الاحتراف في مهن التربية

image_pdf

 

مقدِّمة:

لئن حقَّق النظام التربوي في تونس نتائج إيجابية تظهر خاصَّة في نشر التمدرس في أغلب الأوساط الاجتماعية، وتوفير ما تحتاجه الدولة من موارد بشرية في مختلف الاختصاصات، فإن التقييمات الداخلية والخارجية للمنظومة التربوية التونسية بيّنت أن هذا النظام لا يخلو من نقائص جعلت مردوديته محدودة ودون المأمول منه، إذ لم تتحقّق إلا بعض الأهداف التي تمَّ ضبطها في مختلف القوانين منذ 1958 إلى 2002. ولعلَّ من أبرز تلك النقائص “غياب الاحتراف” كما عبَّرت عن ذلك وزارة التربية في التقييم الذي ضمّنته في كتيِّب “الإصلاح  التربوي الجديد: الخطَّة التنفيذية لمدرسة الغد 2002 – 2007”. فماذا نعني بالاحتراف؟ وما طبيعة حضوره في منظومتنا التربوية؟ وما أهمّيته؟ وكيف نحقّقه في المجال التربوي؟

  1. مفهوم الاحتراف
  2. لغة:

المادة اللغوية لكلمة “الاحتراف” هي (ح، ر، ف)، ولكن الاحتراف مشتقّ من الفعل المزيد بحرفين، فيقال احترف أي اتَّخذ عملا معيّنا حرفة له، ولذلك قال ابن منظور إنَّ الحرفة هي اسم من الاحتراف وهو الاكتساب؛ ويقال: يحرف لعياله ويحترف بمعنى يكتسب لهم رزقا من خلال عمله. ويلاحظ متتبِّع الدلالات اللغوية لهذه المادَّة أنها لا تقف عند هذا المعنى، وإنما ترتقي في اتِّجاه كسب ما تحتاجه حرفة معينة من مهارات، ولذلك اعتبر ابن منظور المحترف صانعا، كما اعتبر الحرفة صناعة، ويستدعي ذلك كسبا وطلبا واحتيالا، أي بذل جهد مخصوص لتحقيق مقتضيات تلك الحرفة[1].

ويعدّ التمهين من العبارات البعيدة عن الاحتراف في جذرها اللغوي، ولكنها قريبة منه في معناها. فالــــمَهنة، بفتح الميم، هي الخدمة والعمل، يؤكِّد ذلك ما ورد في الحديث: «مَا عَلَى أَحَدِكُمْ لَوِ اتَّخَذَ ثَوْبَيْنِ لِجُمُعَتِهِ، سِوَى ثَوْبَيْ مَهْنَتِهِ»[2]. ويحمل هذا الدال حسب ما ورد في المعجم معنى إضافيا وهو حذق الخدمة والعمل ونحوهما[3]. ولذاك تداولت الأدبيات الصادرة عن وزارة التربية المصطلحين أعني الاحتراف والتمهين.

  1. اصطلاحا:

وإذا كان مصطلح الاحتراف والتّمهين كثير التداول في المدونة الغربية، فإنه قليل التداول في المدونة العربية، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن الاحتراف في العالم العربي لم ينتشر إلا في مجالي الغناء والألعاب الرياضية. أما في سائر الحرف، وفي التعليم على وجه الخصوص، فقد أثبتت تقييمات وزارة التربية أن الاحتراف غائب عن كل الموارد البشرية العاملة في القطاع التربوي. وهو ما جعل مدرسة الغد التي عمل على إرسائهاإصلاح 2002 تضع الاحتراف أحد الرهانات التي تسعى المنظومة التربوية إلى تحقيقها[4].

ويستدعي ذلك بيان مفهوم “الاحتراف” حتى يكون معناه معلوما من قبل المتدخّلين في العملية التربوية ومن سواهم. ولما كان استعمالنا لهذا المصطلح نابعا من المدونة الغربية، فإنه ينبغي أن نعود إليها لتحديد مدلوله عندهم، ومعرفة العبارات القريبة منه استكمالا لمقتضيات فهمه وإدراك حدوده.

يقابل الاحتراف في اللغة الفرنسية  Professionnalitéوهو يعني تحصيل مجموعة من المهارات المهنية اللازمة لممارسة عمل معين.

أما المحترف فيقابلها Professionnel وهو الإنسان الذي يحصّل تلك الكفايات المهنية، وبإمكانه توظيفها في إنجاز عمله، ومواجهة السياقات المتغيرة وغير المستقرة في عالم العمل، ولهذا فإن المحترف ليس له حد ينتهي عنده، ولا يمكن اكتساب الاحتراف بشكل نهائي، بل تتم تنميته بشكل مستمر في ظل وضعيات مختلفة.

أما الاحترافية أو التّمْهِين فهي Professionnalisation أو Professionnalisme فتعني تلك العملية التكوينية التي تستهدف الفرد والمجموعة من أجل تطوير قدراتهم ومعارفهم المهنية مما يجعلهم مؤهّلين للاحتراف، ولذلك يصحّ أن نقول إن الاحترافية هي عمليّة التدريب التي تفضي إلى الاحتراف.

واستفادة من دلالة المصطلحات السابقة يمكن أن نُعرِّفَ الاحتراف بأنه توفّر الكفايات المهنية اللازمة للعاملين في المجال التربوي[5]، سواء كان مأتى تلك الكفايات التجربة المهنية أو التكوين المبرمج أساسيا كان أو مستمرا.

وقد أثار المصطلحان بعض اللَّبْسِ انطلاقا من دلالتيهما اللغوية، فقد أحال معنى الاكتساب باعتباره من دلالات الاحتراف على معنى سلبي وهو الاسترزاق، ويدعى المسترزق مرتزقا أيضا، وهو طلب الرزق بأي طريق كان، أي الذي يقدم خدمة لغيره بمقابل بغض النظر عن نوعية العمل أو الهدف منه. وغالبا ما يطلق هذا الاسم على من يخدم في القوات المسلحة لبلد أجنبي من أجل المال. ولا شك أن هذا مستبعد تماما من اهتمامنا لأننا نتحدث عن المربي والمعلّم الذي يُعدُّ صاحبَ رسالة، ومع نبل عمله وسمو غايته يحتاج إلى مجموعة من القدرات التي تؤهله للنجاح في المهمة التي اختارها.

كما أثار مصطلح التّمْهِين في إحدى دلالاته معنى الامتهان والابتذال، ولا شك أن هذا المعنى غير مقصود في عبارة التّمْهِين التي وردت في الخطة التنفيذية لمدرسة الغد، لأن اشتراك العبارات في المادة اللغوية لا يعني بالضرورة التلاقي في المعنى. وقد سبق أن التّمْهِين الذي نعنيه يدل على حذق صناعة معينة، وليس في ذلك ما يهين بل يعز صاحبه.

  1. غياب الاحتراف:

يفيد التقييم الذي قامت به وزارة التربية سنة 2002 أن الاحتراف غائب أو يكاد في المنظومة التربوية التونسية، فقد جاء في الخطة التنفيذية لمدرسة الغد ما يلي: “يتوقّف تحسين مردود النظام التربوي على تَوفُّر موارد بشرية رفيعة الأداء (مدرسين، إطار إشراف بيداغوجي، وإداري وقيمين) ذلك لأن تسيير المؤسسات التربوية وتنظيم شؤونها يتطلب فضلا عن التحمّس لمثل هذه المهن درجة عالية من الاحتراف مما لا يتوفر حاليا، إذ لا يتلقى المربون على اختلاف أصنافهم أي تكوين أساسي في هذا الصدد”[6].

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا ما المقصود بالاحتراف الغائب؟ هل هو الاحتراف القائم على التجربة الذاتية والموروثة، أم الاحتراف المتأتي من تكوين مؤسساتي هادف؟ لا شك أن المقصود هو ذلك الاحتراف الناشئ عن التكوين المهيكل لكل المقبلين على المهن التربوية، أما الاعتماد على التجارب الذاتية والاستئناس بتجارب السابقين من المعلمين والأساتذة فلا يغيب عن أحد من المدرسين وإن بدرجات متفاوتة من الوعي والنضج.

ولهذا يفيد التأمُّل في تاريخ المدرسة التونسية أنَّ غياب الاحتراف ليس كليّا، بدليل أن المدرسين يعتمدون التجربة الذاتية والحدس الخبري والعصامية في التكوين، والاستئناس بتجارب الآخرين. وهذا عام في كل الحرف، نراه في أمناء الأسواق وفي بعض الحرف الأخرى كالنجارة والحدادة التي يتعلمها الأطفال بالحضور مع آبائهم أو غيرهم من أصحاب الصنائع.

ويستفاد من ذلك أن الاحتراف المنشود هو الذي يعوّل فيه على التجربة ولا يقف عندها، بحيث يأخذها ويضعها ضمن هيكل يجمع تلك العناصر ويؤلّف بينها، ويضيف إليها ما استجدَّ في عالم المهن عموما وفي مهنة التعليم على وجه الخصوص. ويصبح التكوين بذلك مقصودا ومقنَّنا، معلومة معالمه ومحددة أهدافه، ضمن استراتيجية تجعل الاحتراف قاعدة كل مهنة من مهن التربية تتحقّق وفق تمشّ تكويني وإشهادي بمعايير مضبوطة.

ولذلك فإن هيكلة الخبرة ضمن مجموع الكفايات المهنية لا يعني القطع مع الخبرات السابقة في عالم التربية، لأن التربية ليست معبدا وإنما ورشة، ممَّا يجعل للخبرات السابقة أهمِّية بالغة، ولكنها لا تقبل في شكل ركام ولا على علاتها. ويتبيّن مما تقدّم أن الحرفية المقصودة عندنا لا يعوّل فيها على التجربة فقط ولا على البحوث النظرية فحسب، وإنما تلك التي تجمع في تلاق خلاّق بين العقل والتجربة، على خلاف ما ذهب إليه PhilippePerrenoud[7] الذي يرى أن “مرجعية ممارساتنا التربوية تشكو من إفراط في العقلانية”[8]، ولعل ذلك تعبير منه عن محيطه الثقافي والتربوي، لذلك نراه يعدّل رأيه بعد ذلك ويقول إنَّ الاحترافية “ليست نظيرا لعقلانية شاملة وإنما مزاوجة ناجحة بين العقل والذاتية”[9]. وبهذا يتأكَّد ما أشرنا إليه سابقا وهو أن الاحتراف يتطور في ظل الحرية والاستقلالية المقترنة بالمسؤولية في إطار خطة تربوية معلومة الأهداف بيّنة الوجهة.

ولعلَّ أهمَّ ما يستهدفه هذا التلاقي بين العقلاني والتجريبي هو الاحتراف الذي يعني الاستعداد لغير المتوقّع وحسن التصرّف مع غير المنتظر، وذلك بالتعامل مع الوضعيات الطارئة بقدر من الذكاء يسمح له باستنفار معارفه وقدراته لمعالجة ما يستجد من الوقائع، ولعلّ ذلك ما قصده Perrenoud, Philippeعندما عنون كتابه بـــ: «Enseigner: agir dans l’urgence».

ولئن كان التوجه نحو الاحتراف حاضرا قبل الاستقلال وبعده كما سنرى لاحقا، فإن الغائب اليوم هو ذلك التكوين الذي تتولاه مؤسّسات مختصّة تجمع بين التجارب الذاتية والتكوين العلمي المبرمج وفق ضوابط منهجية صارمة.

  1. مظاهر غياب الاحتراف: ويمكن بيان بعض علامات غياب الاحتراف في مظاهر كثيرة منها:

أ- يباشر أغلب المدرّسين في مختلف اختصاصاتهم ومستوياتهم وفي كل مراحل التعليم من الروضة إلى التعليم العالي مهامهم بمجرد تخرجهم من المعاهد والكليات دون تكوين صناعي يؤهّلهم لمباشرة تلك المهام، رغم تدريس مادة التربية وطرق التدريس وعلم النفس التربوي في السنة الأخيرة ولكن بحيز زمني محدود وضارب ضعيف لا يعطيها المكانة الجديرة بها[10]، ورغم إحداث مدارس ترشيح المعلمين ودار المعلمين العليا، غير أن عملها كان غير منتظم كما سنبيّن ذلك لاحقا، مما جعل أغلب المنتدبين للتعليم في كل مراحله الابتدائي والثانوي والعالي يفتقدون الكفايات المستوجبة لممارسة مهنة التعليم، كما أن أغلب الروضات يعمل بها من ليس له أي تكوين علمي، فضلا عن أن يكون لهم اختصاص في رعاية الأطفال. واشتدّ هذا الانخراط أخيرا في التعليم الثانوي، حيث سمحت وزارة التربية لحاملي الشهادات العليا بالمشاركة في مناظرة من أجل الدخول في مرحلة التكوين في نطاق الماجستير المهني تفضي لانتدابهم في التعليم دون مراعاة الاختصاص العلمي والتكوين الأساسي، فقد أجازت لكل أحد أن يترشح في الاختصاص الذي يريده، دون التقيّد بالاختصاص الذي تكوّن فيه والذي يحمل فيها شهادة علمية. وسيهدّد هذا التوجه سلك مدرسي الثانوي ويلحقه بالهاوية التي تردّى فيها سلك المدرسين في الابتدائي. ولا نملك الآن تعليلا لهذا التوجه، ولكننا نملك تفسيره، وهو اندراجه في الفوضى التي غلبت على المؤسسات الحكومية ومنها وزارة التربية في هذه المرحلة من تاريخ البلاد[11].

أمَّا مدرسو التعليم العالي فحدث ولا حرج، فالصناعة عندهم غائبة تماما، بل كل حديث عنها في الوسط الجامعي يقابل بالاستغراب والاستهجان، ولذلك ترى الفوضى تعمُّ كل مجال من مجالات هذا التعليم. ولعل نتائج جامعاتنا على المستوى الدولي تنبئ بذلك وتغني عن كل تعليق.

ب- أما المتفِّقدون قبل 2004 فقد كانوا يجتازون مناظرة كتابية وتطبيقية وشفوية، ثم يتلقون تكوينا صناعيا سريعا يلتحقون إثره بعملهم، ورغم ذلك كان أداؤهم مقبولا، ومردودهم حسنا. أما من جاؤوا بعد هذا التاريخ، وإن أجريت لهم مناظرة فإنه تمَّ فتح عدد كبير من المراكز مما اضطرَّ سلطة الإشراف إلى قبول مجموعة ضعيفة في تكوينها العلمي والشخصي والمهني، فيكفي أن يعلم القارئ أن كثيرا ممن نجح منهم تحصل على درجات متدنية في المناظرة.

