واقع التقويم التربوي ومتطلبات النهوض به وتطويره

image_pdf

المقدمة:

يكتسب التقويم التربوي أهمية كبيرة في العملية التربوية، وذلك بحكم الدور الذي يلعبه فيها، باعتباره يمثل الأداة والوسيلة التي يمكن من خلالها التحقق من نتائج الجهود والممارسات والنشاطات التي تنفذ من قبل المدرسين والعاملين في إطار المدارس والمؤسسات التعليمية والتربوية، وتقدير مردود تلك الجهود والنشاطات وتحديد أثرها في تحقيق الأهداف التربوية المنشودة.

فعلى مستوى الأهداف التعليمية يسهم التقويم التربوي في تقدير ما تحقق منها، وبالنسبة للمتعلمين فإنه يقدم الأدلة والمؤشرات التي تكشف عن طبيعة التغيرات في سلوكهم واتجاهات نموهم، والتعرف على مدى تقدمهم، والصعوبات التي تعيق تعلمهم، كما أنه يزود المدرس بتغذية راجعة عن أدائه ومدى فاعليته في عملية التدريس، ويهيئ الفرص المناسبة للقائمين على تطوير المناهج والبرامج الدراسية وتحديد مواطن القوة والضعف فيها بغرض اتخاذ القرارات المناسبة لتطويرها.

فالتقويم التربوي هو أداة المربين للانتقال بالعملية التعليمية مما هو قائم إلى ما ينبغي أن يكون، باعتباره يمثل الأسلوب العلمي والعملي الذي يمكن الاعتماد عليه في تشخيص الواقع التربوي، والاستفادة من نتائجه في تعديل المسار التربوي وتحسين الممارسات التربوية وتوجيهها باتجاه تحقيق الأهداف التربوية.

في ضوء ذلك يتسم التقويم بدور بالغ الأهمية في إصلاح شؤون التعليم، فمن خلاله وعلى أساس نتائجه يعاد النظر في كل عنصر من عناصر المنظومة التعليمة، المتصلة بالأهداف والمناهج الدراسية وبرامج إعداد المعلمين وتأهيلهم، وتدريبهم قبل وأثناء الخدمة، وذلك في ضوء تحديد مدى صلاحيتها، وما تتطلبه من عمليات التحسين والتطوير بما يتفق وأهداف المجتمع وحاجاته ومتطلبات تنميته وتحديثه والارتقاء به إلى مستوى القدرة على مواكبة التطورات العلمية السريعة والمستحدثات التكنولوجية المرافقة لها، والتفاعل معها بكفاءة وفاعلية  واقتدار .

أن تزايد أهمية القياس والتقدير الكمي في المجالات العلمية ونجاحها في تحقيق مستويات عالية من الدقة  والكفاءة، قدم سهم في تزايد الاهتمام بتطوير أساليب القياس والتقويم التربوي وانتشار استخداماتها وإدراك أهميتها البالغة في تحسين العملية التربوية وتطويرها، وأدى إلى اكتساب التقويم التربوي مكانة متميزة.

في الوقت ذاته، فإنه ليس من الصعب أن يكتشف المرء بأن التقدم العلمي الذي تحقق في العلوم والتكنولوجيا، اعتمد بدرجة أساسية على التطور الذي تحقق في أدوات القياس المستخدمة  في تلك المجالات، وتأثر بمدى دقتها وكفاءتها في قياس خصائص كل مجال  والمتغيرات المتصلة به، أما في مجال التربية فإن التقدم الذي تحقق في أدوات القياس كان بطيئاً، ولم تظهر أدوات القياس الإ في بداية القرن العشرين، حيث بدأ تطوير بعض المقاييس مثل مقاييس الذكاء لبينية ( Binet) ومقياس الكتابة لثورندايك، ويرجع السبب في ذلك  إلى تعقد الظواهر والمفاهيم التربوية وصعوبة تحديدها وملاحظتها وقياسها.

في ضوء ما تقدم، وتقديراً لأهمية التقويم التربوي، وتلبية للحاجة القائمة للإسهام بتطويره وتعزيز دوره في النهوض بالعملية التربوية، تسعى الدراسة الحالية للوقوف على واقع التقويم التربوي والتعرف على ملامحه وأبعاده، وإلقاء الضوء على المشكلات والصعوبات التي تحيط به وتحول دون قيامه      بوظائفه، وتقديم تصور  بالمتطلبات الأساسية اللازمة لتعزيز دوره في النهوض بالعملية التربوية وتطويرها.

 

أولاً : واقع التقويم التربوي في الجمهورية اليمنية :

إذا ما حاولنا رسم الصورة التي تمثل واقع التقويم التربوي في بلادنا وتوضح الملامح والإبعاد التي تميزه وتعكس حقيقة أوضاعه، فإنه يلزمنا تحديد المفهوم السائد للتقويم التربوي والتعرف على علاقة التقويم بالمنظومة التعليمية القائمة وأثره فيها، وعلى هذا الأساس يمكن التأكيد على أن المفهوم السائد للتقويم التربوي والتعرف على علاقة التقويم بالمنظومة التعليمية القائمة وأثره فيها، هذا الأساس يمكن التأكيد على أن المفهوم السائد للتقويم لدى التربويين والعاملين في مجال التعليم مايزال أسير المفهوم التقليدي للتقويم التربوي بمعناه الضيق، الذي يقتصر على الامتحانات المدرسية، واختبارات التحصيل التي تهدف لقياس نتاجات التعلم المعرفي لدى المتعلمين، والتحقق من قدرتهم على الحفظ، واسترجاع المعلومات والمعارف النظرية كلما اقتضت الحاجة وبناءً عليه، فإن أساليب التقويم المتبعة حالياً لا تحقق الهدف من التقويم، وتمثل الامتحانات الأسلوب السائد في تقويم الجانب المعرفي في مستوياته الدنيا وتكاد تقتصر على استخدام الاختبارات الشفوية والمقالية، وبصورة عامة فإن الاختبارات المستخدمة تعاني من مظاهر ضعف وقصور  عديدة، حيث تتميز بافتقارها  للتوازن والشمول، في مدى موضوعيتها، كما تتميز  أيضا بانخفاض قدرتها التميزية وفي مدى ملاءمتها لمستويات الطلاب مما يؤثر بصورة سلبية على مستوى كفاءة الاختبار في أداء وظائفه، ويضعف من إمكانية الاعتماد عليه والثقة في نتائجه.

ونظراً  للعلاقة الوثيقة القائمة بين التقويم والتطوير  باعتبار التقويم المدخل الأساسي للتطوير، تتزايد الحاجة للأخذ بالاتجاهات الحديثة والنظم الفاعلة الفاعلة في مجال الإصلاح والتطوير التربوي التي تشمل تطبيق معايير نظام الجودة الشاملة في التعليم، والتوجهات المرتبطة بتمهين التعليم، وتطبيق معايير نظام متكامل للاعتمادية يقوم على أساس استيفاء الشروط  والمعايير والمواصفات الأساسية اللازم توافرها في العاملين والمؤسسات والبرامج القائمة ليمنحوا بموجب ذلك شهادات الاعتماد اللازمة لاكتساب الغطاء الشرعي والحق القانوني لممارسة العمل وتنفيذ البرامج والنشاطات المرتبطة بها، واستحداث نظم فاعلة لمساءلة النظام التربوي بمستوياته المختلفة كافة، ترتكز على تبني آلية متكاملة للتقويم الموضوعي والشامل للأداء لجميع الأطراف، وتنفيذ عواقب وقرارات الثواب والعقاب المترتبة عنها للحالات التي تظهر تقدماً أو تقصيراً.

