وليم هيوإل..ناقدًا فرنسيس بيكون ومناظراً جون ستيوارت مل

image_pdf

تقديم   

هناك رواد تنحسر عنهم أضواء الشهرة في تاريخ فلسفة العلم الحديث بسرعة لافتة للنظر، مع أن هذا التاريخ يؤكد عند استنطاقه أنهم أسهموا قدر استطاعتهم في الارتقاء بالمنهج العلمي، وعملوا قدر طاقتهم على أن ينقلوا ما عرفوه إلى بني وطنهم، وعلى أن يبدعوا في أكثر من مجال، مثل أقرانهم الأكثر شهرة الذين كان عليهم الإسهام في كل مجال من مجالات العلوم المختلفة، استجابة إلى تحديات التخلف في مجتمعهم، ورغبة في الوقت نفسه في الارتقاء بهذا المجتمع.

ويعد ” وليم  هيوإل ” William Whewell   ( 1794-1866) واحداً من هؤلاء رواد فلاسفة العلم الإنجليز في القرن التاسع عشر، الذين انحسرت عنهم أضواء الشهرة في تاريخ فلسفة العلم الحديث ؛ حيث أنه قلما يذكر اسمه في الكتابات التي تتناول تاريخ العلم وفلسفته، مع العلم بأن هذا الرجل كان واحداً من أهم وأشهر فلاسفة العلم في القرن التاسع عشر الذين اهتموا بنظرية البدء بالفرض، وهي نظرية منهجية قد فرضتها طبيعة العلم والابستمولوجيا العلمية بعد ذلك في القرن العشرين (1)، كما كان أحد الذين اهتموا بمشكلة المعرفة أكثر من مشكلة الوجود، فتناول بالنقد كل العلوم القائمة، وناقشوا أسسها ومبادئها، وأعادوا النظر فيها من جديد من خلال المعايير التي حاول كل مذهب فلسفي من خلالها أن يميز بين العلم واللاعلم من خلال التحليل والضبط المنطقي في ضوء الحاجات الجديدة للعلم (2).

وكان أيضاً عالماً وعضواً في الجمعية الملكية للعلوم، وبفضله وضعت الجمعية مصطلح  ” عالم ” – Scientist  على كل من يعمل بالعلم الطبيعي . درس علم المعادن، وله أعمال في الفلك والفيزياء العامة والميكانيكا، قيل عنها إنها أساسا كتابات تعليمية، ولكنه ساعد ” فرادي “- faraday في وضع عدد من المصطلحات المهمة في مجال الصلة بين الكهرباء والتحاليل الكيمائية  (3)؛ مثل : القطب الموجب (Anode)، القطب السالب (Cathode)، والأيون ( Ion) (4).

وهو أيضا مؤرخ للعلم في عصره الذي لم يهتم بتاريخ العلم إلا قليلا وتركه للمحاولات الفردية.. أصدر  هيوإل في العام 1837 ” تاريخ العلوم الاستقرائية منذ البداية حتى العصر الراهن ” :،   History of The Inductive Sciences From The Earliest to The Present Time  في ثلاثة مجلدات،في هذا الكتاب يؤكد ” هيوإل” أن تقدم العلم واطراد مسيرته يعتمد في الأساس على قدرة رجال الفكر وعباقرة العلم على الإتيان بتصورات وخلق الفكر وعباقرة العلم على الإتيان بتصورات جديدة وخلق أفكار واضحة، ليعملوا بعد ذلك على تطبيقها في شتي مناحي الحياة العلمية. وكان “هيوإل” يرى أنه لما كانت مسيرة العلم تجسد حلقات، أو أزمنة يحيا فيها العلم وينتعش من بعد جمود، فإن العلم يزدهر بطبيعة الحال خلال فترات أطلق عليها اسم ” الفترات الاستقرائية “. أما فترات الجمود فإنها هي التي تفصل بين فترتين استقرائيتين على امتداد الزمن. ولذا صارت ظاهرة ازدهار العلم فيهما يرتفع شأنه حيناً، ثم ما يلبث أن يتراجع وتخبوا جذوته حينا آخر وهكذا. ولم يتوانَ “هيوإل” عن طرح أمثله لتصوراته، فراح يذكر أن أول فترة استقرائية هامة قد حدثت في عهد اليونان القدامى، ثم أعقبتها بعد ذلك فترة جمود تعرف بالعصور الوسطي. وعلى الرغم مما يبديه التصور العادي من تأييد لوجهة نظر هذا الرجل، إلا أن المشكلة تظل قائمة دونما حل أكيد. إذ لم يذهب “هيوإل” على نحو مقنع تماما : لماذا يزدهر العلم في الفترة أو ينحسر أثره في تلك (5).

ثم أصدر “هيوإل” عام 1840 كتابا آخر بعنوان ” فلسفة العلوم الاستقرائية المؤسسة على تاريخها : Philosophy of The Inductive Sciences Founded Upon Their History. وفي مواجهة النزعة الاستقرائية التجريبية المتطرفة اللا تاريخية، يؤكد هذا الكتاب أن فلسفة العلم لا تدرك المنهج العلمي حق الإدراك إلا من خلال فاعليته عبر تاريخ العلم، لذلك يتلاحم في عنوان الكتاب الطرفان : تاريخ العلوم الاستقرائية وفلسفة العلوم الاستقرائية، وصدرت لهذا الكتاب طبعة ثالثة مزيدة  وموسعة تحت ثلاثة عناوين مستقلة ” الأول ” تاريخ الأفكار العلمية ” History of Scientific Ideas  في مجلدين سنة 1858، والثاني في العام نفسه بعنوان ” إحياء الأرجانون الجديد ” Novum Organon Renovatum، والثالث ” في فلسفة الكشف ” on The Philosophy of Discovery سنة 1860م.

لكل ما سبق قصدت إلى إنجاز ورقة عن ” وليم  هيوإل..ناقداً فرنسيس بيكون ومناظراً جون ستيوارت مل “، أتوخى من خلالها التعرف على مفهوم الفرض العلمي ووظائفه وأهميته، وهل نجح” هيوإل” في الوصول إلي المنهج الفرضي الاستنباطي أم لا ؟. كل هذه الأمور سوف نكشف عنها من خلال  إلقاء الضوء على فلسفة “هيوإل” وتحليل عناصرها الأساسية عبر تطورها، ثم إعادة بنائها في ضوء المناقشات التي أحاطت بها، والانتقادات التي تعرضت لها. وعلى هذا فإن هذا البحث يرمي إلى فهم وتأويل فلسفة” هيوإل” في الفرض العلمي، بالإضافة إلى تعديلها أحيانا أو الدفاع عنها أحيانا أخرى.

وقد اعتمدنا في هذه المهمة على منهجين، وهما : المنهج التاريخي والمنهج النقدي. وقد استخدمنا المنهج التاريخي بمعنيين : أولا بمعني الرجوع إلي الوقائع التاريخية التي يعتمد عليها “هيوإل”، وثانيا بمعنى تطور فكر  هيوإل عبر مراحله الزمنية. واستخدمنا كذلك المنهج النقدي بمعنيين : قصدنا بالمعنى الأول فحص وتحليل النتائج التي انتهى “هيوإل” على أساس الأهداف التي حددها لفلسفته في  الفرض العلمي، وقصدنا بالمعنى الثاني محاولة تقييم أفكار  هيوإل في الفرض العلمي في ضوء الانتقادات الفلسفية التي تعرضت لها، وفي ضوء إمكان تطوير هذه الأفكار وحدود هذا التطوير.

وبهذا تتجسد محاور الورقة على النحو التالي :

أولا: نقد وليم   هيوإل للنزعة الاستقرائية عند فرنسيس بيكون  وجون ستيورات مل.

ثانيا: الفرض كمرحلة أولى.

ثالثا: طرق التحقق من الفرض العلمي.

رابعا: جون ستيوارت مل يناظر  هيوإل.

أولا ً : نقد وليم   هيوإل للنزعة الاستقرائية عند فرنسيس بيكون  وجون ستيورات مل

كان الاهتمام الرئيسي لأصحاب الاتجاه الاستقرائي ينصب حول الطريق المؤدي إلى الكشف عن القوانين، واعتقدوا أنه من الممكن رسم منهج لتحقيق ذلك، فنجد أن كل من “فرنسيس بيكون” و”جون ستيوارات مل”، قد حاولا تشييد منطق للكشف موازيا لمنطق البرهان، وقاما بصياغة المناهج التي من وجهة نظرهما، تمكن من اكتشاف قوانين الظواهر كنتيجة لتحليل وقائع الملاحظة والتجربة، كما وضع كل منهما منطقا منهجيا على غرار المنطق الأرسطي من أجل التوصيل إلى الحقائق   الكونية، ومن ثم ادعت بأن قواعد الاستقراء تفسر العملية المنطقية للكشف عن القوانين  (6).

ولذلك نشأ تصور للاستقراء باعتباره وسائل منطقية لصياغة العمليات الخاصة بتكوين واكتشاف المعرفة العامة للارتباطات القائمة بين الظواهر على أساس معرفة الوقائع الجزئية. وبصفة عامة رد الاستقراء إلى ما يسمى بالمنهج الاستقرائي للبحث والذي تمثل في الخطوات التالية (7):

الخطوة الأولى : الملاحظة التجريبية. فلا بد أن العالم بملاحظة أمثلة عدة للظاهرة موضوع الدراسة، ملاحظة دقيقة مقصودة منتقاة وهادفة، مرتبة ومتواترة، تتصف بالنزاهة والموضوعية والدقة التي توجب استخدام الأجهزة المعملية إلى أقصى حد ممكن للتكميم الدقيق. وما التجربة المعملية إلا اصطناع الظروف المطلوب ملاحظتها.

الخطوة الثانية : هي التعميم الاستقرائي للوقائع التي لوحظت، فإذا اشتعل الخشب كلما تعرض للهب في سائر الوقائع التي لوحظت، أمكن الخروج بالتعميم الاستقرائي : الخشب قابل للاشتعال.

الخطوة الثالثة : هي افتراض فرض يعلل أو يفسر هذا التعميم، كافتراض أن الخشب قابل للاشتعال لأنه يتحد بالأكسجين.

الخطوة الرابعة : هي التحقق من صحة الفرض عن طريق اختباره تجريبيا. ويكون قبول الفرض أو تعديله، أو رفضه والبحث عن فرض آخر إذا دحض كل هذا وفقا لنتائج محكمة التجريب، تنفيذ حكمها يعني الخطوة الأخيرة للمنهج، وهي بلوغ معرفة جديدة والإضافة إلى بنيان العلم.

وتجدر الإشارة أن ” بيكون ” أهمل الخطوة الثالثة ( وضع الفروض )، بينما اعتبرها ” مل ” مرحلة أساسية. وبذلك يكون مل هو الممثل الحقيقي للمنهج الاستقرائي بخطواته الأربعة ( وهي ملاحظة ثم تعميم، افتراض فرض، التحقق منه، البرهان أ، الدحض، وبالتالي المعرفة ).

أكد “بيكون” أنه لكي يتقدم العلم لابد من تناول الأشياء ذاتها بدلا من تناول المفاهيم. فلقد كان مهتما بالبحث في الحقائق الغفل التي لم يتوصل إليها العقل الإنساني بعد، وأوضح “بيكون” أن الاستقراء الجيد الذي يفيد في الكشف والبرهان في مجال الفنون والعلوم هو الذي ينبغي أن يفصل طبيعة الأشياء بالفرض أو الاستبعاد الدقيق، وما يعنيه بيكون بهذا المنهج يتمثل في أمرين :

 الأول : إذا ظهرت حالة واحدة سالبة تخالف الملاحظات التي تم التوصل إليها، فلابد من رفض القانون الذي تأسس بناء على الملاحظات الأولى، ولأنه مهما كان عدد الأمثلة التي تؤيد القانون، فإن ظهور حالة سالبة واحدة كافية لرفضه تماماً.

    أما الأمر الثاني، فيتمثل في أن إثبات قانون ما يكون بإثبات أن كل القوانين والنظريات المعارضة له خاطئة. وقد عرض “بيكون” منهجه في مؤلفه المرسوم ” الأرجانون الجديد ” Novum Organum، وعنوانه الفرعي ” إرشادات في تفسير الطبيعة ” Directions Concerning Interpretaion of Nature، سنة 1620. وما زال يمثل هذا المؤلف لما يعتقد كثير من الناس أنه منهج العلم (8).

