حصاد المداد: أدبيَّات النظر في جدل العلاقة بين الإعلام والسياسة الخارجيَّة

image_pdf

الاتّجاهات الرئيسة:

تتجه إجالة النظر في العلاقة الجدليَّة بين الإعلام والسياسة الخارجيَّة إلى توغل التفاتةٌ حتميَّة لأدبيات العولمة، وما نَتَقَصَّده منها من مؤشرات على محاولات “أدلجة” عملياتها السياسيَّة والثقافيَّة والاقتصاديَّة.

فقد مرِّ الحديث على أن العولميَّة مفهوم حديث نسبياً في دراسات الاتصال السياسي، بالرغم من أن الاهتمام بالإعلام العالمي لم يكن غائباً أبداً عن هذا المعترك، خاصة ما يرتبط بتناوله للسياسة الخارجيَّة. لذلك، نجد أنه – في معظم الأحيان- يتبع هذا الاهتمام الاتّجاه التقليدي للدراسات المقارنة لنظم الإعلام العالمي ومؤسساته المختلفة. ووما يدفعنا للعودة مراراً لمعاينة الاتّجاه المثير لنقاش اليونسكو، في سبعينيات القرن العشرين، بصورة أوليَّة بالتدفق العالمي للمعلومات، وعدم التوازن في ذلك التدفق بين الشمال والجنوب، ثم الفيض الكاسح لثورة الاتصالات الجديدة، التي جدَّدت التساؤل حول جدوى الكثير من المسلمات حول السياسة الخارجيَّة وآلياتها الدبلوماسيَّة. واندفعت مراكز البحث والأكاديميا لتحديد دورٍ للإعلام؛ قد يكون مختلفاً، في تشكيل التبادل الدبلوماسي العالمي، في واقع “مؤدلج” يسعى بجدٍ لخلق “قرية عالميَّة” جديدة تسع الجميع. فقد ظهر في هذا الجهد إتجاهان مختلفان يتراوحان بين عدم الإهتمام لفكرة التغيير بين ما كان سائداً وبين ما استجد من تطورات، وبين الحماس الشديد لقدرة الإعلام في تحديد مجرى صناعة السياسة الخارجيَّة، وفي التأثير على العلاقات الدوليَّة، وربما الإسهام الفاعل في تحقيق حلم العولمة، والعولميَّة ببعدها الأيديولوجي.

ولقد نُشِرَت الكثير من الدراسات المتعلّقة بالجوانب المختلفة للإعلام والسياسة بعمومها، والتأثير المتبادل بين السياسة الخارجيَّة والإعلام، مركزة على سيطرة الدولة، أو مؤسّسات صناعة القرار فيها، على الإعلام، وكيف أن الرسائل الإعلاميَّة تخرج “مصبوغة” بسمات الوضع الراهن، وبالسيطرة الرسميَّة، بأوجهها الناعمة والصلبة. ورغم التأثيرات الهائلة لثورة الاتصالات، وما نتج عنها من وسائط تواصل اجتماعي وتنوع في الرسائل الإعلاميَّة، فإن العقود الثلاثة الأخيرة قد شهدت تحولاً واضحاً مضطرداً في جانب تعيين دورٍ جديدٍ مهم للإعلام في وضع الأجندة السياسيَّة الخارجيَّة. هذا الاتّجاه، كما أشارت عدة دراسات تم استعراضها هنا، يبدو أنه سيستمر وسيكتسب أهميَّة أكبر بسبب من هذا التقدم في تقنية الاتصال الجديدة، وتطور الأداء الإعلامي التقليدي المتجدد.

إن تجدُّد موجة الإهتمام الحاليَّة بالإعلام والسياسة الخارجيَّة، قد وضعت نهاية الخلاف الأكاديمي الملتهب حول توصيف العلاقة الجدليَّة بين الإعلام والسياسة، خاصة جانبها الخارجي، الذي كان محط النظر منذ خمسينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت، أصبح يُنظر للإعلام باعتباره قوة عظيمة ذات تأثير على مادة السياسة الوطنيَّة والعالميَّة، وعلى المعالجات، التي تم تشكيلها عن طريقها. فقد مرت السنوات الماضيَّة بتغييرات عميقة في مجرى وهدف العلاقة بين الإعلام العالمي؛ في توجهه العولمي الجديد، وبين الحكومات الوطنيَّة حول العالم. إذ غيرت تكنولوجيا الإعلام الجديد نمط هذه العلاقة بزيادة انسياب وحجم المعلومات المتاحة، ومديات تأثيرها العرضي والمقصود. وبينما كان أثر التغيير التكنولوجى أكثر ما يكون وضوحاً في حالة تلفزيون الأقمار الاصطناعيَّة، أو الفضائيات، التي باستطاعتها بثّ صور مباشرة آنيَّة من أي موضع في العالم تقريباً، بات حجم هذا التأثير مضاعفاً مع أنماط الاتصالات المتجدِّدة، والتي قربت فكرة “القرية الكونيَّة” باختصار أبعادها الزمانيَّة والمكانيَّة.

إنَّ استغلال التقنية بواسطة الإعلام قد أسهم في تحويل العولميَّة إلى قوة سياسيَّة عالميَّة بعيدة المدى، وظل على الدول أن تدخل في منافسة حادة مع صناعة السياسة العالميَّة. وكغيرها من المؤسَّسات متعدّدة الجنسيات، فقد أصبحت المؤسَّسات الإعلاميَّة في حالة مقاومة للمصالح المحليَّة، واهتمامات الحكومات الأجنبيَّة والوطنيَّة بالسياسات الكونيَّة، التي تم تدويل بيئتها المحليَّة تبعاً لذلك. وعلى وجه الإجمال، فقد أدَّت هذه التغييرات المهمَّة إلى ارتفاع نفوذ كبير للإعلام في السياسة العالميَّة، وفي توغله في شبكة اتصالات عالميَّة مهمة، وقويَّة قادرة على الإحاطة بسيطرة أيَّة حكومة وطنيَّة مدعومة بأيديولوجيتها العمليَّة الخاصة.

المنشور الزجاجي:

لقد قَرَّ الرأي أنه في عصر العولمة وقع اختصار كبير لِعَامِلَيّ المساحة “المكان” والمسافة “الزمن”، وأصبحنا الآن في نقطة تَحوُّلٍ مهمَّة في تاريخ الاتصالات والمعلومات، غَدَت معها “العولمة” مُفرَدَةٌ مثيرة ومهمة في دوائر رسم السياسات، و”صرخة” داوية لاسترجاع القوى، التي يطلقها المديرون في مجتمع رجال الأعمال،[1] إلا أن ما تعنيه تحديداً يظل غير واضح بشكل قطعي، كما أسلفنا عند شرحها وتفسيرها، وكأنها منشور زجاجي يَشِفُّ ولا يَخِف. ويمكن النظر إلى عولمة الاتصالات الهاتفيَّة والمعلومات بطريقتين: عن طريق استصحاب البعد الجغرافي للتكنلوجيا والسوق، وعن طريق البعد الديمغرافي، أي البشر، الذين يملكون القدرة للحصول عليهما. هذان النوعان من القوى، يمكن لهما أن يتضاربا، أو يتنافسا؛ كما في حالة أن تكون نفس السياسات الحكوميَّة وممارسات المؤسسات الاقتصاديَّة، التي أدَّت إلى انتشار النظم والخدمات عبر الحدود، متعادلة وتقوم أيضاً بحصر الحصول العالمي عليهما. لذلك، فإن أشكالاً جديدة من التعاون الدولي ستكون مطلوبة إذا أُريد لسكان العالم بناء بِنية تحتيَّة للمعلومات تكون عادلة وفعالة.

إن ثمانينات وتسعينيات القرن العشرين شهدت نمواً سريعاً لتقنية الاتصالات، وتمدداً واسعاً للإعلام الجديد حول العالم، وركز هذا التطور الجديد في تقنية الاتصال والمعلومات مرة أخرى على أهميَّة المؤسسات الثقافيَّة، والسياسيَّة، والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، إلى جانب وضع تعريفات للتقنيات الجديدة، ما تزال تمتلئ بها الساحة ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين. وكثير من المفاهيم التقليديَّة عن علاقة الإعلام بالسياسة الخارجيَّة؛ والديمقراطيَّة العولميَّة على وجه الخصوص، قد تمَّ التنبؤ بها،[2] بناء على معرفة مُسْتَشْرِفَة لتطور تكنولوجيا الاتصال، وأنَّ النقاشات المعاصرة الكبرى المتعلقة بعمليات العولمة، وأيولوجيتها المفترضة، لها صلة أيضاً بتطور التقنيات الاتصاليَّة. ومثلما يقال، فقد خُلقت الأفكار للتسفار، أي الانتقال السريع من مكان إلى آخر، دون حدود، أو قيود. وهكذا، فإن أثر تكنولوجيا الاتصالات الحديثة على صناعة القرار في السياسة الخارجيَّة والدبلوماسيَّة الرسميَّة والشعبيَّة قد أصبح موضوعاً لحوارات جادة.[3] إن عصر الاتصالات عالية السرعة قد غير من الطريقة، التي كان يفكر بها السياسيون حول العلاقات الدوليَّة، بما في ذلك بحثهم عن إجابات لأسئلة تتعلق بسياسة الاتصالات الهاتفيَّة الدوليَّة، وأثر الإعلام على الرأي العام، وجهود الدبلوماسيَّة الرسميَّة والشعبيَّة في تحويل الآراء في الدول الأجنبيَّة، أو محاولة مواءمتها مع ما يُسْتَحَبُّ مِن مصالح.

ولم تعد الصحافة ناشراً أقل حيويَّة للأفكار، فبتقاريرها الإلكترونيَّة والتلفزيونيَّة المرئيَّة في كل العالم، وكُتاب صحفها المنقولة عبر الفضاء الإسفيري؛ بالإشارة إليهم، أو دون الإشارة كمصدر، صارت تُشَكِّل “رؤية” الناس للعالم. فقد شكًلت الصحافة الأمريكيَّة بصورة خاصة مركزاً لنظام اتصالات متكامل، وبصورة متزايدة، يمكنه التأثير، كما حدث في بعض المناسبات، في مجريات الأحداث الدوليَّة، ومنها دراما تغييرات سياسيَّة وحروب. وللتأكدي على حالة الخصوصيَّة هذه، فإن المقابل التقريبى الأجنبى لحالة “ووترقيت- نكسون” قد لا توجد إلا في الكارثة، التي حلت بالرئيس الفلبينى فيردناند ماركوس، رغم أنه في تلك الحالة أيضاً قام ذات الإعلام الأمريكي بتحويل انتباه إدارة الرئيس رونالد ريغان نحو أزمة سياسيَّة في الفلبين، كان يبدو للرأي العام أنها تتجاهلها، في العلن على الأقل. وللتأكيد، فإنَّ قلَّة الأخبار الأخرى في ذلك الوقت، و”مطاعنات” الرئيس ماركوس غير الحكيمة لتدخلات الولايات المتحدة في شؤون بلاده، قد ساعدت في استمرار اهتمام الصحافة الأمريكيَّة أكثر بهذه الشؤون. وقد حصل الصحفيون الأمريكيون، وحتى غيرهم من أنحاء العالم، بسرعة على دور ذي نفوذ كبير، وحتى مسيطر، في وضع شكل وتسريع خطو الأحداث السياسيَّة في ذلك البلد “الفلبين”. وبينما بدأ استغلالها قى البداية كمنبر للسياسة الأمريكيَّة تجاه مانيلا، كان ماركوس، للمفارقة، يأمل في استغلاله لصالحه ضد واشنطن. فقد أصبح الإعلام الأمريكي والفلبيني والعالمي متحمساً “وطنياً” بما يكفي للظهور في النهاية كبطل معين تعييناً ذاتياً للدفاع عن الديمقراطيَّة الفلبينيَّة؛ مسرعاً بنهاية أعدائها؛ حامياً لنصر مناصريها النهائي.

