مباحث في تجويد القرآن الكريم

image_pdf

1.مفهوم التجويد

التجويد: في اللغة مصدر جوَّد أي حسَّن، فهو بمعنى التحسين والإتقان، يقال: هذا شيء جيد، وجوَّدت الشيء أي حسَّنته.

وفي الاصطلاح: إخراج كلّ حرف من حروف القرآن من مخرجه الصحيح، مع إعطائه حقَّه ومستحقَّه.

شرح التعريف:

المخرج: هو محلُّ خروج الحرف وتمييزه عن غيره، والمكان الذي يخرج منه الحرف إما محقَّق أو مقدَّر.

الحرف: هو صوت اعتمد على مخرج محقَّق أو مقدَّر.

حقُّ الحروف: صفاته اللازمة التي لا تنفك عنه بحال، كالجهر، والشِّدة، والاستعلاء، والقلقلة، والإطباق، وغيرها.

مستَحَقُّ الحرف: صفاته العَرَضية الناشئة عن الصفات اللازمة، كالتفخيم فإنه ناشئ عن الاستعلاء، وكالترقيق فإنه ناشئ عن الاستفال. أو هو ما يعرض للحرف في بعض الأحوال دون بعض، كما يعرض للراء من تفخيم أو ترقيق حسب وضعها، كما سيأتي.

قال ابن الجزري -رحمه الله- في «مقدمته»:

ورقِّـقِ الــــراءَ إذَا مــــا كُسِـــرَتْكذاك بّعْدّ الكسْرِ حَيْثُ سكَنَتْ
إن لم تَكُـن مِـن قبْـلِ حَـرْفِ استعـلاأو كانَتِ الكسرةُ ليستْ أَصْــلَا

2.حكم التجويد

الحكم على التجويد يختلف تبعاً لأقسام التجويد، وهما قسمان:

القسم النظري المعرقي – وهو المدوَّن في كتب الفن -: وحكمه فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم والحرج عن الجميع.

القسم العملي التطبيقي: وحكمه فرض عين على كل قارئ – حسب استطاعته – سواء قرأ من القرآن قليلاً أو كثيراً، وهذا الوجوب ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.

قال الله تعالى ﴿وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا ٤﴾ [المزمل:٤]، وجه الدلالة أنه أمر، والأمر للوجوب ما لم تصرفه قرينة، وليس ثمة قرينة صارفة، وقد أكد الأمر بالمصدر ﴿ تَرۡتِيلًا ﴾؛ اهتماماً به وتعظيماً له.

وقال تعالى ﴿ ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ ﴾ [البقرة : ١٢١]، روى ابن جرير الطبري بسنده عن ابن مسعود  t قال: رضي الله عنهوالذي نفسي بيده إن حقَّ تلاوته أن يُحِلَّ حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله)رضي الله عنه١).

وقال ﷺ : رضي الله عنهليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن)رضي الله عنه٢).

والتجويد العملي هو ما كان متعارفاً عليه بين الصحابة y، وعنهم أخذه من بعدهم. فعن أنس t حين سئل عن قراءة النبي ﷺ قال: رضي الله عنهكان يَمُدُّ مَدّاً) رضي الله عنه١)، أي: يقرأ بتُؤَدَةٍ، ويُخْرج  الحروف من مخارجها، ويمد ما يستحق المد.

ولما سئل على t عن الترتيل قال: رضي الله عنههو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف)رضي الله عنه٢).

وعن ابن مسعود t قال: قال لنا علي ابن أبي طالب t: رضي الله عنهإن رسول الله ﷺ يأمركم أن تقرؤوا كما عُلِّمتم)رضي الله عنه٣).

ولما قرأ رجل أمام ابن مسعود t ﴿ لِلۡفُقَرَآءِ ﴾ [التوبة : ٦٠] مرسلة قال له: ما هكذا أقرأنيها رسول الله ﷺ، قال: وكيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن، قال: أقرأنيها ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ ﴾، فمدَّهارضي الله عنه٤).

وهو الذي أخذ سبعين سورة من في النبي ﷺ، وقال فيه النبي ﷺ: رضي الله عنهمن أحبَّ أن يقرأ القرآن غضّاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد)رضي الله عنه٥).