نبه “بيكون” في هذا الكتاب على ضرورة التخلي عن الآراء السابقة وضرورة البدء من الملاحظات. ولقد صاغ منهجه في جزأين : جزء سلبي بعنوان ” تفسير الطبيعة وقدرة الإنسان ” وجزء إيجابي بعنوان ” تفسير الطبيعة وسيادة الإنسان ” (9). ويعتمد المنهج الإيجابي عند “بيكون” أن كل ما في العالم يمكن أن يرد إلى عدد محدود من الطبائع البسيطة التي تتألف الموجودات من اجتماعها وتفرقها. وكان يرى أن الموضوع الأساسي للبحث في العلم، يجب أن يدور حول معرفة تلك الطبائع البسيطة واكتشاف قوانينها وأسبابها. ويرى “بيكون” أنه يمكن الكشف عن تلك الطبائع البسيطة بواسطة استخدام القوائم الثلاثة ” (10).

1 – قائمة الحضور وفيها يقوم بتسجيل الحالات الموجبة التي توجد فيها الظاهرة

2 – قائمة الغياب، وتسجل فيها الحالات التي تغيب فيها الظاهرة.

3 – قائمة درجة المقارنة، وفيها نقوم بتسجيل الحالات التي تحضر فيها الظاهرة، عن طريق الإشارة إلى تغيرها أو اختلافها مع درجة الحرارة.

من جهة أخرى، فلقد اعتقد مل هو الآخر أنه بالإمكان صياغة قواعد آلية الكشف العلمي، وعرف الاستقراء بأنه ” عملية كشف وبرهنة القضايا العامة. فالعملية غير المباشرة لتأكيد الوقائع الفردية هي عملية استقرائية مثلها مثل تلك العملية التي نصل بواسطتها إلى الحقائق ” (11).

واعتبر ” مل” أن طرائقه هي طرائق اكتشاف وبرهان في نفس الوقت : ” الطرائق الأربعة هي طرائق اكتشاف، ولكن حتى إذا لم تكن طرائق اكتشاف، فإنها الطرائق الوحيدة للبرهان ” (12)؛ وعلى الرغم من أن “مل” يتحدث عن أربع طرائق إلا أنها خمسة وهي : طريقة الاتفاق، طريقة الاختلاف، الطريقة المشتركة للاتفاق والاختلاف، طريقة البواقي، طريقة التلازم في التغيير. وبعد أن شرحها ظل مصمما على أنها أربعة، واختلف الباحثون أي الطرق هي الزائدة وتمسك كل فريق بواحدة منها (13). ولكن يمكن ملاحظة أن طريقتي البواقي والتلازم في التغيير يعتمدان على الطرق الثلاثة الأولى، وأن الطريقة المشتركة للاتفاق والاختلاف مجرد ربط الطريقتين الأولى والثانية معاً. وأن طريقة الاختلاف نفى لطريقة الاتفاق، فلا ينبغي إلا الطريقة الأولى وهي معروفة منذ أن دعي “بيكون” إلى التجريب (14).

جملة القول أن الاستقرائية التقليدية اعتقدت أن الاستقراء، هو عملية الكشف عن القوانين، كما أن كل عملية للتوصل إلى معارف عامة، بخصوص قوانين العلم إن هي إلا عملية استقرائية.

كما افترض الاستقرائيون أن المنهج العلمي يبدأ بإبعاد كل التصورات والفروض المسبقة عن الطبيعة، وكانت المقولة الرئيسية لهذا الاتجاه ” لا تفكر ” معناه find out، ويبدو أن هذه المقولة ناتجة عن توجهات “بيكون” بأن الأفكار المتصورة مسبقاً قد تؤدي إلى الانحياز وعدم الموضوعية، ومن ثم فإنه من الضرورة أن تكون الأولية لجمع الوقائع، ولكن في الحقيقة أن هذه البداية ستعرض البحث العلمي لأكبر مشكلة، وهي مشكلة تحديد الوقائع التي نبدأ منها.

كما أن اعتبار “منطق الاستقراء” هو “منطق الكشف” عن المعرفة العامة على أساس معرفة الوقائع الجزئية، أدى إلى خلق وهم، مؤداه أن مناهج البحث الاستقرائي الخاصة بكل من “بيكون” و”مل” كافية لتفسير العملية المنطقية في اكتشاف القوانين العلمية، وأدى ذلك إلى اعتقاد مضلل بأن الإنسان يكون عبقرياً إذا ما اتبع فقط قواعد الكشف المتمثلة في تلك المناهج (15).

أما عن موقف “هيوإل” من الاتجاه الاستقرائي، فقد كان من أشد المعجبين بفرنسيس بيكون، خاصة أنه كان “هيوإل” ينظر إليه بوصفه أحد المفكرين الذين دعوا إلى تطبيق العلم من أجل زيادة مقدرة الإنسان المعنوية والمادية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى بوصفه رائداً من رواد النهضة العلمية الحديثة بما لها من مميزات تخلف بها عن العصر القديم والعصر الوسيط اختلافاً أساسياً (16).

وكان “هيوإل” قد عقد العزم على أن يكون عنوان الجزء الثاني من كتابه فلسفة العلوم الاستقرائية، هو إحياء الأرجانون الجديد، وهو مؤلف من جزأين : جزء نظري بعنوان حول بناء العلم of the construction of science، وجزء تطبيقي بعنوان حول المناهج المستخدمة في تشكيل العلم of method in the formation of science. وأسلوب الكتاب شيق بليغ؛ حيث يتضمن تشبيهات رائعة وشيقة. وقد ألف “هيوإل” الكتاب على صورة فقرات منفصلة أو جمل قصيرة لا يربط بينها أي منهج دون أن يدعوا أو يزعم أنها تشتمل على علم كامل، وهي نفس الطريقة التي كان قد كتب بها بيكون كتابه الأرجانون الجديد. وإذا نظرنا إلى خطة إحياء كتاب الأرجانون الجديد نجد أن الكتاب ينقسم إلى فقرات موزعة على بابين وبينها كما يأتي :

الباب الأول : في الفقرات من 1 : 3 يبحث  هيوإل موضوع بناء العلم، فيبين أن العمليتان اللتان من خلالهما يبني العلم هما تفسير المفاهيم وربط الوقائع.

– من 4 : 10 يبين  هيوإل أن المفاهيم تمثل جزء ضروري لكل استقراء وبدون المفهوم ليس بإمكاننا معرفة الأسباب والوصول للمعرفة الموضوعية، لا يقلل من تدخل كل العوامل الذاتية.

– من 11 : 22 يتحدث  هيوإل عن ربط الوقائع، وأن هذا الربط يكون من خلال فرض.

– من 23 : 29 يوضح  هيوإل كيفية ربط منطق الاستقراء ومنطق الاستنباط على أساس أن كل منهما يكمل الآخر.

– في الفقرة 24 يتحدث  هيوإل عن قوانين الظاهرة والعلل.

– من 25 : 26 يشرح  هيوإل موضوع العلاقة بين العلم والفن.

في الفقرة 27 يعرض  هيوإل لتصنيف العلوم.

الباب الثاني : إذا كان الباب الأول من إحياء الأرجانون الجديد يمثل الجانب النظري للمنهج العلمي في معظم أجزاءه، فإن الباب الثاني تطبيقي، يطبق فيه  “هيوإل” نظرياته الجديدة في العلم والمناهج الثلاث المشهورة التي تشكل البحث العلمي لديه وهي مناهج الملاحظة ومناهج إحراز الأفكار الواضحة ومناهج الاستقراء.

وفي مناهج الاستقراء يقدم “هيوإل” رؤية جديدة تختلف عما ذهب إليه كل من بيكون ومل، وهذه الرؤية تقوم على التحليل المادي للوقائع وقياس الظاهرة، وتفسير التصورات، واستقراء قوانين الظاهرة واستقراء قوانين العلل، وتطبيق الكشوف الاستقرائية، وذلك من ثلاث خطوات هي اختبار الفكرة، وتركيب المفاهيم، وتحديد المقادير.

ولا شك أن من الأسئلة الهامة التي ينبغي الإجابة عنها في صدد الكلام عن كتاب إحياء الأرجانون الجديد، السؤال عن السبب الذي دفع  هيوإل عن إحياء أرجانون بيكون !.

اعتقد أنه ربما يكون “هيوإل” قد نظر إلى كتاب بيكون على أنه ليس كتابا مستقلا بالمعنى الصحيح وإنما هو جزء واحد من ستة أجزاء كان بيكون يعتزم تأليفه تحت عنوان شامل هو “الإحياء العظيم”. وبهذا يكون قد اعتبر أن الأرجانون الجديد ليس كتابا مستقلا وإنما هو جزء من كتاب، أو على الأصح جزء من خطة عامة لإصلاح العلم وللنهوض بحياة الإنسان.

ومن الواجب دائما أن ينظر إليه داخل سياقه الطبيعي لا أن يأخذ على أنه بحث منفصل يمثل أهم كتابات بيكون. وقد تضمن القسم الثاني من الأرجانون الجديد خطة فرعية لهذا الجزء، لم يستطع بيكون أن يتمها بدورها. وهكذا فإن الأرجانون الجديد جزء من خطة شاملة لم تكتمل منها إلا جزء بسيط وذلك بشهادة بعض الباحثين (17).

ومن ثم فإن الأرجانون الجديدة قد ظل كتابا مبتورا لم يحقق إلا جزءا ضئيلاً من برنامجه، مثلما أن هذا البرنامج بدوره جزء من كل أكبر لم يكتمل. والإضافات الجديدة التي أسهم بها بيكون في نظرية الاستقراء لا تكفي على أهميتها، لكي تجعل منه فيلسوفا من فلاسفة الصف الأول، وذلك لأن موضوع الاستقراء بأسره غامض، يصعب تحديد قيمته هو ذاته بالنسبة إلى تقدم العلم، كما يصعب إدراجه ضمن النظريات الفلسفية المعروفة (18).

وربما يكون ذلك هو السبب الذي دعا “هيوإل” إلى تأليف كتاب إحياء الأرجانون الجديد لكي يعالج الأمور المنهجية التي عجز بيكون عن معالجتها وبالذات إهمال بيكون لقضية الفرض العلمي فمن المعروف أن الهدف الذي كان يسعى إليه “بيكون” من منهجه كما يرى بعض الباحثين وخاصة الجانب السلبي منه، أن يبدأ العلم الصحيح من الملاحظات.

فالعالم الحق بالنسبة لبيكون هو النموذج الملاحظ الموضوعي الذي يخلص الناس من أوهام وأساطير الماضي، وهذا هو موضع النقد لبيكون، لأن ما يؤخذ عليه هو أنه بدأ بملاحظات بدون فروض ويستلزم هذا المطلب للملاحظة غير المسبوقة بافتراض لاختيار العلل الصحيحة للأشياء، أن يلاحظ العالم كل شيء في محيط الحالات الإيجابية (19).

حقيقة أنه ليس من السهولة للعالم أن نقول له أبدا بالملاحظة وتجميع الوقائع ذات الصلة بالبحث لأن الانتباه للوقائع غير ذات الصلة ليس مجديا. إلا أن الوقائع ذات الصلة لا تكون منفصلة عن بقية الوقائع الأخرى كما أنها لا كشف طواعية عن سماتها المميزة لها ؛  إذا لابد وأن يكون الأخذ بالاعتبار لوقائع بعينها ذات الصلة بالبحث معتمدا على أفكارنا، وبدون هذه الأفكار المرشدة أو الفروض لا يكون هناك ما يمكن أن يلاحظه العالم. فمما لا معنى له القول أنه يجب البدء بجمع الوقائع كلها ذات الصلة بالمسألة المراد بحثها. وقد يكون من المعقول جمع أنواع مختلفة من البيانات مما لا تقيده مسألة البحث، ولكن بالاستناد إلى فرض ما. فجمع الوقائع يكون بالاستناد إلى فرض بعينه، وليس بالاستناد إلى معضلة معينة. ومن ثم فإن جمع الوقائع من غير ما توجيه أو فرض سابق خاص بمشكلة البحث، إنما هو يكون جوهريا  خطأ؛ ذلك أن الفروض تحدد نوع البيانات التي يجب جمعها (20).

ولذلك فإن أهم أوجه القصور عند “بيكون” أنه بدأ بملاحظات بدون فروض، ورغم ذلك فإنه عند إعداد الحالات طبقا لقوائم بيكون، فإننا سنضيف الحوادث المراد بحثها تحت تصورات بعينها حتى يمكن أن نري الحوادث المتشابهة أو غير المتشابهة.

