سلطة النص والأخلاق

image_pdf

مقدمة:

ثمة مواقف متباينة من التراث، بعامة، والنص الديني خاصة، بين من يدعو إلى قطيعة تامة مع التراث والالتحاق بالغرب وحضارته، محملاً إياه أسباب تخلف الأمة، وهي دعوى ظهرت مع بدايات الصدمة الحضارية، وانقسام الموقف من التراث. كما دعا لذلك سلامة موسى الذي قال: (إنّ أسوأ ما أخشاه أن ننتصر على المستعمرين ونطردهم، و ننتصر على المستغلّين ونخضعهم، ثمّ نعجز عن أن نهزم القرون الوسطى في حياتنا ونعود إلى دعوة: عودوا إلى القدماء)[1]. وآخر دعا لتكريسه، وبعثه من جديد، رافعاً شعار الخطأ في التطبيق لا بالتشريع، وهو اتجاه سلفي. بينما ذهب ثالث إلى موقف معتدل قاده جمال الدين الإفغاني، من أجل نهوض حضاري قائم على تراث الأمة وجذرها الديني – الإسلامي، وبذات الوقع الاستفادة من التجربة الغربية لتطوير الواقعين العربي والإسلامي. وسنتوقف عند النصوص الدينية، كيف يمكن التعامل معها؟

المطلوب فهم النص / الحكم، ضمن سياقه التاريخي، بعيداً عن التقديس. أو افتراض وجود ميتافيزيقي للحكم يحول دون إدارك ملاكاته. فربَ ظرف ما وراء صدوره، يمنع إطلاقه أو تعميمه. أو كان ثمة سبب لصدوره وقد انتفى موضوعه، فيفقد النص / الحكم فعليته. وما لم يؤخذ السياق في فهم النص تتغير جملة من الأحكام كالموقف الشرعي من الآخر وفقاً لفتاوى الفقهاء. والكلام عن النص الديني وخصوص النصوص التشريعية. مثاله مفتتح سورة التوبة التي تأمر بقتال المشركين أينما كانوا، التي كانت ناظرة لمجموعة محاربة، ترفض السلم وتتشبث بالعنف، وتصرّ على نصب العداوة والبغضاء لهم. فالآية كانت ناظرة لها بالذات، ولم تستبح دماء المسالمين منهم، وهم كل من نأى بنفسه عن محاربة المسلمين. بشكل أدق كان الحكم موقفاً من عدوانيتهم لا من شركهم. الشرك قضية فكرية لا تُعالج بالقتل بل المناظرة والأدلة المقنعة: (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَٰنَكُمْ)[2]، وقد استعرض الكتاب صور مختلف لمحاججات الرسول مع أهل الكتاب، دون أن يأمر بملاحقتهم وقتلهم. وليس هذا تبريرا بل يستمد صدقيته من آيات محكمات كثيرة، تدعو للتسامح والرحمة وعدم الظلم والعدوان. وتحرّم سفك الدماء وقتل النفس المحترمة، والبدء بالقتال، وتأمر بالجنوح للسلم والاستجابة لأية هدنة ممكنة.  أو بالتعبير الأصولي أن الحكم في الآية كان ناظراً لقضية خارجية محددة، تمنع من إطلاقه أو تعميمه. وعندما يجرد الحكم من ظرفه الزمكاني، يبدو مطلقاً، يمكنهم الاستدلال به على وجوب قتل المشركين أينما وجدوا، تحت قاعدة “المورد لا يخصص الوارد”[3]، فالقاعدة تجرّد الحكم من سياقه التاريخي. وعلى هذا الأساس هدرت الحركات الدينية المتطرفة كرامة الآخر، واستباحت دماءه دون رحمة أو شفقة امتثالاً لقوله: (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ)[4]. رغم إمكانية السلم والهدنة والصلح في الآية ذاتها. وقد أجهزوا على ناس أبرياء لا ذنب لهم سوى ولادتهم في بيئة دينية مختلفة. إن منطق التكفير يشكل خطرا على قيم الدين ورسالته التي يفترض أنها رسالة سلام. ولا تخفى الدوافع السياسية للخلفاء وفقهاء السلطان وراءه. تكتشف ذلك عندما تتحرى تاريخيتها، وتبحث عن أسبابها وفرز الإلهي عن البشري ومختلف التأثيرات السياسية والثقافية. إن دراسة النص تاريخياً تكشف تفاصيله، أسباب صدوره، مقاصده، وفعلية شروطه. وقد قمت فعلاً بدراسة حديث الغدير في كتاب: “مضمرات العقل الفقهي”[5]، دراسة تاريخية – تحليلية، فانتهى البحث إلى نتائج مغايرة للمشهور. وربما صادمة للبعض، بعد تقصي أسباب صدوره وإجراء مقارنة بين الروايات التي نقلت الحدث التاريخي، ودراسة ظرف صدوره، ودلالاته ومدى تأثر فهم وتفسير حديث الغدير بصراع السلطة وامتدادتها على امتداد القرون الأربعة الأولى. وهكذا عندما تدرس تاريخ بعض الأحكام الشرعية، تكتشف دلالات مغايرة في ضوء سياقها التاريخي. والحالة أوضح بالنسبة لفتاوى الفقهاء والأحكام الفقهية، حيث هيمنت النزعة الطائفية والأيديولجية، وراح الفقيه يشرعن سلوك السلطان، مهما كان ظالماً، ومهما كان حجم الدماء التي سفكت. وظل الفقيه وفياً لطائفته وتوجهه السياسي. وبالتالي فإن التعرّف على تاريخ النص وتاريخ الحكم الشرعي شرط للتحرر من سلطته ومركزيته، تمهيداً لاستعادة العقل دوره في عملية تشريع الأحكام في منطقة الفراغ التشريعي. يقول إركون: (لكي تتحرر من شيء ما ينبغي أن تكشف عن أصله أو جذره الأول)[6]. القراءة الأحادية للتراث، ضرب من الخداع، حينما تزوّر الحقائق، وتشوّه الواقع، وتعكس لك صورة مثالية عن تاريخك ومقدّساتك .. هدم اسوار القداسة ونقد الموروث أول خطوات النهوض الحضاري.

