أفكار حول مستقبل الدبلوماسيَّة

image_pdf

البدايات الباكرة:

وُجِدَتْ العمليَّة الدبلوماسيَّة، منذ بداية التواصل بين أبناء الجنس البشري، وهي ماضية في المستقبل بتجدُّد التصوّرات والآليّات والفعاليات. إذ إن فعل إجراء مفاوضات بين شخصين، أو دولتين في نطاق واسع، أمر ضروري لصيانة الشؤون الدوليَّة في المستقبل، مثلما كان في الماضي. فمن بين العديد من المهام التي ظلَّت تضطلع بها الدبلوماسيَّة، منع الحرب والعنف، وتقوية العلاقات بين البلدان. ومن الاستخدامات المهمَّة جداً للدبلوماسيَّة استصحابها لاستكمال أجندة محدّدة تُعظِّم المصالح الوطنيَّة للدولة، أو المصالح المشتركة للدول. لذلك، ومن دون الدبلوماسيَّة، فإن الكثير من شؤون العالم والمنظّمات الدوليَّة لن تكون موجودة، وقبل كل شيء، فالعالم سيكون في حالة حرب مستمرَّة. إنه بفعل الدبلوماسيَّة أصبح ممكناً لبعض البلدان التعايش في انسجام.

وكما أثبتت كثير من الدراسات، فإنه لم تكن هناك بداية موثّقة لتاريخ الدبلوماسيَّة. ومع ذلك، كانت هناك حالات يعود تاريخها إلى 432 قبل الميلاد، وكان “مؤتمر سبارتا” مثالاً على “توضيح للدبلوماسيَّة التي نظّمتها دولة المدينة اليونانيَّة.”[1] وقد ذكر السير هارولد نيكلسون، الذي كان دبلوماسيّاً إنجليزياً ولد في طهران، إيران، أنَّ “الدبلوماسيَّة ليست اختراع ولا هواية لبعض نظام سياسي معين، بل هي عنصر أساسي في أي علاقة معقولة بين إنسان وإنسان وبين أمَّة وأمَّة.”[2] ويتم استخدام الدبلوماسيَّة لصيانة النظام الدولي، في كل ركن من أركان العالم. وبدون ذلك، فإن العديد من الدول لن تكون قادرة على إجراء مفاوضات ناجحة. في حين أن العديد من الباحثين لم يتمكَّنوا من العثور على بداية واضحة، أو إنشاء الدبلوماسيَّة، أصبحت الدبلوماسيَّة الحديثة أكثر تقدّماً مما كانت عليه الحال في الماضي بكثير، وتغيَّرت العديد من جوانبها على مرِّ السنين. إنشاء “سلام ويستفاليا”، في عام 1648 أوَّل مؤتمر للدبلوماسيَّة الحديثة، بالإضافة إلى خلق نظام عالمي جديد في وسط أوروبا قائم على سيادة الدول. بدأ جزء كبير من أوروبا في التغيير بعد إدخال الدبلوماسيَّة الحديثة. على سبيل المثال، “قدَّمت فرنسا تحت الكاردينال ريشيليو النهج الحديث للعلاقات الدوليَّة، استناداً إلى الدولة القوميَّة وبدافع من المصلحة الوطنيَّة كغايَّة نهائيَّة.”[3] بدأ النظام العالمي الجديد يزدهر في كل من أوروبا الوسطى والغربيَّة. وقد دعت بريطانيا لـ”توازن القوى”، الذي أبقى الدبلوماسيَّة الأوروبيَّة على قيد الحياة في الماضي، وللمائتي سنة القادمة.[4]

ونحن نتقدَّم إلى الأمام، لا بدّ من التأكيد على أن كل بلد في العالم ساهم بنصيب مقدَّر في تطوُّر الدبلوماسيَّة، التي يعرفها عالم اليوم، وأنَّ نظريَّة “ميزان القوى”، والتي اقترحها العديد من الواقعيِّين المشهورين، مثل فرانسيسكو سفورزا، مكيافيلي، وغويشيارديني، كانت ولا تزال عنصراً أساسيّاً في الدبلوماسيَّة الحديثة.[5] ويمكن قول الكثير الآن إنَّ الدبلوماسيَّة هي نتاج المجتمع، والتاريخ نفسه، الذي شاركت في مُراكمة أحداثه كل المجتمعات. ومع تقدُّم الدول عادة ما تُضاف الجوانب المختلفة للدبلوماسيَّة باعتبارها مهنة متجدِّدة من تجدّد جوانب الحياة الأخرى في الدول والمجتمعات. فالفصل بين السلطات، والمصلحة الوطنيَّة، وسيادة الدولة، ليست سوى عدد قليل من العناصر، التي تمَّت إضافتها إلى التاريخ الدبلوماسي الحديث. لذلك، يمكن أن ينظر إلى الدبلوماسيَّة باعتبارها مفهوم متغيّر باستمرار، وبنفس الطريقة تتقلَّب العلاقات الدوليَّة بين الدول. فقد ذكر مؤلِّف كتاب “مفهوم الدبلوماسيَّة الصرفة”، خوسيه كالفيت دي ماجالهايس، أن “استمراريَّة المؤسَّسة الدبلوماسيَّة طوال آلاف السنين، في كل الحضارات المعروفة، تدل على أن الدبلوماسيَّة هي مؤسَّسة متأصِّلة في الحياة الدوليَّة نفسها، وهي التي قد تخضع لتحوّلات، أو يمكن أن تستخدم مع كثافة أكثر، أو أقل، ولكن لا يمكن الاستغناء عنها.”[6]

واليوم، تستخدم الدول الدبلوماسيَّة في حلِّ النزاعات، وتشكيل التحالفات، والتفاوض والمعاهدات، وتعزيز العلاقات الاقتصاديَّة، وتعزيز التبادلات الثقافيَّة والعسكريَّة، ولمجموعة كبيرة ومتنوِّعة من الأغراض الأخرى. وتضمّ الدبلوماسيَّة ترتيبات واسعة من القواعد المتغيِّرة، وآداب السلوك، والأهداف والإجراءات والاتِّفاقات. وهناك قوانين دوليَّة تحكم بعض جوانب الدبلوماسيَّة، في حين تقوم عناصر أخرى على التقاليد، البراغماتيَّة واقتناص المصالح. وتلعب الجهات الفاعلة من غير الدول، بما في ذلك، ولكن لا تقتصر عليها، المنظّمات غير الحكوميَّة والشركات متعدّدة الجنسيّات، دوراً متزايد الأهميَّة في العلاقات الدبلوماسيَّة، إذ حول مد العولمة وجذرها المشهد الدولي. ومع ذلك، وبغض النظر عن مدى التغيّرات على الساحة الدوليَّة، ستلعب الدبلوماسيَّة دائماً دوراً مركزياً في إملاء كيف تتفاعل الدول والكيانات الأخرى. ما كتب حول الدبلوماسيَّة واسع ومتنوّع، ولكن الأهمّ من ذلك هو الوصول إلى الدارسين والمعنيِّين من السياسيِّين والدبلوماسيّين والمهتمّين من جميع المستويات، بما في ذلك الطلاب الجامعيِّين والخبراء على حدٍّ سواء. ومع ذلك، من أجل مساعدتهم على فهم بعض المصطلحات والمفاهيم.[7]

إنَّ الميول العتيدة والعنيدة للولايات المتّحدة الأمريكيَّة جعلها تنجح كواحدة من أكثر الدول تأثيراً في مسار الدبلوماسيَّة. وكانت مساهماتها “الأكثر شهرة في كل مقترحات السلام، التي أعقبت الحرب العالميَّة الأولى، هو برنامج النقاط الأربع عشرة، والتي ألقاها الرئيس وودرو ويلسون في عام 1918.”[8] وقد أفادت الكثير من دول العالم، التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار، من مبدأ “تقرير المصير”، الذي نشطت في الترويج له، والدفع به الدبلوماسيَّة الأمريكيَّة في ذلك الوقت من تاريخ العالم المضطرب والمحترب. ويمكن القول إنَّه بدون مواقف الولايات المتَّحدة، كان يمكن أن يذهب الكثير من الجرأة، التي اتَّسمت بها الدبلوماسيَّة الحديثة، وستستمرّ تأثيراتها متبدّية في المستقبل.[9]

الدبلوماسيَّة والأخلاق:

وبمراجعة سريعة لموضوع الدبلوماسيَّة والأخلاق، نجد أن فلسفة العلاقات الدوليَّة، أو بتعبير أدق فلسفتها السياسيَّة، تحتضن مشاكل حول الأخلاق في مسألة هذه الدبلوماسيَّة والحرب، ونمط عدالة الممارسات والمؤسَّسات الدوليَّة، التي تؤثِّر على الرفاه الاقتصادي والبيئة العالميَّة، وحقوق الإنسان، والعلاقة بين الولاءات الفئويَّة مثل حبّ الوطن والالتزامات الأخلاقيَّة العالميَّة.[10] وقد لا يعتقد الجميع أن مثل هذا الموضوع يمكن أن يوجد، أو بدلاً من ذلك، أنه يمكن أن يكون له محتوى أخلاقي كبير. ووفقاً للواقعيَّة السياسيَّة، وهي وجهة النظر التي يحملها على نطاق واسع الدارسون للعلاقات الدوليَّة في أمريكا وانجلترا، فإن الاعتبارات الأخلاقيَّة لا مكان لها في اتِّخاذ القرارات المتعلِّقة بالشؤون الخارجيَّة والسلوك الدولي.

بينما تنفي وجهات النظر الأكثر تطرّفاً من الواقعيَّة أنه يمكن أن يكون للحكم الأخلاقي معنى، أو قوَّة، في الشؤون الدوليَّة، بما فيها المدرسة الذرائعيَّة الأمريكيَّة، أو التي تُعرف بالفلسفة البراغماتيَّة؛ فيما تقرّ الاتِّجاهات الأكثر اعتدالاً بكنه معنى هذه الأحكام، لكنها لا تتمسَّك في المقابل بمسؤوليَّة القادة في استحضار الأخلاق في أفعالهم عندما يتعلَّق الأمر بالشؤون الخارجيَّة، ولأن المسؤوليَّة الراجحة هي خدمة مصالح ناخبيهم، أو أن السعي المباشر لتحقيق الأهداف الأخلاقيَّة في العلاقات الدوليَّة من المرجح أن يتسبَّب في الهزيمة الذاتيَّة. وإذا نحينا جانباً الاتِّجاهات الأكثر تشكّكاً من الواقعيَّة السياسيَّة، فإنَّ التوجّهات الأكثر تأثيراً على الأخلاق الدوليَّة الموضوعيَّة يمكن أن تحتشد في سلسلة متَّصلة من العلاقات. وقد رتَّبت التمايزات على أساس درجة الامتياز إن وجدت، وقدّمت إلى مواطني الدولة للعمل على حسابهم الخاصّ، وعلى احتمال حساب حرّيَّة ورفاهيَّة أشخاص في أماكن أخرى.

إنَّ أخلاق الدول، على النقيض من ذلك، ترى أن الدول لديها حقوق الحكم المماثلة على أولئك الأفراد داخل المجتمع المحلِّي، وتأمينهم ضدّ التدخُّل الخارجي في شؤونهم الداخليَّة وضمان ملكيتهم والسيطرة على الموارد الطبيعيَّة والبشريَّة في حدودهم. في الطرف الآخر من علاقات التواصل، يجد المرء وجهات نظر عالميَّة تُنكِر أن تتمتَّع الدول بأي امتياز خاص. هذه الآراء تعتقد أنَّ الأفراد بدلاً عن الدول هم الهدف النهائي من الأخلاق، وأن الأحكام القيميَّة المتعلِّقة بالسلوك الدولي يجب أن تأخذ على محمل الجدّ وعلى قدم المساواة الرفاهيَّة لكل شخص يحتمل أن يتأثَّر بقرار، سواء كان مواطناً أو أجنبيّاً. وقد تعترف وجهات النظر العالميَّة أن الدول، والكيانات المماثلة، لها ميّزات كبيرة من الناحية الأخلاقيَّة، ولكن تحليل أهميَّة هذه الميزات يستوجب ربطها مع اعتبارات الرفاهيَّة الفرديَّة. وإذا ختمنا بأخذ وجهات نظر وسيطة، على سبيل المثال، فإنَّ مفهوم الطابع المميَّز للدولة يمكن دمجه مع تصوّر ضعيف للعالم الدولي المعياري؛ وهذا هو، الاحتكام للمبادئ، التي تُطالب بأن تلتزم الدول بالحدِّ الأدنى من شروط التعايش السلمي.