لهذا، فقد بِتْنَا على يقين أن هنالك تغيير يجرى في أشكال الاتصال في المجتمعات المعاصرة، مع الأثر المتصاعد للتقنيات الحديثة، التي تتراوح من الإنترنت “الشبكة العنكبوتيَّة” الدوليَّة، والأقراص المدمجة الـ”سي دي”، و”الفلاشات”، والتقنية متعدِّدة الوسائط “ملتي ميديا”، والواقع الافتراضي المذهل، إلى الأشكال الحديثة للاتصالات النقالة، وإنترنت الأشياء. فالإمكانيات تبدو بحجم الخيال، وبعيدة الأثر، إلا أن القضايا المهمة تتعلق بالكيفيَّة، التي يمكن فيها للناس دمج هذه التطورات في حياتهم الاجتماعيَّة والسياسيَّة. فبينما تثير الانعكاسات المستقبليَّة لاتصالات الإعلام الحديثة جدلاً شعبياً واسعاً، إلا أن التقييم الحقيقي لأثرها، ولما تحمله من فرص وتحديات، قد أصبح اليوم مكان اهتمام في العلوم الاجتماعيَّة المعاصرة. نتيجة لذلك، فإن مناهج متعددة مرتبطة ببحوث الإعلام والاتصال قد وسعت من الاهتمامات التقليديَّة بالسينما، والتلفزيون، والاتصالات الهاتفيَّة، والراديو، والصحافة لتشمل تغطية واسعة لتقنية المعلومات والاتصالات الحديثة، بما فيها أوجه الإنترنت المختلفة.[4]

بيد أنه بالرغم من أن سلطة الإعلام المدعومة نتيجة للتطورات التقنية هذه، التي تعتبر أداة جديدة ناجعة للدبلوماسيَّة، إلا أنها يمكن أن تكون قوة مدمرة لطبيعة عمل هذه الدبلوماسيَّة وحِرَفِيَّتها، ولا يمكن التنبؤ بمسارها، أو بنتائجها.[5] وتضع آنية وطغيان الإعلام الحديث تحديات كبيرة أمام نيَّة القادة السياسيين لتشكيل أداء السياسة الخارجيَّة بالتؤدة والتأني التقليدي. وهذه قناعات “جيمس هوب”، إلا أنَّ البعض الآخر يحتج بأن الاتصال الجيد سيقود إلى فهم أفضل، ليس فقط بين السياسيين، ولكن بين شعوب العالم، وذلك هو أساس العمليَّة الدبلوماسيَّة. وبهذا، يضع استخدام التقنيات الحديثة أثراً عميقاً على الطرق، التي نفكر بها حول موضوعات السياسة والسياسة الخارجيَّة المعاصرة. وكانت هذه العمليَّة أكثر وضوحاً في بواكير التسعينات من القرن العشرين، والعقد، الذي سبقها، في عالم صناعة المعلومات.[6] إذ خلقت ظاهرة تقنية الاتصالات قنوات عريضة للمعلومات قليلة التصفية، التي تعبر الحدود الوطنيَّة بلا موانع رقابيَّة. وقد أصبح في وسع قادة كل الشعوب التخاطب مباشرة مع جمهور المواطنين في الدول الأخرى، وأصبحت الكلمات تُستخدم لإحداث دورة تقوم بتحطيم مواقع السيطرة المؤسسيَّة والحكوميَّة، وتُفرض الصور بقوة على الذين تحت رعاية الحكومات المحليَّة؛ والأخبار المتسربة من المصادر المسؤولة، وغير المسؤولة، تعرى صفقات كانت بغير ذلك مغطاة ومخفيَّة بعناية. والأثر المطلوب هو تقديم قوى جديدة، وغالباً لا يمكن التنبؤ بها في عمليات السياسة. فصور العنف والإضطهاد في تغطيات الأخبار التلفزيونيَّة يمكن وضعها بصورة أكثر دراميَّة في مواقع الإنترنت لخلق ضغط سياسي لفعل شيء ما بطريقة لا تقاوم. وغالباً ما يشارك الصحفيون زملاءهم الأجانب معلومات لا يمكن نشرها داخل أوطانهم ملتفين بذلك حول القوانين المفروضة عليهم داخل دولهم.

لقد بحث ” مارتن إرنست” في الكيفيَّة، التي تؤثِّر بها هذه القوى في عالم صناعة المعلومات. ولتوضيح طبيعة هذه التأثيرات، فقد أفردت دراسة “إرنست” عدَّة فصول لنشاطات عالم النشر العامة. ووجد أنه في داخل عالم النشر هنالك تركيز خاص، وإن لم يكن شاملاً في النشر التقليدي المطبوع وفي المشتقّات والبدائل، التي يمكنها الآن، أو في المستقبل القريب، أن تُضاف إلي الطباعة، أو لسبب ما، لتحل مكانها.[7] وبالرغم من أن الإعلام لا يحدد عادة أجندة السياسة الخارجيَّة إلا أنه من الواضح أنه يستخدم قدراً كبيراً من التأثير عليها. هل يُستخدم هذا النفوذ والتأثير بطريقة مسؤولة، أم أنه مؤذٍ بطريقة تعرض المصالح القوميَّة للخطر؟ إن الحاجة لاحترام حدود معينة لإنسياب المعلومات، من ناحية مبداية على الأقل، أمر لا يمكن إنكاره، أو تجاهله.[8] “ليس هنالك من حق يمكن دعمه بالممارسة غير المسؤولة”، كما حذر هارولد أيقانز، المحرر السابق للـ”تايمز” اللندنيَّة. وبينما يختلفون بصورة عميقة، وأحياناً حماسيَّة، على مدى لا مسؤوليَّة الإعلام، يتَّفق الصحفيون والموظفون الحكوميون على أن الأخطار تكمن خصوصاً في منطقة سياسة الأمن القومي. لقد لوحظ بوضوح أنه ليس هنالك من عذرٍ لإلقاء الحذر للريح فقط لأن القصة الخبريَّة ساخنة، أو تملك القدرة على المنافسة، وتجاوز حساسيَّة المسائل الأمنيَّة ذات الأثر القومي. غير أن كثيراً من الصحفيين يفعلون ذلك مرة ومرات؛ إنها مهمَّة صعبة أن تكون لك الكلمة الأخيرة في أمر يخص الجميع. ففي 1990، خاطب “تيد تيرنر”، مالك ومؤسس شبكة “كيبل نيوز- سى إن إن“، مؤتمر مديري محطات الراديو والتلفزة الأخباريَّة قائلاً “لن تكون هنالك دولة شموليَّة على هذا الكوكب بعد عشر سنوات من الآن.” وإذا أصبح هذا التوقع حقيقة، بناء على “دون فلورنوي”[9] فسيكون جزءاً من السبب محطة الـ”سى إن إن” وبرنامجها “تقرير العالم”،[10] أوَّل بث أخبارى عولمي وتبادل أخبار عالمي.[11] فقد بدأ برنامج تقرير العالم “ورلد ريبورت” في 1987 كبرنامج للأخبار العالميَّة، يسهم فيه المذيعون المحليون بتقديم أخبار من منظورهم الخاص. واعتباراً من 1991، كان هنالك أكثر من سبعة آلاف خبر بثت عبر الشبكة تم جمعها، وتقديمها من وجهات نظر أقطار مثل أفغانستان، وكوبا، وألمانيا، والعراق، والسودان، وأكثر من مائة بلد آخر. نعم، أحدثت شبكة الـ”سي إن إن” تغييرات هامة في بنية العمل الإعلامي المحلي والعالمي، ولحقت بها آلاف الفضائيات، فيما يزيد على الثلاثة عقود الماضيَّة، التي تلت تصريح “تيرنر” المتفائل، إلا أن الحقيقة المُحْبِطَة أن الشموليَّة توسَّعت، وجثمت على صدر دولٍ كثيرة، وكادت أن تُطْبِق بِخِنَاقِها على الولايات المتحدة الأمريكيَّة؛ في عهدي الرئيس جورج بوش الابن ودونالد ترامب؛ الأول بـ”خطرفات” محافظيه الجدد و”نهاياتهم” المدمرة، والثاني بـ”خطل” تصوره لعالم لا يسعه فيه معه أحد.