ولكي يتم ذلك لابد من الفروض المسبقة والتي على أساسها تلتقط التماثلات والاختلافات الهامة أو ذات الصلة بموضوع البحث، وأما بقية التماثلات الأخرى. فبدون افتراضات لا تكون هناك قوائم، كما أنه لا يمكن أن ينفذ منهج “بيكون” الإيجابي، ومن ثم يجب أن نقوم بتحليل الوقائع وتصنيفها على أساس الفروض، لأنه من غير استناد إلى شيء من هذه الفروض، فإنه لن يكون التحليل والتصنيف ذا فائدة تذكر (21).

ويؤكد “هيوإل” مثلا أن القوائم الفلكية التي قدمها ” تيكوبراهي ” لم توضح في ذاته قوانين “كبلر” ( 1571 – 1630 )، بل عكف “كبلر” على دراسة نتائج براهي المسجلة عن حركات الكواكب وخاصة كوكب المريخ. وبعد سنوات طويلة من الأفكار المتأملة استطاع كبلر أن يقدم الصياغة الرياضية والقوانين التي تعبر عن حركة الكوكب.

ويوضح ذلك أن الملاحظة لم تكن الخطوة الأولية وإنما فحص الأفكار المقصودة مسبقا بواسطة مقاسة أو محددة بدقة هي الأساس. فبدون الأفكار الجيدة لم يكن ممكنا للباحثين البدء لأنه لن يكون هناك ما يمكن تحقيقه (22).

جملة القول، فإن كتاب : إحياء الأرجانون الجديد ” جاء استكمالا لأرجانون “بيكون” الذي لم يشر في متن منهجه لخطوة الفرض العلمي باعتبارها من مراحل المنهج العلمي الأساسية. وقد فسر  هيوإل موقف بيكون هذا من الفرض بأنه كان يعتقد أن الفروض تفضي إلى أغاليط، وهذا مما جعله يهتم بالملاحظة والتجربة دون الفروض.

ومن ثم فإن “بيكون” لم يدرك أهمية أن تكون الملاحظات أو التجارب موجهة بالفرض العلمي، كما أن إنكاره للفرض، إنما نتج من حذره الشديد في قبول آراء لم تمحصها التجربة، رغم أنه استخدم الفرض العلمي دون أن يدري، وبالتالي وضع ” هيوإل” ” إحياء الأرجانون الجديد “، إحياء لأفكار بيكون، وصاغ  “هيوإل” الأفكار التي توصل إليها في صورة فقرات على غرار ما فعل بيكون (23).

وثمة نقطة أخرى جديرة بالإشارة، يؤكد عليها “هيوإل”، وهي أن أصحاب النزعة الاستقرائية، لم يفطنوا لدور التصورات الرياضية والاستدلال الرياضي كأدوات جيدة يمكن للمنهج الاستقرائي أن يتزود بها، وهنا نجد “هيوإل” يلقي باللائمة على ” مل” وليس “بيكون”، فهيوإل يرى أن بيكون لم يكن في موقف يسمح له بوضع نظرية في المناهج الاستقرائية للفيزياء الرياضية، لأن الفيزياء الرياضية كانت لا تزال في مهدها؛ حيث أنه لم يتضح إمكان استخدام المناهج الاستنباطية مقترنة بالاستدلالات الاستقرائية إلا بعد ظهور نظرية الجاذبية عند نيوتن (24).

وعلى ذلك فليس “بيكون” هو الذي ينبغي أن يلام على دراسته للمنهج من خلال أنموذج مفرط في البساطة يغفل دور الرياضيات في الفيزياء، وإنما الواجب أن يوجه هذا اللوم إلي ” مل” الذي وضع منطقا استقرائيا لا يكاد يرد فيه ذكر المنهج الرياضي، وكان في أساسه صياغة جديدة لأفكار “بيكون” (25).

ومن هذا المنطلق شرع  “هيوإل” في كتابه ” إحياء الأرجانون الجديد ” ليؤكد أن دراسة تاريخ العلم تكشف عن عملية استقرائية لا تماثل البتة حجة تعميم الملاحظات المستقرأة، الذي اعتمدته استقرائية مل، بل ثمة ربط للوقائع التجريبية من خلال مفهوم عبقري. وهنا نظر” هيوإل” إلى الخطوة الغامضة التي ننتقل بها من ملاحظة الوقائع الجزئية بعضها ببعض، وهذه الخطوة معتمدة على أفكار صاغها الفهم (26). وهذا يعني أنه من أجل وضع قانون علمي أو نظرية علمية لا يكفي مجرد جمع الوقائع، وإنما الضروري هو الربط الحقيقي للوقائع عن طريق مفهوم يكون صحيحا ملائما، وفي هذا يقول” هيوإل” : ” الاستقراء هو مصطلح ينطبق على وصف عملية الربط الصادق للوقائع من خلال تصور دقيق وملائم ” (27).

والواقع أن “هيوإل” هنا وفي مواضع أخرى من كتابه ” إحياء الأرجانون الجديد ” ؛ إنما يصف منهج الاستنباط الذي يبدأ من فرض نظري فتراه يقول مثلا ” أن النجاح فيما يبدو يتحقق بوضعنا لعدة فروض نتحسس بها المواقف لنختار منها ما هو صحيح “.

وهذا التأكيد على قيمة الفرض في العلم هو الإضافة الباقية التي أضافها  هيوإل، ولما كانت الوقائع المراد شرحها يمكن عندئذ أن نستنبط من الفرض، فإن الاستقراء والاستنباط ليسا نوعين مختلفين من الاستدلال كما رأي جون ستيوارت مل؛ بل إن كل منهما هو الآخر على نحو معكوس؛” فالاستنباط يبرر بالحساب ما قد حدسه العقل حدسا موفقا ” (28).

وعلى هذا فإن الاختلاف بين ” هيوإل “و “مل ” يتمثل في أن  هيوإل كان مهتما بمنطق الاكتشاف في العلم، ولا شك أنه كان على الصواب فيما يتعلق بذلك، بينما كان مل معنيا أساسا بمنطق الاستقراء من حيث أنه طريقة برهان أو عملية تحليل تتدرج مني مقدمات جزئية تنتهي عادة إلى نتيجة عامة، وهذا في نظر هيوإل خطأ ذلك أن مل لم يميز بين عملية الحصول على عبارات هامة من الوقائع وعملية تأييد أو برهنة هذه العبارات.

فطبقا لتعريف “مل” يكون الاستقراء عملية كشف وبرهنة الجمل العامة للعلم. فلقد تناول عملية الكشف والبرهان باعتبارهما وجهين متساويين في الأهمية لنفس العملية  الاستقرائية (29). ولكن الممارسة العملية أوضحت الاختلاف بين هاتين العمليتين. ولقد ظهر هذا الفارق بين هذين الوجهين للبحث العلمي فالعلماء وثبت أن عملية اكتشاف الجمل العامة للعلم لا يمكن أن يخضع لمشروع ثابت يكون جزء من منطق اكتشاف.

فالتفكير الفعال يتطلب إطلاق العنان للفكر والخيال. الالتزام بقواعد جامدة من شأنه أن يعوق التفكير. إن أكثر الأفكار  خصوبة غالبا ما تكون تلك الأفكار التي لم تستطع القواعد أن تحكمها (30)؛ وبصفة عامة لا يوجد منهج محدد للكشف عن حقيقة جديدة. فالكشف عما هو غير معروف إلى الآن يتضمن وثبة في الظلام.

وفي أواخر حياته انتاب “هيوإل” شعور حاد بأن الاستقراء القائم على التعميم لا يكفي. لم يكن عصره يسمح بإسقاط الاستقراء، فأكتفى “هيوإل” بأن الاستقراء والاستنباط يصعدان ويهبطان الدرج نفسه، وعلي أساس المفهوم العقلي العبقري أو النقطة الغامضة، عمل “هيوإل” على تطوير المنهج التجريبي ليتخذ إلى حد ما المنهج الفرضي الاستنباطي الذي يعني إبداع فروض علمية ثم اختيارها تجريبياً، والحكم عليها والاختيار بينها وفقا لنتائج التجريب.

ولم تعرف قيمة هذه الدعوة إلا في النصف الثاني من القرن الثاني العشرين، حين تبلور صورة المنهج التجريبي بوصفه اختياراً للفروض وليس البتة تعميماً لوقائع مستقرأة، وأصبحت الأطراف المعنية تتفق على أن المنهج التجريبي هو المنهج الفرضي الاستنباطي (31).

وفي هذا نجد “هيوإل” بشهادة بعض الباحثين سبق روح  عصره، خاصة وأنه أدرك بجلاء أن المسألة أعمق من التعميم الاستقرائي، وأن المعرفة العلمية ليست محصلة التجريب، بل محصلة تفاعل العقل مع معطيات الحواس. وبينما انشغل أصحاب النزعة الاستقرائية بالوقائع الجزئية الملاحظة، انشغل  هيوإل بإبداع الفرض العلمي وبالنظرية ودور العالم وإمكاناته العقلية، مؤكدا خطأهم في إهمال الفرض والتعويل على التعميم (32).

إلا أن آراء  “هيوإل” لم تسلم من نقد الاستقرائيين له، فقد صب جون ستيورات مل جام نقده على  “هيوإل” واعتبر فكرة الفرض عنده تأثرا منه بكانط ونزوعا نحو المثالية الألمانية، وقد كانت المثالية الألمانية في زمن  هيوإل مضطهدة في إنجلترا، فتراجعت نظرية  “هيوإل” الأكثر نفاداً واستبصاراً التي تقرر دور العقل الإنساني المحوري في الإنجاز العلمي، مثلما تراجعت رؤيته لفلسفة العلم المسلحة بتاريخه. وساد الاتجاه المقابل لأصحاب النزعة الاستقرائية التبريرية اللاتاريخية والذي جسده ” مل ” في ذلك العصر (33).

ثانياً : الفرض كمرحلة أولى   

إن الثورة العلمية التي أحدثها ” نيوتن ” قبل عصر “هيوإل” في مجال الرياضيات والبصريات وما أستتبعها من نتائج عملية في مجال الرياضيات التطبيقية، وعلى وجه الدقة في الميكانيكا والفيزياء العملية، أفضت إلى استخدام التجريب بصورة تكاد تكون شبه دقيقة إلى حد ما في مجالات العلم المختلفة. ومع ازدياد التجريب أصبحت النتائج التي أمكن الحصول عليها من التجارب بمثابة محصول نظري جديد يسمح لنا بتنبؤات وتجارب أخرى، وعلى هذا الأساس نتجه إلى مزيد من التجريب إذا ما أيدت هذه التنبؤات مشاهدات ووقائع جديدة تتفق مع المعطيات النظرية. أي أنه بصورة أو بأخرى يمكن لنا القول بأن حصيلة البحث في الاتجاه الاستقرائي ازدادت بصورة ملحوظة بعد عصر نيوتن، مما جعل الباحثين يتصدون لتفسير الوقائع على أسس منهجية (34).

ومع أن هذه المرحلة تتسم بنزعة استقرائية واضحة، إلا أن وليم  هيوإل يكشف لنا في أكثر من موضع من مؤلفاته عن خصوبة الجانب العقلي المتمثل في ابتكار الفرض إذا ما أضيف كبعد جديد لتفسير الوقائع، حيث أن العالم وهو بصدد تفسير وفهم الظواهر الموجودة في العالم الخارجي، لا بد له أن يلجأ لأهم خطوة من الخطوات المنهجية، التي تتمثل في إضفاء مقولات العقل الخلاق، لتحديد الطريقة التي تعمل الظواهر وفقا لها، وهي خطوة الفرض (35).

وفي إثبات خطوة الفرض  لم يعمد وليم “هيوإل” إلى حصر المنهج الاستقرائي في قواعد محددة كما فعل ” مل” الذي يري أن الاستقراء جسر نعبر عليه من الوقائع إلى القوانين؛ فهو عملية منطقية تثبت بها أن ما يصدق على بعض أفراد فئة ما يصدق على الفئة بأكملها، أو أن ما يصدق على بعض أجزاء الصنف على الصنف كله بوساطة تحقيق ظروف مماثلة، وإنما نحا  هيوإل منحي آخر أقرب ما يكون إلي الأسلوب العلمي  الدقيق، فلقد استقرا تاريخ العلم الحديث واستنتج منه أسس المنهج الاستقرائي الذي طبقه العلماء منذ جاليليو، وكانت الفكرة الأساسية التي خرج بها هي التالية: إن الاكتشافات التي توصلت إليها العلوم الاستقرائية إنما يرجع الفضل فيها إلي فعالية الفرض العلمي؛ بمعنى أن الكشف العلمي يرجع أساسا إلى الفرضية لا إلى الاستقرائية؛ حيث يرى”هيوإل” أن الاستقراء وحده لا يكفي و بل لا بد من فرضية توجه البحث وتقوده قبل الاستقراء وخلاله وبهده. ولا توجد طريقة أو طرق محصورة يسلكها  الذهن، دون غيرها، للانتقال من الفرضية إلى القانون، بل ليس هناك ما يفصل بين الفرضية والقانون غير تلك التجارب والعمليات الذهنية التي تقودها الفرضية (36).