وقد تلقت الأمة قراءة القرآن بهذه الكيفية عن النبي ﷺ جيلاً بعد جيل، مع ما تكفَّل الله بحفظه بقوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩ ﴾[الحجر: ٩]، فكيفية القراءة سنة متبعة، والعدول عن هذه الكيفية يفتقر إلى الدليل.

قال ابن الجزري -رحمه الله- في «مقدمته»:

والْأَخْذُ بالتجويدِ حَتْمٌ لازمُمَــن لمْ يُجَــوِّد القــــرآنَ آثِــــمُ
لِأَنـَّــهُ بِـــهِ الإلـــهُ أنــزَلَاوهكـــذا مِنْــهُ إلَـيْنَـــا وَصَــلَا

وقال -مبيناً معنى هذين البيتين-:

«ولا شكَّ أن الأمة كما هم متعبَّدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده، متعبَّدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية، التي لا يجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها، والناس في ذلك بين محسن مأجور، ومسيء آثم، أو معذور.

فمن قَدَر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربي الفصيح وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النَّبَطي القبيح؛ استغناء بنفسه واستبداداً برأيه وحَدْسه، واتكالاً على ما ألف من حفظه، واستكباراً عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه، فإنه مقصِّرٌ بلا شك، وآثم بلا ريب، وغاشٌّ بلا مرية، فقد قال رسول الله ﷺ: رضي الله عنهالدين النصيحة، لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهمرضي الله عنه١)). أما من كان لا يطاوعه لسانه أو كان لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه، فإن الله لا يكلِّف نفساً إلا وسعهارضي الله عنه٢)«.

3.الغاية من علم التجويد

صون اللسان عن اللحن في كلام الله تعالى، وإتقان ألفاظ القرآن الكريم، وصيانتها عن الخطأ، وأداؤها كما وردت عن النبي ﷺ من غير إفراط ولا تفريط على الصفة المتلقاة من النبي ﷺ.

قال ابن الجزري -رحمه الله- في «مقدمته»:

وَهُــوَ أيضـــاً حليــةُ التـــلاوةِوزينَـــــةُ الأداءِ والقــــــراءَةِ

4.مراتب التلاوة

للتلاوة ثلاث مراتب: التحقيق، والتدوير، والحدر.

المرتبة الأولى: التحقيق، مصدر حقَّقَ، وهو: بلوغ حقيقة الشيء.

وهو في الإصطلاح: إخراجُ كلِّ حرف من مخرجه، وإعطاؤه حقه ومستَحَقَّه، مع القراءة بتُؤَدَةٍ واطمئنان. ويستحب الأخذ به في مقام التعليم.

المرتبة الثانية: التدوير، وهو: مرتبة دائرة بين الحَدْر والتحقيق.

المرتبة الثالثة: الحَدْر، وهو في اللغة من الانحدار. فهو مصدر من حَدَر -بالفتح- يَحْدُر -بالضم- إذا أسرع.

وهو في الإصطلاح: إدراج القراءة، وسرعتها مع مراعاة أحكام التجويد.

ويمكن أن يستدل في الجملة لمراتب التلاوة بما ورد عن حفصة -رضي الله عنها- أنها قالت: رضي الله عنهما رأيت رسول الله ﷺ صلى في سُبْحته قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سُبْحته قاعداً، وكان يقرأ بالسورة فيرتِّلها حتى تكون أطولَ من أطولَ منها)رضي الله عنه١). ومعنى السُّبْحة: صلاة التطوع. و«حتى تكون أطولَ من أطولَ منها»، أي: يرتِّل في قراءة السورة القصيرة، حتى يكون زمان قراءتها أطول من زمان قراءة السورة الطويلة.

وذهب بعض علماء التجويد إلى أنها أربعة: الترتيل، والتحقيق، والتدوير، والحدر، وجَعَل الترتيل كالتحقيق، إلا أن التحقيق أكثر منه اطمئناناً، وأن الترتيل يشملُ المراتب الثلاث.

