من صدمة المستقبل إلى الموجة الثالثة: التربية في المجتمع ما بعد الصناعي في منظور آفلين توفلر

image_pdf

“لم يعد يكفي الفرد أن يفهم الماضي، وحتى أنه لم يعد كافيا له أن يفهم الحاضر، لأن بيئة الحاضر سرعان ما ستتلاشى. وتزول. إنه يجب أن يتعلم كيف يحتسب اتجاه ومعدل التغيير ويتوقعه. إنه، بحسب التعبير الفني، يجب أن يكرر من وضع الفروض الاحتمالية البعيدة المدى حول المستقبل.”

آفلين توفلر

  

1- مقدمة

في اليوم السابع والعشرين من شهر يونيو حزيران من عام 1916، غيبت يد المنون «إلفين توفلر» [1] أحد أشهر علماء المستقبليات في القرن العشرين عن عمر يناهز السابعة والثمانين، بعد حياة فكرية صاخبة كرسها في بناء تشييد صروحه الفكرية في مجال المستقبليات والعلوم الإنسانية. وقد اشتهر بكتاباته ورؤاه المستقبلية العبقرية في مختلف أصقاع العالم، وقدم للفكر الإنساني ينابيع ثرة في علم المستقبل بما قدمه من روائع فكرية نادرة في التاريخ الفكري الإنساني ولا سيما كتابيه «صدمة المستقبل» و«الموجة الثالثة».

ويعد توفلر واحداً من أبرز علماء المستقبل في القرن العشرين، وكان محط أنظار كبار القادة والسياسيين في العالم الذي طلبوا مشورته ومساندته في المشاريع الاقتصادية والتنموية لبلدانهم، وذلك على أثر الشهرة الواسعة التي حظي بها كتابه الأول «صدمة المستقبل»[2] الذي تناول فيه مسألة المستقبل ومتغيراته في العصر ما بعد الصناعي وقد تنامت هذه الشهرة مع صدور كتابه المذهل “الموجة الثالثة” الذي صدم جموح المخيال الإنساني بما تضمنه من تصورات عبقرية حول المجتمع ما بعد الصناعي أو مجتمع “الموجة الثالثة” موجة المعلوماتية والثورة المعرفية في مجال الاتصال والتواصل الإنساني.

لم يكن عالم المستقبليات توفلر Alvin Toffler)) مربيا أو متخصصا في التربية، عندما أصدر كتابه الشهير صدمة المستقبل (Future Shock)، وقد جاء خوضه في التربية على معيار ما تقتضيه الحاجة إليها ضمن صراع الأنساق الاجتماعية في تطور الحياة نحو المستقبل. وإذا كان كتاب توفلر قد أخذ صداه ثقافيا واجتماعيا خلال القرن الماضي، فإن ما يشتمل عليه هذا الكتاب من تنبؤات تربوية وشطحات بيداغوجية لم يحظ بالاهتمام المطلوب في الحقل التربوي حتى يومنا هذا ولاسيما في العالم العربي. ومع أن الكتاب لم يكن محط اهتمام التربويين، فإننا نعتقد بأن الأفكار التربوية التي وردت فيه ليست مجرد تخاطر فكري عابر بل تشكل عناصر نظرية رؤية تربوية متكاملة الأركان في مجال مستقبليات التربية وتطلعاتها الحضارية. فالأنساق الفكرية التربوية التي حملها لنا كتاب “صدمة المستقبل” لم تكن مجرد خواطر أرسلها خيال علمي فضفاض، بل كانت نتيجة تحليل سوسيولوجي تضافرت فيه عوامل التحليل النقدي للعلاقة القائمة بين المتغيرات التكنولوجية والأنساق الاجتماعية في تفاعلها مع التربية وقضاياها المستقبلية.

ولا نخفي سرا بأننا قد شغفنا بكتاب توفلر ” صدمة المستقبل ” في سبعينيات القرن الماضي بما تضمنه من رؤية عبقرية للمستقبل في القرن القادم. وكنا قد عزمنا حينها على كتابة مقالة حول المضامين التربوية المستقبلية في الكتاب. وقد تم جمع المادة العلمية لهذه المقالة وقمنا بتحليل مضمون الكتاب كما قمنا بعملية استجواب تربوي نقدي للكتاب ووضعت الهوامش الأساسية تحضيرا لكتابة بحث استكشافي تحليليي لمضامين الكتاب. ولكن المشاغل العلمية الكثيرة أدت إلى تأجيل الكتابة في هذا الموضوع على مدى العقود الأربعة الماضية. ولكن هاجس الكتابة عن أفكار توفلر ونظريته التربوية لم يفارقنا كل هذه المدة. وبدأ هذا الشغف يعاودنا عندما بدأنا العمل على قضايا التربية في عصر الثورة الصناعية الرابعة، وكانت الفرصة مواتية للعودة إلى أعمال توفلر بعد وفاته المفجعة وبعد مضي خمسة عقود من الزمن تقريبا على اهتماماتنا الأولى بأعماله. وبدا لنا أمر العودة إلى كتبه – ولا سيما كتابه صدمة المستقبل- من جديد أكثر أهمية من المرات السابقة في القرن الماضي، ففي الماضي كنا نريد مناقشة المضامين التربوية في كتاب توفلر ” صدمة المستقبل ” وكان لهذا الأمر أن يكون أمرا عاديا ومألوفا في سبعينيات القرن الماضي كأي قراءة في أي كتاب. ولكن المعادلة اليوم أصبحت أكثر تشويقا وأهمية فالمسألة أصبحت تتعلق بالكشف عن مآلات نظرية توفلر التربوية ومدى تحقق نبوءاته في بداية الثورة الصناعية الثالثة.

2- النشاط الفكري لتوفلر:

علينا أن نعترف في البداية أن النشاط الفكري لتوفلر لم يتوقف عند حدود صدمة المستقبل (Future Shock) في السبعينيات بل قدر له بمشاركة زوجته هايدي (Heidi Toffler) أن يقدم تصورات عبقرية جديدة لتطور الحياة الإنسانية في كتابه ” الموجة الثالثة” (The third wave) ([3]) في عام 1980 وهو الكتاب الذي يصف فيها توقعاته العبقرية حول المجتمع ما بعد الصناعي. وفي كتابه تحول السلطة (Power shift)[4] الذي يصف فيه تحولات القوة في القرن الحادي والعشرين، كما في كتابه الأخير “ثورة الوفرة” ( (Revolutionary Wealth الذي صدر عام 2006 [5].

وعلينا أن نعترف بان توفلر يُعتبَر واحداً من أبرز المستشرفين للمستقبل في العصر الحديثه ويعد المؤسس الحقيقي لفكرة الثورة الصناعية الرابعة، لأنها فكرتها جاءت امتدادا لرؤيته الثاقبة حول التطورات التكنولوجية الهائلة في القرن الحادي والعشرين التي أوردها في كتابه ” حضارة الموجة الثالثة”[6]. فالموجة الثالثة كما يراها هي مجتمع ما بعد الصناعة وأن المجتمعات الإنسانية انتقلت من مجتمع الموجة الثانية إلى مجتمع الموجة الثالثة منذ أواخر خمسينيات القرن العشرين، وهو تعبير مؤسس لمصطلحات أخرى استخدمت لذات المعنى مثل عصر المعلومات وعصر الصورة وعصر الاتصال.

استخدم توفلر مصطلح “صدمة المستقبل” لأول مرة، في مقال نشره عام 1965 في مجلة “هورايزون”، واصفاً فيه الصدمة النفسية للأفراد الناجمة عن تأثير التغيير المذهل الحادث في المجتمعات الإنسانية خلال فترة قصيرة جدا من الزمن. وفي عمق هذا الصدمة السيكولوجية الناجمة عن التحميل السيكولوجي الزائد على الفرد تنبثق رؤيته التربوية في كثير من الوضعيات الإنسانية.

ويأتي كتاب توفلر «الموجة الثالثة» (The third wave)[7] ، الذي أصدره في عام 1980 ، رصدا جديدا متطورا لنظريته في مستقبل المجتمعات الإنسانية، ورؤية متطورة لما جاء في “الصدمة” فالصدمة قد أحدثت موجتها الثالثة، وفي رصد أبعاد هذه الموجة تدور فعاليات الكتاب الجديد الذي يصف فيه وبطريقة مبتكرة حال التغير والتبدل في العصر القادم، والكيفيات التي يتحول فيها يتحول المجتمع الصناعي للموجة الثانية إلى «مجتمع ما بعد صناعي» في الموجة الثالثة وهو نمط من المجتمعات التي تعتمد على المعلوماتية والحضارة الرقمية كمورد أساسي وحيوي في إنجاز الثورات العلمية والتكنولوجية المتعاقبة.

يصف توفلر مجتمع “الموجة الثانية” بأنه مجتمع صناعي يقوم على الإنتاج الضخم، والتوزيع الواسع، وعلى الاستهلاك الكبير، والتعليم الإلزامي، ووسائل الإعلام ذات الجمهور العريض، وانتشار وسائل التسلية والترفيه، حتى نصل إلى انتشار أسلحة الدمار الشامل. ثم تجتمع هذه الأساسات مع مفاهيم مثل توحيد المقاييس أو التوحيد المعياري، ومفهوم المركزية، ونظام التواصل والتزامن السريع. وأخيرا التنظيم الإداري البيروقراطي”.

وعلى أعقاب الموجة الثانية، يحدثنا توفلر عن الموجة الثالثة، ويستخدم عددا آخر من التسميات الجديدة التي أطلقها على ذات العصر مثل: عصر المعلومات، وعصر الفضاء، والثورة المعلوماتية والقرية العالمية، وهو عصرٌ لا يقوم على التضخيم في الإنتاج والتوزيع كما هو الحال في الموجة الثانية، وإنما يركز على ثورة المعلومات والتكنولوجيا الرقمية وعلى الإنتاج المعرفي، والقدرة على التجاوب مع تسارع التغيير «غير الخطي»، لقد أكد توفلر في “الموجة الثالثة” أن الاقتصاد العالمي سينتقل من عصر الإنتاج الصلب المكثف إلى عصر الشفافية المعرفية أو ما يطلق عليه أحيانا عصر المعلوماتية الناعمة، ويعني به عصر التطور المذهل والمتسارع في أنظمة الحاسوب الذكية والتقنيات الرقمية والثورة المعلوماتية.

في كتابيه “الصدمة” و”الموجة الثالثة” [8] يقدم توفلر تصورات مذهلة حول التحولات الأسطورية القادمة في القرن الحادي والعشرين، وقد لا نبالغ في القول بأنه قد تنبأ بأعظم ما تعيشه الإنسانية اليوم من إنجازات حضارية.

هذا وتبين القراءة النقدية أن المعالجة المستقبلية لتوفلر لم تقف على أعتاب السرد العابر للإنجازات الثورية في مجال التكنولوجية فحسب، بل استطاع بعبقريته المعهودة أن يربط بين هذه التحولات والمشكلات الاجتماعية الحيوية التي ترافقها في مختلف مستويات الحياة الاجتماعية. وهنا تكتسب رؤية توفلر أهمية كبيرة تتمثل في قدرته على استكشاف العلاقات القائمة بين التحول الصناعي التكنولوجي وبين الحياة الاجتماعية والفكرية للمجتمعات الإنسانية. وهذا يعني أنه لم يقدم قراءة سردية عابرة بل اعتمد التحليل المنهجي، وقدم لنا سيناريوهات ذكية لطبيعة الحركة والتغير في المجتمع على تموجات التغيرات الثورية الحادثة في التكنولوجيا الرقمية بطفراتها المعرفية.