وانطلاقاً من هذا شرع” هيوإل” يؤكد أن دراسة تاريخ العلم تكشف عن عملية استقرائية لا تماثل البتة حجة التعميم التي يتمسكون بها، بل ثمة ربط للوقائع التجريبية من خلال مفهوم عقلي عبقري، وهذا المفهوم متقدم من خلال العقل في القضية العامة ولا يوجد في أي من وقائع الملاحظة (37).

وهنا اهتم “هيوإل” بوضع نظرية في الاستقراء مستمدة من تاريخ العلوم التي اتفق العلماء على وصفها بالاستقرائية، فانتهى إلى أن تاريخ الاستقراء يدل على أن الاستقراء الذي يقوم به العالم ليس برهانا منطقيا يصدق بقوة صورته، بل هو طريقة أخرى للوصول إلى الحقيقة : إنه مسلك مغامر يتخذه العقل ويصنع فيه صنيع من يحاول حل لغز : فيجرب ويحاول عدة فروض، إلي أن يقع بحدس صائب على الفكرة الصائبة (38).

ومعنى هذا أنه ليست المسألة إذن مسألة ما هي الشروط التي بها يكون هذا المسلك صحيحا – وهو لا يمكن أن يكون صحيحا أبدا، بل فقط ما إذا كانت النتيجة سليمة، والعناية والتدقيق إنما يتعلقان بالرقابة التجريبية على القضية الاستقرائية، لا بصياغتها مما يسمح للخيال بمجال واسع، ولا فائدة من وضع منطق استقرائي، وصياغة قواعد للاستقراء مناظرة لقواعد القياس، فالاستقراء لا يقوم على تعميم وقائع الملاحظة، بل يقوم بربط بينهما برباط عقلي من خلال مفهوم جديد يزودنا به العقل لا الظواهر (39).

وهذا المفهوم الذي يتقدم به العقل هو الفرض، لأنه في كل استدلال نقوم به عن طريق الاستقراء يوجد تصور ما يقدمه العقل ولا تقدمه الظواهر. ونتيجة الاستدلال ليست محتواه في  المقدمات، ولكنها تحتويها عن طريق إدخال عمومية جديدة. وحتى نحصل على استدلالاتنا، فإننا نذهب بعيدا إلي ما وراء الحالات الماثلة أمامنا، وتعد هذه الحالات مجرد تبسيط لحالة ما مثالية تكون فيها العلاقات تامة. ونحن نأخذ معياراً معيناً نقيس به الوقائع بواسطته، وهذا المعيار نحن الذي نؤلفه ولا تقدمه لنا الطبيعة (40).

ومن ناحية أخري يرى “هيوإل” أن الاعتقاد السائد الذي يرى في الاستقراء الوسيلة التي نحصل بها على قضايا عامة، انطلاقا من الأحوال الجزئية، والذي يقرر أن القضايا العامة تنتج فقط من تجمع هذه الأحوال وضم بعضها إلى بعض هو كما يقول “هيوإل” – اعتقاد خاطئ تماما، حيث أن ” الحقيقة الاستقرائية ليست على الإطلاق مجرد تجميع فقط للوقائع. إن الشيء المعمول هو أكثر من ذلك وهو التمهيد لعنصر عقلي جديد والعقل لكي يكون قادر على أن يقدم هذا العنصر يجب أن تتوافر له مواهب ونظام عقلي  مميز” (41).

كما أننا إذا رجعنا إلي الوقائع وتتبعنا الخطوات التي سلكها الباحثون، وجدنا أن الأحوال الجزئية لا تجمع هكذا عرضا، بل هناك دوما فكرة موجهة، فكرة أدخلت في القضية العامة نفسها ولا توجد في الوقائع الملاحظة. ولكن عندما تندمج هذه الفكرة الموجهة في معطيات التجربة لتشكل معها مركبا جديدا، ينسي الناس تلك الفكرة ويعتقدون أنها من صميم الواقع، تماما مثلما يعتقدون أن القلادة هي دوما قلادة، في حين أن الفكرة التي جعلت منها قلادة هي من الإنسان. فلا يوجد في العالم المادي إلا جواهر معزولة. إن الإدلاء بفكرة تجمع شتات الظواهر عملية تستلزم اقتراح فرضية. والفرضية تؤخذ من جملة أفكار أخرى ؛ أي تختار من بينها لكونها أقرب إلي تفسير الظواهر. واقتراح الفرضية من طرف الباحث عمل ينم لا عن ضعف، بل عن قوة ويتطلب جرأة وعبقرية (42).

ويؤكد  “هيوإل” أن اكتشاف كبلر لفكرة الاهليج يعد مثالا للاستقراء الحقيقي الذي يدعو إليه ، فقد كانت المشكلة الأساسية التي واجهت العالم الطبيعي منذ عصر “كبلر”، هي مشكلة الحركة. كيف نفسر حركة سقوط الأجسام الطبيعية ؟ وكيف نربط بين حركة تفسير نقدمه لحركة الجسام الطبيعية على الأرض، وتفسير حركة الكواكب. وقف كبلر على أساس نظرية “كوبرنيقوس” في علم الفلك، وعرف عنه فكرته الأساسية القائلة بأن الأرض تدور حول الشمس في مدارات دائرية، وهو تصور يرجع إلى “أرسطو” الذي ذهب إلى أن الدائرة أكمل الأشكال.

ومن ثم لا بد وأن تكون الحركة دائرية. وضع كبلر ملاحظات تيكوبراهي موضع الاختبار الرياضي ليعرف العلاقة الرياضية التي تقوم بينها. وحاول أن يستنبط من هذه الملاحظات النسبة بين الزمن الذي يستغرقه الكوكب ليدور حول الشمس وبين بعده عن الشمس. هل هذه النسبة واحدة لجميع الكواكب؟  لم تكن الأدلة التي توافرت لديه كافية للقيام باستنباط هذه العلاقة وتقديرها في قانون. والسبب في ذلك أنه كان يقوم بإجراء حساباته الرياضية على أساس أن الحركة، كما تصورها كوبرنيقوس وأرسطو من قبل دائرية (43).

ولذلك اتجه إلى وضع فرضه الأول وضعا جديدا: هل نسبة مربع الزمن والمسافة واحدة لجميع الكواكب ؟ وضع الفرض في صورته الأخيرة يعد تعديلا للصورة الأولى، وبالتالي احتاج كبلر لأن يقوم بإجراء حساباته على كوكب واحد، ثم يقوم بتتبع نتائجه بالنسبة لجميع الكواكب، فاتخذ كوكب المريخ نموذجا له. لا حظ “كبلر” أن كوكب المريخ يتخذ مواضع متغيرة في أوقات مختلفة من السنة. كيف يمكن أن يحدث هذا التغير في وضع الكوكب ذاته؟ لقد تصور “كبلر” المشكلة من خلال الخيال الرياضي، فإذا مد خط من الشمس إلي كوكب المريخ، فإن هذا الخط بناء على هذه المواضع التي يتخذها الكوكب، سيقطع مساحات متساوية في أزمنة متساوية (44).

والنتائج الاستنباطية  التي توصل إليها “كبلر” تدل على صحة هذا التصور، ومن ثم وضع قانون تساوي المساحات الذي ينص على أن ” الخط الذي يربط الكواكب بالشمس يمر بمساحات متساوية في الأزمنة المتساوية. كان من الطبيعي أن يكتشف “كبلر” اختلافات جذرية في حساباته لأوضاع كوكب المريخ، عن  حسابات “كوبرنيقوس”، فتساءل عن شكل المدار الذي يتخذه الكوكب. إن فكرة “كوبرنيقوس” عن المدار الدائري لا تؤدي إلى نفس النتيجة التي توصل إليها كبلر في قانونه السابق. فما هو شكل المدار.

اتجه “كبلر” إلى معالجة الملاحظات التي دونها “تيكوبراهي” مرة أخرى، فتبين له أن المدار لا يمكن أن يكون دائريا،فافترض أنه بيضاوي، وعن طريق الرياضيات وجد أن نتائج عملياته الرياضية تتفق مع الوقائع الملاحظة، وأن الكواكب فعلاً تتخذ مدارات بيضاوية، فعمم فرضه عن المدار البيضاوي في قانونه القائل إن ” الكواكب جميعاً تدور حول الشمس في أفلاك بيضاوية تقع الشمس في إحدى بؤرتيها “، وقد أفضى به هذا الاكتشاف إلى التوصل لتجريدات تتعلق بالخصائص الفيزيائية لكل من الشمس والكواكب (45).

ومن هذه النتيجة أمكن لكبلر، أن يتوصل للإجابة على سؤاله الأول، فقد تبين له أنه بالنسبة لجميع الكواكب يتناسب مربع الزمن تناسباً طردياً مع مكعب متوسط المسافة من الشمس “، وهو ما يعرف بالقانون الثالث (46).

وهنا يرى هيوإل أنه بالنسبة لاكتشاف كبلر، فإن النقاط التي لوحظت في مدار المريخ، كانت معروفة من قبل، ولكن عندما طبق كبلر “مفهوم” القطع الناقص، اكتشف وعلى الفور المدار الصحيح، وكبلر كان أول من طبق هذا المفهوم، القطع الناقص، على مسار مداري لكوكب، وذلك لأنه لدية فكرة واضحة للغاية في عقلة عن القطع الناقص (47). ولعل ذلك مهم لأن الأفكار والمفاهيم الأساسية مصدرها العقل، ولكنها لا يمكن استخدامها من منظور فطري،  فهي لا تقف وحدها. و “هيوإل” يشرح ذلك بأن “البذور الأولى لهذه الأفكار كانت على الأقل موجودة في العقل البشري في مرحلة ما قبل الخبرة المكتسبة، ومن خلال عملية التفكير العلمي فهم يتجلوا للعيان في وضوح ونقاء (48).

و”هيوإل” يقصد بهذا  “التجلي للعيان” عملية التحليل و التفسير المطول من قبل المفاهيم، فتلك العملية وهذا التفسير هما شرط أساسي سابق لأي اكتشاف، وهذا الاكتشاف يتكون من جزء تجريبي صرف وجزء عقلي صرف. العلماء يحاولون بداية تكوين مفهوم واضح ونقي في عقولهم، ثم يحاولون تطبيقه على الوقائع التي بحثوها بدقة، للوصول إلى الحكم عما إذا كان من الممكن جعل هذه الوقائع مؤلفة تحت قانون عام، وإذا لم يكن ذلك ممكن، فلعلهم يستخدمون هذا التمرين المتكرر لمحاولات مستقبلية. ومن ثم فإن استخدام كبلر لمفهوم القطع الناقص يعقب علية  هيوإل بقولة: “تغذية هذا المفهوم تتطلب تهيئة خاصة، ونشاط خاص ومميز داخل عقل المكتشف،.. الاكتشاف هو مجرد نقاط اتصال يجب أن يكون العقل مطلع عليها، أنواع محددة من الأشكال، وعلاقات محددة للمكان”. وبمجرد أن تصبح المفاهيم واضحة، سيكون من الممكن اختيار المفهوم المناسب لأن يصبح مؤلفا، ولكن كيف يتم اختيار المفهوم المناسب لأن يكون مؤلفاً، وبمجرد أن أمد كبلر مفهوم الأهليج على الوقائع الخاصة بمدار المريخ، عممها على كل أطراف وقائع الملاحظة ليصل في النهاية إلى أن جميع النقاط الممتدة داخل مدار المريح، إنما تمتد على هيئة قطع ناقص مع الشمس وفي مركز بؤري واحد (49).