ويتجلَّى الفرق النظري بين أخلاق الدول والأخلاق العالميَّة بشكل واضح تماماً في الخلافات العمليَّة حول تبرير التدخّل في الشؤون الداخليَّة للدول الأخرى، فيما بدأ يُعرف حديثاً بمبدأ “التدخّل الإنساني”، الذي نشط في الدعوة له السيد كوفي عنان، السكرتير العام السابق للأمم المتَّحدة، والذي يُعد مفارقة صريحة لواحد من أهم بنود ميثاق المنظَّمة الدوليَّة وهو الضامن لسيادة الدول على حدودها. ويستبين الخلاف بسهولة عند الحديث حول أساس ومضمون حقوق الإنسان، والقانون الدولي ومدى جدواه، إن وجد، وكيف يُعِين، أو يحدّ من التزاماتنا كأفراد ومواطنين من الدول للمساعدة في معالجة آثار الأزمات الناجمة عن عدم المساواة الدوليَّة.[11]

إنَّ الدور الذي تؤدِّيه الدبلوماسيَّة عمليّاً يُعَدُّ محوريّاً تماماً، ومركزيّاً في جميع أنشطة الأمم المتّحدة إلى الدرجة التي ينسى الناس فيها، في بعض الأحيان، الانتباه إلى ما تقدّمه من إسهامات كثيرة وكبيرة، ومعلومة ومحدّدة لخدمة الإنسانيَّة. وينطبق هذا الوصف خاصَّة على الدبلوماسيَّة الوقائيَّة الناجحة. وفي ملحوظة أبداها وكيل سابق للأمين العام، ردّاً على أحد منتجي التلفزيون الذي سأله أن يحدِّد له مكاناً يستطيع أن يعد فيه فيلماً عن منع الصراع، فقال: “صوِّر الفيلم إن استطعت، لكن ذلك لن يجدي على الأرجح!” والحقّ أن اهتمام أضواء الإعلام بالصراعات لا يبدأ عادة قبل أن تشتد؛ وهي حالة تتسبَّب كثيراً في زيادة مصاعب التوصّل إلى حلول وسط، لأن الزعماء يخشون أن يفسّر خصومهم التنازلات التي تعلن جهراً على أنها ضعف، أو يفسرها مؤيّدوهم على أنها خيانة. ومع ذلك، فليس من الميسور للمرء دائماً أن يختار. “وما من شك في أن رحلتي إلى بغداد في فبراير كانت من عمليات الدبلوماسيَّة الوقائيَّة. ومع ذلك، فإنه ربما لم أكن لأتمكَّن من إنجازها بعيداً عن الأضواء.”[12]

إنَّ السلم المشترك هو الوظيفة الأخلاقيَّة للدبلوماسيَّة، رغم أن هناك في الواقع العديد من المهامّ الأخرى، التي تجعل منها عنصراً أساسيّاً لأي تغيير سلمي وفعَّال. فقد كان السبب في التفاوض مع أشخاص آخرين دائماً من أجل هدف واحد، وهو أن تكون لدينا علاقات أفضل. فتمثيل الدولة، فضلاً عن المفاوضات، هي أهم وظائف الدبلوماسيَّة. والمفاوضات بين ممثّلين اثنين هي عنصر أساسي في الدبلوماسيَّة، لأنه يحدث بذلك تطوير الاهتمام المشترك، لأن العثور على المصالح المشتركة أمر حيوي في إجراء مفاوضات تتَّسق مع المصلحة المشتركة للممثلين، وتجعلهم قادرين على وضع الحل، الذي يصبّ في مصلحة الجانبين. يقول بيريدج إن المفاوضات “يمكن أن تُنتج المزايا التي يمكن الحصول عليها من السعي التعاوني للمصالح المشتركة؛ وإنها ليست سوى هذا النشاط، الذي يمكن أن يمنع العنف من أن يُستخدم لتسوية النقاط المتبقيَّة حول تلك الخلافات.”[13]

أوجه القصور:

في كتابه “ثورة بلا قائد”، ركّز الدبلوماسي البريطاني السابق كارني روس على أوجه القصور في الدبلوماسيَّة كنظام.[14] بدءاً من حقيقة أنها تقتصر على أن تجرى بين الدول القوميَّة ومصلحة الدولة يمكن أن تكون، وعادة ما تكون، مختلفة عن الجمهور. يقول روس إن “الدبلوماسيَّة والعلاقات الدوليَّة، بحكم طبيعتهما، هما حول الدول القوميَّة. الأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبي، وآسيا، ومنظّمة التجارة العالميَّة، ومجموعة الـ20، هي جمعيات للدول. وتشير تجربتي أن الدول، والدعاة لها، لا تعكس بدقَّة ما الذي يعنيه البشر، ولا ما يريدون. وبالتالي، فمن السذاجة أن نتوقَّع أن مكائدهم، في شكل من أشكال الدبلوماسيَّة بين الدول، سوف تسفر عن نتائج متَّسقة مع احتياجات الإنسانيَّة بشكل عام.”[15]

ويذهب روس، معتمداً في الغالب على أساس تجربته الدبلوماسيَّة الخاصَّة، إلى أبعد من تحليل فعاليَّة النظام الدبلوماسي ويقدّم تحليلاً لمفهوم المساءلة عن الدبلوماسي النموذجي: “في الديمقراطيّات، الممثّل العالمي للدولة يكون مسؤولاً أمام رئاسة الوزارة، التي يقودها السياسي الذي يكون مسؤولاً أمام السلطة التشريعيَّة، والتي هي المسؤولة في نهاية المطاف أمام السكَّان الذين ينتخبون أعضاءها. وهذه هي بالفعل سلسلة طويلة جداً من المساءلة. وقد كانت تجربتي في التعامل مع سياسة العراق هي أن فقط مجموعة صغيرة جداً كان لها أي أمل في فهمٍ شامل لمختلف القضايا التي على المحك: أسلحة الدمار الشامل، والعقوبات، والقانون الدولي، وديناميات مجلس الأمن الدولي… الخ. ووزراء، الذين كان عليهم وظيفة شرح و”بيع” السياسة علناً ​​وأمام البرلمان، كان لهم فقط فهم ضبابي جداً عن هذا الموضوع. وخلال السنوات الأربع والنصف التي عملت على سياسة العراق للحكومة البريطانيَّة، لم أخضع لأي استجواب من قبل أي نائب عن عملي [16]“.

تخيّل عمليَّة تهدف لتنفيذ السياسة العامَّة من خلال الوسائل السلميَّة والفعَّالة ولكنها تعمل فقط بين بعض من أصحاب المصلحة، وتتجاهل العديد من المؤسَّسات المعاصرة الأخرى، وكذلك المجتمع الذي يتأثر بنتائج القرارات، أي الجمهور. وثم تخيل طبقة المنفذين لهذه العمليَّة، والأفراد الذين في تشغيل النظام، والذين هم ليسوا مسؤولين حقاً عن النتائج التي يحصلون عليها ولا يجري الحكم عليهم بشكل صحيح ليكونوا لائقين لهذا المنصب. وهذه ليست صورة مقنعة لوجود نظام فعال. وكل هذه تعني فقدان القدرة على العديد من المقاييس المهمَّة لممارسة الدبلوماسيَّة: القوَّة، والتأثير، وثقة الجمهور.

كاتب آخر درس هذا الموضوع هو جيف مولغان، الكاتب والأستاذ في جامعة لندن، الذي رأس إدارة السياسة في عهد توني بلير، والذي يركِّز في كتابه “الترابط Connexity” على السلطة المهينة وأهميَّة الدبلوماسيَّة ويقدِّم أفكاراً حول ما الذي يجعلها عرضة للخطر في العصر الحديث. ويُشير إلى الترابط والتعقيد في العالم الحديث وكيف أن هذه جعلت المؤسَّسات السياسيَّة في الغالب زائدة: “السياسة، يبدو أنه قد تمّ تجاوزها من قبل قوى الاقتصاد العالمي، ونظام الاتّصالات والعلوم. وعلى ما يبدو أنها حبست داخل أشكال ثقيلة الوطأة من البيروقراطيَّة الحكوميَّة، بينما كانت تبدو في الماضي أنها أفضل وسيلة لتأكيد الإنسان من الطبيعة، عالم السياسة اليوم تماماً كما في كثير من الأحيان وكأنه قوَّة من قوى الطبيعة تُرخي بثقلها على الفرد؛ آليّاتها – البرلمانات والأحزاب والبيانات والسياسيين – تعيدنا إلى الوراء، إلى وقت سابق وتُعَرِّف نفسها بالمفاهيم بـ‘كلمات بلاستيكيَّة‘استنزفت من المعنى.”[17]

يقول مولغان إنَّ الاعتماد المتبادل في العالم المعاصر وحرّيَّة الأفراد نوعان من العوامل الهامَّة، التي تجعل من الحكومات في الغالب غير ملائمة، لأن أنظمة كبيرة جداً ومعقَّدة بالنسبة لأنظمة حكوميَّة عاديَّة لإدارة الحريَّة، ولأنه يمكن للمواطنين شراء معظم احتياجاتهم الأساسيَّة؛ الصحة والأمن والتعليم التأمين وغيرها، من أنظمة الصرف عبر الوطنيَّة. والحجَّة الرئيسيَّة لهذا المنظور هي الفقدان التدريجي لأهميَّة الدولة القوميَّة والوظائف الإداريَّة بسبب تعقيد العالم الحديث. والتطوّر المنطقي لهذه الفكرة هو لفت الانتباه إلى ظهور أنظمة جديدة وفعَّالة على المستوى العالمي تتطوَّر لملء الفراغ. فيما يبدو أن الشركات الكبيرة، وتُعرف أيضاً باسم الشركات المتعددة الجنسيات / عبر الوطنيَّة هي أول من يمكن وصفها كواحدة من هذه الأنظمة.[18]

عالم خال من الدبلوماسيَّة:

رغم كل القصور، الذي يمكن أن يُنسب لها، هل بمقدورنا أن نتخيَّل عَالَمَاً خال من الدبلوماسيَّة؟ وأين تترك كل هذه الممارسات المستحدثة في عالم العلاقات الدوليَّة مهنة الدبلوماسيَّة؟ إنَّ فقدان الأثر هو عامل سلبي من حيث أهمّيتها كضامن لحسن التصرّف في ممارسة السياسة الخارجيَّة والعلاقات الدوليَّة. ولكن، هل يكفي هذا لجعل مفهوم الدبلوماسيَّة كله غير ذي صلة تماماً بهذه السياسة وهذه العلاقات؟ وقد تبدو القضيَّة هنا جليَّة وهي الحاجة إلى تعريف جديد، لأنه مع وجود كل الديناميات الجديدة في مكانها، فإن التعريف الكلاسيكي للدبلوماسيَّة يبقى محدودا جداً، ولا يكفي لكل مطلوبات شؤون العالم المعاصر. فالطريقة التي يعمل بها العالم الآن هي، إلى حدٍّ كبير، أكثر تعقيداً من الماضي. إنّ كل بلد، والديناميَّة العالميَّة، وحتى الأفراد في أقاصي العالم، يعتمدون على بعضهم البعض: إنَّ شراء الأحذية الرياضيَّة، التي يتمّ تصنيعها في الصين، من قبل المستهلك الأوروبي يعني إيجاد فرصة عمل للمواطن الصيني. وتساهم وسائل النقل، التي نستخدمها في القيام بأعمال تجاريَّة، في رفع مستويات الكربون CO2 في العالم، والتي تتسبَّب بدورها في تغيّر المناخ. ويشكل التهديد الأمني ​​للكثير من المواطنين في العالم تحدّياً كبيراً جداً، ويأخذ الشباب كل مخاطر السفر إلى أوروبا لإيجاد وضع جديد، مما يعني في تقدير البعض انعدام الأمن للمواطن الأوروبي. ويعني خطر سوء التغذية في بعض البلدان النامية تطوّر الأمراض الجديدة، التي يمكن أن تنتشر إلى بقيَّة العالم. كما يعني تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين أن هناك عدد أقل من المستثمرين الصينيّين الأثرياء سيبحثون عن شراء منزل في وسط لندن، أو باريس، أو غيرهما من مدن الأضواء العالميَّة.

كل هذا يدعونا إلى العودة لتعريف بيريدج للدبلوماسيَّة، وهو: “تمكين الدول تأمين أهداف السياسة الخارجيَّة.[19]” إذ إن الأسئلة الأكثر وضوحاً هنا، هي: هل يوجد، في عالم متَّصل بشكل محكم، شيء اسمه أجنبي؟ كيف هي بالضبط القضايا العالميَّة ذات الصلة مع سياسات البلدان الخارجيَّة؟ وكم هي بالفعل تهمّ حقاً للجمهور؟ للحصول على منظور أكثر عموميَّة لإجابات هذه الأسئلة، دعونا ننتقل إلى تعريف القاموس، الذي يقول إنها “مهنة أو نشاط، أو مهارة إدارة العلاقات الدوليَّة، وعادة من قبل ممثّلي دولة في الخارج.”[20] إذن كيف يمكن لدولة إدارة علاقاتها الدوليَّة باستخدام دبلوماسييها في الخارج فقط؟ إذ مهما كانت مهاراتهم، كيف يمكن لمدى فعاليَّة الدبلوماسي رعاية الآثار التجاريَّة للشؤون العالميَّة؟

وليست هذه هي نيَّة الممارسة الدبلوماسيَّة، التي تحدّ من جدواها في العصر الحديث، وإنما الافتراضات، والتي وردت في التعريف الأصلي لها كعمليَّة. إن الكثير من مشاكل العالم الحديث اليوم معقَّدة جداً بحيث لا يمكن معالجتها عن طريق السياسات الخارجيَّة والقنوات الدبلوماسيَّة. وبالمقارنة مع القرون السابقة، تبدو الدول القوميَّة أقل تأثيراً بكثير على العالم، وبالتالي، فإن العمليَّة التي تمَّ تصميمها لتأخذ مكانها بين هذه المؤسَّسات ستحتاج لاجتهاد مضاعف من أجل توفير حلول لكثير من المشاكل العالميَّة الحديثة.

وعندما يكون هناك صراع، ينشأ ويتطوَّر حل طبيعي. ففي الغالب اليوم يملأ هذه الفجوة ما تتركه الدبلوماسيَّة جهات فاعلة كثيرة ومؤسَّسات الأعمال التجاريَّة الكبيرة، وهي التي تحدِّد مسار الإجراءات السياسيَّة للبلدان حول العديد من الخيارات الحاسمة. وهناك العديد من الأمثلة عن مدى تأثير شركات النفط والدواء والجيش والطيران والصناعات الكبرى على قرارات حكوماتها المهمَّة. إن هذا هو الشائع الآن، لذلك يحدث حتى في الصناعات المشتركة مثل قطاع السيارات أن تتدخَّل الدبلوماسيَّة، وتتقاطع مع غيرها من المؤسَّسات. وفي هذه الحالة الأخيرة شهد العالم كيف أن صناعة السيارات الألمانيَّة فولكس واجن ضغطت بنجاح لتسهيل عمليَّة مراجعة مستويات الانبعاثات من السيارات، مما يمهِّد في نهاية المطاف الطريق لمهندسيها لإيجاد وسيلة لخداع النظام، وتدبير الإفلات من العقاب لعقود من الزمان.

والاستنتاج، الذي يمكن الخروج به من هذه التداخلات بين الدبلوماسيَّة، وغيرها من المؤسسات الفاعلة في الدولة والمجتمع، أن قيمة مضافة حقيقيَّة يمكن أن تثري وظيفة السياسة الخارجيَّة. ومع ذلك، فالممارسة الدبلوماسيَّة تبقى أكبر من تعريفها الأكاديمي الأصلي. سواء كنا ندرك ذلك أم لا، وتقريباً كل المنهجيَّة الاجتماعيَّة والعامة، التي تستخدمها المؤسسات الأكثر نجاحاً اليوم، تعتمد على الدبلوماسيَّة بطريقة أو بأخرى: فالمحادثات العالميَّة بشأن المسائل الاجتماعيَّة، فضلاً عن مفهوم جماعات الضغط، التي تعتمد هي الأخرى على نظريَّة “المفاوضات المستمرَّة”، كما تمَّ تعريفها من قبل ريشيليو في القرن السابع عشر.