يميز توفلر في كتابه «الموجة الثالثة»، الذي نشر بعد عشر سنوات من كتابه صدمة المستقبل ، أي في عام 1980 بين ثلاثة أنواع من «الموجات التاريخية»، وأفاد أن «الموجة الأولى» تمثلت في انتقال الإنسان إلى نمط المجتمع الزراعي الذي استمر آلاف السنين حتى نهاية القرن السابع عشر الميلادي، وقد جاءت هذه الموجة الزراعية لتنتقل بالإنسان من الاقتصاد البدائي الذي كان يعتمد على الصيد والرعي والموارد المتاحة في الطبيعة إلى الحياة الزراعية التي تعتمد تدجين الحيوانات وزراعة الأرض وبناء السدود وغيرها من المظاهر الحضارية. وفي أواخر القرن السابع عشر انتقلت الإنسانية إلى «الموجة الثانية» التي قامت على الثورة الصناعية الجبارة واستمرت من منصف القرن السابع عشر إلى منتصف القرن العشرين. وتبدأ الموجة الثالثة مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين حتى يومنا هذا. وتعتمد هذه الموجة على المعلوماتية وثورة المعرفة والقوة الناعمة التي تنطلق من قوة المعرفة والبرمجيات والعلوم والثورة المعرفية. وفي كتابه “الحرب ومناهضة الحرب”[9] عام 1993 ، يرى توفلر أن الموجة الثالثة تتمثل في صورة حياة متجددة تعتمد موارد متنوعة من الطاقة، قابلة للتجدد، وتتبنى طرق إنتاج جديدة ونماذج صناعية خلاقة مختلفة عما عهدناه في المصانع الحالية، وستتميز فيه الحياة العائلية بعلاقات وقيم أسرية وعاطفية مختلفة لم نعهدها من قبل.

ويبين توفلر في كتابه الثالث «تحولات القوة»[10] الذي صدر عام 1990، بأن السلطة أو القوة لن تكون للمال والسلاح في القرن الحادي والعشرين للمال بل ستتحول مصادرها إلى المعرفة والمعلوماتية وهي مرتكزات التقدم في القرن الحادي والعشرين، ويرى في هذا السياق أن التقدم الاقتصادي لن يكون رهينا بامتلاك المواد الخام والمال والقوى الفيزيائية، وذلك لأن التقدم الاقتصادي سيرتهن بتقدم المعرفة الإنسانية والذكاء البشري أي باقتصاد المعرفة Knowledge Economy وهو نمط من الاقتصاد الذي يمكن استثماره بطريقة جبارة في العمل والإنتاج والتفوق والأتمتة وتحقيق أقصى حالات التقدم الإنساني.

ومن يتتبع ما قدمه توفلر سيصاب بالدهشة عندما يجد أن كثيرا من نبوءاته التكنولوجية والاجتماعية قد أنجزت في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين. لقد تنبّأ توفلر بأكثر مظاهر الحياة اليومية التي نعيشها اليوم قبل أن تتحقق وتحدث، لقد أوضح توفلر كل القضايا التي تتعلق بثورة الإليكترونيات ومثالها استبدال الورقية بالرسائل الإليكترونية وتحققت مقولاته التي تمركزت حول التحميل السيكولوجي الزائد، والثورة الصناعية الجديدة، والعقل الذكي، والروبوتات المؤنسنة، وكل ما يتعلق بانفجارات الثورة التكنولوجية التي نشاهد كثيرا منها يتحقق أمام أعين الناظرين في حياتنا المعاصرة.

ويبين تقرير أعدته «بي بي سي»: أن “توفلر تنبّأ بدرجة كبيرة من الدقة بالتطورات الاقتصادية والتكنولوجية الحديثة – بما فيها بزوغ ونمُوّ علم الاستنساخ والحاسوب الشخصي والإنترنت – إضافة إلى التأثيرات الاجتماعية التي ساعدت هذه التطورات في ظهورها ومن ضمنها العزلة الاجتماعية وانهيار دور الأسرة البيولوجية وزيادة معدلات الجريمة واستخدام المخدرات، وتغيير القيم الاجتماعية والأخلاقية السائدة” [11]. وألهمَت كتابات توفلر العديد من القادة والزعماء ومنهم آخر رؤساء الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، ورئيس الحكومة الصينية الأسبق زهاو زيانغ، ورئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد. وقد اعترف بفضله الملياردير المكسيكي كارلوس سليم لمساعدته على التنبُّؤ بالفرص التجارية المستقبلية والتعرُّف إليها”وقد “تحقق فعليا الكثير من توقعاته، وثبتت صحة الفكرة الرئيسية التي بنيت عليها هذه التوقعات وهي الفكرة القائلة إن اقتصادا معلوماتيا حديثا سيأخذ مكان العصر الصناعي. [12]

هذه الإنجازات الفكرية لتوفلر جعلته محط إعجاب وتقدير منقطع النظير، “ولأن ذلك أن هذا «التروتسكي» قد رأى، مثل زرقاء اليمامة، مستقبل الاشتراكية وكيف أنها لابد وأن تصطدم بآليات وفاعليات حضارة الموجة الثالثة، وكان بالفعل أول من تنبأ بانهيار الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه بعقد من الزمان، وقدم دلائل علمية وذكية تؤيد تصوراته وتدعم بقوة احتمال انهيار وشيك [13].

وقد صنفته صحيفة الشعب اليومية الصينية بين خمسين أجنبي الذين ساهموا في صياغة الصين الحديثة. وجاء في الصحيفة الصينية بالنص: “على مر تاريخ الصين الطويل، فان العصر الذي بدأ من عام 1840 تميز بأكبر وأسرع وأشرس وأعقد تغيير في تاريخ الصين. وقد كان هناك الكثير من الأجانب الذي كان يمكن أن يؤثروا في تلك الفترة بالذات. لكن بشكل عام فهناك خمسون منهم بلا شك قد قدموا أفضل واكبر تأثير برهن على الميزات التاريخية التي تصادمت بها الصين مع العالم” [14].

“أصبح توفلر، بفضل كتاب “صدمة المستقبل” الذي بحث فيه موضوع التغيير الاجتماعي المستقبلي في دول العالم المتحضر تحديدا، وكتبه الأخرى التي كتبها بالاشتراك مع زوجته هايدي، واحدا من ابرز المستشرفين في العصر الحديث، وكان كبار القادة العالميين والأثرياء يسعون للاستفادة من مشورته [15]. ولكي ينجز كتابه (صدمة المستقبل) بَذَل جهداً كثيفاً وعميقاً ومتسعاً فارتاد كما يقول: عشرات من الجامعات ومراكز البحث والمعامل والمؤسسات الحكومية وقابلت مئات من الخبراء في مختلف النواحي وكان من بين من قابلت علماء حائزون لجائزة نوبل ومتخصصون نفسيون وهيبييون وأطباء ورجال أعمال ومستقبليون محترفون وفلاسفة ومعلمون.

وقد ألهمت كتابات توفلر العديد من القادة والزعماء ومنهم آخر رؤساء الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف ورئيس الحكومة الصينية الأسبق زهاو زيانغ. كما يعترف بفضله الملياردير المكسيكي كارلوس سليم في مساعدته على التنبؤ بالفرص التجارية المستقبلية والتعرف عليها[16] .

ليس الغرض من هذه المقالة إجراء استقصاء حول مدى تحقق توقعات توفلر ونبوءاته في مجال التكنولوجيا والاقتصاد وهي كثيرة. فهدف مقالتنا يتمثل في التركيز على منظومة المقولات التربوية التي انبثقت في صلب معاياناته المستقبلية. ومن يقرأ بعمق ويحلل المضامين التي قدمها توفلر سيجد أنه قدم بعض التصورات التربوية في حبكة علاقتها مع التطور الاجتماعي والتقاني المتوقع وهنا تكمن عبقرية توفلر التربوية.

3- في عبقرية توفلر التربوية:

لم تحظ أعمال توفلر المستقبلية بالاهتمام التربوي الذي يوازيها من حيث الأهمية، كما أنها لم تحظ بقراءة تربوية نشطة، إذ غلبت عليه شهرته في ميادين الاقتصاد والسياسية والمال وعلم المستقبليات. وقد شُغف الناسُ بما كتبه في مجال التحولات الاجتماعية، ونُظر إليه بوصفه واحدا من كبار علما الاجتماع في العصر الحديث. ومع أن توفلر خصص بعض الكتب لتناول مسألة التربية وقضايا مثل ” المدرسة في المدينة” و”التعليم من أجل الغد” ولكن هذين الكتابين لم يحظيا بالشهرة المطلوبة التي أحدثها كتابه ” صدمة المستقبل” أو كتابه ” الموجة الثالثة “، وقد يعود ذلك إلى الصدى الكبير الذي أحدثه هذا الكتابان في النخب الفكرية والثقافية العالمية. ولا بد لنا في السياق من القول بأن التربية كانت حاضرة بقوة في مختلف أعمال توفلر وزوجته هايدي.

 وقد عمل توفلر بعبقريته المعهودة على اعتماد الممنهج “الماكروسكوبي” في تناوله لمظاهر التغيير الاجتماعي، هذا يعني أنه كان يتناول مختلف مظاهر التغير ضمن نسيج العلاقات المجتمعية المفصلية المتكاملة. ونريد القول عبر ذلك المسألة التربوية كانت حاضرة في صميم أعماله ومبادراته. ويمكن القول بعبارة أخرى: إن أفكاره التربوية تتغلل في مختلف جوانب أعماله الفذة بدءا من كتابه الأول “مستهلكو الثقافة” (The Culture Consumers) [17]حتى كتابه الأخير ” ثورة الوفرة (Revolutionary Wealth) في عام 2006″.

وتدور أعمال توفلر وهايدي حول المستقبل والتغير الاجتماعي وكلاهما وثيقا الصلة بالتريبة والتعليم. فالتربية والتعليم يشكلان النوابض الحقيقية للمستقبل والتغيّر. ولا يمكن الفصل بين التربية من جهة وبين التغير والمستقبل من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق ترتب على توفر وهايدي أن تكون التربية في صميم الأعمال الكبرى التي قدماها للفكر الإنساني. ومن اجل تفحص الحضور الكبير للتربية في أعمال توفلر يمكننا أن نستعرض عناوين كتبه في سياق زمني وأن نقرأ في عناوينها بعضا من الإشارات والتلميحات التربوية المهمة.

وليس غريبا أن يكون كتاب توفلر الأول مستهلكو الثقافة (The Culture Consumers) الذي صدر في عام (1964) كتابا تربويا بامتياز، إذ يتحدث فيه عن العلاقة بين الثقافة والأفراد وهي علاقة تربوية وقضية تربوية ونستطيع القول بأن هذا الكتاب يشكل نقطة الانطلاق الأولى في تناول توفلر للمسألة التربوية في جوانبها الثقافية. ومن ثم يتجلى هذا الاهتمام في كتابه الثاني “المدرسة في المدينة” (The Schoolhouse in the City) عام (1968)[18] وهو كتاب تربوي بامتياز يتناول فيها قضايا التربية والتعليم والإشكاليات التي تتعلق بالمدرسة في العصر الصناعي. وقد تبلورت نظرية توفلر التربوية في كتابه الثالث “صدمة المستقبل” (Future Shock) عام (1970) [19]وهو من أكثر كتبه تناولا للقضايا التربوية في مختلف مناحيها، ويشكل هذا الكتاب سفرا تربويا لا نظير له في مجال البحث عن العلاقة ما بين التربية والمستقبل والتغير الاجتماعي. وعلى الأثر أي بعد عامين من “صدمة المستقبل” يطالعنا بكتابه الجديد “المستقبليون” (The Futurists) عام (1972)[20]، ويتضمن هذا الكتاب تناولا مبتكرا لقضية التربية والتعليم ودورهما في عملية التغير الاجتماعي والنهوض الحضاري. وبعد عامين من كتابه ” المستقبليون” يفاجئنا توفلر بكتابه المميز ” التعليم من أجل الغد” (learning for Tomorrow) في عام (1974) [21]وفيه تتبلور أفكاره التربوية التي خبرناها في كتابه صدمة المستقبل. وفي كتابه “التشنج الإيكولوجي” (The Eco-Spasm Report) [22]عام (1975) يقدم توفلر تناولا رشيقا ومثيرا لقضية العلاقة بين التربية والبيئة ويؤكد أهميتها في مستقبل الحياة البيئة على الأرض. وفي عام 1980 يفاجئنا توفلر بكتابه المشهور الموجة الثالثة (The Third Wave)[23] وهو يتضمن نخبة من أفكاره التربوية ضمن سياق العلاقة في تحول المجتمع الإنساني من الموجة الثانية إلى الموجة الثالثة، ثم تتواتر أفكاره التربوية في كتابه معاينات وأماكن (previews and Premises) في (1983)[24]، وتبدو هذه الأفكار أكثر وضوحا في كتابه جماعات التكيف (The adaptive corporation)[25] الصادر عام (1985)، كما تبلغ ذروتها في كتابة المميّز “انتقال السلطة: المعرفة والثروة والعنف على حافة القرن الواحد والعشرين (Powershift: Knowledge, Wealth and Violence at the Edge of the 21st Century) الصادر في عام (1990)[26]، كما ترد أفكاره التربوية في كتباه “إنشاء حضارة جديدة” (Creating a New Civilization) عام (1995)[27]، ثم في كتابه “الحرب وضد الحرب (war and anti-war) [28]عام (1995)، وأخيرا في كتابه الأخير “ثورة الوفرة ” (2006)[29].