في ضوء ما سبق، يتضح أن الأوضاع المحيطة بالعملية التعليمية وما يرتبط بها من حالات الضعف  والقصور ليست سوى نتيجة لغياب آليات التقويم الموضوعي والشامل لعناصر المنظومة التعليمية ومكوناتها، وضعف علاقة النظام التعليمي بالتقويم، فالتقويم التربوي ليس جزءً عضوياً من النظام التربوي، كل هذا يدعو للمطالبة بتدعيم أداء وإنجاز المدارس والمؤسسات التعليمية والعمليات والبرامج والمشروعات التعليمية القائمة، والتأكيد على حاجتها للتقويم العلمي المؤسسي الدوري المعتمد على استخدام مقاييس علمية وعملية لجمع بيانات ومعلومات كمية نوعية وملاحظات ميدانية عن أداء الأفراد والمؤسسات وعن إنجازات البرامج والسياسات وتحليلها وتفسيرها بشكل متكامل بغرض التعرف على العلاقات بين المتغيرات والتوصل إلى تفسيرات موضوعية للظواهر لاتخاذ القرارات الرشيدة والأحكام الموضوعية حول فاعلية البرامج والخطط ومستوى جودة المخرجات التعليمية سعياً للارتقاء بها إلى مستوى أفضل.

وبناءً عليه، تبرز الحاجة للاهتمام بالتقويم العلمي الموضوعي الشامل، كما تتعزز  القناعة بأهمية المركز الوطني للتقويم التربوي  وبضرورة الاهتمام بإنجازه وإعطائه أولوية خاصة، وذلك بحكم أهمية مستوى الجودة النوعية الشاملة للعملية التعليمية وزيادة فاعليتها، من أهمها ما يأتي :

1- التقويم لضمان الجودة : للتأكد من جودة أداء وعمليات وإجراءات المؤسسة التعليمية ومخرجاته  لابد من تحديد إجراءات لمراقبة   أداء المؤسسة وعملياتها، والتأكد من مدى مطابقة المخرجات واتفاقها مع المعايير المطلوبة.

2- التقويم للفاعلية الاقتصادية : فالآثار المتوقعة من التعليم أو من المؤسسة التعليمية تعتمد على الموارد المخصصة، وفي ضوء المردود والنتائج المتحققة يجري البحث في سبيل تحقيق الجودة وتحسين النوعية بأقل تكلفة ممكنة.

3- التقويم لترشيد اتخاذ القرار : تتميز الإدارة الفعالة بقدرتها على مراقبة أداء المؤسسة التعليمية وتكويناتها ومتابعته بشكل مستمر من خلال المعلومات الدقيقة بغرض التعرف على فاعلية البرامج والإجراءات وتوزيع الموارد، وعلى مدى تأثير القرار ت والسياسات المتبعة.

4- التقويم للمساءلة  والمحاسبة : يهدف التقويم النهائي بشكل أساسي إلى تحديد الأطراف المسؤولة عن تنفيذ السياسات والبرامج ومدى نجاحها في القيام بمسؤولياتها وقدرتها في تحقيق النتائج المطلوبة.

5- التقويم لتحسين أداء المؤسسة : تسهم نتائج التقويم في الكشف عن العوامل ذات العلاقة بفاعلية المؤسسة والمؤثرة فيها سلباً وإيجاباً، والاستفادة منها في تطوير أداء المؤسسة التعليمية، وتحديد الإجراءات والأساليب المناسبة لتعزيز الجوانب الإيجابية، وتلافي السلبيات وتجاوزها.

وفي إطار تناولنا لواقع التقويم تجدر الإشارة إلى أهمية تحديد الأساليب والمستويات والمعايير العلمية الواضحة التي يجري التقويم في ضوئها، وبهذا الخصوص فإن المنظمة العربية للتربية ( 1982) في إطار الدراسة التي أجرتها حول تقويم البرامج التربوية  في الوطن العربي كانت قد أوضحت بأن الأنظمة التعليمية العربية  تعاني من نقص واضح في الأساليب  والمستويات والمعايير العلمية التي تمثل الشروط والخصائص  المعيارية للوضع الأمثل التي يكون من الصعب إجراء عملية  القويم والمقارنة بدونها، ويرجع السبب في ذلك إلى غياب المراكز والمؤسسات المتخصصة في مجال التقويم التربوي.

فالمعروف أن الأنظمة التربوية  قلما اهتمت بإنشاء  مراكز ومؤسسات متخصصة في مجال التقويم  التربوي، فعلى الرغم من الأهمية البالغة لعملية  التقويم العلمي المؤسسي الشامل للتعليم بمختلف مراحله، وضرورة تنفيذها في إطار بيئة علمية  مناسبة، وبحكم ضخامة العملية وتعقيداتها وارتباطها بعوامل ومتطلبات كثيرة، ولأهمية النتائج المترتبة عنها فإن القناعة بأهمية مثل هذا المركز، وبضرورة إنشائه تتعزز  بدرجة اكبر، كما تتأكد الحاجة  بشكل متزايد للاهتمام بإنجازه وإعطائه أولوية خاصة، وبهذا الخصوص فمن المفيد التأكيد على أن الوحدات الإدارية التي لجأت  الأنظمة التعليمية العربية إلى استحداثها  في إطار الهياكل التنظيمية لوزارات  التربية لتتولى متابعة الأمور  الروتينية والشؤون الإدارية المتعلقة  بتنظيم الاختبارات  لا يمكن أن تمثل  بديلاً عن إنشاء المراكز والمؤسسات المتخصصة في مجال التقويم، خصوصاً وأنه ليس بإمكان مثل تلك الوحدات التعرض للمهام الأخرى ذات العلاقة بالتقويم التربوي والتأكد من مدى تحقق الأهداف الموضوعية.

وفي ضوء ذلك، تشير الدلائل إلى أن الأوضاع المحيطة بالعملية التعليمية  وما يرتبط بها من حالات الضعف  والقصور وإنحدار في مستوى إنتاجية النظام التعليمي وفاعليته، وتدني مستوى أداء الأفراد والمؤسسات التعليمية وارتفاع كلفة تشغيلها،  وعجزها عن مواكبة متغيرات العصر والاستجابة لمتطلباتها وتخلفها عن ركب التقدم وضعف علاقتها  بعملية التنمية، فضلاً عن حالة الجمود المرافقة للنظم التعليمية  وللمناهج الدراسية القائمة، وما يترتب عن ذلك من إهدار في الموارد والإمكانيات يرتبط بدرجة أساسية إلى غياب  التقويم، وبهذا الخصوص يرى المركز العربي للبحوث التربوية الخليج   ( 1981 )  أن إهدار الجهود والإمكانيات وعدم الإفادة منها بالشكل، يرجع إلى أن التقويم  في الوطن العربي لم يكن في معظم الأحوال جزءً من النظام التعليمي، فالتقويم إذا لم يكن جزءً عضوياً متفاعلاً داخل النظام التعليمي، وجزءً من الخطط والبرامج التربوية، فإنه لا يمكن ضمان ترشيد العلاقة بين أهداف النظام ومحصلة أدائه، كما أنه  لا يمكن أن يقدم تغذية راجعة مستمرة تسهم في تعديل وتطوير المسار التربوي للنظام وللبرامج، وتزيد من كفاءته وفاعليته ونوعية مخرجاته.

وفي السياق ذاته، تشير نتائج الدراسات التي أجريت لتقييم أوضاع البحث والتقويم التربوي في الوطن العربي إلى ندرة دراسات التقويم التي تقوم على أساس النظرة الشاملة للتقويم، وتتناول مدى تحقيق النظام التربوي لأهدافه الأساسية، وضعف الاهتمام  بإجراء مثل تلك الدراسات، ويتفق ذلك مع نتائج الدراسة التي أجرتها المنظمة العربية للتربية ( 1982 ) حول تقويم البرامج التربوية في الوطن العربي  ودراسة أبو زينة وصوالحة (  1987 ) عن توجهات البحث التربوي في الأردن وعلاقته بالتنمية، ودراسة صباريني والرازحي ( 1991 ) حول واقع البحث التربوي في الجامعات الأردنية، حيث أظهرت النتائج أن نسبة البحوث والدراسات التقويمية ضئيلة للغاية، بل أنها تكاد لا تذكر، ومثل هذه الوضعية لا تنسجم مع تنامي ظهور العديد من البرامج التربوية والتغيرات المتسارعة في مجالات الحياة المعاصرة  التي تتطلب من الباحثين ومراكز ومؤسسات البحوث ومن القائمين على الأنظمة التربوية الوقوف على البرامج القائمة ، والعمل على تطويرها لتلبي  احتياجات الحياة المعاصرة ومتطلبات عملية التنمية.

