حرب أكتوبر؛ حينما يستحيل المجاز حقيقة ويقينًا

image_pdf

( أحلف بسمــاها وبترابها.. أحـلف بدروبها وأبوابها
أحلف بالقمح وبالمصنع..  أحلف بالمدنة وبالمـــدفع
بأولادي بأيـــامي الجاية ما تغيب الشمس العربية
طول ما أنا عايش فوق الدنيا ).

يظل أكتوبر يحمل عاماً على صدر عام ذكرى أعظم انتصار للعسكرية المصرية في العصر الحديث، وسنتجاوز القول بأن مصر جميعها شعباً وجيشاً استطاعت في السادس من أكتوبر أن تنتصر للكرامة والإنسانية وأن تعبر حواجز اليأس لتضرب بذلك أروع وأعمق ملحمة وطنية تجبرنا على التفكير فيها عقوداً طويلة قادمة.

إن انتصار أكتوبر قاده شعب عظيم قبل جيشه الذي قدم للوطن حدثاً فريداً في تاريخه ومجداً مقيماً نظل نتذكره ونُذكِّره أيضاً للأجيال المتعاقبة، هذا النصر إن أمكن لنا تحليل هدف استرجاعه ذهنياً هو مطمح راق من أجل عدم الوقوع في غياهب الإحباط أو الاستسلام الوئيد لمشاعر اليأس التي تجتاح صدور بعض المصريين، إن أكتوبر النصر والحدث درس عظيم من شعب قادر على لم شتاته وقت الأزمات والشدائد التي تعصف به، فالمواطن الذي مزقته وقائع السياسة الداخلية وإبطاء قرار العبور العظيم نجح في أن يعبر أزمته النفسية واجتاز بنجاح مخاطر المرحلة الضبابية والحرب النفسية التي كان يحياها مثلما استطاع البواسل ضباط وجنود مصر العظيمة دائماً في اقتحام واجتيار وعبور خط بارليف الذي صُوِّر للبعض أنه منيع.

مصر أكتوبر بالنسبة لأجيال النصر أكبر من انتصار عسكري على الكيان الصهيوني المتغطرس آنذاك، وأعمق من مجرد تخطي هزيمة يونيو 1967م، وأروع من تلك المشاهد السينمائية التي جسدتها أفلام السبعينيات والتي أعقبت النصر، ولكي يدرك المصريون عظمة الانتصار التاريخي فعليه أن يرجع إلى الوثائق العسكرية الأمريكية التي أفادت عن استيقاظ الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون من سباته الذي لك يكن عميقاً بالقطع واستدعائه كبار مستشاريه حينما علم أنباء الحرب من أجل التشاور وإعداد التقارير التي كالعادة تبوء بالفشل مثلما باءت تقاريرهم بالفشل الذريع في الخامس والعشرين من يناير 2011م والثلاثين من يونيو 2013م، وجاءت التقارير لتفيد خطورة تقدم إسرائيل وعبورها قناة السويس واحتلالها مدينة القاهرة وضربها بالطائرات والصواريخ ثم الاستدارة إلى سوريا لاحتلال عاصمتها دمشق. ولاستدراك متابعة الحدث قام وزير الخارجية الأمريكية ومهندس اتفاقيات السلام هنري كسينجر بالاتصال هاتفياً بالدكتور محمد حسن الزيات وزير خارجية مصر والذي كان موجوداً بالفعل في نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وطبعاً كان الاتصال الهاتفي مفاده أن يتوقف القتال الدائر خشية الرد الإسرائلي القوي والطاغي لاسيما وأن مصر وسوريا لا تحتملان هذا الرد.

وكانت صفعة الدكتور محمد حسن الزيات قوية حينما أبلغ هنري كسينسر أن القوات المسلحة المصرية الباسلة أصبحت على الضفة الشرقية للقناة من بورسعيد شمالاً وحتى عيون موسى جنوباً، وهرع هنري كسينجر إلى الزيات بضرورة وقف إطلاق النار فوراً وعودة القوات المسلحة إلى خطوطها السابقة على العبور العظيم. ثم جاءت صفعة ثانية لوزير الخارجية الأمريكي حينما قوبل طلبه الساذج بالرفض لسبب بسيط في مظهره عظيم في الجوهر والكنه والهدف، ذلك لأن جنودنا البواسل الأبطال كانوا على أرض المعركة إما النصر أو الشهادة فلم يسمعوا بهذه الأخبار أو الالتفات لاقتراحات كسينجر المجحفة والتي كانت تستهدف تعويق النصر المصري الذي تحقق بالفعل.