ومما لا شك فيه أن عبقرية توفلر التربوية تتجلى في سياق متدافع في مختلف أعماله. ونعتقد بأن تقديم دراسة وافية لهذه ستكون على درجة كبيرة من الأهمية في مجال التربية وذلك لأن جميع أفكاره التربوية الإبداعية جاءت في نسق العلاقة بين التربية والتغير الاجتماعي والمستقبل والتحديات المصيرية للثورات المعرفية والتكنولوجية المتواترة في سياق المستقبل القريب والبعيد.

ويمكن القول أن دراسة المنظومة الفكرية لتوفلر كاملة وبشكل منهجي تحتاج إلى جهد علمي كبير يتجاوز حدود هذه المقالة التي تركز على منظومة الأفكار التربوية التي قدمها توفلر في كتابيه صدمة المستقبل والموجة الثالثة.

4- في نظرية توفلر التربوية:

تتمثل نظرية توفلر التربوية في أنساق من الرؤى والتصورات التي تأصلت في كتاباته وأعماله الفكرية على مدى نصف قرن من الزمن. واستطاع توفلر عير أعماله المختلفة أن يشيّد نظريته التربوي التي القائمة على موازين التكامل والتفاعل بين الواقع الجامد من جهة والمستقبل الثوري من جهة أخرى. ومن الطبيعي القول بأن نظرية التربوية فريدة من نوعها في تاريخ الفكر التربوي، بما تميزت بها من أصالة وعراقة، تتمثل في قدرة توفلر العبقرية على تقديم الفكر التربوي في نسيج مجتمعي سياسي اقتصادي تكنولوجي بالغ التعقيد ضمن حركة التغير الاجتماعي وفيض الانفجارات العلمية والتكنولوجية. وفيما يلي سنقدم أهم الأفكار التربوي التي طرحها بعبقريته المعهودة في سياق اجتماعي وتاريخي.

4-1- التربية وقانون التغير:

قد يكون التغير هو القانون الذي يحكم عقلية توفلر ويشكل المنصة التي ينطلق منها في عرض تصوراته ومعالجة فرضياته المستقبلية. وهو يدلل في كل خطوة على التسارع الهائل في عملية التغير الاجتماعي والتكنولوجي ويصف لنا في كثير من أعماله هذا العصف الهائل في عملية التغير ودينامياته الشمولية. فالتغير التكنولوجي الذي يستعرضه يؤدي إلى تغير المنظومات الفكرية والتربوية والثقافية في المجتمع. وهنا يكمن دور التربية التي يترتب عليها أن تجاري هذا التغير وتحتويه.

يقول آلفين توفلر مستعرضا إشكالية التغير العاصف بأنه ” لم يعد يكفي الفرد أن نفهم الماضي، وحتى لم يعد كافيا له أن يفهم الحاضر، لأن بيئة الحاضر سرعان ما ستتلاشى. ولذا يتوجب على الفرد أن يتعلم كيف يحتسب اتجاه معدل التغيير ويتوقعه. إنه، بحسب التعبير الفني، يجب أن يكرر من وضع الفرض الاحتمالية البعيدة المدى حول المستقبل. وهذا ما يجب على المعلم أن يفعله باستمرار وهذه المهمة برأينا تشكل المنطلق الحيوي للتربية الحديثة في صيرورة زمنية يغيب فيها الماضي ويتلاشى فيها الحاضر كوقود للمستقبل[30].

هذه الصورة التي يقدمها توفلر لمعدلات التغير تذكرنا بقول الفيلسوف الإغريقي هيرقليطس صاحب نظرية التغير والصيرورة الذي يقول ” لا تستطيع أن تستحم في ماء النهر الواحد مرتين لأن مياها جديدة تجري من حولك أبدا ” ويبني هيرقليطس على ذلك أن قانون التغير يشمل عناصر الوجود كله باستثناء واحد هو قانون التغير نفسه الذي لا يتغير والذي يشكل قانونا أزليا في الوجود.

يستعرض توفلر علاقة التغير بالزمن، ويرى بأن الزمن وحدة قياسية نعتمدها في عملية قياس التغير، ويميز ما بين التغير الاجتماعي والتغير البيولوجي فيقول ” إن التطور الثقافي والاجتماعي فائق السرعة إذا ما قورن بالتطور البيولوجي للأنواع ” [31] وغني عن البيان بأن هذا التفاوت يطرح إشكاليات كبيرة في طبيعة الحياة الاجتماعية الثقافية. وكانه يريد القول إن التطور الثقافي يحمل البنية البيولوجية للإنسان تحميلا زائدا وثقيلا وهذا يعني أن هذا التغير الثقافي المتسارع يؤدي إلى تصدع البنية التكوينية الذهنية والبيولوجية للإنسان.

وفي مكان آخر يقارن بين وتائر التغير ما بين الماضي والحاضر مستندا إلى مقولة جوليان هكسلي ويرى بأن إيقاع التغير الحالي ” أسرع بمئة ألف مرة من التطور في المراحل الأولى من تطور البشرية “[32]. وينتهي إلى القول بأن معدل التغير قد ارتفع ” لدرجة أنه لم يعد في استطاعة الخيال أن يلاحقه[33].

وبعد أن يقدم توفلر صورة مروعة لإيقاعات التغير الفائق يكرس كثيرا من كتابه في صدمة المستقبل في استكشاف آثار هذا التغير في بنية الإنسان وتكويناته الذهنية. وضمن عملية البحث عن الأثر يقول: ” التسارع في خارجنا يترجم إلى تسارع في داخلنا ” [34]. وفي هذا القول تكمن رؤيته التربوية حول الكيفيات التي يؤثر فيها التغير في عقل الإنسان ونظرته إلى الكون، وحول الكيفيات التي تواجه فيها التربية هذا التغير في دوراته المتسارعة.

تشكل رؤية توفلر في التغير السريع لحاضر يتلاشى وقديم يموت المنطق الأساسي الذي ترتكز إليه نظريته التربوية. ونحن اليوم نعيش هذه الحقيقة ونراها ونلمسها ونختبرها يوميا. فالتعليم اليوم لا يستطيع أن يجاري التحولات الهائلة في مجال الحياة الاجتماعية وهذا الأمر يشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه الأنظمة التعليمية في العالم. ويدأب اليوم المربون والمفكرون على بناء مناهج تربوية جديدة تقوم على درجة عالية من المرونة والقدرة على الاحتواء والتكيف في عالم سريع التغير. فعلى سبيل المثال تبين التوقعات أن 70% من التلامذة في المدارس يعدون لوظائف لن تكون موجودة بعد تخرجهم من الجامعة. وباختصار فإن التغير يشكل في نظرية توفلر قانونا كليا يشمل التربية والإنسان في علاقة التربية بالإنسان والمجتمع والتغير نفسه. وبعبارة أخرى يبحث توفلر في التغير الذي يحدثه التغير الاجتماعي في التربية، والتغير الذي تحدثه التربية في الإنسان وعقله ضمن جدلية تاريخية مستمرة ومتواترة في ومضات تغير دائرية تاريخية تنهض وتشتد من جديد في كل لحظة زمنية. وبالنتيجة يطلق توفلر خياله الخصب المستند إلى إحداثيات الواقع في حساب تأثير معدلات التغير في الإنسان وأنساقه التربوية.

4-2- الأمية الجديدة والتعلم مدى الحياة:

يتحدث توفلر في كتابيه تحول السلطة (Power shift)[35] ، وصدمة المستقبل أيضا عن صيغة جديدة للأمية في القرن الحادي والعشرين. وقد شهر عنه القول: “بأن الشخص الأمي في القرن الحادي والعشرين لن يكون ذلك الشخص الذي لا يقرأ ولا يكتب، ولكنه الشخص الذي لم يتعلم كيف يتعلم” ، ثم كيف يمسح ما تعلمه، ليتعلمه مرة أخرى”. ويردد هذا القول في صيغة أخرى إذ يقول: “الأميون في القرن الواحد والعشرين لن يكونوا أولئك الذين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة، بل أولئك الذين لا يستطيعون الفهم والتعلم وإعادة التعلم مدى الحياة”[36]. ويؤسس توفلر فكرته هذه بناء على فكرة لـ هربرت جيرجوي الأخصائي النفسي بمنظمة البحوث الخاصة بالطاقات الإنسانية هذه الفكرة في عبارات سهلة واضحة الذي يقول:” إن التعليم الجديد يجب أن يعلم الفرد كيف يصنف ويعيد تصنيف المعلومات وكيف يقوم صحتها وكيف يغير من المقولات إذا لزم الأمر وكيف ينتقل من الواقع إلى المجرد وبالعكس وكيف ينظر إلى المشكلات من زاوية جديدة – كيف يعلم نفسه[37]. (توفلر، 1990، 436).

وفي هذا المسار، يبدع توفلر مبدأ تربويا جديدا، يتضمن روحا فلسفية جديدة، تضعنا في محك الحاجة اليوم إلى عملية التعلم المستمر والتعلم مدى الحياة، وعلى هذا النحو يؤكد توفلر أن التعلم باب مفتوح لا يغلق أبدا، لأن الفرد مطالب بأن يتعلم ثم ينسى ما تعلمه ليعاود رحلة التعلم من جديد. وفي هذا التوجه يرى توفلر أن العصر الجديد لا ينفع فيه أو معه تعلم ثابت جامد في مرحلة زمنية معينة كما هو الحال في التعليم التقليدي. فالتعليم هو انفتاح متجدد على الكون والعالم وأن حقيقة اليوم قد تكون أوهام المستقبل. والحقيقة ما قبل جبال “البيرينة” خطأ ما بعدها كما يقول سبينوزا.

هذا المبدأ الذي ينادي به توفلر في مجال التعليم ينبئ بثورة عارمة في النظام التعليمي التقليدي الذي يعتمد على الثبات والدوران في أفق زمني واحد وفي حيز مكاني واحد. والأخطر من ذلك أن هذا التعليم التقليدي صائر إلى الفناء وسيختنق بجموده في العصر القادم وسيختفي ليس بإرادة الناس بل بإرادة التطور الحادث في طبيعية الأشياء.

وفي ظل هذه الرؤية لمفهوم الأمية يتحدث توفلر عن متطلبات مناهج التعليم في مجتمع الموجة الثالثة (مجتمع ما بعد الصناعة)، وكيف أن هذه المناهج يجب أن تُعلِّم الفرد كيفية تصنيف وإعادة تصنيف المعلومات، وكيفية تقييم صحّتها، وكيفية تغيير التصنيفات عند الضرورة، وكيفية الانتقال من الأشياء الملموسة إلى الأفكار المجرَّدة، والعكس كذلك، وكيفية النظر إلى المشاكل من زاوية جديدة، وكيفية قيام الفرد بتعليم نفسه، أو بإلغاء ما تعلّمه سابقاً واستقاء تعليم جديد يتناسب مع التغييرات المتسارعة.

4-3- التربية للمستقبل:

يشكل المستقبل بآفاقه اللامتناهية جوهرة النظرية التوفلرية في نظرته إلى الوجود الإنساني. فالعالم يتجه بقوة جبارة نحو المستقبل، وهو مستقبل مهيب غريب محمّل بكل أنواع المفاجآت والصور التي تفوق توقعات العقل البشري. فالتربية كما يراها توفلر إعداد للمستقبل، وهي معنية بإعداد الأجيال للعيش بحرية وكرامة وذكاء في عالم يحكمه الذماء الاصطناعي والثورة التكنولوجية العارمة.