ولئن أُقرّ لهذا الجيل الجديد من المتفقدين برنامج تكويني لمدة سنتين يؤهّلهم للاحتراف[12]، ثم أصبح يتم في سنة واحدة[13]، فإن بعضهم نجح بالإسعاف بعد التكوين، كما أن البعض الآخر منهم لم يُثَبَّتْ في رتبة متفقد إلا بصعوبة نظرا للضعف العلمي والمهني الذي أبدوه أثناء دخولهم إلى الميدان العملي وممارستهم لمهنة التفقد. ولعل سبب ذلك يعود إلى ضعف التكوين الأساسي العلمي والشخصي كما تقدم من جهة، وإلى التكوين نفسه الذي لا يخلو إنجازه من إشكالات من جهة أخرى، منها أن وزارة التربية عزمت سنة 2002 على العمل بالمقاربة بالكفايات، وطلبت من المتفقدين تعميم التكوين فيها على كل الأساتذة، وبعد سنة من التكوين، وبعد ضغط من النقابات تم التراجع عن هذه المقاربة، مما اضطر الوزارة إلى مطالبة المتفقدين بتنقية البرامج والكتب المدرسية من كل ما يحيل إلى المقاربة بالكفايات، وتم ذلك بالفعل ولكن بدرجات متفاوتة حسب قناعة المتفقدين، فإذا قامت بعض المواد وبعض المتفقدين باستئصال كل ما يتصل بهذه المقاربة، فإن مواد أخرى والبعض الآخر من المتفقدين أبقى على روح المقاربة وإن أزال بعض المصطلحات التي تحيل إليها. ورغم التراجع الرسمي عن الكفايات، فقد تم تكوين المتفقدين الجدد على أساس أنها معتمدة في التعليم. وقد أدى هذا الوضع إلى نتيجتين:

النتيجة الأولى: إن هذا التكوين عرف اضطرابا حيث يتلقى التلامذة المتفقدون دروسا نظرية وفق المقاربة بالكفايات، وإذا وضعوا مشروع برنامج أو مشروع درس جاء وفق المقاربة بالأهداف التي كانت قائمة قبل تبنّي الكفايات، والغريب أن المكوِّنَ يطّلع على ملفّات التلامذة المتفقدين أثناء تقييمها ويضع ملاحظة “ممتاز”[14].

النتيجة الثانية: أحدث تخرّج هؤلاء اضطرابا في المشهد التعليمي سواء في علاقتهم بزملائهم القدامى من جهة، أو في صلتهم بالمدرسين من جهة ثانية، أو في تعاملهم مع الإدارة من جهة ثالثة. فبعد أن كان يتم قبول الواحد والاثنين من المتفقدين فيتفاعلون بإيجابية مع زملائهم القدامى ويتعلمون منهم أصول العمل، دخل هؤلاء بعدد كبير مما جعلهم أغلبية، فتحكموا في المشهد مع قلة خبرتهم وضبابية تكوينهم فضاعت بسبب ذلك كثير من التقاليد المهنية التي جرى عليها هذا القطاع.

ج- أما القيمون فحدث ولا حرج فهم مزيج غير متجانس يضم عمال الحظائر والحاملين للأستاذية، ويستوي جميعهم في غياب أي تكوين صناعي، وأصبحت وظيفتهم مقتصرة على ترسيم التلاميذ في بداية السنة الدراسية، وفي تسجيل الحضور في الساحة في راحتي العاشرة صباحا والرابعة بعد الظهر.

ولعل المعطيات الواردة في الجدول التالي الذي يضم عدد المعلمين في المدارس الابتدائية حسب الشهائد العلمية في مندوبيتين جهويتين للتربية تكشف حقيقة تحصيلهم للكفايات المستوجبة لمهنة التدريس:

الشهادة الاختصاص العدد
ختم الدروس الثانوية الترشيحية المندوبية 1 المندوبية 2
545 459
ختم الدروس بالمعاهد العليا لتكوين المعلمين 884 639
باكالوريا كل الشعب 1129 792
شهادة التقني 31 75
الأستاذية أو الإجازة أو الماجستير الأستاذية 1091 967
الإجازة 272 77
السنة الثالثة 31 18
الشهادة الجامعية للمرحلة الأولى 96 15
ما بعد الأستاذية 04 11
الشهادة الوطنية للهندسة 3 3
شهادة تعليم عالي 1 89
المجموع 4254 3153
نسبة المحترفين  33.59 %  34.82 %

 

إذا اعتبرنا خريجي مدارس الترشيح والمعاهد العليا لتكوين المعلمين محترفين، فإنهم يمثلون ثلث المعلمين المباشرين في المندوبيتين الجهويتين للتربية اللتين اخترتهما، أما الثلثان فيجمعان اختصاصات غير متجانسة وغير ملائمة للقطاع الذي يشتغلون فيه، ولم يُهَيَّؤُوا لمهنة التعليم علميا ولا صناعيا ولا نفسيا.

ويعبّر هذا الجدول عن خلل فادح في إعداد إطار التدريس، كما يكشف عن سياسة تعليمية تغيب عنها الحرفية، ويخضع انتداب المدرسين فيها إلى الفوضى، وعلامة ذلك إلغاء المدارس الترشيحية والمعاهد العليا لتكوين المعلمين، ودور المعلمين العليا، رغم الحاجة الملحة لها، ثم سد تلك الحاجة عبر انتداب أناس لا صلة لهم بالتعليم مثل التقنيين في التصوير الطبي والتحليل البيولوجي والتبنيج والرسم والهندسة المدنية والتمريض والفلاحة[15]، وكل من ملك المال لشراء الوظيفة مهما كانت شهادته واختصاصه، ولهذا فإن الذين نتعامل معهم اليوم على أساس أنهم معلمين ليس لهم من هذه الصفة غير الاسم، وهذا ما يفسّر ضعف النتائج وظاهرة التوتّر بينهم وبين التلاميذ والأولياء، مما أدى إلى سقوط صورة المعلم في الهاوية.

وإذا كان ذلك هو حال الاحتراف في المنظومة التربوية الآن، فكيف كان قبل الاستقلال وبعده؟

  1. تاريخ صناعة التعليم في تونس قبل الاستقلال: بدأت العناية بإطار التدريس في تونس قبل الاستقلال، ويبدو ذلك في مظاهر كثيرة منها:

تعهُّد مؤدبي الكتاتيب: كان التعليم الشائع في تونس يتم في مؤسسات أهلية وشبه حكومية تعرف بالكتاب وبالمدارس، يتولى التدريس فيها مؤدّبون، يتوارثون التجارب أو يصنعون تجربتهم الذاتية. وحدث أن طلبت حكومة الصادق باي[16] سنة 1875م – 30 محرّم 1292هـمنقوّادالمناطق تقريرا عن وضعية التّعليم بجهاتهم، وبناء على ما وصلها من تقارير اتّجهت الحكومة منذ جانفي 1876 إلى اتباع إجراءات مناسبة لذلك الزمن وأحواله تتمثل أساسا في عدم تولّى التدريسَ بالكتاتيب إلاّ لمنْ يُدلي بشهادة من الأهالي، أو من نقابة المؤدّبين تنُصّ على الرّضى به مؤدّبا للصّبيان. ولم يتم الاكتفاء بتلك الإجراءات حيث عمدت الحكومة إلى إرساء نظام مراقبة إداريّة وبيداغوجيّة على الطلبة والمدرّسين.

المدرسة العلوية: وبعيد الاحتلال الفرنسي وعملا بنتيجة التشخيص لواقع التعليم الذي أجرته الحكومة تأسست المدرسة العلوية بمنطقة القرجاني بمدينة تونس سنة 1302ه – 1884م في عهد علي باي[17] على أنقاض مبان على ملك الشيخ “ابن ملوكة” كان ينوي تخصيصها لإيواء طلبة العلم، ونسبت المدرسة إلى هذا الباي ولذلك سميت العلوية. وكان الهدف القريب من تأسيسها “تخريج معلمين، مؤهّلين بما حصلوا عليه من تكوين، وما تمّ لهم من تجربة، للتعليم في كامل أنحاء المملكة”[18]. أما الهدف البعيد بالنسبة إلى الفرنسيين فهو معرفة الثقافة العربية وكيفية عملها من أجل التحكم فيها[19].

وكانت هذه المدرسة تضطلع بمهمّة التكوين الأساسيّ للمعلّمين العرب والفرنسيّين وغيرهم لأنها كانت مفتوحة لجميع الجنسيات ولجميع الدّيانات الموجودة بالبلاد. وكان تعليم الفرنسيين يرتكز على تعليم الدارجة عبر دروس يؤمنها مدير التعليم العموميّ لويس ماشُويل Louis Machuel[20]بنفسه، وذلك بهدف تعريفهم عادات وتقاليد العرب، وإعانتهم على كيفية التعامل معهم، وكان التدرُّج المهني لهؤلاء المعلمين مرتبطا بمدى  توفقهم بهذه الدّروس[21].

واستمرت المدرسة العلوية في القيام بعملها إلى أن تم تَعَهُّدها بالإصلاح  بداية من سنة 1909 حيث أخرجت منها الشعب التي لا صلة لها بتكوين المعلمين، مثل الشّعبة المهنيّة التي أحدثت لها مدرسة صناعيّة خاصّة بها، وهي مدرسة لوي لوباي ( معهد 9 أفريل بتونس حاليا). كما أخرجت شعبة التعليم الابتدائيّ العالي إلى فضاء خاصّ بها وهو مدرسة ابتدائيّة عليا تضمّ شعبة تجاريّة تعِدّ التلاميذ للعمل في الإدارة والترجمة. كما أخرجت أقسام التعليم الابتدائيّ، بعد تخصيص مدرسة ابتدائيّة لها. ولم يبقَ للمدرسة العلويّة سوى وظيفتها الأساسيّة وهي تكوين المعلمين[22].

المدرسة التأديبية: لما أدركت إدارة المعارف الخلل في تكوين المؤدّبين غير المتخرجين من العلوية، تداركته بإدخال نظام على الكتاتيب الذي يقتضي أن يكون المؤدب متخرّجا من مدرسة خاصة، وهي “المدرسة التأديبية” التي تعرف أيضا بـــ “المدرسة العصفورية” التي أنشأت لهذا الغرض سنة 1312ه – 1894مـ[23]، وكان الهدف من إنشائها إعدادَ المعلّمين الذين سينهضون بهذا التعليم، فقد جاء في الفصل الثاني من الأمر العلي ليوم 11 من جُمادى الأولى سنة 1312هـ الموافق لليوم الثامن من نوفمبر سنة 1894م ما يلي “تتمثّل رسالة هذه المدرسة في إعداد مؤدّبين لا ينالون هذه الصّفة -مؤدّب -إلاّ بعض خضوعهم لامتحان مُحدّدةٌ شروطُه”[24]. وكان أوّلُ مدير لها الشّيخُ إسماعيل الصَّفائحيّ[25].

إدماج المدرسة التأديبية في المدرسة العلوية: استمرت المدرسة التأديبية في القيام بعملها إلى أن صدر أمر عليٌّ مؤرخ في 5 أكتوبر 1908 الموافق للتاسع من رمضان 1326هـ ويقضى في فصله الثاني بإدماج “مدرسة المؤدبين المعروفةبالمدرسة التأديبية مع هذه الشعبة الأهلية”، ويعني بالشعبة الأهلية تلك الشعبة التي أحدثت في العلوية بهدف احتكاك المعلمين ببعضهم، وتخريج جيل متجانس رغم اختلاف الاختصاص.وقد أتى هذا التغيير في هيكلة التعليم بناء على تشخيص قامت به لجنة خاصة، وبتوصية منها. حيث رأت سلطات الاحتلال أن هذه المدرسة حققت نتائج على خلاف المنتظر منها[26].

ويفيد متابعة الحوار الذي تم في مجلس التعليم العمومي أن المقصود بالنتائج غير المتوقعة ليس العجز العلمي ولا البيداغوجي للمتخرجين، ولكنه معارضة هؤلاء المعلمين لمشروع الاحتلال الفرنسي[27]، مما يقتضي في نظرهم العمل على تغيير عقلياتهم[28].

ويتضح بهذا العرض أن المحتل الفرنسي له هدف معلن وهو تكوين مدرّسين مؤهّلين، وهدف غير معلن وهو تكوين مدرّسين مختلفين عن المدرسين السّابقين، حتى لا يُقيموا أبدا في وجه المشروع الحضاري للمحتل الحواجزَ ذاتَها التي أقامها المؤدّبون القدامى. وقد نوّه مدير التعليم العمومي بخطوة الدمج هذه باعتبارها مندرجة في إطار تنظيم التعليم في تونس وتحسين أدائه، والأهم من ذلك أنه يرى أن “للنظام الجديد مزيتان، أن تنأى بمدرسة ترشيح المعلمين عن أي تعليم لا هوتي مهما كان، وأن تفرز تلاميذ معتدلين عارفين باللغة العربية”[29].

ونلاحظ من زاوية أخرى أن التحوّل في هيكلة المؤسسات التربوية المتعلقة بتكوين المعلّمين يعبّر عن تحوّل في السياسة الفرنسية إزاء مستعمراتها، فقد كانت السلطة الفرنسية تريد الإبقاء على التعليم التقليدي للأهالي كما هو لأنه ملائم لهم حسب عبارة جوليان[30]، حتى لا يتطور، وحتى لا يتعلموا معاني الحرية والمساواة، ولا يقرؤوا ما ينشر باللغة الفرنسية، وبالمقابل يبقى التعليم الفرنسي نموذجا بعيد المنال عن التونسيين، بسبب سياسة المنع التي مارستها فرنسا ضد انتشار التعليم بين الأهالي، بل اعتبرت إقبال التونسيين على التعليم تكالبا ينبغي إيقافه، وقد تم ذلك فعلا كما يفيده تراجع عدد التلاميذ من 4656 سنة 1897 إلى 2927 سنة 1903، وفي سنة 1901 أغلقت عشر مدارس[31]. ثم أصبحت السياسة الفرنسية بعد ذلك تقتضي إدماج الأهالي في المنظومة التربوية من أجل نشر المشروع الحضاري، ومنع كل ما يعيق تحقيق الأهداف الاستعمارية. أي أصبحت تهدف إلى نشر التعليم عبر برامج تهيئ المتعلمين لقبول المشروع الحضاري الفرنسي.

واستمر هذا التقلّب في سياسة الاحتلال الفرنسي حتى بلغ إلغاء نشاط مدارس الترشيح بتونس بين ديسمبر 1941 (أمر 11 ديسمبر 1941) وديسمبر 1943 (أمر 2 ديسمبر 1943) بعد قرار حكومة فيشي الفرنسيّة غلق مدارس ترشيح المعلمين في فرنسا ومُستعْمراتها[32].

  1. تاريخ صناعة التعليم في تونس بعد الاستقلال:

إن الانتباه إلى الغايات القريبة والبعيدة لسلطة الحماية الفرنسية، ينبغي أن لا يجعلنا غافلين عن الفوائد التي حققها للتعليم في تونس خاصة على المستوى الصناعي المهني البيداغوجي. فقد أسهمت التنظيمات الفرنسية في تطوير التعليم بالقطع مع بعض التقاليد التعليمية التي تجاوزها الزمن، ومع بعض المعارف التي فقدت فاعليتها بمرور الوقت[33].