ويعقب “هيوإل” على ذلك فيقول: “.. ونفس الشيء يكون كذلك في كشوفات أخرى، فالوقائع تكون معروفة، حتى وإن كانت منعزلة وغير مترابطة، إلى أن يأتي المكتشف، فيضع من مئونته الخاصة” مبدأ الربط”، فاللؤلؤ موجود ولكنه في حاجة إلى من ينظمه في عقد منتظم  فالمسافات والفترات الخاصة للكواكب كانت كلها تمثل وقائع عديدة متباعدة، إلى أن صاغ كبلر قانونه الثالث الذي استطاع أن يربط تلك الوقائع في حقيقة فريدة متباعدة، ولكن المفهومات الخاصة بتلك القانون كانت مستمدة من عقل “كبلر”، وبدون تلك المفهومات، فإن الوقائع تكون بلا فائدة. ومن الكواكب التي تصف الاهليجات حول الشمس تأملها الكثيرون بما فيهم نيوتن، إلا أن نيوتن أدرك أنها تنحرف في حركات اهليجية في ضوء جديد – بفضل تأثير قوة رئيسية ناتجة عن قانون محدد، ولذلك فإن هذه القوة تم اكتشافها على أنها موجودة فعلاً  (50).

ثالثاً : طرق التحقق من الفرض العلمي وقواعد استخراج المبدأ العام للوقائع :

إذا كان لكل من الخيال والحدس دوراً هاماً ًفي نشأة الفروض، وإذا كان للفروض أن تخترع وتقترح بشكل في العلم، إلا أن هناك جانبان مهمان في الاستقراء عند “هيوإل” : أما الجانب الأول و فيتمثل في أن كل استدلال استقرائي نقوم به يوجد مفهوم ما يفرض على الوقائع. وأما الجانب الثاني فيبدو في أن اختراع المفهوم الذي يربط بين  الوقائع كان أعظم خطوة في الكشف، كما أن اختراع تحقيق القضية الاستقرائية كان أعظم خطوة هامة في البرهنة على الكشف ذاته (51).

وعلى هذا الأساس، فإن “هيوإل” يري أن عملية الاستقراء تتألف من الفرض والتحقق، ولهذا فإن ملكاتنا المنظرة هي التي تجعل العالم يستبصر التخمينات أو الفروض الجيدة ذات الصلة   بالوقائع، هي التي تجعل العالم يعشق الصدق ويعمل على إظهار التمايزات من أجل صيانة الابتكار العلمي، فإذا اتضح للعالم أن الوقائع تتناقض مع الفروض كان لزاماً عليه أن يرفض الفروض ويقبل الوقائع بدون تردد (52)،وفي هذا يقول “هيوإل” :” إن التحقق من صدق الفروض يجب أن يتم من خلال تطبيقها على الوقائع، وعلى المكتشف أن يكون مستعدا، وأن يلتزم الدقة في اختبار فروضه على هذه الحالة، فإذا ما ثبت من خلال الاختبار أن هذه الفروض باطلة وغير مجدية فعليه أن يتركها (53).

ولهذا فإن التحقق في رأي  هيوإل يمثل عنصراً هاماً في الملية الاستقرائية، وقد قدم  هيوإل في مناقشته أربعة اختبارات للفروض، وذلك على النحو التالي :-

الاختبار الأول : هو الملائمة، حيث أن ” الفرض يجب أن يكون متسقاً مع القضية المستنبطة التي تعرض كل وقائع  الملاحظة ” (54)؛ وهيوإل في هذا الصدد يود أن يوضح أن الفرض المقترح يجب أن يكون وثيق الصلة بالظاهرة المراد تفسيرها أو المشكلة المراد حلها، فإذا كان الفرض لا صلة له بالظاهرة المراد تفسيرها، فإنه لن يحقق الهدف المرجو منه و ويكون الفرض فاشلاً.

الاختبار الثاني : التنبؤ بالوقائع التي لم تلاحظ بعد، يقول  هيوإل ” إن الفروض يجب أن تفعل أكثر من وصف ما هو  ملحوظ.. فروضنا يجب أن تنبئ بالظاهرة التي لم تلاحظ بعد، وبالأخص كل الظواهر التي من نفس النوع كتلك التي للفرض الذي ثبت انه صحيح ومفيد (55)؛ ويقول في موضع آخر ” إن الفروض التي نقبلها ينبغي أن تفسر الظواهر التي لاحظناها ، وأكثر منهذا ينبغي ان نتكهن بالظواهر التي لم نلاحظها  بعد ” (56).

وهنا يريد “هيوإل” أن الفرض يكشف عن أصالته من خلال عنصر التنبؤ و التكهن إلى الجانب التفسيري، لأنه إذا اقتصر دور الفرض على التفسير فقط، فإن هذا يعني بالضرورة أننا لن نعرف سوى ما نلاحظه، ولكن إضافة عنصر التنبؤ إلى التفسير، يعني إتاحة الفرصة أمام الباحث أو العالم لأن يقوم بمزيد من التجارب، مما يتيح لنا إمكانية الكشف عن ظواهر سوف ترد في المستقبل. فكأن الفرض بعد أن اقتصرت وظيفته في المرحلة الأولي من التجريب على الجانب التفسيري، أضيف عنصر التنبؤ كوظيفة في عصر  هيوإل (57).

الاختبار الثالث : الذي ذكره “هيوإل” هو قدرة الفرض على التفسير والتنبؤ بالحالات ذات النوع المختلف التي تم تأملها في تشكيل الفرض. وحين نستخدم هذا فإننا سوف نصل إلى ما ذكره  “هيوإل” عن ” ربط الاستقراءات ” وهذا الربط يعني أن قانونين يمكن الحصول عليهم من خلال استقراءات مستقلة وتتضمن بوضوح أصناف متغايرة من الظواهر يمكن أن تتضمنهم جميعا وقابلة لأن تتجزأ من فرض واحد أو من نفس الفرض. وهذه المقومات تجعل الاختبار دقيق وحاسم في تصحيح الفرض (58)؛ وفي فقرة أخرى يؤكد  “هيوإل” أن ربط  الاستقراءات يمثل البينة الأكيدة على مصداقية الفرض في أكثر من طرفين هما : حين يمكننا الفرض من تفسير وتحديد الحالات التي من نفس النوع تكون مختلفة عن تلك التي تأملناها في تشكيل فروضنا. وكذلك حين نفسر أثنين  أو أكثر من الأنواع المختلفة للظاهرة، كدوران الكواكب وسقوط الأحجار ومبادرة الاعتدالين” (59).

الأختبار الرابع : هو البساطة ؛ وفي هذا يقول  “هيوإل” ” قد يحدث أن نجد فرضين متنافسين على تفسير نفس الوقائع، وفي نفس الشروط، فأيهما يختار العلماء ؟ الحقيقة أنه إذا حدث ذلك، فإنه يتم اختبار الفرض الأبسط؛ “ويقول أيضاً ” كل الافتراضات الإضافية تميل نحو البساطة والتناغم ” (60).

هذه هي الاختبارات الأربع التي أضافها “هيوإل” للتحقق من الفرض العلمي، والتي يحاول من خلالها “هيوإل” أن يثبت مقارنة الفرضيات مع معطيات الواقع، وأنه لا بد من التخلي عنها عندما لا يكون هناك تطابق بينها. إلا أن “هيوإل” لا يكتفي بذلك، بل يؤكد أنه يمكن أن تستعمل الفرضيات في العلم وتؤدي دوراً كبيراً،  حتى ولو لم يكن هناك ما يؤكدها في التجربة. ذلك لأن دور الفرضية في العلم، شأنها شأن النظرية دور مؤقت، وتقدم العلم يصحح الفرضيات ويعدلها باستمرار.

وهناك في تاريخ العلم من الفرضيات ما أثبت العلم عدم صحتها، ولكن مع ذلك قامت بدور كبير، لا في تفسير الظواهر المدروسة وحسب، بل وفي التنبؤ بظواهر جديدة أيضا (61)، يقول “هيوإل” :” الفروض أحيانا ما تخدم العلم حتى وإن تضمنت جزء غير متكامل وقد يكون هذا الجزء على خطأ (62)، ويقول :” إن الفروض التي ثبت بطلانها قد أفادت في تقدم العلم، وذلك لكونها قد فسرت جوانب عديدة من الظاهرة، وإن كانت لم تفسر الظاهرة ككل (63).

و”هيوإل” اعترف أيضاً أن تاريخ العلم يحتوي على العديد من الأمثلة للفروض الكاذبة التي قامت ببعض التنبؤات الصحيحة مثل نظرية ” الفلوجستون ” (64) ولذلك فهو لم يعتقد أن القدرة التنبؤية المحددة تكفي لاقتناعنا بصدق الفرض، ولكن أكد أنه حين يجتاز الفرض أكثر من اختبار صارم، فإن ربط الاستقراءات طبقا لـ”هيوإل ” تمثل البينة التي تقودنا إلي إثبات أن النظرية صادقة ” (65).

ويشرح “هيوإل” ذلك فيقول ” إن القول الذي يجب ان نتذكره دوما هو أن الفرض سيكون دائما في خدمة العلم، حتى وإن كان يحمل نصيب من النقصان وعدم الاكتمال، بل وحتى إذا كان خاطئا، فإنه يستحق منا الاهتمام به، وهل الاهتمام يتمثل في تجميع هذه الوقائع وفرضياتها معا، ليصبحوا في نسق واحد، ومن ثم فسيخرج وبصورة أوتوماتيكية الفرض الخاطئ، سنستبعده، بل سيستبعد نفسه عندما نفسر الظاهرة وفرضياتها، وبالأحرى عندما نربط أطرافها معا “. وهذا ما فعله نيوتن بلا شك، فقد صحح وحدد من استعمال بعض قوانين كبلر وشرح بصورة غير مباشرة كيف أنها ستكون في خدمة الجانب العلمي رغم وجود بعض الأخطاء (66).

ويعطينا “هيوإل” مثالا لأهم الفرضيات التي تمكنت من التنبؤ الصحيح بظواهر جديدة، على الرغم من أن العلم أثبت فسادها فيما بعد ؛ مثال ذلك قانون الانكسار الذي توصل إليه “سنل” Sneal   (1591-1626) الرياضي الفلكي الدانمركي، والذي ينص على العلاقة الصحيحة بين زاوية السقوط وزاوية الانكسار بطريقة هندسية، تتلخص في أن نسبة قاطع التمام لزاوية السقوط إلي قاطع التمام لزاوية الانكسار ثابتة لكل وسطين، وعلق “هيوإل” على ذلك فيقول :” إن الافتراضات العقيمة المتعددة التي تم التوصل إليها لاكتشاف قانون الانكسار مهدت الطريق إلى اكتشافها الصحيح والحقيقي الذي توصل إليه “سنل” Sneal ”  (67).

وننتقل إلى الكشف عن قواعد استخراج المبدأ العام للوقائع من خلال عملية التحقق؛ حيث يقرر” هيوإل” هنا أن لدينا ثلاث خطوات أساسية هي: اختبار الفكر، وبناء التصور، وتحديد المقادير.

أما من حيث “اختبار الفكرة “، فإن  هيوإل يضع قاعدة بحثية هامة هي : يجب أن يكون هناك تجانس بين الفكرة والوقائع. فإذا لاحظنا الوقائع وقسناها بالرجوع إلى المكان فلابد من ربطها بفكرة المكان، لأن الفكرة تختبر عن طريق الوقائع (68).

وأما من حيث “التصور وتحديد المقادير” والأهمية فقد أشار ” هيوإل” إلى مجموعة من المناهج التي تميزت بالترابط والدقة في المعالجة، أكثر من اعتبارها إسهاما أصيلا من جانب  “هيوإل”، ومن بين هذه المناهج ما يلي :

أ- منهج المنحنيات The Method of Curves هو الذي يتألف من رسم منحني تكون الكميات الملاحظة ممثلة على الأحداث الرأسي، أما الأحداث الأفقي فيمثل مقدار التغير في الكمية الملاحظة. وكفاءة هذا المنهج تعتمد على قوة العين التي تلاحظ مباشرة صور الاطراد أو عدم الانتظام. كما تبدو أهميته في أنه يمكننا من التوصل إلى قوانين طبيعية من الملاحظات الجيدة، ويجعلنا نستبصر الملاحظات الناقصة، كما أنه من جانب ثالث يمكننا من التوصل إلي معطيات تتجاوز الوقائع الجزئية (69).