وفي المستقبل الذي يراه توفلر بعين بصيرة وخيال نزق جامح يحاول أن يقدم لنا تصورا للتربية ينطلق من الواقع الراهن التي هي عليه إلى ما ستكون عليه أو إلى ما يجب أن تكون عليه في المستقبل. وقبل أن يبدأ توفلر بوصف ما يجب أن تكون عليه التربية في المستقبل يصف لنا التربية التقليدية السائدة في المجتمعات التقليدية وصفا بارعا بوصفها عملية إنتاج وإعادة إنتاج قيم الماضي ومعاييره، إنها تربية ماضوية تجترّ الماضي ثم تعيد إنتاجه في حلقات ودورات مغلقة. يقول توفلر واصفا الواقع التربوي في المجتمعات التقليدية: “في المجتمعات الجامدة يزحف الماضي على الحاضر، ويعيد نفسه في المستقبل، وفي مثل هذا المجتمع تكون الطريقة المثلى لإعداد الطفل هي تزويده بمهارات الماضي-لأنها نفسها المهارات التي سيحتاج إليها في المستقبل” ولأنه مع القديم تكون الحكمة: كما يقول الإنجيل [38]. وهكذا، يسلم الأب إلى ولده كل أنواع التكتيكات الأبوية التي خبرها وعرفها وتشكل على أساسها، كما ينقل إليه مجموعة من القيم التقليدية الصارمة التي تناقلها الآباء عن الأجداد. “وكانت المعرفة تنتقل، لا بواسطة أخصائيين مركزيين في المدارس، ولكن من خلال الأسرة، والمؤسسات الدينية، وكان المتعلمون والمعلمون جميعا مفرقين على طول المجتمع وعرضه، وكان منهج التعليم في الماضي هو الماضي ذاته”[39]. وهنا نجد أن توفلر غالبا ما يؤسس رؤيته على بعض النظريات التربوية ولا سيما برغماتية ديوي إذ يقول ” لقد كافح ديوي ضد صبغ التعليم بصيغة الماضي محولا شد اتجاه التعليم نحو الحاضر، معلنا” أن الأساليب البالية للنظم التعليمية التي تجعل من الماضي غاية في حد ذاته يجب أن تتعرف الماضي كوسيلة فقط لفهم الحاضر” [40].

ثم جاء عصر الآلة “وحطم هذه الصورة التربوية واجتثها من الجذور، هذا، لأن التصنيع كان في حاجة إلى طراز آخر من الرجال، لقد تطلب مهارات لا تستطيع الأسرة والكنيسة وحدهما أن تقدماها، كما أحدث هزة في القيم، وفوق كل هذا تطلب من الإنسان أن يكوّن إحساسا جديدا بالزمن”[41]. وأبدع المجتمع الصناعي المؤسسات التعليمية لإنتاج نمط جديد من البالغين الذين يمكن التعويل عليهم في دورة الاقتصاد وحركة التصنيع. “وكانت المشكلة هي كيف يتم إعداد الأطفال إعداد مسبقا وبطريقة فارقة للتكيف مع عالم جديد، عالم من العمل التكراري داخل أربعة جدران، والدخان، والضجيج والآلات، والعيش في ظروف الزحام، والانضباط الجماعي، عالم لا تنتظم فيه دورة الشمس والقمر، وإنما صفارة المصنع وساعته”[42] .

ضمن هذا السياق يوضح توفلر لأنه قد ترتب على المجتمع الصناعي أن يجد طريقة ومنهجا تربويا جديدا لتأهيل الفرد للحياة في مجتمع صناعي. ومن أجل ذلك وجد أنه لا بد من إيجاد نظام تعليمي جديد مبتكر يحاكي في بنائه العالم الصناعي الجديد، وهو النظام التعليمي الذي ما زلنا نختبره حتى اليوم في أنظمتنا التربوية. وهو ما زال حتى الآن يحتفظ ببعض عناصر مجتمع ما قبل التصنيع. ويمكن القول في هذا السياق أن النظام التربوي الجديد في المجتمع الصناعي استطاع أن يمنهج التعليم على غرار الحركة الصناعية التجارية وعلى منوال قوانينها. فالمدرسة “تقوم بتجميع الطلاب في كتل (مواد خام) لتعالجهم بواسطة المدرسين (عمال)، في مدرسة تحتل موقعا مركزيا (المصنع)، وكانت المراتب الإدارية لعملية التعليم ككل تتبع في نموها نموذج البيروقراطية الصناعية، وكان التلاميذ يسيرون من مكان لآخر في صفوف منظمة، ثم يجلسون حيث قرر لهم أن يجلسوا، وكانت الأجراس تقرع معلنة تغيير الوقت”[43] . وهذا كله يعني أن المدرسة تشكل نموذجا تربويا رأسماليا يلبي حاجات المجتمع الصناعي ويرسخ معالم قوته. وباختصار لا تعدو المدرسة أن تكون أكثر من تنظيم رأسمالي صناعي يعمل على استلاب الوعي، وتشكيل نمط عبودي اغترابي يتميز بقدرته على اختراق الوعي وهندسة السلوك وتنميط التفكير في خدمة المجتمع الرأسمالي.

وعلى هذا النحو الذي يصف فيه توفلر المؤسسة المدرسية أصبحت الحياة الداخلية للمدرسة بمثابة مرآة توقعية. وقد أسست رؤية توفلر ووصفه للمؤسسة المدرسية بوصفها نموذجا صناعيا لكل أشكال النقد الموجه إلى التعليم اليوم ولاسيما حول النظام المدرسي الصارم، والافتقار إلى الفردية، والنظم الجامدة للجلوس، والتصنيف، والتقويم، والتقدير، والدور التحكمي للمدرس، كل هذا هو على وجه التحديد، ما جعل التعليم الجماعي العام أذاة تكييف فعالة بالنسبة لزمانه ومكانه [44].

ويصف لنا توفلر حالة “الشباب المتخرجين من هذه الآلة التعليمية الذين يدخلون إلى مجتمع من البالغين يشبه في بنائه، وأعماله، وأدواره، ومؤسساته، المدرسة ذاتها. إن التلميذ بالمدرسة لم يكن يتعلم مجرد مجموعة من الحقائق التي يستخدمها فيما بعد، بل إنه كان يعيش ويتعلم أسلوبا للحياة صنع على منوال أسلوب الحياة الذي يجب عليه أن ينتهجه في المستقبل،[45] (توفلر، 1990،241).

 4-4 – الثورة التعليمية الجديدة:

مع منتصف القرن الماضي انقطعت الموجة الصناعية الثانية وبدأ المجتمع الإنساني يحط رحاله على أعتاب الموجة الثالثة التي تتميز بطابعها المعرفي اللدن المرن وتنطلق على منصات الثورة المعرفية والتكنولوجية التي تؤدي إلى تغيير جوهري في معالم الحياة والوجود الإنساني وهو نوع من التغير الذي يتطلب تغييرا جوهريا ثوريا شاملا. ومع ذلك يلاحظ توفلر أن التعليم لم يبلغ بعد نضجه للتكيف مع الموجة الثالثة الناعمة، فيقول: ” إن نظمنا التعليمية لم تتكيف حتى الآن تكيفا كاملا مع عصر التصنيع، في حين أن الحاجة إلى ثورة جديدة -ثورة ما فوق التصنيع – تفرض نفسها عليها[46] . ويوضح توفلر رؤيته حول ضرورة هذه الثورة الجديدة في التعليم حيث يصف العالم الجديد بما يليق به، حيث يقول: في النظم التكنولوجية للغد، سوف تتعامل الماكينات السريعة، المرنة الذاتية، التنظيم مع الأشياء المادية، أما الرجال فسيعالجون الأفكار والبصائر. وسيتزايد باستمرار أداء الماكينات للمهام الروتينية، والرجال للمهام الفكرية والخلاقة، وبدلا من أن يتكدس الرجال والماكينات معا في مصانع عملاقة ومدن صناعية، سيتفرقون على سطح الكرة الأرضية، وتربط بينهم وسائل اتصال حساسة وفورية لدرجة مذهلة ن وسيتحرك العمل البشري من المصانع والمكاتب الحاشدة في المجتمع المحلي والبيت[47] .

ومن المؤكد هذا المجتمع الجديد سيحتاج إلى تربية جديدة متجددة وفاعلة أيضا. ويصف هذه التربية بقوله: ” إن تكنولوجيا الغد لا تتطلب ملايين الرجال السطحيّي التعليم المستعدين للعمل المتساوق في أعمال لا نهائية التكرار، ولا تتطلب رجالا يتلقون الأوامر دون طرفة عين، مقدرين أن ثمن الخبز هو الخضوع الآلي للسلطة، ولكن تتطلب رجالا قادرين على إصدار أحكام حاسمة، رجالا يستطيعون أن يشقوا طريقهم وسط البيئات الجديدة، ويستطيعون أن يحددوا موقع العلاقات الجديدة في الواقع السريع التغير. إنها تتطلب رجالا من ذلك النوع الذي وصفه س.ب. سنو بأنهم “يحملون المستقبل في عظامهم” [48].

ضمن هذا التصور المستقبلي للتربية في زمن الموجة الثالثة يؤكد توفلر على هدفية التعليم ويرى بأن ” أن الهدف الأول للتعليم ينبغي أن يكون في رفع قدرة الفرد على التكيف وهذا يتضمن تحقيق عنصري السرعة والاقتصاد في القوة”، وهما العنصران الأساسيان في رفع قدرة الفرد على التكيف مع التغيير المستمر، وكلما ارتفع معدل التغيير في المجتمع، وجب على النظام التعليمي أن يرفع قدرة الفرد على التكيف من جديد ليحقق أعلى درجة من التوازن بين التربية والتغير الاجتماعي[49].

4-5 – سيناريوهات التربية في المجتمع ما بعد الصناعي:

يستخدم توفلر مفهوم ” المجتمع ما بعد التصنيع” ويعني به تحديدا مجتمع “الموجة الثالثة” الذي يعتمد المعرفة والثورة الرقمية والمعلوماتية وهي القوى الناعمة التي تحرك التطور الاجتماعي. فالاقتصاد في هذا المجتمع لن يعتمد على الفيزياء الصلبة للتطور مثل المال والقوة العسكرية والإنتاج الضخم بل سيعتمد الذكاء الصناعي والروبوتات والواقع الافتراضي. وهنا يحاول توفلر أن يقدم لنا تصورا عن التربية في هذا العصر (ونحن نعيشه بعضا من تطوراته اليوم) وهي التربية التي يجب أن تكيف الأفراد للعيش في أحضان “الموجة الثالثة”. يقول توفلر: “من اجل إيجاد تعليم ما فوق التصنيع، سوف نحتاج إلى خلق صور متتابعة وتبادلية للمستقبل، أي افتراضات حول أنواع الأعمال، والمهن، والحرف التي قد تحتاج إليها خلال العشرين إلى الخمسين عاما القادمة، وافتراضات عن أشكال الأسر والعلاقات الإنسانية التي ستبرز، وأنواع المشكلات الأخلاقية والمعنوية التي ستثور، وأنواع التكنولوجيا التي ستحيط بنا، والبنى التنظيمية التي سينبغي لنا أن نبنيها[50] .  ثم يتابع القول: وبوضع مثل هذه الفروض، وتحديدها، ومناقشتها، ومنهجتها، وتطويرها باستمرار، سيمكننا أن نستنتج طبيعة المهارات الإدراكية والفعالة التي سيحتاج إليها أهل المستقبل لاجتياز أزمة التغيير المتسارع بسلام[51] .

ويقترح توفلر مناشط حيوية لتقديم تصورات مبتكرة عن وضعية التربية وكيفية الخروج من مأزقها الحضاري. فيرى أنه ” يجب أن يوجد ” مجلس للمستقبل” في كل مدرسة ومجتمع محلي: فرق من الرجال والنساء مكرسة لسير المستقبل في اهتمامات الحاضر، ومن خلال اختطاط ” أشكال مفترضة للمستقبل” وتحديد استجابات تعليمية متماسكة لهذه الأشكال وطرحها للمناقشة العامة النشيطة، وتستطيع هذه المجالس- الشبيهة من بعض الوجوه ب”الخلايا التنبؤية” التي اقتراحها روبرت يونك من المدرسة العليا للتكنولوجيا بيرلين-أن يكون لها تأثير قوي في التعليم”[52]. ويعول توفلر كثيرا على أهمية مجالس المستقبل فيقول: “إن حركة مجالس المستقبل تقدم مخرجا من الجمود الذي تعاني منه مدارسنا وكلياتنا”[53] فالمستقبل حاضن التغيرات الثورية ويجب على التربية أن تنهض لتجاري ما فيه من إنجازات وتوقعات حضارية. ومن غير ذلك فإن المجتمع مهدد بحالة من السقوط الاغترابي في لجة اندفاعات حضارية للتغير لا يمكن التنبؤ بدقة بمآلاتها وأبعادها الاجتماعية.

4-6- الثورة التربوية: استقالة المدرسة!