 

ويؤكد ناثر سارة ( 1990 ) على أن معظم المشكلات التي تواجه الأنظمة التربوية العربية قد ترتبط  في بعض جوانبها بغياب آليات التقويم الموضوعي والموحد للتحصيل المدرسي بحيث يصعب على أي تربوي عربي مقارنة مستويات التحصيل المدرسي ومعرفة إن كانت مثل هذه المستويات في الرياضيات أو في اللغة العربية مشابهة ( أو أفضل أو أسوأ ) لمثيلاتها في الأقطار الأخرى، كما أنه من الصعب التأكد من مدى التقدم أو التأخر في مستويات التحصيل للمواد الدراسية ومقارنتها بالسنوات الماضية، كما أن الأنظمة التربوية العربية غير قادرة على تقدير مدى تحقق الأهداف الموضوعة لها. لذلك فإنه يؤكد على دعوة المعنيين للبدء بتكوين مؤسسات مختصة في التقويم التربوي، وإلى أن يحصل ذلك فإن أصحاب القرار والباحثين سيظلون عاجزين عن التشخيص الدقيق  لمشكلات المدارس وعن تطوير نظم فاعلة للمساءلة الإدارية.

ومن المفيد التأكيد على أن فاعلية نتائج التقويم وتأثيرها على عمليات التطوير ترتبط ارتباطاً مباشراً وقوياً بمدى الاعتماد على استخدام  أدوات مناسبة للتقويم تتميز بدرجة عالية من الدقة والكفاءة، فالتقدم الذي تحقق في مجالات العلوم الطبيعية يمثل نتيجة طبيعية للنجاحات التي تحققت في تطوير أدوات قياس متطورة ودقيقة للمتغيرات المختلفة، ولذلك فإن طبيعة المتغيرات التي يجري التعامل معها في العلوم النفسية والتربوية تجعل من تطور أدوات لقياس وتقويم مثل تلك المتغيرات في غاية الصعوبة والتعقيد، الأمر الذي يلقي  على عاتق الباحثين والمتخصصين التربويين أعباء ومسؤوليات إضافية، ويفرض عليهم بذل المزيد من الجهود من أجل تطوير أدوات جديدة لقياس وتقويم الظواهر والمتغيرات التربوية المختلفة، والارتفاع بمستوى الإعداد الفني لها، بحيث يتم بناؤها وفقاً للأسس العلمية المتطورة.

فضلاً عن ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الصعوبات التي تحول دون الاستفادة من الإمكانيات التي يوفرها التقويم التربوي،  قد يرجع  في بعض الأحيان إلى ضعف اهتمام الجامعات ومؤسسات التعليم العالي بتهيئة الفرص والمواقف المناسبة لتنمية مهارات المدرسين وخبراتهم في مجال إعداد الاختبارات ووسائل التقويم الأخرى واستخدامها وذلك في إطار برامج إعداد وتأهيل المدرسين التي تقدمها الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وبالعودة إلى الخطط  الدراسية لبرامج إعداد وتأهيل المدرسين، يتبين أن تلك الخطط في بعض الجامعات لا تتضمن مقررات دراسية متخصصة في مجال القياس والتقويم، وبالتالي فإن تلك الجامعات لا تبد الاهتمام المطلوب لتنمية خبرات المدرسين ومهارتهم في هذا المجال.

ويتبين من نتائج الدراسات أن نسبة الكادر البشري المتخصصين في مجال القياس والتقويم ما تزال ضئيلة ومحدودة، فحينما نقارن عدد المتخصصين والكفاءات العلمية في مجال القياس والتقويم بعدد المتخصصين وذوي الكفاءات العلمية في المجالات التربوية الأخرى يتبين النقص الواضح والملموس في عدد المتخصصين وذوي الكفاءات العلمية في مجال التقويم التربوي بالمقارنة بالمجالات الأخرى، وفي مثل هذا الوضع يتضح حاجة النظام التربوي القائم الملحة إلى مضاعفة عدد المتخصصين في مجال القياس والتقويم التربوي، وضرورة إعطاء مزيد من الاهتمام برفع مستوى  الكفاءة والتأهيل للعناصر المتخصصة في هذا المجال، والعمل على دعمها وتشجيعها على الاستمرار في التأهيل بغرض الوصول إلى مستويات متقدمة  من الخبرة والتخصص والكفاءة العلمية المتميزة في مجال القياس والتقويم التربوي.

وفي كل الأحوال فإنه بالرغم من الانجازات والجهود المبذولة، الإ أن الجهود القائمة ما زالت بعيدة عن الأساليب العلمية المتبعة في التقويم، فهي بحاجة إلى منهجية علمية تقوم على أساس التقيد بإتباع قواعد البحث العلمي وأساليبه، والاعتماد على إطار أو نموذج علمي يستند إلى نظريات القياس النفسي والتقويم التربوي، ويقدم صيغة واضحة المعالم لإستراتيجية محددة لتطوير التقويم التربوي. وهنا تبرز الحاجة إلى لمزيد من الإعداد والتدريب والحوار والمشاركة في ورش العمل المشتركة للعاملين في حقل التقويم على المستويين المحلي والعربي  بغرض توحيد المفاهيم وتطوير لأساليب التقويم ولمنهجيته والارتقاء بمستوى تأهيل الكادر البشري ورفع كفاءته.

إن الأوضاع المحيطة بواقع التقويم التربوي وعدم الاهتمام باستحداث نظم وآليات فاعلة للتقويم التربوي قد يرجع إلى النظرة السلبية القاصرة  للتقويم والمفاهيم الخاطئة المرتبطة بها التي تنشأ كنتيجة عن عدم إدراك لأهمية التقويم وتأثيرات الثقافة السائدة التي تناوئ التقويم الموضوعي الشامل وإتباع القواعد والأسس العلمية والابتعاد عن النزاعات الذاتية والأغراض الشخصية التي تحاول إضفاء النظرة الأحادية الضيقة للتقويم التي تقوم على أساس البحث عن السلبيات وتتبع واقتناص الأخطاء وتضخيمها وتحويل التقويم إلى برنامج عقوبات  ونظام محاسبة وتأديب، مما يستلزم التأكيد على أهمية التوعية بالتقويم ونشر ثقافة التقويم والتعريف به وبأهميته وبطبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به باعتبار أن الاهتمام بالتوعية ونشر ثقافة التقويم من الأمور الأساسية لنجاح العمل التقويمي وتعزيز دوره في تطوير العملية التربوية.

ثانياً : مشكلات التقويم التربوي ومعوقات تطويره :

من المعلوم أن الدولة سعت وتسعى على الدوام إلى نشر التعليم والتوسع في إنشاء المدارس ومؤسسات  التعليم على مستوى المراحل التعليمية كافة، ومتابعة الجهود الهادفة لتلبية احتياجاته  ومواجهة متطلباته، والعمل على معالجة شؤونه من خلال إنشاء أجهزته الإدارية والفنية وتنظيم عملها، إلا أنه بحكم تعدد الأعمال وتشعب المهام المؤكلة للأجهزة  والمؤسسات التعليمية، ونظراً لتضخم هذه الأعمال وأتساع حجمها وتعدد أنواعها وما يرافق ذلك من صعوبات وتعقيدات، فإن أداء تلك الأجهزة والمؤسسات والعاملين فيها ينفذ بمستوى متواضع من الكفاءة وبتكلفة مالية تزداد وتتضاعف مع مرور الزمن، كل ذلك يؤدي بلا شك إلى تدن في مستوى أداء الأفراد والمؤسسات تدريجياً ويرفع من كلفة التشغيل، ويضعف مستوى إنتاجية  النظام التعليمي وفاعليته.