وقطعاً ليس من العدل القول إنَّ الدبلوماسيَّة هي سبب كل فشل في العالم. ومع ذلك، لأنها هي الأداة الرئيسيَّة للنظام السياسي، ويجري استخدامها بنجاح من قبل العديد من المؤسّسات الخارجيَّة، وبصورة أكثر من أولئك الذين قُصِدُوا بها أصلاً، فإنها تخضع للمراقبة العامَّة بشكل صارم. إلا أن ضعف التقدير للسياسي العادي هو دليل آخر؛ ودليل قوي، على أن الدبلوماسيَّة تحتاج إلى إجراء اتِّصالات جديدة لتدعيم موقفها. فالحكومات والنظم ذات الصلة بالحكم، التي تمسّ حياة الناس، تحتاج إلى إعادة الاتِّصال بالجمهور لاستعادة الثقة. وهنا، فإن ملاءمة الممارسة الدبلوماسيَّة تبدو مسألة عمليَّة وإدراكيَّة على حدٍّ سواء: عمليَّة لأنها مضمنة بالفعل في الروتين اليومي للكيفيَّة التي يعمل بها العالم، وهي إدراكيَّة لأنه في عصر ثورة الاتِّصالات الحديثة فإنَّ ثقة الجمهور هي العامل الحاسم في أي مفهوم عالمي.[21]

وإذا قدّر لنا أن نستخدم المصطلحات البيئيَّة، فهل الدبلوماسيّين من الأنواع المهدّدة بالانقراض؟ وهل ستتمكَّن الدبلوماسيَّة من البقاء على قيد الحياة، ولكن سيختفي الدبلوماسيّون، كما اقترح أحد المعلقين مؤخراً؟ فالوضع متناقض، إذ من جهة، يجادل البعض بأنه في عالم اليوم أصبح الدبلوماسيّون تدريجيّاً فائض عمالة، أو زائدين عن الحاجة. ومن ناحيَّة أخرى، يتمّ تعيين أهميَّة أكبر بكثير في الوقت الحاضر على الدبلوماسيَّة في حلِّ مشاكل العالم الحديث، وكبديل يناقض استخدام القوَّة العسكريَّة. ولكن قبل الاسترسال في هذه الافتراضات، ينبغي الاعتراف بأن هذا هو نوع جديد من الدبلوماسيَّة. الدبلوماسيَّة كمؤسَّسة، ومهنة الدبلوماسي البارع، في العصر الحديث، وحتى أكثر من ذلك على مدى العقود الثلاثة الماضية، حيث ذهبت إلى أبعد من التصوّر اليوناني الأصلي، الذي ظهر في حقب باكرة وعَرَّفَ الدبلوماسيَّة بأنها “السعي بين طرفين”، والعمل نيابة عن الحكومة وممثّلاً للدولة المدينة.

إنَّ هذه ليست فقط نظرة انتقاديَّة، ولكن أيضاً من منظور تطوري للدبلوماسيَّة. فقد يمثِّل فقدان أهمّيتها في التعامل مع المسائل الحاليَّة شيئاً من الإحباط، ولكن مع المفهوم المتجدِّد، الذي هو من الناحية الفنيَّة قوي جداً، فإن هذا العيب هو من المرجح أن يحثّ على التغيير وإيجاد فترة من التكيُّف. وعندما نُدرك أنّ الدول القوميَّة ليست هي الجهات الفاعلة الحاسمة الوحيدة، بل هي جزء من المعادلة تماماً، ولكن ليس أكثر أهميَّة من أيٍ من أصحاب المصلحة الآخرين في العمليَّة، فإن ملاءمة المفهوم تبدو أكثر وضوحاً. إنَّ ما نتطلَّع اليه حقّاً هو ليس عالماً بدون دبلوماسيَّة، ولكن دبلوماسيَّة في حاجة إلى إعادة هيكلة وتعريف عملي لوظائفها، ومن حيث طريقة عملها. وبمجرَّد أن يحصل هذا التعريف الجديد، ويكون أكثر واقعيَّة من ذي قبل، بما في ذلك استصحاب جميع أصحاب المصلحة في العصر الحديث، وتتمكَّن من التفاهم مع العالم المتغيِّر، فإنها سوف تكون أكثر أهمّيَّة من أي وقت مضى.[22] وهذه المرَّة سوف تستند هذه الملاءمة على أساس قوي ومستدام، أي القدرة على التكيُّف مع عالم متعولم ومتغيّر بشكل كبير.

وبالنظر إلى التغييرات الحتميَّة الفوريَّة، التي حدثت بالفعل في فترة ما بعد الحرب الباردة، قد يتساءل المرء حقاً ما الذي يمكن أن تكون عليه أهم ملامح الدبلوماسيَّة كلما توغلنا أكثر في القرن الحادي والعشرين. لقد فرضت حقبة الحرب الباردة، بحواجزها الأيديولوجيَّة الواضحة الحدود والمخاوف الاستراتيجيَّة الجامدة، قيوداً كثيرة على سلوك الدبلوماسيَّة وكيَّفت عمليّاً ممارستها خارج المراكز المغلقة إلى حدٍّ كبير للعالم ثنائي القطب. بينما فرض تخفيف هذه القيود في أواخر الثمانينات مهاماً إضافيَّة وفتح مجالات جديدة للدبلوماسيَّة في جميع أنحاء العالم. وعلى مدى العقود الماضية، يشارك دبلوماسيّون من العديد من الدول في مثل هذه المهام في سعيهم للحصول على حلٍّ للصراعات الإقليميَّة، وتقديم المساعدات الإنسانيَّة، والتعامل مع المشاكل البيئيَّة العالميَّة، وتعزيز التعاون الاقتصادي الدولي. ويشارك الدبلوماسيّون الآن في هذه الأنواع من الأنشطة إلى حدٍّ أكبر بكثير، ومع أهميَّة أكبر بكثير، مما كان عليه الحال خلال العقود الأربعة السابقة لعقد الثمانينيات من القرن العشرين.

لقد بات معلوماً أن الدبلوماسيَّة لا تأخذ مكانها فقط بين الدول، ولكن أينما يعيش الناس في مجموعات مختلفة. ويقول بول شارب، في كتابه “النظريَّة الدبلوماسيَّة للعلاقات الدوليَّة”، إنَّ الطلب على الدبلوماسيَّة، والحاجة إلى رؤى نظريَّة الدبلوماسيَّة، آخذة في الارتفاع.[23] وعلى النقيض من النصوص التقليديَّة التي تستخدم نظريّات العلاقات الدوليَّة لفهم ما الذي تقوم به الدبلوماسيَّة ويفعله الدبلوماسيّون، فهذا الكتاب يستكشف ما الذي يمكن أن تسهم به الدبلوماسيَّة والدبلوماسيّين في المناقشات النظريَّة والعمليَّة الكبيرة في العلاقات الدوليَّة اليوم. إن بول شارب يحدِّد تقليداً دبلوماسيّاً في الفكر الدولي يقوم على طريقة عيش الناس في مجموعات، والاختلافات بين العلاقات البينيَّة وبين الجماعات، ووجهات النظر، التي يمكن أن يطوّرها أولئك الذين يتعاملون مع العلاقات بين المجموعات، عن أنواع النزاعات الدوليَّة، والتي تحدث بين الفينة والأخرى.

ويقول شارب إنَّ الدروس المستفادة من الدبلوماسيَّة هي أن علينا أن نكون متردّدين في الحكم، وعلى استعداد للاسترضاء، وفي حالة تأهّب للقبول بأسباب جزئيَّة ترد بشأنها معظم المطالبات العالميَّة حول البشر.[24] فيما قد يظن البعض أن هذا الرأي يمثِّل خروجاً في دراسة الدبلوماسيَّة والعلاقات الدوليَّة، والتي تبيِّن كيف أن الذين يشكِّلون بعضاً من التيّار العام في نهج العلاقات الدوليَّة يسيئون على الدوام فهم الدبلوماسيَّة والدبلوماسيّين، ويقلِّلون من أهمّيتهما المتزايدة. ويدرس شارب القضايا الحسَّاسة ذات الأهميَّة المعاصرة، بما في ذلك ما يُسمَّى بالدول المارقة، والمتطرّفين، والمتشدّدين الدينيّين، والشركات الجشعة، أو حتى الذين يتعاملون مع الدبلوماسيَّة العامة من منظور روائي، ويقترح تغييرات في كيفيَّة ممارسة السياسة تجاههم؛ توظّف كل من الأمثلة النظريَّة والعمليَّة من وراء عالم دبلوماسيَّة الدولة، وتعتبر العلاقات الدوليَّة في العالم القديم، والأمريكيتين ما قبل كولومبوس، وأوروبا في العصور الوسطى، واللقاءات بين الأوروبيّين والسكّان الأصليّين في هاواي وأمريكا الشماليَّة، بعض إرث الدبلوماسيَّة، الذي يستوجب التطوير.

إعادة التشكيل:

لقد استكشف دبلوماسي مميّز مفهوماً متطوّراً للدبلوماسيَّة لتلبية الحشد الكبير من الفرص والتحدّيات التي تواجه هذه المهنة الحيويَّة. ويقول مارك غروسمان “منذ تقاعدي من وزارة الخارجيَّة في عام 2005، قد أتيحت لي الفرصة، وبإيحاء من زملاء فعلوا الشيء نفسه، للتفكير في مستقبل مهنة الدبلوماسيَّة. وعندما التقي موظفي الخدمة الخارجيَّة الجُدد، أقول لهم إنني أحسدهم على حصولهم على فرصة إعادة تشكيل وظيفة الدبلوماسيَّة، ليس فقط لأن عالمنا قد تغيَّر، ولكن لأنهم أكثر تعليماً، وأكثر دهاءً من الناحية التكنولوجيَّة وأكثر تنوّعاً من أفواجنا”[25] السابقة.

لكن غروسمان أعترف أنه في بعض الأحيان عندما كان يقدِّم عرضاً عن رؤيته لدبلوماسيَّة القرن الواحد العشرين، كثيراً ما يتساءل عما هو الجديد حقاً. هل هذه “ثورة في الدبلوماسيَّة”، مثل تلك التي حدثت في منتصف القرن الخامس عشر، والتي وصفها غاريت ماتينجلي، في عمله الكلاسيكي، “النهضة الدبلوماسيَّة”؟ هب هي مشابهة للتغيّرات التي عَرَّفَها هارولد نيكلسون، التي تمّ تحديدها في كتابه، الذي أُعتبِرَ مفارقاً للعرف السياسي العام وقتها، ولكن لا يزال مؤثّراً جداً، والذي أسماه “الدبلوماسيَّة”، أو تلك التي تمّ تحليلها من قبل هنري كيسنجر، في كتابه الضخم، والذي جاء بعنوان: “الدبلوماسيَّة”؟[26]

إنَّ العالم الذي يعمل فيه دبلوماسيينا اليوم هو مشهد زاخر بالفرص والتحدّيات، كما تقدَّم، بما في ذلك الجهات الفاعلة الخيِّرة والعنيفة من غير الدول؛ والقضايا العالميَّة مثل تمكين المرأة، والطاقة، وتغيّر المناخ؛ والتفاوض على اتِّفاقات التجارة الدوليَّة، وإدارة الأزمات الماليَّة؛ وحاجة الدول للحفاظ على التحالفات، وإنشاء تحالفات جديدة، واختبار شروط إدارة ومواصلة تعزيز العولمة؛ وتأثير الأفراد ومجموعات المواطنين الآن على السياسة الخارجيَّة، وتقدير أهمّيَّة الارتباط بين التعدّديَّة والحريَّة الاقتصاديَّة. إنه عالم يُعَرَّفُ أيضاً بسبب الحاجة إلى استكشاف حقيقة واقع التزامن الآني: في المجالات السياسيَّة، والاقتصاديَّة، والعسكريَّة، والثقافيَّة، والإنسانيَّة، وتدامج فضاءات وسائل الإعلام. لذا، يجب أن تكون السياسات متعدِّدة الأوجه، والوسائل مبتكرة ومتجدِّدة، مثل التحدّيات التي نواجهها اليوم حول موضوعات كبرى حيويَّة؛ مثل القضايا النوويَّة، والأمن الدولي، والدفاع، والبيئة وتغيُّر المناخ، والطاقة، والعلوم والتكنولوجيا، والعلاقات الدوليَّة، والصراع وحلّ النزاعات، والاقتصاد، والشؤون العالميَّة، والحاكميَّة، والتي تتطلَّب فهماً موضوعيّاً عميقاً من الدبلوماسي المنوط به معالجتها، أو التفاوض لفرض رؤية بلده حولها.

ربما يقول المشكِّكون، من باب السخرية، إن هذا الأمر صعبٌ، أو قد يبدو مثيراً للإعجاب، لسعته وتشعّبه وتعقيدات مساراته وتداخلات اختصاصاته. ولكن، لنا الحقّ في أن نسأل: ما هي الدروس التي يمكن أن يستخلصها أولئك الذين يجادلون لمصلحة “دبلوماسيَّة جديدة” في واشنطن والعواصم الأوربيَّة الغربيَّة، الذين يتحدّثون عن صحَّة، أو خطأ، ضَمّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لشبه جزيرة القرم، أو الزعم باستمراره في محاولة زعزعة الاستقرار في شرق أوكرانيا؟ وما هي ملاءمة وأهميَّة النقاش حول ما قد تكون عليه دبلوماسيَّة القرن الحادي والعشرين بالنسبة إلى مئات الآلاف من القتلى وملايين النازحين في الحرب العبثيَّة في سوريا؟ وما هو جواب دبلوماسيَّة القرن الحادي والعشرين للـ”الدولة الإسلاميَّة”؟ وهل الضغط السياسي والنفسي والعسكري، الذي تُمارسه بكين على جيرانها في بحر الصين الجنوبي، تذكير ببقاء الدبلوماسيَّة التقليديَّة بقوَّة أكثر في السلطة؟ وهل هي حالة خالدة ستصاحب السياسة الخارجيَّة إلى الأبد؟ وبالمقابل، نستطيع أن نوجِّه أسئلة مشابهة لهذه الأسئلة الغربيَّة، ولكن بمضامين مختلفة تُعبِّر عن تصوّراتنا للقضايا، وتترجم رؤيتنا للحلول، وفقاً لمصالح بلداننا وشعوبها.