النص التاريخي

إن جميع النصوص التاريخية والتراثية كانت ناظرة لواقع مغاير لواقعنا. وتعالج قضايا كانت مرتهنة لظرفها، وقد مرَّ عليها قرون، وهي نصوص بشرية وعقول مفكّرة مثلنا، لها غاياتها ومقاصدها. تتأثر بقبلياتها وثقافتها وأيديولوجيتها، فهي غريبة عن واقعنا وإشكالياتنا ومعاناتنا، وينبغي لنا الاستفادة من التجربة التاريخية وتوظيف قيمها الإنسانية، والبحث عن مرجعيات تنجح في تسويات الواقع وحاجاته.

إن أسطرة الرموز التاريخية والدينية لا يغير من الحقيقة. كل ما صدر بعد وفاة الرسول نصوص ثانوية بشرية تشتغل على المدونة الأولى، ومن الخطأ الاستسلام لها بدعوى القداسة عندما تحجب النص الأول وتحل محله. وهذا ما يفعله العقل التراثي، فإنه يتخد من النصوص الثانوية / الروايات مرجعية أولى في فهم النص الأول / القرآن. وكانوا يدينون أي مقاربة للنص القرآني بعيدا عن الروايات. وهذا النوع من التفسير يتمسك به السلفيون، ويسمى: التفسير بالأثر، حيث يغادر العقل، ويحرّم الاجتهاد في التفسير بلا دليل روائي. لا فرق في ذلك بين مذهب وآخر. نحن نعاني بشدة من قداسة الرموز التاريخية الذين مازالوا يفرضون علينا فهمهم للنص. يتعذر النهوض مع وجود عقول مرتهنة للماضي بكل حمولته، ويرفضون الاجتهاد مقابل النص مطلقاً، بدعوة قدسيته وعجز العقل عن إدراك ملاكاته. الأمر برمته مرتبط بالحداثة ومناهج التفكير من أجل نهضة تمهّد لمجتمعات آمنة مستقرة، تتبنى القيم الأخلاقية، وتسعى لضمان حياة حرة كريمة للإنسان. أو بعبارة أخرى: هدف التنوير استعادة مركزية الإنسان وتحقيق التوازن الروحي والمادي، مما يستدعي تجديد مناهج التفكير، بعيدا عن البنية الأسطورية أو القروسطية.