إن الأوضاع المحيطة بالعملية التعليمية وما يرتبط بها من حالات الضعف والقصور ليست سوى نتيجة لغياب آليات التقويم الموضوعي الشامل لعناصر المنظومة التعليمية ومخرجاتها. فنظام التقويم القائم  يكاد ينحصر على الطالب وعلى قياس نتاجات التعلم المعرفي لديه باستخدام الاختبارات التحصيلية، ويهمل تقويم المؤسسات والأنظمة التعليمية والتربوية بجوانبها ومجالاتها المختلفة، وعلى الرغم من أهمية التقويم ودوره في عملية الإصلاح والتطوير للمؤسسات والأنظمة التعليمية والتربوية المختلفة، باعتبار أن التقويم يمثل المدخل الحقيقي للتطوير، فإن معظم التجارب التربوية في الوطن العربي تعثرت وأخفقت في تحقيق أهدافها بسبب أن التقويم لم يصبح جزءً عضوياً من الأنظمة التعليمية القائمة.

و إدراكاً لأهمية التقويم ودوره في عملية التطوير، وبحكم الحاجة القائمة لمعالجة أوضاع التقويم وتجاوز المشكلات التي تحول دون الاستفادة من الفرص والإمكانات التي يمكن أن يوفرها التقويم في النهوض بالعملية التربوية وتطويرها، وفي ضوء استعراضنا لواقع التقويم التربوي في بلادنا، يتبين أن الأوضاع القائمة للتقويم التربوي تعاني الكثير من جوانب الضعف والقصور التي تحول دون الاستفادة من فرص التقويم وإمكاناته في إنجاز عملية التطوير التربوي. وفي هذا الإطار يمكن رصد مشكلات التقويم التربوي وإجمالها فيما يأتي :

1- إن الأوضاع المحيطة بواقع التقويم التربوي وما يرافقها من مشكلات ترتبط بدرجة أساسية بالتأثيرات السلبية للنظرة التقليدية الضيقة لمفهوم التقويم التربوي التي ما تزال تسيطر على أذهان التربويين والعاملين في الحقل التعليمي والتربوي، فمن المعلوم أن النظرة السائدة للتقويم التربوي لدى الغالبية العظمى من المربين والعاملين في حقل التعليم ما تزال أسيرة المفهوم القاصر للتقويم بمعناه الضيق الذي يقتصر على الامتحانات المدرسية واختبارات التحصيل التي تهدف  لقياس نتاجات التعلم المعرفي لدى المتعلمين، والتحقق من قدرتهم على الحفظ  والتذكر، واسترجاع المعلومات والمعارف النظرية كلما اقتضت الحاجة.

2- تشير الدلائل إلى أن أساليب التقويم المتبعة حالياً لا تحقق الهدف من التقويم، وتمثل الامتحانات الأسلوب السائد في تقويم الجانب المعرفي في مستوياته الدنيا  وتكاد تقتصر على استخدام الاختبارات الشفوية والمقالية، وبصورة عامة فإن الاختبارات المستخدمة  تعاني من مظاهر ضعف وقصور عديدة، حيث تتميز بافتقارها للتوازن والشمول، وعدم التقيد بإتباع الإجراءات اللازمة لضمان تحقيق مستويات مقبولة في معاملات صدقها  وثباتها وفي مدى موضوعيتها، كما تتميز  أيضا بانخفاض قدرتها التمييزية وفي مدى ملاءمتها لمستويات الطلاب مما يؤثر بصورة سلبية على مستوى كفاءة الاختبار في أداء وظائفه، ويضعف من إمكانية  الاعتماد عليه والثقة في نتائجه .

3- تعاني الاختبارات التحصيلية الكثير من الاختلالات ومظاهر الضعف والقصور، وقد يرجع السبب في ذلك إما إلى أن غالبية المدرسين يعانون من نقص واضح في الخبرة وضعف المهارات الأساسية اللازمة لصياغة فقرات الأسئلة  وإعداد الاختبارات نتيجة لعدم حصولهم على التأهيل النظري والتدريب العملي اللازم لتنمية قدراتهم على إتقان المهارات المتصلة بصياغة الأسئلة وإعداد، أو قد يكون السبب في ظهور مثل هذه الاختلالات في المركزية الإدارية في تنفيذ الاختبارات وما يرافقها من إجراءات لطباعة الأسئلة وتوزيع الطلبة على لجان الاختبارات  واختيار الملاحظين وغير ذلك من الترتيبات المتصلة بتقدير الدرجات ور صدها وإعلان  النتائج.

4- من المعلوم أن معظم المشكلات التي تواجه الأنظمة التربوية العربية قد ترتبط في بعض جوانبها بغياب آليات التقويم الموضوعي والموحد للتحصيل بحيث يصعب على أي تربوي عربي  مقارنة  مستويات التحصيل المدرسي ومعرفة إن كانت مثل هذه المستويات في الرياضيات أو في اللغة العربية مشابهة  ( أو أفضل أو أسوأ )  لمثيلاتها في الأقطار الأخرى، كما انه من الصعب التأكد من مدى التقدم أو التأخر في مستويات التحصيل للمواد الدراسية ومقارنتها بالسنوات الماضية، كما أن الأنظمة التربوية العربية  غير قادرة على تقدير مدى تحقق الأهداف الموضوعة لها مما يستلزم الدعوة للمطالبة بإنشاء مؤسسات متخصصة في التقويم التربوي، وإلى أن يحصل ذلك فإن أصحاب القرار والباحثين سيظلون عاجزين عن التشخيص الدقيق لمشكلات المدارس وعن تطوير نظم فاعلة للمساءلة الإدارية.

5- ضعف اهتمام الجامعات ومؤسسات التعليم العالي في تحمل مسؤوليات وأعباء تهيئة الفرص والمواقف المناسبة لتحسين أداء أعضاء هيئاتها التدريسية، وتنمية خبراتهم وقدراتهم على إتقان مهاراتهم المهنية والتربوية، وتقديم المساعدة اللازمة لهم لتنمية معارفهم وتطوير مهاراتهم في صياغة الأسئلة وإعداد الاختبارات والوسائل التقويمية الأخرى.

وإلى جانب ذلك فإن نتائج التقصير في أداء الجامعات وآثاره السلبية امتدت لتشمل المدرسين من خريجي كليات التربية بسبب قصور برامج إعداد وتأهيل المدرسين  التي تقدمها كليات التربية في بعض الجامعات، وعدم حصولهم على التأهيل النظري والتدريب العملي اللازم لتنمية خبرات مهارات الأداء المهني والتربوي المتصلة بصياغة الأسئلة وإعداد الاختبارات، فمن المعروف أن الخطط الدراسية في مثل تلك الجامعات قد مضى عليها سنوات وعقود دون أن يمسها التطوير والإصلاح، ويتأكد ذلك بمراجعة الخطط الدراسية لبرامج إعداد المدرسين التي لا تتضمن أية مقررات دراسية لتأهيل المدرسين وأعدادهم في مجال التقويم التربوي وإعداد الاختبارات.

6- تزايد الحاجة لإعطاء المزيد من الاهتمام ببناء وتطوير أدوات ووسائل التقويم التربوي لاستخدامها في قياس وتقويم أداء الأفراد والمؤسسات والتأكد من فاعلية البرامج والمؤسسات التعليمية المختلفة، وإتباع القواعد والأسس والإجراءات العلمية في عمليات بناء أدوات ووسائل التقويم وتطويرها لضمان الارتقاء بها إلى مستوى مناسب من الدقة والكفاءة، وضرورة مراعاة طبيعة المتغيرات النفسية والتربوية وما يرتبط بها من صعوبات وتعقيدات تعكس نفسها على مستوى دقة وكفاءة أدوات ووسائل التقويم التي يجري تطويرها، مما يلقي على عاتق الباحثين والمتخصصين التربويين أعباء ومسؤوليات إضافية، ويفرض عليهم بذل المزيد من الجهود لمعالجة وتجاوز الصعوبات والتعقيدات المرافقة لعملية تطوير أدوات جديدة لقياس وتقويم الظواهر والمتغيرات التربوية المختلفة.