إن الحافز التنظيري لتقييم هذه الحالة الحقيقيَّة للمعرفة العالميَّة لتدفُّق الإرسال التلفزيوني العالمي في أمريكا وإلى أوربا الغربيَّة أولاً، هو الاعتقاد بالدور غير المحدد لدول أوربا الغربيَّة في البحث في هذا الموضوع، خاصة فيما يختص بنظريات إمبرياليَّة الإعلام. وإن الدافع العملي، على رأي ” بيربن سيبترب”، يتعلق بالدور المهم للتدفق التلفزيوني في السياسة الإعلاميَّة الأوربيَّة الغربيَّة على المستويين القومي والعالمي، كما في الـ”أي أي سي” والمجلس الأوربي.[12] وفي كل يوم تتم تغذية الصور، التي أصبحت مادة التلفزيون الخبريَّة عبر المناطق الزمنيَّة، والقارات، والثقافات، من خلال الأقمار الاصطناعيَّة بواسطة مجموعة صغيرة “فوق-القوميين” من تجار الجملة للقصص الخبريَّة التلفزيونيَّة. وقد وقفنا، في أثناء إعداد هذه الدراسة، على بحثٍ مهم يُقدم إختباراً تفصيلياً لأحد اللاعبين المفتاحيين في عالم الأخبار التلفزيونيَّة العالميَّة الشديد التغيير “يروفشن نيوز إكسجينج” أو “أي في إن”، من إتحاد الإذاعة الأوربيَّة.[13] وتوضح الـ”يورفشن”، في تبنيها لفكرة عولمة الأخبار التلفزيونيَّة، كيف أن صحافيي الـ”أي في إن” يقررون ما هي الأخبار؟ وكيف يتم تدجين الأخبار بواسطة الإذاعيين المحليين لتلبي متطلبات الجمهور المحلي؟ وكيف أن مشاهدي التلفزيون يقومون بفك الرموز وبالتعلم من الأخبار الأجنبيَّة، التي تأتي إليهم- على الأقل جزئياً- من خلال وكالة أي في إن.[14]

ويستمر النقاش:

تعتبر الاتصالات ساحة للسياسة العالميَّة تقوم فيها الحكومات، والأعمال الاقتصاديَّة والمنظمات غير الحكوميَّة بالبحث عن نفوذ على قواعد التبادل الاتصالي. وفي كتابه “سياسة الاتصالات العالميَّة”، قام “سيس هاملنك” باختبار العمليات السياسيَّة والقرارات، التي تحدد بيئة الاتصالات العالميَّة.[15] وهذه الاتصالات الجماهيريَّة، والاتصالات الهاتفيَّة، وحركة البيانات، والملكيَّة الفكريَّة، وتقنية الاتصالات، قد تم تنظيمها جميعاً بواسطة اتفاقيات في داخل المجتمع العالمي. وباختباره للعمليات التفاوضيَّة ونتائجها، قام المؤلف بتقديم تحليل شامل لسياسة الاتصالات العالميَّة وإنعكاساتها على دول، ومساحة، ومجتمعات بعينها. وقد كان تركيز نقاش الإعلام العالمي على الدور، الذي تلعبه أجهزة الإعلام في التنمية الاقتصاديَّة، والسياسيَّة، والاجتماعيَّة حول العالم، خاصة في العالم الثالث. هذا النقاش،[16] الذي تم اختبار تاريخه، ووثائقه المفتاحيَّة، وفهمه، وتفسيراته، ومنظوراته، ومآلاته، في دراسة “جورج غيربنر” هذه، التي تم إجراؤها لعقود في الدوائر الأكاديميَّة، المهنيَّة والسياسيَّة. إن عدم التوازن في مصادر المعلومات في أجزاء العالم المختلفة لا يزال معترَف به اليوم كمصدر متنام للاهتمام.[17] وبينما تقوم الدول، التي في الوسط، الذي يشمل العالم المتقدم، بتطوير مصادرها، فإن الفجوة بين هذا الوسط والأطراف، التي تعني تَلَطُّفَاً العالم الثالث، تُصبح كبيرة ومتسعة، وأن مطالبتها بمزيد من التوازن والتوزيع المتساوي لمصادر الاتصالات يمكن بحثه فقط على أساس القوة على المستويات القوميَّة والعالميَّة. وإن محاولة إقحام قوة الصفوة المحليَّة للسيطرة على قنوات الاتصالات-الصحافة، الإذاعة، التربيَّة والبيروقراطيَّة- قد تم تحديها بنجاح في بعض الأحيان.[18]

لقد كان أول أختبار كبير لتدفق المعلومات ذي الاتّجاه الواحد من الدول المتقدمة إلى الدول الناميَّة، جرى بحثه في مشروع لليونسكو حول “إنسياب الأخبار”، تم طبعه في 1953. وبعد حوإلى أربعين عاماً، أي في 1980، جاء تقرير “سين ماكبرايد” الموسوم بعنوان: “أصوات عديدة عالم واحد”،[19]، الذي طُبع في أعقاب النزاع المرير، والذي استمر أكثر من عقد حول مفهوم معلومات العالم الجديد والنظام العالمي، التي أدت إلى إنقسام اليونسكو نفسها. وشهد تقرير “ماكبرايد” على المشاكل المستمرة، عالمياً، لعدم التوازن الحاد في توزيع الأخبار والمعلومات، كما في مجالات أخرى من النشاطات الثقافيَّة. وكانت عدم التوازنات تلك دائماً ما تعتبر كمساهمة في عمليات الإمبرياليَّة الإعلاميَّة والثقافيَّة، التي تزيد في اعتماديَّة الدول الفقيرة على الغنيَّة.[20] ووقتئذٍ، لم تفت الإشارات الضمنيَّة على دول العالم، خاصَّة في العالم الثلث، بأن عدم التوازن الإخباري هو شكل من أشكال الهيمنة الاستعماريَّة الجديدة. ومن ضمن المحاولات العديدة، التي تمت لإعادة التوازن، ولتقوية الدول النامية لأخذ المسؤوليَّة لحماية هوياتها القوميَّة، هي العمل من خلال أنظمة إعلاميَّة عالميَّة، عادة ماكانت بمساعدة اليونسكو، لجيل جديد من آليات التبادل الإخباري عالمياً وإقليمياً، وكثير منها مشاريع تعاونيَّة مشتركة تقوم بجمع وكالات الأنباء المختلفة للاقطار الناميَّة، بما في ذلك الدول الأفريقيَّة ومن بينها السودان، الذي أصبحت فيه وكالة الأنباء القوميَّة(سونا) جزءً من المكتب الإقليمي الشرقي لوكالة الأنباء الأفريقيَّة (بانا).

وفي آخر بحث وتقييم لليونسكو، تم وضعه للحصول على فاعليَّة آليات التبادل الأخباري وإسهامها في إنسياب الأخبار العالميَّة، قام باختبار أهدافها، الملكيَّة، الإدارة، المحتوى، والخدمات، ووكلائها ومصادرها، كما قام بالتعرض للسؤال: إلى أي مدى يمكن القول إن هذه الإستراتيجيَّة في الاستجابة للإمبرياليَّة الإعلاميَّة مناسبة، أو فاعلة، على مستوى جمع وتوزيع الأخبار؟ ونحن عندما كُنَّا نستعد لولوج بداية ألفيَّة جديدة، فإن معظم النقاش حول الإعلام الجماهيري كان يركز على موضوعات من قبيل عالميَّة وعولميَّة الملكيَّة الإعلاميَّة لـ”روبرت مردوخ”،[21] وانسياب الإعلام في حال الـ”سى إن إن”. ونجد أن كتاب “اللامركزيَّة في العصر العالمي”[22] يقدم دراسات لأعضاء الاتحاد الأوربي توضح النمو، والوضع الحالي، والتطورات المستقبليَّة المحتملة للتلفزيون في إقليم كل قُطْر.[23] مع الأخذ في الاعتبار أن التقدم التقني لا يعني بالضرورة التقدم الإنساني، لأن في أدوات الاتصالات قوة كبيرة تمكنها من استلاب الناس أكثر من تقريبهم إلى بعضهم البعض. وفي ضوء خطوات التغيير المتسارع في كثير من الأقطار، فإن مقارنة تغيرات سياسة الاتصالات الجماهيريَّة هى التحدي الحقيقي للبحث. فنجد في الجزء، الذي أعده “ميهيرو”، والذي قدم مجموعة مفيدة من أربعة عشرة صفحة تقيّم تحديات السياسة للدول النامية.[24] وتساؤل جدي عن: ما مدى قوة الإعلام الإخباري، وبأي الطرق يعمل كعناصر للسيطرة الاجتماعيَّة والسياسيَّة؟ يكشف كتاب “عناصر القوة”[25] بضوح حوادث ثقافيَّة، واقتصاديَّة، وسياسيَّة، فعليَّة لتركيز التفاعل العالمي للإعلام والسياسة بين كل عواصم العالم؛ ومن غرفة الأخبار إلى غرفة الإدارة، فهو يعطى عدداً من الأمثلة العالميَّة لتوضيح القضايا النظريَّة.   

التأميم العابر والتوافق الثقافي:

ربما كان أكثر الدوافع تحريكاً للدعوة نحو أساس جديد للحريات الاتصاليَّة؛ رفضاً للتأميم العابر للحدود، وللتخطيط لسياسات الاتصال الواقعيَّة، قد توصل للاعتراف بأن تدفقات الإعلام العالمي قد نتجت عنها معدلات خطيرة للتوافق الثقافي. وقد حدثت مثل هذه الظاهرة إلى جانب وخارج العلاقات الاقتصاديَّة والسياسيَّة القائمة.[26] لذلك، آخذين مفهوم السيادة القوميَّة كنقطة انطلاق، فهنالك مجموعة من التعليقات المعاصرة في موضوعات الاتصال العالمي قد تمَّت مراجعتها.[27] وقد قام “نوردينسترنق” بمنح القراء مقدِّمة للاهتمامات المعاصرة، التي بدأت تطفو على السطح، وهي تقدِّم أدوات التحليل الأساسيَّة المطلوبة لفهم الموضوعات المعنيَّة.[28] إذ تم اختبار تلك المشاكل من زوايا الصحافة، والعلوم الاجتماعيَّة، والسياسة الدوليَّة، والقانون، والتقانة الناشئة، التي تضمَّنت موضوعات مثل، وسائط الاتصال الجماهيري عبر الحدود، واتصالات الأقمار الصناعيَّة، إلى جانب العالم الثالث والحاجة إلى نظام معلوماتي عالمي جديد.

وإذا تساءلنا؛ إلى أي مدى يمكن للبرامج التلفزيونيَّة عبر الفضائيات أن تقوم بتحطيم الثقافة االمحليَّة، وأن تهدِّد الهويات القوميَّة، وأن يلوِّث البث الإذاعي الذوق العام، وأن يبيع وجبات تلفزيونيَّة قليلة القيمة غنيَّة بالعنف والصور الجنسيَّة الفاضحة المخدّرة دون تمييز بين المشاهد المتشوق والمندهش والحافظ والقاصر؟ مثلما يفعل التلفزيون عبر الأقمار في أوروبا الغربيَّة.[29] غير أن هذه المهدّدات، أو الوعود، من المستبعد الاعتراف بها من قبل التلفزيون عبر الأقمار في أوربا الغربيَّة، رغم أنها تحاول تنظيم المعلومات الجماهيريَّة سريعة التغيير في وسائط الإنترنت، خشية من الهيمنة الثقافيَّة الأمريكيَّة.