ولعل من مظاهر ذلك فرض التنظيمات الفرنسية للنظام والانضباط في كل ما يتصل بمهنة التعليم من التعلم إلى ممارسة التعليم، مثل البرامج والكتب وتكوين المدرسين علميا وصناعيا. ولعل من طريف ما ألزمت به الترشيحيين اللياقة البدنية التي تجعله صالحا لمهنة التعليم، على خلاف ما نلاحظه اليوم في بعض المدارس العليا لتكوين المعلمين[34].

ويفيد تأمُّل النصوص القانونية وعي الدولة التونسية بأهمية التعليم عموما وبإطار التدريس خصوصا[35]، ولذلك نجدها تبادر بمجرد الحصول على الاستقلال إلى دعم المؤسسات القائمة والمختصّة في تكوين معلمي التعليم الابتدائي، وبعث مؤسسات جديدة مختصة في تكوين أساتذة التعليم الثانوي.

أ-صناعة التعليم في المرحلة الابتدائية: استمرت المدرسة العلوية في العمل، وتدعَّمت بإحداث فرعلتكوينالمعلمات بمدرسةجولفيريسنة 1911 الذيتحولإلىمدرسةترشيحالمعلماتسنة 1917. فورثت دولة الاستقلال المدرستينودعمتهمابعدة مدارس للمعلمين والمعلمات. ولكن لما كانت تلك المدارس لا تفي بحاجة المؤسسات التربوية إلى المدرسين خاصة مع حرص الدولة على جعل الإطار تونسيا فقط، فقد اتجه إصلاح 1958 إلى بعث شعبة في التعليم الثانوي اسمها “شعبة ترشيح المعلمين”، غير أن هذه التجربة لم تستمر، لأن وجود الترشيحيين مع سائر التلاميذ منع عنهم أي تميز علمي أو تربوي أو تنظيمي. وقد كانت تلك السلبية سببا لدعم مدارس ترشيح المعلمين.

غير أن مدارس الترشيح وإن عرفها الأمر الصادر سنة 1961 “مؤسّسات عمومية عُدّت لتكوين معلّمي ومعلّمات المدارس الابتدائية”[36]، فإن ضغط الطلب على المدرسين جعلها عاجزة عن تلبية حاجة المدارس الناشئة، مما جعل انتداب المعلمين يشمل ثلاثة أصناف: أولهما الترشيحيون المتخرجون من المدارس الترشيحية. وثانيهما المحرزون على شهادة الباكالوريا، أو شهادة انتهاء الدروس الصادقية، أو شهادة التحصيل من جامع الزيتونة. وثالثها المدربون الذين اجتازوا امتحان تأهيل يضبط بقرار[37].

وقد برّر هذا الواقع تنقيح الأمر الصادر سنة 1961 بأمر آخر صدر سنة 1963 ووسّع مهام المدارس الترشيحية حسب ما يقتضيه الفصل 33 منه، وجاء فيه أن “مدارس الترشيح وشعب الترشيح بالمعاهد الثانوية معدة لتكوين معلّمين ومعلمات ومدربين ومدربات للتعليم الابتدائي”[38]. وتم بمقتضاه بعث شعبة لتكوين مدربين ومدربات، فتوسعت مهام المدارس الترشيحية وأصبحت لها ثلاث وظائف: أولها تكوين التلامذة المعلمين والتلميذات المعلمات لمدة ثلاث سنوات. وثانيهما تكوين التلامذة المدربين والتلميذات المدربات لمدة سنتين. وثالثها تنظيم حلقات تربص بيداغوجي وتكوين مهني إي صناعي من أجل التأهيل لمهنة التدريس[39].

ويلاحظ المتتبع للتطور التربوي وما رافقه من نصوص قانونية أن نسق سياسة الاحتراف لم يسر على وتيرة واحدة ولا على نظام واحد، فقد رافق ذلك انطلاق المدارس الترشيحية، ثم شعب ترشيحية بمعاهد التعليم الثانوي، ثم أضيفت شعبة للمدربين داخل مدار الترشيح، ثم تم قبول أصحاب شهائد أخرى مختلفة وأُخضعوا إلى تكوين بيداغوجي سريع، وتم تطويل مدة التكوين مرة واختصارها مرة أخرى. ولكن كل ذلك لم يثن الدولة عن الاجتهاد في بعث مدارس الترشيح، وتكثيف عددها، إلى أن بلغ سنة 1975 – 1976 ثمانية عشرة مدرسة كما يوضح ذلك الرسم البياني التالي[40].

 

وقد أعقب ذلك التوسع في إنشاء مدارس الترشيح، والرفع من طاقة استيعابها من خلال التوجيه القصري لنسبة تتراوح بين  25 و30% من التلاميذ الذين أنهوا المرحلة الأولى من التعليم الثانوي، ومن خلال انتخاب أحسن العناصر من بين التلاميذ الذين أنهوا تعليمهم بالشعبة العامّة من التعليم الإعدادي للالتحاق بمسلك ترشيح المعلّمين، أعقب ذلك تراجع حاد واضطراب من علاماته غلق مدارس ترشيحية، ثم إعادة فتحها بعد سنة أو سنتين، ثم غلقها مرة أخرى. ولا شك أن نزول الخط البياني لهذه المدارس كما يوضحه الرسم يدل على عدم وضوح الاختيارات، وعلى عدم ملاحظة النمو الديموغرافي للمجتمع.

ولم يتوقف هذا الاضطراب إلا مرحلة الاستقرار الوزاري مع محمد مزالي والبشير بن سلامة من 1976 إلى 1986 حيث حافظ الثاني على سياسة سلفه نظرا للاتفاق الحاصل بينهما. فارتفع عدد المدارس وعدد التلاميذ الموجهين إليها.

ولم يمنع ذلك التحسن استمرار الجدل حول تقييم أداء هذه المدارس ومستقبلها، فلئن ظهرت وجهة نظر تدعمها وتسعى لابتكار وسائل لتشجيع النجباء على التوجه إليها سواء أثناء مرحلة التعلم أو أثناء مرحلة العمل، فإن وجهة نظر أخرى تسعى لإنهائها معلّلة ذلك بضعف الإقبال عليها، وبارتفاع كلفة التكوين فيها. وظهرت وجهة نظر ثالثة ترى إنشاء معاهد عليا لتكوين المعلمين يتم توجيه التلاميذ إليها من الناجحين في امتحان الباكالوريا، غير أنّ هذا التصوّر لم يرَ النور إلاّ في بداية التسعينات مع الإصلاح  التربوي لسنة 1991.

واستمرت تلك المدارس فاعلة وحاملة لقاطرة التعليم في البلاد حتى وقت قريب حيث أطاح الفساد بتلك الصروح وضرب المنظومة التربوية في مقتل حتى أن التدارك اليوم والسير في طريق الإصلاح في غاية الصعوبة، لا من جهة المستوى المتدني للمدرسين فقط، ولكن من جهة صعوبة التعامل مع هذه الشريحة التي ليس لها من شخصية المعلم شيء. فقد تم التخلي عن مدارس الترشيح سنة 1991 – 1992، وحل محلها بداية من 1989 – 1990 المعاهد العليا لتكوين المعلمين[41]، ثم سرعان ما تم التخلي عنها هي الأخرى[42]، وتم اللجوء لانتداب المعلمين من اختصاصات مختلفة بعد أن يتم تكوينهم لمدة محدودة في “معاهد مهن التربية” التي أحدثت لهذا الغرض[43]. ولئن أسندت إلى معاهد مهن التربية مهمة إكساب المترشحين لمهن التدريس والتأطير البيداغوجي والتسيير الإداري في التعليم الأساسي والتعليم الثانوي والتكوين المهني المؤهلات المستوجبة في هذه المهن والوظائف، واستكمال التكوين المعرفي الأساسي للمتكونين، والإسهام في التجديد البيداغوجي[44]، فإن العمل فيها مناسباتي، ويتقاطع مع مؤسسات أخرى تقوم بنفس الدور مثل المراكز الجهوية للتربية والتكوين المستمر، والمركز الوطني للتجديد البيداغوجي، والمركز الوطني لتكوين المكونين في التربية بقرطاج وغيرها من المؤسسات التي تضطلع بنفس المهمة[45]. مما يدعونا إلى التساؤل عن جدوى بعث هذه المعاهد، وعن الأسباب الحقيقة الكامنة وراء إحداثها. ولا شك أن هذا التذبذب في إحداث المؤسسات والتخلي عنها يثير الاستغراب، ويبعث على الحيرة، ويتأكد السؤال عن هذه المسألة إذا علمنا أن الشأن نفسه حدث في بلاد إسلامية أخرى مثل الجزائر.

ب-صناعة التعليم في المرحلة الثانوية: تأخر ظهور المدارس المتخصصة في تكوين مدرسي التعليم الثانوي إلى ما بعد الاستقلال، على خلاف المدارس المتخصصة في تكوين المعلمين فقد ظهرت بمجرد الاحتلال الفرنسي لتونس كما تقدّم بيانه. وقد عرف ظهور دور المعلمين العليا عدة أطوار نختصرها في ما يلي[46]:

دار المعلمين العليا بتونس: بادرت الدولة بإحداث “دار المعلمين العليا” في مفتتح أول سنة دراسية بعد الاستقلال، أي في أكتوبر 1956، من دون انتظار صدور النص القانوني المنظم لعمل هذه الدار. ثم صدر أمر رقم 201 لسنة 1958 مؤرخ في 28 صفر 1378هـ / 13 سبتمبر 1958م يقضي بتأسيس معهد للتعليم العالي يدعى “دار المعلمين العليا”[47]. وتدعَّمت بذلك مؤسَّسات التعليم العالي التي كان بعضها قائما زمن الاحتلال بهذه المؤسسة النوعية، حيث حدّد الفصل الأوّل من الأمر المنظم لها أن مهمة دار المعلمين العليا هي “تكوين أساتذة التعليم الثانوي”.

واستمرَّت هذه الدار في النهوض بمهمتها قائمة بذاتها في البداية باعتبارها مؤسسة لها استقلالها الإداري والمالي، إلى إن تم إدماجها بين 1960 و1973 في كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بالنسبة للمختصين في هذا الفرع العلمي، وفي كلية العلوم بالنسبة للمختصين في هذا الفرع العلمي، ويتحصل المتخرِّج على شهادته من الكلية التي يتبعها.

ثم عرفت دار المعلمين العليا بتونس الاستقلال مرة أخرى خلال 1973 و1982، وأصبح مقرها في البناية التي يوجد بها الآن المعهد الأعلى للتربية والتكوين المستمرّ بتونس العاصمة، عملا بنظام أساسي جديد ومتطور ومتعدد الاهتمامات بالنظر إلى القانون السابق[48].ونص الفصل الثاني من الأمر المنظم لها على مهمتها التي يمكن حصرها فيما يلي:

  • تكوين أساتذة لمعاهد التعليم الثانويّ ومدارس ترشيح المعلّمين، وإطارات للتعليم العالي والبحث العلميّ.
  • تكوين متفقّدي التعليم الابتدائيّ والثانويّ والمنشّطين البيداغوجيّين.
  • تنظيم تعليم أساسيّ لتلاميذها في الاختصاص الذي اختاروه علميا كان أو أدبيا، إلى جانب إعدادهم للقيام بالرسالة التربويّة.
  • تمكين تلاميذها من ثقافة عامّة وتكوين مدنيّ يؤهلانهم لمهامّهم التربويّة.
  • تكوين تلاميذها تكوينا بيداغوجيّا، وقد تتولّي نفس المهمّة بالنسبة إلى سائر الطلبة الذين يختارون مهنة التعليم
  • الإشراف على “ندوات بيداغوجيّة” و”دروس تكميليّة” لتجديد المعلومات لفائدة أساتذة التعليم الثانوي المباشرين ومتفقدي التعليم الابتدائيّ والثانويّ.
  • الإسهام في وضع الدراسات والبحوث ذات الصبغة البيداغوجية.

ثم عرفت دار المعلمين العليا بتونس طورا جديدا، حيث تم حذفها تماما من منظومة التعليم العالي من سنة 1982 إلى سنة 1991، بمقتضى الفصل 132 من قانون الماليّة لسنة 1983 ونصّه “حُذفت مدرسة ترشيح المعلمين العليا بتونس، وتقع إحالةُ مكاسبها للمعهد الأعلى للتربية والتكوين المستمرّ، الذي أحدث بمقتضى الفصل 130 من هذا القانون”[49].

دار المعلمين العليا ببنزرت وسوسة: تم سنة 1980 – 1981 إحداث دار المعلمين العليا ببنزرت[50]، وإحداث دار المعلمين العليا بسوسة[51]. ولئن عُهد إلى دار المعلمين ببنزرت تكوين الأساتذة في مجال العلوم، فقد عُهد إلى دار المعلمين بسوسة تكوين الأساتذة في مجال اللغات والآداب والعلوم الإنسانيّة. وتشترك المؤسستان في القيام بثلاث مهام: أولها تكوين أساتذة التعليم الثانوي وأساتذة مدارس ترشيح المعلمين والمعلمات ضمن شعب الدراسة الخاصة بكل مدرسة. وثانيها الإسهام في إعداد برامج التعليم الثانويّ. وثالثها الاضطلاع بمسؤولية الرّسكلة والتكوين المستمرّ[52].

ولئن اتجهت مهام دار المعلمين العليا ببنزرت وسوسة نحو التركيز والتخصص بالمقارنة مع المهام المنصوص عليها في تنظيم دار المعلمين العليا بتونس التي تم حذفها، فإن تلك المهام مازالت في حاجة إلى الضبط، فما معنى أن يتولى معهد عال لتكوين المدرسين إعداد برامج التعليم الثانويّ؟ ولعل ذلك يعود إلى عدم وجود مؤسسات متخصصة وعدم وجود إطارات مؤهلة لذلك الغرض في تلك الفترة من تاريخ البلاد.

حذف دار المعلمين العليا ببنزرت وسوسة: تم بمقتضى أمر حذف “دار المعلمين العليا” بسوسة ونقل مكاسبها والتزاماتها إلى كلية الآداب بسوسة[53]، كما تم بمقتضى أمر أيضا حذف “دار المعلمين العليا” ببنزرت ونقل مكاسبها والتزاماتها إلى كلية العلوم ببنزرت[54]. وطُوي بذلك ملف المدارس المتخصصة لصناعة التعليم، ولم يبق بالبلاد مؤسسات لتكوين المدرسين.