لا تخلو تصورات توفلر الفلسفية من شطحات ثورية ضد الطابع الاغترابي للتقدم التكنولوجي إذ يقر بأهمية الثورة التربوية ضد ما يفرضه المجتمع القديم من قيود ثقيلة ضد التقدم الإنساني. وينادي بحق الطلاب في الثورة على النظام التربوي القديم. يقول توفلر في هذا الصدد ” إن طلبة اليوم- وقد وقعوا في شراك نظام تعليمي يصر على أن يجعل منهم مفارقات تاريخية- لهم كل الحق في أن يثوروا” ولكنه يحذرهم من تبعات ارتباطهم بالماضي وقيمه الأيديولوجية الفرويديّة والماركسية إذ حيث يقول ” ولكن محاولات الطلبة الثوريين أن يضعوا برنامجا اجتماعيا مؤسسا على خليط من ماركسية القرن التاسع العشر و فرويدية (نسبة إلى فرويد) مطلع القرن العشرين، يجعلهم مشدودين إلى الماضي (…) ويؤكد على أهمية بناء فرق عمل مشبعة بروح المستقبل و صائغة له قد يعطي ثورة الشباب مضمونا ثوريا حقيقيا[54].

ينضم توفلر في كتابه صدمة المستقبل إلى التيار الذي يدعو إلى إلغاء المدرسة في المجتمع ما بعد الصناعي. فالمدرسة كما يكرر ويلح مؤسسة صناعية قائمة على خدمة النظام الصناعي (الموجة الثانية). وهي ستفقد دورها في المجتمع ما بعد الصناعي ( الموجة الثالثة). وإذا كان توفلر يتفق مع إيفان إليتش زعيم المنادين بضرورة إلغاء المدرسة في كتابه ” مجتمع بلا مدرسة ” فإن لكل منهما أسبابه، وإذا كان إليتش يدعوا إلى إلغاء المدرسة بوصفها أداة برجوازية قائمة على مخادعة الجماهير فإن توفلر يدعو إلى إلغائها على أرضية فقدانها للدور الوظيفي الذي يمكن أن تقوم به في المجتمع ما بعد الصناعي. ويؤكد توفلر على هذا التوجه بقوله: “إن المدرسة الحالية قد صممت على مقياس المجتمع الصناعي التقليدي (…) وهي غير مجدية في العصر الجديد ما بعد الصناعي (الموجة الثالثة). ويتضح هذا التوجه أيضا في قوله:” إن التنظيم الأساسي الحالي للمدارس مواز لتنظيم المصانع. وعلى مدى أجيال، افترضنا ببساطة أنا أنسب تعليم هو ذلك الذي يقع داخل المدرسة”. وهنا يتساءل مستشرفا دور المدرسة في العالم الجديد بقوله: “ولكن إذا كان التعليم الجديد سيحاكي مجتمع الغد، فهل ينبغي أن يتم في مدرسة أصلا” [55].

وضمن هذا التوجه يتوقع توفلر أن يتم التعليم خارج جدران المدرسة التقليدية في سياقات اجتماعية أخرى كالعائلة ومؤسسات العمل والمؤسسات الثقافية والمهنية. وفي هذا الأمر يقول: “ومع الاتجاه إلى الصناعة المرتكزة على المعرفة وزيادة أوقات الفراغ، فقد حان لنا أن نتوقع اتجاها هاما، وإن كان محدودا، من الآباء والأمهات ذوي المستوى العالي من التعليم إلى جذب أبنائهم ولو جزئيا خارج نظام التعليم العام، وتولي تعليمهم في البيت”[56].

ويلمح توفلر في مكان آخر بأن المدرسة التقليدية يجب على الأقل أن تشهد تغييرا جوهريا في بنيتها ووظيفتها ودورها الحضاري. وهو في هذا السياق يورد رأي هارولد هاو أحد كبار المسؤولين عن التعليم في الولايات المتحدة، الذي يقترح تعديل بنية المدرسة جوهريا وليس إلغائها ومفاد اقتراحه ” أنه يجب إدخال المجتمع إلى المدرسة كأن تمنح المحلات والورش المختلفة في المنطقة أماكن مجانية بالمدارس مقابل دروس مجانية يقدمها الذين يديرون هذه المحلات للطلبة، إن هذه الخطة المصممة أساسا لمدارس “جيتو المدن” يمكن أن يوسع مجال تطبيقها بما يناسب طبيعة المؤسسات المدعوة إلى المدرسة: مكاتب خدمة الكمبيوتر على سبيل المثال، ومكاتب التصميمات المعمارية، وربما حتى المعامل الطبية ومحطات الإذاعة ووكالات الإعلان [57]. وفي هذا الاقتراح دعوة فعلية إلى إلغاء المدرسة بوصفها مؤسسة كلاسيكية. فهذا التغيير يؤدي في النهاية إلى تعطيل النموذج التربوي للمدرسة ودمجا في سياق المجتمع الجديد بطريقة جديدة مبتكرة إلى حدّ كبير.

وفي حقيقة الأمر ومع الأهمية التي أعطاها توفلر لمقترحات هارولد فإن يبدو أكثر نزعا إلى تبني فكرة انهيار المدرسة وسقوطها بوصفها نموذجا صناعيا كلاسيكيا لا ينفع في المجتمع ما بعد الصناعي. وهو يومئ إلى ظروف ومتغيرات موضوعية يمكنها أن تجهز على المدرسة في مجتمع ” الموجة الثالثة” يقول في هذا السياق: ” ثمة تغييرات عديدة مماثلة تلوح في الأفق، وكلها تشير ولو في شيء من التردد، إلى انهيار نموذج المدرسة – والمصنع الذي تأخر أكثر مما يجب[58]. ويتابع القول في مكان آخر معززا رؤيته حول استقالة المدرسة ” إن التقادم السريع للمعرفة والزيادة المستمرة لمتوسط الأعمار يقللان من احتمال صلاحية المهارات المكتسبة في الصغر عندما يتقدم السن بالفرد[59].  ويفند ضرورة استقالة المدرسة بقوله ” وإن كان التعليم سيمتد بامتداد العمر، فليس ثمة مبرر قوى لإجبار الأولاد على الالتحاق بالمدرسة على أساس من الوقت الكامل، إن تقسيم وقت الشباب بين المدرسة وبين العمل في المناشط المختلفة للمجتمع، بأجر أو بدونه، سوف يكون أفيد لهم علميا وتعليميا على حد سواء”[60].

4-7 – نقد المدرسة التقليدية:

يعتمد أسلوب توفلر على نوع من المحاججة التاريخية في تنبوءاته التربوية، فهو كما أشرنا لا يطلق تنبوءاته المستقبلية جزافا ولا يطلق العنان لمخيلته في التنبؤ بالمدرسة الجديدة في المجتمع ما بعد الصناعي، بل ينطلق منهج تاريخي مقارن يعتمد فيه منهجية المحاججة والاستدلال في الكشف عن المتغيرات الفاعلة في عملية التطور التاريخي للمدرسة، كما ينطلق من مسارات الماضي والحاضر في رسم تصوراته المستقبلية.

ومن أجل وضح الملامح المستقبلية للتربية والتعليم في العصر ما بعد الصناعي ترتب عليه أن ينطلق من فهم عميق لوظيفة التعليم في المجتمع الصناعي التقليدي، واستطاع أيضا أن يكون واحدا من أبرز هؤلاء الذين كشفوا عن وظيفة المدرسة في المجتمع الصناعي واستطاع أن يكشف أسرارها ويفكك بنيتها بطريقة عبقرية. ويعود إليه الفضل في فهمنا المستنير لوظيفة المدرسة التقليدية التي أبلى في دراستها ونقدها والكشف عن وظيفتها.

وفي سياق التحليل المقدم إلى المدرسة التقليدية يرى توفلر أن هذه المدرسة لن تفلح في المرحلة ما بعد الصناعية لأنها مصممة لخدمة المجتمع الصناعي الأول. وهو يتناول مختلف جوانب العملية التربوية في المدرسة ويفندها بطريق إبداعية بدءا من ابسط المظاهر إلى أكثرها تعقيدا.

يبدأ توفلر بأكثر الأشياء بساطة في العملية المدرسية إذ يقوم بتحليل المحاضرات محاولا الكشف عن آلية اشتغالها في مجتمع طبقي تراتبي فيقول: ” إن المحاضرات هي الأسلوب المعبر عن فلسفة المراتب التنازلية من أعلى إلى أسفل في البناء البيروقراطي للصناعة، ولكن بينما ما زال أسلوب المحاضرة محتفظا بفائدته بالنسبة لأغراض محدودة، فقد أخلي الطريق أمام حشد كامل من الأساليب التعليمية يمتد من المشاركة والألعاب إلى الحلقات الدراسية التي تستخدم الكمبيوتر، وإدخال الطلبة فيما يمكن أن نسميه “الخبرات المستنبطة” [61]. ثم يتابع القول ” إن الأساليب المعتمدة على برمجة الخبرات المستمدة من أنشطة العمل والفراغ، والتي ستتولى تطويرها شركات الصناعات النفسية في المستقبل، سوف تحل محل المحاضرة المعتادة، المتكررة، والمستنزفة للعقل[62] .

هذه الرؤية الثاقبة لوظيفة المحاضرة في المدرسة وطريقة تعزيزها للدور الطبقي تجعل من توفلر واحدا من كبار المفكرين النقديين في التربية أمثال بيير بورديو، وإيفان إليتش، وبيير بودون، وبودلو واستابليه وغيرهم، حيث استطاع أن يكشف عن الوظيفة الرأسمالية لأبسط دقائق الحياة المدرسية. ونجد هذا التصور الذكي لدور المدرسة في المجتمع الصناعي بقوله: ” لقد تولت المدارس صياغة إنسان عصر التصنيع بحيث يملأ خانة محددة وثابتة نسبيا داخل النظام الاجتماعي والاقتصادي، أما تعليم عصر ما فوق التصنيع فمطلوب منه أن يعد الناس ليعملوا في إطار تنظيمات الغد الأدهوقراطية (Ad-hocracy) [63] المؤقتة”[64] .

ويقدم توفر تصورا دقيقا لصورة المدرسة التقليدية وآليات اشتغالها ودورها الاستلابي فيقول: ” عندما يدخل أطفال اليوم إلى المدرسة فسرعان ما يجدون أنفسهم وقد أصبحوا جزءا من بنية تنظيمية ذات معايير أساسية ثابتة لا تكاد تتغير تتلخص في: فصل يقوده مدرس، فرد بالغ وعدد معين من التابعين الصغار يجلسون عادة في صفوف ثابتة تتجه إلى الأمام، ويمثلون معا الوحدة الأساسية لمدرسة عصر التصنيع، وعندما ينتقلون عاما بعد آخر، ومن فصل إلى فصل أعلى، فإنهم يظلون ثابتين داخل نفس الإطار التنظيمي، ومن هنا فإنهم لا يجنون أي خبرة بأي شكل آخر، وبالتالي لا يحصلون على أي تدريب على تعدد الأدوار [65].

ويتابع توفلر محاججته التربوية حول إخفاق المدرسة التقليدية بأسئلة ذكية، إذ يقول: ” إننا ندعو أي إنسان يعتقد في عقلانية المناهج الحالية أن يشرح لتلميذ ذكي في الرابعة عشرة: لماذا تمثل دراسة الجبر أو اللغة الفرنسية ضرورة حيوية بالنسبة له؟ إن إجابات البالغين في هذا الخصوص مراوغة وغامضة. والسبب واضح بسيط: إن المناهج الحالية ليست إلا تشبثا غبيا بالماضي”[66]. ثم يعقّب بالقول: ” إن المناهج الحالية وتقسيماتها الضيقة ليست مؤسسة على أي تفكير عميق أو مفهوم واضح للاحتياجات الإنسانية المعاصرة، وهي أقل ارتكازا على أي فهم للمستقبل[67].