فاليوم، يُعَدُّ حفظ السلام، وصنع السلام، وبناء وصيانة نموذج الأمان، جزءاً من الممارسة الدبلوماسيَّة والسياسيَّة الأوسع. وتشمل الدبلوماسيَّة الوقائيَّة مهارات جديدة، وأساليب ومناهج جديدة تماماً، فضلاً عن اعتماد استراتيجيّات مبتكرة لتحقيق الهدف النهائي المتمثِّل في السلام. ولا بدّ من القول إنَّه حتى مفهوم السلام نفسه قد تغيَّر على مرِّ السنين ليعني أكثر بكثير من مجرَّد المفهوم التقليدي لغياب الحرب. ويُمارس المزيد من النشاط الدبلوماسي اليوم في المنتديات الدوليَّة أكثر من التي تُنجز على أساس ثنائي. ويجري حالياً إنشاء المزيد من آليّات إجراءات حلّ المنازعات، وتوفّر المزيد من المنظّمات الإقليميَّة فرصاً لمزيد من التعاون.[27] وتُعتبر الآثار المترتبة على هذه التطوّرات العلميَّة والسياسيَّة على حدٍّ سواء، وفي مادة وأسلوب الدبلوماسيَّة، بعيدة المدى.

وإذا قدِّر لنا أن نتخيَّل عمق الفلسفة الدبلوماسيَّة للقرن الواحد والعشرين، مما تقدَّم من أعوام منذ بداية هذا القرن، فإن أي رؤيَّة لها يمكن أن تكون محكومة بمواجهة التهديدات والتحدّيات الجديدة المشار إليها، التي علينا واجب درء أخطارها واغتنام الفرص المتاحة فيها، وتحفيز أُناسٍ جُدد متفائلين بطبيعتهم للتكيُّف مع أوضاعها المتغيِّرة. لكن هذه الدبلوماسيَّة الجديدة لن تُحصِّل أي فرصة للنجاح ما لم ترتكز على تقييم واقعي للعالم كما هو، لا كما يتخيّله الحالمون من الدبلوماسيّين، أو فلاسفة العلوم الإنسانيَّة. إذ إن تخيّل فلسفة الدبلوماسيَّة في القرن الواحد والعشرين، يوجب علينا أن نبدأ بدراسة المبادئ الأولى: ما هي الأفكار والقيم، التي سنأتي بها إلى هذه الدبلوماسيَّة الجديدة؟

وبالقطع سيظلّ مسمَّى “الدبلوماسيَّة الجديدة” في حاجة للملاءمة الدائمة في عالم يتَّسم بالمتغيِّرات التكنولوجيَّة السريعة، ويتحوَّل بفعل عولمة النشاط الاقتصادي، إلى عجلة دوّارة لا تهدأ حركتها المتطوّرة والمتجدّدة. لذا، فإن ممارسة الدبلوماسيَّة ستتعرَّض باستمرار، وفقاً لرأي البعض، لخطر التقادم، إلا إذا تمّ تحويلها؛ وربما بطرق جذريَّة للغايَّة، من مساراتها التقليديَّة السابقة، وأقلمتها على التطوّرات والمستجدّات. وقد اقتُرِحَت جملة من المساهمات، التي بُنِيَتْ على سلسلة من “الرؤى الإسقاطيَّة”، تتنبّأ بما قد يترتَّب على ممارسة الدبلوماسيَّة في المستقبل، الذي بات وشيكاً، ولكنه يُعد مجهولاً في نهاية المطاف. وفي محاولة للتفكير فيما وراء الأفق القريب، قدم ألان هينركسون أطروحة تُبيِّن “خمسة من هذه الرؤى الإسقاطيَّة المتوخَّاة، بما في ذلك “التوسّط”، الذي قد يترتَّب عليه تجاوز المؤسَّسات التقليديَّة للدبلوماسيَّة لصالح التواصل المباشر عبر وسائل الإعلام، مثل شبكة الإنترنت. ومنها “الأوربة”؛ وتَصِّحُ أيضاً “الأفرقة”، و”الأسلمة”، وغيرها من التكوينات الإقليميَّة، أو دوائر الانتماء العقديَّة، وما قد يترتَّب عليها من تبعيَّة الدبلوماسيَّة الثنائيَّة ضمن إطار إقليمي، على الرغم من المساحة المحجوزة لتطوير الدور الدبلوماسي العام. وكذلك “الديمقراطيَّة”، التي قد تنطوي على دور أكبر للدول المستثناة حتى الآن من عمليَّة صنع القرار داخل المؤسَّسات المتعدِّدة الأطراف، فضلاً عن ممثّلي المجتمع المدني. وتأتي في الأهمّيَّة “الموضوعيَّة”، التي قد تتطلَّب درجة متزايدة من مرونة من الدبلوماسيّين أثناء انخراط رؤسائهم في “حملات” ضدّ مجموعة متنوّعة من التهديدات، والتي يتعرَّض لها المجتمع العالمي. ثم “الأمركة”، التي قد تتطلَّب من الدبلوماسيّين التكيّف مع عالم حيث تُصنع “العلاقات الدوليَّة” على طول خطوط مماثلة للطريقة، التي يتمّ بها تنفيذ السياسة الداخليَّة في الولايات المتَّحدة حاليّاً.[28]

شروط الملاءمة:

إنَّ الحديث حول ملاءمة الدبلوماسيَّة لعصرها يتجدَّد كلما تقارب العالم وزادت قدرة الناس فيه على إحكام التواصل، وتفعيل وسائل ووسائط الاتّصالات. واليوم، إذا افترضنا سؤالاً تقريرياً عن أي مدى تُعتبر ممارسة الدبلوماسيَّة ملائمة وذات الصلة بالشؤون الدوليَّة المعاصرة؟ فإننا سنجد أنفسنا مقبلين مجدّداً على ما تواضع عليه علماء السياسة من تعريفات مفاهيميَّة وإجرائيَّة تطل بنا على الواقع المتغيّر للعلاقات الدوليَّة، وأدوار الدبلوماسيَّة فيها. ونعلم أن التعريفات كثيرة، بعضها يتَّصف بالشمول، والبعض الآخر يغطِّي جانباً من العمليَّة الدبلوماسيَّة ويهمل أخرى. وقد تحتاج عمليّات الملاءمة أحياناً للجوانب المهملة من التعريفات لاستيعاب المستجدّات الضامنة لها.

لقد عَرَّفَ بيريدج الدبلوماسيَّة، في كتابه “الدبلوماسيَّة: النظريَّة والتطبيق”، الصادر في 2005، بأنها “نشاط سياسي في الأساس يهدف إلى تمكين الدول من تأمين أهداف سياساتها الخارجيَّة دون اللجوء إلى القوَّة، والدعاية، أو القانون. فيما عَرَّفها قاموس أكسفورد بأنها “مهنة أو نشاط، أو مهارة إدارة العلاقات الدوليَّة، وعادة بواسطة ممثّلين للبلد في الخارج.”[29] هذا في جانب الشمول، بينما يمكن استكشاف المزيد من التعريفات، التي وردت بكثافة في متن هذا الكتاب، والتي تدور جميعها حول فكرة العمليَّة التي تجري بين الدول، و/ أو ممثليها الدبلوماسيّين، والتي تهدف إلى تنفيذ السياسة الخارجيَّة.

وهناك حجَّة تقول إنه في العالم الحديث اليوم، وفي سياق التعريف الكلاسيكي، فإن الممارسة الدبلوماسيَّة ملائمة فقط على نطاق محدود، ويغطي فقط الفترة الزمنيَّة، التي وضع فيها. فمنذ إدخال هذا المفهوم، في القرن السادس عشر، كانت الممارسة الدبلوماسيَّة مسألة مركزيَّة للعلاقات الدوليَّة في جميع أنحاء العالم. ووفقاً لبيريدج، فإنها لم تُشكل التواصل بين الحكومات فقط، ولكنها أشارت إلى العديد من الأنشطة، بما في ذلك تعزيز السياسة الخارجيَّة، والتفاوض، وجمع المعلومات، وتوضيح النوايا، والحرص على توليد حسن النيَّة أيضاً. وجنباً إلى جنب مع توازن القوى، وتطوّر تكنولوجيا الاتِّصالات، فإن الدبلوماسيَّة والسياسة هما المؤسّستان الأكثر أهميَّة في مجتمع دولنا الماضي والحاضر.

لهذا، فهي اليوم تبدو أكبر مما تصوّرها المنظّرون الأوائل. فالسياسة هي التي تمكِّن العديد من النظم الحيويَّة في العالم أن تشتغل: وبالنسبة للحكومات أن تعمل، وتمكن النظام القانوني أن يعمل، وتُهيئ للنظام الاقتصادي أن يُنتج ويوزِّع النتيجة، وتحفِّز النظام التعليمي للتدريب، وتدفع النظام التكنولوجي للابتكار. فإذا توقَّفت هذه الأجزاء المكوّنة للكل الجامع، فإن العالم سيصل عمليّاً إلى نقطة التوقّف. وهي ليست فقط المحرّك الرئيسي الذي يجعل العالم ينبض، بل هي أيضاً وسيلة للحل. إنّ المنتديات، الملتقيات، ومؤتمرات القمَّة العالميَّة لمناقشة القضايا العالميَّة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة كلها أشكال متقدِّمة من الممارسة الدبلوماسيَّة. وهذه هي التي تتّخذ فيها القرارات الهامّة، التي لها تأثير كبير على العالم. وتستخدم الدبلوماسيَّة في محادثات السلام المعاهدات والاتّفاقيات كوظيفة أساسيَّة. وبدون ممارسة الدبلوماسيَّة سوف لن تكون هناك طريقة منظّمة لمناقشة، أو التعامل مع المشاكل المعاصرة.[30] أما بالنسبة للمديرين التنفيذيّين لهذه الممارسة الدبلوماسيَّة، فإن الوضع متشابه في كل مكان حيث يتمّ وضع السياسيين في الجزء العلوي من المجتمع في جميع أنحاء العالم، ولديهم أعلى مستويات السلطة من أي وظيفة عامَّة أخرى. ومن الناحية الفنيَّة، فالممارسة الدبلوماسيَّة هي قمَّة النظام العالمي. ولكن ماذا عن الصعيد العملي؟ وماذا تعني “الملاءمة” بالنسبة للممارسة الدبلوماسيَّة؟

الملاءمة هي مصطلح يستخدم للمفهوم الذي يمكن أن يُطبَّق، ومناسب وذا صلة بهذه المسألة، التي هي في متناول اليد. ووفقاً للتعريفات التي جرى عرضها في وقت سابق، يحتاج النقاش حول ملاءمة ممارسة الدبلوماسيَّة للتركيز على الإجابة على الأسئلة التالية: هل تُدار الشؤون الدوليَّة في العالم بمهارة؟ وهل تُنَفَّذ السياسات الخارجيَّة على الوجه الصحيح؟ وهل تتحقَّق أهدافها بنجاح وفي الوقت المناسب؟ وهل يمكن للقادة تحقيق هذه الأهداف سلمياً، مع تجنّب استخدام القوة والدعاية، أو إنفاذ القانون؟ ومن هذا المنظور، يرسم العالم الحديث صورة مثيرة للقلق. وهنا، علينا النظر في الملاحظات التالية:

– الفضاء العام ليس آمناً: نحن قد لا نكون شهدنا الحرب العالميَّة الثالثة، لكن مع الحروب الإقليميَّة، والصراعات العسكريَّة، وكذلك الهجمات الإرهابيَّة، التي تتفجَّر باستمرار في جميع أنحاء العالم، فإنه من الصعب القول إنَّ العالم هو مكان آمن وسلمي.

– البيئة ليست آمنة: فالمشكلات البيئيَّة هي أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، ولكن حتى في ضوء الأدلَّة الواضحة، واختار زعماء العالم عدم التصرّف في الوقت المناسب، ومعظمهم لأسباب سياسيَّة. على الرغم من أن بعض العلماء يعتقدون أنَّ الفرصة ما تزال متاحة، إلا أن الكثيرين يعتقدون أنَّ أضراراً كبيرة قد حدثت بالفعل للنظم الإيكولوجيَّة الحرجة.

إنَّ العديد من الأوطان لم تعد قابلة للسكن؛ إمَّا بسبب الصراعات العسكريَّة المحليَّة، أو بشدة الظروف الاقتصاديَّة غير المواتية. وقد وجد العديد من الناس في جميع أنحاء العالم بلدانهم غير صالحة للسكن، وبدأوا الفرار بحثاً عن وطن جديد. ونظر البعض إلى هذه الصراعات المحليَّة والظروف غير المواتية وكأنها في أماكن بعيدة. وقد تجاهلت العديد من الدول الغربيَّة القضيَّة لسنوات على افتراض أنها ليست مشكلتها، فقط لتجد هؤلاء الناس يطرقون أبوابها كلاجئين، يسألون عن حقوق لجوئهم. ومن الواضح الآن أنها ليست بعيدة جداً، إنها مشكلة الجميع.

ويظهر جلياً عند تَفَحُّص وجهات النظر المتضاربة في العالم أنها سبب في المشاكل، التي لا تزال دون حل. خذ الإرهاب؛ مثلاً، إذ تزعم غالب الدول أنه العدو رقم واحد، ولكن أولئك الذين يشاركون في الحرب ضدّه يرون أنفسهم على أنهم يقاتلون من أجل قضيَّة نبيلة. وإن لم يكن هذا فشلاً مباشراً للدبلوماسيَّة، إلا أن هذا الاختلاف المتزايد في الرأي هو علامة على أن القادة السياسيّين عاجزين تماماً في التعامل مع القضايا المثيرة للجدل، مثل الإرهاب. ومشكلة اللاجئين تبدو مشابهة، إذ يُنظر إليها في الغالب على أنها قضيَّة إنسانيَّة، ولكن مع بوادر أوَّل أعمال للعنف يقوم بها اللاجئون، الذين تمَّ قبولهم في البلدان الأوروبيَّة، بدأ العديد من السياسيّين بالفعل البحث عن حلول بديلة، قد لا تتَّفق مع الجوانب الأخلاقيَّة وقواعد حقوق الإنسان.

