العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد

image_pdf

“نحن نعيش في زمان شديد الغرابة، أصبحنا نلاحظ فيه وباستغراب أن التقدم قد عقد تحالفا مع النزعة الهمجية والبربرية”[1]. سيغموند فرويد

” بدأت الحضارة عندما قام رجل غاضب لأول مرة بإلقاء كلمة بدلا من حجر” سيغموند فرويد

مقدمة:

كتب ألبيرت أينشتاين A. Anstien في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وكانت نذر الحرب العالمية الثانية تحوم في السماء، خطابا مفتوحا إلى فرويد لا يخلو من سخرية مبطنة، يقول فيه ما الذي يمكن فعله لحماية الجنس البشري من الحرب ولعنتها؟ ثم يسأل فرويد: هل يمكن لنظريتك في التحليل النفسي أن تقدم شيئا لمنع أي حرب عالمية في المستقبل وتعمل على إيقاف التدمير والعنف في المجتمع الإنساني؟ وفي معرض الرد على هذه الرسالة المفتوحة لأينشتاين يعترف فرويد بصعوبة هذه المسألة ولكنه حسم أمره وقدم إجابته المشهورة التي تتقطر تشاؤما قائلا: للأسف هذا مستحيل لأنني رأيت جذور الحرب في طبيعة الإنسان نفسه ([2]).

ولم تذهب نبوءة فرويد عبثا فلم تمضي عدة سنوات حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية، وأعلن هتلر حربا ضروسا ضد الإنسان والإنسانية وكانت حربا متوحشة مجنونة أدت إلى تدمير منجزات الحضارة الإنسانية وثرواتها الهائلة وانتهت إلى جبال من جثث البشر من شيوخ وأطفال ونساء ([3]).

كتب دولار Dollar وميلير Miller في الصفحة الأولى من كتابهما الكلاسيكي في علم النفس التجريبي “الإحباط والعدوان” 1939 (Frustration et agression) “أنه يجب أن نخص فرويد بالشكر وذلك لأنه صاحب الفضل في تقديم رؤية علمية شاملة ساعدت على تشكيل فرضياتنا الأساسية ورؤيتنا العلمية لمسألة العنف والعدوان ([4]).

يكتشف فرويد في نسق جهوده العلمية وبصورة مبكرة سلسلة من السلوكات العدوانية التي تتغلغل في أعماق الإنسان. ومع أهمية هذا الاكتشاف لم يستطع أن يوجه اهتمامه لدراسة هذه الأنماط السلوكية العدوانية في المراحل الأولى من عطاءاته العلمية. ويعود ذلك إلى أنه لم يكن باستطاعة معالجة أشياء متعددة في وقت واحد. حيث ترتب عليه في البداية أن ينصرف كليا لتدعيم اكتشافاته الأولى ولا سيما اكتشافيه الأولين الأساسيين وهما: العمليات اللاشعورية وأهمية الجنس. لقد اكتشف أثناء خلال أبحاثه الأولى وجود علاقة بين العدوانية والمظاهر السيكولوجية الأخرى التي عكف على دراستها.

يستعرض فرويد في المرحلة الأولى من نظريته في العنف والعدوانية المظاهر النفسية الأكثر تواترا في حياتنا الإنسانية مثل المنافسة الأخوية وهو في هذا السياق يؤكد كراهية الأخ الأكبر للأخ الأصغر الذي يليه في الولادة والذي يبدو له كمنافس شديد البأس. ويشير في هذا السياق إلى أمر بالغ الأهمية يتمثل في القول بأن درجة الغيرة التي يعانيها البكر تكون أكثر شدة كلما كانت الفترة الزمنية الفاصلة بينه وبين أخيه الذي يليه بالولادة صغيرة جدا. ويلاحظ في هذا السياق أن لاكان Lacan يباشر هذه الظاهرة بالتحليل ويطلق عليها عقدة الطفالة “Complexe de l’intrusion“.

هذا ويشكل إحساس الكراهية المتنامي تجاه الأب من الجنس نفسه مسألة حرجة ومعقدة. ففي معرض تحليله لهذه الظاهرة يبدأ فرويد بالتنويه إلى السبب الأول الذي يبدأ في صيغة خصومة: فالأب منالجنس نفسه يشكل عقبة تعوق حرية الطفل وبخاصة حريته الجنسية، وهذا يؤدي إلى ولادة العداء بين الطرفين. ومن أجل إدراك العنف الذي ينجم عن هذه العداوة يجب أن نأخذ بعين الاعتبار المنافسة التي تجري على المستوى العاطفي. إذ يجري كل شيء كما يقول فرويد وكأن الأب من الجنس نفسه يطرح نفسه منافسا للطفل في معركة حبه للأم. ونجد العرض الأول لفرويد والذي سيطلق عليه فيما بعد “عقدة أوديب Complexe d’Œdipe”. وسنلاحظ فيما بعد أن العقدة الأوديبية لم تقدم بوصفها قصة حب أو قضية

جنسية: حيث تظهر هذه العقدة في عناوين مثل “أحلام الموت” والتي تشكل إلى حد ما رغبة في القتل هي مسألة تمت الإشارة إليها من قبله شخصيا.

لقد أخرج فرويد مفهوم الانحرافات الجنسية وخاصة السادية Sadisme من كهوفها المظلمة. ومع الاعتراف بوجود تمايز بين الطبيعي والمرضي فإن فرويد يعطي مفهوم السادية أبعادا جديدة وذلك بطريقة يشعر فيها كل فرد بأنه معني بالأمر. وهو في سياق ذلك يبرر شرعية بعض أشكال هذه السادية وخاصة هذه التي تعد امتدادا للحياة الجنسية الطبيعية. كتب فرويد يقول: “تتضمن الحياة الجنسية عند أكثر الأفراد نوعا من العنف وهي نزعة من أجل السيطرة، وتكمن الدلالة البيولوجية لهذه النزعة في ضرورة الانتصار على المقاومة التي يبديها موضوع الجنس حتى ولو كان ذلك بطريقة الإغراء.

ولكن فرويد ومع ذلك لا يوضح معنى النزعة السادية وأصولها. فهو ينظر إليها بوصفها مجرد تعبير لبيدي LIBIDINAL وأحيانا يعيدها إلى مصدر مستقل عن الجنسية. وهو في الحالة الأولى ينظر إلى السادية كنزعة تحقيق متعة عضلية، وكنزعة من النشاطات ذات الطابع التدميري. أما في الحالة الثانية فإنه ينظر إليها بوصفها أداة من اجل السيطرة ومهما يكن الأمر فإن فرويد يكشف عن طبيعة النزعة العدوانية وعن أبعاد السادية وذلك عبر العلاقة الأولى التي تقوم بين الطفل ومحيطه. كتب فرويد في هذا الخصوص يقول: “يمكننا القول إن النزعة إلى العنف تتحدد انطلاقاً من دافعية السيطرة التي تظهر في إطار الحياة الجنسية وذلك قبل أن تأخذ الأعضاء الجنسية دورها الكامل وذلك في مستوى نموها.

العدوانية والتناقضات الوجدانية:

يعتقد فرويد أن الطبيعة غير كافية بذاتها من اجل إرضاء وإشباع الرغبة الجنسية. وهذا ما تشير إليه ببساطة الممنوعات الثقافية. فبعض الدوافع الجنسية لا يمكنها في اغلب المجتمعات أن تجد لها إشباعا كاملا. وهناك ملاحظة خاصة بالعلاقة بين الجنس وعالم الاستيهام أو التصورات الهوامية والتي تعبر عن الصلة بين الدوافع الأوليّة الليبيدية ومرحلة النضج الجنسي، وهناك سبب آخر يتعلق بالقدر البائس للجنسية الإنسانية ذلك الذي يعبر عن الخسارة المؤكدة للموضوع الأصلي (الأم في مرحلة الطفولة).

وإذا كان إدراك التوازنات الداخلية للدافع الجنسي يشكل غايتنا فإنه يمكننا العودة إلى فرويد الذي أعطى هذه التوازنات جلّ اهتمامه وذلك عندما كان يحاول اختبار المضامين الجنسية لدافع العنف. كتب يقول في هذا الخصوص: “يجب أن ندرك أهمية الجانب الكبير الذي تلعبه دافعية العنف في السلوك الاجتماعي للمريض وذلك عبر العلاقة القائمة بين هذه الدافعية والليبيدوLibido والتي يمكنها أن تفسر عملية تحول الحب إلى حقد والمشاعر الودية إلى مشاعر عدوانية وهذا ما تتميز به مجموعة الحالات الخاصة بالأمراض العصابية وخاصة السمات الخاصة بالهوس الجنوني (paranoïa) في جملتها.

وبالتالي فإن التداخل الذي يتم بين المشاعر الودية والعنف لا يوجد فحسب داخل الحياة النفسية للمرضى. فالعلاقات على سبيل المثال بين الصهر والحماة كما يلاحظ فرويد هي علاقات متوازية عامة تتداخل فيها مشاعر المحبة والكراهية في آن واحد. ويمكننا أن ندرك ذلك بكل بساطة ومن خلال المحاكمة المنطقية: فالأم تريد دوام سيطرتها على ابنتها، وهي حذرة من هذا الغريب الذي يسيطر على طفلتها. والصهر من جانبه يشعر بالغيرة من الأشخاص الذين يبدون تعلقاً بزوجته وذلك يشكل إحدى الأسباب القوية القهرية لغيرته. وهنا يترتب على التحليل النفسي أن يبين وبدرجة عالية من العمق وجود صراع هوامي أوديبي في داخل النشاطات السيكولوجية الدفينة. فالأم تتقمص شخصية ابنتها كما يقول فرويد حيث تقع أم الزوجة في حب صهرها. وهي تستطيع لاحقاً أن تحطم هذه المشاعر الودودة وان تتواصل مع مشاعر سادية ذات إثارات عاطفية مندفعة هذا ويشعر الصهر بصراعات مماثلة وذلك حين يلامسه هوام قوامه أن الحماة تحتل مكان الأم وذلك يوقظ في نفسه ميلاً دائماً إلى المحرم. وهو بالتالي يتلخص من هذه الوضعية بطريقة سادية ذات طابع جنسي.