إنَّ التعاون الدولي للسوق العالمي والتحوُّل الثقافي المحلي قد تمَّ إيضاحه عن طريق العلاقات الدوليَّة المركبة، أي بين العمليات السياسيَّة والاجتماعيَّة المهيكلة عالمياً وبين تنظيم الهويات المحليَّة.[30] ويعتبر الاتصال الجماهيري أداة رئيسة في دعم وتمدُّد النفوذ الأميركي في الخارج، كما أنّ محتوى الإنترنت يدعم هذا التمدّد ويدعمه. وكثير من المسؤولين الحكوميين في واشنطن يعترفون بذلك، وقد أصدروا بيانات تجعل منها سياسة وطنيَّة صريحة. إن مجتمع الاتصالات المحلي يعتبر جزءاً حيوياً من المجتمع الصناعي العسكري، ويتم استخدام الأول لمد مصالح الثاني في حالة الدفاع عن البلد، وفي حالة الاعتداء ومواجهة التدخل خارجياً. إضافة إلى ذلك، تُستخدم وسائل الإعلام لخدمة الإمبرياليَّة الثقافيَّة حيث تقدم منتجات وقيم وطريقة الحياة الأمريكيَّة بالسيطرة على الموجات الأثيريَّة لبعض البلدان- ­خاصة كندا- إلى درجة أن هذه الأقطار قد انعدمت فيها تقريباُ الثقافة المحليَّة.[31] ويبدو هذا الضغط الإمبريالي لأميركا ما بعد الحرب الباردة واضحاً في نظم الاتصالات الفضائيَّة مثل “كومكاست” و”أنتلسات”. وإذا قُدّر لإعادة هيكلة ديمقراطيَّة لإمبراطوريَّة الاتصالات أن تقوم، فيجب أن تكون مجهوداً قومياً يقوده أولئك الذين يعملون في صناعة الاتصال نفسها. فالمختصون، مثل “يحيى كماليبور”، قد بادروا بتصوير الإنعكاسات المثيرة للقلق، التي يقوم بها الإعلام في عالم اليوم.[32] وذلك بتحليل الصور النمطيَّة والمفاهيم المغلوطة، التي يحملها الأمريكيون تجاه العرب والعرب الأمريكيين، كما بحثت دراسته في الأثر بعيد المدى، الذي تحدثه وسائل الإعلام في الشرق الأوسط. فهي تقدِّم منظورات عامة ومحددة حول الثقافة المتقاطعة، والعلاقات الدوليَّة، والاتصالات السياسيَّة، والإعلام وحرب الخليج.

ومن المألوف في عالم اليوم أن يتَّحد الإعلام والسياسة في زواج غريب يقوم فيه كلا الطرفين، أحياناً، بإيذاء أحدهما الآخر. وتزداد هذه الظاهرة بالطبع حينما يتقبَّل زعماء سياسيون الإهانات، التي توجه إليهم أثناء لقاءات تلفزيونيَّة، والتي تأخذ بذلك شكل ألعاب السيرك السياسي.[33] إلا أن هذه الحقيقة مزعجة بشكل خاص لأولئك المختصين الذين يحاولون بصورة موضوعيَّة التحديد القاطع للأدوار، التي يقوم بأدائها كل من السياسيين والإعلام في عمليَّة إعداد السياسات.[34] فقد أجرى “فليب مآريك” في عمله التعليمي توجهاً منظماً جديداً للاتصال السياسي.[35] وكشف الكيفيَّة، التي يمكن بها للاتصال العالمي وعمليَّة صناعة السياسات تقديم مساعدة حقيقيَّة للزعماء السياسيين لتهيئة اتصالاتهم لمواكبة نمو المجتمع والسياسة، إذا تعلموا كيف يتقنون الخطوات اللازمة.

وقام “فيلبي كورزيني”، في كتابه: “تواصل من أجل السلام”، متأثراً بالاتّجاهات نحو الاهتمام المتزايد بدراسات السلام، وبالتركيز على العلاقات الدوليَّة في وضع الاتصالات في قلب الدبلوماسيَّة والتفاوض، قام بتقديم ثلاث عشرة ورقة، قسِّمت إلى ثلاثة أجزاء رئيسة، بحثت جوهر هذا الموضوع.[36] إذ يحتوي الفصل الأول، على مختارات مفاهيميَّة تعالج عموم النظريَّة. ويعرض الفصل الثاني، بوضوح دراسات حالات وأمثلة تقود إلى ممارسة الإعلام لدوره في صناعة السلام. ويعالج الفصل الثالث، موضوعات الهيكل التنظيمي، والإعلام وقنوات الاتصال البديلة للإتيان بهذا السلام.[37] وقد يكون من قبيل الصدفة الحسنة، أن نظَّم السودان، في الفترة بين 8-12 أبريل 1995، بالتعاون مع اليونسكو، مؤتمراً مهماً كان يتعلق، بصورة أساسيَّة، بثقافة السلام، معترفاً بالآثار، التي خلفتها الحرب في الجنوب على ثقافة المجتمع السوداني الموحّدة، وصورة البلاد العامة في العالم. وهناك منبر آخر تمَّت المناداة به من قبل اليونسكو عقد في برشلونة، أسبانيا، في سبتمبر 1995، ناقش ذات المضامين، ولكن، كيف تؤثِّر الثقافة على مفاوضات السلام؟ فهناك نظريات مختلفة ومناهج في الدبلوماسيَّة والتفاوض تركز على عوامل مثل القلق، والسلطة، والثقة، وطريقة التفكير، والأساليب السلوكيَّة، ومشاركة المواطن. وفي مقالات عن “الإعلام والثورة”، تصارع “جيرمي بوبكن” مع دور الإعلام في الترويج للثورة؛[38] منذ ثورة البيورتان “الطهوريون” في إنجلترة القرن السابع عشر، وعبر الثورات الأمريكيَّة، والفرنسيَّة، والبلشفيَّة، والإيرانيَّة، والهَبَّات المعادية للشيوعيَّة في الصين، وفي أوربا الشرقيَّة في أواخر الثمانينات. وقام الاختصاصيون في السنوات الأخيرة[39] بالتحرك من رؤية الثورات كنواتج للصراع الطبقي، التي يعتبر فيها الخطاب والاتصالات ظواهر مصاحبة لمد مساحة التغييرات الاجتماعيَّة؛ إلى تفسيرات “ماكلوهانيسك”،[40] التي تقول إن التغييرات في الاتصالات والإعلام هي، التي تقود إلى الثورة الاجتماعيَّة.[41] والإعلام المذكور هنا هو بالتقريب الإعلام المطبوع بالكامل، عدا الثورة الإسلاميَّة في إيران، التي اشتُهِرَت بكثافة استخدام رسائل الـ”كاسيت”. ولو قمنا باستعراض حقيقة أن معظم المساهمين فيها من المؤرخين، فإن هذه المجموعة الزاخرة بالأفكار ينقصها أي نوع من التحليل للكيفيَّة، التي يمكن بها لتقنيات الاتصال الناشئة تشكيل التفاعل الاجتماعي في المستقبل، خاصة بعدما وفرته رسائل الـ”فيسبوك” ووسائل التواص الاجتماعي الأخرى من دعم وتحشيد لانتفاضات الربيع العربي.

إننا نعلم أن هذا التعميم لا يصح إجالته بالنظر إلى كل القضايا؛ فالتغطية التلفزيونيَّة للإرهاب مثلاً، لا تتعمد تمجيد الإرهابيين بأي حال من الإحوال؛ بدلاً من ذلك، ومن خلال عرضها للصور التفصيليَّة للتدمير الإرهابي، فإن ذلك قد يزيد من دعم الحكومة ويقوض من الهدف الجديد للتغيير الاجتماعي الجذري، الذي قد يسعى لتحقيقه الإرهابيون. فقد جمعت دراسة “وليام آدامز”[42] ثلاثة عشر مقالاً عن التحقيق التلفزيوني لموضوعات مثل الإرهاب، والعالم الثالث، وجنوب شرق آسيا، والسياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة، تؤكد في مجملها حقيقة الدور، الذي تلعبه التغطية التلفزيونيَّة في التغير الاجتماعي.
لطالما شغل تأثير الإعلام على المجتمع الباحثين في مجال الاتصال، فإن الموسعات المختلفة تناولت العديد من نظريات الاتصال المعياريَّة والاجتماعيَّة والعلميَّة والنقديَّة، التي تُعنى بكيفيَّة تأثير وسائل الإعلام على التغيير الاجتماعي. إذ افترضت نظريات التأثيرات المبكرة لوسائل الإعلام تأثيراً مباشراً وغير مخفَّف لوسائل الإعلام على الأفراد والمجتمع. وشكَّك البحث اللاحق في افتراض وجود تأثيرات وسائط قويَّة بالكامل، مما أدَّى إلى إطلاق ما أصبح يعرف بتقليد التأثيرات المحدودة. ومنذ تلك الأيام الأولى لبحوث الاتصال، كان هناك مد وجذر مستمر في النظريات والبحوث التجريبيَّة، التي تحاول جاهدة فهم التأثير الحقيقي لوسائل الإعلام على التغيير الاجتماعي. وحاولت العديد من النظريات أيضاً فهم تأثير وسائل الإعلام على التغيير الاجتماعي من مجموعة متنوعة من وجهات النظر ولأهداف مختلفة. وتشمل هذه نظريات الإعلام والتحول الديمقراطي، ونظريات الاتصال التنموي والتعلم الاجتماعي، ونظريات الاتصال الصحي، والتسويق الاجتماعي، والتواصل التشاركي. أيضاً، تناولت مجموعة متنوعة من مجالات الاستفسار في مجال الاتصال الجماهيري التغيير الاجتماعي. وتشمل هذه الأبحاث حول الإعلام البديل والقرصنة والخدمة العامة والبث التعليمي والرأي العام والتواصل السياسي والبحث في الدعايَّة.[43]

حرب الخليج؛ مجرد مثال:

إن من خصائص المجتمعات في الأزمات الدوليَّة أن تصطف خلف قياداتها وحكوماتها، وفي مثل تلك الظروف من غير المستغرب على إعلام الدول، مهما كانت تحفظاته الخاصة، أن يقدم الدعم لسياسات حكوماته، وبذلك يلعب دوراً في بناء الدعم المجتمعي لكل الإجراءات، التي تنوي الحكومات اتخاذها لحل تلك الأزمات، كإعلام النازيَّة وبوق الإعلامي “بول يوزِف غوبلز”، وزير الدعاية في حكومة أودلف هيتلر، من عام 1933 إلى 1945، وإعلام الرئيس جمال عبدالناصر، في حرب عام 1967، وإعلام الغرب مجتمعاً في حرب أوكرانيا. بالنسبة للولايات المتحدة، فإن حرب الخليج الثانية تناسب هذا النمط التقليدي، أكثر من تجاربها الأخرى في فيتنام وأفغانستان. فقد منح الشعب الأمريكي المتأثر بالإعلام تأييداً شاملاً للبيت الأبيض لاستخدام الوسائل العسكريَّة لزحزحة العراق عن الكويت.[44] وقد عرضت لهذه الحقيقة صفحات العشرات من الكتب، وهناك مزيد من الكتب والدراسات الأكاديميَّة لا تزال تضيف للرف المتضخم في موضوع حرب الخليج. وتعتبر دراسة “برادلي غرينبيرغ” المسماة “عاصفة الصحراء والإعلام الجماهيري،”[45] التي جمعت ثمان وعشرين ورقة بحث أصليَّة في كل جوانب الحرب تقريباً. وقد قُسِّمت هذه الأوراق إلى أجزاء رئيسة في الإعلام ومحتواه الحربي؛  والأثر، الذي تركته تغطيته على الرأي العام، وفي صناعة السياسة العامة، والسياسة الخارجيَّة خاصة.