ليس المطلوب مقاطعة التراث مطلقاً، بقدر فهمه وفقاً لسياقه التاريخي، والتحرر من سلطته وهمينته المعرفية، فثمة قيم تعزز المشاعر الإنسانية، وتكسبها مَنَعَةً وقوة. وثمة تجارب تُغني تجاربنا، ومنجز بشري يستحق الاشادة والاهتمام، قد سجل حضوره وساهم في تطور الحضارة الإنسانية في إحدى مراحلها. المطلوب إحداث قطيعة أبستومولوجية مع البنية الخرافية أو القروسطية للتراث، في ظل تطور معرفي أقصى المعرفة الماضية، وأبطل بريقها السحري. ولا يختلف الأمر بالنسبة للروايات التاريخية والدينية، فهناك نصوص تقاوم تحديات الحاضر، وتفرض حضورها، بما تكتنزه من قيم إنسانية وروحية. والكلام عن روايات وأحكام فقهية فرضتها شروط مغايرة، غدت مع مرور الأيام مرجعيات تشريعية يرتكز لها الفقيه رغم نسبيتها وعدم إطلاقها، بفعل القداسة وتقديم النص على العقل، كروايات الصحابة عند السُنة والأئمة عند الشيعة. أو كما اشترط الشافعي: “القياس على مثال”، مهما كانت قيمته المعرفية، حتى لو كان أثراً فيقّدم على العقل. بهذا الشكل تراجع العقل النقدي، أمام العقل التراثي، الذي اقتصرت مهمته على التلقي، والتبرير والتفسير. وبالتالي فهناك ما يدعو لتفادي تداعيات النص، كمرجعية مطلقة، بعيداً عن النقد والمراجعة. وبعيداً عن معطيات العلوم الإنسانية الحديثة، التي ساعدت على فهمٍ جديد للنص ودلالاته. ومكّنت الناقد على اكتشاف مضمراته، وما يريد قوله وما يستبعده ويهمّشه. ليس الدليل والبرهان رهان النص على صدقيته، بل قدسيته، وعقول تم ترويضها لتقبلها بالمعنى الدوغمائي لمفهوم القداسة. وهذا أحد دواعي القول بعصمة الرعيل الأول، وبعض امتداداتهم. العصمة هي ركيزة النصوص الثانوية التي هي عمدة الفقه والاستدلال الفقهي. والتنظير لها ضرورة لتفادي عدم شرعية النصوص الشارحة والمبينة التي صدرت بعد وفاة الرسول. عدم القول بالعصمة يؤدي إلى انهيار القسم الأعظم من المنظومة الفقهية إضافة إلى زعزعة يقينيات عقدية وتلاشي النسخة الرسمية للدين والمذهب التي ارتبطت بها مصالح المؤسسات الدينية ورجال الدين.

النص سلطة، من شأنها إعادة تشكيل الوعي، وفق محدداته وزاوية نظره، حداً لا يمكن للعقل مغادرته. بعد أن تغدو النصوص حقيقة مطلقة بفعل قداستها. وهيمنتها التي تستمدها من المفهوم الدوغمائي للمقدس. وركود العقل النقدي. فتتعالى النصوص على النقد والمراجعة، بفعل أوهام القداسة وأسطرة الرموز التاريخية لإضفاء مبررات نفسية، يتفادى بها الفقيه ارتياب العقل ليتحول مفهوم النقد إلى وسوسة شيطانية، دواؤها الاستعاذة والاستغفار والتسليم المطلق لعقول كانت مؤثرة ضمن ظرفها الزماني والمكاني. وسلبها تاريخيتها يربك التفكير الفقهي والعقدي القائم على أساس الفرقة الناجية، ويلتبس الحق بالباطل، ويحول دون حلحلة إشكالات مازالت تتحدى. وأخطر تلك التداعيات الارتياب من العقل وقدرته على التشريع في منطقة الفراغ وفقا لمقتضيات الحكمة ومبادئ التشريع والأخلاق في إطار الواقع وحاجاته.