ويعزز فرويد تحليله لهذه المسألة حين يحاول أن يتبين أن حالة الهيجان تأتى تعبيراً عن صراع نفسي وهنا نجد الملاحظات الأولى حول ظاهرة المزاج والطبع المتسلط حيث يذهب فرويد هذه المرة بعيداً جداً في تفسيره وذلك حينما يريد أن يبرهن بان النزعة إلى العنف يمكن أن تظهر بطريقة وكأنها الجانب الوحيد الذي يمكن مشاهدته كتعبير عن العلاقة اللبيدية.

لقد استخدم فرويد وللمرة الأولى مفهوم الازدواج الوجداني Ambivalence والذي يشير إلى نزعات نفسية متعارضة وغير قابلة للتوافق في آن واحد. وعلى الرغم من غياب هذا المفهوم في مفرداته السابقة فإن الفكرة كانت تطرح ثقلها في إطار أعماله الأولى. وكان فرويد يستدعي الاهتمامات والملاحظات القديمة حول الكائن الإنساني. وبالتالي فإن اكتشافه العملاق انطلق من فكرة الصراع النفسي ومن التناقضات العاطفية المتعلقة بالكبت Refoulement.

ومن أجل تحليل مفهوم الازدواج الوجداني Ambivalence وقوامه ثنائية مشاعر الحب والكراهية والذي لا يعدو أن يكون أكثر من حالة خاصة للصراع النفسي قام فرويد بإجراء تحليل نفسي لمجموعة من المشاهير وانصرف لتأملاته ودراساته حول الدوافع. ونجد في هذا السياق أن تفسير مفهوم الثنائية الوجدانية Ambivalent كان يتأرجح عند فرويد بين تفسيرات ذات طابع بيولوجي وأخرى ذات طابع بسيكولوجي. ففي مقالته السابقة “دينامية التحول” على سبيل المثال يقول فرويد أن القوة الفاعلة للصراع الوجداني كما تتجلى عند العصابيين الوسواسيين تقتضي تفسيرا في ضوء المعطيات الدافعية حيث توجد تعارضات ملازمة لحياة الدوافع.

وفي مرحلة لاحقة يشير فرويد – في كتابه “التوتم والتابو Totem et Tabou ([5]) وذلك انطلاقا من تحليل الصراعات الانفعالية عند مشاهير الأوديبيين- إلى أن الفرصة كانت مهيأة لإدراك مفهوم التناقض الوجداني Ambivalence بالمعنى الخاص للكلمة والذي يتمثل في الحضور المتكافئ للحب والكراهية في آن واحد وبالنسبة للشخص الواحد والذي يوجد في أصل الصيغ الثقافية الهامة للحضارة. ولكننا مع ذلك فإننا لا نعرف شيئا كثيرا عن أصول هذه الثنائيات الوجدانية. ولكن يمكن الافتراض بأن هذه الثنائية تشكل ظاهرة أساسية لحياتنا الانفعالية. ومن الممكن لفت النظر إلى إمكانية أخرى مفادها أن الازدواجية الوجدانية كانت موجودة في الأصل بعيدا عن حياتنا الانفعالية وأنها فيما بعد اكتسبت أهمية خاصة لمصلحة العقدة الأبوية Complexe paternel. وهنا تكمن تحديدا قدرة التحليل النفسي في الكشف عن أهمية هذا الازدواج الوجداني Ambivalence وفاعليته.

فالأشياء كما ينظر إليها فرويد في حالة صراع وهذا الصراع لا ينتهي بالضرورة إلى صيغة توافق فلا يوجد هناك تناسق مسبق ولا يوجد هناك توازن أبدا. فالصراع هو في قلب الوجود وقدر الإنسان أن يحيا في وضعية صراع مأساوية لا حدود لها. ساويىة

الإكراهات والتسلط والعدوانية:

يشير فرويد إلى أن الاندفاعات العدوانية غالبا ما تنجم، منذ مرحلة الطفولة، عن حصارات وكبت وإكراهات مشابهة لما يحصل بالنسبة للدوافع الجنسية. ويبين بالتالي عن علاقة ترابط بين ثلاثة متغيرات في هذا المستوى: الثقافة Culture والقمع Répression والكف Inhibition أو الصد النفسي. وكلما كان الفرد أكثر ثقافة استطاع أن يسيطر على نفسه بدرجة أكبر وكلما كان محروما أكثر من لذة العدوان العفوي. والحلة النفسية تسمح للفرد بالوصول أو اللاوصول إلى هذه الملذات المحكوم عليها من الخارج (السلطات) من الأهل (الكبت والنواهي الأخلاقية والجمالية). ويفهم من ذلك أن القريحة الأدبية لا تتأتى لأشخاص فحسب بل توجد عند كل هؤلاء الذين يعيشون خبرات سارة تتصل بالمبادئ والقيم والقواعد الأخلاقية والدينية.

هذا ويمكن للنزعات الجنسية أن تتبدى في إطار الجانب الهزلي والفكاهي لحياة الناس. فالضحك الذي ينجم عن الهزل يعبر عن مشاعر السخرية من الآخر والانتصار عليه. ويلاحظ أن الفكاهة (وهي التعبير الأرقى بالنسبة لأواليات الدفاع) هي أكثر الأشكال ميلا إلى خفض شأن التأثيرات المؤلمة بالنسبة لهؤلاء الذين يميلون إلى الغضب والنزعة إلى العنف.

ومع ذلك كله لا يمكن إرجاع كل من النكتة والهزل والفكاهة كليا إلى مجرد نزعات انفعالية عاطفية. وغني عن البيان أن التعبير الجنسي لا يكون مضحكا. وهناك بالتأكيد دعابات تظهر في صيغ بريئة ساذجة. وهنا يجب البحث في اتجاهات أخرى إذا أريد حقا اكتشاف جوهر هذه الظاهرة.

ويوضح فرويد بدقة وجود مسافدة روحية كامنة في لعبة الكلمات وفي الصيغ الشفوية، ومع ذلك إذا كان صحيحا أن النفس تتجلى في طريقة توظيف اللغة فإن هناك ظلال اختلاف دائم في تحولات العنف. فكل طرفة أو نكته، كما يستخلص فرويد، تشكل محاولة جادة لتجاوز عقبات الحصول على متع ممنوعة ولتوفير الجهود الشاقة التي تقضيها المحظورات والممنوعات.

فالنكتة احتجاج موجه ضد القواعد الأخلاقية والمؤسسات والسلطة القائمة، وهي أيضا رفض للعقل والأحكام النقدية ولرمزية اللغة. وهي تشكل بالتالي واحدة من الاستعراضات الأكثر قوة والأكثر اجتماعية لمردود فعل الكائن المهذب المحروم من واحد من أبعاده والمجهد في عملية بحثه عن اللذة.

ب – لقد أبدى فرويد في أعماله المتعاقبة الأسرار التي يمكن أن تفسر لنا كيف يعبر الكائن الإنساني بما يخالف المعايير الأخلاقية والثقافية السائدة. لقد أبدى فرويد في مقالة له حول “الأخلاق الجنسية والأمراض العصبية في الأزمنة المعاصرة Morale sexuelle et la maladie nerveuse dans le temps moderne معارضته لمتطلبات التحريم الاجتماعي المفرطة وهو في هذا السياق يطور مقولات ايرنفيل (Ehrenafels) الرافضة لوباء وخبث الأخلاق الجنسية التي يقال عنها متحضرة.

ويطور فرويد فيما بعد فكرة قوامها أن الثقافة تقوم على أساس قمع الدوافع وخاصة الدوافع الجنسية ثم الميول والنزعات العدوانية. لقد أدرك فرويد منذ زمن بعيد العلاقة العميقة بين الكبت Refoulement والتقدم الثقافي ولكنه في هذه المرة يحاول أن يدرس التناسب المكن بين التضحيات والفوائد. ويتحدد موقف فرويد هنا بالقول إن الأنظمة الاجتماعية لا يمكنها أن تستمر من غير إكراهات ولكن صلابة القوانين في عصره بدأت تأخذ اتجاهات تدميرية الى حد ما.

يعتقد فرويد أنه لا يمكن لجميع النزعات الدافعية أن ترتفع إلى مستوى التسامي. إذ لا بد من الوصول إلى إشباع مباشر في الحدود الدنيا للميول وذلك تجنبا للاضطرابات الأكثر خطورة والتي يمكن أن تترتب على عملية الكبت هذه. فالأخلاق الفرويدية هي الاستسلام المنظم والمحدد للضرورة النفسية، فالطهرية المفرطة قد تكون في نهاية المطاف العدو الحقيقي للإنسانية.