ومن جانبه، إحتج “حامد مولانا”، في كتابه “انتصار الصورة”[46] بأن الإعلام قد أسهم في إنتصار الصورة على الواقع والمنطق بحذف وجهات نظر الإعلام غير الغربى. في حين ناقش “دوغلاس كيلنر”، في كتابه “حرب الخليج التلفزيونيَّة”،[47] أوجه القصور في التغطية التلفزيونيَّة زمن الحرب، أو كما جاء في كلمات الكاتب: “في محاولة لإدارة الرأي العام قامت إدارة الرئيس جورج بوش الأب والبنتاغون (وزارة الدفاع) بإنتاج كميَّة من الدعايَّة المضادة، والمعلومات المغلوطة، والأكاذيب الصريحة، التي غطت على الجوانب القبيحة في حرب الخليج، ومنحت الغطاء القانوني لسياسات الولايات المتحدة.”[48] وقدم كتاب “الحرب والتلفزيون”،[49] لمؤلفه “بروس كنيغ”، نسخة جديدة لتاريخ تغطية الحرب التلفزيونيَّة، قربت الصورة أكثر من مجرد تغطية إخباريَّة عابرة.

وفي الجانب البريطاني، تساءلت الكتابات المختلفة حول رأي الجمهور البريطاني في الحرب، وفي الصور، التي عرضت عليه؟ لقد كلفت الحرب حياة حوالي مائة ألف من القوات العراقيَّة، وأكثر من خمسمائة من القوات المتحالفة، التي من بينها بريطانيا. فما هي صورة الحرب، التي قدمها التلفزيون للجمهور البريطاني؟ ونجد أن “موريسون” قد انبرى في كتابه “التلفزيون وحرب الخليج”[50] للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها: مثلاً، كيف قام التلفزيون بمعاملة الرئيس صدام حسين مقارنة بجورج بوش وجون ميجور؟[51] وبناء على تحليل محتوى برامج المساء الإخباريَّة الرئيسيَّة، أوضحت الدراسة أن القنوات المختلفة قامت بتغطية الحرب بطرق مختلفة، وأشارت الدراسة إلى ما، الذي يمكن أن يعنيه ذلك بالنسبة للطريقة، التي يشكّل بها المشاهدون حكمهم على اللأحداث.

وفي استعراض كل الأدبيات المتعلقة بحرب الخليج، نجد أنها تحتج بأن الإعلام الأمريكي، على وجه الخصوص، قد أظهر تحيزاً واضحاً مناصراً للحرب، وأنه كان موجهاً بواسطة الحكومة؛ وهناك أمثلة لا يأتيها الحصر تؤكد هذا الزعم. ويمكن الرجوع خصوصاً لدراسات “فيالكا”[52]، “دين”،[53] “تومسون،”[54] ويزنبورن”،[55] “رابنوفتز”،[56] “بينيت”، [57] “سميث”، [58] “تيلر”، [59] “دينتون”، [60] و”روو”.[61] الذين أكدوا جميعاً أن حرب الخليج كانت  “حرب اتصالات (رسمت خريطة الاتصال) من خلال تركيز الضوء على ما كان يعتبر، في نهاية ثمانينات القرن العشرين؛ مع أزمة المجمعات الصناعيَّة الحربيَّة، والاحتفالات الرسميَّة بنهاية الحرب الباردة، منطقة غامضة في الحوارات حول مستقبل النظم العالميَّة للاتصال والمعلومات: منطق المراقبة اللصيقة ومنطق ثقافة الأمن القومي.[62] وقد كانت حرب الخليج، كما كتب “ألن كامبن”، ” حرباً اتصاليَّة جديدة بكل معنى الكلمة حيث أن أوقية من السيلكون في جهاز كومبيوتر قد تكون أشد أثراً من طن من اليورانيوم”؛ منضدب، وغير منضدب. وكمحرر لـ”حرب المعلومات الأولى” أوضح كامبن: “أن المعرفة أصبحت تنافس الأسلحة والتكتيكات في الأهميَّة، مانحة الأفضليَّة للفكرة، التي تقول بإنه يمكن تركيع العدو بصورة أساسيَّة من خلال تدمير وسائل السيطرة والأوامر (الاتصال)”.[63]

الإعلام والسياسة الخارجيَّة:

يعتبر كتاب “بيرنارد كوهين” أول دراسة مهمة مسخَّرة للعلاقة بين الصحافة والسياسة الخارجيَّة، وظلت أكثر المراجع، التي يتم الإشارة إليها باستمرار في هذا الموضوع.[64] وقد تم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة أجزاء، هي: أ- بنيَّة الصحافة والطريقة، التي تغطي بها الأخبار الخارجيَّة. ب- أثر تلك التغطية على صنّاع السياسة الخارجيَّة، والعكس. وج- دور الجمهور كمستهلكين في تشكيل التغطية الصحفيَّة. وقد وجد “كوهين” أن المصالح السياسيَّة المتنافسة لصناع السياسة، الذين يبحثون عن الخصوصيَّة والدعم، والصحافة، التي تسعى إلى كشفٍ للمعلومات بشكل عام وكامل؛ تقود إلى عدم الترابط والاصطناعيَّة في كتابة التقارير الصحفيَّة. واقترح أرضيَّة مشتركة للدبلوماسي والإعلامي، الذي يقوم بالتغطية الصحفيَّة في وظيفتهم التحليليَّة كَمَسَّاحين للتطورات الأجنبيَّة. فكاتب التقرير الصحافي الأكثر كفاءة والأفضل تدريباً في العلاقات الدوليَّة، يمكنه تقديم تغطية أفضل واكتساب دعم أكثر من حليفه الجديد-الدبلوماسي؛ كما يرى كوهين. إذ إنه لا شك أن هنالك توتر موروث بين الحريات الصحفيَّة والتدخلات العالميَّة للسياسة الخارجيَّة، التي تضع الأولويَّة للسريَّة، والتنفيذ السريع، والحرص على فقدان الرفض الشعبي. ويؤكد الكاتب “تيد غلين كاربنتر” بأن الأولويَّة العليا لبروقراطيَّة الأمن القومي هي أن تتحكم، أو تعترض على الأخبار الصحفيَّة، مانعة بذلك التغطية الناقدة للمبادرات العسكريَّة، وتلك الخاصة بالسياسة الخارجيَّة.[65]

لهذا، فإن التحديدات الحكوميَّة للصحافة خلال حرب الخليج، والاستبعاد الكامل للصحافيين خلال المراحل المهمة لغزو بنما وغرينادا، تعد على وجه الخصوص أمثلة صارخة لتكتيكات القبضة الحديديَّة للحكومة الأمريكيَّة على الإعلام، رغم كل ما يُقال عن الحريات الصحفيَّة، في بلد الحريات. فالحملات القويَّة المنظمة للطعن في وطنيَّة وتماسك شخصيَّة الصحفيين، الذين يجمعون القصص الصحافيَّة الناقدة لسياسة الولايات المتحدة الخارجيَّة، يتم شنها بوتيرة مزعجة. وبالرغم من ذلك، يركز “كاربنتر” على أن هذه الأشكال الخام للقهر بواسطة بيروقراطيَّة الأمن القومي ليست المصدر الوحيد للخطر على صحافة حيَّة حرة. إذ إن هنالك تهديد بنفس درجة الخطورة يفرضه سوء استخدام الحكومة لقانون السريَّة بغرض السيطرة على تدفق المعلومات ولمنع ما يكشف عنه الإعلام، الذي قد يلقي بالشك على حكمة وأخلاقيَّة السياسة القائمة. وعادة ما يكون التصنيف المبالغ فيه مقترناً مع الإستراتيجيات القهريَّة؛ خاصة التهديدات بالإدانة الجنائيَّة بسبب عدم احترام الأوضاع التجسسيَّة، بالنسبة للذين يسربون المعلومات المصنفة، وللذين يقومون بنشر تلك المعلومات على حد سواء. ويحاول الرسميون، في رأي “كاربنتر” إغراء الصحفيين ليصبحوا أعضاء في فريق السياسة الخارجيَّة، بدلاً عن أداء دورهم المعتاد كمراقبين متشككين في أداء الحكومة. وفي كثير من الأحيان كان يستسلم أفراد من الإعلام لمثل تلك النداءات، ويصبحوا أكثر من قادة تشجيع لمبادرات سياسة خارجيَّة غامضة. وكان ذلك بوضوح هو الحال أثناء حرب الخليج، وفي الصومال، حيث وقعت الكارثة، التي تمخضت عن إعادة نظر واعية وجذريَّة حول دور الإعلام.[66]

لقد كانت جهود الحكومات في تحويل الصحافة إلى محرك للدعاية المضادة، أو إخراس المنتقدين، في الماضي مقصورة على مواقف الطوارئ حيث كان الوطنيون يصارعون من أجل البقاء بصورة واضحة خلال الحربين العالميتين. وأثناء فترة الحرب الباردة، بالرغم من ذلك، فقد أصبحت مثل هذه السياسات أمراً مألوفاً حتى خلال فترات السلم. وقد ظلت تلك العادات، مثل الهيمنة والتهديد، ظلت مستمرة في فترة ما بعد الحرب الباردة الماضية. ويحتج “كاربنتر” أنه بالرغم من أن حريَّة الصحافة لم يتم قتلها في المعركة خلال الأزمات العالميَّة العديدة في القرن العشرين إلا إنها أصيبت بجراح بليغة؛ وأصبح أحد أهم المهام لفترة ما بعد الحرب هو إعادة العافية إليها. وفي هذا الصدد، قدم “روس بارلي” قصة تاريخ تغطية الـ”نيويورك تايمز” للسياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة، مع تركيز على سياسة الجريدة التحريريَّة.[67] وقد تعامل مع أزمات وحوادث فرديَّة بادئاً بالمجر، والسويس، ومنتهياً بسقوط سايغون وهزيمة نكسون. وأهم ما في الدراسة يوجد في الفصل الأخير، الذي قام فيه “بارلي” بإدانة الـ”تايمز” لما وصفه بقوتها الزائدة وسياستها التحريريَّة المتحررة. وقد أوضح بأن الجريدة تدعم المواقف المعادية للغرب وتبرر المشاعر الثوريَّة في كوبا ونيكاراغوا في تقاريرها الخبريَّة عن تلك الدول.[68] وبعد فك رموز كل جملة في كل موضوع الـ”نيويورك تايمز” حول تصميم، وتطبيق، وتوضيح، فشل السياسة الخارجيَّة المدوي، بداية بخليج الخنازير، ورهائن الإيرانيين، مختتماً بالتدخل في لبنان عام 1983؛ احتج “نيكولاس بيرى”[69] بأن الصحافة ليست لاعباً متحمساً في مؤسسة السياسة الخارجيَّة، كما إنها ليست أداة خاملة في وجه تحكم الحكومة في توجيه الرأي العام. بدلاً عن ذلك، فإن الصحافة كاتب تقرير موضوعي للقصة الخبريَّة الماثلة، برغم تحيزها للإتجاهات المرتبطة معها إثنياً.[70]

إن كِتاب “الإعلام والسياسة الخارجيَّة” لـ”سيرفاتى”[71] هو نتاج لسمنار تم تنظيمه بواسطة معهد جونز هوبكنز للسياسة الخارجيَّة في واشنطون العاصمة.[72] وعالجت الدراسة، التي تفحص في حالات خاصة كالإرهاب،[73] والسيطرة على الأسلحة، والأخبار المتسربة عن الحكومة، موضوع القوى، التي تضع الأجندة للإعلام، في مقابل القوى الحكوميَّة، إلى جانب الدقة ونفوذ التغطية الإعلاميَّة الخبريَّة.[74] وقد وجّه النقد بطريقة عادلة متساوية للامسؤوليَّة الإعلام من حين لآخر، وللحكومة في أوقات الهيمنة الزائدة. وعادة ما تُصوّر العلاقة التصادميَّة بين الصحافة والجناح التنفيذي باعتبارها مفيدة، بالرغم من تضخيمها في معظم الأوقات. وقد أكد “سيرفاتي” بأن الإعلام لا يمكنه تأسيس حزب معارضة متجانس، كما يدَّعي البعض، كما أنه لا يضع أجندة السياسة الخارجيَّة.