ورغم أن قصة أكتوبر محفوظة بالذاكرة والقلوب أيضاً لكن لابد من التذكرة ببعض التفاصيل المدهشة مثل أنه حينما أدرك قادة الكيان الصهيوني بخطورة وفداحة الهزيمة على أيدي هؤلاء الجنود البواسل المخلصين لأوطانهم لجأوا مساكين تحديدا جولدا مائير وموشى ديان إلى الولايات المتحدة الأمريكية استنجاداً بالرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون كي تتدخل مباشرة في الأحداث. هذه مصر القوية وهذا هو نصرها العظيم الذي يريد بعض المتنطعين اليوم أن يتغافل عنه ويتجاهل عظمة وقوة وبسالة هذا الجيش الاستثنائي.

لقد ظل الكيان الصهيوني منذ هزيمة يونيو 1967م يروج بامتلاكه قوة عسكرية لا تقهر، وأسلحة مبتكرة لا يمكن إقصاؤها بالهزيمة لاسيما من مصر التي لا تفكر في المواجهة لضعفها، وبعد أن استفاقت إسرائيل الصهيونية على حقيقة وواقع مرير بالنسبة لها خرج العالم بصحفه ومطبوعاته ووسائطه المسموعة والمرئية يؤكد أن أداء العسكرية المصرية فاق كل توقعات الحرب وتقدير كافة الخبراء العسكريين، وأدرك الغرب الأوروبي وأمريكا أن خريطة المنطقة قد تغيرت، الأهم من ذلك حيرة علماء النفس في العالم الذين تاهوا وسط دراساتهم وأبحاثهم التنظيرية الفارغة من الحقيقة حينما وقفوا باهتين مندهشين كيف استطاع هذا الشعب بجيشه أن يجتاز مرحلة التعثر والتشتت والحيرة لينتصر على أمريكا الصغرى أقصد إسرائيل.

وفرق كبير بين انتصار أكتوبر العظيم بالنسبة للمصريين وانتصار الكيان الصهيوني علينا في يونيو 1967، فالإسرائيليون ظلوا ست سنوات يعايرون مصر والدول العربية بمرارة الهزيمة وطعمها المرير وتوقفوا عند حد هذه الفاصلة الثابتة، أما المصريون فكانوا خلاف ذلك، إنهم لم يلتفتوا إلى النصر على إسرائيل فحسب بل لم تكن هزيمة الكيان الصهيوني بالنسبة لكثير من المصريين موضوع الحديث، بل إن الأجدى لديهم وقتذاك كان الحديث عن بطولات الجندي المصري، وخصاله الوطنية، وصفاته الاستثنائية، وتضافر روح التعاون والتكاتف بين الشعب والجيش وأن المصر قادر على الأخذ بزمام المبادرة والمبادأة.

وحينما اطلع المصريون على نص التوجيه السياسي العسكري الذي صدر في أول أكتوبر من الزعيم الخالد البطل الوطني المخلص محمد أنور السادات والذي نص على إزالة الجمود العسكري الحالي بكسر وقف إطلاق النار اعتباراً من يوم 6 أكتوبر 1973، وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة والمعدات، والعمل على تحرير الأرض المحتلة على إمكانيات وقدرات القوات المسلحة. أدرك المصريون وقتها أنهم بالفعل قادرون على عبور الهزيمة النفسية والوصول إلى أقصى مراتب الأمل.

ومثلما أكد خبراؤنا السياسيون الأجلاء بأن أعظم الأسلحة التي واجهنا بها العدو الصهيوني الخبيث والماكر والمستجدي بالمعسكر الأمريكي كان سلاح الصبر أو بتعبير دقيق بدستور الصبر الذي تجسد من خلال تخطيط محكم وعزيمة وطنية وإدارة عسكرية ملتزمة بالواجب الوطني الذي لم تتخلى عنه يوماً واحداً منذ إنشائها.