لهذا، يقف السياسيّون الغربيّون أنفسهم – والأوربيّون خاصَّة – في مفترق طرق بشأن الهجرة واللاجئين؛ بين الوازع الأخلاقي الإنساني وبين ذرائعيَّة المصلحة، وقدرة الخطاب السياسي في تبيان السياسات. وعلى الرغم من كونهم يحتلّون المرتبة الأولى في هرم النظام العام، إلا أن هؤلاء السياسيّون هم في الواقع أقل تقديراً في نظر مواطنيهم من أي وقت مضى. فالعديد من استطلاعات الثقة العامَّة الأخيرة لم تُظهِر فقط فقدان السياسة لسمعتها بشكل عام، ولكن أيضاً وضعت السياسيّين في المرتبة السفلى في نطاق المقارنة مع المهن الأخرى. ويمكن للمرء أن يُعدّد بسهولة من الحالات المماثلة. على الرغم من أنه ليس من العدل أن تقفز إلى أي استنتاج، حتى الآن، فهناك الكثير من الأسباب للتشكيك في ملاءمة هذا المفهوم، الذي بني على استطلاعات تستعجل النتائج، ويتبدَّل الرأي بتبدُّل الظروف الحاكمة لنتائج الاستطلاع.

الدبلوماسيّون:

ربما لا يكون سهلاً على دبلوماسي محترف أن يسأل عن الدبلوماسيّين، وهل هم بحاجة لتعريف، أو إعادة التعريف؟ رغم أن قضيتهم، فيما يبدو ويتجلَّى من تطوّرات متسارعة، هي أكثر تعقيداً وأجل أهميَّة من مجرد الحديث المطلق عن الدبلوماسيَّة. وربما يكون السؤال أوفق لو حصرناه على ما هو دور الدبلوماسيّين اليوم؟ وماذا سيكون دورهم في المستقبل؟ فالدبلوماسيّين اليوم لم يعودوا مجرد أعضاء في نقابة مهنيَّة خالصة، كما كان الحال في الماضي. وبدلاً من نخبة دبلوماسيَّة بمؤهّلات وماهم حصريَّة، لدينا الآن هيئة متجانسة تماماً من الناس المهنيين من مختلف المجالات المشاركين في إدارة العلاقات الدوليَّة الراهنة، على الصعيدين الإقليمي والعالمي؛ بعض منهم دبلوماسيّون بالمعنى التقليدي، وهؤلاء هم أعضاء السلك الدبلوماسي المهني لبلدانهم، والبعض الآخر موظّفي الخدمة المدنيَّة الدوليين العاملين في إطار المنظّمات الدوليَّة، والمساقات الدوليَّة ذات الأهميَّة المتزايدة. وتضمّ القائمة أفراداً آخرين، من عوالم مهنيَّة بعيدة كل البعد عن الدبلوماسيَّة، تتمّ دعوتهم على أساس التدخُّل في قضايا معيّنة متخصَّصة. فاليونيسيف، على سبيل المثال، كانت ناجحة بشكل خاصّ في تجنيد شخصيات ونجوم فنيَّة مشهورة في عملها الإنساني. كما أن المهارات المطلوبة هي أيضاً غير متجانسة، بدءاً من المهارات الدبلوماسيَّة العامة، التي أساسها التفاوض والتمثيل، وتمتد إلى المهارات المتخصصة والكفاءات المطلوبة للتعامل مع قضايا معينة، مثل حماية البيئة، أو المشتريات التجاريَّة وإنشاء العلاقات التجاريَّة، والتي تعتبر حيويَّة جداً لتعزيز العلاقات بين الدول. وينبغي أيضاً اعتبار هذه المهارات مهارات دبلوماسيَّة.

لقد ازداد عدد الأفراد المشاركين في العمل الدبلوماسي بصورة فلكيَّة. ولكن، هل الزيادة في العدد، مثل كل تطور للتضخم، تخفض قيمة ونوعيَّة الكائن المتضخم؟ هل يمكننا أن نفكر في ما إذا كنا نستطيع أن نعهد في نهاية المطاف ببعض المهام الدبلوماسيَّة للشركات الخاصَّة والمتخصّصة؟ وبالنظر إلى مجموعة واسعة من الموضوعات المتخصِّصة، التي لا بد من معالجتها في الاتِّصالات الثنائيَّة والمتعدِّدة الأطراف، سيكون من غير المعقول التفكير على غرار وجود وظائف البعثات الدبلوماسيَّة، أو أجزاء منها، وتأجيرها من الباطن لشركات متخصِّصة، وبنفس الطريقة التي يتمّ التعاقد بها حول قضايا ماليَّة، أو اقتصاديَّة، حسَّاسة للغاية لشركة من المصرفيين أو المحاسبين؟ فهذه الأفكار وغيرها يجري النظر فيها في العديد من العواصم في جميع أنحاء العالم، مع هدف عام مشترك – وهو تحقيق عائد أكثر وأداء أفضل بعدد أقل من الموارد الماليَّة والبشريَّة.

في مثل هذه الحالة لا يمكن للدبلوماسيِّين أن يأخذوا موقفهم ودورهم كأمر مفروغ منه. إذ لا بد لهم من تبرير استمرار وجودهم في ما بدأ يتحوَّل تدريجياً إلى بيئة صعبة جداً وتنافسيَّة، التي يمكن عن غير قصد أن تحلّ محلّهم، أو على الأقل بعضاً من وظائفهم الأصليَّة ومسؤولياتهم التقليديَّة. على سبيل المثال، المهمَّة الصعبة المتمثِّلة في التفاوض على إيصال المساعدات الإنسانيَّة، وهي المهمَّة التي تقع مسؤوليتها المباشرة بالكامل على كاهل الدبلوماسي التقليدي، وتدريجيّاً تمَّ الاستيلاء عليها؛ في أماكن مثل البوسنة، من قبل المنظّمات غير الحكوميَّة، والصليب الأحمر، وغيره.[31]

ينبغي للمرء أيضاً أن يتذكَّر أنه في بعض بؤر التوتّر في أفريقيا الوسطى، واصلت المنظّمات غير الحكوميَّة لعب دورها الإنساني في الميدان جيداً بعد أن تراجع الدبلوماسيّين الدوليين بسبب اليأس، إن لم يكن أيضاً خوفا على حياتهم. وهذا يدل على أن الدبلوماسيَّة متعدِّدة المسارات، والعمليَّة التي هي خليط من مؤسّسات الحكومة والهيئات غير الرسميَّة تعمل في نفس الوقت، ولكن ليس بالضرورة معاً، للمساعدة في تسوية المنازعات، وتشجع على حلّ المشكلات، ويمكن أن تؤدِّي أيضاً إلى إقامة حوار بناء في الطريق إلى بناء السلام. ففي مجال جمع المعلومات تواجه الدبلوماسيّين عادة منافسة قويَّة من الصحفيّين وتتفاقم اليوم بسبب تأثير الإنترنت، والبريد الإلكتروني، وتقنية البثّ الفضائي. وفي إدارة النظم الدوليَّة؛ مثل حماية البيئة، وحقوق الإنسان، والنقل، وهلم جرا، فإن خبرات المتخصِّصين خارج مهنة الدبلوماسيَّة هي اليوم مطلوبة بدرجة قد تصل إلى ما جرت عليه العادة في المجال العسكري.

هناك سؤال واحد ثابت يطرأ دائماً؛ هل هناك أي مهارة معينة يتميَّز بها الدبلوماسي عن غيره من المهنيين؟ فمن الواضح أن هناك دور محدد للدبلوماسيّين، ولأولئك الذين يعملون في حقل الدبلوماسيَّة، يصعب عليهم تحديده وجعل الآخرين يفهمونه بالوضوح المطلوب. إذ يجب أن يكون للدبلوماسيين أساساً دور عام في تنسيق السياسة ووضعها في السياق الداخلي والدولي السليم. على سبيل المثال، في مجال الدبلوماسيَّة البيئيَّة، حيث المعرفة المتخصِّصة هي الغالبة، فالدبلوماسي لديه وظيفة هامة لتوجيه المختصّين في مجال واحد بعدم الدخول في الالتزامات التي يمكن أن يكون لها آثار سياسيَّة، أو اقتصاديَّة، غير مقصودة. وفي مجال جمع المعلومات، يستخدم الدبلوماسيّون مهاراتهم لوضع المعلومات في سياقها الصحيح، وتحديد الاتِّجاهات والإشارات بطريقة ليست كذلك، وكثير من الأحيان لا يمكن أن تكون كذلك، والاستعاضة عنها بالصحافة التقليديَّة، أو تكنولوجيا الإنترنت.

ونحن ندخل القرن الجديد، نعتقد أن الدبلوماسيّين بحاجة إلى تطوير أكثر كثافة لبعض من تلك المهارات التقليديَّة التي جعلت الدبلوماسيَّة تبدو على ما هي عليه حتى الآن، مع ضرورة تعلّم مهارات جديدة، وخاصَّة في مجال استخدام تكنولوجيا المعلومات. فالحاجة للدبلوماسيين لا تزال كبيرة للمساعدة لحياكة نسيج التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي الإقليمي والعالمي. وعندما يكتمل إنشاء هذا النسيج، فإن الأمر الأكثر أهميَّة هو الحفاظ عليه والعمل على مواصلة تطويره. وتزداد أهميَّة وجود الدبلوماسيّين لأن الحاجة لا تزال ماسة لخبراتهم الفنيَّة، إذ من الضروري تحديد الاحتياجات والإمكانيات والشخصيات والمؤسَّسات في البلدان الأخرى التي يمكن استخدامها لتعزيز التعاون. وللقيام بذلك، يجب أن يعرفوا بلدانهم أولاً، وبشكل عميق للغاية. وهذا هو المبدأ الأساسي والمهم، الذي لا يمكن أبداً أن ينسى حتى عندما يصبح العالم قرية واحدة. وبدون فهم الدبلوماسي لتاريخ بلاده، ونظامها السياسي، وعادات شعبه وتقاليده، والمواقف العامَّة للدولة والمجتمع، لا يمكنه بدء إجراء الاتصال والتعاون مع الكيانات الأخرى.

ومن بين الصفات المعترف بها للدبلوماسي التقليدي هي السلطة التقديريَّة واللباقة. قال أحدهم ذات مرة إنَّ الدبلوماسي يجب أن يفكر دائماً مرتين قبل أن يقول أي شيء. إن هذه الصفات من الصعب الحفاظ عليها في عالم حيث التعرّض لوسائل الإعلام قد تتجاوز مهنة الدبلوماسيَّة. ولكن على مرّ التاريخ، أظهر دبلوماسيّون مشهورون؛ بدءاً من تاليران إلى كيسنجر أن السلطة التقديريَّة المهنيَّة واللباقة يمكن أن تتجلَّى، ربما حتى ولو بشكل مموه، تحت مسمّيات مختلفة، بعضها ملونة جداً بالكثير من الدعابة. هارولد نيكلسون يتحدَّث عن انفصال الدبلوماسيّين. وقال إنه، ومع ذلك، لا يعني أن الدبلوماسيّين يجب أن ينفصلوا عن الحياة بشكل عام.

وعلى الرغم من الوصف المازح عن الدبلوماسيّين، الذي نسب إلى السير هنري وتون، وهو دبلوماسي إنجليزي في أواخر القرن السادس عشر، أن “السفير هو رجل صادق أرسل للكذب في الخارج من أجل مصلحة بلاده،” الحقيقة الأساسيَّة هي أن الصدق كان وسيظلّ واحداً من أهم صفات الدبلوماسي. إذ إنه في إدارة الدبلوماسيَّة تُمثِّل سمعة الدبلوماسي كشخص موثوق به أمراً بالغ الأهميَّة. وبالتالي، فإن المهارة الأكثر أهميَّة بالنسبة للدبلوماسي هي في الواقع كيفيَّة قول الحقيقة، وليس كيف يكذب، حتى بالنسبة لبلاده. وكانت هذه هي المسؤوليَّة الأساسيَّة، ولا تزال، وينبغي أن تظلّ في المستقبل كواحدة من المبادئ الأساسيَّة للدبلوماسيَّة.

ويحسن التذكير بما نعتقد أنه أفضل وصف لهذا الجانب من الدبلوماسيَّة، التي قدّمها السفير الفرنسي السابق في واشنطن، هيرفيه ألفاند. وقال إنَّ الدبلوماسي هو الشخص الذي يستطيع أن يقول الحقيقة إلى أي شخص في الحكومة التي هو معتمد لديها من دون الإساءة إليه، وإلى أي شخص في حكومته يمكن أن يكون في خطر الإساءة له.[32] وأبعد من ذلك، هناك شعور أن أفضل نصيحة يمكن للمرء أن يعطيها لأي دبلوماسي في الحاضر، أو ​​المستقبل، هي من “كتاب الأمثال”، الذي يحذِّر من أن الرسول السيّء يقع في الشر!، ولكن المبعوث المؤمن يجلب الشفاء. فالشفاء هو بالضبط ما يحتاجه العالم الحديث. هذه هي المهمَّة التي تنتظر الدبلوماسيَّة الحديثة والمستقبليَّة.