الجروح النرجسية ([6]) (Le Blessure Narcissique):

لنذكر أن مشاعر الكراهية لا تتداخل كليا مع المواقف العدوانية، فالحقد ينطوي على نزعة تدميرية، بينما يشير العدوان (Agression) إلى حالة دفاعية أو تأكيد للأنا في مواجهة الأخر. ومع ذلك فإن غياب التمييز بين الجانبين في نص فرويد يبدو لنا جوهريا ففي واقع الأمر لا يتوقف الأنا (Le moi) الموصوف بعظمته عند حدود الدفاع وتأكيد الذات. حيث يلاحظ في إطار الحياة اليومية أن النزعة العدوانية والكراهية تترابطان دائما. فعندما يشعر الأنا (le moi) بأنه يتعرض بطريقة ما لمضايقة ما، فإنه يعمل على إزالة وتدمير ما يضايقه، وقليل من الانتصار قد يرضي الأنا المجروح. وهو بذلك ينطوي على نزعة كراهية دائمة. ويصف لنا فرويد هذه الخصوصية في إحدى نصوصه المعاصرة: فقانون اللاشعور Inconscient هو القتل لأتفه الأسباب والتفاصيل “وهو بذلك شبيه إلى حد كبير بنظام دراكون Dracon التشريعي في أثينا القديمة، وهو نظام لا يعرف تعذيبا آخر يعاقب عليه المجرمون غير الموت، ومن هنا تبدو منطقية اللاشعور وذلك لأن أية معاناة يعشيها “الأنا” كلي القدرة “هي جريمة أساسية يعاقب عليها بالموت“.

يقول فرويد في هذا الخصوص أيضا الأنا يحقد ويكره ويسعى إلى تدمير كل الأشياء التي تشكل بالنسبة إليه مصدرا يعيق إشباع الحاجات الجنسية أو إشباع حاجات المحافظة والاستمرار. ومن هنا يمكن التأكيد بأن النماذج الحقيقية لعلاقات الحقد والكراهية لا تصدر عن الحياة الجنسية بل عن نضال الأنا من أجل المحافظة على الوجود وتأكيد الذات(…) فالكراهية تصدر عن رفض أصيل يعلنه الأنا النرجسي في مواجهة العالم الخارجي بمختلف مثيراته ومحرضاته. وهنا يعطي الجرح النرجسي أهمية خاصة من أحل الإشارة إلى إصابات الأنا النرجسية والتي يمكن أن تترجم بكلمة الإحباط (Frustration) في اللغة الفرنسية.

يشكل الأفراد الذين يعتقدون بقدرتهم الاستثنائية على خرق المعايير الاجتماعية – من قوانين أو مبادئ – مثالا لحالة الجرح النرجسي. حيث يكتشف فرويد أن هؤلاء الأشخاص سبق لهم التعرض إلى صدمات وآلام كبيرة وهم في حالة ضعف ومن غير إمكانية للدفاع عن النفس ومن هنا فإن هذه الحالة النرجسية تدفع صاحبها إلى محاولة التعويض الشامل على مدى الحياة برمتها. ولذلك يعتقد أن فرويد أن ما تزعمه بعض النساء من امتلاكهن لامتيازات استثنائية يمكن أن يفهم في ضوء تداعيات الجروح النرجسية المشار إليها. فالنساء المشار إليهن كما يعتقد فرويد عانين خلال طفولتهن من مهانات بالغة وإجحافات خطرة وهن لا يستطعن الاعتراف بذلك إلا بصعوبة بالغة. فشروط وجودهن البيولوجية وحالتهن في مجرى المعاناة السابقة والعلاقات الجنسية السادية تبدو إلى حد كبير كجروح نرجسية يعبرن عنها أحيانا في صيغة كراهية واضحة وفي أغلب الأحيان في صورة برودة جنسية ساخطة.

ومن هذا المنطلق بالذات يمكن تفسير المقاومة التي يبديها المرضى إزاء التحليل النفسي والتي يمكنها أن تكون تعبيرا واضحا عن ردود فعل. فالإحباط الأول يمكنه أن ينجم ومن غير شك عن فعل الاكتشاف نفسه. وقد وصف فرويد هذه المسألة في عام 1895. إذ يجب على المرء أن يكون مستعدا لمواجهة مقاومة الآخرين في كل مرة يقدم لهم شيئا يستطيعون هم بأنفسهم اكتشافه أو الحصول عليه. ومن المعروف أن فرويد نفسه قد وقع عدة مرات في فخ نرجسية الاكتشاف وخاصة عندما قدم أفكار فلييس Fliess الخاصة بازدواجية الجنس Bisexualité على أنها أفكاره الخاصة.

يواجه التحليل النفسي انتقادات حامية جدا حول هذه النقطة وهي انتقادات تدفع إلى المزيد من الجهود لتقديم تفسيرات. فالمظاهر العدوانية كما يعتقد فرويد لا تعدو أن تكون غير نتاج لجروح نرجسية عميقة. وفي هذا الخصوص يتبين أنه عندما لا يستطيع الأنا أن يهيمن ويسيطر فإن ذلك يؤدي إلى مخاطر الأحقاد نفسها التي يذكرها كل من غاليليه Galilée ودارون (Darwin).

ويشير النص الذي سجله فرويد عام 1915 حول الدوافع أيضا إلى أن السادية – مثل الكراهية والعدوان – تعرقل نشاط الأنا وفعالياته. وبعد أن يمايز فرويد بين السادية الأصلية التي تظهر في استعراضات القوة إزاء شخص آخر – أي ما تطلق عليه بكل بساطة عدوان – وبين السادية الحقيقية التي تدفع الآخرين إلى دائرة الألم وذلك من أجل الحصول على اللذة الجنسية. ومن هنا وفي إطار التمييز بين النوعين يبين فرويد أن المتعة لا يمكن أن تتم إلا عندما تتم عملية التوحد مع الشخص المعذب نفسه.

ويبين زعيم التحليل النفسي أنه لا يمكن لعلم الفيزيولوجيا الجنسية أن يمكننا من تفسير مناسب للسادية بالمعنى الدقيق للكلمة. وهو إذ يتحدث من التقمص Identification يبين أنها عملية تشتمل على دينامية الأنا وتنطوي على العلاقات الذاتية الداخلية والخارجية. إن تعبير “الدافع السادي” لا يمكن له أن يجعلنا نفسر أن الكائن الإنساني مرهون دائما بوجود اهتمامات وعلاقات مرتبطة بالعالم الخارجي. فالسادية المرضية والتي يمكن أن يقال عنها بأنها سادية غير إنسانية هي نوع من السلوك الذي يفتقر إلى أرومته الإنسانية وهي سلوك حيواني يختلف حتى عن سلوك الغريزة. ويعني ذلك أن السادية تنتصر عند الإنسان الذي تهيمن عليه علاقات طفولية وهي علاقات مرتبطة ببنية الأنا le moi.

الحرب والموت La guerre et la mort:

يلخص لنا عمل فرويد الموسوم “اعتبارات راهنة حول الحرب والموت عام (1915) ([7]) جوهر تأملاته وتفكيره في هذا الخصوص. وتبدو أفكاره هنا مكافئة لأفكاره حول العدوان في مقالته عام 1908 والمكرسة لدراسة علاقات الجنس في إطار الروابط الاجتماعية. ويكاد يعلن فرويد في النصين أن الحضارة تقوم على أساس ردع الدوافع وقهرها. ويبين أن القدرة على مجافات الدوافع تختلف من شخص لآخر، وأن مجافاة الدوافع لا يمكن أن تكون كلية وشاملة وأن هناك جرعات من الإشباع ضرورية ولا يمكن تخفيفها. والنقطة الأخيرة التي يمكن استنتاجها من خلال المقابلة بين النصين تتعلق بنمط الاضطرابات الناجمة عن عجم إشباع الدوافع المعنية. حيث يبين فرويد في هذا الصدد أن المراقبة المبالغ فيها للجنسية تؤدي إلى العصاب Névrose بينما يؤدي كبح العدوانية إلى اضطرابات نفسية أساسية.

لا يطمح فرويد إلى تقديم تفسير نهائي قطعي للحرب ولكنه يشير إلى بعض المعالم الأساسية لتفسير مقترح. تعود الحرب في أحد أسبابها الأصلية ومن غير شك إلى وجود تباينات واختلافات فردية وإلى تعدد الخصوصيات القومية. لقد وجد فرويد نفسه مأخوذا بالفكرة التالية وهي: لا يمكن لفكرة الحرب أن تزول طالما يعيش الناس شروط حياة مختلفة تجعل النفور بين هذه الشعوب بأخذ صيغة العنف وهنا تأتي الحرب لتصبح قدرا لا مفر منه. ووفقا لذلك تأخذ فكرة ظهور العنف والعدوان كنتاج للتباينات الفردية والقومية مسارها في مجال علم النفس.

يقول فرويد في سياق آخر: “إن الاختلافات القائمة بين الأفراد تضع الأنا le moi في دوامة التساؤل. ففي حالات التنافر والكراهية التي تظهر بوضوح ضد الغرباء الذين يجرى الاحتكاك معهم تستطيع أن تدرك معنى حب الذات “Amour de soi” ومعنى النرجسية النازعة إلى تأكيد الأنا التي تسلك، وكأن ظهور ما يباين وجودها الخاص يشكل نفيا لها وإكراها يهدف إلى تغيير بعض سماتها.

ونحن لا نستطيع في هذا المقام أن ننظر إلى موضوع الاختلاف بوصفه جرحا نرجسيا دون أن نستدعي إلى الذاكرة التعبير الفرويدي الخاص “نرجسية الاختلافات الصغرى” وفي اللحظة التي يتساءل فيها عن سر العداوة بين الإسبانيين والبرتغاليين، وبين الإنكليز والسكتولانديين لا يستطيع فرويد في مقالته “Narzissmus der Kleinen derenzen” أن يقدم وضوحا كبيرا. ومن أجل أن ندرك حجة ودوامية العنف يجب علينا أن نستند – وكما يعتقد فرويد – إلى العمليات الدافعية. وهي الفكرة التي تضرب جذورها في مقالته حول الحرب، وهي المقالة التي سنعود إليها حاليا.