ولمن يفطن حقيقة الانتصار التاريخي للقوات المسلحة المصرية الباسلة على الكيان الصهيوني يدرك بضرورة الوعي بأن سنوات المرارة والهزيمة في يونيو 1967 واستنزاف دماء المصريين ومشاعرهم بصورة يومية واستحالة العبور بل واستحالة التفكير في الحرب من الأساس كل هذا كان كفيلاً بتحقيق النصر إذا ما فكرنا فيه بشكل إيجابي، فالمواطن من حقه أن يستسلم لمشاعر اليأس والإحباط التي تعتريه بعد نكسة يونيو وأن تفاصيل المشهد السياسي آنذاك أصبح ينبئ بالانكسار المستدام، أما على الشاطئ الآخر فهناك رجال يؤمنون بدورهم الوطني وبحقهم في أن يحتفظ سجل التاريخ بأسمائهم لما سيقدمونه من أعمال وبطولات وتضحيات لبلادهم وأوطانهم ولأنفسهم أيضاً،  هؤلاء الرجال الذين أتقنوا بحق دقة التخطيط، وكما ذكر مرسي عطا الله في كتابه الماتع عن حرب أكتوبر عن صفاتهم التي تجسدت في براعة الإعداد وحسن الحشد وروعة الأداء.

ولك أن تفتخر بعظمة العقل المصري الذي فكر ودبر في وسيلة سحرية لفتح الثغرات في الساتر الترابيع المنيع عن طريق سحر المضخات المائية وليس اللجوء إلى المدفعية أو القنابل أو أنواع المفرقعات المختلفة. وما أجمل أن نستغل براعة هذا العقل الجميل في معركة إعادة البناء الداخلي للوطن وهي معركة شريفة لا تقل أهمية أو شرفاً عن معركة العبور في أكتوبر المجيد.

أكتوبر الذي يظل أهم إحدى العلامات الفارقة في العسكرية العالمية التي ينبغي أن نعتز بها ونكرس ثقافتها لدى أبنائنا وطلابنا، هذه العسكرية المذهلة التي وقف عندها ذهولاً ودهشة الجنرال الإسرائيلي ناركس نائب القائد العام للجبهة الجنوبية يوم التاسع من أكتوبر 1973 بقوله : ” لابد أن نشهد للمصريين بحسن تخطيطهم، لقد كانت خطتهم دقيقة وكان تنفيذهم لها أكثر دقة، لقد حاولنا بكل جهدنا عرقلة عملية العبور وصدها بالقوة وردها على أعقابها، للكننا ما كدنا نتمثل ما حدث إلا وقد تحققت لهم نتائجه كأننا أغمضنا أعيننا وفتحناها فإذا بالجنود المصريين قد انتقلوا تحت النار من غرب القناة إلى شرقها ووجدناهم صباح السابع من أكتوبر بخمس فرق كاملة أمامنا “.

هي مصر بجيشها وجنودها البواسل وقواتها المسلحة الصامدة وشعبها الرائع التي شكلت أروع ملحمة عسكرية وإنسانية في تاريخ البشرية الحديث والمعاصر ؛ ملحمة عسكرية باجتيازها خط بارليف المنيع وتحطيم أسطورة الكيان العسكري الصهيوني والجيس الذي لا يقهر فكان قهره على أيدي المصريين الذين ارتوت أرض الفيروز بدمائهم الشريفة، جيش عظيم استطاع بفضل إدارة حكيمة وعقول مستنيرة أن تخطط وتصبر، ثم تدبر، ثم تنظم صفوفها لتدير أروع بانوراما عسكرية في تاريخ مصر، ولأنني أرفض المحايدة والموضوعية حينما أتحدث عن وطني هي أغلى وأعظم بانوراما عسكرية في العالم أيضاً.

وملحمة إنسانية ساعة ما تحقق النصر بصيحة الله أكبر بغير مزايدات أو استغلال ديني محموم أو استخدام الدين كذريعة للوصول إلى مآرب دنيوية. إنسانية انمحى فيها صراع الأقليات والأيديولوجيات الفقيرة واعتلت الوطنية المصرية فقط مكان كل الطروحات الفكرية والتنظيرية التي من شأنها أن تقوض الوطن.

هي مصر العظيمة شعباً وجيشاً، شعب يثور ويفجر طاقات الإبداع والحراك الجماهيري الاستثنائي ويقف وراء جيشه الباسل وهو يصنع معجزة القرن العشرين العسكرية، هذا الشعب الذي لم يكن المعلم والملهم فحسب، بل هو البوصلة التي تحرك الأرض فتهتز طرباً تارة، ووجعاً تارة أخرى.