دار المعلمين العليا بتونس (1): عادت دار المعلمين العليا بتونس للظهور مرة أخرى، وعرفت مرحلتين أثناء هذا الظهور، ولذلك أشرت برقم واحد لهذه المرحلة الأولى التي بدأت سنة 1996. فقد نص القانون المؤسس لها على بعث “دار المعلمين العليا” مقرها تونس العاصمة وتخضع لإشراف وزارة التعليم العالي[55]. فاحتضنها الفضاءُ الكائن ببطحاء الخيل، بحيّ القرجانيّ، مقرُّ مدرسة ترشيح المعلمين بتونس سابقا، ثمّ المعهد الأعلى لتكوين المعلمين بتونس سابقا، ولكن بصورة جديدة ومهام مختلفة عن تلك التي كانت لها في الأطوار السابقة.

وبيّن الفصل الثاني من هذا القانون أن مهمة هذه الدار تتمثل في:

  • تكوين مدرسين ذوي مستوى رفيع في مختلف الاختصاصات ممن تحتاج إليهم مؤسسات التعليم الثانوي ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي.
  • تمكين تلاميذها من تكوين أكاديمي يؤهلهم للاضطلاع بدور ريادي في النهوض بمستوى التربية والتعليم والبحث في مختلف المؤسسات.
  • إعداد تلاميذها لاجتياز مناظرة التبريز للتعليم الثانوي، وذلك بتنمية إمكانياتهم المهنية وقدراتهم المهنية وما يتطلبه البحث من استعداد.
  • تنظيم كل نشاط بحث من شأنه أن يسهم في تنمية التربية والتعليم بالبلاد.
  • تنظيم كل أنواع الأنشطة التي من شأنها أن تنمي الثقافة العامة لتلاميذها وتكوينهم الاجتماعي.

ويتبيّن من خلال النظر في هذه المهام، ومن خلال النظر في نظام الدراسة المعمول به في دار المعلمين العليا في ثوبها الجديد، وفي طرائق انتساب الطلبة إليها، أن هذه الدار لم تعد مهمتها منحصرة في تكوين أساتذة محترفين للتعليم الثانوي، فقد أضيف لها إعداد مدرسين للتعليم العالي من خلال الإعداد لمناظرات التبريز.

ويتبيّن من خلال النظر في طرق التحاق التلاميذ بهذه المؤسسة، أن التلاميذ لا يلتحقون بدار المعلمين العليا عن طريق التوجيه الجامعي أو عن طريق مناظرة تجرى للراغبين من حاملي شهادة الباكالوريا، وإنما عبر مناظرة تفتح للطلبة المتابعين لدراستهم في كليات أخرى. فيتم قبول عدد معين من المتناظرين الذين اجتازوا بنجاح المرحلة الأولى من التعليم العالي. كما يتم قبول طلبة السنة الثانية من الأقسام التحضيرية لمناظرات الدخول لمدارس المهندسين[56].

ويتبيّن من خلال الاطلاع على عدد المراكز المفتوحة سواء لقبول التلاميذ للدراسة، أو لقبول مواصلة بعضهم التبريز، أن عدد المصرح بقبولهم محدود جدا بالنظر إلى حاجة المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية ومؤسسات التعليم العالي إلى المدرسين.

وندرك من خلال الملاحظات السابقة أن تكوين دار المعلمين العليا في ثوبها الجديد لمدرّسين للتعليم الثانويّ لم يعد من أولوياتها. يؤكد ذلك أن التكوين لا يتم داخل دار المعلمين العليا وإنما في مؤسسات جامعية أخرى يحددها وزير التعليم العالي. وبيان ذلك أن الدراسة بدار المعلمين العليا تدوم 3 سنوات تتوزع كما يلي: سنتان يتابع فيها الطالب دراسته بإحدى مؤسسات التعليم العالي التي يعينها وزير التعليم العالي، ولذلك يتعيّن عليهم التسجيل بهذه المؤسسة لأن شهادة التخرج يتسلمونها منها. وسنة ثالثة مخصصة لإعداد مناظرة التبريز[57]. ولا تضمن دار المعلمين العليا لفائدة تلاميذها إلا دروسا تكميلية في اختصاصاتهم وفي اختصاصات مرتبطة بها، بهدف تعميق التكوين الأكاديمي، واكتساب اللغات الأجنبية، والتكوين البيداغوجي وخاصة في تعلميّة المواد والتمكّن من تقنيات العرض والاتصال، والتكوين في تقنيات الإعلامية[58].

ويتأكد الانحسار في مهام دار المعلمين العليا في نظامها الجديد أن الاختصاصات التي تهتم بها تشمل المواد الأدبية، والعلوم الإنسانية، وكذلك العلوم الأساسية التي تنظم فيها مناظرة التبريز. وعندما ندقق الأمر نجدها تهتم بمواد اللغة والآداب عربيّة والفرنسية والإنجليزيّة، والتاريخ، والجغرافيا، والرياضيات، والفيزياء والكيمياء، والعلوم الطبيعيّة، ثم ألحقت بها مادة الفلسفة، مما يعني أنها لم تهتم بتكوين مدرسين في كل الاختصاصات التي يحتاجها التعليم الإعدادي والثانوي في ذلك الوقت[59].

ونتيجة لهذا الانحسار في المهام وفي عدد المتكونين وفي المواد المقبولة، أصبح الانتداب في التعليم الثانوي قائما أساسا على المتخرجين من الكليات والمعاهد العليا المختلفة، دون أن يكون لهم الاستعداد العلمي والصناعي المتخصص. وقد أثر ذلك تأثيرا سلبيا في مستوى التعليم، وفي ملامح المتخرجين منه، وفي مستواهم، بما لا يخفى على الناظر المتبصر.

وبما تقدّم تكون دار المعلمين العليا في نظامها الجديد قد حافظت على الاسم القديم للمؤسسة كما أحدثت في البداية، واشتركت معها في بعض الأهداف، ولكنها على مستوى النظام وطريقة القبول ومنهجية التكوين مختلفة تماما، مما يعني إفراغ المؤسسة من مضامينها الأساسية. وتعد هذه الخاصية سمة أساسية لأغلب المؤسسات التي تم إنشاؤها منذ أن تولى زين العابدين بن علي السلطة سنة 1987.

دار المعلمين العليا بتونس (2): بينا فيما تقدم أن عودة دار المعلمين العليا للظهور مرة أخرى مرت مرحلتين، وبعد أن بيّنا ملامح المرحلة الأولى، نبيّن الآن ملامح المرحلة الثانية التي أشرت إليها برقم اثنين والتي بدأت سنة 2001. حيث استعادت دارُ المعلمين العليا في هذه الفترة استقلالها وخصوصيّتها، وصارت تنتدبُ المدرّسين الذين يؤمّنون التدريسَ بها كامل الوقت، وأصبحت الدروس تجري بقاعات المؤسّسة نفسها، على خلاف ما كان حاصلا في المرحلة الماضية. كما أصبحت الدار تسند بنفسها شهائد التخرّج للناجحين في الامتحانات النظرية والتطبيقية، ويطلق على هذه الشهادة “شهادة دار المعلمين العليا”[60]. وفتحت مناظرة لقبول طلبة السنة الثانية الناجحين إلى السنة الثالثة في نظام “إمد” في الاختصاصات التالية: الرياضيات، والفيزياء والكيمياء، والآداب العربية والفرنسية والانجليزية، والتاريخ والجغرافيا، والفلسفة[61].

ولئن عرفت شروط القبول اختلافا من سنة إلى أخرى[62]، فإن الهاجس المادي ظل متحكما في كل القرارات المتخذة من سلطة الإشراف فعوض التكوين الذي يرافق الطالب منذ دخوله الجامعة، يتمّ قبول الطلبة المنهين للمرحلة الأولى من التعليم العالي حتى تكون تكلفة التكوين أقل. وبهذا يكون الاستثمار في التربية محكوما بالتوازنات المالية التي لا تجعل من التعليم أولوية وطنية، ولا تعبّر عن استراتيجية تعليمية وعلمية بعيدة المدى، وهو ما يفسر التدني المستمر لمستوى التربية والتعليم بتونس حتى أصبح المتخرج من الجامع والمقبل على التدريس لا يجهل فقط طرق التدريس بل لا يتحكم في مادة اختصاصه وفي لغة تدريسها عربية كانت أو فرنسية أو انجليزية.

وما يهمّنا في هذا السرد التاريخي التأكيد على النقاط التالية:

الأولى: عزم الدولة على إقامة مؤسسات مختصة لتخريج المعلمين والأساتذة القادرين على الاضطلاع بمهامهم على الوجه الأفضل، واختيار هيئة تدريس لهؤلاء التلاميذ المعلمين من بين أفضل المدرسين. غير أن غياب سياسة تعليمية واضحة، واللجوء إلى الحسابات المالية، جعلت العزم على إنشاء جيل من المدرسين المحترفين يفتر، بل يتراجع تماما بإغلاق المدارس المختصة، واللجوء إلى الفوضى، وتقديم التشغيل على التعليم والمعرفة.

الثانية: إن تجربة إنشاء مدارس لتكوين المعلمين والأساتذة وإن لم تكن مثالية، فإنها عبّرت عن وعي النخبة التونسية بضرورة تمهين المدرسين، ونجد نموذجا لهؤلاء وهو محمد الطاهر ابن عاشور الذي أكد في بداية القرن العشرين على ضرورة “أن تدرّس صناعة التعليم قبل انتخاب المدرس للتدريس”[63]، من أجل تخريج معلّمين جدد يستجيبون للتطور ويقدرون على مسايرة تبدل الأحوال. ولئن كانت نتائج هذه المدارس محدودة بالنظر إلى طاقة الاستيعاب في علاقتها بالحاجيات الحقيقية، فقد عبّرت عن عزم الرواد في الدولة التونسية على تأسيس نواة لبعث مؤسسات مختصة في صناعة التعليم على حد عبارة ابن خلدون. ولكن الجيل الذي خلف هؤلاء الرواد لم يكن في مستوى المسؤولية فلم يستفد من تلك التجربة، بل طمسها من أجل حسابات ضيقة لا تعبر عن الشعور بالمسؤولية العلمية والوطنية.

الثالثة: اهتدت وزارة التربية منذ سنتين إلى بعث مؤسسات تعليم عال مختصة في تكوين المعلمين، فأقبل عليها خيرة الناجحين في الباكالوريا، غير أن هذه المبادرة على أهميتها لابستها مجموعة من الهنات بسبب عدم الاستعداد الجيد على مستوى البرامج وعلى مستوى إطار التدريس المؤهل مما يهدّد مستقبلها[64]. كما اهتدت الوزارة إلى بعث شعبة ماجستير مهني يتكون فيها المقبلون على التدريس في التعليم الثانوي غير أنها باءت بالفشل نتيجة ضغوط من المقبلين على التكوين وهي سابقة خطيرة كما قال السيد وزير التربية في مجلس نواب الشعب، لأن ذلك يعبر عن عدم وعي بأهمية هذه الخطوة في إصلاح المنظومة التربوية.

الرابعة: إن نتائج هذا التذبذب في سياسة التكوين والانتداب في غاية الخطورة على حاضر المنظومة التربوية ومستقبلها. ونلاحظ علامات ذلك في الضعف اللغوي والمعرفي وتدني المستوى الأخلاقي لخريجي المدرسة، ومن ذلك أنه تم بث برنامج في إحدى القنوات التلفزية التونسية، ومما ورد فيه أن القناة قامت بتصوير ما كتب في السبورة من قبل معلم نائب ما يلي: “Les enfant prépare ses valise”، فسأله الصحفي: “هل تعلم أن الجملة فيها أخطاء؟”، ارتبك “المُعلم النائب” وأجابه: “أنا فقط أريد أن أدرسهم نطق الحروف”. إن الاطلاع على ما يرسم للتلاميذ، وسماع جواب المعلم يعطي عينة تسهم في إجراء تشخيص دقيق لواقع التعليم ببلادنا، وتبرهن على عمق الفاجعة التي لحقت منظومة التعليم في تونس التي أُغدق عليها من الأوصاف ورُفع فيها من الشعارات ما يبشر بثورة ثقافية، غير أنها لم تؤد إلا إلى تدهور المستوى اللغوي والعلمي والأخلاقي.

  1. لماذا الاحتراف؟

يمكن تصنيف مبررات الاحتراف إلى صنفين:

  1. واقع المنظومة التربوية:

إنالواقع الذي انتهت إليه التربية في بلادنا بعد ثلاث منظومات تربوية وهي منظومة 58 ومنظومة 91 ومنظومة 2002 ينبئ بنتائج غير ملائمة للمأمول. ولئن كانت مدارس ترشيح المعلمين في منظومة 58 كفيلة بتوفير ما تحتاجه المدرسة من معلمين، فإن منظومة 91 انتهت إلى الفشل الذريع بعد تسع سنوات من الاختبار، كما أثبت ذلك التقييم الذي أنجزته وزارة التربية، وكما عبّر عن ذلك المدير العام للبرامج في أحد الاجتماعات الرسمية. حيث سيطرت في هذه المنظومة الناحية الكمية على العمليّة التعلُّميّة التعليميّة، وغاب الاحتراف والثقافة التقييميّة. ولذا لما صدر القانون التوجيهي في 2002 حاول مهندسوه تجاوز تلك السلبيات باعتماد منظومة تقوم على: تكوين عقول مفكرة بدل حشو الأدمغة، والتحكم في التكنولوجيا الجديدة، والتفاعل الايجابي مع المحيط، وإدخال مواصفات الاحتراف على المنظومة التربوية[65].

غير أن المنظومة الجديدة التي راهنت على النجاح لم تخل من سلبيات منها الإخفاق في تحقيق النجاح بجدارة واللجوء إلى الارتقاء الآلي، وإلى النجاح من مستوى إلى آخر دون مناظرات، مما أنتج أعداداً هائلة من المتخرجين من المدارس والمعاهد والكليات دون أي مستوى علمي حقيقي، ولا يتناسب مع الشهادات المتحصل عليها. وقد دعا ذلك المشرفين على الشأن التربوي إلى التفكير في إصلاحها منذ سنة 2010. ولئن أوقفت أحداث 2011 المحاولة، فإن المشرفين على وزارة التربية بعد ذلك سرعان ما عاودوا محاولة الإصلاح ، ولكنه كان إصلاح كالفساد، مما زاد الطين بلة وعكر الحياة المدرسية ومازالت تداعيات ما صنعوه مستمرة.

ويعود الخلل إلى سببين رئيسين:

أ.سياسي: حيث سعى النظام القائم وقتئذ إلى توظيف التعليم لتحسين صورته، وقد حمله ذلك على تسخير كل شيء لتحقيق هذا الهدف، بما في ذلك المقاربات البيداغوجية، ومنها بيداغوجيا النجاح، فمن حيث المبدأ جيد أن نعمل من أجل النجاح، ولكن الذي أصبح سائدا في الفضاء التربوي أن النجاح حق وليس استحقاق، فلا يسعى التلميذ للنجاح ولكن يهدى له، من أجل تضخيم نسب النجاح وإظهار التطور الإيجابي للمنظومة التربوية. فشعار الإنصاف ومدرسة للجميع لكل فيها حظ في النجاح[66]، أصبحا مدخلا للتحول الآلي من مستوى إلى آخر دون امتحانات، أو بامتحانات شكلية، أو بتدخل مباشر من مديري المؤسسات التربوية لتغيير الأعداد. وقد أرسى ذلك ثقافة جديدة أفضت ومازالت تفضي إلى الارتقاءات الآلية للمعلمين والأساتذة.