ومن أجل تحليل همجية الصراعات العسكرية يستدعي فرويد التفسير الأخير والذي يقع في قلب النزعات الدافعية التي تأخذ صيغة كمونية وذلك عند جميع الكائنات الإنسانية على الرغم من النهوض الحضاري والثقافي للإنسان. ويمكن الإشارة بالإضافة إلى ذلك أن فرويد رغم مكانته الهامة لم يتحدث بوصفه رجل أخلاق مانوي (نسبة إلى ماني). يقول في هذا المقام أن الانفعالات الغريزية الفطرية ليست خيرة أو شريرة بذاتها وأن المجتمع بأنظمته هو الذي يحدد قيمة هذه الدوافع.

لنترك الآن الحرب جانبا بوصفها ظاهرة نفسية اجتماعية اقتصادية معقدة لا يستطيع عالم النفس في الواقع أن يقدم لها تفسيرات ولننظر الآن في العنف كما يتبدى ويظهر في مضمار الحياة اليومية.

غالبا ما ينفر المتحضرون من ذكر الموت سواء أكان ذلك يشير إلى موت الأصدقاء أو الأعداء على حد سواء. ولكنهم على المستوى اللاشعوري يمارسون عملية القتل بسهولة بالغة وبسرور لأتفه الأسباب يقول فرويد: “إننا نتحدر عن سلسلة لا متناهية من أجيال آباء مارسوا القتل والذين كانوا – كما نحن ربما – يعشقون الموت في وسط الدماء.

ويسجل فرويد في هذا السياق ملاحظة مهمة جدا فنحن مدانون بأجمل معاني حياتنا العاطفية إلى ردود أفعالنا إزاء الدافع العدواني الذي نشعر به في عمق حياتنا الداخلية. وبعد عدة سنوات جاء علماء الأخلاق ومنهم لورنز Loranz على سبيل المثال ليؤكدوا هذه الرؤية داخل العلاقات القائمة عند الحيوانات. إذا يلاحظ أن الأكثر عدوانية (الذئاب على سبيل المثال) هي التي تبني العلاقات “الشخصية” الأكثر ديمومة استمرارية.

تشير مقالة فرويد حول الحب والموت في نهاية الأمر إلى فكرة أساسية وهي أن الرجل البدائي يسقط مشاعر العداء على أشكال شيطانية، وهي الصور التي تعذبه فيما بعد. وعلى خلاف ذلك فإن الرجل المتحضر يستبطن دوافعه العدائية ليجد نفسه فيما بعد مشبعا بالندم الذاتي وتكبيت الضمير.

لقد أشرنا منذ قليل إلى أن فرويد اكتشف مبكرا جدا تأثير العدوانية في مختلف الاضطرابات النفسية مثل: القسر Compulsion الذهان Paranoïa الاكتئاب [8]Mélancolie… الخ. ولكنه مع ذلك لم يعترف بأهمية هذه الظاهرة قطعيا إلا من خلال انعكاساتها على الحياة الاجتماعية كردود الأفعال الخاصة بالألم والنزعة إلى التدمير الذاتي. ويبقى علينا في هذا السياق أن نتحدث عن الملاحظات الأخرى المسجلة فيما بعد هذه المرحلة.

دوافع الموت Les pulsions de mort:

شكل إدخال مفهوم دوافع الموت في النظرية الفرويدية عام 1920 المرحلة الثانية من التعديل الذي انعكس على جملة عناصر البنية الفكرية للنظرية. لقد جرى الاعتقاد بأن النظرية الفرويدية وجدت كمالها ونضجها في الكتابات الميتاسيكولوجية لعام 1915. يعلن فرويد في هذه المرحلة عن ضرورة الأيروس (Eros) (غريزة الحب) وأهميتها في تأكيد متطلبات الحياة. وانطلاقا من ذلك بدأ يفكر في العدم وفي ميل الإنسان اللاشعوري إلى الفناء (Anéantissement). لقد ناضل فرويد سابقا من أجل فكرتين أساسيتين هما: الجنس واستقلالية الوعي. وهو الآن أي في هذه المرحلة يناضل من أجل فكرة جديدة ثالثة هي: الموت. وهنا يميز بين موت الآخر الذي هو موت الأعداء والغرباء وموت الشخص الثاني الأحبة ثم موت الشخص الأول أي موتنا فناؤنا الخاص.

لقد حاول فرويد أن يحلل المظاهر الخاصة باشتهاء الموت ومظاهر التدمير وهو يفترض في إطار تفسيره لهذه الظواهر وجود دينامية سيكولوجية داخلية أطلق عليها دافع الموت (Pulsion de mort).

يأخذ الشكل الأول لدوافع الموت صورة القسر الذي يفرضه التكرار. لقد واجه فرويد في واقع الأمر الظواهر المتكررة منذ بداية تقصياته ويتبدى هذا الموضوع في مضامين أعماله جميعا والتي بدأت مع مقالته الشهيرة: الهيستريون يعانون من الذكريات” (1893) حتى محاولاته الأخيرة في كتابه المهد L’Oise وهي المحاولات التي يوظفها من أجل تقديم تفسير لتاريخ الإنسانية. وفي عام 1920 وجد فرويد نفسه تحت حصار الافتراضات بوجود نزعة مستقلة تفسر عملية إعادة تكرار التجارب المؤلمة مثل الإخفاق والأحلام المزعجة وبعض الحالات التي لا حدود لها.

ويبدو أن النكوص Régression هو الصيغة الثانية لدافع الموت. وهنا نلاحظ أن هذه الظاهرة ترتبط بسابقتها: توجد نزعة لتكرار التجارب الأولى وأنماط العلاقات التي كانت سائدة خلال مرحلة الطفولة.

ويمكن للقارئ أن يذكر هنا أن فرويد في عرضه الأول للدوافع كان يؤكد أهمية طابعها الدافعي. ومع ذلك كله كتب في النص الذي أدخل فيه مفهوم دافع الموت قائلا: ” تصبح الأم النموذج لكل العلاقات العاطفية وبالتالي فإن البحث عن موضوع الجنس ليس في النهاية سوى البحث عن هذا النموذج. لقد أشار فرويد منذ البداية أن مستقبل هذا الدافع مرهون بأصوله فالإنسان يسعى دائما، كما يعتقد فرويد، للعودة نحو الخلف (النكوص الوقتي) إلى أن يحلم أو أن يتخيل وذلك بدلا من العمل العقلاني (نكوص نموذجي) ومن هنا فإنه يحاول عبر فرضية ما بعد مبدأ اللذة (Au de la du principe de plaisir) ([9]). أن يدرس هذه النزعة التي لا تعني ببساطة أبدا الشلل النفسي الذي يتحدث عنه يونج Jung.

ويتبدى الوجه الثالث الدافع لموت في الميل إلى التدمير. من المعروف أن بعض المحللين النفسيين الأمريكيين يفهمون واقع الموت على أنه نزعة عدوانية. حيث نجد هارتمان Hartman وكريس Kris ولوينشتاين Lowuenstien على سبيل المثال يتحدثون دائما عن التعارض بين الليبيدو والعدوان. ولكن الفحص السريع لأعمال فرويد هنا يبين وجود حالة تبسيطية مبالغ فيها. فالمعطيات الأساسية التي تقود فرويد إلى إعادة نظرية هي التكرار والعودة إلى الأصول الأولى وبالتالي فإن مسألة التدمير تأتي في المرتبة الثانية.

فالملاحظة السريرية بدأت تشكل الحجة الدامغة لصالح التعديل الذي أجري في العشرينات ويظهر ذلك في رفض بعض المرضى للعلاج وفي ردود الفعل العلاجية السلبية (تعظيم الاضطرابات المرضية أثناء المعالجة. لقد كان لغموض الماسوشية الأخلاقية هذا بالإضافة إلى الماسوشية الجنسية أن يقود لفرويد إلى هذه التعديلات. فالماسوشية الجنسية تجد شرحها في إطار الازدواجية الأولى. لقد أشار فرويد عام 1905 إلى أن العمليات الانفعالية المكثفة – الألم في هذه المناسبة- تجد صداها في الحياة الجنسية ويمكن لها أن تتحول إلى مصدر للسعادة.

وقد هدفت النظرية الجديدة إلى تحليل ما يسميه اوكتاف مانوني Octav Mannonie عار الإحساس بالذنب. ومن أجل إعطاء نظرية دافع الموت أهميتها يستند فرويد إلى بوليموس Polemos وإلى تاناتو Thanato فالشخصية الهامة فيما بعد مبدأ اللذة ليست إلى حد ما الشخصية السادية المنحرفة بقدر ما هي الشخصية الكئيبة المقهورة تحت تأثير أنا أعلى Sur moi. وهنا في إطار هذه الصورة الأخيرة نجد الثقافة الخالصة لدافع الموت.

ويلاحظ في مجرى السنوات اللاحقة لظهور كتاب Genseit حدوث مجموعة من التغيرات الهامة حول مفهوم دافع الموت. حيث وجهت الأهمية المتزايدة ومن الناحية المنهجية إلى الظواهر السريرية وذلك بالقياس إلى الجوانب التأملية. وفيما يخص موضوعات التفكير فإن الأهمية التي أعطيت للجوانب البيولوجية تركت مكانها للجوانب الثقافية. وفي النهاية يلاحظ أن مؤسس التحليل النفسي بدأ يوجه اهتمامه إلى نزعة التدمير بدرجة أكبر من التكرار والنكوص.

ويبدو أن التحول القطعي ظهر في كتاب Unbehaggen حيث يدافع فرويد عن وجود دافع عدواني مستقل (1930). وهنا كتب أيضا يقول “تصدر النزعة العدوانية عن بنية فطرية دافعة منظمة ومستقلة عن الكائن الإنساني. وتشكل هذه العدوانية الأولية الخطر الأساسي ضد الحضارة وضد الأنواع الإنسانية.