ب- منهج الوسائل أو المتوسطات وهو الذي يتلافي بعض الصعوبات المشار إليها من في منهج المنحنيات، فيمكن لنا إجراء تصحيح للملاحظات التي أجريناها من خلال المنهج السابق عن طريق أخذ متوسط هذه الملاحظات،وهذا المتوسط حسابي فقط. ومن ثم فإن كفاءة هذا المنهج تعتمد على أنه في الحالات التي تكون فيها الكميات الملاحظة متأثرة بعوامل أخرى إلى جانب العوامل التي تحدد القانون، فإن الازدياد أو النقصان عن الكميات التي سوف ينتجها القانون موضع التساؤل سوف تتجمع في ملاحظات عديدة في موضع معين ([1])(70).

ج – منهج المربعات الصغري هو في الحقيقة منهج الوسائل، ولكن مع بعض الخصائص المميزة.فموضوعه يحدد الوسيلة الأفضل من عدد الكميات الملحوظة أو تكون غالبية القانون المحتمل مشتقة من عدد الملاحظات أو من بعضها أو من كله التي تسمح بأكثر أو أقل الملاحظات الناقصة. والمنهج يبدأ بافتراض أن – كل الأخطاء ليست محتملة بالتساوي، إلا أن الأخطاء الصغيرة ليست أكثر احتمالا من الأخطاء الكبيرة.ومن خلال التفكير تفكيرا رياضيا في هذا الأساس، نجد أن النتيجة الأفضل هي التي نصل إليها (حيث أننا لا نستطيع أن نصل إلى النتيجة التي تلاشت بسبب الخطأ) من خلال عمل لا يتمثل من الأخطاء ذاتها، ولكن بجمع مربعاتها في في القيمة الممكنة الصغيرة (71).

د- منهج البواقي : ينحصر منهج البواقي في إسقاط الكميات المعطاة من خلال أي ملاحظة، والكمية المعطاة من خلال أي قانون مكتشف بالفعل، وبعد أن يفحص الباقي أو المتبقي لكي يكتشف القانون الرئيسي اللازم عنه.وعند هذا يكون القانون الثاني قد اكتشف الكمية المعطاة من خلال ما تم إسقاطه من المتبقي الأول ؛ وهذا يعطي المتبقي الثاني الذي ربما يكون مفحوص في نفس الحالة..إلى آخره. وكفاءة هذا المنهج تعتمد بشكل أساسي على ظروف قانون التنوع الذي يكون أقل وأقل في القيمة بالتتابع ( أو على الأقل في معناه الحقيقي )، وذلك لكي لا تعيق القوانين الغير مكتشفة بعد ذلك القانون موضع التساؤل الكائن البارز في الملاحظات (72).

وبعد أن تناول “هيوإل” هذه المناهج الأربعة، وأشار إلى الأسلوب الذي تستخدم به تطبيقا في البحث الاستقرائي، أشار إلى ثلاثة مناهج أخرى تتعلق بالبحث في خصائص الأشياء، وهي على النحو التالي :-

1-منهج الاتصال : وينص على أن الكمية لا يمكن أن تنتقل من قيمة واحدة إلى قيمة أخرى من خلال آيا من تغير الشروط بدون أن تنتقل عبر المقادير المتوسطة طبقا للشروط المتوسطة.وهذا المنهج غالبا ما يستخدم للتمييزات الغير محسنة التي ليس لها أساس حقيقي (73).

2–  منهج التدرج وينحصر في أخذ عدد من المراحل للخاصية موضع التساؤل، ويتوسط بين الحالتين الأخيرتين التي تبدو مختلفة، وهذا المنهج  يستخدم لتحديد فيما إذا كانت الحالات النهائية متميزة حقا أم لا  (74).

3– منهج التصنيف الطبيعي وينحصر في حالات التصنيف التي لا تكون طبقا لأي تعريفات مفترضه ولكن طبقا لسياق الوقائع ذاتها بحيث تجعلهم وسائل للحقائق العامة المثبتة (75).

من العرض السابق لآراء “هيوإل” تبين أنه ركز على ثلاث وظائف هامة للفرض العلمي.أما الوظيفة الأولي فتتمثل في تفسير الوقائع الخارجية والالتزام بالظواهر الموجودة فعلا في العالم المادي. وأما الوظيفة الثانية فتكمن في أن الفرض يجب أن ينبئنا بكل ما جديد في مجال الظاهرة ويشير إلى الظواهر التي لم نلاحظها بعد. وأما الوظيفة الثالثة فتبدو في أنه يرشدنا إلى البحوث والتجارب المستقبلية التي يمكن للعالم القيام بها.

كذلك فإنه يرجع الفضل إلى “هيوإل” إلي ابتكار بعض المناهج التي يمكن استخدامها للتوصل للقانون العام الذي يربط الوقائع معا، أكثر من الاهتمام بطرق تحقيق الفروض على غرار ما فعل ” مل”. والواقع أن المناهج التي أشار إليها  “هيوإل” تعتبر تدعيما للفرض حتى لا نضل الطريق ونحن بصدد استخدام الفرض في البحث العلمي، فإذا اتضح للعالم أن الفرض لا يمثل ما هو واقعي أخذ في البحث عن غيره حتى لا يفسد كشفه العلمي  (76).

ثالثاً : جون ستيوارت مل يناظر  هيوإل 

عندما قرأ “جون ستيوارت مل” كتاب فلسفة العلوم الاستقرائية لوليم “هيوإل” قرر أن يناظر” هيوإل” حول القضايا الجديدة التي صاغها في كتابه وقد سجل مل تلك المناظرة عبر فصول كتابه ” نسق المنطق” system logic، ثم قام “هيوإل” بالرد على تلك المناظرة، وذلك في الجزء الثالث من فلسفة العلوم الاستقرائية والمسماة بفلسفة الكشف.

نبدأ أولاً : بالخلاف حول كلمة الاستقراء فقد اتفق كلا منهما مبدئيا على استخدام الكلمة للدلالة على أي إجراء علمي يبدأ من وقائع خاصة ومحدودة وينتهي بقضية عامة سواء على تلك الحالة موضع البحث أو على غيرها وعلى استخدام كلمة الاستقراء أيضا على عملية ملاحظة النظريات ككل وعملية ربطها معا (77).

وإذا كان “مل” و”هيوإل” اتفقا حول معنى الاستقراء، إلا أنهما اختلفا حول الأمثلة التي يقدمها كل منهما، فمل يرى أن الاستدلال القائل : ” كل البشر فانون ” المشتق من القضية ” بيتر وجون وبول.. الخ فانون “، هو مثال للاستقراء. إلا أن الإجابة المفاجئة هو أن “هيوإل” استدل على أن ” كل ما ينتمي إلى ب من القضية القائلة ” كل ما يمكن ملاحظته لـ أ يمكن ملاحظته لـ ب  ” وصف لا يتوائم مع الاستقراء (78).

ويشرح  “هيوإل” ديناميكية أمثلته التي يعطيها للاستقراء قائلاً ” أنه قد يبدو أن الأمر يتكرر تخيله  بأن القضية العامة ناتجة عن وضع الحالات جنباً إلى جنب أو من خلال ربطها وتمديدها معا. ولكننا إذا أخذنا بعين الاعتبار تلك العملية بصورة أكثر دقة، فسوف نجد أن كل ما سبق وصف غير كافي. الوقائع الجزئية معا هكذا، ولكن هناك عنصر جديد يضف للمزيج في كل حركة من حركات الفكر، ولعل تلك العناصر هي ما تجعلها متجمعة . هناك مفهوم متقدم في القضية العامة ولا يوجد في أي من وقائع الملاحظة (79).

ويترتب على ذلك أن مفهوم الاستقراء في تصور مل يختلف عن تصور “هيوإل” له، فهيوإل يصر على أن في كل عملية استقرائية تحمل بداخلها ما لا تقدمه الظاهرة، وإنما ما يقدمه العقل أيضا، وما يقدمه العقل لا تستطيع الظاهرة تقديمه، ألا وهو تقديم الفكرة العامة والمفهوم الجديد في كل مرحلة ضروري للوقائع، فهو الذي يجعلها تقفز سوياً لتصل إلى مرحلة القضايا العامة، والتي يتكون منها العلم (80).

ويصر “هيوإل” أيضاً على أن أي استقراء حقيقي لا بد من أن تكون الوقائع معروفة، ولكنها معزولة Insulated وغير مترابطة unconnected في البداية… اللؤلؤ Pearls موجود هناك في انتظار شخص ما يأتي ليربطه في الخيط ليصنع حلية مترابطة (81).

وهنا اللؤلؤ على حد تعبير  هيوإل هي معطيات الملاحظة  Dataوالموجود بالفعل مسبقا، والخيط String هو المفهوم الجديد الذي يربط ويوحد تلك المعطيات. والقضية ” كل البشر فانون ” هي قضية لا يصنفها  هيوإل تحت مفهوم العام، فهي لا تضم مفاهيم جديدة لـ ( البشر / و / صفة الفناء) فهي لا توصف بأنها موجودة في أي من وقائع الملاحظة (82).

أما القضية ” كل أ هو كل ب ” تحمل قضية تندرج تحت العام. وللتوضيح أكثر نضرب المثال الآتي ” كل الكواكب تدور حول الشمس ” قد يكون المفهوم السابق نتيجة لاستقراء حقيقي خاصة إذا كان مفهوم الدوران حول الشمس، قد جاء ليقدم خصائص شائعة وعامة لكواكب معينة، نعم قد تدور حول الشمس، ولكن ليس من خلال الاستخدام الفعلي لنفس المفهوم. الاستقراء لا يعرف من خلال نتيجة العملية ولكن من خلال العلاقة بين المقدمات والنتيجة (83).

ثمة نقطة أخرى جديرة بالإشارة، وهي أن مل قد اتفق مع  هيوإل في كل شيء بشأن ربط الوقائع، فيما عدا إصرار  هيوإل على أن ربط الوقائع جزء ضروري وأساسي في كل استقراء.. مل اتفق على الربط أمر مشترك و شائع في العلم. كما اتفق أيضا على أن المفاهيم تضاف من خلال عقول العلماء. ولكن على خلاف  هيوإل ، يرى مل أن الربط يأتي في مرحلة واحدة، وهذه المرحلة سابقة على الاستقراء، وفي تلك المسألة يكمن الخلاف بينهما (84).

ويفترض أن  هيوإل اخطأ فيما يتعلق بالعملية النموذجية للاستقراء، إذ يعتمد الاستقراء عند  هيوإل خاصة على تقديم مفهوم جديد. وهذا خطأ في رأي مل لأنه يخلط بين أمرين مختلفين هما الاختراع والبرهان، وفي هذا يعارض مل بشدة كل ما يخص الاستقراء من حيث النظر إليه بوصفه وسيلة لاجتلاب مفهوم جديد. ويقول مل في ذلك أن المفهوم الجديد يمكن الإتيان به بشأن نتيجة استقرائية، وبذلك يتساوى كل من الوصف والاستقراء، ولا تتم التفرقة بين الوصف وبين الاستقراء إلا بسبب خاصية على شيء غير مرئي ابتداء من شيء خاضع للملاحظة. خذ هذه القضية مثلا :” كل إنسان فان ، إنها بالتأكيد عبارة عن نتيجة استقرائية، وبرغم ذلك فهي لا تقدم أي مفهوم جديد (85)”.

من ناحية أخري يرى مل أن المفهومات غير المتصورة  لا يمكن إدراكها إلا من خلال الأشياء وخلال الإجراءات التي تؤدي إلى تكوينها فهي تملك إذن دلالة فاعلية، ومن الصحيح أن مثل هذه العمليات الوصفية البحتة تستلزم إزاءها مفهوما ذهنيا، إذ يقوم المفهوم في عقلنا لا في الواقع، ولكن برغم ذلك لا بد في المفهوم من شيء متصور. وإذا لزم أن يوافينا المفهوم ببعض المعرفة الخاصة بهذه الوقائع لزم أن يكون مفهوما ” عن شيء ” ما موجود حقيقة بين الوقائع أو عن خاصية بهذا الشيء يملكها فعلا ويبديها لحواسنا إذا كان من طبيعة هذا الشيء أو هذه الخاصية أن يؤثرا على حواسنا (86).

ولا يتجاهل “مل” دور مفهوماتنا في دراسة الوقائع، ولم يعارض أحد في أن البرهنة على شيء تقتضي وجود مفهوم ذلك الشيء، وعندما نشمل عدا من الأشياء في تعبير عام يكون مفهوم شيء ما مشترك في كل هذه الأشياء – متضمنا في التعبير، ولكن لا يلزم عن ذلك إطلاقا أن يكون المفهوم سابق الوجود ولا أن يكون المفهوم قد تكون في الفكر بغير مواد خارجية، ويجب أن يكون مفهوم الاهليج قد خطر على فكر “كبلر” قبل أن يكون قد تعرف على مدار الكواكب السيارة بشكلها الاهليجي (87).