والترتيل: مصدر من رتَّل فلان كلامه، إذا أتبع بعضه بعضاً على مُكث وتفهم من غير عَجَلة، وهو الذي نزل به القرآن الكريم، والترتيل يكون للتدبر والتفكر، فمن قرأ بأي مرتبة منها يكون داخلاً في قوله تعالى: ﴿ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا ﴾ [المزمل: ٤].

قال ابن الجزري -رحمه الله- في «الطيبة»:

ويُقْــرَأُ القــــرآنُ بالتَّحْقيــقِ مَـعْحَــدْرٍ وتـــدْوِيرٍ وكُـــلٌّ مُتَّبـــعْ
مَـعْ حُسْنِ صَوْتٍ بلُحُونِ الْعَـرَبِمُـــــرَتَّلاً مُجَــــــوَّداً بالْـعَــــرَبِي

والصواب أن التحقيق نوع من الترتيل فهو داخل فيه.

5. اللَّحن الجليّ والخفيّ

اللَّحن: يطلق على الخطأ، واللغة، والتنغيم، والتطريب، وترجيع الصوت، والتغني بالقراءة أو الشعر، ويطلق أيضاً على الصواب، فهو من الأضداد.

وفي الاصطلاح: هو الميل عن الصواب في قراءة القرآن.

وهو نوعان : جلي وخفي.

اللحن الجلي: ويعرِّفه بعض علماء التجويد بأنه: الخطاء الذي يطرأ على اللفظ فيخلُّ بمبناه إخلالاً ظاهراً يشترك في معرفته علماء القراءة وعامة الناس، سواء أدى ذلك إلى فساد المعنى أم لا، كإبدال حرف بحرف، ومن ذلك قراءة قوله تعالى: ﴿ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ ﴾ [التوبة: ٨٧] بإبدال الطاء تاء، أو ضم التاء من قوله سبحانه: ﴿صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ ﴾ [الفاتحة: ٧] أو رفع المنصوب ونصب المرفوع. ومن ذلك قراءة قوله تعالى ﴿وَنَادَىٰ نُوحٞ رَّبَّهُۥ ﴾ [هود: ٤٥] بنصب ﴿نُوحٞ﴾ ورفع ﴿رَّبَّهُۥ﴾ على أنه هو الفاعل.

اللحن الخفي: ويعرِّفه بعض علماء التجويد بأنه: الخطأ الذي يتعلق بكمال إتقان النطق لا بتصحيحه، فلا يدركه إلا أهل الفن الحذاق، ويخفى على العامة، كعدم ضبط المقادير في المدود والغنة والإدغام والإخفاء، والخطأ في تغليظ أو تفخيم اللامات أو الراءات. وسُمِّيَ هذا النوع من اللحن خَفيّاً؛ لأن أهل التجويد هم الذين يختصون بمعرفته.

حكم اللحن الجلي: يحرم سواء أخل بالمعنى أم لا، قال الإمام الداني: «اعلموا أن كلَّ حرف من حروف القرآن يجب أن يمكَّن لفظُه، ويوفَّى حقُّه من المنزلة التي هو مخصوص بها على ما حدَّدناه وما نحدِّده، ولا يُبْخَس شيئاً من ذلك، فيتحوَّل عن صورته ويزول عن صيغته، وذلك عند علمائنا في الكراهة والقبح، كلحن الإعراب الذي يتغير فيه الحركات وينقلب به المعانيرضي الله عنه١)».

والخفي: اختلف فيه علماء التجويد، والصواب -إن شاء الله- أنه يُعْفى عنه لمن لم يستطع الاحتراز منه.

قال السمنودي -رحمه الله- في «التحفة السمنودية»:

اللحــنُ قســـمانِ جـليٌّ وخَـفِــيكُلٌّ حرامٌ مَعْ خِلَافٍ في الخَـفِي
أمَّــا الـــجَـلِيُّ فهْــوَ مَبْنـىً غَــيَّراثم الــخَفِيُّ ما عَلَى الوصْفِ طَرَا
وَوَاجـبٌ شـــرعاً تَجنُّبُ الــجَـلِيّوَوَاجبٌ صِـنَاعةً تَـرْكُ الخَـفِـيّ

جديدنا