إن التخلي عن التراث تخلٍ عن سلطة النص وقيمه وقبلياته، والبراءة من مضمراته وأنساقه. النص حزمة مشفّرة، والتخلي عنه تخلٍ واعٍ عن حمولته المعرفية وإحالاته المرجعية. فهو ليس بريئاً ولا مهادناً بل منحازاً لمصدره وقبلياته. وهو ليس مجرد نسيج لغوي، بل سلطة تستمد صدقيتها من قبليات المتلقي ومن قوة بيانه، وقدراته البلاغية والتعبيرية، وأسلوبه في توظيف المجازات داخل النسق اللغوي، وحجم الإحالات المرجعية في إيحاءاته ورمزيته وقدرته على استغفال القارئ. والنصوص الدينية أثرى وأقدر على مقاومة النقد والتفكيك، حينما تتجدد دلالاتها مع كل مقاربة نقدية. فلا يمكن تسوية الإشكالية ما لم نفهم تقنية أداء النص، وحجم رهاناته على ثقافة الفرد وقبلياته. بهذا يتضح أهمية نقد النص ومضمراته في تسوية إشكاليات مرجعيات التفكير الديني. ولم تعد دراسة النصوص متنا وسندا كافية في زعزعة يقينيات العقل التراثي[7].

الفرد يتأثر بالنص رغم علمه بضعفه أحيانا، مما يعني أن مركز اشتغال النص خارج وعي المتلقي، فهو يستهدف بنية المقولات الأساسية التي يراهن عليها في وجود حقيقته. وهذه مهمة أخرى في دراسة نقد النص، تتطلب عدة معرفية، وقدرة على التفكيك والتنقيب في أعماق النص وقبليات المتلقي، وكيفية وعيه للنص، ومدى تأثير البيئة الثقافية عليه، ورصد قنوات الإرتباط، ومعادلات إشتغال النص داخلها[8].

مستويات سلطة النص

تفشل كل محاولات نقد النص من داخله. التخلي مطلقاً عن سلطة النص والخروج من مداراته شرط لصدقية مراجعته تمهيداً لكشف أنساقه المضمرة، وما يخفي ويبدي. وما يصرّح به وما يتستّر عليه ويمرره كبداهات تستوحي شرعيتها من قدسيته. على جميع مستويات النصوص وسلطته، التي هي:

– سلطة النص على المستوى التشريعي:

عندما يفرض النص متبنيات عقدية وتصورات خاطئة عن الواقع، فتكون مهمة النقد هنا، بيان:

– بيان حقيقة الواقع وخصائصه، ومدى صدق مفاهيم النص عليه.

– تحديد مدى فعلية الحكم، سيما آيات الأحكام التي يتخذ منها الفقيه دليلاً على الحكم، فربما يستدل بآية قد انتفت فعلية حكمها بانتفاء موضوعه، كما في المثال المتقدم. فلا يحق له الافتاء بوجوب مطاردة المشركين مثلاً، مادام موضوع آيات سورة التوبة قضية خارجية. وهذه قضية مهم على مستوى تشريع الأحكام. فكان من فتوى صدرت على هذا الأساس، سيما فتاوى الحركات الدينية المتطرفة.

– سلطة النص على المستوى العقدي:

 حينما تنظّر تلك الروايات لمفاهيم عقدية تتعارض مع العقل والقرآن، فتكون مهمة الناقد:

– فضح منطق الرواية وما ترتكز إليه من مقدمات. وهذا النوع من الروايات منحاز دائماً لمنطق الفرقة الناجية، ويسعى لتعزيز احتكار الحقيقة، والانفراد بالنجاة والخلاص يوم الحساب.

– اكتشاف النسق العقدي الذي يستبطنه كل نص فقهي تشريعي. الذي أعني به ذلك النسق الذي تتوقف عليه حجية النص / الرواية / الحديث، كمفهوم عدالة الصحابة أو العصمة. وحينئذٍ سيكتشف الناقد حجم الروايات المحسوبة على الشريعة ولم تكن جزءا منها، لاختصاص التشريع بالله تعالى، وهي مجموع آيات الأحكام المصرّح بها قرآنياً. أو بشكل أدق الكشف عن البعد الأيديولوجي في النص، وبيان حقيقة موضوعيته واستقلاليته.

– سلطة النص على مستوى البيان:

تتولى جملة واسعة من الروايات مهمة شرح وبيان نصوص الكتاب أو تحديد دلالات الآيات والروايات الشارحة والمبيّنة. وهي آراء بشرية نسبية تتأثر بقبليات مصدرها وبالواقع وأنساقه الثقافية. فتكون مهمة الناقد الكشف عن صدق حجيتها، ومدى قدسيتها. كل النصوص الثانوية آراء شخصية واجتهادات فردية، لا إطلاق لها، بل تتغير تلك الآراء من بيئة ثقافية إلى غيرها. وعلينا رفع الغبش عن عيون الناس من خلال الحقائق التي يكتشفها الناقد.