ويرى “مل” إذا كان “هيوإل” يؤكد على أن المفهوم يشبه شيئاً مضافاً إلى الوقائع، ويوحي كلامه من بعد بأن كبلر قد وضع شيئاً في الواقع بطريقته في تصورها، غير أن كبلر لم يفعل شيئاً من ذلك، وكان الاهليج قائماً في الوقائع قبل أن يتعرف عليه “كبلر” تماماً، كما أن الجزيرة جزيرة قبل أن ندور حولها، ولم يسقط “كبلر” على الوقائع ما فكر فيه، ولكنه أسقط عليه ما رآه فيها، ولا شك أنه لا يوجد اختلاف من حيث طبيعة ما نراه وما نتصوره، فالمفهوم شبيه بالإدراك. ولكن تعقيد التفصيلات التي يلزم وصفها فيما يتعلق بالمفهوم أكبر بكثير من التعقيد الذي يلزمنا استشعاره إزاء الإدراك : فمثلا إذا تركت الكواكب خلفها أثر مرئيا في الفضاء وكان المراقب قادرا على رؤية أجزائه بأكملها على التوالي لا دفعة واحدة – فسيكون قادرا بفضل المواءمة بين ملاحظاته المتقطعة، على أن يكتشف أن المدار اهليجي وأن الكوكب يتحرك في مدار اهليجي في وقت واحد، ولا فرق بين هذا المراقب وبين الملاح الذي يكتشف أن قطعة أرض جزيرة في الواقع بمجرد دورانه حولها (88).

ولن يعارض أحد كما يقول “مل” في أنه إذا كان الطريق بالكواكب مرئيا في الفضاء فسيتم تقرير الهوية بينه، وبين الاهليج عن طريق تعمد وصفه، وعلى ذلك فعلي الرغم من أن المدار لم يكن مادة حسية مباشرة، فقد كانت كل نقطة من نقاطه قابلة للتحديد الدقيق، كما لو كان ذلك المدار مادة حسية مباشرة، وهذا من شأنه أن يذلل من ثم عملية العثور على تفصيلات ذات دلالة فيما يتعلق بالمفهوم في إطار العمليات الخارجية التي تشير إلى الوسائل التي يمكن عن طريقها تكوين المفهوم ذاته (89).

من على صواب بشأن الأمثلة العلمية ؟ فهيوإل ومل قد تناقشوا وتجادلوا حول الطبيعة الدقيقة لاكتشاف كبلر، حيث يبدأ كبلر بملاحظة وضع حركة المريخ بالنسبة للشمس في أوقات مختلفة. وتلك الملاحظات يجب أن ينظر إليها على أنها تمثل نقاط مبعثرة حول الشمس التي استنتج منها كبلر على أن المدار الذي يدور فية المريخ اهليجي. هل يمكن أن يكون هذا المثال مصاغ على أنه مثال للاستقراء بالمعنى الذي تصوره مل ؟ .. هيوإل ومل اتفقوا على أن نتيجة الاستدلال الذي يقول أن ” كل النقاط المتمثلة في مدار المريخ تقع في الاهليج  ب، حيث ب تمثل اهليج معين “. ولذلك في هذا المثال فإن التنبؤ بـ أ، معناه وضع المريخ، والتنبؤ بـ ب معناه أنه يقع في الاهليج ب  (90).

ولكن مل أصر على أن الوصف جزء من العملية والعملية التي تصف تلك النقاط على أنها تقع في الاهليج ب تحدث بشكل سابق على الاستقراء ذاته. معنى هذا أنه قد قال بأن معطيات الخاصة بصورة الاستدلال تحدث في الوقت س1، والمريخ يقع في الاهليج ب وفي زمن س 2، والمريخ يقع في الاهليج ب.. وهلم جرا. ومن الملاحظ أنه بالنسبة لمل فإن التنبؤات التي تظهر في القضية العامة تظهر أيضا في وصف المعطيات، ولذلك فإن الاستدلال يكون منبثق من تلك القضية ” كل ما يمكن ملاحظته أنه ينتمي إلي أ، فإنه ينتمي إلي ب ” بالنسبة للنتيجة ” كل أ هو ب ” (91).

أما  هيوإل فيصر على أن مفهوم الاهليج مقدم أثناء   الاستقراء. وبالنسبة ل هيوإل فإن المعطيات لا تصف استخدام مفهوم الاهليج، وإنما تصفه في معاني لها أفكار أولية مثل ” الوضع ” و ” الزمن”، ففي زمن س1 فإن المريخ يكون في الوضع ص1 وفي الزمن س2، والمريخ في الوضع ص 2.. وهلم جرا. وهنا في تلك اللحظة فقط الوقائع تتجمع معا من خلال مفهوم الاهليج، بحيث يبرز من خلال ذلك القضايا العامة التي منها يتكون العلم (92).ولذلك فإن النتيجة التي توصل إليها كبلر ليست مجرد ” توحد للأجزاء ” أو مجرد جمع للوقائع ” Collection of prticulars (93)، أو الملاحظات المختلفة البسيطة، لأن الملاحظات لا تحتوي على تصور الاهليج وأن كبلر لم يلاحظ مطلقا مثال التعميم. الأمثلة والشواهد قد يستدل عليها من التعميم بعد الاستقراء الذي قد اكتمل. وأمثلة التعميم هي الكتل التي تبني الاستقراء وتمثل النواتج العرضية للاستقراء. والنظام الذي توصل إليه ما كان خاطئاً، وكذلك فهمه للتاريخ كان فهما خاطئاً.

وإذا كان “مل” يرى أن خاصية وقوع الاهليج بمستدل عليها من البيانات والمعطيات من تلقاء نفسها، ليس في الأمر جديد أضفناه، ومن ثم كان تأكيده (94) على أن كبلر لم يضف ما تخيله على الوقائع، ولكن شاهد هذه الوقائع بما فيها من خصائص.Kepler did not put what he had conceived into the facts، but saw it in them ، ” نعم المفهوم موجود هناك في الوقائع ” قالها  هيوإل، ولكن هل يوجد ذلك المفهوم من تلقاء ذاته، وإن وجد فهل يفهم بدون مجهود؟ لقد وجد كبلر مفهوم الاهليج داخل الوقائع التي لاحظها، لكنه كان يوجد بداخلها دون شك لسبب ما، ولكن أيضاً لسبب آخر قد حمل بعقله تلك العلاقات والملكات التي جعلته يدرك هذا المفهوم ويحل شفرته (95). أما “مل” فلا يعطينا إجابة مقنعة ؛ حيث يفترض أن يفترض ” مل” أن المسار المريخي ليس على شكل اهليج بمعني الكلمة، فربما أخفق نيوتن أو اخفق كبلر عندما جمع مل بين نيوتن وكبلر، إلا أن “هيوإل “وبذكاء شديد لا يتخذ من افتراض مل فرصة للهجوم عليه، فهيوإل لا يترك مساحة لاحتمال وجود خطأ في الاستدلال الاستقرائي أو مجرد وجود خطأ في الفرض، وحتى لو وجد هل الخطأ فإنه لا يمثل مشكلة بقدر ما قد يمثل هذا الخطأ دور إيجابي فيمل يقول  هيوإل فيما بعد.

على أية حال يقول “هيوإل” :”إن القول الذي يجب ان نتذكره دوما هو أن الفرض سيكون دائماً في خدمة العلم، حتى وإن كان يحمل نصيب من النقصان وعدم الاكتمال، بل وحتى إذا كان خاطئا، فإنه يستحق منا الاهتمام به، وهل الاهتمام يتمثل في تجميع هذه الوقائع وفرضياتها معا، ليصبحوا في نسق واحد، ومن ثم فسيخرج وبصورة أوتوماتيكية الفرض الخاطئ، سنستبعده، بل سيستبعد نفسه عندما نفسر الظاهرة وفرضياتها، وبالأحرى عندما نربط أطرافها معا “.

الخاتمة

بعد هذه الجولة السريعة من عرض “وليم  هيوإل.. ناقداً فرنسيس بيكون ومناظراً جون ستيوارت مل”، فإنه يمكننا أن نخلص إلى أهم النتائج وذلك على النحو التالي :

إذا كان وليم هيوإل قد هيأ  نفسه ليكون تابعا لفرنسيس بيكون في منهجه الاستقرائي، إلا أنه كان مطالبا بإعادة إحياء منهج بيكون في الاستقراء على أن هناك دائما عنصر جديد يضاف إلى مجموعة المراحل الفكرية، لكل حركة عقلية مجردة من هذه المراحل الفكرية المجتمعة، هذه الحركة العقلية كما يقول “هيوإل” هي عملية ” التأليف”، وهو يشرح هذه العملية العقلية بتجميع عدد من الحقائق التجريبية و” تأليفها” ليكون مفهوم يجمع هذه الحقائق و ويوحدهم تحت قانون عام، وهذا المفهوم هو فكرة الفرض العلمي.

إن الفلسفة العامة للعلم عند  “هيوإل ” تتصف في ملامحها العديدة بأنها حديثة على نحو قوي. فقد اهتم  “هيوإل” ولكن على نحو غير بدائي بما يشار إليه الآن على أنه منطق العلم وتوقع الروابط الصورية بين أجزاء الأنساق العلمية الكاملة.وقد حاول “هيوإل” أن يصوغ  القواعد العامة لمنهج البحث العلمي، وبالأخص الاهتمام بالقواعد المنتجة والمعتمدة حقا من قبل نتائج العلماء، خاصة وأن مثل هذه التعميمات المنهجية تنتج منطق العلم. كما حاول “هيوإل” أن يقدم لنا أعمالاً ابستمولوجية، كانت مثار إعجاب واهتمام الفلاسفة المعاصرين، وهذه الأعمال كشفت عن مصداقية النتائج العلمية.

بالنسبة “لهيوإل”، بمجرد أن تخرج النظرية إلى حيز الوجود من خلال “استقراء” الباحث، لابد وأن تعبر العديد من الاختبارات الاستنتاجية قبل اعتبارها مؤكدة كنظرية مبنية على الاختبار والملاحظة، وهذه الاختبارات هي مجرد سلسلة من التنبؤات المترابطة منطقيا، هذا التصنيف من خلال “هيوإل” قصد به أولاً أن يكون الفرض، هو الظاهرة المتكهن بها التي لم تلاحظ بعد، وثانياً أن يكون فهم وتحليل هذه القضايا بطريقة مختلفة عن تلك التي تكون بها الفرض في بدايته من خلال تأملنا وتنبؤنا، فالأمر الآن مختلف في هذه المرحلة عن سابقتها، وثالثاً وهو الأهم ان تصبح الفرضيات التي نطرحها أو طرحناها أكثر تماسكاً عبر الوقت، وإلا فهناك خلل

أحد المواضيع الهامة التي تشغل بال فلاسفة العلم الآن من قبل،هي العلاقة بين العلم كممارسة وكتأريخ، وبين الكتابة في فلسفة العلم، ولعل اهتمام  هيوإل بذلك الجانب، إنما يرجع إلى كونه أحد الممارسين للعلم، وأحد المؤرخين له، والكاتبين في فلسفة العلم أيضاً، والبؤرة تتضح في كتابة “تاريخ العلوم الاستقرائية” كانت مسحة تاريخية حول العلم منذ القدم وحتى عصرة، معتمداً معرفة العلم من خلال تاريخه، ولعل كتاباته، ومقالاته، ودراساته، في مختلف الفروع، هي أكبر دليل على ذلك، بل وله أهمية كبرى؛ إذا إلى أي مدى تظهر أهميته في فلسفة العلم؟

عندما قرأ “جون ستيورات مل” كتاب “فلسفة العلوم الاستقرائية” لوليم  هيوإل قرر أن يوسع بحثه عن “منطق الاستنباط” ليتضمن كتابا عن “المنطق الاستقرائي”. ومن ثم فقد جمع “مل” كل ما يمكن أن يعطيه إحساسه تجاه “هيوإل” الذي كان يمثل في تلك المرحلة واحداً من أكثر مؤرخي العلم. ولقد كان كتاب “مل” المسمى system logic بمثابة البذرة المنطقية لفلسفة “هيوإل” العلمية التي هبت عليها بعض الرياح، فأزاحت بعيداً تلك القشرة عن كل ما غير منطقي، أو على الأقل، كان هذا يعد اعتقاد الذين لم يفهموا الأجزاء التي كان يتحدث فيها “هيوإل” والتي ظن البعض أن “مل” قد رشحها له. ومن ثم يمكن القول بأن كتاب system logic يعد بداية الخلاف، ثم تشعب هذا الخلاف، ليشمل نقاط أخرى، ولعل من أهمها المنهج المتبع في العلم، وقد وصف “هيوإل” المنهج الفرضي الاستنباطي عند “مل”، بأنه يكاد يقترب في محتواه مما عرض في فلسفة العلوم المعاصرة، ولما كان “مل” يعد رجلاً من رجال المنطق؛ فقد نظر للغة على أنها وعاء لخبرات الإنسان السابقة، وبأنه على الرغم من أن لغة العلم خصبة، إلا أنها يجب فصلها عندما ننظر للعمليتين داخل العلم كعلم وكإجراءات علمية. وقد كانت وجهة نظر  “هيوإل” مختلفة، فقد نظر للغة بأنها أحد عوامل التتابع والمقدمة التي يجري الاستفادة منها، وأخذها في الاعتبار عند عرض مفاهيم جديدة، أو لشروح قديمة على أنها خطوة لحل جزء من تلك المعضلة، ولقد كانت الاختلافات السابقة بين  “هيوإل” و”مل” تقودنا إلى خلاف حول المنهج والنسق ولنظام الذي يجب أن يتبعه أي إجراء علمي وشكل بذلك سلسلة من القضايا.