كما بدا هذا التوظيف من خلال الانحراف في فهم المقاربة بالكفايات، فأصبحت الكفاية تعني عند بعض المشرفين على الشأن التربوي استبعاد المعرفة والاستخفاف بها، عملا بكلمات حق يراد بها باطلا، مثل المشكل ليس في المعرفة، والمعارف ملقاة على الطريق. رغم أن مؤسسي الكفايات يؤكدون على أهمية المعرفة في بناء الكفايات، وقد تساءل أحدهم وهو فيليب برنو (Philippe Perrenoud, 1999) فقال “هل أن بناء الكفاية يعني إدارة الظهر للمعرفة؟” Construire des compétences, est-ce tourner le dos aux savoirs ?[67]. وأجاب عن ذلك قائلا :

la plupart des compétences mobilisent certains savoirs ; développer des compétences n’amène pas à tourner le dos aux savoirs[68]

وبهذين الخللين في الفهم وغيرهما استحكم النجاح دون استحقاق وانتشرت الأمية الثقافية، رغم كثرة حاملي الشهادات الجامعية. وقد أثّر ذلك في مستوى التعليم تأثيرا بليغا. وامتدّ أثره إلى جوانب الحياة كلّها، ولعلّ سقوط هرم النظام السياسي في 2011 كان ناتجا عن كثرة المتخرجين الذين لم يجدوا رواجا لشهائدهم في سوق الشغل.

ب. اجتماعي: عمدت الحكومة إلى حل مشكلة التشغيل بقبول خريجي الجامعات في التعليم بمهنه المختلفة دون اعتبار للكفايات المطلوبة فيها، وقد أدى ذلك إلى ضعف التحصيل العلمي، وبدأ الدوران في حلقات مفرغة فتسمع جعجعة ولا ترى طحينا. فالرتب تعلو والمرتبات ترتفع والأسماء تكبر عبر الارتقاء الآلي والسريع عبر ما اصطلح عليه بالانزلاق مما جعل الجنرالات أكثر من الجنود، وأصبحت الترقيات العديدة تحصل قبل الترسيم في المهنة. وهكذا لم تحل الحكومة أزمة التشغيل، ولم تترك المنظومة التربوية تشتغل كما هو مطلوب، فتم تشغيل عدد هائل من أصحاب الشهادات على حساب التكوين والتأهيل.

  1. أهمية الاحتراف:

إن أهمية الاحتراف في ذاته بالنسبة إلى سائر المهن ومنها مهن التعليم المختلفة، يؤكد أنّه لا مجال لتجاوز الوضع الذي انتهت إليه المنظومة التربوية إلا باحتراف كل الموارد البشرية العاملة فيها. وقد كانت وزارة التربية مدركة لذلك ولهذا جاء في الخطة التنفيذية لمدرسة الغد 2002 ما يلي “تقوم الأنظمة التربوية العصرية ذات الأداء الرفيع على نوعية مواردها البشرية بالأساس. فليس ثمة أهم من كفاءة المدرس بالنسبة إلى أداء المدرسة”[69].

وقد أصبح معلوما عند كل الباحثين في الحقل التربوي أن تحقيق أهداف أي منظومة تربوية متوقّف على توفر موارد بشرية رفيعة الأداء، كما أن تسيير المؤسسات التربوية وتنظيم شؤونها يتطلب فضلا عن التحمّس لمثل هذه المهن درجة عالية من الاحتراف مما لا يتوفر حاليا. ولهذا فإن أداء الواجب المهني بالكفاية المطلوبة، ونشر التعليم على أوسع نطاق ولأطول فترة ممكنة، وتطوير المستوى العلمي والعملي للمتعلمين، وتحقيق التقدم العلمي في مختلف المجالات التي يحتاجها المجتمع، يحتاج تمثل العاملين في قطاع التربية لمقتضيات الاحتراف.

  • ما السبيل لتحقيق رهان الاحتراف؟

يُعَدُّ المدرِّس والمدير والقيم والمتفقد في أي مستوى تعليمي، وفي أي اختصاص علمي عناصر أساسية في العملية التعليمية والتربوية، وأركانا مهمة في هرمها. ولا سبيل لتحقيق هؤلاء للأهداف والنتائج المنوطة بهم ما لم تكن لهم سمات ومؤهّلات معيّنة.

  1. الكفايات المهنية للمدرس المحترف:

لما كان «التعليم في الصغر أشد رسوخاً وهو أصل لما بعده»[70]، فإن عدم توفّر الكفايات المهنية اللازمة للمتصدي للتدريس ستكون له نتائج وخيمة على مستقبل المتعلمين، بل على المجتمع بأسره. يؤكد ذلك أن “تعليم العلم صناعة” كما قال ابن خلدون[71]، ولا سبيل لتحصيل موجباتها إلا بمؤسسات مؤهلة للتكوين في تلك الصناعة. كما أنه لا سبيل لإسناد مهمة التعليم إلا لمن حَصّل الكفايات المهنية اللازمة. والمقصود بالكفاية هو القدرة على توظيف المعارف والمهارات والمواقف لحل إشكالية ذات معنى من خلال وضعيات يعيشها المتعلّمون أو يمكن أن يعيشوها.

وقد جمعت الخطة التنفيذية لمدرسة الغد الكفايات المهنية للمدرسين في النص التالي “يعني الاحتراف بالنسبة إلى المدرسين في الوقت ذاته تمكنهم من المعرفة ومن فنون التدريس، وقدرتهم على بناء مشروعهم البيداغوجي، وإنجازه انطلاقا من خصوصيات واقعهم المدرسي. ويعني الاحتراف كذلك حسن التخطيط وسلامة التقييم والتعامل مع وضعيات بيداغوجية متنوعة، وخلق الرغبة في التعلّم لدى التلاميذ، وتعديل التعلّمات في ضوء عمليات التشخيص”[72]. ولئن ركز هذا النص على كفايات المدرس، فإن المطلوب هو تكوين كل المتدخلين في العملية التربوية وإكسابهم كفايات أفقية وكفايات مميّزة، لأن الاحتراف مفهوم منظومي ينبغي أن يمسّ المنظومة التربوية من جميع نواحيها، وإذا سقط منه عنصر تداعت بقية العناصر، فكان لابد من تأهيل شامل تطال كل المتدخلين في الشأن التربوي، بل والمحيطين به مثل الإعلاميين. ويمكن تصنيف هذه الكفايات إلى عدة أصناف كما يلي:

أ-كفايات متعلقة بالنظام التربوي: ينبغي أن يكون العامل في القطاع التربوي مدرّسا كان أو مديرا أو متفقّدا أو قيِّما عارفا بالنظام التربوي من حيث غاياته وأهدافه ومكوناته الأساسية، ومن حيث الأنظمة التي تحكمه سواء كانت قوانين أو أوامر أو قرارات أو مذكرات أو القانون الداخلي للمؤسسة، ومن حيث فهم محتوى تلك النصوص القانونية وتوظيفها في عمله.

ب-كفايات معرفية وتربوية: ينبغي أن يكون المدرّس ملمّا بالمعارف والمضامين المتعلّقة بمادة الاختصاص، أو المواد التي يدرسها بالنسبة إلى المعلّم، إلى جانب اكتساب المعارف المتعلقة بالتعلّميّة الخاصة بالمادة وبالنقل البيداغوجي فيها. إذ لا يخفى أن التمكّن العلمي والتكوين الأساسي في الاختصاص يمثل العمود الفقري في تحمل المسؤولية التعليمية ولذلك خصه القرآن بالذكر على لسان يوسف عليه السلام فقال تعالى ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[73]، لأنّ “الحذق في العلم، والتّفنّن فيه، والاستيلاء عليه، إنّما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه وقواعده والوقوف على مسائله واستنباط فروعه من أصوله”[74].

ج-كفايات عمليّة: ينبغي أن يكون المعلّم أو الأستاذ قادرا على استثارة دافعية التلاميذ للتعلم، متقنا لمهارة التواصل معهم لتشجيعهم على التعبير عن أفكارهم، وتجاوز صعوباتهم في التعلم، ولتحقيق ذلك ينبغي أن تكون لديه القدرة على توظيف المقاربات البيداغوجية المختلفة مثل بيداغوجيا حل المشكلات والخطأ والمشروع والفارقية والنجاح، وعلى حسن استخدام الوسائل التعليمية، وتنويع طرق التنشيط مثل العمل المجموعي من أجل تنمية اتجاهات ايجابية كالتعاون بين المتعلمين، لأن «الصبي عن الصبي ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس»[75].

كما ينبغي أن يكون المدرس قادرا على إحكام عمليّة التقييم من حيث صياغة الأسئلة، ومن حيث تنويعها باعتبارها جزءا من التعلم، وتحليل الممارسات المهنية المختلفة باستمرار في ضوء نتائج التلاميذ من أجل دعم الخبرة المهنية وتنمية الكفايات العملية، وتحسين مستوى الأداء التربوي، لما في ذلك من انعكاس على مستوى المتعلمين. مما يؤكد أن المدرّس لا يكون محترفا إلا إذا كان قادرا على التساؤل حول ممارسته البيداغوجية تساؤل الباحثين والمنظرين[76].

د-كفايات المسؤولية التربوية والأخلاق المهنية: ينبغي أن يكون العامل في القطاع التربوي قادرا على تمثل معاني الصدق والأمانة، والإخلاص في العمل، والتنظيم، والانضباط، والتعاون، وتحمل المسؤولية نحو المجموعة الوطنية، بخدمة المجتمع ونكران الذات. كما ينبغي عليه أن يحسن الإصغاء، والكلام، ويحترم الوقت، ويقدّر منظوريه من التلاميذ، ويحسن التعامل معهم، مراعيا خصوصية زمنهم وأعمارهم «لأنهم خلقوا لزمان غير زمانه»،ومتعاونا مع زملائه في العمل، كما ينبغي أن يكون حسن المظهر، متزن الشخصية، وهو ما يجعل منه شخصا ذا مصداقية وضامنا لاحترام القانون، وقد أشار القرآن إلى أهمية الكفايات الأخلاقية في اختيار الشخص المناسب فقال تعالى على لسان الفتاة ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾[77]. وقال ابن سينا «ينبغي أن يكون مؤدّب الصبي عاقلا، ذا دين، بصيرا برياضة الأخلاق، حاذقا بتخريج الصبيان، وقورا، رزينا، بعيدا من الخفة والسخف، قليل التبذل والاسترسال بحضرة الصبي، غير كز ولا جامد، بل حلوا، لبيبا، ذا مروؤة ونظافة ونزاهة»[78].

كما ينبغي أن يكون العامل في القطاع التربوي ملمّا بمنظومة القيم المجتمعية والكونية كمبادئ حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية لحماية الطفولة وآليات ترسيخ قيم التسامح والتفتح وقبول الاختلاف، وأن يكون مؤمنا بأهمية التكوين الذاتي المستمر في تنمية الخبرات والكفايات المهنية.

ولكن ما ينبغي التنبيه عليه أن الاحتراف لا يحصل بالتوجيهات الصارمة وتعليم القوالب الجاهزة في كيفية التعامل مع الوضعيات المهنية، وإنما يحصل بالحرية والاستقلالية المقترنة بالمسؤولية، تلك الحرية التي تنمي روح التجديد والإبداع، وتلك المسؤولية التي تجعله مقدرا للنتائج متحسبا لما يمكن أن يقع فيه من أخطاء تكون نتائجها غير مرضية على مستقبل منظوريه. يؤكد ذلك ما ذهب إليه الباحثون في المجال التربوي من أن الاحتراف يبرز عندما تفسح المبادئ التوجيهية والقواعد المنهجية المجال للاستقلالية التي تسترشد بأهداف واضحة، وقابلة للتقييم، وبأخلاقيات تحظر الممارسات المخلة بمصالح الأطراف المعنيّة[79].

وبناء على ذلك فإن الاحترافية القائمة على الضبط الشامل والدقيق للبرامج والكتب والطرق تجعل المربي متعاونا في وطنه Coopérant إن لم يكن مرتزقا. ولكن لما كان التعويل على التجربة الذاتية وحسن النية يحوِّل العمل التربوي إلى فوضى، خاصة مع غياب الشفافية في الانتداب والتكوين، فإنه لا بد من الجمع بين التجربة الذاتية والتكوين المنظم في إطار استراتيجية قائمة على المزاوجة بين الضبط من جهة، وحرية المبادرة من جهة أخرى. ولا شك أن هذا الفهم للاحتراف يستبعد المعاني السلبية التي تساوي بينه وبين المرتزق كما أشرنا إلى ذلك سابقا، لأنها تُعْلي الإنساني في الإنسان وتجعله قادرا على الاختيار وتحمل المسؤولية[80].

  1. ما السبيل لتحصيل الكفايات المهنية للمدرس؟

اختلفت الأمم قديما وحديثا في كيفية اختيار المتصدّين للتدريس، وينقل التاريخ صيغا متعددة يلائم كل منها الزمن الذي تم فيه، والخلفية الفكرية لأهله. وانتهى العقل الإنساني إلى ضرورة إيجاد أطر تسمح بتلقي المتصدّين للتدريس لتكوين خاص يسمح بتنمية الكفايات المهنية المستوجبة. فقد اهتدت الدولة التونسية في القرن التاسع عشر إلى ضرورة تكوين جيل من المدرسين المهنيين المحترفين، وأسسوا لهذا الغرض المدرسة العلوية 1884م، ثم المدرسة التأديبية 1312هـ – 1894م[81]، وكان الغرض منها تكوين المؤدّبين في اللسان العربي، على خلاف المدرسة العلوية التي كانت تجمع بين اللسانين العربي والفرنسي.

ولئن وجدت هذه الفكرة في تونس طريقها إلى التنفيذ زمن الاحتلال كما تقدّم، فإن المنظومة التربوية بعد الاستقلال لم تقم على تصور استراتيجي شامل يفضي إلى التقدم العلمي، ويغني الحضارة الإنسانية، فقد تم في البداية دعم فكرة إعداد المعلمين في مدارس ترشيح المعلمين لمدرسي الابتدائي ثم المعاهد العليا لتكوين المعلمين، ودور المعلمين العليا لتكوين الأساتذة في الثانوي في بعض الاختصاصات، ورغم نجاح هذا التمشي في مد المدرسة بما تحتاجه من المدرسين، والدولة بما تحتاجه من موارد بشرية مختلفة، فقد وقع العدول عنها، نتيجة الاضطراب الذي عرفته وزارة التربية، حيث تم إلغاء مدارس ترشيح المعلمين بنوعيها، ووقع سد الحاجيات للمعلمين والأساتذة بمن لا تأهيل لهم في هذا المجال.