ويأخذ كل من دافع التدمير (Pulsion de détruire) ثم دافع الموت (Pulsion du mort) مكان الصدارة في نصوص فرويد اللاحقة. ويقول فرويد: إن المبدأين الأساسين وهما: الحب (Amour) والانفصال (Discorde) يشكلان بالاسم والوظيفة نظيرين لدوافعهما الأصلية وهما الآيروس Eros والتدمير Destruction.

لا يمكن بسهولة التمييز بين دافع العدوان ودافع الموت فالعدوان في جملته لا يمكنه أن يؤدي إلى دافع الموت. وبالتالي فإن دافع الموت لا يمكن أن يختزل إلى دافع العدوان. ومن أجل العودة إلى استخدام تعبير لم يستخدمه فرويد إلا في إطار النظرية الدافعية الأولى. وهو أن دافع العدوان يبدو إلى حد ما انعكاسا جزئيا لدافع الموت.

ومن أجل الدخول في عمق المسألة يجب أن نتساءل ما الفائدة من العمومية التي تنطوي عليها استخدام تعبير “دافع الموت” (Pulsion du mort). نحن نعتقد أن فرويد كان يريد أن يعلمنا بان الإنسان مسكون بطاقة سلبية نافية. وبدقة أكبر يمكن القول انه كان يرغب في أن يشد الانتباه إلى وجود علاقات بين مختلف جوانب السلبية الإنسانية مثل الكراهية التكرار والنكوص والميل إلى التدمير الذاتي والعدوانية. وفي هذا الإطار يمثل دافع الموت المفهوم المفصلي لهذه المفاهيم.

فمفهوم مفهوم غريزة الموت يؤكد على العلاقة بين الثبات والميل إلى التدمير الذاتي. إذ تبين التجربة الاكلينيكية أن العدوانية تتجه إلى تبسيط وتثبيت تجسداتها. وعلى خلاف ذلك يلاحظ أن الثبات النفسي يثير العنف فهناك جزء كبير من نزعة المنحرف التدميرية كالعصاب، والذهانات النفسية تصدر عن تصلب الوجود النفسي وجموده وذلك يعني الإحساس بالانغلاق وضياع معنى الوجود.

يشير مفهوم دافع الموت في النهاية إلى العلاقة القائمة بين العدوان ونزعة التدمير الذاتي. لقد أشار فرويد دائماً ومنذ زمن طويل إلى علاقات التماثل القائمة داخل الذات (soi-même) وبين هذه التي تقوم مع العالم الخارجي، وتتضح هذه العلاقة القائمة بين الجانبين في السلوك العدواني على نحو خاص. فالفنان على سبيل المثال يعد شاهداً على هذه الخصوصية لأنه يتأرجح بين نزعتين نزعة القتل ونزعة الانتحار. وفي إطار نظرية الموت يمكن النظر إلى هذه العلاقة بوصفها قانوناً عاماً فالعدوان يمكن أن يكون القناع الذي يخفي نزعة التدمير الذاتية. فالفرد يهاجم الآخر من اجل ألا يدمر نفسه. وعلى خلاف ذلك قد تمثل نزعة التدمير الذاتية عدوانية تتجه هذه المرة إلى، ويلاحظ فرويد في هذه الخصوص انه كلما حاول الفرد بشكل شعوري أو لاشعوري، كبت عدوانيته كلما أدى ذلك إلى ولادة إحساس لديه بالذنب والتصلب. فالفرد من منظور التحليل النفسي مكان للجدل والصراع الذي قد يكون مدمرا ًللفرد نفسه. كما هو الحال بالنسبة للآخرين. فالفرد في إطار هذه الصورة كائن ملغوم بدوافعه المميتة، وهو في غالب الأحيان أمام خيارين: إما أن يكون عنيفاً تجاه الآخر أو أن يكون عنيفاً تجاه ذاته. وهو بذلك أمام نتيجتين: إما أن يصاب بالعصاب (névrose) أو بالانحراف (délinquance)

يعتقد فرويد بان دافع الموت يقوم في داخل النزعة السادية بتحويل الهدف الايروتيكي لصالحه وذلك مع إشباع النزعة الجنسية بشكل كامل. وهذا يمكننا من إدراك جوهر دافع الموت في علاقته بوضوح مع الأيروس (نزعة الحياة). وإذا كان دافع الموت يظهر من غير غايات جنسية فإنه لا يمكن لنا أن نجهل بان إشباعه لا يرتبط بلذة نرجسية مرتفعة. ويعزى ذلك إلى انه يعطي الأنا مشهد تحقيق رغباته القديمة البالغة القوة. وعندما يتعرض هدف دافع للتدمير للصد والكبت فإنه وهو في إطار توجهه نحو موضوعاته يتوجب عليه أن يشبع الرغبات الحيوية للأنا في مجال السيطرة على الطبيعة. وهنا يميز فرويد بين ثلاثة أشكال للعنف وذلك في إطار العلاقة مع دافع الموت: السعادة السادية والغضب التدميري والعنف الظاهر الذي يتبدى في مجال نشاطات الهيمنة وخاصة في مجال العمل. ثم العدوان في إطار المعنى النوعي لهذا المفهوم الذي يتوافق مع الحالة الثانية. ويمكن الملاحظة هنا أن فرويد يتحدث بوضوح عن النرجسية (Narcissisme)

لقد بين فرويد هنا بأن التوحد هو شكل العلاقة الانفعالية مع الموضوع: وهو يقدر في هذا الصدد أن هذه العلاقة هي العلاقة الأكثر أولوية وبدائية. فالتوحد يمكنه أن يساعد على إدراك الآخر وأن يعمل على خفض درجة العدوانية. ويشير علم النفس الاجتماعي في هذا الخصوص وبقوة إلى أن الأفراد لا يظهرون عدوانيتهم أبدا إزاء هؤلاء الذين يتوحدون معهم مثل زعيم الجماعة وأعضاءها وبالتالي فإن هذه العدوانية تتجه إلى موضوعات خارجية. ويشير فرويد أيضاً في نص آخر إلى أهمية التوحد من اجل تجاوز العدوانية، وخاصة فيما يتعلق بخفض مستوى التنافس الأخوي (بين الأخوة). كتب فرويد يقول في هذا الخصوص:” لا يمكن للعداوة أن تجد إشباعا لها حيث ينشأ في مكانها نوع من التوحد بالنسبة للمنافسين الأوليين وتشير الملاحظات الجارية حول الجنسية المثلية “الهوموسيكومول” ان اختيار موضوع الحب قد احتل اتجاه الفرد نحو العداء والعدوان. ومع ذلك فإن فرويد يعترف أن التوحد يمكنه أن يأخذ اتجاه المحبة كما يمكنه أن يأخذ رغبة الاستيلاء على الموضوع.

هذا ويمكن للنزعة الأوديبية أن تكون مثالاً جيداً لهذه العملية. فالطفل يتوحد مع والده من الجنس نفسه، وذلك قبل إدراك مرحلة الأزمة الأوديبية. ومثل هذا التوحد لا يشعره وعلى نحو فوري أن الأب منافس له ولكن هذه الحالة تتطور مع ذلك باتجاه المنافسة. فالصبي الذي ينظر إلى أبيه بوصفه مثله الأعلى يصل إلى حد الرغبة في الحصول على مكانه وإلغائه. ويمكن لنا أن ننوه في إطار هذا المسار العنف الذي يظهر في هذه الظروف يتحول إلى مظاهر مسالمة: ولأن العنف لا يتجه إلى التدمير الذاتي فإنه يقطع حلقة الترابط التوحدي ويساعد على بناء التنوع والفردية.

وفيما يتعلق بمسألة العدوانية فإننا نعتقد أن فرويد وعلى الرغم من الأهمية الخاصة التي يعطيها لدوافع الموت لا يطرح على بساط البحث أهمية البعد النرجسي لظاهرة العدوان. إذ يتكامل البعدان -علاقة الفرد بأناة من جهة ودوافعه من جهة أخرى. وفي هذا الخصوص يمكن القول إن طبيعة الظواهر النفسية تتطلب من المحلل النفسي أن يجري عمليتين هما: تحديد هدف الأنا وتحليل دينامية الدافعية. ونحن نعتقد في هذا الصدد أن فرويد استطاع أن يقلص المسألة التي تفصل بين هذين الجانبين. فهو يؤكد ألا وجود لغايات خالصة وألا وجود لعمليات عمياء. فالمحركات الدافعية تحمل وبشكل مسبق دلالة ما قبل شخصية. بينما وعلى خلاف ذلك فإن المعنى الممكن إعطاؤه للأنا والذي يقدم نفسه للإدراك يبقى تابعاً أو يأتي فيما بعد. والسؤال الذي يبقى هنا هو مشروعية الحديث عن دافع الموت أو دافع العدوان. وفيما يلي سنعمل على إعادة النظر في هذه المسألة في ضوء المعطيات المعاصرة للأبحاث العلمية.

الأنا الأعلى LE SUR-MOI:

يشكل كل من الإحساس اللاشعوري بالذنب ومناهضه العلاج ظاهرة ينطلق منها فرويد لبناء اثنين من أهم تصوراته هما: دافع الموت ومفهوم الأنا الأعلى sur moi Leويبدو لنا أن الفكرتين متكاملتين.

ففي واقع الأمر لا يمكن للحياة الدافعية أن تفسر لنا بمفردها أشكال تجلياتها الخاصة بينما يستطيع المفهوم البسيط للأنا الأعلى أن يبين، كما يعتقد فرويد الطابع الشيطاني للمقاومات والعقاب الذاتي (Auto – Punition).