الطريق إلى الأمام:

من المسلَّمات اليقينيَّة في عالم الدبلوماسيَّة أن وزارة الشؤون الخارجيَّة هي المكان التقليدي المعروف جداً، الذي يحلِّل الدبلوماسيّون فيه التحدّيات الدوليَّة ويحاولون إيجاد الإجابات عليها في دوائر مغلقة، وستظل كذلك في المستقبل. ولكن، إذا أعدنا التفكير في هذه المسلّمة مرَّة أخرى، وأمعنَّا النظر، وفقاً لما يجري من تطوّرات وتغيّرات في السياسة الدوليَّة الآن، سنجد أن مستقبل الدبلوماسيَّة ذاتها قد يبدو أشبه بمساحة العمل المشترك، التي يتمّ فيها تنظيم أشكال العصف الذهني بأنساق تشاركيَّة تفاعليَّة أكثر مما كان للاستفادة من المعارف والأفكار، والتي تختزنها العقول المبدعة للمفكِّرين العارفين من جميع مناحي الحياة، الذين يمكنهم إدارة التعقيد وإحكام الترابط بين القضايا في عالم متعدِّد الأقطاب. وهذا لا يعني أن صناعة السياسة الخارجيَّة في الماضي كانت عملاً بسيطاً، ولا هي الآن كذلك، بل ظلَّت على الدوام مهنة تتطلَّب مهنيَّة وحرفيَّة عالية، وتستخدم معارف كثيرة ومعقَّدة في أداء وظائفها المختلفة. فالدول لديها مصالح؛ كانت وستظل، وهذه المصالح تكون، في أكثر الأحيان، متضاربة تحتاج لحذق وبراعة دبلوماسيَّة عارفة عالمة لاستمرارها كمصالح، وعدم تَحَوُّلها لموضوع صراع. والدبلوماسيَّة بما أنها فن وحرفة، فإنها تأخذ الخبرة والمعرفة اليوم في الحسبان، مثلما كانت عليه الحال من قبل ألف سنة. ولكن في هذه الأيام، أصبحت السياسة الدوليَّة معقَّدة جداً، وبالتالي، مربكة في بعض الأحيان للدبلوماسي التقليدي، الذي لم يجدِّد معارفه ومهاراته بما يتلاءم مع مستجدات العصر وتقنيات التواصل.

بيد أن الأمر لا يتوقَّف فقط عند كونها موضوعات جديدة ومربكة، والتقنية المستخدمة فيها عالية، لكنها آخذة في الظهور والتَجَدُّد أيضاً بسرعة كبيرة. ولم يعد مستبعداً أن تتحكَّم إدارة الإنترنت في وضع سوابق حاسمة للطريقة، التي نتحكَّم فيها بالاتِّصالات في المستقبل. وقد أعطى لنا تفشِّي ظاهرة الإرهاب في العالم مثال آخر لهذا النوع من التحدّيات القاتلة، والتي علينا معالجتها بوسائل تتلاءم مع طبيعتها، في حين يأتي تغيُّر المناخ بكوارث مفاجئة ومدمِّرة تتطلَّب اتِّخاذ إجراءات متطوَّرة ومشتركة على المدى الطويل. وبعض اللاعبين الرئيسيين في هذه الأزمات هم غير تقليديين، ولم يعد هذا المجال يقتصر على الدول القوميَّة. إذ تلعب المؤسَّسات العالميَّة دوراً حاسماً في التنمية، بينما تستقطب منظَّمة مثل “داعش” مقاتلين من جميع أنحاء العالم ليسبّبوا الفوضى في الشرق الأوسط، في حين تشارك قوات أمميَّة في مهمّات معلومة، وبعضها مبهمة، في دول كثيرة وأزمات مختلفة حول العالم.

والمهم جداً في تقديرنا، أنَّ الاتِّصالات، التي تُمثِّل حجر الزاوية في الدبلوماسيَّة، قد تغيَّرت بشكل جذري عن طريق وسائل الإعلام الإلكترونيَّة ووسائط التواصل الاجتماعي، من خلال الهواتف الذكيَّة، ومن خلال شبكة الإنترنت. إذ لم يحدث قط في تاريخ البشريَّة أن كان لدى الجمهور الكثير من الفرص ليبقى على اطلاع على السياسة الخارجيَّة – ولم يحدث من قبل أنهم توقَّعوا أن يكونوا على علم أكثر دقَّة وأكثر آنيَّة، أي في الوقت المناسب، مما هو حادث اليوم. وليس من المبالغة أن نقول: في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، إنَّ الشؤون الخارجيَّة لا تنقصها التحدّيات. فهي تدخل عهداً جديداً يتطلَّب بعض المؤهّلات الجديدة، أو ترقية مستوى الأداء القديم. وللتأكّد على ذلك، يقول السيد نيكولا فورستر، مؤسس قلوبال شاربر ومدير معهد فوراوس للسياسة الخارجيَّة في سويسرا، ليس هناك دواء لجميع التحدّيات الراهنة في الشؤون الخارجيَّة.[33] ولكن هناك بعض العوامل الرئيسيَّة، التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تصميم السياسات المستقبليَّة على المستوى الدولي، وهي:

  • التفكير خارج الصندوق. إذ إن السياسة الخارجيَّة ربما هي الأكثر شهرة نتيجة لتشكيلتها الواسعة من الاستراتيجيّات والمذاهب. وهذه الحقيقة قد تقود البعض إلى تبنِّي فكرة أن هناك وصفة سياسة خارجيَّة لكل تحدّي خارجي. ولكن العكس هو الصحيح: لا يكاد يكون هناك تخصّص آخر أكثر تشعّباً، وتكون الظروف فيه ديناميكيَّة ومتغيّرة باستمرار، كما هو الحال في السياسة الخارجيَّة. وبالتالي، لا يكاد يوجد حقل يحتاج للإبداع، واحتضان الابتكار، أكثر من الدبلوماسيَّة. واليوم، ينطبق هذا الزعم على مجمل السياسة الخارجيَّة أكثر من أي وقت مضى.
  • المعرفة الخبيرة. فقد كان الدبلوماسيّون دائماً عموميّون، لهم من العلم ما يجعلهم يعرفون عن كل حقل، أو موضع قد يواجهونه، أجزاء يسيرة، من الطاقة النوويَّة إلى صناعة العطور. ولكن، من أجل أن تكون خلاقاً، ينبغي أن تذهب في اكتساب المعرفة الإنسانيَّة الآن أعمق من أي وقت مضى.
  • مزج التخصّصات. إن حلّ مشاكل العالم لا يتطلب فقط الفهم العميق لقضايا محدَّدة، ولكن يعتمد أيضاً على استيعاب الترابط بين مختلف المواضيع. ومن أجل العثور على إجابات مقنعة، تحتاج السياسة الخارجيَّة اليوم للبحث عنها ليس فقط في مجالات السياسة، وإنما في العلوم وفي مجال الأعمال التجاريَّة، وأيضاً في الفنون والحركات الاجتماعيَّة والصناعات الإبداعيَّة المختلفة.
  • سرعة اللحاق. فالشمس لا تغرب في الشؤون الدوليَّة؛ يمكن أن تطفو القضايا على السطح في كل وقت من النهار، أو الليل، وأن تتطوَّر بسرعة متزايدة. لذا، فإن الأيام التي كان لدينا فيها الوقت الواسع والأشهر الطويلة للتخطيط للمؤتمرات، أو الاجتماعات المستقبليَّة، قد ولَّت إلى غير رجعة.
  • تكوين الجماعات. فقد تمّ فتح طرق جديدة للاستفادة من الجماعات الإبداعيَّة؛ الواسعة ومتعدّدة التخصّصات من الخبراء، ضمن إطار زمني قصير للغاية، وبالقدر الذي تُتِيحه وسائل الإعلام الاجتماعيَّة. ومن خلال خلق هذه الجماعات، يُصبح لدينا قوة عالميَّة على أهبة الاستعداد لمناصرة قضايانا. والسؤال الوحيد هو: من الذي يحصل على ألمع العقول؟
  • منفتحاً ومتاحاً. لقد وضع تشارك الاقتصاد، أو تقاسم المصالح، أسساً للسياسة الخارجيَّة، وخلق أفضل السبل التي لم يعد من الممكن القيام بأي عمل دبلوماسي في دوائر مغلقة. إذ أصبح بمقدور الشبكات الديناميكيَّة والمتاحة والقابلة للاختراق من قِبَل الناس المتشابهين في التفكير هي فقط القادرة على ممارسة تأثير على نطاق عالمي.
  • القدرة على البلاغ. فقد تكون هناك لحظات لا تزال مناسبة لإيصال الرسالة، وحتى عندما تكون المفاوضات جارية خلف الأبواب المغلقة، ولكن من حيث المبدأ، يجب أن تبقى هذه الأبواب مفتوحة. هذه هي الطريقة الوحيدة لخلق الثقة في الجماعات، التي يجب أن تكون على بينة من حقيقة أن عهد الخصوصيَّة قد انتهى.

وللتمثيل على حالة غرفة العمليّات المفتوحة، يمكن القول إنّه أثناء الأزمات في السياسة الخارجيَّة، كان على كبار المسؤولين في الإدارة الحكوميَّة أن يكونوا مجتمعين في غرفة العمليّات حيث يتمّ جمع كل المعلومات المتاحة وتوفيرها لهم، وتتمّ مزامنة التسلسل القيادي حتى تُتَّخذ القرارات، وهذا الأمر ما يزال معمولاً به في بلادنا، ولكن سرعة التطوّر في وسائط التواصل الاجتماعي قد تجعل استمرار الحفاظ على السرّيَّة فيه صعباً، إن لم يكن مستحيلاً.

إن عدداً من وزارات الخارجيَّة تأخذ بهذا النموذج الآن، ولكنها في حاجة ماسَّة لتحديثه باستمرار ليتواءم مع تطوّرات القرن الواحد والعشرين.[34] ففي كثير من الحالات حول العالم الآن لم نعد نجد حول الطاولة كبار المسؤولين فقط، وإنما أيضاً رجال الأعمال الشباب، والأطبّاء، والمصمّمين والفنانين والناشطين الاجتماعيّين، الذين يعملون جميعاً من أجل تقديم مجموعة من السيناريوهات والتوصيات إلى صنّاع القرار؛ تستجيب لتحدّيات السياسة الخارجيَّة الحقيقيَّة، وفي تجاهل تامّ للهرميَّة والحدود التقليديَّة للعمل الدبلوماسي.[35] وقد كانت النتائج مفاجئة لمن جرَّب هذا النهج، مثل وزارة الخارجيَّة الألمانيَّة، إذ إنها أصبحت تمثل إضافة قيمة لصنع السياسة الخارجيَّة التقليديَّة، لأنها قدمت وسيلة مفيدة لتصميم سياسة خارجيَّة أكثر شمولاً، وبإمكانها مواجهة التحدّيات الدوليَّة اليوم. ونتيجة لذلك، تواصل وزارة الشؤون الخارجيَّة الألمانيَّة اتباع هذا النهج لاستصحاب القضايا الداخليَّة في جميع أنحاء البلاد. وربما تكون سويسرا، التي يصِّحُ بها التمثيل، لأن لديها تاريخ طويل وناجح في مشاركة المجتمع المدني الديمقراطيَّة في صنع السياسات، إلا أنها ظلت تفتقر لسياسة خارجيَّة ذات إطار فكري ناظم حتى عام 2009 يُسهم في صنع السياسات الخارجيَّة، كما هو الحال في ألمانيا.

ورغم أهميَّة السياسات الداخليَّة في توجيه أهداف الدبلوماسيَّة الخارجيَّة، إلا أنه يسُود اعتقاد متنامٍ في الأوساط الأكاديميَّة أن هذه السياسات سوف تُصبح، مع مرور الوقت، ذات توجّهات دوليَّة أكثر مما عليه الحال الآن، مع تحدّيات خارجيَّة أكثر من أي وقت مضى، التي لا يمكن معالجتها من قبل دولة واحدة. وبينما نعتقد أن هناك حاجة للدبلوماسيَّة لتغيير نهجها بشكل جذري، ما زلنا نرى أن وزارات الشؤون الخارجيَّة هي في وضع ممتاز لاحتضان التطوّرات الراهنة، لأنها تملك شبكات من السفارات في جميع أنحاء العالم تحت تصرّفها، ولديها دبلوماسيّين كثر من ذوي الخبرة الطويلة الأمد في جميع المناطق ومجموعة متنوِّعة من المواضيع، ومحدَّد لهم سلفاً أن يلعبوا دوراً مركزياً في السياسة العالميَّة في المستقبل. ولكن حان الوقت الآن بالنسبة لهم لتغيير طريقة عملهم. فالسياسة الخارجيَّة يجب أن تُصبح أكثر إبداعاً، وأكثر شمولاً في تخصّصاتها، وأكثر انفتاحاً، وأكثر سُرعةً في التعاطي الفوري مع المستجدّات. وإذا استطاعت أن تكون ناجحة في التكيُّف مع الحقائق العالميَّة الجديدة والمعقَّدة، فإنها وبعد ذلك فقط، سوف تظلّ لاعباً رئيسيّاً في المسرح الدولي.

مستقبل الدبلوماسيَّة:

إنَّ تناول مستقبل الدبلوماسيَّة بالبحث هو أمر موضوعي مهمّ بقدر ما هو صعب وبالغ الدقَّة والخطورة، ويمثِّل التكهن فيه تحدّياً فكريّاً على قدرٍ عالٍ من المخاطرة. إذ نحن نعيش الآن في فترة من التحوّل السريع في العلاقات الدوليَّة، والتطوّرات المذهلة والإنجازات المبدعة، التي تحقَّقت في مجال تكنولوجيا الاتصالات ووسائط التواصل الاجتماعي، لم تكن مُدْرَكَة، أو مُتوقَّعة، إلى عهد قريب. وإلى جانب ذلك، تطوّرت مفاهيم وتعريفات جديدة على مدى سنوات حول ما نعنيه وما نفهمه عندما نُشير إلى التهديدات التي تواجه تحقيق السلام، وعندما نتحدَّث عن الضمانات المطلوبة لترسيخ الأمن في عالم يتعولم بسرعة فائقة، وتزداد وتائر اضطرابه، وتتكاثر حركات الفاعلين فيها من جماعات العنف والإرهاب.