إن إدراك الواقع التربوي اليوم على هذا النحو يجعلنا نؤكد ضرورة الحرص على تحقيق الحرفية لكل العاملين في القطاع التربوي عبر استراتيجية تحدد ملامحها المجموعة الوطنية من خلال هياكلها الشرعية. ومع ذلك فإنه من واجبنا التفكير في هذا الشأن العام، نظرا لأثره الخطير على المجتمع في كل مجالات حياته. ونقترح الخطوات التالية:

أ- اعتبار التعليم قطاعا استراتيجيا، والعمل على تأهيل كل المتدخلين فيه.

ب- دعم الوعي بضرورة الاحتراف، لأن التعليم لا يعدو أن يكون صناعة كما قال ابن خلدون[82]، ولا يخفى أن كل صناعة تحتاج إلى تحصيل كفايات معينة.

ج- مراجعة القوانين التي يتم بمقتضاها إعادة النظر في طرق تكوين الموارد البشرية وانتدابها. ولا يتم ذلك إلا بمراجعة الهيكل العام للتعليم الابتدائي والثانوي والعالي، وتنقيح الإطار القانوني للمجلس الأعلى للتربية وتفعيله[83]. ولئن عزمت الوزارة منذ 2002 على وضع خطة لدعم احتراف سائر المنتسبين إلى الأسرة التعليمية[84]، فإن شيئا من ذلك لم يتحقق إذا استثنيا التكوين الذي تم للمتفقدين وفيه ما فيه كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

د- تركيز مؤسسات مختصة وذات برامج متنوعة تناسب كل ما تحتاجه المؤسسة التربوية من موارد بشرية، بحيث يتخرَّج منها المتفقدون والمدرسون والقيمون والمديرون. ولئن اهتدت وزارة التربية أخيرا إلى بعث مؤسسات لتكوين المعلمين، فإنها كالعادة لم تستعد لذلك بالبرامج ولا بالإطار، ولم تتخذ الإجراءات اللازمة لوضع ضوابط معيَّنة لحسن اختيار المترشحين، فرأينا تسرُّعا وإقداما وإحجاما، ولاحظنا نقصا فادحا في المدرسين مما أفضى إلى عدم تدريس بعض المواد، وقبول مدرسين غير مؤهلين بسبب عدم الاختصاص والافتقار لأبسط تكوين بيداغوجي للاضطلاع بهذه المهمة.

ومما ينبغي الانتباه إليه ألا يفتح المجال لكل راغب في الالتحاق بمهنة التعليم بمجرد الترشح لها، فأغلب المقبلين على التعليم تضطرهم الحاجة إلى البحث عن عمل، أو الاعتقاد الخاطئ بأنه مهنة مريحة وفيها عطل كثيرة ونحو ذلك مما يدل على سوء التقدير وقلة الوعي وعدم الشعور بالمسؤولية. ولا سبيل لدفع هذا الوهم إلا بتركيب لجان مختصة وخاضعة للمراقبة تختبر كل مترشح لمهنة التعليم، لأنه «ليس كل صناعة يرومها الصبي ممكنة له مؤاتية، لكن ما شاكل طبعه وناسبه»[85].

ولذلك يلاحظ المتأمل أن كل واحد يختار ما يناسبه، فهذا يريد علم الحساب، وآخر يريد علم الهندسة، وآخر يختار علم الطب، حتى لا تبقى حرفة يحتاجها المجتمع إلا وهناك من يرغب فيها، ويختار اكتساب مؤهلاتها، ولكن ليس كل من اختار حرفة نجح فيها، لأنه لابد من المناسبة التي لا تتوقف على الميل، وإنما على القدرات الذاتية للمقبل عليها. ولئن رأى ابن سينا أن «لهذه الاختيارات وهذه المناسبات والمشاكلات أسباب غامضة وعلل خفية تدقّ عن أفهام البشر، وتلطف عن القياس والنظر، لا يعلمها إلا الله جل ذكره»[86]، فإننا نرى أن حكمة الله اقتضت أن ينصرف كل واحد إلى ما قُدِّر له حتى يؤدي وظيفة في مجتمعه، وبذلك تتكامل الجهود، وتُقْضَى الحاجات، إذ الإنسان مدني بطبعه، ويحتاج كل واحد لمن يقضي له شأنا. ولهذا يشير ابن سينا على مدبِّر الصبيان أن «يزن أولا طبع الصبي، ويسبُرُ قريحته، ويخبر ذكاءه، فيختار له الصناعات بحسب ذلك، فإذا اختار له إحدى الصناعات تعرف قدر ميله إليها، ورغبته فيها، ونظر هل جرت منه على عرفان أم لا، وهل أدواته وآلاته مساعدة له عليها أم خاذلة، ثم يبت العزم. فإن ذلك أحزم في التدبير، وأبعد من أن تذهب أيام الصبي فيما لا يؤاتيه ضياعا»[87]. ويلاحظ المتابع من قريب لكثير من المشتغلين في التعليم أن وجودهم فيه خطأ يتحمل هو والتلاميذ والمنظومة التربوية وزر دخوله فيه.

ولعل مسألة تطوير التعليم الذي نصبو إليه، لا يتحقق فقط وبصفة آلية بمجرد بعث مؤسسة لتكوين المعلمين، وإنما يحتاج الأمر إعدادا لإطار التدريس وللبرامج التعليمية والطرق البيداغوجية، كما يحتاج نوعية جيدة من التلاميذ الذين يمثلون التربة التي سيزرع فيها العلم والكفايات المختلفة المؤهلة لهم لمهنة التعليم. وقد لا يتحقق ذلك إلا بجملة من التحفيزات مثلما كان حاصلا في التجارب السابقة للاستقلال وبعده والمتمثلة في تمكين المتكونين من منحة كاملة للإقامة والدراسة، واعتبار سنوات الدّراسة في احتساب جراية التقاعد[88]، وإعطائهم منحة تشجيعية، والترفيع في راتب المعلمين، وفتح باب الارتقاء المهني والعلمي باعتماد معيار الكفاءة وتطوير الكفايات المهنية لا بالانزلاق كما فرضته النقابات في أيامنا على الحكومات المتعاقبة.

د- دعم التكوين المستمر وفق تصور حديث، يُثمِّن التكوين ويجعله محددا في الارتقاء المهني، ووضع نظام بمقتضاه يتم تحيين المعارف في المادة أو المواد وتعلُّمّيّتِها. ويتم التوجُّه بالتوازي مع ذلك إلى المدرّسين القدامى، وإشعارهم بأن المحيط من حولهم سيتبدّل كلّه ولا خيار لهم إلا المسايرة. ولذلك ينبغي الاستعانة بعقول النبهاء منهم حتى ينخرطوا في الإصلاح، كما ينبغي تعريف الذاهلين منهم بشيء من أحوالهم الموقعة في ضعف التعليم، عساهم أن ينبذوها فلا يكونوا في موقع الشاذ، وحتى يحافظوا على احترام تلاميذهم[89].

هـ- دعم الوعي بضرورة تحليل الممارسات المهنية لأنه “لا يكون المدرس مطبقا جيدا إلا إذا كان قادرا على التساؤل حول ممارسته البيداغوجية تساؤل الباحثين المنظرين”[90]. ووضع آليات تقييم ذات فاعلية، وبناء مراصد استشراف تثمّن النجاح وتمنع الاستمرار في الخطأ من خلال نظام مراقبة يشمل كل مراحل التعليم. ولئن كان نظام المراقبة قائما حاليا، فإن حرفية أفراده تحتاج دعما وتوسيعا حتى يشمل كل مراحل التعليم بما فيها التعليم العالي الذي يعيش فوضى لا نظير لها في تاريخ التعليم بتونس.

ولا أمل في تطوير المنظومة التربوية وتحسين مردود المؤسسات التربوية ما لم يحصل الوعي بأن التعليم صناعة وأنه «على قدر جودة التّعليم وملكة المعلّم يكون حذق المتعلّم في الصّناعة وحصول ملكته»[91].

الخاتمة

ينبغي التنبيه في خاتمة هذا العرض الموجز ما يلي:

  1. إن تطوير المنظومة التربوية لا يتوقف على مجرد الاحتراف، لأنه لا ينفصل عن تطوير المجتمع في كل المجالات، إذ أن تطور صناعة التعليم مرتبطة كما يقول ابن خلدون بتطور العمران[92].
  2. إن الاحتراف ليس مجرد عملية تقنية، وإنما يحتاج إلى أمرين أساسيين:
    • الاستعداد الطبيعي لبعض الأشخاص مما يشبه الموهبة لممارسة التعليم، ويمكن التحقق من ذلك من قبل اللجان المختصة التي تختبر المترشحين للدخول في مرحلة التكوين والتأهيل لمهنة التدريس.
    • يحتاج الاحتراف مرجعية قيميّة وقانونيّة وحدا أدنى من الوعي الحضاري والحس المدني.
  3. إن الاحتراف ليس له حد ينتهي عنده، فهو سيرورة بشرية في عالم العمل، وكلما تقدّم المرء في مساره المهني، وكلما اعترضته وضعيات مهنية مختلفة كانت خبرته أكبر وحرفيته أكمل، وما كان مقنعا له أو لغيره اليوم، قد لا يكون كذلك غدا.
  4. ينبغي مراجعة حال أولئك الذين زرعتهم المنظومة السابقة في جسم النظام التربوي ولا علاقة لهم به، ولا رغبة لهم فيه إلا بدافع البحث عن عمل، وذلك بإرجاعهم إلى اختصاصاتهم الأصلية التي تكوَّنوا فيها، فهو أحسن لهم وللتربية ولمستقبل البلاد.

 

المصادر والمراجع

باللغة العربية:

  • ابن خلدون، المقدمة. تحقيق محمد محمد تامر. مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة. الطبعة الأولى 1426هـ 2005م.
  • ابن سينا أبو علي ت 427هـ – 1038م، السياسة. تقديم وضبط وتعليق علي محمد إسبر. بدايات للطباعة والنشر – سوريا. الطبعة الأولى 2007م.
  • ابن عاشور محمد الفاضل. الحركة الأدبيّة والفكريّة في تونس. راجعه ووضع فهارسه محمد المختار العبيدي. طبعة بيت الحكمة تونس، 2009.
  • ابن عاشور محمد الطاهر، أليس الصبح بقريب. دار سحنون – تونس، ودار السلام – مصر. الطبعة الأولى 1427هـ – 2006م.
  • ابن منظور محمد بن مكرم ت711هـ، لسان العرب. دار المعارف – القاهرة.
  • الإصلاح التربوي الجديد: الخطة التنفيذية لمدرسة الغد 2002 – 2007. نشرته وزارة التربية بتونس.
  • الأمر عدد 1295 لسنة 1989 المؤرخ في 31 أوت 1989 يتعلق بضبط مشمولات المجلس الأعلى للتربية والتعليم العالي وتركيبته وسير عمله.
  • الأمر عدد 14 لسنة 1961 المؤرخ في 3 جانفي 1961 المتعلق بالتعليم الابتدائي.
  • الأمر عدد 15 لسنة 1961 المؤرخ في 15 رجب 1380 الموافق لـــ 3 جانفي 1961 المتعلق بالقانون الأساسي الخاص بأعضاء هيئة التعليم الابتدائي.
  • الأمر عدد 2260 لسنة 2000 المؤرخ في 10 أكتوبر 2000 يتعلق بضبط مشمولات المجلس الأعلى للتربية وتركيبته وسير عمله.
  • الأمر عدد 2494 لسنة 2001 المؤرخ في 31أكتوبر 2001 يتعلق بتنقيح الأمر عدد 451 لسنة 1997 المؤرخ في 3 مارس 1997 والمتعلق بضبط الإطار العام لنظام الدراسات والتربصات بدار المعلمين العليا.
  • الأمر عدد 342 لسنة 1963 المؤرخ في 4 رجب 1383 الموافق لـــ 20 نوفمبر 1963 المتعلق بالتعليم الابتدائي.
  • التعليم في تونس. وهو يضم خطبا ومقالات للحبيب بورقيبة ولمحمود المسعدي كاتب الدولة للتربية القومية. طبع كتابة الدولة للأخبار والإرشاد.
  • الحجام كمال، المتفقد المكون المحترف: أي كفايات وأي استراتيجيات؟ بحث مقدم ضمن ملتقى “التفقد والاحتراف” الذي نظمته التفقدية العامة للتربية 2003.
  • الرائد الرسمي عدد 103، السنة 137، بتاريخ 30 – 31 ديسمبر 1994.
  • الرائد الرسمي عدد 18، مؤرخ في 3 مارس 1998.
  • الرائد الرسمي عدد 2، السنة 151. الجمعة 26 ذو الحجة 1428هـ – 4 جانفي 2008م.
  • الرائد الرسمي عدد 20، السنة 140. الثلاثاء 2 ذو القعدة 1417 – 11 مارس 1997.
  • الرائد الرسمي عدد 26، مؤرخ في 30 مارس 2007.
  • الرائد الرسمي عدد 32، السنة 154. المؤرخ في يوم الجمعة 2 جمادي الثانية 1432هـ – 6 ماي 2011.
  • الرائد الرسمي عدد 33 السنة 124. الجمعة 15 ماي 1981.
  • الرائد الرسميّ عدد 35، السنة 115، بتاريخ 25 و29 أوت 1972.
  • الرائد الرسمي عدد 37، السنة 148، مؤرخ في الجمعة 2 محرم 1418هـ – 9 ماي 1997.
  • الرائد الرسمي عدد 68 مؤرخ في 24 أوت 2007.
  • الرائد الرسمي عدد 70 السنة 128. الثلاثاء 8 أكتوبر 1985.
  • الرائد الرسمي عدد 74، السنة 102، الثلاثاء 2 ربيع الأول 1378 الموافق لــــ 16 سبتمبر 1958.
  • الرائد الرسمي عدد 77 المؤرخ في 25 سبتمبر 2009.
  • الرائد الرسمي عدد 83 المؤرخ في 15 أكتوبر 2004.
  • الرائد الرسمي عدد 84 السنة 125 المؤرخ في 31 ديسمبر 1982.
  • الرائد الرسمي عدد 89، السنة 144. المؤرخ في يوم الثلاثاء 20 شعبان 1422هـ – 6 نوفمبر 2001.
  • الرائد الرسمي عدد 90 السنة 134. الثلاثاء 25 جمادي الثانية 1412 هـ – 31 ديسمبر 1991.
  • الرائد الرسمي عدد 90، السنة 139. الجمعة 26 جمادي الثاني 1417 – 8 نوفمبر 1996.
  • الزركلي، الأعلام. دار العلم للملايين. الطبعة الخامسة عشرة 2002م.
  • شارل أندري جوليان، المعمرّون وحركة الشباب التونسيّ. تعريب محمد مزالي، والبشير بن سلامة. نشر الشركة التونسية للتوزيع. الطبعة الثانية 1986.
  • القانون عدد 108 لسنة 1990 المؤرخ في 26 نوفمبر 1990.
  • القانون عدد 88 لسنة 1996. مؤرخ في 6 نوفمبر 1996.
  • القماطي التيجاني، الاحتراف والانخراط. بحث مقدم ضمن ملتقى “التفقد والاحتراف” الذي نظمته التفقدية العامة للتربية 2003. ص 36.
  • مالك بن أنس ت 179هـ، الموطأ، رواية يحيي بن يحيي الليثي ت 244هـ. تحقيق بشار معروف. دار الغرب الإسلامي – بيروت. الطبعة الثانية 1417هـ – 1997م.
  • المنجي العكروت والهادي بوحوش، المدرسة العلويّة أولى مؤسّسات تكوين المعلمين بتونس. مقال منشور بالموقع التالي: http://akroutbouhouch.blogspot.com/2014/01/blog-post.html
  • المنجي العكروت والهادي بوحوش، تاريخ موجز لدار المعلّمين العليا: الجزء الأول. مقال منشور في الموقع التالي:  http://akroutbouhouch.blogspot.com/2017/01/blog-post_23.html
  • المنجي العكروت والهادي بوحوش، تاريخ موجز لمدارس ترشيح المعلّمين والمعلّمات في البلاد التونسية منذ الاستقلال: الجزء الثاني. مقال منشور في الموقع التالي: http://akroutbouhouch.blogspot.com/2017/02/blog-post_12.html
  • النشرة العلمية للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين” السنة الأولى، العدد الأول 1391 – 1971.