4-8 – التعليم في مدرسة الغد:

بعد أن يدلل توفلر ويبرهن على فقدان المدرسة التقليدية لمشروعيتها التاريخية وتقادم وظيفتها التربوية مع انحسار المجتمع الصناعي وظهور ملامح مجتمع جديد في موجته الثالثة يحاول أن يقدم لنا تصورات حول صورة المدرسة في النظام الجديد ويحاول أن ينطلق في وصفه من أبسط مظاهر هذا التعليم إلى أكثرها تعقيدا. وكما فعل في وصفه لدقائق الحياة التربوية في المدرسة التقليدية يصف لنا هذه الدقائق والفعاليات المجهرية في داخل المدرسة الجديدة فيرى أن مدرسة المستقبل ستكون مختلفة في بنيتها الهرمية السابقة ” حيث نجد:” فصولا يتلقى فيها طالب واحد من عدة مدرسين، وفصولا تضم جماعة من الطلبة وعدة مدرسين، وطلبة ينتظمون في مجموعات عمل مؤقتة ومجموعات مشروع، وطلبة ينتقلون بين العمل ضمن جماعة العمل الفردي، المستقل- كل هذه الترتيبات وغيرها من نفس القبيل، سوف يكون استخدامها ضروريا من أجل أن تعطي مقدما جرعة من مذاق الخبرة التي سيتعين عليه أن يمر بها عندما يخوض غمار حياته العلمية، منتقلا بين المعالم المتغيرة للجغرافيا لعصر ما فوق التصنيع[68] .

وأمام هذا الوصف لا نستطيع أن ننكر قدرة توفلر الهائلة على تصور نظام مدرسي يتوافق مع متطلبات المجتمع المعرفي (الموجة الثالثة) ولا نستطيع أن ننكر أننا بدأنا نشهد بعض الملامح الأساسية التي وصفها في كثير من المدارس حول العالم.

ويعود توفلر إلى تناول فكرة “مجالس المستقبل” التي أكد أهميتها في مدرسة ولكنه هذه المرة يحدثنا عن دور جديد لهذه المجالس يتمثل في عملية تجديد المناهج وتطويرها لتنسجم مع معطيات العصر الجديد. يقول توفلر في هذا السياق: ” إن مجالس المستقبل، – الخلايا التنبؤية لثورة ما فوق التصنيع- ينبغي لها في نضالها من أجل الارتقاء بالتعليم، أن تقيم من نفسها لجانا لمراجعة المناهج[69] .  وستعمل هذه اللجان على “بناء برامج تعليمية تستهدف تدريب الناس على تناول مشكلات ليس لها وجود فحسب، بل أغلب الظن أنها لن توجد أيضا. إننا نحتاج على سبيل المثال- إلى أخصائيين في مجالات متنوعة من التخصصات العلمية لمواجهة احتمالات رهيبة، وإن كانت غير مرجحة مثل: احتمال تلوث الكرة الأرضية بميكروبات قد تأتي بها رحلات الفضاء من الكواكب والنجوم، أو نشوء الحاجة إلى الاتصال بالحياة الفوق أرضية، أو المخلوقات الرهيبة التي يمكن أن تنتج عن التجارب التي تجري على السلالات والوراثة [70].

ويؤكد توفلر على فكرة الاصطفاء البرغماتي للتربية حيث يستبعد أي مقررات أو نشاطات غير ضرورية في العصر الجديد فيقول: ” إنه لا ينبغي أن يتضمن المنهج المطلوب أي مادة، ما لم تبرر احتياجات المستقبل ضرورتها تبريرا قويا، حتى وإن كان سيترتب على ذلك حذف جانب كبير من المنهج فليكن”[71].

ويبالغ ربما في تصوراته حيث يقول أنه: ” وكان من الواجب أن نكون قد شرعنا في تدريب كوادر من الشباب للعيش في بيئات تحت الماء، فقد يجد بعض الأجيال القادمة نفسه يعمل ويعيش تحت مياه المحيطات، ومن هنا ينبغي أن نأخذ الطلبة في رحلات تحت الماء وأن نعلمهم الغوص، ونعرفهم بالطاقات المطلوبة والمخاطر المحتملة لغزو البحر بواسطة الإنسان وان يشمل هذا التدريب الأطفال الصغار والكبار أيضا “[72].  ويتابع في تقديم تصوراته: ” ويجب تعريف الشباب والأطفال بعجائب الفضاء الخارجي وأن نمكن جماعات منهم للعيش مع أو بقرب رواد الفضاء وأن يتعلموا عن البيئات الكونية وأن يعرفوا تكنولوجيا الفضاء. ويجب أن يُشجع آخرون على العيش ضمن اسر كوميونية وغيرها من الأشكال الأسرية للمستقبل، ومثل هذه التجارب يمكن أن تكون جزءا من تعليم مناسب وليست نفيا أو قطعا لعملية التعليم”[73]. وكل هذا يأتي ضمن احتساب ارتفاع معدلات الزوال والجدة والتنوع في الحياة المعاصرة التي تجعل الناس في المستقبل يحتاجون إلى مهارات جديدة في ثلاثة مجالات ذات أهمية قصوى هي: التعلم والارتباط والاختيار.

4-9 – الطابع النقدي للتعليم في عصر متغير:

يؤكد توفلر على مبدأ التغير السريع ونسبية المعرفة ” فالحقيقة ما قبل جبال البيرينيه خطأ ما بعدها ” كما يقول اسبينوزا. فالمعرفة نسبية ومتغيرة وكلما ازداد التغير ازدادت نسبية المعرفة وتغايرها وقابليتها للفناء. وقانون نسبية المعرفة وتغايرها هو القانون الذي يجب أن يسود في القرن الحادي والعشرين. يقول توفلر في هذا السياق ” نستطيع في ضوء تسارع التغيير أن نستنتج أن المعرفة ستزداد زوالية وقابلية للفناء، إن حقائق اليوم قد تصبح ضلالات الغد. ولا يحمل هذا القول أي دعوى ضد تعلم الحقائق والمعطيات”[74].

لا يقف توفلر عند مبدأ إعلان الحقائق بل يبحث في إسقاطاتها الواقعية وتداعياتها الاجتماعية بل يركز على الطابع النقدي في عملية تناول هذه الحقائق. فـ “المجتمع الذي لا يكف الفرد فيه عن تغيير عمله، ومحل سكنه، وعلاقاته الاجتماعية إلى آخره-مثل هذا المجتمع يفرض أثقل الأعباء على طاقة التعلم لدى الفرد، ومن ثم فإن مدارس الغد لا ينبغي أن تكتفي بمجرد تعليم المعطيات، ولكن أيضا طرق معالجتها، يجب أن يتعلم الطلاب كيف ينسخون الأفكار البالية وكيف ومتى يحلون محلها. وباختصار، يجب أن يتعلم الطالب كيف يتعلم[75].

على الطالب إذن أن يتعلم كيف يتعلم نقديا، وكيف يأخذ بأسباب التغير ونسبية المعرفة؟. وتلك هي السمات الأساسية للتعليم في المجتمع ما بعد الصناعي. وهنا يؤكد توفلر على الطابع الاغترابي في مسيرة التطور فالزوال والتغير والتسارع هي العناصر الأساسية في عملية استلاب الإنسان وتغيره وكما يقول توفلر في تفسير السلوك الاغترابي عند الشباب ” نستطيع أن نتفهم بعض ما يبدو سطحيا أنه محير من سلوك الشباب، عندما ندرك أن الزوال يمثل أحد عوامل الاغتراب. إن بعضهم على سبيل المثال ينظر إلى الجنس باعتباره طريقة سريعة ” للتعرف إلى شخص ما”. فبدلا من النظر إلى الاتصال بالجنس كشيء يأتي بعد عملية طويلة من بناء الصداقة، ينظرون إليه، صوابا أو خطأ، كطريق مباشر إلى تفاهم إنساني أعمق [76].

ويلجأ توفلر من جديد إلى منهجية المقارنة بين مجتمعي التصنيع وما بعد التصنيع للتدليل على تغير القيم في المجتمع الحديد، يقول توفلر: ” في مجتمعات ما قبل التصنيع عندما كانت القيم ثابتة نسبيا، لم يكن ثمة نزاع يذكر حول حق الجيل الأقدم في فرض قيمة على الشباب، وكان التعليم مهتما بغرس القيم ونقل المهارات، وحتى في أول العهد بالتصنيع نجد هربرت سبنسر يؤكد على أن “هدف التعليم هو صياغة الشخصية”، أو بمعنى آخر إغراء الشباب أو حملهم حملا على اعتناق قيم الكبار” [77]. ولكن عندما تصدع بناء القيم القديم تحت ضربات أمواج ثورة التصنيع العاتية، وتطلبت الظروف الجديدة قيما جديدة، تراجع المعلمون عن منهجهم القديم في تعليم الحقائق الثابتة ثم “ترك الطالب يحزم أمره” وفي هذا تأكيد على قيمة الاستقلال كفضيلة تربوية جديدة. تقدمية[78]. ونستخلص من مداولات توفلر أن التعليم يتغاير بتغاير الأزمان وأنه يجب على التعليم الجديد أن يركز على الطابع النقدي والنسبي في تعليم الناشئة، وهذا ضروري جدا في عصر تزول فيه القيم والمعلومات وتتجدد في مظاهر متنوعة جدا.

4-10- استكشاف المنهج الخفي:

يسجل توفلر نفسه من جديد بين رواد التربية النقديين في استكشافه لمسألة المناهج الخفية في التربية التي كانت من أعظم الاكتشافات التيار النقدي في علم الاجتماع التربوي. وفي هذا المستوى يتمكن توفلر من الحفر الأركيولوجي المعرفي في أعماق النظام التربوي ليكتشف أن ما يبديه ليس إلا غطاء لما يخفيه من أسرار وفعاليات وممارسات. وقد عمل توفلر بعبقريته المعهودة على استكشاف هذا المجال الخفي بأدق تفاصيله وخفاياه المريبة. ونعتقد بأن توفلر هو أفضل من وصف آليات المنهج الخفي ودوره في العملية الاستلابية في الحياة التربوية، يقول توفلر في وصفه لهذا المنهج: ” إن كثيرا من المعلمين يصابون بالدهشة اليوم عندما يقال بأن كل أنواع القيم تنتقل إلى الطلبة، إن لم يكن بواسطة الكتب المدرسية فبواسطة المنهج الغير الرسمي- ترتيبات الجلوس، وجرس المدرسة، والتفرقة السنية، والتمايز الاجتماعي، وسلطة المدرس، وحقيقة أن الطلبة في مدرسة بدلا من أن يكونوا في المجتمع ذاته، كل أمثال هذه الترتيبات تبث في عقل الطالب رسائل غير منطوقة وتصور مواقفه ووجهات نظره، ومع ذلك يستمر تقديم المنهج الرسمي وكأنه خال من القيم، فالأفكار والأحداث مجردة من أي مضمونات للقيم، معزولة عن الواقع الاجتماعي[79]. ويستمر في وصفه المبتكر لهذه الظاهرة الاغترابية التي تستلب الطلاب والتلامذة بقوله: ” وأسوأ من هذا، أن الطلبة نادرا ما يشجعون على تحليل قيمهم الذاتية وقيم مدرسيهم وأندادهم، ويقطع الملايين منهم كل المراحل الدراسية دون أن يضطروا مرة واحدة إلى النظر فيما يقومون هم أنفسهم من تناقضات أو إلى سبر غور أهدافهم الذاتية في الحياة، أو حتى لمناقشة هذه المسائل مناقشة خاطفة مع نظرائهم، الطلبة يلهثون صعودا من فصل إلى فصل- والمعلمون يدفعون دفعا إلى مزيد من العزلة. وحتى المناقشات الخارجة عن المنهج والتي تتناول موضوعات الجنس والسياسة والدين والتي تتيح للطالب التعبير عن ذاته وإيضاح قيمه، أخذت بدورها تتناقض عددا وتقل ألفة كلما ارتفع الزوال[80] .

4-11- كيف نطلق عقول الأطفال نحو المستقبل؟

تتمحور نظرية توفلر جوهريا حول المستقبل كما يشي عنوان كتابه ” صدمة المستقبل” ومما لا شك فيه أن معظم أفكاره تدور حول الأوضاع الإنسانية في مستقبل الموجة الثالثة. وفي وصفه لتأثير المستقبل في التربية أو ما ستكون عليه التربية في المستقبل يستفيد من مختلف التجارب العلمية والتصورات الأكاديمية القائمة في هذا الحقل. وقد ترتب عليه ضمن سياقات عمله المختلفة أن يرسم لنا صورة التربية في المستقبل ومن ثم ما يتوجب على هذه التربية إزاء المستقبل.