وهيوإل اعترف أيضاً أن تاريخ العلم يحتوي على العديد من الأمثلة للفروض الكاذبة التي قامت ببعض التنبؤات الصحيحة ( مثل نظرية الفوجستون)، ولذلك فهو لم يعتقد أن القدرة التنبؤية المحددة تكفي لاقتناعنا  بصدق الفرض. وحين يجتاز الفرض أكثر من اختبار صارم، فإن “ربط الاستقراءات” طبقاً لهيوإل تمثل البينة التي تقودنا إلى إثبات أن النظرية صادقة ؛ والاختبار الثالث : ربط الاستقراءات تمثل البينة الأكيدة على مصداقية الفرض في أكثر من طرفين هما :

أ- حين يمكننا الفرض من تفسير وتحديد الحالات التي من نفس النوع تكون مختلفة عن تلك التي تأملناها في تشكيل فروضنا.

ب- حين نفسر اثنين وأكثر من الأنواع المختلفة للظاهرة، كدوران الكواكب وسقوط الأحجار ومبادرة الاعتدالين ؛ فإن هذا يؤدي بنا إلى نفس السبب، ومثل هذه الصدفة، تضفي واقعية للسبب. وفي الحقيقة لدينا في مثل هذه الحالة ”

إن “هيوإل” شأنه شأن “كارل بوبر” أراد أن ينكر الدور الاستقرائي للملاحظة، وذلك من أجل حفظ كيان العقل والقوي الخلاقة، ويرفض أن يحيل الإنسان إلى آلة صماء، تقصر عملها على تسجيل انطباعات التجريب، وتعمم نتائجها لتصل إلى القانون ؛ وكأن الإنسان حسا فحسب وليس حسا وعقلا وقدرات على الابتكار العلمي والخلق الفني… وسائر مكونات العالم الثالث. هذا درس عميق للتجريبين، وقد نصت كتابات بوبر على أنه يناصبهم العداء، أولئك الذين بالاحتفاظ بالمدركات الحسية خالصة صافية بقدر الإمكان بلا إضافة أو نقصان، فتكون بهذا المعرفة اليقينية، حتى جاء “كانط” ليقول لهم:” المعطيات الحسية لا تشكل إلا المادة الخام “.

إن مفهوم الاستقراء في تصور مل يختلف عن تصور  هيوإل له، فهيوإل يصر على أن في كل عملية استقرائية  تحمل بداخلها ما لا تقدمه الظاهرة، وإنما ما يقدمه العقل أيضا، وما يقدمه العقل لا تستطيع الظاهرة تقديمه، ألا وهو تقديم الفكرة العامة والمفهوم الجديد في كل مرحله والمفهوم الجديد ضروري للوقائع، فهو الذي يجعلها تقفز سويا لترتع إلى مستوى القضايا العامة والتي يتكون منها العلم.

هناك بعد حدسي يميز فكرة “هيوإل”، وهو أن الاستقراء الحقيقي هو استدلال للتفسير الجيد، وهذا التفسير يجب أن يقدم الأسباب النظرية التي توحد وتوضح وقائع الخبرة. ” كل البشر فانون” لا تفسر لماذا جون وبيتر وبول فانون بالمعنى المعقول، بينما ” كل الكواكب تدور حول الشمس ” تفسر تكون الحركة الرجعية للكواكب البعيدة جدا عن أنظارنا موجودة، ويمكن تحديد السبب استقرائياً، ولذلك فإن الاستقراء عند  “هيوإل” ينزع نحو أفضل تفسير ممكن ونحو أكثر واقعية، إلا أنه يتطلب شرحاً أكثر لعناصره  الاستقرائبة.

………….

الهوامش

 

) 1)  د. يمنى طريف الخولي : فلسفة العلم في القرن العشرين ( الأصول – الحصاد – الأفاق المستقبلية)، عالم المعرفة، عدد 264، ديسمبر / كانون الأول،2000 م، الكويت، ص 163 – 164.

(2) Laudan,L.:William Whewell on The Consilience of Inductions,Monist55:368-369.

) 3)  د. يمنى طريف الخولي : نفس المرجع، ص 138.

(4) H.W. Becher : William Whewell and Cambridge Mathematics , Historical Studies in the Physical Sciences,11,1981,P.3-4.

(5) د. عبد الله العمر : ظاهرة العلم الحديث – دراسة تحليلية وتاريخية , عالم المعرفة ، عدد 9،  ذو الحجة – ذو الحجة – 1203هـ / سبتمبر ( أيلول ) 1983م , ص 13-14.

(6) د. سهام النويهي : نظرية المنهج العلمي , دار البيان , القاهرة , 1995 , ص 9 – 10.

(7) د. يمني الخولي : المرجع نفسه، ص 155.

(8) د.سهام النويهي : المرجع نفسه، ص 10 –11.

(9) د. فؤاد زكريا : آفاق الفلسفة، مكتبة مصر، القاهرة،    1991، ص 82.

(10) د. ماهر عبد القادر : فلسفة العلوم الطبيعية ” المنطق الاستقرائي “، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1979،  ص 105.

(11) J.S. Mill : A System of Logic، ratiocinative and inductive , Logmans , 1959  , P. 196.

(12) ibid , P. 284.

(13)  د. يمني الخولي : المرجع نفسه، 145.

(14) المرجع نفسه، ص 145.

(15) د. سهام النويهي : المرجع السابق، ص 14.

(16) Heathcote , A. W. : William Whewell s Philosophy of Science , British Journal Philosophy of Science , 1953 , 302-312 – 1954.

(17)  د. فؤاد زكريا : آفاق الفلسفة، ص 81 – 82.

(18) المرجع نفسه، ص 96.

(19)  د. سهام النويهي : نظرية المنهج العلمي، ص 15.

(20)  المرجع نفسه، ص 16.

(21)  المرجع نفسه، ص 17.

(22) William Whewell : Novum Organon Renovatum ( Selecte Passages From Books II and III) in William Whewell Theory of Scientific Method, Edited With on Introduction by Robert E. Butts , backett Publishing Company , Indianapolis / Cambridge , P. 142.

(23)  د. ماهر عبد القادر : مناهج ومشكلات العلوم ( الاستقراء والعلوم الطبيعية )، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1979، ص 153 – 154.

(24) William Whewell : Whewell s Reply To Mill , In William Whewell Theory of Scientific Method , Edited With on Introduction by Rebort E. Butts , backett Publishing company , Indianapolis / Cambridge , P. 301.

(25) lbid , P. 303.

(26)  أنظر الموسوعة الفلسفية المختصرة، نقلها عن الإنجليزية فؤاد كامل وجلال العشري وعبد الرشيد الصادق، راجعها وأشرف عليها وأضاف إليها شخصيات إسلامية د. زكي نجيب محمود، مكتبة الأنجلو المصرية، بدون تاريخ، ص 410.

(27) William Whewell : Novum Organon Rwnovatum P , 138.

(28) Ibid , P. 176.

(29) William Whewell Whewell s Reply To Mill , P.305.

(30)  د. سهام النويهي : المرجع نفسه، ص 17 – 18.

(31)  د. يمني طريف الخولي : فلسفة العلم في القرن العشرين، ص 140.

(32)  المرجع نفسه، ص 140 – 141.

(33)  المرجع نفسه، ص 140 – 141.

(34) د. ماهر عبد القادر : مناهج ومشكلات العلوم، ص 157.

(35) المرجع نفسه، ص159.

(36) د. محمد عابد الجابري : مدخل إلي فلسفة العلوم – العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الدار البيضاء، ط3،1994، ص 283-284.

(37) William Whewell : Nouvum Organon Renovatum ,P.140.

(38) Blanche, Robert: William Whewell, in : The Encyclopedia of Philosophy ,Vol.8, ed. By Paul Edwareds, Macmillan Publishing. New York , 1972, P.288-289.

(39)  Blanche, Robert : Ibid, P.289.

(40) Ibid, P.289.

(41)  William Whewell  : Novum Organon Rwnovatum P. 169.

(42) د. محمد عابد الجابري : مدخل إلي فلسفة العلوم – العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي،  ص 284.

(43) د. ماهر عبد القادر : مناهج ومشكلات العلوم، ص 112.

(44) المرجع نفسه، ص113-114.

(45) المرجع نفسه، ص 114.

(46) المرجع نفسه، ص 117.

(47) William whewell : William whewell`s Reply to Mill , P.320.

(48) Ibid , P.321.

(49) Ibid , P.322.

(50)  Blake, ralph M.,J. Ducasse and Edward H. Madden: william Whewell`sPhilosophy of Scientific Discovery , in Theories of Scientific method inRenaissance though The Nineteenth century ,university of washington press , U.S.a, 1960,P.200-201.

(51) OP.Cit , P. 151.

(52) OP.Cit , P. 151.

(53) OP.Cit , P. 152.

(54) OP.Cit , P. 153.

(55)OP.Cit , P. 152.

(56) OP. Cit , P. 153.

(57) د. ماهر عبد القادر : مناهج ومشكلات  العلوم، ص 166-167.

(58) OP. Cit , P. 153.

(59) OP.Cit , P. 149.

(60) OP.Cit , P. 134.

(61) أنظر : بدوي عبد الفتاح : فلسفة العلوم، دار قباء، القاهرة، 2000، ص 124.

(62) William Whewell  : Ibid , P 159.

(63) Ibid , P 134.

(64) Ibid , P 134.

(65) Ibid , P 134.

(66) Ibid , P.223.

(67) Ibid , P.223.

(68) Ibid , P.223.

(69) op,cit , P.223.

(70) op,cit , P.223.

(71) op,cit  , P.223.

(72) Ibid , P.223 – 224.

(73) Ibid , P.237.

(74) Ibid , P.237.

(75) Ibid , P. 235.

(76) د. ماهر عبد القادر : مناهج ومشكلات العلوم، ص 17 –  171.

(77)  William Whewell : Novum Organon Removatum , P 140.

(78) Ibid , P. 260.

(79)William Whewell : Novum Organon Removatum , P. 140.

(80) Ibid,P.201-202.

(81) Ibid ,P.269.

(82) Ibid , P.270.

(83) Ibid , P. 266.

(84) Mill : A system of Logic , P.303.

( 85) Ibid, P.305.

(86) د. عبد الفتاح الديدي : النفسانية المنطقية عند جومن ستيوارت مل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1985، ص 126.

(87) المرجع نفسه، ص 126.

(88) المرجع نفسه، ص 127.

(89) المرجع نفسه، ص 127.

(90) E.W.Strong : William Whewell and Jhon Sturart Mill their Controversy over Scientific Knowledge، Journal of History of Ideas , 16, 209-21.

(91) Ibid, P. 211.

(92)William Whewell : Novum Organon Removatum , P.201.

(93) Ibid ,P.163.

(94) Mill : A system of Logic , P212.

(95) William Whewell : Novum Organon Removatum , P.201.

_______________
*الأستاذ الدكتور محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

جديدنا