7- ندرة الدراسات  التقويمية  التي تقوم على أساس النظرة الشاملة لعناصر النظام التعليمي ومكوناته ووتتناول مدى تحقيق النظام التربوي لأهدافه الأساسية، وضعف الاهتمام بإجراء مثل تلك الدراسات، ويتأكد ذلك من نتائج بعض الدراسات التي أظهرت أن نسبة البحوث والدراسات التقويمية ضئيلة للغاية، بلى أنها تكاد لا تذكر، ومثل هذه الوضعية لا تنسجم مع تنامي ظهور العديد من البرامج التربوية والتغيرات المتسارعة في مجالات الحياة المعاصرة التي تتطلب من الباحثين ومراكز ومؤسسات البحوث ومن القائمين على الأنظمة التربوية الوقوف على البرامج القائمة، والعمل على تطويرها لتلبي احتياجات الحياة المعاصرة ومتطلبات عمليات التنمية.

8-قلة عدد المتخصصين في مجال القياس والتقويم التربوي، فالمعروف أن نسبة الكادر البشري  المتخصص في مجال القياس والتقويم التربوي ما تزال ضئيلة ومحدودة فحينما نقارن عدد المتخصصين وذوي الكفاءات العلمية   في مجال القياس والتقويم بعدد المتخصصين وذوي الكفاءات العلمية في المجالات التربوية الأخرى يتبين النقص الواضح والملموس في عدد المتخصصين وذوي الكفاءات العلمية   في مجال  التقويم  التربوي بالمقارنة بالمجالات الأخرى. مما يعزز القناعة بحاجة النظام التربوي الملحة إلى مضاعفة عدد المتخصصين في مجال القياس والتقويم التربوي، وضرورة إعطاء مزيد من الاهتمام برفع مستوى الكفاءة والتأهيل للعناصر المتخصصة في هذا المجال.

9- ضعف اهتمام الأنظمة التربوية العربية بتحديد الأساليب والمستويات والمعايير العلمية التي يجري التقويم في ضوئها، وتشير المنظمة العربية للتربية ( 1982) إلى أن الأنظمة  التعليمية العربية تعاني من نقص واضح في الأساليب والمستويات والمعايير العلمية التي تجري  بمقتضاها وعلى أساسها مقارنة نتائج التقويم وتفسير مستويات الأداء، حيث يكون من غير الممكن إصدار الحكم على أداء الفرد ومستوى الجودة والفاعلية وتفسيره الأمن خلال مقارنته بمستويات ومعايير جرى وضعها وتحديدها والاتفاق عليها بشكل مسبق. ويرجع السبب في ذلك إلى غياب المراكز والمؤسسات المتخصصة في مجال التقويم التربوي.

10- إن الأوضاع المحيطة بالعملية التعليمية وما يرتبط بها من ضعف في مستوى انتاجية النظام التعليمي وفاعليته، وتدن في مستوى أداء الأفراد والمؤسسات التعليمية وارتفاع كلفة تشغيلها، وعجزها عن مواكبة متغيرات العصر وضعف علاقتها بالتنمية، فضلاً عن حالة الجمود  المرافقة للنظم التعليمية والمناهج الدراسية القائمة، وما يترتب عن ذلك من إهدار في الموارد والإمكانيات يرتبط بدرجة أساسية بغياب التقويم وعجز الأنظمة التعليمية القائمة عن استحداث وتطوير آليات ونظم فاعلة للتقويم.

ويؤكد المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج ( 1981 ) على أن إهدار الجهود والإمكانات  وعدم الإفادة منها بالشكل الأمثل، يرجع إلى أن التقويم في الوطن العربي لم يكن في معظم الأمور جزءًً من النظام التعليمي، فالتقويم إذا لم يكن جزء عضوياً متفاعلاً داخل النظام التعليمي وجزءً من الخطط والبرامج التربوية، فإنه لا يمكن أن يقدم تغذية راجعة مستمرة يسهم في تعديل وتطوير المسار التربوي للنظام وللبرامج، وتزيد من كفاءته وفاعليته ونوعية مخرجاته، وفي هذا السياق تبرز الحاجة إلى اعتماد إستراتيجية شاملة ومتكاملة للتقويم التربوي، تقوم على أساس تحقيق التكامل والارتباط العضوي الدينامي بين التقويم وعناصر العمل التعليمي.

11- ضعف الأنظمة التربوية العربية وقصورها في تنفيذ خططها وتحقيق أهدافها، واتساع الفجوة القائمة التي تفصل بين ما هو كائن وبين ما ينبغي أن يكون أو بين واقع حال هذه الأنظمة وبين ما تسعى لتحقيقه من أمال وطموحات، فالكثير الأنظمة التربوية العربية لا تزال بعيده وغير قادرة على الأخذ بالاتجاهات الحديثة والنظم الفاعلة في مجال الإصلاح والتطوير التربوي، التي لا يمكن تطبيقها إلا من خلال جهة متخصصة بالتقويم التربوي تتولى عملية تنفيذ تلك الاتجاهات والنظم التي تشمل تطبيق معايير نظام الجودة الشاملة في التعليم، والتوجهات المرتبطة بتمهين التعليم، وتطبيق نظام  متكامل للاعتمادية يقوم على أساس استيفاء الشروط والمعايير والمواصفات الأساسية اللازم توافرها في العاملين والمؤسسات والبرامج التعليمية القائمة، واستحداث نظم فاعلة لمساءلة النظام التربوي بمستوياته المختلفة كافة.

وبناءً عليه فإن الأخذ بنظام الاعتمادية  واستحداث نظام المساءلة يستلزم تبني آلية متكاملة للتقويم الموضوعي والشامل للأداء لجميع الأطراف، والتأكد من مدى استيفاء كل طرف للشروط والمعايير  والمواصفات الأساسية وذلك لاتخاذ القرارات المناسبة لتحديد الأطراف التي تستحق الاعتماد ويمكن إن تمنح الشهادات التي تخول لها الحق في ممارسة العمل والترخيص بمزاولة المهنة، وتفسير عواقب وقرارات الثواب والعقاب للحالات التي تظهر تقدماً أو تقصيراً، وبطبيعة الحال فإن عملية تنفيذ كل تلك الإجراءات واتخاذ القرارات وإصدار الشهادات وتنفيذ قرارات  الثواب والعقاب المتصلة بمنح الحوافز وغيرها تتطلب  إنشاء مركز مستقل متخصص بالتقويم  العلمي والمؤسسي الشامل.

12- إن أوضاع التقويم التربوي والمحاولات التقويمية التي تجري في إطارها تشير إلى أن الآليات والأساليب المتبعة في إجراء عمليات التقويم مازالت بعيدة عن الأساليب العلمية المتبعة في التقويم، فهي بحاجة إلى اعتماد منهجية علمية تقوم على أساس التقيد بإتباع قواعد البحث العلمي وأسسه وأساليبه، والاعتماد على إطار أو نموذج علمي يستند إلى نظريات القياس النفسي والتقويم التربوي، ويقدم صيغة واضحة  ومحددة لتطوير  التقويم التربوي. وهنا تبرز الحاجة لمزيد من الإعداد والتدريب والحوار والمشاركة في ورش العمل المشتركة لأساليب التقويم لمنهجيته والارتقاء بمستوى تأهيل  الكادر البشري ورفع كفاءته.

13- شيوع النظرة السلبية القاصرة للتقويم وانتشار المفاهيم الخاطئة المرتبطة بها في أو ساط المربين التي نشأت بفعل تأثيرات الثقافة السائدة المناوئة للتقويم، حيث يتركز الاهتمام في البحث عن السلبيات وتتبع جوانب الضعف والقصور، واقتناص الأخطاء والعمل على تضخمها والاكتفاء باتخاذ القرارات والإجراءات العقابية، ولذلك فلا بد من التخلي  عن النظرة السلبية الضيقة وتأكيد المفهوم الإيجابي للتقويم، والعمل على تنفيذ إجراءات التقويم العملي الموضوعي الشامل والاعتماد على نتائج التقويم في اتخاذ القرارات المناسبة لمعالجة السلبيات وتعزيز الايجابيات، وبناءً عليه ينبغي التأكيد على ضرورة الاهتمام بالتوعية بالتقويم ونشر ثقافة التقويم  والتعريف به وبأهميته وبأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه في النهوض بالعملية التربوية وتطويرها.