يجد التحليل الفرويدي لمفهوم الأنا الأعلى (Sur-moi) تبريره هنا وذلك ليس لأنه يكمل نظرية دوافع الموت بل لأنه يؤكد العلاقات القائمة بين التأنيب الداخلي والعنف. ويمكن تلخيص الطروحات الفرويدية التي تهمنا هنا في ثلاثة مسارات: أ-يسعى الأنا الأعلى (Surmoi) بشكل رئيسي إلى مواجهة العدوان ب – وهو وكالة تقوم بعملية الهدم الذاتي. ج – ويمكنه أن يتحول إلى مصدر للسلوك العدواني.

تعود فكرة الصراع بين الوعي والانفعالات إلى العهود القديمة. ومن هنا يستعرض فرويد وجهات نظر جديدة حول هذه المسألة وحول أصالتها، وهو في صدد ذلك يسجل منذ البداية تلميحات مهمة حول هذه المسألة. ففي رسالة له إلى فلييس (Fliess) عام 1897 وهو العام الذي كان خصباُ بالنسبة لفرويد كتب يقول:” إن هناك رقابة مشابهة لهذه التي توجد في الصحف الرسمية تمارس دورها في مجال الحياة النفسية وان هذه الرقابة مسؤولة عن العبثية التي تظهر في الهذيانات، وتكمن الفكرة الجوهرية لفرويد هنا في رأي قوامه أن الإنسان يتمثل معايير وقيما تشكل منطلق التأنيب الذي يظهر في الحلم والجنون. وفي هذا الصدد يشير فرويد بان الفرد الذي لا يمكن أن يتجزأ هو منذ اللحظة التي يبدأ فيها التأنيب كائن ممزق في داخله.

ينظر فرويد إلى الجنسية بوصفها المجال المفضل للتبكيت النفسي، وبالتالي فإنه يعترف تدريجيا بأهمية النضال ضد الاندفاعات العدائية والحقد والرغبة في التدمير. ويبدو النص الواضح حول هذه المسألة ومن غير شك في مقالته حول بؤس في الحضارة (Malaise dans la civilisation) حيث يطور فرويد هنا الفكرة التي تفيد بأن الأنا وبمساعدة العدوانية يتحول ضد نفسه ويراقب وبشدة العدوانية.

ولا يعني ما سبق أن أصالة فرويد كامنة في اكتشافه للحواجز الداخلية المناهضة للنزعات الجنسية وللعدوان، أو في اكتشافه أن هذه الحواجز الداخلية تشكل جانبا من الحياة النفسية فحسب، بل تكمن هذه الأصالة في أهمية أبحاثه الخاصة بالجانب الدينامي للمراقبة أيضاً. فالأنا الأعلى يؤدي عمله وكأنه يقوم بدور يعمل من خلاله الكائن على مراقبة نفسه وبطريقة يمكنه فيها أن يفخخ نفسه أو أن يعمل على تدميرها. فالأنا الأعلى ليس مجرد كابح: بل هو أحيانا عامل من عوامل الهدم الذاتي (auto destruction)

ما كنا لننتظر علم نفس الأعماق لنعرف بان الإنسان ومن اجل أن يجسد إنسانيته يجب عليه أن يوجه العنف إلى ذاته، ومع ذلك فإن تعاليم فرويد تجاوزت هذه الفكرة وحدودها. لقد تحدث فرويد منذ عام 1901 عن انطلاقة التكامل الخاص وعن التشويه الذاتي والانتحارات اللاواعية. فهو يعلن أن عنف الإنسان الموجه إلى ذاته يمكن أن يتحول إلى صيغة لا إنسانية فالأنا الأعلى الموجه الضروري للفرد خلال سنوات حياته يتحمل وبسهولة في هذه الحالة إلى خائن كبير.

لقد استطاع فرويد أن يعيد بناء مشكلته القديمة الخاصة بمقاومة المرضى للجهود العلاجية المبذولة من أجلهم. ففي الصفحات التي يكرسها لدراسة حالات تبعية الأنا، وفي الفصل الأخير من كتاب الأنا والهو (Le Moi et le Ca) يعلن فرويد كما هو الحال في منشوراته الأولى:” أنه لا يمكن لنا بسرعة أن نفسر ردود الأفعال السلبية للمرض وذلك بمعنى الإرادة اللبيدية أو الكبرياء. فالمرضى المستائين -وذلك عندما يظهر التحليل وجود تقدم صحي – يعانون من إحساس بالذنب لم يعترفوا به فهم ضحايا أنا أعلى لا يرحم.

خلال الفترة الأخيرة من عمله، وحتى اللحظة التي كرسها لدراسة المجتمع، يؤكد فرويد شيئا فشيئا على أهمية العدوانية والسادية، التي يظهرها الفرد إزاء نفسه، ومن غير شك فإن الأنا الأعلى المفروض إلى حد ما من قبل الآباء يعزز قيم العقاب والثواب، ولكن مع ذلك يوجد هناك عند الأفراد عملية بناء ذاتية خاصة بالحجج النقدية فالفرد هو في نهاية الأمر أن لم يكن حذراً يصبح عدواً لنفسه.

يعبر أريكسون (Erikson)جيداً عن فكرة أساسية في النظرية الفرويدية عندما كتب يقول:” إن بقاء الوعي الإنساني في مستواه الطفولي خلال حياة الإنسان برمتها يشكل موطن المأساة الإنسانية (1950) فالأنا الأعلى يبدو في حقيقة الأمر وفي وقت واحد بوصفه مصدراً ممكناً للتدمير الذاتي والعنف الموجه إلى الآخر.

ذكرنا منذ قليل، وفي محاور عدة، أن السلوك العدواني انعكاس لصراعات نفسية ولتعارضات بين الدوافع، ولا بد لنا من المرور على تتمة مهمة وقيّمة لفرويد حول هذه الفكرة. يبين فرويد أن الفرد لا يتحول إلى العدوان من أجل تدمير من يهاجمه أو من يجعله مذنباً فحسب بل يصبح عدوانياً بالتحديد لأنه يشعر بالذنب. لقد اكتشف فرويد في تحليله لحالة الصغير هانس (Hans) أن الأطفال يظهرون شراستهم من اجل أن يتعرضوا للعقاب والتخلص من إحساس الذنب الصادر عن توهماتهم. ويلاحظ فرويد بالتالي أن هناك أفعالا قاسية ترافق أحيانا عملية انخفاض الضغط النفسي. وهو يفسر هذه الحالة المدهشة بوصفها طريقة لإعطاء الأفكار الوهمية (Fantasmes) مضموناً موضوعياً ولبناء إحساس عميق بالذنب على المستوى الأوديبي، وفي هذا الإطار تلاحظ الشدة التي يمارسها الأنا الأعلى الجانح وفي المكان الذي قلما ينتظر توقعه.

وفي هذه المناسبة يمكن الإشارة إلى مساهمة فرويد في مجال علم الجريمة وإلى قدرته العبقرية في قلب التصورات الجارية حول السلبية النفسية، وهو من هذه الزاوية يعلن بان السلوكات الرقيقة يمكنها أن تخفي هوامات Fantasmesقاتلة، وان العدوانية الظاهرة هي في بعض الأحيان انعكاس لنضال الفرد ضد اندفاعاته النفسية الخاصة.

العنف في الثقافة:

يبين فرويد في كتاباته الأخيرة ترابط مفهوم العدوان بمفهوم الثقافة. ويحاول فرويد في هذا المستوى أن يبرهن أنه على مدى التاريخ كانت العملية الثقافية تستمد طاقتها من الدافع الجنسي ودوافع العدوانية. ومع ذلك لا يمكن لهذه الدوافع أن تعبر عن نفسها بطريقة موضوعية: فالإنسانية لم تتكون في واقع الأمر إلا من خلال عملية تسامي Sublimation خاصة بالدوافع الأولية. ويشرح لنا فرويد في كتابه المهد Le moise أن التطور في مجال الحياة الروحية يتطلب إبعاد الدافعية وصدها. هذا ويقدم تطور القيم الثقافية كالأخلاق والدين على أساس صد الطاقة الشبقية والدافعية.

فالدوافع الجنسية ونزعات تأكيد الذات والعنف والتي تبدو في مجموعها كمحركات للحضارة Moteurs تشكل في الوقت نفسه المخاطر الأساسية التي تهدد المجتمع. ففي البداية يتحدث فرويد عن التضاد بين الدافع الجنسي والحضارة ولكنه وفي محصلة لاحقة يعترف بأهمية الضغط بين الاندفاعات العدوانية والمجتمع في بناء الحضارة نفسها. ومن أجل استجلاء هذه المسألة سنذكر بعض المقاطع المستلة من ثلاثة كتب أساسية له.

يشرح في كتابه مستقبل الوهم Avenir D` une Illusion بأن المعاناة والردع الدافعي لا يعنيان تخطي ضرورة العمل الحيوية وان هناك نزاعات تدميرية لا اجتماعية وضد ثقافية عند جميع الناس ([10]).

وتشكل هذه الفكرة واحدة من المحاور الأساسية لكتابه شقاء الحضارة حيث كتب فرويد في هذا الخصوص: إن نزعة العدوان التي تستطيع أن نلمس وجودها في أنفسنا وفي الآخرين تشكل العامل الأساسي الذي يشوش علاقتنا مع المقربين وهي تؤدي إلى نوع من الهدر في الطاقات الثقافية الممكنة وهي بذلك تشكل تهديدا لأسس المجتمع المتمدن (…) حيث يتوجب على الثقافة أن توظف فعالياتها لكي تضع حدا لاندفاعات الناس العدوانية وان تعمل على احتواء مظاهر هذه العدوانية بمساعدة التأهيل النفسي الخاص بردود الأفعال.