 

باللغة الفرنسية:

  • Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 1, A 24. 25 Janvier 1910.
  • Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 28, A 23. Juin 1909.
  • Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 59, A 9. février 1895. Décret 6 janvier 1895 / 10 redjeb 1312.
  • CortierClaude, Conquête par l’école et réalités du terrain : quelques aspects de l’action de l’alliance française dans le bassin méditerranéen 1883 – 1914.https://journals.openedition.org/dhfles/2552
  • Marguerite Altet. La formation professionnelle des enseignants. Paris, PUF, 1994. Résumé de l’ouvrage sur web: http://www.unige.ch/fapse/life/archives/livres/alpha/A/Altet_1994_A.html
  • Perrenoud, Philippe. Enseigner : agir dans l’urgence,décider dans l’incertitudeSavoirs et compétences dans un métier complexe. Paris, ESF, 1996, 2e éd. 1999. Résumé de l’ouvrage sur web:http://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_livres/php_urgence.html
  • Philippe Perrenoud, 1999. Construire des compétences, est-ce tourner le dos aux savoirs ? sur web:http://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_1998/1998_34.html
  • Philippe Perrenoud. Le métier d’enseignant entre prolétarisation et professionnalisation : deux modèles du changement 1996. https://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_1996/1996_16.html

 

 

 

 

[1]– ابن منظور، لسان العرب، ج 2 ص 839.

[2]– مالك، الموطأ، كتاب الصلاة، باب الهيئة، وتخطي الرقاب، واستقبال الإمام يوم الجمعة، ج 1 ص 166.

[3]– ابن منظور، لسان العرب، ج 16 ص 4290.

[4]– الخطة التنفيذية لمدرسة الغد 2002 – 2007، ص 90.

[5]– هم المتفقدون والمدرسون والمديرون والقيمون والعملة.

[6]– الخطة التنفيذية لمدرسة الغد 2002 – 2007، ص 22.

[7]-Philippe Perrenoud est un sociologue né en 1944 en Suisse.Il est titulaire d’un doctorat en sociologie et anthropologie. De 1984 à 2009, il a été chargé de cours à l’Université de Genève. Dès 1994, il est professeur ordinaire à l’Université de Genève dans le champ du curriculum, des pratiques pédagogiques et des institutions de formation. Il est professeur honoraire depuis octobre 2009. Il co-anime le Laboratoire de recherche sur l’innovation en formation et en éducation.   https://fr.wikipedia.org/wiki/Philippe_Perrenoud_(sociologue)

[8] -Perrenoud, Philippe. Enseigner : agir dans l’urgence,décider dans l’incertitudeSavoirs et compétences dans un métier complexe. Paris, ESF, 1996, 2e éd. 1999. Résumé de l’ouvrage sur web:http://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_livres/php_urgence.html

[9] -Perrenoud, Philippe. Enseigner : agir dans l’urgence,décider dans l’incertitudeSavoirs et compétences dans un métier complexe. Paris, ESF, 1996, 2e éd. 1999. Résumé de l’ouvrage sur web:http://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_livres/php_urgence.html

[10]– لما كنت طالبا بالسنة الرابعة من التعليم العالي خلال السنة الجامعية 1987 – 1988 وهي سنة الحصول على الأستاذية، تلقينا مادة عنوانها “علم النفس التربوي” تضمنت تمهيدا حول التربية قديما وحديثا، كما تضمنت مقاربة مفهومية وتاريخية لعلم النفس التربوي، إضافة إلى التعليم وطرقه، وشخصية المدرس كمرب. يمكن التوسع في معرفة تفاصيل هذا البرنامج بالعودة إلى “النشرة العلمية للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين” السنة الأولى، العدد الأول 1391 – 1971. ص 308، 309.

[11]– كانت الإدارات الجهوية تسمح بقبول نواب غير مختصين، وكان المتفقدون يرفضون ذلك إلا عند الضرورة القصوى، وبعد القيام بزيارة أو أكثر حتى يطمئن المتفقد لتوفر حدود دنيا علمية وبيداغوجية تسمح باستمرارهم إلى حين عودة الأستاذ المتغيب أو انتداب من يملأ الشغور. أما الآن فأصبح عدم مراعاة الاختصاص مشروعا بتصريح من الوزارة استكمالا للفاجعة التي يمر بها التعليم.

[12]– قرار من وزير التربية مؤرخ في 11 أكتوبر 2004 يتعلق بضبط نظام مرحلة تكوين متفقدي المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية بالمركز الوطني لتكوين المكونين في التربية. الرائد الرسمي عدد 83 المؤرخ في 15 أكتوبر 2004. ص 3031.

[13]– قرار من وزير التربية مؤرخ في 17 سبتمبر 2009 يتعلق بضبط نظام مرحلة تكوين متفقدي المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية بالمركز الوطني لتكوين المكونين في التربية. الرائد الرسمي عدد 77 المؤرخ في 25 سبتمبر 2009. ص 3340.

[14]– لدي عدة نماذج من هذه الملفات، وهي دالة على سوء التكوين وعلى عدم جدية المكون.

[15]– قمت بتفقد لمركز اختبار انتداب المعلمين بالمهدية سنة 2008 تقريبا، وتبيّن لي بالاطلاع على هوية المترشّحين أن أغلب اختصاصاتهم كانت على النحو المذكور أعلاه، ولا علاقة لها –  كما لا يخفى – بالتربية والتعليم.

[16]– محمد الصادق باي، هو أحد باياتتونس.ولد سنة 1229هـ – 1814م، وتوفي سنة 1299هـ – 1882م. حلت في آخر أيامه بتونس كارثة (الحماية) الفرنسية 1881م، بعد فتن واضطرابات.(الزركلي، الأعلام، ج 6 ص 104).

[17]– علي باي الثاني،ولد  بتونس سنة 1233هـ – 1817م، ولي إمارتها بعد وفاة أخيه الباي محمد الصادق.وهو الذي أمضى اتفاقية المرسى التي كرّست الهيمنة الفرنسيّة على دواليب الدولة التونسيّة، ولذلك كانت كل الأعمال في أيامهفي أيدي الفرنسيين، وليس له إلا الإمضاء على الأوامر التي يعدها المقيم العام والوزراء الفرنسيون، توفي سنة 1320هـ – 1902م.(الزركلي، الأعلام، ج 4 ص 281.)

[18]– قال محمد الفاضل ابن عاشور” كان أوّل عمله ( يقصد لويس ماشويل) أن أنشأ دارَ معلمين، لتكوين معلمين ابتدائيّين للغة الفرنسيّة من التونسيّين”. الحركة الأدبيّة والفكريّة في تونس.راجعه ووضع فهارسه محمد المختار العبيدي. طبعة بيت الحكمة تونس، 2009. ص 54.

[19] -Il y a ici toute une vie intellectuelle qu’il est de notre intérêt de bien connaître pour arriver à la diriger. CortierClaude, Conquête par l’école et réalités du terrain : quelques aspects de l’action de l’alliance française dans le bassin méditerranéen 1883 – 1914.

https://journals.openedition.org/dhfles/2552

[20]– لوي ماشويلLouis Machuel مستشرق فرنسي. كانت إقامته ووفاته في تونس.استظهر القرآن الكريم. وتولى إدارة مدرسة تونس مدة طويلة، وكان يعلم العربية فيها.وصنف لها كتبا مدرسية، منها “دليل الدارسين” و”منتخبات تاريخية وأدبية” وعني بلهجات العامة في تونس ومراكش، ونشر بها روايات فكاهية. توفي سنة 1340هـ – 1922م.    (الزركلي، الأعلام، ج 5 ص 246.)

[21]-CortierClaude, Conquête par l’école et réalités du terrain : quelques aspects de l’action de l’alliance française dans le bassin méditerranéen 1883 – 1914.https://journals.openedition.org/dhfles/2552

[22]– المنجي العكروت والهادي بوحوش، المدرسة العلويّة أولى مؤسّسات تكوين المعلمين بتونس. مقال منشور بالموقع التالي:

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2014/01/blog-post.html

[23]– ابن عاشور، أليس الصبح بقريب،ص 99.

[24]-Cette medraça sera destinée h former desmoueddebs qui n’obtiendront ce titre qu’a la suite d’un examensubi conformément aux articles 4, 5 et 9ci-après.Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 59 , A 9. février 1895. Décret 8 novembre 1894 / 11 djoumadi – el- aoual  1312. sur l’organisation d’une Medraça de moueddebs. p 292.

[25]-Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 59 , A 9. février 1895. Décret 6 janvier 1895 / 10 redjeb 1312. p 292.

[26]-Or, cette institution, appelée, selon toutes prévisions, à réaliser un sérieux progrès, n’a pas donné les résultats que l’on en attendait: l’Administration s’est souvent trouvée dans l’impossibilité d’utiliser ces jeunes gens qu’elle avait tenté de former à son usage. Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 28 , A 23. Juin 1909. p 618.

[27]-les mouderrès ainsi formés ne seront plus les mêmes hommes et n’opposeront plus les mêmes obstacles que les anciens moueddebs à notre action civilisatrice.   Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 28 , A 23. Juin 1909. p 621.

[28]-de modifier la mentalité de ces jeunes gens.    Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 28 , A 23. Juin 1909. p 621.

[29]»-Ce système aura le double avantagede dégager l’Ecolenormale d’un enseignement théologique quelconque et de la fournir des élèves -mouderrès sachant la langue arabe et a qui il ne conviendra plus que de donner une bonne méthode d’enseignement«.   Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 28 , A 23. Juin 1909. p 620.

[30]– شارل أندري جوليان، المعمرّون وحركة الشباب التونسيّ. تعريب محمد مزالي، والبشير بن سلامة. نشر الشركة التونسية للتوزيع. الطبعة الثانية 1986. ص 97.

[31]– شارل أندري جوليان، المعمرّون وحركة الشباب التونسيّ. تعريب محمد مزالي، والبشير بن سلامة. نشر الشركة التونسية للتوزيع. الطبعة الثانية 1986. ص 92.

[32]-المنجي العكروت والهادي بوحوش، المدرسة العلويّة أولى مؤسّسات تكوين المعلمين بتونس. مقال منشور في الموقع التالي:

http://akroutbouhouch.blogspot.com/2014/01/blog-post.html

[33]– de donner une bonne méthode d’enseignement. En résumé, l’étude de la langue arabeà l’École normale aura surtout pour objet de réformer, de rendre plus claire, d’aérer pour ainsi dire et de rendre pédagogiquement utilisable la culture précédemment donnée en d’autres milieux.    Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 28 , A 23. Juin 1909. p 621.

[34]-Constitution physique : Le candidat devra produira un certificat médical constatant son aptitude physique aux fonctions de l’Enseignement. Il sera soumis en outre à un examen médical au moment do son concours.    Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 28 , A 23. Juin 1909. p 622.

[35]– يقول الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية بعد الاستقلال في 25 جوان 1958 في كلمته بمناسبة الإشراف على ختم السنة الدراسية وتوزيع الجوائز بالمدرسة الصادقية “ولتنجح هذه البرامج لابد من وجود أساتذة ومعلمين تتوفر فيهم شروط المقدرة والكفاءة والإخلاص. ولقد أعددنا لهذا الغرض مدارس للتكوين المهني حتى نقوِّم المعوج ونكمل الناقص”. من كتاب “التعليم في تونس”. وهو يضم خطبا ومقالات للحبيب بورقيبة ولمحمود المسعدي كاتب الدولة للتربية القومية. طبع كتابة الدولة للأخبار والإرشاد. ص 20.

[36]– الفصل 25 من الأمر عدد 14 لسنة 1961 المؤرخ في 3 جانفي 1961 المتعلق بالتعليم الابتدائي.

[37]– الفصل 38 من الأمر عدد 15 لسنة 1961 المؤرخ في 15 رجب 1380 الموافق لـــ 3 جانفي 1961 المتعلق بالقانون الأساسي الخاص بأعضاء هيئة التعليم الابتدائي.

[38]– الفصل 33 من الأمر عدد 342 لسنة 1963 المؤرخ في 4 رجب 1383 الموافق لـــ 20 نوفمبر 1963 المتعلق بالتعليم الابتدائي.

[39]– الفصل 25 و33 من الأمر عدد 342 لسنة 1963 المؤرخ في 4 رجب 1383 الموافق لـــ 20 نوفمبر 1963 المتعلق بالتعليم الابتدائي.

[40]– الرسم البياني مقتبس من: المنجي العكروت والهادي بوحوش، تاريخ موجز لمدارس ترشيح المعلّمين والمعلّمات في البلاد التونسية منذ الاستقلال : الجزء الثاني. مقال منشور في الموقع التالي:http://akroutbouhouch.blogspot.com/2017/02/blog-post_12.html

[41]– تم حذف مدرستي ترشيح المعلمين بقفصة وسبيطلة، وعوضتا بمعهدين عاليين لتكوين المعلمين بمقتضى الفصل 98 من القانون عدد 98 لسنة 1991 المؤرخ في 31 ديسمبر 1991. المتعلق بقانون المالية لسنة 1992. الرائد الرسمي عدد 90 السنة 134. الثلاثاء 25 جمادي الثانية 1412 هـ – 31 ديسمبر 1991.