تمر الذكرى الواحدة والأربعون على حرب أكتوبر المجيدة، ونحن لا نزال نحتفي بجنودنا البواسل وقواتنا المسلحة التي مهدت وهيأت لجيلنا أن يغدو مرفوع الرأس بغير انحناء، أنا وغيري من مواليد هذه الحرب، أعيننا لا تزال متعلقة برئيس استثنائي خالد هو الرئيس محمد أنور السادات، الذي حارب وانتصر، وسالم فانتصر ووقى جيلي ويلات الحروب وبطشها الغاشم.

مصر اليوم تحتفي بنصر عظيم، ظلت قوى الظلام أو ما عرف بتيارات الإسلام السياسي تحاول أن تنال منها ومن سمعتها وقوتها، وهي في حقيقة الأمر لم تفلح في السياسة شأن إخفاقها في الدين أيضاً فكان سقوطها سريعاً بغير وقوف مجددا، وهذه هي الحقيقة التي لا تعيها تلك التيارات الضعيفة والمريضة.

مصر اليوم تتفاخر بجيشها العظيم، وكم من متهوك صاغر ظل يجتر عبارات سخيفة تعادل سخافته العقلية المريضة حينما وصف شعب مصر الرائع بأنه عبيد للبيادة العسكرية، والعذر له لأن الرجولة صناعة، ومن سوانا يفتخر بجيشه وقواته المسلحة ؟ هل نطلب ذلك التفاهر والتباهي من الكيان الصهيوني مثلاً، أو من دويلة قطر المسكينة التي سرعان ما اكتشفت حجمها بجوار مصر الكبيرة، أم من تركيا الزاحفة وراء حلم الخلافة المستحيلة، والبحث عن دور الزعامة عن طريق دعم فصيل بات مرفوضاً داخل النسيج المصري.

هذا الفصيل الذي سعى طيلة أشهر ولا يزال أن يقوض جيش بلاده التي تؤويه وترعى مصالحه، لكنها الخيبة وفقدان الهوية والوطنية، ولأن هذه السطور خصصت من أجل نصرنا وجيشنا وشعبنا المرابط والواقف بجوار جيشه وقواته المسلحة الباسلة فلا يليق تعكير الصفو بحديث باهت عن فترة بليدة من تاريخ مصر.

وقديما كنا نسمع إذا أردت أن تكون رجلاً قوياً صاحب تجربة حقيقية يجب عليك أن تلتحق بالخدمة العسكرية وخدمة الجيش المصري مصنع الرجال، فكيف فأولئك الذي حاربوا وعبروا وانتصروا وقدموا أرواحهم هدية لنا ولجيلي الذي يقدر أدوار البطولة وحزن عندما شاهد قتلة السادات بطل الحرب والسلام وهم يحتفلون بجواره بنصر أكتوبر. لكنه كان على يقين بأن الظلمة وإن طالت سيأتي صبح جديد.

مصر التي وجدنا في قصائد صلاح جاهين، وعرفناها في شعر أمير الشعراء أحمد شوقي، وتلمسنا سحرها في ثنايا كتابات العبقري جمال حمدان، وهي البهية الطاهرة المهرة الولادة عند أحمد فؤاد نجم، وهي الأهرامات والنيل وقناة السويس والسد العالي، وهي الجندي والفلاح البسيط والموظف والوزير والرئيس، هي درس بسيط في التنوع الثقافي، ولو أدركت إسرائيل هذا الأمر لكان عليها أن تبني مئة خط باليف آخر.

وغريب أمر هولاء الذين لا يريدون أن يحتفلوا معنا وجيشنا العظيم بانتصارنا الأروع على إسرائيل واستعادة أراضينا المغتصبة، والأعجب أنهم يدغدغون مسامع البسطاء بحديث مكرور عن فلسطين وغزة ومذابح الإسرائليين في الوقت الذي كان ينبغي عليهم أن يسردوا ملامح الملحمة الوطنية والعسكرية التي قام بها هذا الجيش القوي، ويقصون على مسامعنا ما ارتكبه الأنجاس المناكيد الصهاينة بحق جنودنا في نكسة الخامس من يونيو.