يدافع فرويد في إطار محاضراته الجديدة عن هذه الفكرة ذاتها وخاصة في الوقت الذي يستعرض فيه تصوره لدافع الموت؟ وهو يحدد ذلك بدقة عالية عندما يستعرض ملاحظاته حول مفهوم الإحساس بالذنب. فالثقافة تنمو على حساب الدوافع الجنسية التي تتعرض لكبت المجتمع من جهة والتي تغدو قابلة للتوظيف من أجل أهداف أخرى من جهة أخرى. وهذا يعني أن اعترافنا بالدوافع الجنسية هو شرعي وينسحب ذلك بدرجة أكبر على الدوافع الأخرى وخاصة الدوافع العدوانية وهي الدوافع التي تجعل الحياة الاجتماعية شاقة وتهددها بصورة مستمرة. فالإلزام الذي يفرضه المجتمع على الفرد لتحديد عدوانيته يمثل ربما تضحية الفرد الأولى والأهم.

ويبدو لنا أن تصور فرويد للإنسان مشبع بالتزمت والتراجيدية. فالكائن الإنساني يتأرجح بين نزعتين إحداهما تشده نحو الآخر والأخرى تشده إلى نفسه، وهو في معاناته هذه لا يجد الحلول المتوازية. فحب الآخرين يقوده إلى خيبة الأمل الشديدة بينما يؤدي به غياب هذا الحب إلى النرجسية التي تدفع إلى المرض أو إلى خيبة الأمل أو إلى الموت ولا يمكن تركه هنا في هذه الحالة لسيطرة نزعاته العدوانية. ولكن المنع والرفض الخالص للعنف يؤدي إلى نزعة التدمير الذاتي، وفي هذا السياق يمكن القول إن العصاب Névrose والألم النفسي ليسا مجرد حادثة عابرة بل هما تعبير عن وضعية سيكولوجية محكومة بعواملها الموضوعية.

ومن بين المصادر الأساسية الثلاثة للألم الإنساني: الاضطرابات الفيزيولوجية، وصعوبات الحياة الاجتماعية، والكوارث الطبيعية، تعد صعوبات الحياة الاجتماعية هي الأكثر إيلاما. فالثقافة الخاصة بالنوع الإنساني تشكل مصدرا حقيقيا للآلام والمعاناة. وتأخذ هذه القضية أهميتها في كتاب فرويد (Das unbehagen) الذي يبين العوامل الاجتماعية للأمراض النفسية، وهو يتساءل في هذا الصدد إذا كانت الثقافة والتقدم الحضاري يبرران شرعية الآلام المعاصرة.

أ – يكمن السبب الأول للألم الذي يعزى إلى الثقافة في وجود صراعات ساخنة بين الدوافع الفردية ومتطلبات الحياة الاجتماعية. ولا يوجه فرويد هنا إصبع الاتهام إلى المعايير السائدة وشدتها المفرطة – وذلك ما يطلق عليه ماركو القمع المفرط Sur – répression بل إلى جوهر الثقافة والصراعات الأساسية الناجمة عنها.

لقد أكدنا منذ قليل على أهمية هذه النقطة، وهنا يمكن القول أيضا بأن قوانين الحياة الاجتماعية – التي تجسد بجوهرها رموز العنف – لا تستطيع أن تمارس دورها من غير اللجوء إلى العنف. وبالإضافة إلى ذلك فإن السلطة القائمة لا تكتفي بمنع إشباع بعض الحاجات الدافعية بل تعمل أيضا على إحداث تغيرات حقيقية داخل الفرد نفسه.

ب – يؤدي النقد الرئيسي الذي يوجهه فرويد إلى التنظيم الاجتماعي – ولا سيما في داخل المجتمعات التي يقال عنها متحضرة – إلى ولادة وتعزيز إحساس الإنسان بالذنب. ففي كتابه التوتم والتابو Totem et Tabou يعلن فرويد أن النظام الاجتماعي يقوم على الإحساس بالذنب الخاص بجريمة قتل الأب الأول، وفي هذه المرة يعترف بأهمية العقيدة الدينية ولكنه يعترض على الشكل الاستبدادي الذي يأخذه الأنا الأعلى على أثر التعزيزات الاجتماعية.

لقد أعلن فرويد على مدى حياته مبدئين متناقضين ظاهريا ولكن مع ذلك يمكن النظر إليهما من زاوية التكامل وهما: مبدأ التقشف والزهد Renoncement ثم مبدأ التسامي Sublimation وهما المبدآن اللذان يشكلان شرط الوجود الإنساني. ومع ذلك لا يمكن وضع حد نهائي لعملية إرضاء بعض النزعات الدافعية وخاصة في مجال الحياة الجنسية لأن ذلك يؤدي إلى إحداث اضطرابات نفسية ويؤدي إلى تعزيز العصاب والميل إلى التدمير.

يسير فرويد في أعماله اللاحقة إلى مصدر آخر للألم والقلق وهو الخطر الناجم عن الإنسانية نفسها: دمار الإنسانية الناجم عن الإنسانية نفسها. وهنا يدهش المرء لقدرة فرويد التنبئية وخاصة لأن هذه النبوءة سبقت حادثة هيروشيما Hiroshimaبخمسة عشر عاماً وهي التي يعبر عنها فرويد بالصيغة التالية: لقد استطاع البشر حالياً أن يتقدموا كثيراً في مجال السيطرة على الطبيعة ولكن ذلك يشكل مصدراً جديداً للدمار وما يؤسف له انهم يعرفون ذلك ومن هنا ينجم التوتر الحالي والبؤس والقلق.

هذا ويعتقد فرويد أن قدر الإنسان مأساوي وانه لا يمكن لأي نظام سياسي أن يحقق السعادة الكاملة للجميع. وهو في هذا السياق يصف البديهيات الماركسية بأنها أوهام لا تستند على أسس موضوعية. وهو على سبيل المثال لا يعتقد أن مبدأ إلغاء الملكية الخاصة يمكنه إيجاد الحلول لمشكلات العنف بمفرده. ولكن هذا كله يبقى بالنسبة له نوعاً من اليوتوبيا وذلك لأن دافع العدوان ونزعات المحافظة ذات سلطان راسخ الجذور في سلوك البشر.

ولنا الحق هنا أن نتساءل إذا كان فرويد يسعى عبر محاولاته هذه، التي يرى فيها أن بؤس الحياة الاجتماعية ينبع من الثقافة ومن الطبيعة الفيزيائية للإنسان، إلى إيجاد الحلول الأساسية لمسائل الحياة السياسية والاجتماعية. وبدقة أكبر ألا يمكن لفطرية “دوافع الموت “ أن تكون أيديولوجية رجعية تسعى إلى إخفاء أسرار العنف الكامن داخل البنى الاجتماعية، أو إلى تبرير العنف والعدوان والبؤس الاجتماعي.

حاول كثير من الباحثين التأكيد على أن نظريات فرويد كانت صيغة فكرية للأيديولوجية السائدة في عصره، ولا سيما هذه التي تعبر عن وضعية المجتمع الصناعي. وأفضل مثال على ذلك ما نجده في السوسيولوجيا المعرفية عند ريسمان David Resman الذي يدرس الاتجاهات الرئيسة في فكر فرويد ويبين إلى أي حد تبدو جدية فرويد في أعماله وإلى أي حد كان يغلب عليه طابع السخرية والهزل.

ويجدر بنا في هذا السياق أن نشير إلى نقد فروم Frommالذي يوجه انتقاداته إلى رأي فرويد في التوازن بين مبدأ الواقع ومعايير المجتمع الأبوي المستغل. لقد استطاع فرويد أن يصف بدقة أن هدف التحليل النفسي، وأن يعلن بأن التربية هي مساعدة الفرد على أداء حياة متوازنة قدر الإمكان ومساعدته على تحقيق التكيف في عمله. إن تأكيده على الضرورة وشكوكيته في المحاولات الثورية توحيان بأنه كان متأثراً بمثاليي مجتمع يسيطر فيه ما يسميه ماركوز Marcuse مبدأ الريع والعائدات Principe de rendement.

ينطوي التحليل النفسي على مفهوم ” تحليل عقيدة التحليل النفسي ” Analyse de la doctrine de la Psychanalyse. وعلى سبيل المثال يمكن الربط بين مفاهيم عديدة مع مفهوم الضرورةNécessité e والمركب الأبوي Complexe paternel عند فرويد. وفرويد نفسه يقدم إمكانية مثل هذا التفسير وذلك عندما يحاول البرهنة على أن القدر (المصير)Destin هو إسقاط للصورة الذهنية الأبوية، أو انه تجسيد مادي للأنا الأعلى. ونحن هنا لن تتوغل في هذا المسار المحفوف بالمصاعب.

نعتقد أن نظرية فرويد التي لم تصل إلى كمالها قابلة لرؤى نقدية كما يقول فرويد نفسه. وهي بنفسها قادرة على إجراء سلسلة من التصفيات الخاصة بطروحاتها. فالمفاهيم الفرويدية تقود في نهاية المطاف إلى طرح تساؤلات ذات طابع راديكالي. وإذ يلاحظ أن فرويد يتبنى منهجا يعتمد على التحديد الموضوعي وعلى رفض التلميحات الغامضة في نسق توجه دائم نحو نزعة نقدية. وذلك كله يجعلنا نعترف بأن التحليل الماركسي الذي تناول الجوانب العلمية لنظرية التحليل النفسي يبرر وجودها ويقف في عونها نحو نمو يقظ.

خلاصة:

في رسائله إلى ماري بونابرت Marie Bonaparts في مغرب حياته بصدد العدوانية يعلن فرويد أن هذا الموضوع لم يحظ بالأهمية الكاملة، وأن هذا الإهمال يتبدى في الكتابات السابقة التي عالجت المسألة بطريقة فجة وسطحية وهي كتابات لا تستحق الانتباه.