أحدثت ثلاثة معاهد عليا لتكوين المعلمين بالقيروان وقفصة والكاف، بمقتضى القانون عدد 108  لسنة 1990 المؤرخ في 26 نوفمبر 1990.

[42]– تم حذف المعهد الأعلى لتكوين المعلمين بصفاقس في غرة سبتمبر 1996. وأحيلت مكاسبها إلى “مدرسة الفنون الجميلة بصفاقس”. قانون عدد 88 لسنة 1996. مؤرخ في 6 نوفمبر 1996.

تم حذف المعهد الأعلى لتكوين المعلمين بتونس، بمقتضى القانون عدد 30 مؤرخ في 5 ماي 1997. الرائد الرسمي عدد 37، السنة 148، مؤرخ في الجمعة 2 محرم 1418هـ – 9  ماي 1997. ص 828.

تم حذف المعهد الأعلى لتكوين المعلمين بجندوبة وقابس، بمقتضى أمر عدد 448 مؤرخ في 23 فيفري 1998. الرائد الرسمي عدد 18، مؤرخ في 3 مارس 1998. ص 433.

تم حذفثلاثة معاهد عليا لتكوين المعلمين بالقيروان وقفصة والكاف، بمقتضى أمر عدد 669 لسنة 2007 مؤرخ في 22 مارس 2007. الرائد الرسمي عدد 26، مؤرخ في 30 مارس 2007. ص 1052.

تم حذف المعهد العالي لتكوين المعلمين بسبيطلة بمقتضى أمر عدد 4276 لسنة 2007 مؤرخ في 27 ديسمبر 2007. الرائد الرسمي عدد 2، السنة 151. الجمعة 26 ذو الحجة 1428هـ – 4 جانفي 2008م. ص 96.

[43]– أحدثت ثلاثة معاهد بكل من قربة وسوسة وصفاقس بمقتضى الأمر عدد 2116 لسنة 2007. المؤرخ في 14 أوت 2007 المتعلق بإحداث معاهد مهن التربية والتكوين وبضبط تنظيمها وطرق تسييرها. الرائد الرسمي عدد 68 مؤرخ في 24 أوت 2007. ص 3207.

[44]– الفصل الثاني من الأمر عدد 2116 لسنة 2007. المؤرخ في 14 أوت 2007 المتعلق بإحداث معاهد مهن التربية والتكوين وبضبط تنظيمها وطرق تسييرها. الرائد الرسمي عدد 68 مؤرخ في 24 أوت 2007. ص 3207.

[45]– قال لي مدير عام لأحد هذه المعاهد أن الموظفين في مؤسسته يعيشون بطالة مقنعة، إذ يكتفون بتسجيل الحضور، ثم يغادرون.

[46]– يمكن لمزيد التوسع في معرفة تاريخ دور المعلمين العليا وتنظيمها ومهامها العودة إلى:المنجي العكروت والهادي بوحوش، تاريخ موجز لدارالمعلّمينالعليا: الجزء الأول. مقال منشور في الموقع التالي:http://akroutbouhouch.blogspot.com/2017/01/blog-post_23.html

وانظر أيضا الجزء الثاني من نفس المقال السابق، وهو منشور في الموقع التالي: http://akroutbouhouch.blogspot.com/2017/01/blog-post_23.html

[47]– الرائد الرسمي عدد 74،السنة 102، الثلاثاء 2 ربيع الأول 1378 الموافق لــــ 16 سبتمبر 1958.

[48]– الأمر عدد257 لسنة 1972، المتعلق بإعادة تنظيم دار المعلمين العليا، المؤرّخ في 12 أوت 1972. صدر بالرائد الرسميّ عدد 35، السنة 115، بتاريخ 25 و29 أوت 1972. ص 1279.

[49]–  القانون عدد 91 لسنة 1982 مؤرخ في 31 ديسمبر 1982 يتعلق بقانون المالية لسنة 1983 – الرائد الرسمي عدد 84 السنة 125 المؤرخ في 31 ديسمبر 1982. ص 3093.

[50]–  القانون عدد 37 لسنة 1981 المؤرّخ في 9 ماي 1981 بعد أن كانت  فتحت أبوابها في غرّة أكتوبر 1980. الرائد الرسمي عدد 33 السنة 124. الجمعة 15 ماي 1981. ص 1208.

[51]–  القانون عدد 38 لسنة 1981 المؤرّخ في 9 ماي 1981 بعد أن كانت  فتحت أبوابها في غرّة أكتوبر 1980. الرائد الرسمي عدد 33 السنة 124. الجمعة 15 ماي 1981. ص 1208.

[52]–  الفصل الثاني من الأمرين عدد 1210 وعدد 1211 لسنة 1985، المؤرّخين في 27 سبتمبر 1985. الرائد الرسمي عدد 70 السنة 128. الثلاثاء 8 أكتوبر 1985. ص 1333، 1335.

[53]– الفصل عدد 32 من القانون  عدد 127 لسنة 1994 مؤرخ في 26 ديسمبر  1994 المتعلق بقانون المالية لسنة 1995.  الصادر بالرائد الرسمي عدد 103،السنة 137، بتاريخ 30 – 31 ديسمبر 1994. ص 2189.

[54]– الفصل عدد 33 من القانون  عدد 127 لسنة 1994 مؤرخ في 26 ديسمبر  1994 المتعلق بقانون المالية لسنة 1995.  الصادر بالرائد الرسمي عدد 103،السنة 137، بتاريخ 30 – 31 ديسمبر 1994. ص 2189.

[55]– قانون عدد 87 لسنة 1996 مؤرخ في 6 نوفمبر 1996 يتعلق بإحداث دار المعلمين العليا. الرائد الرسمي عدد 90،السنة 139. الجمعة 26 جمادي الثاني 1417 – 8 نوفمبر 1996. ص 2561.

[56]– الفصل الثالث من الأمر عدد 449 لسنة 1997 مؤرخ في 3 مارس 1997. يتعلق بضبط شروط وطرق تنظيم مناظرة قبول التلاميذ بدار المعلمين العليا. الرائد الرسمي عدد 20، السنة 140. الثلاثاء 2 ذو القعدة 1417 – 11 مارس 1997. ص 427.

[57]– الفصل الثاني من الأمر عدد 451 لسنة 1997 مؤرخ في 3 مارس 1997. يتعلق بضبط الإطار العام لنظام الدراسات والتربصات بدار المعلمين العليا. الرائد الرسمي عدد 20، السنة 140. الثلاثاء 2 ذو القعدة 1417 – 11 مارس 1997. ص 429.

[58]– الفصل الثالث من الأمر عدد 451 لسنة 1997 مؤرخ في 3 مارس 1997. يتعلق بضبط الإطار العام لنظام الدراسات والتربصات بدار المعلمين العليا. الرائد الرسمي عدد 20، السنة 140. الثلاثاء 2 ذو القعدة 1417 – 11 مارس 1997. ص 429.

[59]– يصدر كل سنة أمر ينظم مناظرة الالتحاق بدار المعلمين العليا. انظر مثلا: الفصل الثاني والثالث من الأمر عدد 449 لسنة 1997 مؤرخ في 3 مارس 1997. يتعلق بضبط شروط وطرق تنظيم مناظرة قبول التلاميذ بدار المعلمين العليا. الرائد الرسمي عدد 20، السنة 140. الثلاثاء 2 ذو القعدة 1417 – 11 مارس 1997. ص 427.

[60]– الأمر عدد 2494 لسنة 2001 المؤرخ في 31 أكتوبر 2001 يتعلق بتنقيح الأمر عدد 451 لسنة 1997 المؤرخ في 3مارس 1997 والمتعلق بضبط الإطار العام لنظام الدراسات والتربصات بدار المعلمين العليا. الرائد الرسمي عدد 89، السنة 144. المؤرخ في يوم الثلاثاء 20 شعبان 1422هـ – 6 نوفمبر 2001. ص 4555.

[61]– قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي مؤرخ في 2 ماي 2011 يتعلق بفتح مناظرة قبول التلاميذ بدار المعلمين العليا في المواد الأدبية والعلوم الإنسانية والعلوم الأساسية بعنوان السنة الجامعية 2011 – 2012. الرائد الرسمي عدد 32، السنة 154. المؤرخ في يوم الجمعة 2 جمادي الثانية 1432هـ – 6 ماي 2011. ص 615.

[62]– يمكن ملاحظة ذلك بالاطلاع على قرارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التي تتخذ في كل سنة لفتح مناظرة قبول التلاميذ بدار المعلمين العليا.

[63]– ابن عاشور، أليس الصبح بقريب ص 201.

[64]– درست خلال السنة الجامعية 2017 – 2018 هؤلاء الطلبة، وكانت فرصة لأطلع عن قرب على هذه التجربة، ولاحظت تخبط وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حيث يصل المدرسين أكثر من برنامج دراسي خلال السنة، إضافة لاضطراب التوقيت واختلاف لغة التدريس من مؤسسة إلى أخرى، والأهم من ذلك عدم وجود إطار تدريس أصلا مما يجعل الطلبة لا يدرسون مادة أو أكثر مما هو مقرر لهم، وأحيانا كثيرة تستدعي الإدارة مدرسين غير مؤهلين علميا وبيداغوجيا للقيام بالمهمة الموكولة إليهم. ويكفي أن أضع بين يدي القارئ الكريم هذا النموذج من الاختبارات المقدمة في مادة تعلمية التربية الإسلامية. قدّم أحد المدرسين نصا حول السيرة النبوية دون توثيق كامل، وأردفه بالأسئلة التالية: الأول: ما هي مميزات السيرة النبوية؟ الثاني: أذكر ثلاثة واجبات لابد للمعلم أن يقوم بها عند تدريس السيرة. الثالث: ما المقصود بتعلمية السيرة؟. ثم طلب هذا المدرّس من الطلبة تحرير مقال انطلاقا من هذا الموضوع: “السيرة النبوية نبع متدفق ومهم للغاية في البناء النفسي والانفعالي لأبنائنا إذا أحسنا استخدامها بطريقة منهجية موظفة. حلل أبعاد هذا القول”.

ويدرك من له دراية بالتعلمية عموما وتعلمية التربية الإسلامية خصوصا أن طرح هذا الموضوع ينبئ عما تم تدريسه للطلبة في هذه المادة، وهو كما لا يخفى بعيد الصلة بالمطلوب. ويتأكد ذلك بأجوبة الطلبة التي لا يتسع المجال لنقلها هنا.

[65]– الإصلاح التربوي الجديد: الخطة التنفيذية لمدرسة الغد 2002 – 2007، ص 25، 26، 27، 28، 29، 30، 31، 32، 33.

[66]-Philippe Perrenoud, 1999. Construire des compétences, est-ce tourner le dos aux savoirs ? sur web:

http://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_1998/1998_34.html

[67]– نقلا عن : كمال الحجام، المتفقد المكون المحترف: أي كفايات وأي استراتيجيات؟ بحث مقدم ضمن ملتقى “التفقد والاحتراف” الذي نظمته التفقدية العامة للتربية سنة 2003. ص 66.

[68]– نقلا عن : كمال الحجام، المتفقد المكون المحترف: أي كفايات وأي استراتيجيات؟ بحث مقدم ضمن ملتقى “التفقد والاحتراف” الذي نظمته التفقدية العامة للتربية 2003. ص 66.

[69]– الخطة التنفيذية لمدرسة الغد 2002 – 2007، ص 32.

[70]– ابن خلدون، المقدمة، ص 475.

[71]– ابن خلدون، المقدمة، ص 351.

[72]– الخطة التنفيذية لمدرسة الغد 2002، ص 32، 33.

[73]– يوسف / 55.

[74]– ابن خلدون، المقدمة، ص 350.

[75]– ابن سينا أبو علي ت 427هـ – 1038م، السياسة. تقديم وضبط وتعليق علي محمد إسبر. بدايات للطباعة والنشر – سوريا. الطبعة الأولى 2007م. ص 85.

[76] -Marguerite Altet. La formation professionnelle des enseignants. Paris, PUF, 1994. Résumé de l’ouvrage sur web: http://www.unige.ch/fapse/life/archives/livres/alpha/A/Altet_1994_A.html

[77]– القصص / 26.

[78]– ابن سينا، السياسة، ص 84.

[79]-la professionnalisation s’accentue lorsque, dans un métier, quel qu’il soit, les directives méthodologiques et les règles font place à une autonomie guidée par des objectifs clairs, dont l’atteinte est évaluable, et une éthique interdisant les pratiques contraires aux intérêts des usagers ou de la collectivité.Philippe Perrenoud. Le métier d’enseignant entreprolétarisation et professionnalisation :deux modèles du changement 1996.    https://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_1996/1996_16.html

[80]– التيجاني القماطي، الاحتراف والانخراط. بحث مقدم ضمن ملتقى “التفقد والاحتراف” الذي نظمته التفقدية العامة للتربية 2003. ص 36.

[81]– Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 59 , A 9. février 1895. Décret 8 novembre 1894 / 11 joumadi- el – aoual 1312. p 289. 290. 291. 292.

[82]– ابن خلدون، المقدمة، ص 351.

[83]– الأمر 1295 لسنة 1989 المؤرخ في 31 أوت 1989 يتعلق بضبط مشمولات المجلس الأعلى للتربية والتعليم العالي وتركيبته وسير عمله. والأمر المنقح له عدد 2260 لسنة 2000 المؤرخ في 10 أكتوبر 2000 يتعلق بضبط مشمولات المجلس الأعلى للتربية وتركيبته وسير عمله.

[84]– الخطة التنفيذية لمدرسة الغد 2002، ص 33.

[85]– ابن سينا، السياسة، ص 86.

[86]– ابن سينا، السياسة، ص 87.

[87]– ابن سينا، السياسة، ص 87، 88.

[88]– Bulletin Officiel de l’enseignement publique, N° 1 , A 24. 25 Janvier 1910. art 3. p 14.

[89]– ابن عاشور، أليس الصبح بقريب ص 198.

[90] -Marguerite Altet. La formation professionnelle des enseignants. Paris, PUF, 1994. Résumé de l’ouvrage sur web: http://www.unige.ch/fapse/life/archives/livres/alpha/A/Altet_1994_A.html

[91]– ابن خلدون، المقدمة، الفصل السادس عشر في أن الصنائع لا بد لها من العلم. ص 323.

[92]– “أنّ القيروان وقرطبة كانتا حاضرتي المغرب والأندلس واستبحر عمرانهما وكان فيهما للعلوم والصّنائع أسواق نافقة وبحور زاخرة. ورسخ فيهما التّعليم لامتداد عصورهما وما كان فيهما من الحضارة. فلمّا خربتا انقطع التّعليم من المغرب إلّا قليلا كان في دولة الموحّدين بمراكش مستفادا منها”.ابنخلدون، المقدمة،ص 351.

جديدنا