وفي هذا السياق يستمزج توفلر نظرية عالم الاجتماع بنيامين. د.سينجر- من جامعة ويسترن إنتاريو في تأثير المستقبل ويورد نصا له يقول فيه: “إن المستقبل يلعب دورا ضخما، وغير مستحب إلى حد كبير في سلوكنا الحاضر” (..) ثم يقول في هذا السياق ” إن ذات الطفل تعتبر جزئيا بمثابة تغذية مرتدة مما هو بسبيل أن يكونه” والهدف الذي يتحرك إليه الطفل هو “صورة دوره في المستقبل”، أي: تصوره لما يجب أن يكون عليه في مراحل مختلفة من المستقبل” [81]. وبالتالي ” فإن هذه الصورة عن دوره في المستقبل، تساعده على تكوين وإضفاء معنى على نموذج الحياة المتوقع منه أن يحتذيه[82] .

ومن الواضح أن توفلر يقدم تصورا بارعا عن تأثير المستقبل في التكوين الذهني للطفل أو للمتعلم، ولكن هذا الدور كما نراه نحن مرهون بالسياق الحضاري التربوي الذي يعيش الطفل في كنفه. فالتربية التقليدية كما لتوفلر ( وهي حقيقة) تركز على الماضي ويكون تأثيره رجعيا في تشكيل ذات الطفل وهويته الحضارية.

يعقب توفلر على نيامين دي سنجر ويؤكد رؤيته المستقبلية حول تربية الطفل ثم يطورها بصورة أفضل عندما يقول:” وحتى نضع رأي سينجر في صورة أبسط، لأنه يرى أن الفرد لا يحمل في ذهنه صورة ذاتية لنفسه في الحاضر فقط. بل مجموعة من الصور التي تقدمه إلى المستقبل، أي: كما يجب أن يكون في المستقبل. “هذا الشخص الذي يرى فيه الطفل نفسه في المستقبل، هو منه بمثابة البؤرة التي يرتكز عليها نظره، والمغناطيس الذي ينجذب إليه، ومن ثم نستطيع القول بأن المستقبل هو الذي يخلق إطار الحاضر” [83].

يعمق توفلر رؤيته حول المستقبل في سياق اجتماعي تاريخي تتضح فيه ملامح العلاقة بين الحاضر والمستقبل، وينهج نهجا تاريخيا ديالكتيكا في تصوره هذا فيقول بوضوح: ” إن لدى المجتمع الكثير من الجسور الزمنية التي تربط الجيل الحاضر بالماضي، فإحساسنا بالماضي ينمو من خلال احتكاكنا بالجيل الأكبر، وبمعرفتنا بالتاريخ، وبتراثنا المتراكم من الفن، والموسيقى، والأدب، العلم المنتقل إلينا عبر السنين. وهو يقوى باحتكاكنا المباشر بكل ما حولنا من الأشياء التي لكل منها جذور ممتدة في الماضي والتي تمدنا بأثر من الانتماء إلى الماضي[84]. ويضيف في السياق نفسه: ” ولكن ليس ثمة جسور زمنية من مثل هذه تقوي إحساسنا بالمستقبل، فليس لدينا أشياء، أو أصدقاء، أو أقارب، ولا عمل من أعمال الفن أو الموسيقى أو الأدب نبت في المستقبل، وبعبارة أخرى، فإننا لا نملك تراثا ينتمي إلى المستقبل [85].

في هذا التحليل الرائع، يوضح لنا توفلر لماذا يكون الماضي مؤثرا في حياتنا؟ ولماذا يغيب تأثير المستقبل وتغذياته الراجعة في حياة الأجيال؟ لأننا ببساطة نتجذر في الماضي، وفي الماضي تنطلق هويتنا وتتشكل ذكرياتنا، إنه التراث الذي نحيل إليه كل التكوينات الذهنية للجيل الحاضر. ومن هنا يأتي التأثير الكبير للماضي في حياتنا ووجودنا. ويبدو لنا أن توفلر لا يهاجم هذا الماضي ولا ينكر أحقيته في التأثير. ولكنه يبحث عن منهجيات جديدة للتجذر في المستقبل. أي: عن منهج أصيل يمكننا أن نجد فيه تراثا في المستقبل، كينونة ووجودا، وهذا لا يتم إلا عبر تربية خصبة عبقرية تناشد المستقبل وترتمي في فناءاته الواسعة. وفي هذا الصدد يدعو توفلر إلى بناء الروح المستقبلية في الأطفال وفي الأجيال ويؤكد وجود ” سبل نستطيع من خلالها أن نطلق عقولنا إلى الأمام كما أطلقناها إلى الخلف. إننا نحتاج إلى خلق وعي قوي بالمستقبل بين الجماهير[86] .

يقدم توفلر رؤية عقلانية حول أهمية المستقبل في التربية والتربية في المستقبل. ويركز على أهمية بناء الوعي على وتيرة التسارع في التغير نحو المستقبل. ويؤسس رأيه على تحليل تاريخي رشيق ومقنع وجميل حيث يقول: “فإذا كان الفرد المعاصر سوف يضطر إلى التكيف مع ما يساوي ألف سنة من التغيير خلا فترة عمر واحد، فإن عليه أن يحمل في رأسه صورة دقيقة إلى حد معقول عن المستقبل”[87] .  ثم يتابع ” لقد كان رجال العصور الوسطى يحملون في رؤوسهم صورة الحياة الآخرة، كاملة بالمشاهد الحية للجنة والجحيم، ونحن نحتاج الآن إلى أن نكون صورا ديناميكية لاميتافيزيقية لما ستكون عليه الحياة الزمنية، وكيف سيكون صوتها، ورائحتها، ومذاقها وملمسها في المستقبل المسرع إلينا[88] .

ويبدو أن توفلر لا يقدم وصفا فحسب للتربية المستقبلية بل يدعو إليها ويناشدها بحماسته المعهودة إذ يقول داعيا إليها: ” ينبغي أن نشجع الناس منذ طفولتهم على التأمل الحر، ليس فقط عما يخبئه لنا الأسبوع القادم، ولكن أيضا عما يخبئه الجيل القادم للجنس البشري. إننا نعطي أولادنا دراسات في التاريخ، فلماذا لا نعطيهم أيضا دراسات عن المستقبل نستكشف فيها إمكانيات المستقبل واحتمالاته بطريقة منهجية، كما نستكشف اليوم النظام الاجتماعي عند الرومان وظهور النظام الإقطاعي” [89].

ولا يكتفي توفلر بالتأكيد على أهمية التربية على المستقبل من خلال رؤيته الخاصة المؤمنة بدور المستقبل في التربية أو دور التربية في المستقبل بل يساند رؤيته بالأسس العلمية والفلسفية حول أهمية المستقبل في التربية. وهو في هذا السياق ينطلق من آراء روبرت، – وهو من أبرز فلاسفة المستقبل في أوروبا – الذي يقول مؤكدا أهمية المستقبل في التربية “في وقتنا الراهن يكاد يكون التعليم مركزا تركيزا تاما على ماذا صنع وماذا صنع؟ أما في الغد فلا بد من أن يخصص ثلث المحاضرات والتدريبات على الأقل للاهتمام بالأعمال الجارية في المجالات العلمية، والتكنولوجية، والفن، والفلسفة، ومناقشة الأزمات المتوقعة والحلول الممكنة مستقبلا لمواجهة تحدياتها[90] .

ولا يقف توفلر متأملا وضعية التربية المستقبلية من أبراجه الفلسفية العاجية بل يحلق ويهبط إلى مستوى الممارسة اليومية في المجال المدرسي ويوضح لنا كيف يمكن التأثير في الوعي المستقبلي للناشئة والأطفال. وهو يريد أن يحدد ويرسم حدود الممارسات المنهجية في داخل المدرسة. وضمن هذا السياق ينادي بتغيير المناهج وتركزيها على المتقبل ضمن آليات فنية ومقترحات ذكية كاستخدام الفن وتنشيط المخيال الطفولي في اتجاه المستقبل. ويؤكد في هذا السياق على الأدب وعلى القصة وعلى مختلف الفنون في تقديم صورة عن المستقبل لدى الطفل، ويصف لنا هذا التوجه بقوله:” يحتل القصص العلمي مرتبة دنيا كفرع من فروع الأدب. ولكن إذا نظرنا إليه على أنه مادة اجتماعية عن المستقبل أكثر من كونه أدبا، فسنجد فيه عاملا فعالا في دعم قوى التخيل اللازمة لخلق عادة التوقع، ومن ثم فإن أطفالنا يجب أن يدرسوا أعمال أرثر سي كلارك، ووليام تن، وروبرت هانيلين، وراي برادبوري، وروبرت شيكلي، لا لأن هؤلاء الكّتاب يستطيعون أن يحكوا لهم عن السفن الصاروخية، أو عن ماكينات الزمن، ولكن أهم من هذا لأنهم يستطيعون أن يشدوا أذهان الشباب إلى الاستكشاف التخيلي لأدغال القضايا السياسية، والاجتماعية، والنفسية، والأخلاقية التي ستواجههم عندما يكبرون” [91].

ولا يقف توفلر عند حدود الدعوة إلى منهج علمي حول المستقبل بل يكرس وقتا للتفكير في الآليات التنفيذية لتعميق الرؤية نحو المستقبل وتشكيل الوعي المستقبلي، وهنا يقول: ” يمكن استخدم تدريبات أخرى بالنسبة لصغار التلاميذ، فمن أجل إيضاح تصوراتهم لدورهم في المستقبل، بحيث يرسمون فيها صورا لأنفسهم بعد خمس أو عشر أو عشرين سنة مستقبلا، وعن طريق طرح ما يكتبون للمناقشة في الفصل، والمقارنة بين افتراضاتهم المختلفة، يمكن تحديد وفحص التناقضات في تصورات الطفل نفسه، ففي الوقت الذي تكون فيه الذات في حالة من الانقسامات المتعاقبة إلى ذوات متعددة، يمكن لهذا التكنيك أن يفيد في إمداد الفرد بنوع من الاطراد. فإذا قدمنا على سبيل المثال، للأطفال عندما يبلغون الخامسة عشرة ما كتبوه أنفسهم عندما كانوا في الثانية عشرة، فيستطيعون أن يروا كيف أثّر النضج في تعديل صورهم الذّاتية في المستقبل، كما سيساعدهم هذا أيضا على أن يفهموا كيف صاغت قيمهم ومواهبهم ومهاراتهم، ومعرفتهم إمكانياتهم الذاتية “[92] .

5- خاتمة – توفلر مربيا:

يتمثل هاجس توفلر الوجودي في مواجهة المستقبل بطفراته وتسارع إيقاعاته الاغترابية ويرى بأن العمل على تشييد أنظمة تربوية وتعليمية خلاقة هو السبيل الأمثل لمواجهة التحديات المصيرية للإنسانية. ومن هذا المنطلق تتكاثف تصورات توفلر التربوية وتتضافر مكوناتها الإبداعية لتشكيل نظرية تربوية من أجل المستقبل وتفادي صدماته واحتواء مفاجآته، يقول توفلر في هذا السياق: ” من أجل تفادي صدمة المستقبل يجب أن نعمل على بناء نظام تعليم يناسب عصر ما فوق التصنيع وحتى نفعل يجب أن نبحث عن وسائلنا وغاياتنا في المستقبل بدى من أن نبحث عنها في الماضي[93] .

من يتابع النشاط الفكري لدى توفلر سيرى بوضوح أن توفلر قد ارتقى إلى مرتبة كبار المنظرين في التربية كما هو حال في علم الاجتماع والمستقبليات. فأعماله الفكرية كما أشرنا إليها تنطوي على أرقى ما يمكن للتربية أن تصل إليه من عمق وأصالة وعبقرية. واستطاع توفلر بعبقريته المعهودة أن يباشر مختلف القضايا التربوية بالدراسة والتحليل. ونعتقد أن توفلر لم يكن منظرا تربويا عاديا إذ نجد لديه رؤية تربوية فريدة تتمثل في قدرته على استنباط تحليلات رشيقة للتريبة في مسار تطورها الذاتي وفي معترك تطورها ضمن تطور الحياة الاجتماعية ضمن وتائر التطور الهائلة التي تحدث في المجتمع والمتوقع حدوثها. ولم نعهد مثل هذه المنهجية في تاريخ الفكر التربوي.

لم يُرد توفلر أن يكون مربيا أو منظرا ولكنه ارتقى إلى هذه المكانة ضمن نسق العبقرية السوسيولوجية التي تميز بها. فعندما أراد توفلر أن يدرس المجتمع في أعتى مراحل تطوره وتغيره ترتب عليه أن يأخذ النسق التربوي كنشق جوهري في عملية التغاير واستطاع أن يحقق هذا التناغم المذهل بين التربية والتغير واحتمالات التغير واستطاع أن يقدم لنا صورة عيانية مرسومة لتطور التربية ومنظوماتها الفكرية وكأننا أمام عرض سينمائي تتطور فيه الأحداث من المقدمات إلى الحبكات المعقدة.

