختصون في الدعاية أن الصراع يعد عاملاً لترسيخ المجتمع منذ أمد بعيد، حيث قد يبنون عدواً غير موجود أو يسعون إلى إثارة عداوات تجاه خصم غير نشط.

وقد يؤدي الصراع مع مجموعة إلى التماسك من خلال التوصل إلى سلسلة من التحالفات مع مجموعات أخرى. على سبيل المثال، أدى الصراع مع العرب إلى تحالف بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وعلى هذا قد يقلل الصراع في الشرق الأوسط من إضعاف الروابط بين إسرائيل والولايات المتحدة.

كما يمكن للصراع داخل المجتمع أن يُمكن بعض الأفراد المعزولين من اتخاذ دور نشط، حيث دفعت الاحتجاجات على حرب فيتنام العديد من الشباب إلى الاضطلاع بأدوار قوية في الحياة السياسية الأمريكية لأول مرة، ومع نهاية هذا الصراع، ظهرت الروح اللامبالية مرة أخرى بين الشباب الأمريكيين. وهذا ما في معظم المجتمعات الغربية خلال الحرب على أفغانستان والعراق.

يوفر الصراع وظيفة الاتصال كذلك قبل الصراع، قد تكون المجموعات غير متأكدة من موقف خصمها، ولكن نتيجة للصراع، غالباً ما تتضح  المواقف والحدود بين المجموعات. ولهذا يكون الأفراد أكثر قدرة على اتخاذ قرار بشأن مسار العمل المناسب فيما يتعلق بالخصم. كما يسمح الصراع للأطراف بالحصول على فكرة أفضل عن نقاط قوتها النسبية. وقد يزيد كذلك من إمكانية التقارب أو التوافق السلمي.

وهكذا نجد على الصعيد النظري أنه من الممكن التزاوج بين النظرية الوظيفية ونظرية الصراع من خلال النظر إلى وظائف الصراع الاجتماعي، ومع ذلك، يجب الاعتراف بأن للصراع أوجه خلل كذلك. في حين سعى عدد من المنظرين إلى دمج نظرية الصراع والبنائية الوظيفية، لم يرغب البعض الآخر في وجود أي جزء من نظرية الصراع أو (البنائية الوظيفية). على سبيل المثال، رفض الماركسي أندريه جوندر فرانك (1966-1974) نظرية الصراع لأنها تمثل صورة غير ملائمة من النظرية الماركسية. ورغم أن نظرية الصراع تحمل بعض العناصر الماركسية، فإنها ليست الوريث الحقيقي لنظرية ماركس الأصلية. وهذا ما سوف يجعلنا في المستقبل القريب أن نتفحص مجموعة من النظريات التي تعد ورثة شرعية للماركسية بالمقارنة. لكن قبل أن نفعل ذلك علينا الاطلاع على نوع متكامل بصورة أنجح لنظرية الصراع.

إن أهمية نظرية كوزر في الصراع تكمن في إيضاحها بأن الصراع قد لا يكون غالباً مسبباً للشقاق من الناحية الاجتماعية ولا مصدراً للتغير كذلك. وهذا واضح بشكل خاص في مقارنته بين المجتمعات التي تتضمن أو لا تتضمن العديد من الجماعات المستقلة والمتداخلة ومقارنته لطبيعة ونتائج الصراع المختلفة فيها. ورغم ذلك، فإن تفسير كوزر ليس مقنعاً تماماً. إن المجتمعات المعقدة وذات الاعتمادية المتبادلة والتي هي بشكل محدد ليست ” صلبة ” ربما تشهد صراعات مسببة للشقاق إلى حدٍ كبيرٍ، بينما المجتمعات الصلبة الهيراركية (تراتبية السلطة) قد تدوم وتعيش لقرون دون صراع تدميري. وإن الخاصية المجردة التي يشترك فيها عمل كوزر مع عمل زيمل والطريقة التي يتجاهل بها طبيعة ومرتكزات مصادر الجماعة تعني بالنسبة له أنها تفسر القليل جداً حول مواقف اجتماعية فعلية.