ونقطة الارتكاز الأساسيَّة في حديثنا هذا أنه، في الماضي، كانت الدبلوماسيَّة مهنة مرموقة، ولكنها تميّزت بالسريَّة، وأجريت عادة، وإن لم يكن دائماً، في جو التكتّم بعيداً عن أعين الجمهور. أما في الوقت الحاضر فقد أصبح الدبلوماسيّون أنفسهم أهدافاً لوسائل الإعلام والرأي العام الدولي، وليس كاستثناءات، كما كان عليه الحال في السابق، على سبيل المثال، مع شخصيَّة مشهورة مثل هنري كيسنجر، ولكن على أساس روتيني أكثر. فالتغطية الإعلاميَّة في CNN، ويورونيوز، وروسيا اليوم، والجزيرة، والعربيَّة، والوسائل الإعلام العربيَّة والعالميَّة الأخرى، تستضيف بشكل راتب شخصيات دبلوماسيَّة مرموقة؛ من دول ومنظّمات إقليميَّة وعالميَّة، وتغطّي محادثات ولقاءات دبلوماسيَّة، تعادل في بعض الأحيان التغطية المحفوظة تقليديّاً لأنشطة القادة السياسيّين، أو للشخصيّات المعروفة في عالم الفن أو الرياضة. فقد أصبحت الدبلوماسيَّة والدبلوماسيّون جزءاً من الحياة اليوميَّة، ليس فقط بالنسبة للأشخاص، الذين يشاركون في مهام وفعل العلاقات الدوليَّة، ولكن أيضاً من الجمهور العام. ويُشَاهَد الدبلوماسيّون، ليس فقط في قاعات المؤتمرات، ولكن أيضاً في الميدان، يُمارسون ما أسماه أحد الدبلوماسيّين الكينيين “دبلوماسيَّة الحزاء اللاصق gumboot diplomacy”.[36]

في مثل هذه الحالة يمكن لأحد أن يتوقَّع تقديراً عالميّاً أكبر للدبلوماسيّين، ولدور الدبلوماسيَّة، في حلّ مشاكل العالم الحديث. ومن المفارقات، أن هذا ليس بالضرورة هو الحال المعاش الآن، إذ هناك جانب آخر للعملة يتمثَّل في التعرّض المفرط لوسائل الإعلام، حتى صارت الدبلوماسيَّة باستمرار تحت الإشراف المباشر والانتقادات اللاذعة من قبل الجمهور. وبالنظر في التطوّرات الدوليَّة بعين الاستهجان، توصَّل البعض إلى استنتاج مفاده أن الدبلوماسيَّة هي في كثير من الأحيان غير مجديَّة، أو غير ضروريَّة.

إذا اتَّفقنا مع الرأي القائل إن الدبلوماسيَّة تواجه اليوم العديد من التحدّيات، فهل هذه ظاهرة جديدة تماماً؟ وهل سيؤثِّر هذا الزعم في الدبلوماسيَّة وقد تمّ الطعن فيها في الماضي؟ ولأن هذه أسئلة تتكرَّر كثيراً فلن نتجشَّم عناء الإجابة عليها الآن، إذ يكون نمط هذه الإجابة في كل حقبة تقديراً على نوع التحدّيات، التي يجابهها العالم. فقد استشهد الكاتب الكندي الدكتور جوردون سميث مؤخّراً بالتحدّيات التالية للدبلوماسيَّة: أولاً، تنامي “مجتمع المصالح” بين الأمم؛ ثانياً، التأثير الكبير من الرأي العام على الدبلوماسيَّة. ثالثاً، ثورة الاتّصالات. للوهلة الأولى، تبدو هذه التحدّيات مألوفة ومعاصرة، إلا أنه في الواقع قد أُخِذَتْ بالنص من المقال الذي نشر لأول مرة في عام 1910. وكما نرى، فإن الدبلوماسيَّة قد نجت، على الرغم من كل هذه التحدّيات، وتكيّفت باستمرار مع التغيّرات في بيئتها. فبدلاً من الآلات الكاتبة صارت لدينا أجهزة الكمبيوتر، وبدلاً من الكابل أصبحت لدينا الاتِّصالات الرقميَّة. وتكمل الدبلوماسيَّة متعدِّدة الأطراف اليوم، وفي بعض الحالات، تتجاوز الدبلوماسيَّة الثنائيَّة التقليديَّة.

ويُشير الدكتور جورج ف فيلا إلى أنه إذا كان أصل الدبلوماسيَّة يمكن أن يرجع إلى اللحظة عندما أدرك أسلافنا أنه من الأفضل أن نسمع الرسالة بدلاً من أكل الرسول، فإنه يمكن أن نظن بأمان أن مستقبل الدبلوماسيَّة مؤكَّد ما دامت الإنسانيَّة موجودة، سوف تبقى الدبلوماسيَّة على قيد الحياة.[37] مما لا شكّ فيه أنها ستُمَارَس بشكل مختلف؛ فالتغييرات تجري الآن بالفعل. وقد تطوَّرت مفاهيم جديدة، وسوف تستمرّ في التطوّر. نحن نتكلَّم اليوم عن الدبلوماسيَّة الاقتصاديَّة، والدبلوماسيَّة البيئيَّة، والدبلوماسيَّة الوقائيَّة، والدبلوماسيَّة متعدِّد المسارات. ويثري اختراع المزيد من العبارات الجديدة باستمرار مفردات هذه المهنة، التي تعكس اتِّجاهات جديدة في الفكر السياسي وفي الأساليب والأدوات التي تستخدمها الدول في سعيها الدائم من أجل الاستقرار والسلام في جميع أنحاء العالم.

والمعطى الأساس بأيدينا، في هذه الفاصلة التاريخيَّة، هو أنه لم يحدث من قبل أن تطوَّرت الدبلوماسيَّة بوتيرة سريعة كما يحدث الآن. فقد تمَّ تحويلها إلى عمليَّة تشاركيَّة عالميَّة من خلال أدوات الإعلام الجديدة والجماهير، التي حصلت على سلطة المتابعة والمحاسبة حديثاً، عبر هذه الأدوات. فيما اتّخذت “الدبلوماسيَّة العامَّة” مركز الصدارة؛ في وقت يكافح فيه الدبلوماسيّون للوصول والتأثير على الجماهير، والذين هم أكثر اطلاعاً وأكثر حزماً وعزماً من أي وقت مضي. وفي تحليل ثاقب حول هذا الموضوع، يستكشف الدكتور فيليب سيب، أحد كبار الخبراء في العالم في وسائل الإعلام والسياسة الخارجيَّة، مستقبل الدبلوماسيَّة في عالمنا، الذي يتَّسم بترابط كثيف، وبَيَّنَ كيف أن التركيز على الممارسة الدبلوماسيَّة قد تحوَّل بعيداً عن الأبواب المغلقة، رغم أن الشيطان يسكن الغرف المقفلة مثلما يتخفَّى بين التفاصيل، وابتعد عن أساليب مفاوضات الماضي، التي كانت تجري دائماً على مستوى عال، ويكون رد الفعل فيها بطيئاً في غالب الأحيان.[38] بينما نجد أن الدبلوماسيّين اليوم ملزمون بالردّ الفوري على آخر أزمة تُغذّيها قصَّة بُثَّت في فيديو يوتيوب، أو خبر عاجل نُشِر في الفيسبوك، أو تويتر، أو غيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أدَّى ذلك إلى نهج أكثر انفتاحاً وتفاعلاً في حلِّ المشكلات العالميَّة، التي لها عواقب يصعب التنبّؤ بها. واستناداً إلى أمثلة من المفاوضات النوويَّة الإيرانيَّة إلى الأزمة الإنسانيَّة في سوريا، يحاجج سيب باقتناع لصالح هذه الدبلوماسيَّة الجديدة، التي تواجه الجمهور بطرق متعدِّدة ومرنة، والتي تجعل الاستخدام الاستراتيجي لوسائط الإعلام الجديدة، والعمليّات الدبلوماسيَّة التقليديَّة، لإدارة العلاقات تزداد تعقيداً بين الدول، والأطراف السياسيَّة الجديدة الفاعلة من غير الدول، في القرن الواحد والعشرين.

إن طفرة القدرات الرقميَّة، التي تطوَّرت في العقود الثلاثة الماضية بشكل مذهل، ذات أهميَّة حاسمة تُمكِّن من الاستفادة من القوَّة الناعمة والصلبة، التي تملكها الدول. وتُساعد القدرة التواصليَّة الهائلة للمنصَّات الإلكترونيَّة من ربط أركان الأرض بشبكات فاعلة، وتجعل منها أدوات قيّمة للوصول إلى جمهور عالمي في الاتِّصالات السياسيَّة، وتبليغ السياسات. ويميل الناس، على نحو متزايد، إلى استخدام قنوات الإنترنت كمصادر رئيسيَّة للمعلومات واكتساب المعرفة حول مختلف المواضيع. وهكذا، فإنَّ هذه القنوات هي التي تؤثِّر على نحو متزايد على التصوّرات العامَّة، وتُشكِّل وجهات النظر، وتوجّه سلوكيَّات الناس في جميع أنحاء العالم. ويمكن للحكومات، والمؤسَّسات التابعة لها، استخدام المنصّات الإلكترونيَّة، ليس فقط للوصول إلى الجماهير عن العروض الثقافيَّة والتجاريَّة، ولكن أيضاً للكشف عن التهديدات الأمنيَّة، وتهيّئ القدرات الرقميَّة الدول لحماية الموارد الاقتصاديَّة والعسكريَّة ضدّ هجمات قراصنة الكمبيوتر. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه القدرات تُنَشِّط الدبلوماسيَّة التقليديَّة بين المسؤولين في الدولة، كما أنها تسمح للاستخدام الفعّال للوقت خلال الاجتماعات والاتّصالات مع نظرائهم وزملائهم في البلدان المختلفة، دون الحاجة إلى السفر جسديّاً. وبجانب المسؤولين، ستتمكَّن المزيد من البلدان، تدريجيّاً، من الاستفادة من الفضاء الإلكتروني، وستبذل جهداً إضافيّاً لتخصيص المزيد من الموارد للدبلوماسيَّة الرقميَّة، لتغتنم الفرص التي تُتيحها، بدلاً من أن تردعها مخاطرها المحتملة. فالمرحلة الانتقاليَّة بين القديم والجديد تستحثّ الجميع للإسراع بترسيخ القناعات بأن الفرص، التي تُتيحها التقنيَّة الرقميَّة أكبر بكثير من التحدّيات. ولكن الدبلوماسيّين والخدمات الدبلوماسيَّة يخضعون لضغوط ماليَّة متزايدة نتيجة لضغف الميزانيّات، والمخاطر التي راكمتها الأحداث الماضية، وعالم يموج بالتحدّيات الجديدة، ويتميز بقدرات تكنولوجيَّة جديدة. إذن كيف يمكن للخدمات الدبلوماسيَّة تحديد الهياكل وتجديدها، واكتساب مجموعات من المهارات وقواعد المعرفة المستحدثة، التي سوف تحتاج إليها في العشرين عاماً المقبلة، وكيف يمكن أن تُبدع وتبتكر؟ وما هو دور الجهات الدبلوماسيَّة الجديدة في تطوير نماذج جديدة؟[39]

إنَّ البيئة الدوليَّة، التي تُشكّلها التكنولوجيات الجديدة، تتغيّر بسرعة كبيرة، وتعمل آليّاتها على تعزيز مشاركة الجهات الفاعلة الحكوميَّة وغير الحكوميَّة. وفي نفس الوقت، أدَّى الانخفاض النسبي لهيمنة دولة عظمى مثل الولايات المتّحدة إلى عدم الاستقرار وازدياد وتيرة الصراع في العالم، الذي قاد بدوره إلى ظهور الأجندات الجيوسياسيَّة القديمة. غير أننا ندخل عصراً سمته الأساسيَّة ما يُرف الآن بـ”أصحاب المصالح الدبلوماسيَّة”، أي الاعتراف بأن الدبلوماسيَّة هي عمليَّة يتشارك فيها العديد من أصحاب المصلحة، وتنطوي هياكلها على مجموعة متنوّعة من الجهات الفاعلة، إلى جانب الدولة. وعلى الرغم من أنه في أجزاء كثيرة من العالم، تُعتبر هذه الجهات جزءاً من نظام الدولة، إلا أن المزيد من أصحاب المصلحة يتصرّفون تدريجيّاً بشكل مستقلّ عن الدولة. وهذه الجهات، بما في ذلك المنظّمات غير الحكوميَّة، والمؤسّسات الخاصّة، والأكاديميين، والجمعيات الخيريَّة، ووسائل الإعلام، غالباً ما تشارك بشكل مستقلّ مع نظرائها المحليّين، وكذلك مع أصحاب المصلحة العالميَّة الأخرى، الذين يمكن أن يلعبوا دوراً كبيراً في تشكيل العلاقات الخارجيَّة للأمّة. وفي البلدان التي تقع فيها هذه الجهات تحت مظلّة نظام الدولة، فإن إطار العمل يكون محدّداً مسبقاً، وإمكانيَّة اتّخاذ المبادرات تظلّ محدودة جداً. ومع ذلك، يمكن للوكلاء المستقلّين تعريف علّة وجودهم الخاصَّة بهم، وتحديد البلدان والجهات الفاعلة، وتعيين سبل المشاركة معهم، لخلق فرص إضافيَّة لبلدانهم. إذ إنّ الاستقلال يطلق طاقة ريادة الأعمال لدى أصحاب المصلحة في المشاركة العالميَّة ويحفّز البلدان على زيادة الفرص.[40]

لقد مَثَّلَ التقدّم التكنولوجي بالفعل كسراً للحواجز التواصليَّة واللغويَّة بين الشعوب والأمم، حتى كدنا أن نُصبِح جميعاً مواطنين عالميين، فيما يصفه يورغ هلسمان بـ”يوتوبيا الجغرافيا السياسيَّة”، التي تنكشف فيها الدبلوماسيَّة إلى المزيد من الشفافيَّة، بسبب الثقافة الرقميَّة. وبتنا على يقين أنّ الدبلوماسيَّة التي تجري وراء أبواب مغلقة سوف تتوقَّف غداً، وربما نصير جميعاً سفراء. رغم أنه لا يزال لدينا سفراء في القرن الحادي والعشرين. وطقوس انخراط الدبلوماسي في غرف مزيّنة بالأعلام الوطنيَّة، للحديث أو التفاوض، ستستمرّ كما كانت لقرون. وتبقى الدبلوماسيَّة المكشوفة ليست أكثر من محادثة بين القادة، وتبدو مراسميَّة للغايَّة. وتظل العلاقات بين الأفراد كما هي دائماً، باعتبارها مسألة ضروريَّة، وحاجة إنسانيَّة. إذ إن الناس يفضّلون الجلوس والتحدّث مباشرة عندما تكون القرارات، التي سوف يتّخذونها، ستؤثِّر على حياتهم، وتتطلَّب متابعة لاحقة. وقد كان هذا صحيحاً عندما كانت الدول القوميَّة تقوم بإرسال دبلوماسيين لرؤيَّة جيرانهم، وسوف تبقى الوظيفة هي نفسها. إلا أن الممارسة الدبلوماسيَّة طويلة الأمد، التي تلتزم بفكرة الاعتصام والجلوس بين اجتماعات زعماء العالم، والتي ما كانت تحدث في فراغ، ستستمر. إلأ أن السياق الذي يُحدِّد القوى الاجتماعيَّة والسياسيَّة، التي تُنظِّم هذه الاجتماعات من شأنه أن يتغيَّر بشكل كبير في العقود المقبلة. وهذه التغييرات سوف تكون مدفوعة بتطوّر تكنولوجيا المعلومات والاتِّصالات.