لقد حاول مؤسس التحليل النفسي أن يضع إطارا تفسيريا قادرا على تحجيم أوهام العقل وإسقاط أقنعة الرغبة. وحاول في هذا السياق أن يرسم خداع الآيروس Erose ومع ذلك فإن منهجه في التفسير يسمح أيضا بالاعتراف بعمل تاناتوس Thanatos الذي يجري بصمت.

لقد بينت محاولاته كيف يمكن للرغبة أن تسيطر على الذكاء، وهو في هذا الاتجاه يسلط الضوء على الأشكال المعقدة لبنية العنف، ويسعى عبر هذه المحاولات إلى رسم حدود العلاقة التي تربط الفرد بالجماعة. ومن هذا المنطلق فإن فرويد يأخذ مكانه بين المفكرين الذين عملوا على تفسير حوادث القرن العشرين مثل ماركس Marx ونيتشه Nietzsche وهو كسابقيه (ماركس ونيتشه) أبدع طريقة جديدة في التحليل حظيت بإعجاب الجميع واحترامهم. حيث قدر له أن يتناول الحقائق الجوهرية لعصره وبين أن الافتراضات القائمة والتفسيرات الجارية مجرد أوهام أو أكاذيب.

لقد قدر لفرويد- كماركس ونيشته – أن يسقط القناع عن العدوانية والعنف المجهول الناجم عن الإرادة الطبيعية والروح النبيلة. لقد بين نيتشه كيف يُصنَّع العبيد بآلية ضعفهم وكيف ينظم هؤلاء العبيد رؤيتهم للخير والشر من خلال هذه الفضيلة: فضيلة الضعف الوجودي الشامل. أما ماركس فقد أدرك عبر دراساته الاقتصادية علاقات الفائدة والربح والسيطرة. أما فرويد فإنه استطاع أن يعلّمنا الطريقة التي نصغي فيها إلى نداء الليبيدو Libido والكراهية La haine وكيف نكتشف خداعهما. وأنه لمن المؤكد أننا نستطيع أن نجد تأملات من هذا النوع عند باسكال وعند روشوفلد Rochefould وعند فولتير Voltaire ومع ذلك يمكننا القول إن التفسير العلمي لهذه الظواهر بدأ يتكون في مطلع القرن العشرين على يد فرويد الذي يعتبر وبدون منازع وأحدا من أبرز أنصار التفسير العلمي للسلوك الإنساني.

ولم يتوقف فرويد عند حدود الكشف عن شيفرة العنف ورموزه. بل تعدت جهوده حدود الكشف إلى مقامات التفسير. لقد قدر فرويد عاليا رأي أناتول فرانس Anatole France الذي أصاب كبد الحقيقة عندما كتب يقول ” إنه لمن الصعب جدا لرجل يملك السلطة أن يمتنع عن الإفراط في ممارستها.

يبين فرويد، في إطار النص المخصص لعلم النفس الذي وصف بالتوحش بأن المعالج يرتكب خطأ كبيرا وذلك عندما يفاجئ المريض بتنبؤاته. وهنا هذا الخصوص يرسم فرويد الطريق نحو نظرية متكاملة للممارسة التحليلية. حيث يطالب تلامذته أن يمارسوا نوعا من التحليل الذاتي لسلوكهم وبواعثهم اللاشعورية التي تحركهم.

لقد علمنا مؤسس التحليل النفسي بأنه يجب أن نسمع الكلمات من خلال الحروف، وأن الإشارة البسيطة جدا تنطوي على دلالة تتكلم. يقول مالديني Maldiney في هذا الخصوص” إن التحليل النفسي يتهيأ دائما ليأخذ الآخر من خلال الكلمة والإشارة وأي تعبير وذلك لأن هدفه ليس أن يأخذ المرء بل أن يفهم. وتأسيسا على هذه المنهجية ظهرت استراتيجية تحليل نفسي صارمة تعتمد الصرامة النفسية والتشدد. وهي مواقف ليس له أية علاقة مع الموقف الذي بدأه فرويد وسار على هديه. فالتحليل هو من حيث المبدأ استسلام كلي لسماع ما يقوله المريض وإدراك للدلالة وسعي إلى تحرير اتجاهات جديدة للمعاني من أجل إيصال المريض إلى حقيقته الخاصة.

لقد دشن فرويد نموذجا علاجيا يذكرنا فيه ” بأنه لا يجب أن نرد على الحديث العنيف بالعنف بل الاستماع والاحترام والمسالمة، وبالتالي فإن عالم النفس – الذي يهتدي بإضاءات هذا النموذج – يدرك بأن العدوانية والعنف هما فخان لا يجب عليه أن يمتلك إزاءهما ردود فعل وفقا لاندفاعاته الأولية الساذجة. إذ يجب عليه أن يستمع دون حكم الأفكار المسبقة، ودون انفعال ويتوجب عليه إزاء العنف الذي يبديه المريض أن يتخلى عن القول المنظم وعن قوة التدخل. فهو يشاهد لعبة العنف ولكنه يدرك جيدا أن العنف مجرد إشارة وأن الخوف والعدوان يتلاشيان عندما يجد المريض كلماته المناسبة للتعبير والاستماع.

لقد حاولنا أن نحلل المعطيات الأساسية لفرويد حول العدوانية ولم نشأ أن ننهك أنفسنا في عرض نصوص أدبية أو نقدية. وعندما يريد أحدنا أن يعرف ما يقوله فرويد حقاً عليه أن يلجا من البداية حتى النهاية إلى أعمال فرويد الأساسية في هذا الخصوص وسيدرك بعمق وأصالة هذه المعاناة العلمية التي أحاطت فرويد من أجل بناء رؤيته العلمية إلى مسألة العنف والعدوان.

لقد شاهدنا واستمعنا كثيرا قبل أن نأخذ موقفا من نظرية فرويد في العدوانية. لقد جاء موقفنا من فرويد على صيغة حوار كما يحدده دومينيك (Dominique Pir) قائلاً: “يجب على كل واحد منا أن يضع جانبا ما هو عليه وما يفكر به وذلك من أجل فهم وتقييم وجهة نظر الآخر إيجابيا وذلك من غير أن يشاركه الرأي”.

” ومع ذلك كله فإننا لا نريد أن نصنف أنفسنا بين هؤلاء التلاميذ الذين اندفعوا بكل حماس ليرددوا بطريقة قهرية ما قاله المعلم، وكأن أقواله وتعاليمه نهائية وإلى الأبد. هؤلاء التلاميذ يتابعون النظر إلى نصوص فرويد بوصفها نصوصا مقدسة تمتلك على المعرفة المطلقة، وهم ينتهون بذلك أيضاً إلى الاعتقاد بأن البحث التحليلي المعاصر توجهه الحكمة القائلة “أنا موجود إذن أنا أفكر” فنحن نعلم اليوم أن فرويد الذي قضى حياته برمتها وهو يتساءل يدعونا اليوم وعلى خلاف ما ذهب إليه هؤلاء إلى موقف معارض هو تجاوز الأفكار الأولى المكتسبة ثم إعادة تشكيلها وإعادة بنائها

ونحن  في النهاية ندرك بأنه لا يمكن لجميع عناصر نظرية ما أن تكون قد برهنت واختبرت على نحو كلي، وندرك أيضا أن خصوبة نظرية ما مرهونة في نهاية الأمر بمدى رقيها التجريدي، ومدى تماسكها المنطقي، ومدى امتلاكها للمفاهيم المعقلنة والمفاهيم القابلة للملاحظة، ومن غير ذلك فإن النظرية تتحول إلى ميثولوجيا أسطورية أو إلى نوع من الخطابة البلاغية.

هوامش المقالة ومراجعها:


[1] Sigmund FREUD, Moïse et le monothéisme, traduit par Anne Berman, Paris. Gallimard. P 75.

[2]Jacques Van Rillaer: L’agressivité Humaine , Ed. Pierre Mardaga , Paris, 1988.

[3] علاء اللامي، خرافة العنف الدموي في ضوء العلوم الحديثة: رؤية تحليلية في غرائز التدمير والانتقام والحروب، مجلة الزمان الجديد، العدد 36، ديسمبر/كانون الأول، 2002، صص 68-81، ص69.

[4] – Dollard J., DoobL., Miller N., Et Autres, Frustration et agression, University Press 1939.

[5] FREUD (S.)  Totem et tabou, trad. S. Jankélévitch, 7e éd. Payot, Paris, 1977.

[6]– النرجسية Narcissisme عشق الذات: يقصد بها التحليل النفسي تلك المرحلة التي يتميز بها الفرد إلى اتخاذ الفرد إلى اتخاذ ذاته موضوعا لعشقه. وهو ميل يشتد في الحالات المرضية وخاصة الأمراض العقلية. في الأسطورة القديمة كان نارسيوس مأخوذا بجمال صورته التي تنعكس ماء النبع الذي سقط فيه، ثم تحول إلى زهور تحمل اسمه كما تقول الأسطورة القديمة.

[7] – FREUD (S.), Considérations actuelles sur la guerre et la mort, [1915], in Essais de psychanalyse, Payot, Paris,1981.

[8] الاكتئاب Mélancolie: مرض عقلي من أهم أعراضه انخفاض النشاط الحركي والانطواء وانعدام الاهتمام بالعالم الخارجي والأرق والرغبة في الانتحار.

[9]-Freud S., «Au-delà du principe de plaisir» [1920], in Essais de psychanalyse , Payot, paris,1981.

[10] -FREUD (S.), L’Avenir d’une illusion, trad. M. Bonaparte, 5e éd., P.U.F., Paris, 1980.
___________

*علي أسعد وطفة

كلية التربية – جامعة الكويت

جديدنا