– سلطة النص في تفسير الظواهر الكونية:

ومعيار الناقد في هذه الحالة، معطيات العلوم الحديثة والكشوفات العلمية، وجميع القوانين الكونية. وهنا ينبغي التمييز بين ما تقدمه الآيات من تفسير بعض الظواهر الكونية وبين الروايات التراثية. الأولى كما تقدم في كتاب الهوية والفعل الحضاري، ليست بصدد بيان وشرح الظواهر الكونية بل كانت تأتي في سياق هدف الرسالات الذي يتطلب تحشيد كل الممكنات البيانية لتعزيز الإلوهية أولاً والتوحيد ثانياً، إضافة لتفنيد حجج المناوئين (المشركون، الملحدون وأهل الكتاب). فعندما يستعرض حركة الشمس والقمر فهو يستعرضها ضمن تفنيد معتقد عبادة النجوم الذي كانوا يعتقدون أنها آلهة تعبد من دون الله، فاستعرضت حركتها الآية لتؤكد أنها أجرام مخلوقة، تتحرك وفق قوانين صارمة.

وأما الروايات فإنها تحيل على البنية لأسطورية للعقل التراثي، ومهمة النقد هي كشف حقائق الأمور من خلال الأدلة العلمية. فالعقول اليقظة تقارن بينهما، وترفض التفسير الأول جملة وتفصيلاً بعد أن ثبت خطأه علمياً. والعقل التراثي المستقيل، الذي يرفض الخروج من مدار التفسير الخرافي للظواهر الكونية فهذا لا فائدة ترتجى من ورائه. وإهماله أفضل من صرف الجهد والوقت في توعيته.

إن الروايات التي قدمت تفسيرا للظواهر الكونية ليست قليلة، مثلاً: ما ورد عن ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أوّل ما خلق الله من شيء القلم، فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء، فخلقت منه السماوات، ثم خلق ” النون ” – يعني الحوت – فبسطت الأرض على ظهر النون، فتحرّكت الأرض فمادت، فأثبت بالجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض، قال: وقرأ: (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)[9].

التنوير اليوم كفاح ومكابدة لاستعادة مركزية الإنسان وحريته بعد تحريره من سجون المقدس والتراث[10].

نخلص: أن قراءة النص / الحكم الشرعي ضمن سياقه التاريخي يتيح لنا معرفة خلفياته، وأسباب صدوره، ومدى فعليته. بهذا الشكل يمكن التخلي عن سلطته واتاحة المجال للأخلاق والعقل يأخذ دوره في عملية تشريع الأنظمة والقوانين لملئ الفراغ التشريعي

***


[1] – الجابري، د. محمد عابد، الخطاب العربيّ المعاصر، المركز الثقافيّ العربي، الدار البيضاء، دار الطليعة ، بيروت، لبنان، مايو 1982م،ص:37.

[2] – سورة البقرة، الآية: 111.

[3] – قاعدة أصولية معروفة في علم أصول الفقه.

[4] – سورة المائدة: الآية 54.

[5] – الغرباوي، ماجد، مضمرات العقل الفقهي، الكتاب الرابع من كتب متاهات الحقيقة، ط 2020م، مؤسس المثقف، وأمل الجديدة، بدءا من ص 36 وما بعدها.

[6] – محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني: كيف نفهم الإسلام اليوم. ترجمة: هاشم صالح. دار الطليعة.بيروت، 2009.ط4. ص280.

[7] – الغرباوي، ماجد، النص وسؤال الحقيقية.. نقد مرجعيات التفكير الديني، ط 2018م، مؤسس المثقف وأمل الجديدة، ص 8.

[8] – المصدر نفسه.

[9] – أخرجه أكثر من مصادر كالحكم في المستدرك: (2/540).

[10] – أنظر:

https://www.almothaqaf.com/c1d-2/968208
___________
*ماجد الغرباوي: باحث بالفكر الديني – أستراليا

29 – 3 -2023م

جديدنا