وقبل عام مضى قلت عن جيشنا ونصرنا وشعبنا في مثل هذه المناسبة، وأكرر، إن انتصار أكتوبر قاده شعب عظيم قبل جيشه الذي قدم للوطن حدثاً فريداً في تاريخه ومجداً مقيماً نظل نتذكره ونُذكِّره أيضاً للأجيال المتعاقبة، هذا النصر إن أمكن لنا تحليل هدف استرجاعه ذهنياً هو مطمح راق من أجل عدم الوقوع في غياهب الإحباط أو الاستسلام الوئيد لمشاعر اليأس التي تجتاح صدور بعض المصريين، إن أكتوبر النصر والحدث درس عظيم من شعب قادر على لم شتاته وقت الأزمات والشدائد التي تعصف به، فالمواطن الذي مزقته وقائع السياسة الداخلية وإبطاء قرار العبور العظيم نجح في أن يعبر أزمته النفسية واجتاز بنجاح مخاطر المرحلة الضبابية والحرب النفسية التي كان يحياها مثلما استطاع البواسل ضباط وجنود مصر العظيمة دائماً في اقتحام واجتيار وعبور خط بارليف الذي صُوِّر للبعض أنه منيع.

مصر أكتوبر بالنسبة لأجيال النصر أكبر من انتصار عسكري على الكيان الصهيوني المتغطرس آنذاك، وأعمق من مجرد تخطي هزيمة يونيو 1967م، وأروع من تلك المشاهد السينمائية التي جسدتها أفلام السبعينيات والتي أعقبت النصر.

تحية لمصر أولاً، ولجيشها الذي يأبى أن تضيع مصر، وأن تتحول إلى ساحة حرب اقتتالية من أجل فصيل لم يصدق يوماً أنه وصل إلى سدة الحكم في فترة سياسية واجتماعية مضطربة، فكان مشهد الصعود أقرب الصلة بوقت الرحيل، فوضى وعبث واضطراب واستغلال للدين.

قل لي بموضوعية لا أعترف بها وأنا أتحدث عن وطني وجيشي : ماذا سوى قواتك المسلحة تتباهى ؟ بتعليمك الذي يئن وجعا ؟ أم بصحتك التي تلهث وراء العقاقير ؟ هو جيشك وحده الذي يمكنك أن تتفاخر به، لكن مشكلة البعض أنه يفقد ذاكرته بسرعة خاطفة فينسى ثورة الضباط الأحرار ضد فساد ملك وحاشية أكثر منه فساداً وطغياناً، ونصر مجيد وعبور تاريخي، وثورة حماها الجيش والشعب، ثم محاولة بليدة لخطف الوطن تصدى لها الجيش بإشارة من شعبه العظيم.

أكتوبر الذي يظل أهم إحدى العلامات الفارقة في العسكرية العالمية التي ينبغي أن نعتز بها ونكرس ثقافتها لدى أبنائنا وطلابنا، هذه العسكرية المذهلة التي وقف عندها ذهولاً ودهشة الجنرال الإسرائيلي ناركس نائب القائد العام للجبهة الجنوبية يوم التاسع من أكتوبر 1973 بقوله: ” لابد أن نشهد للمصريين بحسن تخطيطهم، لقد كانت خطتهم دقيقة وكان تنفيذهم لها أكثر دقة، لقد حاولنا بكل جهدنا عرقلة عملية العبور وصدها بالقوة وردها على أعقابها، للكننا ما كدنا نتمثل ما حدث إلا وقد تحققت لهم نتائجه كأننا أغمضنا أعيننا وفتحناها فإذا بالجنود المصريين قد انتقلوا تحت النار من غرب القناة إلى شرقها ووجدناهم صباح السابع من أكتوبر بخمس فرق كاملة أمامنا “.

تحية لجيشي الذي وقانا وجيلي ويلات الحروب، فكبرنا وتعلمنا وتزوجنا وصرنا آباء وبفضل الله ورعايته سنصبح يوماً ما أجداداً لنا أحفاد، وسنجلس معهم مجددين الذكرى نروي ونقص حكايا وبطولات هذا الشعب وجيشه حينما قهر الكيان الصهيوني.. عظيمة يا مصر.

______

*الدكتور بليغ حمدي إسماعيل/ أستاذ المناهج وطرائق التدريس(م)/ كلية التربية ـ جامعة المنيا.

__________

**يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة عن رأي التنويري.

جديدنا