وأخيراً، يؤكد كوزر على وظائف الصراع، على الرغم من أن الصراع التصحيحي المفيد أحادي الجانب. وفي بداية عمله يصف كوزر الصراع الاجتماعي بأنه نضال يحاول فيه الفرقاء أن ” يحيدوا خصومهم، أو يعملوا على الإضرار بهم، أو القضاء عليهم “. وبعد ذلك ينظر إليه المرء باستهزاء، لأنه يهتم كثيراً بمثل هذا السلوك، أو لأنه يدرك بأن استقرار العديد من المواقف يرتكز على القوة والاضطهاد. وهكذا نجد أنه بالرغم من الانتشار الكبير الذي حققته نظرية كوزر للصراع الاجتماعي وإسهامها في فهم جديد للصراع بعيداً عن نظرية ماركس ذات النهج الأحادي. إلا أنها قد وجهت إليها مجموعة من الانتقادات أهمها أفراط كوزر في تبسيط منابع الصراع الاجتماعي، كما يمكن اعتبار القضايا التي طرحها كوزر قضايا عامة حتى أنه يصعب استخدامها لفهم مواقف معينة. وعلى الصعيد السوسيولوجي تصنف نظرية كوزر حول مفهوم الصراع الاجتماعي بأنها نظرية وظيفية بامتياز أكثر منها نظرية في الصراع الاجتماعي من حيث الأسس الابستمولوجية.

– المراجع المعتمدة:

1- جورج ريتزر، جيفري ستيبنسكي: النظريات الحديثة في علم الاجتماع، دققه وراجعه علمياً: ذيب محمد الدوسري وآخرون، مكتبة جرير والجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية، الرياض، ط1، 2021.

2- إرفنج زايتلن: النظرية المعاصر في علم الاجتماع، ترجمة: محمود عودة وإبراهيم عثمان، منشورات ذات السلاسل، الكويت، ط1، 1989.

3- رث والاس، ألسون وولف: النظرية المعاصرة في علم الاجتماع – تمدد آفاق النظرية الكلاسيكية، ترجمة: محمد عبد الكريم الحوراني، دار مجدلاوي، عمان، ط1 (العربية)، 2011-2012.

4- عبد العزيز الغريب: نظريات علم الاجتماع – تصنيفاتها، اتجاهاتها، وبعض نماذجها التطبيقية من النظرية الوضعية إلى ما بعد الحداثة، دار الزهراء، الرياض، ط1، 2012.

5- علي ليلة: النظرية الاجتماعية الحديثة (الأنساق الكلاسيكية)، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، الكتاب الثالث، بدون تاريخ.

6- محمد عبد الكريم الحوراني: النظرية المعاصرة في علم الاجتماع – التوازن التفاضلي صيغة توليفية بين الوظيفية والصراع، دار مجدلاوي، عمان، ط1، 2008. 

7- أحمد زايد: علم الاجتماع (النظريات الكلاسيكية والنقدية)، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1984.

8- طلعت إبراهيم لطفي، وكمال عبد الحميد الزيات: النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، دار غريب، القاهرة، ط1، 1999.

9- نيقولا تيماشيف: نظرية علم الاجتماع (طبيعتها وتطورها)، ترجمة: محمود عودة وآخرون، مراجعة: محمد عاطف غيث، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1978.

10- إحسان محمد الحسن: النظريات الاجتماعية المتقدمة – دراسة تحليلية في النظرية الاجتماعية المعاصرة، دار وائل للنشر، عمان، ط3، 2015.

11- إبراهيم عيسى عثمان: النظرية المعاصرة في علم الاجتماع، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2008.

12- فيصل زيات، محمد مخطار ديدويش: نظرية الصراع الاجتماعي (من منطق كارل ماركس إلى منطق داهرندورف)، مجلة دراسات في علوم الإنسان والمجتمع، جامعة جيجل، الجزائر، المجلد: 02، العدد: 01، مارس 2019.

13- جوناثان ه. تيرنر: علم الاجتماع النظري – مقدمة موجزة لاثنتي عشرة نظرية اجتماعية، ترجمة: موضي مطني الشمري، دار جامعة الملك سعود، ط1، 2019.

14- محمد عبد الكريم الحوراني: تأويل الاستغلال في نظرية علم الاجتماع – العناصر التكميلية لنظرية سوسيولوجية في الاستغلال، مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، ط1، 2010- 2011.