وعادة ما تتأثر السياسة الخارجيَّة لأي بلد بالمعارك الثقافيَّة لجيران أقوياء بصورة غير متكافئة، مثل حال المكسيك، أو كندا، مقابل جارتهما القويَّة الولايات المتحدة الأمريكيَّة. وإذا أردنا إيقاع هذه القراءة في الراهن العربي، فإن حالة سوريا ولبنان، وحالة مصر والسودان، خير مثال لتوضيح ذلك. ففي تقييم مقارن أسهمت هذه الدراسة بتحليل إنتقالي لفهم الأسئلة المعقدة، التي تواجه الثقافات المحليَّة في مواجهة النفوذ الثقافي القوي القادم عبر الحدود. وفي مقارنة لمذكرات عن الثقافة الأمريكيَّة الشعبيَّة وأثرها في الدنمارك وكويبك الكنديَّة، فقد ظهرت مجموعة كتابات،[75] لم تتحدَّى فقط الرموز التقليديَّة للثقافة والتنمية، بل عالجت أفكاراً محوريَّة، مثل السياسة والهويَّة الثقافيَّة، والإعلام الشعبي، والاتصال، والسياسة والإقناع، والسياسة الخارجيَّة، وتحليل تقبل التهجين الثقافي، والتنظيم، واللاتنظيم، في سياق اقتصادي عريض.

وإذا ابتعدنا عن الغرب والعرب قليلاً ناحية الشرق الأقصى، وما كان من أمر العلاقات الأمريكيَّة الصينيَّة، فسنجد أنها ظلت تحت المجهر، منذ أن وطد الشيوعيون سلطتهم في بكين في عام 1949، بينما أصبحت الدراسات في العلاقات الصينيَّة الأمريكيَّة ضخمة ومتنوعة على مر السنين. غير أن الدارسون يفترضون أنه لا تزال هناك حاجة لأن يكون إختبار منتظم للعلاقة بين الصحافة والسياسة الأمريكيَّة الصينيَّة من خلال منظور رأسي، وليس أفقياً فحسب. وقد أُجريت في وقت لاحق للزيارة الشهيرة، التي قام بها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى الصين في عام 1972، دراسة علميَّة للدور المشترك بين صناع السياسة الخارجيَّة، والصحافة، والرأي العام في عمليَّة إتخاذ القرار في شأن السياسة المتعلقة بالصين من 1950 إلى 1984.[76] ورغم التحليل التفصيلي لتقارير الصحافة بالنسبة لما حدث بالفعل في العمليَّة السياسيَّة، إلا أن هذه الدراسة تختبر بصورة نقديَّة الدور، الذي تلعبه الصحافة كفاعل غير متوقع في صناعة السياسة الخارجيَّة الأمريكيَّة نحو الصين.[77] كما أجريت في المملكة المتحدة دراسة لاختبار الكيفيَّة، التي تؤثر فيها وسائل الإعلام على السياسة الخارجيَّة البريطانيَّة، وذلك بالتأثير على الرأي العام، وبمد صناع السياسة بمعلومات جديدة، وباعتبار نفسها كمسرح للدبلوماسيَّة، يتحدث فيه الرسميون لبعضهم عبر الأثير.[78] وبرغم جهود الحكومة البريطانيَّة لكبح جماح الإعلام من محاولات الحصول على معلومات السياسة الخارجيَّة خلال إختطاف طائرة الـ”تي دبليو أي”، في بيروت عام 1984، وحرب لبنان عام 1982، وحرب جزر الفولكلاند “المالفنيز”، فإن تأثير الإعلام على الدبلوماسيَّة البريطانيَّة كان قوياً بصورة كبيرة.

إن ما يبدو خارج نطاق هذه الدراسة هو مناقشة الفوائد النسبيَّة للحرب على الإرهاب كموضوع في العلاقات الدوليَّة، وتأثيره المباشر على وضع السياسة الخارجيَّة، غير أن المؤكد هو أن ظاهرة الإرهاب قد شقت طريقها إلى الرأي العام من خلال الإعلام، الذي يؤثر بدوره على روايَّة السياسة الخارجيَّة. فقد زاد الإعلام من نفوذه في السياسة الخارجيَّة منذ ستينات القرن العشرين عن طريق خلق نموذج للعالم ليستخدمه قادة السياسة الخارجيَّة، والحكومات الأخرى، وحتى الإرهابيين كخارطة لمناوراتهم.[79] وقامت دراسات بالبحث في أثر التقارير الإعلاميَّة على طريقة فهم وقرارات المشتغلين بالسياسة الخارجيَّة من الداخل، مستخدمةً ثلاث حالات تتعلق بسياسات الشرق الأوسط في الفترة من 1977 إلى 1988. إنه من المناسب التركيز على الإختلاف الحاد بين القبول والتمجيد لأنماط معينة من الإرهاب، الذي يمارسه الإسرائيليون، والإدانة لنفس التكتيكات الإرهابيَّة، التي يقوم بها العرب الفلسطينيون. نتيجة لذلك، فقد وجدت الإنتفاضة الفلسطينيَّة نصيبها العادل من التغطية الإعلاميَّة، كما قدمت مثالاً فريداً للتفاعل بين الصحافة، والسياسة الداخليَّة والعلاقات الدوليَّة، في عصر المعلومات الجديد. وقد احتج “جيم ليدرمان” في كتابه “خطوط المعركة”[80] بأن الإعلام أصبح اليوم تحت هيمنة تقنيته المباشرة الجديدة، وقام ببحث الكيفيَّة، التي يؤثر بها هذا الإعلام الجديد الفائق السرعة بدوره في سياسات الدول. كما أكَّد أنه يجب على الدول الآن امتلاك إستراتيجيَّة إعلاميَّة يتمّ من خلالها الترويج لسياستها الخارجيَّة، الأمر الذي فشلت فيه إسرائيل خلال الانتفاضة الفلسطينيَّة.

وفي دراسة من خمسة موضوعات تتعلَّق بالاتصال الجماهيري في الأرخبيل الماليزي-الآندونيسي،[81] تم التعرض لهذه الموضوعات، والكيفيَّة، التي أثر بها الإعلام الجماهيري على كل واحد منها، والتفاعل المتبادل بين الإعلام والشئون السياسيَّة في المنطقة. إنّ البحث عن إجابات لكل الأسئلة المطروحة في الدراسة ينسحب على تقاليد الدراسات المقارنة، برغم أن مصطلح “مقارن” مضلل هنا، لأن الطريقة المستخدمة نادراً ما تجري مقارنات مباشرة.[82] إذ إن أثر التغطية التلفزيونيَّة على صناعة اتخاذ القرار في السياسة الخارجيَّة، وتعقيدات العلاقة الصعبة بين الإعلام والسياسة الخارجيَّة في عصر التلفزيون العولمي، قد تم بحثها بشكل جاد.[83] ويعتقد مسؤولو الحكومات أن للأخبار التلفزيونيَّة أثر كبير على قرارات السياسة الخارجيَّة. وفي المقابل، فإن الكثير من مختصي العلوم السياسيَّة يرون بأن التلفزيون عرضة لتحكم الحكومة في الأخبار، ويقوم بعكس وجهة نظر الصفوة لمصالحها فيما وراء البحار. من هذا المنظور، فإن التغطية التلفزيونيَّة، وأثرها الكامن على الرأي العام هي عوامل يجب التخطيط لها والسيطرة عليها في عمليَّة إنفاذ السياسة الخارجيَّة، بناء على هذا المنظور.[84]

وفي دراسته عن منتجي ومحرّري التلفزيون، الذين يقومون بتغطية أخبار السياسة الخارجيَّة، نظر “روبرت بالتشا” في التصوّرات المشتركة، التي تعرف هاتين المجموعتين من مهنيي الإعلام. [85] وتشير لعلاقة الصحافيين ببنيَّة الشبكة التلفزيونيَّة واهتماماتها بالزمن، والتكلفة، والصورة، ومدى الإهتمام الجماهيري، وتشير إلى أن الصحفي الجاد محكوم بمواصفات الإنتاج والحظر على الأخبار في الشبكة. [86] وعادة ما تصبح تقارير الأخبار العالميَّة مجرد تأكيدات بصريَّة لـ”كليشيهات” شعبيَّة عن البلد المعني، كما أن الاعتماد على الصورة، والحدود الصارمة على الزمن، تقود إلى تجزئة في المعلومات، ونقص في التحليل. إن التغطية الإعلاميَّة، التي تركز على الواقعة المفردة قد تسهم في خلق تصور غير حقيقي من جانب الجمهور، وتؤدي بذلك إلى فشل في الدبلوماسيَّة. ونظر “أندرو آرنو” في دراسته للـ”التغطية الإعلاميَّة للصراعات”، لدور الإعلام في إشعال، أو تخيف حدّة الصراع.[87] وفي فصل بعنوان: “الصورة الذهنيَّة بين السياسة والإعلام”، ركّز فيها على النزاع الإيراني الأمريكي في قضيَّة الرهائن، وكيف لعبت الصور الذهنيَّة المبتسرة في تقديم الآخر. وتتناول فصول أخرى حدود الأخبار التلفزيونيَّة الإعلاميَّة كطرف ثالث في النزاعات الدوليَّة والاستقطاب، الذي تسبّبت فيه تغطية الإعلام الأمريكي، التي تركّز دائماً على الأزمة.