المتطلبات الأساسية للنهوض بواقع التقويم التربوي وتطويره :

تشير نتائج البحوث والدراسات المستقبلية أن العلم أصبح يمثل العامل الأكثر أهمية  في حياة الإنسان حاضراً ومستقبلاً، فالتقدم العلمي والتكنولوجي بما يفرضه من تطور هائل في مجالات الفضاء والطاقة والالكترونيات والهندسة الوراثية والتكنولوجيا  الحيوية، والثورة المعلوماتية التي حدثت نتيجة للطفرة الهائلة في تكنولوجيا الاتصالات من خلال العشر سنوات الأخيرة من القرن العشرين، تسببت في أن تتغير المعايير المتبعة في ترتيب المجتمعات والدول وتحديد مدى تقدمها، فقد أصبحت مكانة الدولة وأهميتها تعتمد على رصيدها المعرفي ومقدرتها في اقتحام مجتمع المعرفة أو مجتمع التعلم، وكفاءتها في اختزال وتضييق الفجوة الرقمية ( الرازحي، 2004 ).

فالمعروف أن العالم يقف حالياً على أعتاب ثورة تعليمية جديدة، فالمؤسسات التعليمية تعمل في ظروف تتعرض لتحولات عميقة وسريعة بفعل قوى مادية وفكرية خارج نطاق سيطرة المؤسسة التعليمية، كما أن العصر الذي نعيشه يتسم بسرعة الأحداث وديناميتها فما نشهده من ثورة في المعلومات وفي معدل تدفقها أسهم بفعالية في تضاعف المعرفة  الإنسانية في فترة زمنية قصيرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين وفي مقدمتها المعرفة العلمية والتكنولوجية، وأصبح حجم المعرفة الإنسانية يتضاعف الآن مرة  واحدة كل ثمانية عشر شهراً، لذلك لم تعد المعرفة ثابتة أو محدودة، ولكنها أصبحت دينامية متغيرة ولا نهائية.

وبفضل ما حققته شبكات الاتصال والمعلومات العالمية من إزالة للعوائق والحواجز بين الدول، وتسهيل التواصل بين الشعوب وضعت الإنسان أمام مفهوم  جديد للزمان والمكان، وأصبح العصر الحالي يوصف بأنه عصر السماوات المفتوحة، وترتب عن ذلك جملة من النتائج التي أسهمت في التقارب بين الشعوب والتداخل في الثقافات التي تتعرض كل يوم  إلى طوفان من الرسائل الإعلامية وما يرتبط بها من تأثيرات وضغوط وتغيرات اجتماعية وثقافية، مما يحمل النظم التعليمية واجبات ومسؤوليات وأعباء إضافية تفرض عليها التفاعل الايجابي مع كل تلك المتغيرات والسعي الجاد للارتقاء بالمتعلمين إلى مستوى اكتساب القدرة على مواجهة متغيرات الحياة المعاصرة ومستجداتها بدرجة من الكفاءة والايجابية والمسؤولية ( وزارة التربية، 2001 ).

إن حالة الجمود المرافقة للنظم التعليمية وضآلة التكامل والتوازن والملائمة لمناهج والبرامج الدراسية القائمة وضعف ارتباطها بالتنمية، وتصلب بعض واضعي المناهج والميل للمحافظة عل كثرة الموضوعات والمقررات  الآيلة للسقوط على حساب الموضوعات والقضايا المعاصرة والمستقبلية كالتكنولوجيا والهندسة الوراثية والجينوم والمعلوماتية وظاهرة التعقد وهندسة الفتافيت وضعف ارتباط أساليب التدريس بنظريات التعلم الحديثة والمعاصرة، وما يرافق ذلك من أثار وسلبيات تؤدي إلى ضآلة وانحسار المنهج المحصل فعلاً مقارنة بالمنهج المنفذ، يرتبط بدرجة أساسية إلى غياب التقويم المستمر الفعال  وضعف الاهتمام بتطوير آليات ونظم فاعلة للتقويم.

وبموجب ذلك، وفي ضوء كل ما سبق، وتقديراً لأهمية التقويم التربوي باعتباره يمثل وظيفة ضرورية لكل   نظام ينشد التطوير والسعي نحو الأفضل، حيث لا يمكن لأي نظام التقدم والسير في مساره الصحيح إذا ما استبعد عملية التقويم المستمر للتحقق من فاعليته، والاعتماد عليه في عملية التطوير، ونظراً للحاجة القائمة للنهوض بأوضاع التقويم التربوي، وتطوير آليات ونظم فاعلة للتقويم التربوي، يمكن الخروج بتصور متكامل يتضمن معالم ومتطلبات تطوير التقويم التربوي، ورصدها وتحديدها فيما يأتي :

  • الإسهام في ترسيخ النظرة الإيجابية لمفهوم التقويم بمعناه الشامل، ومساعدة التربويين والعاملين في الحقل التعليمي على التحرر من أسرة النظرة التقليدية الضيقة لمفهوم التقويم التربوي، والأخذ بالمفهوم الحديث للتقويم التربوي، وتنفيذ إجراءات التقويم العلمي الشامل لعناصر المنظومة التعليمية ومكوناتها وتحقيق درجة من التكامل والارتباط العضوي الدينامي بين التقويم وعناصر النظام التعليمي باستخدام مقاييس وأدوات علمية وعملية لجمع بيانات ومعلومات كمية ونوعية وملاحظات ميدانية عن أداء الإفراد والمؤسسات ومدى النجاح في تنفيذ البرامج والسياسات والخطط بغرض اتخاذ القرارات  الرشيدة والأحكام الموضوعية حول فاعلية الأداء ومستوى جودة المخرجات التعليمية سعياً للارتقاء بها إلى مستوى أفضل.
  • إعادة النظر في أساليب التقويم المتبعة، والعمل على تطويرها وفق رؤية جديدة تقوم على أساس إتباع القواعد والأسس العلمية في إجراء التقويم الموضوعي الشامل وتحقيق التكامل والارتباط العضوي الدينامي بين التقويم وعناصر العمل التعليمي، والاهتمام بتقويم العملية التعليمية بجميع عناصرها ومكوناتها، وبمجالاتها وجوانبها كافة، بمستوياتها النظرية والعملية، والتأكيد على ضرورة أن تشمل عملية تقويم تعلم الطالب الاهتمام بتقويم نتاجات التعلم كافة، وأن تتناول جميع الجوانب المعرفية والوجدانية والمهارية دون الاقتصار أو الاكتفاء بتقويم نتاجات التعلم في المجال المعرفي فقط، والعمل على استخدام أساليب ووسائل متنوعة لتقويم نتاجات التعلم في المجالات المختلفة.
  • الاهتمام بتطوير آليات التقويم الموضوعي للتحصيل، والاعتماد على تطبيق معايير ومواصفات واضحة ومحددة، والتأكد من مدى استيفاء المخرجات ومطابقتها واتفاقها مع المعايير والمواصفات المطلوبة، حتى يكون بالإمكان الحكم والمقارنة بين مستويات الأداء المختلفة، والتاك من مدى التقدم والتأخر في مستويات التحصيل. وبهذا الخصوص يمكن التأكيد على أهمية إنشاء بنوك لأسئلة الاختبارات المقننة وتقديم الخدمات اللازمة للمعلمين في الحصول على أسئلة الاختبارات التي تلبي احتياجاتهم واحتياجات المدارس بدرجة مناسبة من السرعة والدقة.
  • الابتعاد عن الشكلية والمركزية في إدارة الاختبارات وتنفيذها والتخلي عن الخطوات والإجراءات الهادفة إلى تكريس الأساليب المركزية المرتبطة بطباعة الاختبار وتوزيع الطلبة على اللجان وفي القاعات واختيار الملاحظين وتوزيعهم، وإعادة النظر فيها وفي الإجراءات الأخرى المرتبطة بمراجعة النتائج ورصدها وإعلانها.