د. حسام الدين فياض


* جورج زيمل  George Simmel(1858 – 1918) فيلسوف، وعالم اجتماع، وأستاذ جامعي ألماني. يعتبر جورج زيمل من وجهة نظر علماء الاجتماع الزعيم الفعلي للمدرسة الألمانية في علم الاجتماع، فقد كان من بين العلماء الذين انتقلوا بهذا العلم من التقليد الكلاسيكي إلى عصر النهضة في أواخر القرن التاسع عشر، وذلك في مجال النظرية والبحث السوسيولوجي على حد سواء، وفضلاً عن ذلك فإنه ينظر إليه على أنه زعيم الاتجاه الصوري أو المدرسة الشكلية في علم الاجتماع، وقد كان فيلسوفاً بالدرجة الأولى، فقد اهتم بمشكلات المجتمع إلى جانب التاريخ، والفنون الجميلة، والأدب، وقد ترجمت كتاباته إلى كثير من اللغات الغربية الأمر الذي أكسبه شهرة كبيرة. لا يتفق زيمل مع القول بأن علم الاجتماع هو العلم الذي يقوم بدراسة جميع الحقائق الاجتماعية، أو جميع ما هو إنساني، فذلك يوسع نطاقة ولا يمكن الباحثين من الإحاطة بكل جوانبه، ولكنه يرى أن علم الاجتماع يجب أن ينفصل عن العلوم الخاصة التي يدرس كل منها موضوعاً اجتماعياً محدداً. ويرى أن العلوم الاجتماعية التي تقوم حديثاً يجب أن تعتمد على التجريد، بمعنى أن تجرد حقائقها وموضوعاتها مما تنطوي عليه من مادة، وذلك من أجل الوصول إلى مبادئها الجوهرية والشكلية. ويطبق هذه النظرة على علم الاجتماع، فهو عنده علم نظري مجرد موضوعة دراسة العلاقات الاجتماعية في صورها الخالصة، أي دراسة أشكال التفاعلات الاجتماعية المتبادلة التي تحدث في كل ميادين الحياة الاجتماعية، ولا يدرس هذا العلم الحقائق المادية التي تنطوي عليها الظواهر، فهذه متروكه أو يجب أن تترك للعلوم الاجتماعية الخالصة التي تعالج مختلف ميادين النشاط الاجتماعي، أما مهمة علم الاجتماع فهي مهمة تجريدية مقصورة على الوصول إلى أشكال العلاقات الاجتماعية.

وتركز نظرية جورج زيمل على التمييز بين طبيعة العلاقات الاجتماعية من ناحية الشكل أو الصورة، وما تنطوي عليه مضمون اجتماعي، ﻷن العلاقات التي تنشأ بين الأفراد في المجتمع كالصراع والتنافس والخضوع وتقسيم العمل والتقسيم الطبقي وغيرها موجودة في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية، ووظيفة علم الاجتماع هي تحليل هذه المظاهر المختلفة للعلاقات الاجتماعية حتى تصل إلى مقوماتها الأساسية، وخصائصها الذاتية، ثم تحاول تفسيرها في صورها المجردة بعيداً عن تجسداتها أي مادتها في المجتمع. من أهم أعمال زيمل الأكثر شهرة، هي ما يلي: مشاكل فلسفة التاريخ 1892، وفلسفة النقود 1900، والمدن الكبرى والحياة الفكرية 1903، وكتابه علم الاجتماع 1908 الذي يضم مجموعة من المقالات (الغريب، الحدود الاجتماعية، علم اجتماع الحواس، علم اجتماع الفضاء، الاسقاطات المكانية للأشكال الاجتماعيةفي التمايز الاجتماعي 1890، والمسائل الأساسية لعلم الاجتماع 1917. بالإضافة إلى ذلك كتبه عن فلسفة شوبنهاور ونيتشه 1907، وفي مجال الفن يعتبر كتابه ريمبراندت: مقال في فلسفة الفن 1916 الأبرز في هذا المجال.

([1]) المكارثية (McCarthyism)‏ هو سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون الاهتمام بالأدلة. ينسب هذا الاتجاه إلى عضو بمجلس الشيوخ الأمريكي اسمه جوزيف مكارثي. كان رئيساً لإحدى اللجان الفرعية بالمجلس واتهم عدداً من موظفي الحكومة وبخاصة وزارة الخارجية، وقاد إلى حبس بعضهم بتهمة أنهم شيوعيون يعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي. وقد تبين فيما بعد أن معظم اتهاماته كانت على غير أساس قانوني. وأصدر المجلس في عام 1954 قراراً بتوجيه اللوم عليه. ويستخدم هذا المصطلح للتعبير عن الإرهاب الثقافي الموجه ضد المثقفين. بذلك دخلت ” المكارثية ” قاموس السياسة لتعني الاضطهاد والملاحقة من قبل الدولة لمن يعتنق فكراً مناوئاً لها، وذلك على الرغم من وجود مُسميات مشابهة مختلفة أدرجها التاريخ في طياته، لعل أشهرها ما عُرف باسم ” محاكم التفتيشInquisition التي قادتها الكنيسة الكاثوليكية ضد كل من كانت تشك فيهم بما في ذلك العلماء، وعلى رأسهم العالم جاليليو جاليليي لأنه آمن وأعلن أن الأرض ليست مركز الكون. ولقد اضطرت الكنيسة لأن تعتذر له بعد مرور قرون من الزمن.
_______
*د. حسام الدين فياض/ الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة/ قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً.

جديدنا