لقد كان دور الإعلام بالفعل حاسماً في وضع حدّ لبعض الحروب، مثلما ساهم في اشعال غيرها. وكانت الولايات المتحدة باستمرار سباقة في هذا المنحى. وهذا التأثير الفاعل للإعلام، في فترات الصراعات والحروب، قد ساعد في فرض نهاية للتدخل الأمريكي في حرب فيتنام، وساعد أيضاً في إسقاط أحد الرؤساء في فترة فضيحة وترقيت. كما كانت أزمة الرهائن في إيران أحد الأسباب المهمة في فشل الرئيس جيمي كارتر في إعادة انتخابه لفترة ثانية. وقد لعبت التغطية الإعلاميَّة أيضاً دوراً هاماً في إسقاط رئيس ثان في نوفمبر 1992 هو جورج بوش الأب. وفي 1987-1988 كانت الشعبيَّة غير المسبوقة للرئيس ريغان –وقتها- وحدها، التي مكنت من التغلب على أثر الجدل الحاد حول مبيعات الأسلحة الأمريكيَّة لإيران، أو ما عُرف وقتها بفضيحة إيران-كونترا، كما ساعد في الإتيان بموضوع الحقوق المدنيَّة إلى مقدِّمة الوعي القومي، في أمريكا، وغيرها من بلاد العالم.

خاتمة:

إن مناقشة مسلّمات البعض عن الدور الإعلامي، وأنه مُسَخَّرٌ في الحقيقة للعمل كـ”كلب حراسة” لمصالح الشعب، يقودنا إلى التساؤل عن إلى أي مدى تمَّت إجادة أداء هذا الدور؟ ويبدو أنه فقط من المعقول الزعم بأن العلاقة العدائيَّة بين الصحافة والحكومات قد تأججت أكثر بواسطة الضغوط التنافسيَّة بين المنظمات الأخباريَّة. ودعت تلك الضغوط الصحفيين للبحث عن السبق الصحفي الشامل، ودعمت جاذبيَّة الأخبار المتسرَّبة من الحكومات، والتي تكون بطبيعتها متاحة للقلَّة. وتعقّدت في السنوات الأخيرة خصوصاً، العلاقات بين الأنظمة الحاكمة والإعلام بصورة أكبر عن طريق تصعيد العداء التقليدي بين هذه الأنظمة والجهات المعارضة، بطريقة قانونيَّة، أو غيرها. وهذا الخلاف أدى إلى خلق تحالف طبيعي بين الأحزاب المعارضة والصحفيين: فهم يشتركون في منافسة مشتركة ضد الحكومة، باعتبار أنهم جميعاً يسعون إلى كشف ما تدبره السلطة التنفيذيَّة، وإزاحة الغطاء عن المخالفات، أو فضح التناقضات الموروثة في السياسات، أو طريقة تنفيذها. وكل جانب ينال السبق من الآخر مترجماً إلى عناوين رئيسة للأخبار، أو شعارات لمظاهرات، أو إضرابات، تقوم بتوفير المزيد من العناوين الرئيسة لتعبئتها. إلا أن كل جانب يستخدم الآخر بمثابة درع ليقنن به قصة خبريَّة جديدة، أو ليعمل كقناة للهجوم على رئيس ذي شعبيَّة، أو ضدّ نظامه.

وبينما يدعي الصحفيون المسؤوليَّة لمساءلة السياسة باسم المصلحة العامَّة، فهم عادة ما ينكرون أي إلتزام لتنوير الجمهور بالشؤون الخارجيَّة. بالرغم من ذلك، فإنَّه بالعمل كوسيلة رئيسة للاتّصال بين الحكومة والمحكومين، وعن طريق توفير أكثر المصادر أهميَّة للتحليل والمعلومات البديلة للجمهور، يمثل الإعلام الخبري معلم الأمة الرئيس في شئون السياسة الخارجيَّة. ولا بد من الملاحظة في الدراسات تحت البحث، بأن العلاقة بين الإعلام والحكومة يتمّ توسطها من قبل مجموعة أخرى، وهي الجمهور العريض. إن عدم اكتراث الجمهور نحو بعض القضايا يسهم في تعطيل التغطية الخبريَّة أكثر من أي قانون لضبط الممارسة، وربما حدد المصادر المتاحة بواسطة المحرّرين والناشرين.

وقد بنيت معظم الدراسات المنشورة على تجربة الحكومة الأمريكيَّة والإعلام الخبري التقليدي. حيث أدى ذلك حتماً إلى بروز نوع من التحريف للطريقة، التي عُرض بها الصراع بين الحكومة والإعلام حول صناعة السياسة الخارجيَّة. فقد تمتَّعت الصحافة لوقت طويل بموقع متميز، وفي الغالب مقدّس، كصوت مستقل في الديمقراطيَّة الأمريكيَّة. نسبة لتمتعها بالضمانة الدستوريَّة، ولاقترانها لدى العقل الشعبي والرأي العام بحريَّة كل المواطنين. وقد أصبحت التجربة الممتدَّة لحريَّة الصحافة أمراً خاصاً، وربما فريداً في التاريخ، فتم التأثير عليها بدورها بواسطة تجربة فريدة حميدة لحمايتها للأمن القومي، في فترات تاريخيَّة سابقة. وهذه الحقائق وحدها تجعل الأمر صعباً لتعميم التجربة الأمريكيَّة. والأكثر أهميَّة في هذا المجال، هو أن تحول الإعلام قد تزامن في الولايات المتحدة مع سقوط الإجماع الوطني حول أهداف ومنهجيات السياسة الخارجيَّة. وفي الوقت، الذي منحت فيه الصوت، وأحياناً استغلاله، لعدم الرضى الشعبي تجاه القادة السياسيين، فإن الخلاف العادي بين الإعلام والمؤسسة الحكوميَّة قد تلطخ بالإحساس المتبادل بالخيانة. 

لهذا، فـ”الإعلامويَّة العولميَّة” ظاهرة لا يمكن للدول مقاومتها إلا بدفع ثمن غال. إن الفضح، الذي تم على مستوى العالم، وخصص لإدانة التنظيف الوحشي لميدان “تيانانمين” في بكين، في يونيو 1989، ساعد في تمهيد الطريق للإعادة السلميَّة للعلاقة بين الإعلام والمؤسسة العسكريَّة، التي تم التبليغ عنها في حرب الخليج بعد سنوات قليلة لاحقة. ففي برلين، وفي أوربا الشرقيَّة، وفي أماكن أخرى، وحول عدة موضوعات أخرى، قد ساعد الإعلام في تجنّب سفك الدماء، واحتواء القهر، ونزع فتيل مواقف مشحونة بالتفجر. وبالقطع خلال السنوات القادمة، فإن نجاح الإعلام الاجتماعي والاتّجاه العالمي الواضح تجاه الديمقراطيَّة قد يتمحور على الطريقة، التي تعلمت بها الدول الأخرى كيف توفّر متطلبات نقاش عام يتم فتحه بواسطة صحافة حرّة.


[1] William J. Drake, ed. , The New Information Infrastructure; Strategies for U. S. Policy, New York: The Twentieth Century Fund Press, 1995, pp. 26-79.  

[2] Slavko Splichal, ed. , Communication and Democracy.  Norwood, N. J.:  Ablex Publishing Co. , 1993, pp. 18-127.

[3] American Diplomacy in the Information Age. Proceedings from the Herbert Wilson Griffin Seminar in International Affairs, New York: University Press of America, 1991, pp. 24-33.

[4] From remarks introducing the new publication, New Media: Technology, Society, Culture; The International Journal of Research on New Information and Communication Technologies, Vol. 1, No. 1, 1996, p. 2.

[5] James F. Hope, Jr., Media Pervasiveness, Foreign Affairs, Vol.: 73 Iss.: 4, Date: July 1994, p. 136-144.

[6] Martin L. Ernest, Mastering the Changing Information World. Norwood, N. J.:  Ablex Publishing Co., 1993, pp. 56-97.

[7]  Ibid. , p. 100.

[8] Don M. Flournoy, CNN World Report: Ted Turner’s International News Coup, London: John Libbey & Company Ltd., 1994, pp. 18-67.  — This book narrates the story how Ted Turner’s ideas are revolutionizing the gathering of international news and its distribution.

[9] كتاب دون م. فلورنوي: سى أن أن ورلد ريبورت (تقرير العالم): أنقلاب أخبار تيد تيلور العالميَّة.

[10] تركز على البرنامج الإخباري، الذي وضعه تيلور بهدف محدد وهو إعطاء الناس على مستوى العالم الفرصة للاستماع إليهم.

[11] وافق تيلور على بث كل المشاركات من غير اجتزاء، أو رقابة في شبكة الكيبل الأخباريَّة. وبناء على مديري السي أن أن، فقد أصبح إرسال الشبكة في متناول 99% من سكان العالم.

[12] Preben Sepstrup. Transnationalization of Television in Western Europe, London: John Libbey & Co. Ltd., 1994, pp. 87-211.

[13] Ariba Cohen. Eurovision and the Globalization of Television News, London: John Libbey & Co. Ltd., 1995, pp. 22-69.

[14] “يورو فيشن نيوز اكسجينج” هى الذراع الصحفي لاتحاد الاذاعات الأوربيَّة. في ظرف ثلاثة عقود نمت “اليورو فشن” لتصبح خدمة الفديو السلكيَّة القائدة، والمصدر الرئيس لللقطات التلفزيونيَّة لعشرات من الأقطار على مستوى العالم. وعلى خلاف السى أن أن، التي تبث قصص الأخبار بعد أن يتم تجهيزها (توضيبها) للجمهور، فإن نيوز اكسجينج الأوربيَّة توفر لقطات الأخبار الخام لمحطات التفزيون العالميَّة. وأن خدمات الأخبار التلفزيونيَّة القوميَّة بدورها تقوم بإنشاء الأخبار، التي يمكن بثها في نشرات الأخبار القوميَّة.

[15] Cees J. Hamelink, The Politics of World Communication, Thousand Oaks, CA: Sage Publications, Inc., 1994, pp. 37-99.

[16] The Cable News Network (CNN) created and owned by Ted Turner and broadcasts globally.

[17] George Gerbner. The Global Media Debate: Its Rise, Fall and Renewal. Norwood, N. J.:  Ablex Publishing Co., 1993, pp. 35-112.

[18]  من إشارات ختاميَّة لمقعد المائدة المستديرة؛ تم تنظيم المائدة المستديرة بواسطة اليونسكو بالإشتراك مع الإتحاد العالمي لأبحاث الآنصال الجماهيري في سيول كوريا الجنوبيَّة، يوليو 1994.

[19] Sean McBride. Many Voices, One World. UNESCO, 1980, 45-98.

[20] Oliver Boyd-Barrett. Contra-Flow in Global News, London: John Libbey & Co. Ltd., 1992, pp. 65-88.