وفي ضوء ذلك فإن الحاجة تدعو إلى إعادة النظر في النظام الحالي المتبع في إدارة الاختبارات، واتخاذ الخطوات والإجراءات الكفيلة بإصلاح أوضاع الاختبارات، والتخلص من العيوب والاختلالات والظواهر السلبية المرافقة لها كانتشار الغش وضياع الوقت وإهدار الإمكانيات وضعف الثقة بالمدرس، والنظر في إمكانية نقل المهام والمسؤوليات ذات الصلة بالاختبارات إلى المدرس، وينبغي التأكيد على أهمية إطلاع الطالب على ورقة الإجابة  والنتيجة التي حصل عليها، وضرورة إعطائه الفرصة لابد ملاحظاته ومناقشة المدرس حول النتيجة التي حصل عليها ( الرازحي، 2006 ).

  • توجيه الجهود لتنمية قدرات أعضاء هيئات التدريس العاملين في الجامعات اليمنية، وتطوير خبراتهم ومهاراتهم في إعداد الاختبارات ووسائل التقويم الأخرى ، والعمل على تنظيم الدورات والبرامج التدريبية الهادفة إلى الارتقاء بمستوى عضو هيئة التدريس في مجال الأداء المهني والتربوي واكتساب مهارات صياغة الأسئلة وإعداد الاختبارات والتقنيات التقويمية الأخرى، إلى أن يتغني عنها، نظراً لأنها تشكل حجر الزاوية لنجاحه في ممارسة مهنة التدريس وتحسين أدائه ورفع كفاءته في إنجاز المهام المتصلة بها.

ومن المفيد التأكيد هنا على ضرورة العمل على ترسيخ القواعد والأسس الكفيلة بتمهين التعليم في جميع المراحل، واتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لتطوير البنية التشريعية ووضع القواعد والمعايير المطلوبة للالتحاق بمهنة التدريس المناسب في المجال المهني والتربوي وربط عملية القبول للعمل بمهنة التدريس. وتجدر الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بتطوير البرامج التي تقدمها معاهد وكليات التربية في مجال تأهيل وإعداد المدرسين واتخاذ الإجراءات المناسبة لاعتماد المساقات الدراسية في مجالات الإحصاء والقياس والتقويم والبحث التربوي والتعامل معها كمجموعة متكاملة تغطي مجالا أساسياً من مجالات المعرفة والتأهيل المهني والتربوي، واعتمادها كمساقات إجبارية في إطار الخطط الدراسية لبرامج تأهيل وإعداد المدرسين.

  • بذل المزيد من الجهود للتغلب على النقص القائم في وسائل التقويم وأدواته، والاهتمام بإجراء المزيد من الدراسات والبحوث التي تهدف إلى إعداد وتطوير الأدوات اللازمة للتقويم كالمقاييس والاختبارات بأنواعها المختلفة، والارتقاء بمستوى الإعداد الفني لوسائل التقويم بحيث يتم بناؤها وفقاً للأسس العلمية المتطورة للقياس النفسي والتربوي، وتشجيع الباحثين والمعلمين وتدريبهم على بناء أدوات التقويم، وقد أسهمت المراكز المتخصصة في التقويم التربوي في البلاد المتقدمة توفير المئات من المقاييس وأدوات التقويم المعدة وفق الأساليب والطرق العلمية، والتي يمكن ان تقيس الأهداف المختلفة، التي تتناول مجالات التعلم ونمو شخصية الطالب من جميع جوانبها، وتقويم أداء الأفراد العاملين في الحقل التعليمي، والتأكد من فاعلية البرامج والمؤسسات التعليمية وجودة مخرجاتها.

ومن المسلم به أنه كلما توفرت أدوات القياس الملائمة وتمكن المدرس من الحصول عليها، كلما تهيأت للمدرس الفرص المناسبة لوضع برنامج متكامل للتقويم التربوي يسهل عمل المدرس، ويمنح التقويم  قدراً أكبر من الدقة والكفاءة والثقة في نتائجه، وفي هذا الإطار يكون من المناسب التأكيد على الارتباط الوثيق والعلاقة المباشرة بين النجاحات المتحققة في تطوير أدوات قياس متطورة ودقيقة للمتغيرات التربوية المختلفة، وبين التقدم الذي يمكن تحقيقه في العلوم التربوية.

  • تشجيع الباحثين والمتخصصين التربويين في مراكز البحوث والمؤسسات الأكاديمية والتعليمية القائمة على بذل الجهود والاهتمام بإجراء البحوث والدراسات التقويمية التي تقوم على أساس النظرة الشاملة للنظام التعليمي بعناصره ومكوناته المختلفة، وتهدف إلى تناول مدى تحقيق النظام التعليمي لأهدافه، والتأكد من  مدى جودة مخرجات النظام التعليمي ومدى اتفاقها ومطابقتها للمعايير والمواصفات المطلوبة.

وترتبط أهمية التقويم بالنتائج المترتبة عنه، وبمدى قدرته على مواكبة التنامي المتزايد للتجديدات التربوية وظهور برامج تربوية جديدة، وبمدى استجابته للتغيرات المتسارعة في مجالات الحياة المعاصرة، مما يحتم على الأنظمة التربوية بما في ذلك الباحثين والمتخصصين  التفاعل الإيجابي ومواجهة المستجدات العلمية والتطورات التكنولوجية، وإجراء المزيد من المراجعة للأهداف والخطط  والبرامج التربوية وتحقيق المزيد من الالتحام مع متطلبات التنمية وحركة التقدم الاجتماعي واحتياجات النهوض العلمي، والتأكيد على الجانب الكيفي في التعليم. ( المنظمة العربية، 1982، الرازحي ، 2004 ).

  • إفساح المجال أمام العناصر المتميزة من خريجي كليات التربية وتشجيعهم على مواصلة الدراسة والتأهيل وتنمية خبراتهم وكفاءتهم العلمية  والتخصص في مجالات القياس والتقويم التربوي، وفي هذه المجال يمكن الاستفادة من الفرص والإمكانات المتاحة لدى الجامعات اليمنية لاعتماد برامج للدراسات العليا في مستوى الماجستير والدكتوراه لقبول الراغبين في مواصلة الدراسة والتأهيل  والتخصص في مجالات القياس والتقويم التربوي، وذلك بغرض الإسهام في مضاعفة أعداد المتخصصين من ذوي الكفاءات العليمة المتميزة في هذه المجالات، وإعطاء المزيد من الاهتمام برفع مستويات التأهيل والكفاءة للعناصر التربوية المتخصصة في المجالات المختلفة، والعمل على مواجهة النقص القائم لكادر البشري المتخصص في مجالات القياس  والتقويم التربوي وفي غيرها من مجالات التخصص الأخرى.
  1. الاهتمام بوضع وتحديد المحكات والمستويات والمعايير العلمية التي يجري التقويم في ضوئها، وذلك نظراً لأهمية تحديد مثل تلك المحكات والمعايير في إجراء عملية التقويم، وترتبط أهمية تلك المحكات والمعايير بما توفره من إمكانية لتفسير أداء الفرد ومدى اتفاقها ومطابقتها لهذه المحكات والمعايير، فهي بذلك تعطي دلالة على مدى كفاءة الفرد في القيام بأعمال معينة، كما يمكن بمقتضاها إجراء المقارنات ومعرفة مدى التقدم الذي تحقق في أداء الفرد في مراحل معينة.

والمعروف أن عملية وضع المحكات والمعايير العلمية التي تستخدم في عملية التقويم تسهم بدور إيجابي في الارتقاء بعملية التقويم وتطوير آليات ونظم فاعلة للتقويم، ففي غياب تلك المحكات والمعايير يكون من غير الممكن إصدار الحكم على أداء الفرد ومستوى الجودة أو مقارنته أو تفسيره ألا من خلال تلك المحكات والمعايير التي جرى وضعها وتحديدها والاتفاق عليها بشكل مسبق.