قرن الأبواب المفتوحة:

لقد صارت حواجز الزمان والمكان، التي تحول دون التفاعل بين أعداد كبيرة من الناس، بالفعل، أقل أهميَّة مما كانت عليه في الماضي، ولم تعد الدبلوماسيَّة تقتصر على المسؤولين الحكوميّين، كما كانت عليه الحال طوال عهود خلت. ففي القرن العشرين، استُكْمِلَت الدبلوماسيَّة الرسميَّة، التي كانت تجري الاتّصالات فيها بين الحكومات، بالدبلوماسيَّة الشعبيَّة، والتي توجّهت من الحكومات إلى الناس من خلال البثّ الدولي لوسائل الإعلام العابرة للحدود. أما في القرن الحادي والعشرين، فنحن نرى بداية الدبلوماسيَّة الشعبيَّة، التي تتوجَّه من الناس إلى الحكومات، باعتبار أن الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي المنظّمة قد سمحت للمواطنين بالتحدّث إلى هذه الحكومات مباشرة. وفي القرن الثاني والعشرين، ربما سنرى نُضج الدبلوماسيَّة الشبكيَّة من خلال مشاركة الناس للناس، الذين يمكن أن يتجاوزوا قادة الحكومات تماماً، إذا ما فشلت مؤسَّسات الدولة الخدميَّة في الاستجابة لاحتياجات المجتمعات المحليَّة. وستختار العديد من الدول فتح عمليَّة إدارتها إلى مزيد من الشفافيَّة وتوسيع مشاركة المواطنين. وستضطر التغيّرات الجديدة السلطات المختلفة لفتح الأبواب على مصراعيها؛ إن لم يكن طوعاً، فمن خلال التسريبات ومعلومات المخبرين. وهذا يعني أنه لن تكون هناك زوايا هادئة في العالم. وسوف يكون الربط الآني في كل مكان على نحو فعّال. وسوف يتمّ تصوير كل حدث ذي أهميَّة دوليَّة على الفيديو ونشره على الفور إلى شبكات المعلومات العالميَّة.

ونتيجة لذلك، فإنَّ إقبال المواطنين على المشاركة في استجابات الحكومات لهذه الأحداث سوف يستمر في النمو، وبلا تراجع. وستتحرك الدبلوماسيَّة بشكل أسرع تحت الضوء الساطع من التدقيق العام. وسيكون لذلك فضل في تسريع حل المشكلات السياسيَّة، وكذلك مسؤوليَّة حقن علل السياسة الضيقة بمعالجات جديدة في كل مشاركة دوليَّة تقريباً. وستضمن الأقليّات المنظّمة بشكل جيد تأثيراً كبيراً، من خلال آليّات الدبلوماسيَّة العامّة. كما أن تقنيات الترجمة سوف يكون لها دور أيضاً في تغيير معادلات العلاقات الدوليَّة، إذ سيتمّ ترجمة جميع المحتويات والخدمات على شبكات المعلومات العالميَّة على الفور إلى أي لغة مقروءة في العالم. وستلعب الزيادة الهائلة في الحصول على المعرفة وبين خطاب الثقافات المختلفة دوراً رئيسياً في سدّ الفجوات بين المجتمعات الدوليَّة. وسوف تسمح تقنيات الترجمة بتنظيم سلسة من الحركات الاجتماعيَّة عبر الوطنيَّة المتناظرة وستسهم في الدعوة السياسيَّة عبر الحدود. وسوف تتضاعف المنظّمات الدوليَّة، بسبب وجود الاتّصالات الفوريَّة، والمناقشات الرخيصة، التي يمكن إجراؤها وجهاً لوجه بين الناس المنتشرين في جميع أنحاء العالم. وسيصبح لجنيف، ونيويورك، وبروكسل، وفيينا، ونيروبي، وأديس أبابا، والقاهرة، وجدة، غيرها من المدن والعواصم التي تحتضن منظّمات إقليميَّة ودوليَّة، حيويَّة أكثر لوجود مجتمعات “الدبلوماسيَّة الافتراضيَّة”، بالإضافة إلى المزيج التقليدي من قاعات المؤتمرات وحفلات الكوكتيل والمناسبات المراسميَّة الموسميَّة.

إنَّ السماح لقوَّة شبكات المعلومات لزيادة المشاركة في الحياة السياسيَّة لن تكون بالتزكية، أو بغير معارضة ومقاومة. فالدول الوطنيَّة ستردّ بقسوة ضدّ تدخّل الغرباء في الشؤون السياسيَّة المحليَّة. وقد أصبحت الرقابة والمراقبة والمحاسبة القانونيَّة باستخدام الشبكات الرقميَّة ذاتها أموراً شائعة على نحو متزايد، وصارت الحكومات أكثر تطوراً حيث تسعى السلطة المركزيَّة لبسط سيطرتها على مجالها الإلكتروني الحيوي. وستحاول بعض البلدان قطع نفسها من الشبكات، التي تعتبرها تهديداً لها. كما أن قضايا المعايير، وإدارة شبكات المعلومات العالميَّة، ستصبح من قضايا السياسة الخارجيَّة البارزة، لأن هذه الشبكات ليست محايدة، وإنما ستمثّل الأموال الكبيرة والدول المتقدّمة، وهي عرضة للتقلّبات السياسيَّة.[41]

إنَّ الثورات في تقنيات النقل سوف تُحدِث أيضاً تغييراً عميقاً في أعمال الدبلوماسيَّة، لأنها ستصبح أرخص وأسهل للتحرّك في جميع أنحاء العالم. إنَّ الهجرة العالميَّة هي بالفعل واحدة من أكثر القوى التخريبيَّة، التي تؤثِّر بعمق في طبيعة العلاقات الدوليَّة، وهذا الاتّجاه سوف يستمر. وستدفع الحروب، وتغيّر المناخ، ونقص المياه، والتغيّر في وفرة الموارد الطبيعيَّة، المزيد من الناس إلى الحركة في العقود المقبلة. لكل هذا، فإن دور المؤسّسات الدبلوماسيَّة يجب أن يكون مركزياً لمواجهة هذه التغيّرات؛ عندما تُحدِّد الدول اختياراتها حول الهجرة والترحيل، ومراقبة الحدود. إنَّ العمل الفعلي في فن الحكم الدبلوماسي، هو إصدار التأشيرات للمسافرين الأجانب، وطرد غير الموثوق بهم، والاستجابة لاحتياجات المواطنين، الذين يعيشون في الخارج، غير أنه سيصبح أكثر صعوبة حيث يسعى عدد أكبر من الناس للتحرّك على نحو أكثر تواتراً. وعندها، لن يكون الابتكار، ولا الإدارة الساحرة للتكنولوجيا، كافياً لترويض البيروقراطيَّة، التي سوف تنمو لمعالجة هذه القضايا. ولكن، نسبة لجميع التغييرات التي سيجلبها القرن الجديد بالتأكيد، فإن الحقيقة الأساسيَّة حول السياسة الخارجيَّة سوف تظلّ ثابتة، أي أن القرارات التي تشكِّل مسار السياسة العالميَّة سيصنعها الناس. سواء كانوا قادة الدول، أو الصناعة، أو المجتمع المدني، أنهم سوف يستمرّون في الجلوس معاً، ويكسرون الخبز على المائدة في طاولة واحدة، ويتحدّثون عن كل أمر، وحول كل قضيَّة. إذن، ماذا سيكون الجديد في المستقبل؟ بالنسبة للدبلوماسيّين، الجديد هو أن العالم كله سوف يتحدَّث عنهم، لهم، ومعهم، ومن حولهم[42].


[1] Nicolson, Harold. Diplomacy. Oxford: Oxford University Press, 1977, p 1.

[2] أنظر نيكلسون، المصدر السابق، ص 4.

[3] Henry Kissinger, Diplomacy (A Touchstone Book). New York: Simon & Schuster, 1995, p 17.

[4] أنظر كيسنجر، المصدر السابق، ص 17.

[5] Maj Tang Mun Kwong,  “The Roles of Diplomacy and Deterrence in the 21 st Century.” Journal V27 N1 Jan-Mar (2001).

[6] José Calvet De Magalhães, The Pure Concept of Diplomacy, Greenwood Publishing Group, 1988, p 123.

[7] Christopher Seely, Diplomacy, 02 MARCH 2011 http://www.oxfordbibliographies.com/view/document/obo-9780199743292/obo-9780199743292-0012.xml

[8]  Simon Szykman and Manus Hand, Eliminating the Paradox in Diplomacy, http://www.diplom.org/Zine/F1999R/Debate/paradox.html

[9]Diplomacy – The U.S. Department of State at Work.” U.S. Department of State. Bureau of Public Affairs, June 2008. Web. 2 Sept. 2009. <http://www.state.gov/documents/organization/46839.pdf>.

[10] Satow, Ernest M. A guide to diplomatic practice. London: Longmans, 1932.

[11] Charles R. Beitz, The Philosophy of International Relations, https://www.rep.routledge.com/articles/international-relations-philosophy-of

[12] أنظر تقـريـر الأمين العـام عن أعمـال المنظمة – 1998، http://www.un.org/arabic/docs/sgrpt98/sg981.htm

[13] Berridge, G. R., Diplomatic Theory From Machievelli to Kissinger. New York: Palgrave, 2001, p 1.

[14] Ross, Carne, The Leaderless Revolution. Simon & Schuster, (2012).

[15] أنظر كارني روس، “ثورة بلا قائد – كيف سيتولى الناس العاديون السلطة ووتغيير السياسة في القرن الواحد والعشرين”، 2012، ص 139-140.

[16] أنظر المصدر السابق.

[17]  Geoff Mulgan, “Connexity“, Vintage Press, 1998.

[18] Mulgan, Geoff (2004). Connexity Revisited. Demos. 10/12/2015 fromhttp://www.demos.co.uk/files/File/networklogic04mulgan.pdf

[19] أنظر بيريدج، المصدر السابق.

[20] Morgenthau, Hans J. (1946). Diplomacy. The Yale Law Journal, Vol. 55, No. 5 (Aug., 1946)

[21] Eban, Abba Solomon. New Diplomacy International Affairs in the Modern Age. New York: Random House, 1983.

[22] http://www.ccds-berlin.de/index.php?en_ma_phcd

[23] Paul Sharp, Diplomatic Theory of International Relations, Cambridge Studies in International Relations, September 2009.

[24] أنظر شارب، المصدر السابق.

[25] Marc Grossman, A Diplomacy for the 21st Century: Back to the Future?, The Foreign Service Journal, September 2014, http://www.afsa.org/diplomacy-21st-century-back-future

[26] أنظر المصدر السابق.

[27] Pilger, John, The New Rulers of the World, Verso, (2002).

[28] Alan K. Henrikson, The Future of Diplomacy? Five Projective Visions, 96, The Hague, Clingendael Institute, January 2005, p 18. https://www.clingendael.nl/publication/future-diplomacy-five-projective-visions

[29] Berridge, G.R., Diplomacy: Theory and Practice. Basingstoke: Palgrave Macmillan, (2005), p 28.

[30] Adam, Watson,. Diplomacy the Dialogue Between States. New York: McGraw-Hill Book Co., 1983.

[31] Newsom, David D., Diplomacy Under a Foreign Flag – When Nations Break Relations, Washington DC: Institute for the Study of Diplomacy,1991.

[32] Opening address of the Honourable Dr. George F. Vella, Deputy Prime Minister and Minister of Foreign Affairs and the Environment of Malta, Source:  Modern Diplomacy. Ed by J. Kurbalija (1998), Author: George Vella, Year: 1998, http://www.diplomacy.edu/resources/general/modern-diplomacy-opening-address

[33] Nicola Forster is the founding curator of the Global Shapers Bern, president of the Swiss foreign policy think tank foraus and an innovation consultant. Maximilian Stern is a member of the Global Shapers Hub Zurich, a Mercator Fellow on International Affairs and a co-founder of foraus. https://www.weforum.org/agenda/2015/08/5-trends-for-the-future-of-diplomacy/

[34] Flores, A. Q., The Political Survival of Foreign Ministers’, Foreign Policy Analysis, 2009.

[35] Ipsos Mori Research / Poll (2015). Politicians Trusted Less than Estate Agents, Bankers and Journalists. 09.12.2015 fromhttps://goo.gl/Y4W6Me

[36] وردت هذه العبارة، المنسوبة لدبلوماسي كيني، في كلمة لسعادة الدكتور جورج ف فيلا، نائب رئيس الوزراء ووزير الشؤون الخارجيَّة والبيئة في مالطة، عام 1998، ومصدرها كتاب “الدبلوماسيَّة الحديثة”، لمؤلفه جيمس كوربالييه، الذي صدر في نفس العام 1998.

[37] أنظر المصدر السابق.

[38] Phillip Seib, The Future of Diplomacy, First Edition, Jul 2016, http://www.polity.co.uk/book.asp?ref=9781509507191

[39] The Future of Diplomacy: New Tools for a New Global Order, London – Bcm, 16th December, 2014, http://www.ecfr.eu/events/event/the_future_of_diplomacy_new_tools_for_a_new_global_order

[40] Younes Elghazi, Smart Diplomacy And The Future Of Diplomatic Undertaking, GEORGETOWN JOURNAL OF INTERNATIONAL AFFAIRS, NOVEMBER 6, 2015. http://journal.georgetown.edu/smart-diplomacy-and-the-future-of-diplomatic-undertaking/

[41] Jane Meyer, Dark Money: The Hidden History of the billionaires Behind the Rise of the Radical Right, Doubleday, (2015).

[42] The Future of Diplomacy, The European, 01.04.2013. http://www.theeuropean-magazine.com/ben-scott–3/6575-the-future-of-diplomacy

جديدنا