[21]  كتب كل فصل من الفصول الستة عشر بواسطة خبير وطني. يضم الكتاب أيضاً فصول تقوم بتحليل السياسة السمعيَّة البصريَّة من منظور اقليمي، والتي تقوم بتقييم أهميَّة التلفزيون الإقليمي في دعم اللغات والثقافات المنفصلة، وتقديم المعلومات الخاصة بالتنميَّة الكليَّة للأقاليم.

[22] Miguel De Moragas, Decentralization in the Global Era. London: John Libbey & Co. Ltd., 1989, pp. 12-54.

[23]  تدعو الدراسة الاتحاد الأوربي وكل دولة عضو إلى وضع سياسة اتصالات لأقليم أوربا الصغيرة.

[24] Meheroo Jussawalla, ed., Global Telecommunications Policies: The Challenge of Change. Westport, CT: Greenwood Press, 1993, pp. 21-67.

[25]  Herbert J. Altschull, Agents of Power, New York: Longman, 1995, pp. 34-73.

[26]  UNESCO-AIMCR, Seoul, Korea, July 1994.

[27]  Kaarle Nordenstreng, ed., Beyond National Sovereignty: International Communications in the 1990’s, Norwood, N. J.:  Ablex Publishing Co., 1993, pp. 23-96.

[28] روبرت مردوخ، أسترالي تمكن من ملكيَّة كيانات إعلاميَّة من أستراليا إلى آلاسكا في أمريكا.

[29] Rubert Murdoch, Australian who is able to acquire ownership of media entities from Australia to Alaska in the U. S.

[30] Richard Collins. Satellite Television in Western Europe. London: Monograph John Libbey & Co Ltd., 1992, Revised edition, December 1992, pp. 78-210.

[31] Jonathan Freidman. Cultural Identity and Global Process, Thousand Oaks, CA: Sage Publciations, Inc., 1994, pp. 34-67.

[32] Herbert Schiller. Mass Communications and American Empire.  Boston, MA: Beacon Press, 1971, pp. 112-34.

[33] رويت القصة في شكل تسلسل تاريخى مع فصول في الطريق إلى الحرب، الازمة في الخليج وإعلام التيار الرئيسى، قصف بغداد، التورط الاسرائيلى، حرب الدعايَّة المضادة الإعلاميَّة، التلفزيون يذهب إلى الحرب، سحق العراق، العد التنازلى للحرب البريَّة، نهايَّة اللعبة، ما بعد الحرب.

[34] Yahya R. Kamalipour, The U. S. Media and the Middle East, Greenwood Publishing Group Inc., Westport, CT., 1995, pp. 44-113.

[35] Philippe J. Maarek, Political Marketing and Communication, London: John Libbey & Co. Ltd., 1994, pp. 55-67.

[36] Felipe Korzenny, ed. Communicating for Peace: Diplomacy and Negotiation. Newbury Park, CA: Sage Publications, Inc., 1990, pp. 6-17.

[37] ——————————. Communicating for Peace: Diplomacy and Negotiation. Newbury Park, CA: Sage Publications, Inc. 1990, pp. 34-50.

[38] Jeremy D. Popkin, ed., Media and Revolution: Comparative Perspectives, Lexington: University Press of Kentucky, 1995, pp. 73-121.

[39] See Foreign Affairs, Vol. 74 No.: 5, Sept. /Oct. 1995, p. 160.

[40] In reference to Marshal McLuhan, the Legendary Political Scientist who wrote “The Medium is Message”.

[41] Foreign Affairs, op. Cit. , p. l60.

[42] William C. Adams, ed., Television Coverage of International Affairs. Norwood, N. l.:  Ablex Publishing Co., 1982, pp. 43-71.

[43] https://www-encyclopedia-com.translate.goog/social-sciences-and-law/sociology-and-social-reform/sociology-general-terms-and-concepts/mass-0?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=sc

[44]  Ann L. Hibbard & T. A. Keenleyside, The Press and the Persian Gulf Crisis. The Canadian Angle. Canadian Journal of Communication, Vol.: 20 No.: 2, Spring 1995, p. 255.

[45] Bradley S. Greenberg, Desert Strom and the Mass Media, Hampton Press, Cresskill, NJ 1993, 23-92.

[46] Hamid Mowlana. Triumph of the Image: The Media’s War in the Persian Gulf- A Global Perspective, Boulder, CO.:  Westview Press, 1992, pp. 25-99.

[47] Douglas Kellner. The Persian Gulf TV War. Boulder, CO.:  Westview Press, 1992, pp. 18-29.

[48]The story is told essentially in chronological fashion with chapters on the road to war, the crisis in the Gulf and mainstream media, the bombing of Baghdad, the involvement of Israel, the media propaganda war, TV goes to war, the pounding of Iraq, countdown to the ground war, endgame, and the aftermath. بالعمل من خلال جهاز صممه بيرى يقوم بإحصاء تناسق التغطيَّة مع الموقف الرسمي لإدارة الرئاسة، وجد أن الصحافة تميل إلى لأن تكون غير ناقدة لأي إدارة حتى تثبت سياستها الخارجيَّة إنها غير ناجحة، حينها تقوم الصحافة بالتقرير الدقيق عن الفشل.

[49] Bruce Cunning. War and Television, New York: Verso, 1992, pp. 54-88.

[50] David E. Morrison, Television and the Gulf War, London: John Libbey & Co. Ltd., 1992, pp. 44-123.

[51] خاصة ضوابط الحكومة البريطانيَّة على الصحافة الحرة.

[52] John J. Fialka, Hotel Warriors: Covering the Gulf War, Woodrow Wilson Center Press, Washington, D. C., USA, 1992, pp. 28-87.

[53] Everette E. Denn, The Media at War: The Press and the Persian Gulf Conflict. Gannett Foundation Media Center, New York, 1991, pp. 72-89.

[54] Alex Thomson, Smokescreen: The Media, The Censors, The Gulf War, Laburham and. Spellmount, Kent, UK, 1992, pp. 32-57.

[55] Ray E. Weisenbom, ed., Media in the Midst of War, Adham Center Press, Cairo, Eygpt, 1992, pp. 87-112.

[56] Jeffords and Lauren Rabinovitz, ed., Seeing Through the Media: The Persian Gulf War, Rutgers University Press, New Brunwick, N. J. 1994, pp. 42-76.

[57] W. Lance Bennett, ed., Taken by Storm: the Media, Public Opinion, and US Foreign Policy in the Gulf War, University of Chicago Press, Chicago, 1994, 46-87.

[58] Hedrick Smith, ed., The Media and the Gulf War, Seven Locks Press, Washington, D. C. ,1992, pp. 75-92.

[59] Philip M. Taylor, War and the Media: Propaganda and Persuasion in the Gulf War, Manchester University Press, New York, 1992, pp. 88-143.

[60] Robert E. Dentin Jr., ed., The Media and the Persian Gulf War, Praeger Press, Westport, USA, 1993, pp. 23-66.

[61] Peter Rowe, ed., The Gulf War 1990-91 in International and English Law, Sweet & Maxwell Press, London, 1991, pp. 11-43.

[62] Armand Mallelart, Mapping World Communication, University of Minnesota Press, Minneapolis, USA, 1994, p. 117.

[63] Alan D. Campen, ed., The First Information War, Fairfax, Virginia, AFCEA, International Press, 1992, p. 53.

[64] Bernard Cohen. The Press and Foreign Policy. Princeton, N. J.:  Princeton University Press, 1963, pp. 66-124.

[65] Ted Galen Carpenter. The Captive Press: Foreign Policy Crises and the First Amendment. Washington, DC: Cato Institute Books, 1995, pp. 22-57.

[66] —————————. Global Interventionist Foreign Policy Threatens Press Freedoms: Cato Policy Report: Vol. XVIII, No.: 4, Jul. /Aug. 1995, p. 14.

[67] Russ Braley, Bad News: The Foreign Policy of the New York Times. Regency Gateway, Chicago, 1984, pp. 10-44.

[68] Ibid., p. 57.

[69] Nicholas O. Berry, Foreign Policy and the Press: An Analysis of the New York Times Coverage of the U. S. Foreign Policy, New York: Greenwood Press, 1990, pp. 9-58.

[70] Working from a system Berry devised that scores the consistency of the coverage with a presidential administration’s official position, he found the press tends to be uncritical of any given administration until its foreign policy action proves unsuccessful, at which point the press accurately reports the failure.

[71] Simon Serfaty, ed. The Media and Foreign Policy. New York: St. Martin’s Press, 1990, 59-145.

[72] Part of the School of Advanced International Studies, Johns Hopkins University in Maryland, U. S. A.

[73] The U. S. government’s media campaign against Muammar al-Ghaddafi of Libya.

[74] Specially the British government restrictions on a free press.

[75] Roger de la Garde, ed. Small Nations: Big Neighbor. London: John Libbey & Co. Ltd., 1993, pp. 77-95.

[76] Tsan-Kuo Chang. The Press and China Policy: The Illusion of Sino-American Relations, 1950-1984. Norwood: N. J.:  Ablex Publishing Corp., 1993, pp. 54-76.

[77] في داخل الإطار النظري لسياسات الحكومة الأمريكيَّة، فإن التفاعل بين الرئيس والنيو يورك تايمز والواشنطن بوست يتم اختباره بدقة للكشف عن إتجاه إنسياب السياسة في عمليَّة صناعة السياسة تجاه الصين.

[78] Yoel Cohen, Media Diplomacy: The Foreign Office in the Mass Communications Age. London: Frank Cass, 1986, pp. 73-87.

[79] Within the theoretical framework of U. S. government policies, the interaction between the president and The New York Times and The Washington Post is closely examined to uncover the direction of policy flow in the process of China policy making.

[80] Jim Lederrnan. Battle Lines: The American Media and the Intifada. New York: Henry Holt and Co., 1992, 14-33.

[81] Drew O. McDaniel, Broadcasting in the Malay World. Television, and Video in Brunei, Indonesia, Malaysia and Singapore. Norwood, N. J.:  Ablex Publishing Corp., 1994, pp. 27-54.

[82] هذه المحدوديات هى بصورة رئيسيَّة نتيجة خطأ في هيكل الشبكة ليست موجودة في الهيكل الميكانيكى للوسيط.

[83] James F. Larson, Global Television and Foreign Policy Association, Headline Series No.: 283. New York, 1988, pp. 66-87.

[84] This study makes no effort to define the ideal or typical media in the manner of some comparative researchers.

[85] Robert M. Balscha, Foreign Affairs News and the Broadcast Journalist, New York: Praeger, 1975, 89-152.

[86] These limitations are principally the fault of network structure and are not inherent in the mechanical structure of the medium.

[87] Andrew Arno and Wimal Dissanayake. The News Media in National and International Conflict. Boulder, Cola.:  Westview Press, 1984, pp. 47-97.
_____________

*الدكتور الصادق الفقيه/أستاذ العلاقات الدوليَّة والدبلوماسيَّة/جامعة صقاريا، تركيا.

الأحد 12 يونيو 2022

جديدنا