  • اعتماد إستراتيجية شاملة ومتكاملة للتقويم التربوي، تقويم على أساس تحقيق التكامل والارتباط العضوي الدينامي بين التقويم وبين عناصر العمل التعليمي، سواء في أهداف التعليم أو في مناهجه وبرامجه وأساليبه والقائمين عليه، فالتقويم إذا لم يكن جزءً عضوياً متفاعلاً داخل النظام التعليمي، وجزءً من الخطط والبرامج التربوية، فإنه لا يمكن أن يقدم تغذية راجعة مستمرة يسهم في تعديل وتطوير المسار التربوي للنظام، وتزيد من كفاءته وفاعليته ونوعية مخرجاته، مع الأخذ بعين الاعتبار أن إصلاح نظام التقويم التربوي لا بد وأن يتم في إطار فلسفة تربوية شاملة تحكم العملية التربوية، في ضوء إستراتيجية تطوير التعليم وتحسينه.
  • إنشاء مركز وطني مستقل ومتخصص بالتقويم التربوي للقيام بمهامه لتقدير مردود الجهود المبذولة والأموال المرصودة في مجال التعليم، والتأكد من مدى قدرة النظام التعليمي على تحقيق أهدافه، والخروج برؤية إستراتيجية حول ما يجب عمله، ووضع الخطط والبرامج الهادفة إلى تحسين مؤسسات التعليم وتنميتها وتطويرها مع تحديد المسؤولية والمحاسبة عليها، لكي يصبح التقويم عملية مستمرة وشاملة لا تنقضي بمجرد إعطاء درجة أو تقدير أو إعداد تقرير، بل ينبغي أن تتواصل العملية لتقترن النتائج والأحكام التي تم التواصل إليها بوضع خطط تصحيحية وتطويرية وتطوير سياسات مناسبة لتحسين الأوضاع القائمة والارتقاء بها إلى مستوى أفضل.                                                                                                                                                            وفي الوقت ذاته فإن أهمية إنشاء المركز الوطني لتقويم التربوي ترتبط  بتزايد الحاجة للأخذ بالاتجاهات  الحديثة والنظم الفاعلة في مجال الإصلاح  والتطوير التربوي التي لايمكن تطبيقها إلا من خلال المركز المتخصص  بالتقويم التربوي يتولى عملية تنفيذ تلك الاتجاهات والنظم التي تشمل تطبيق معايير نظام الجودة الشاملة في التعليم،  والتوجهات المرتبطة بتمهين التعليم، وتطبيق نظام متكامل للاعتمادية، واستحداث نظم فاعلة لمساءلة النظام التربوي بمستوياته المختلفة كافة. كما تتأكد أهمية إنشاء المركز الوطني للتقويم التربوي، بحكم حاجة النظام التعليمي لإنجاز  مهام  التقويم المستمر  الشامل للأداء المدرسي وذلك من خلال :
  • رصد الواقع المدرسي بمختلف جوانبه لتحديد نقاط القوة والضعف لتعزيز جوانب القوة ومعالجة جوانب الضعف.
  • مساعدة العاملين في المدرسة من مديري مدارس ومعلمين وغيرهم على النمو المهني وتحسين مستوى الأداء.
  • التطوير المستمر للأداء المدرسي والبحث عن انسب السبل والبدائل التي تحقق فاعليته وتطويره باستمرارية.
  • تقديم معلومات حقيقية ودقيقة عن أوضاع التعليم في المدارس وعن مستويات التحصيل الدراسي في المواد الدراسية المختلفة، وعن المشكلات التي تواجه العملية التعليمية فيها وإصدار أحكام موضوعية عن الأداء المدرسي في ضوء تلك المعلومات.
  • تزويد المدارس بأدلة التقويم ومواصفات الاختبارات ومساعدتها على تطوير قدراتها في مجال التقويم.
  • مراقبة مستويات التعليم وجودته، وجمع بيانات ميدانية شاملة عن العملية التعليمية بمختلف جوانبها ومجالاتها ، والوقوف  على أحوال التعليم المدرسي وأساليب ومستويات الداء ( المركز القومي، 2001 والرازحي، 2007 ).                                                                  فضلاً عن ذلك، فإن مثل هذا المركز يمكن أن يتولى العديد من المهام المتعلقة بإعداد الاختبارات المقننة وإنشاء بنوك للأسئلة تسهم بتقديم الخدمات للمدرسين وتلبية حاجاتهم في الحصول أسئلة الاختبارات، والاهتمام برفع كفاءة الكادر الوطني في مجال التقويم التربوي، وإجراء الدراسات والبحوث التقويمية الهادفة إلى تقويم فاعلية وإنتاجية المؤسسات التعليمية، والإسهام بتنمية الخبرة الوطنية في مجال الاختبارات  والتقويم التربوي، ومتابعة  الاتجاهات الحديثة في مجال التقويم التربوي. وبهذا الخصوص تجدر الإشارة إلى مضامين البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبد الله صالح فيما يتصل بالتأكيد على أهمية إنشاء مركز وطني مستقل للتقويم والقياس التربوي لتحسين منظومة التقويم في قطاع التعليم، والاستفادة من الجهود والإسهامات التي قدمت بغرض استجلاء المهام  والوظائف التي يمكن للمركز أن يتولى  القيام بها وإنجازها وتحديد  الدور الذي يمكن أن يلعبه في النهوض بالعملية التربوية وتطويرها ( الرازحي 2004  والمؤتمر الشعبي العام، 2006 والرازحي 2007 ).
  • تشجيع الجهود المبذولة من قبل الباحثين والمؤسسات العلمية الهادفة لتطوير الآليات والأساليب المتبعة في إجراء عمليات التقويم، واعتماد منهجية علمية تقوم على أساس التقيد بإتباع قواعد البحث العلمي وأسسه وأساليبه، وتبني إطار أو نموذج علمي يستند إلى نظريات القياس النفسي والتقويم التربوي، ويقدم صيغة واضحة ومحددة لتطوير التقويم التربوي، وفي هذا الإطار فإنه من الضروري توجيه الاهتمام بتطوير العلاقات بين المؤسسات العلمية والأكاديمية على المستوى العربي والإقليمي والدولي، وبذل المزيد من الجهود في مجال الإعداد والتدريب والحوار والمشاركة في اللقاءات والمؤتمرات وورش العمل العلمية المشتركة الهادفة للبحث في إمكانية تطبيق الأساليب والاتجاهات الحديثة وتطوير منهجية علمية في مجال التقويم والارتقاء بمستوى تأهيل الكادر البشري ورفع كفاءته.
  • العمل على تهيئة المناخ المناسب لتصحيح المفاهيم الخاطئة المترسخة في أذهان التربويين والعاملين في الحقل التعليمي والتربوي وغيرهم حول التقويم والتي تقوم على أساس تأكيده النظرة السلبية الضيقة للتقويم، والإسهام بدور إيجابي للتوعية بالتقويم ونشر ثقافة التقويم والتعريف به وبأهميته وبأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه في النهوض بالعملية التربوية وتطويرها، باعتبار أن الاهتمام بالتوعية ونشر ثقافة التقويم من الآموار الأساسية لنجاح عملية التقويم، ويسهم بتعزيز القناعة بضرورة التخلي عن النظرة السلبية وتأكيد المفهوم الإيجابي للتقويم، وبأهمية العمل على تنفيذ إجراءات التقويم العلمي الموضوعي الشامل والاعتماد على نتائج التقويم في اتخاذ القرارات المناسبة لمعالجة السلبيات وتعزيز الإيجابيات.

وبهذا الخصوص يمكن تنفيذ مجموعة من النشاطات والفعاليات الهادفة للتوعية بالتقويم ونشر ثقافة التقويم، كتنظيم اللقاءات والندوات العلمية وإعداد النشرات وإصدار أدلة التقويم على مستوى المجالات والتخصصات المختلفة لمساعدة المعلمين والعاملين في الحقل التربوي على ممارسة عملهم وأداء واجباتهم في مجال التقويم وفق الأساليب العلمية السليمة، وفي هذا المجال يمكن التأكيد على أهمية عقد البرامج والدورات التدريبية للمدرسين والعاملين في الحقل التعليمي في مجال التقويم التربوي، وذلك لما لهذه البرامج والدورات من فاعلية وتأثير في تصحيح المفاهيم الخاطئة وتأكيد النظرة الإيجابية للتقويم.
________

*أ.د. عبد الوارث عبده سيف الرازحي.

جديدنا