وقد اختلف توفلر عن غيره من المنظرين والمفكرين التربوية بأنه استطاع أن يستفيد من جميع التجارب والخبرات العالمية من المفكرين والباحثين والمعلمين والدراسية. ولا يخفى على أحد أنه أجرى مئات المقابلات في الجامعات والمدارس والمؤسسات ولم يترك شاردة أو واردة أو يهمل رأيا هنا أو هناك. وهذا يعني أنه في عملية بنائه النظري لم ينطلق من ذاته ولم يدع نبوغا عبقريا يرتحق من ذاته فانطلق من الواقع ليرسم مملكته الفكرية الرائعة.

ومن هذا المنطلق فإن توفر لم يرسم لنا يوتوبيا تربوية خيالية بل شيد مملكة فكرية تربوية على الصخور الصماء والجبال الشاهقة. فأفكاره تأتي توليدا إشكاليا ينطلق من الواقع على صورة سيناريوهات متطورة يحكمها الواقع الذي تنطلق منه وتحددها مآلات التطور الحادثة في المجتمع. وعلى هذا الأساس الفكري استطاع توفلر أن يبني منظومته الفكرية ويقدم أجمل الأفكار والتصورات العملية في ميدان الحياة مبررة بوظيفتها وطاقتها وضرورتها في الحياة الاجتماعية المتغيرة.

لم يقدم توفلر طفرات فكرية تربوية ذاتانية أو تأملية مفرطة كما اعتاد كثير من المنظرين، فأفكاره تحكمها الضرورة القصوى وتعبر عن تطلعات الإنسانية في أن تحافظ على وجودها وكينونتها وتنطلق في رحلة التغير الإنساني بصورة طبيعية لا إشكال فيها. ولذا فإن أفكاره التربوية كانت تتجه إلى تحقيق أمرين أولاهما: المحافظة على الإنسان وتمكينه في الحياة الحرة الكريمة في عالم شديد التغير. وثانيهما: العمل على توظيف التربية توظيفا إنسانيا أي: تحويل التربية إلى طاقة تمنع الإنسان من الوقوع فريسة الاغتراب الصناعي والاستلاب التكنولوجي في عالم يشله التغير ويّضله التبدل.

وفوق ذلك كله كان توفلر مربيا ونقصد بذلك أنه كان يحمل رسالة تربوية ينادي بها ويلح عليها. وليس عسيرا على من يتأمل في أعمله أن نجد هذا الطابع الإنساني الذي تميز بها وكأنه في كل أعماله كاث يتعاطف جذريا مع بؤساء الأرض وفقرائها ومع الطبيات الاجتماعية المهيضة. إذ يحدثنا في كثير من أعماله عن رحلة الاغتراب الإنساني ويرسم لننا مأساوية ما يمكن أن تصل إليه الأخلاق الإنسانية فكان همه الأساسي الدفاع عن الضعفاء والمهمشين في المجتمع. وفيما يتعلق بأفكاره التربوية كان توفلر يطرح كثيرا من هذه الأفكار طرح المربي الكبير الذي يؤمن برسالته الإنسانية والتربوية. فكثير من أفكاره وأقواله جاءت بصيغة يحض فيها على العمل وينصح ويؤكد ويستخدم عبارات الوجوب داعيا إلى تحقيق الأفكار المهمة والضرورية بالنسبة للإنسان والإنسانية. وبعبارة أخرى كان توفلر إنسانا مربيا ومربيا إنسانا حمل هموم الإنسانية على كاهله وناضل من أجل الإنسانية حتى أخر نفحة في وجوده.

مراجع الدراسة وهوامشها:

Alvin Toffler , The Culture Consumers , New York , St. Martin’s Press , 1964.

Alvin Toffler , The Schoolhouse in the, New York , Praeger (editors), 1968.

Alvin Toffler and Heidi Toffler , War and Anti-War, Survival at the dawn of the 21st Century, New York, Brown and Company, 1993.

Alvin Toffler and Heidi Toffler, Revolutionary Wealth: How It Will Be Created and How It Will Change Our Lives, , New York, Knopf, 2006.

Alvin Toffler, Creating a New Civilization , New York , Turner Pub, 1995.

Alvin Toffler, Future Shock, New York , Bantam Books, 1970.

Alvin Toffler, Power shift: Knowledge, Wealth and Violence at the Edge of the 21st Century , New York, Bantam Books, 1990.

Alvin Toffler, previews & Premises , New York , William Morrow & Co., 1983.

Alvin Toffler, previews & Premises , New York , William Morrow & Co., 1983.

Alvin Toffler, the adaptive corporation , New York , McGraw-Hill, 1985.

Alvin Toffler, The Eco-Spasm Report, New York , Bantam Books, 1975.

Alvin Toffler, The Futurists, New York , Random House (editors), 1972.

Alvin Toffler, The Third Wave, New York , Bantam Books, 1980.

Alvin Toffler, learning for Tomorrow, New York , Random House (editors), 1974.

 ألفين توفلر، تحول السلطة، المعرفة والثروة والعنف على أعتاب القرن الحادي والعشرين، ترجمة لبنى الريدي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995.

ألفين توفلر، حضارة الموجة الثالثة، ط1، ترجمة عصام الشيخ قاسم، بنغازي: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان ،1980.

ألفين توفلر، صدمة المستقبل: المتغيرات في عالم الغد، ترجمة محمد علي ناصيف، القاهرة : نهضة مصر، 1990.

أمين أميل، إلفين توفلر: البشرية إلى موجة ثوريَّة ثالثة، 31، أغسطس 2016 –متوفر: https://www.alittihad.ae/

 ب.ب.س. نيوز تقرير عن وفاة عالم الاجتماع الأمريكي آلفين توفلر، 30 يونيو/حزيران، 2016. متوفر: http://www.bbc.com/arabic/artandculture/2016/06/160629_alvin_toffler_dies

 -منصور الجمري،آلفين توفلر تنبّأ بـ«الموجة الثالثة» التي تمُرُّ بها البشريّة، الوسط،2018. http://www.alwasatnews.com/news/1132813.html


[1]Alvin Toffler (October 4, 1928 – June 27, 2016) was an American writer, futurist, and businessman known for his works discussing modern technologies, including the digital revolution and the communication revolution, with emphasis on their effects on cultures worldwide.

[2] – نشر كتاب “صدمة المستقبل” في اكثر من 50 بلدا وبيعت منه اكثر من 15 مليون نسخة حسب قول موقع توفلر الالكتروني.

[3] – ألفين توفلر، حضارة الموجة الثالثة، ترجمة عصام الشيخ قاسم، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ط1، بنغازي،1990.

[4] – Alvin Toffler,  Power shift: Knowledge, Wealth and Violence at the Edge of the 21st Century , New York , Bantam Books, 1990.

[5] -Alvin Toffler and Heidi Toffler, Revolutionary Wealth: How It Will Be Created and How It Will Change Our Lives, , New York,  Knopf, 2006.

[6]ألفين توفلر، حضارة الموجة الثالثة، ط1، ترجمة عصام الشيخ قاسم، بنغازي: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان ،1980.

[7] – Alvin Toffler,  The Third Wave, New York , Bantam Books, 1980.

[8] – ألفين توفلر، حضارة الموجة الثالثة، ط1، ترجمة عصام الشيخ قاسم، بنغازي: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان ،1980.

[9] – Alvin Toffler and Heidi Toffler , War and Anti-War, Survival at the dawn of the 21st Century, New York, Brown and Company, 1993.

[10]Alvin Toffler,  Power shift: Knowledge, Wealth and Violence at the Edge of the 21st Century , New York , Bantam Books, 1990.

[11]ب.ب.س. نيوز ، تقرير عن وفاة عالم الاجتماع الأمريكي آلفين توفلر، 30 يونيو/حزيران، 2016. متوفر: http://www.bbc.com/arabic/artandculture/2016/06/160629_alvin_toffler_dies

[12]-منصور الجمري،آلفين توفلر تنبّأ بـ«الموجة الثالثة» التي تمُرُّ بها البشريّة، الوسط،2018. http://www.alwasatnews.com/news/1132813.html

[13] – أمين أميل، إلفين توفلر: البشرية إلى موجة ثوريَّة ثالثة، 31، أغسطس 2016 –متوفر: https://www.alittihad.ae/

[14] – أمين أميل، إلفين توفلر: البشرية إلى موجة ثوريَّة ثالثة، 31، أغسطس 2016 –متوفر: https://www.alittihad.ae/

[15] – ب.ب.س. نيوز ، مرجع سابق .

[16] – ب.ب.س. نيوز ، مرجع سابق .

[17]Alvin Toffler , The Culture Consumers , New York , St. Martin’s Press , 1964.

[18] – Alvin Toffler , The Schoolhouse in the, New York , Praeger (editors), 1968.

[19]Alvin Toffler,  Future Shock, New York , Bantam Books, 1970.

[20] – Alvin Toffler,  The Futurists, New York , Random House (editors), 1972.

[21] – Alvin Toffler, learning for Tomorrow, New York , Random House (editors), 1974.

[22] – Alvin Toffler,  The Eco-Spasm Report, New York , Bantam Books, 1975.

[23]Alvin Toffler,  The Third Wave, New York , Bantam Books, 1980.

[24] – Alvin Toffler,  previews & Premises , New York , William Morrow & Co., 1983.

[25] – Alvin Toffler,  previews & Premises , New York , William Morrow & Co., 1983.

[26] – Alvin Toffler,  Power shift: Knowledge, Wealth and Violence at the Edge of the 21st Century , New York , Bantam Books, 1990.

[27] – Alvin Toffler,  Creating a New Civilization , New York , Turner Pub, 1995.

[28]Alvin Toffler and Heidi Toffler , War and Anti-War, Survival at the dawn of the 21st Century, New York, Brown and Company, 1993.

[29]Alvin Toffler and Heidi Toffler, Revolutionary Wealth: How It Will Be Created and How It Will Change Our Lives, , New York,  Knopf, 2006.

[30]ألفين توفلر، صدمة المستقبل: المتغيرات في عالم الغد، ترجمة محمد علي ناصيف، القاهرة : نهضة مصر، 1990.

[31] – توفلر ، المرجع السابق ، ص 21.

[32] – توفلر ، المرجع السابق ، ص 21.

[33] – توفلر ، المرجع السابق ، ص 21.

[34] – توفلر ، المرجع السابق ، ص 21.

[35] – ألفين توفلر، تحول السلطة، المعرفة والثروة والعنف على أعتاب القرن الحادي والعشرين، ترجمة لبنى الريدي، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995.

[36] توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 436.

[37] توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 436.

[38] توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 420.

[39] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 240.

[40] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 422.

[41] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 240.

[42] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 241.

[43] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 241.

[44] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 241.

[45] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 241.

[46] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 422.

[47] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 423.

[48] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 432.

[49] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 424.

[50] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 424.

[51] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 424.

[52] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 425.

[53] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 425.

[54] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق ، ص 425.

[55] توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 426.

[56] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 427.

[57] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 428.

[58] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص428.

[59] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 428.

[60] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 428.

[61] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 429.

[62] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 429.

[63] – الأدهوقراطية (Ad-hocracy) : تعني  اتّخاذ قرارات بلا هرمية وظيفية أو بيروقراطية،  أي  عكس البيروقراطية . وتمثل الأدهوقراطية اتجاها فكريا يدعو إلى تهشيم المنظمات البيروقراطية من أجل المرونة والإبداع .

[64] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 429.

[65] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 430.

[66] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 431.

[67] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 431.

[68] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 430.

[69] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 432.

[70] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 432.

[71] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 431.

[72] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 434.

[73] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 344.

[74] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 435.

[75] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 435.

[76] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 437.

[77] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 438.

[78] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 438.

[79] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 439.

[80] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 439.

[81] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 443.

[82] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 442.

[83] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 443.

[84] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 446.

[85] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 446.

[86] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 446.

[87] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 446.

[88] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 446,

[89] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 447.

[90] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 447.

[91] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 447.

[92] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 448.

[93] – توفلر ، صدمة المستقبل ، مرجع سابق، ص 320.
__________________
*أ.د. علي أسعد وطفة.

جديدنا