قرآنيُّون يعانقون المصحف في فضاءٍ ربّاني

image_pdf

تسعى بعض الهيئات التي يمكن أن نصفها بالربانية إلى تقريب الجيل المسلم من عقيدته عن طريق تنظيم مبادرات لتحفيظهم  كتاب الله  وجعله طريقا له وسبيلا، والسير كذلك على هدي الرعيل الأول الذي اجتهد به وعمل به لما به من فضل على حامله طبقا لقوله تعالى في  سورة العنكبوت الآية 49: ” بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ “، فضلًا عن الثواب الذي يناله حافظ القرآن.

كانت لنا زيارة للمخيم الشتوي “ربيّون” بولاية سطيف وذلك بدعوة من أحد الأئمة وهو الأستاذ بلال قاوة، حيث كان لقاء مع الطالبات اللاتي شاركن في هذا المخيم الشتوي، وكانت لهن انطباعات متقاربة حول هذه المبادرة، هي في الحقيقة  مبادرة قيمة تستحق الثناء عليها نظرا للجهود التي يبذلها القائمون عليها من أجل تقريب المسلم من كتاب الله وحرصه على تدبره والتعلق به وتعظيمه. 

فالقرآن يفجر في القلب فتوح العارفين وحتى يكون القرآن أحب شيء إلى قلوبهم، كانت لنا زيارة لإحدى الأكاديميات ” النهضة بالقرآن الكريم” لحضور مخيمها الشتوي لتحفيظ القرآن بعاصمة الهضاب العليا شرق الجزائر فإذا بنا نقف على فضاء ربّاني، حوريات تحوم فوق رؤوسهن حوريات  يرتلن القرآن ترتيلا  هو في الحقيقة مشهد إيماني لا يمكن وصفه أو التعبير عنه.

التعريف بمؤسَّسة النهضة للقرآن الكريم مكتب سطيف الجزائر

تأسَّست النهضة بالقرآن الكريم  وهي عبارة عن أكاديمية في سنة 2013 ولها مقر (فيلا) شيدت من مال المحسنين، وتم اعتمادها مؤخرا من طرف وزارة الداخلية والجماعات المحلية، وقد أحيت موسمها الشتوي في طبعته الحادية عشر  وذلك في الفترة بين 24 ديسمبر 2022  إلى غاية 02 جانفي 2023  وعرفت هذه الطبعة مشاركة قوية  بلغت ما يفوق عن 150 طالبا وطالبة منهم 85 أنثى من مختلف الأعمار والمستويات أغلبهن جامعيات، ومن باب تفادي الإختلاط  تم تقسيمهم إلى فريقين، الإناث في مخيم والرجال  في مخيم مستقل،  كما وضعت إدارة المخيم برنامجا  محكما من بداية الموسم إلى غاية اختتامه.

 بالنسبة لمخيم الإناث تقول مديرة المخيم وهي الأخت زمرّة غضبان تم تقسيم الطالبات إلى أفواج، حيث يبدأ الحفظ ابتداءً من صلاة الفجر إلى ما بعد صلاة المغرب وفي المساء تكون هناك نشاطات متنوعة لتعليم المشاركات أحكام التجويد مع تنظيم مسابقات في الأناشيد والتفاسير كتفسير ابن عاشور والقرطبي والميسّر، بالإضافة إلى تقديم محاضرات، حيث كانت هناك مشاركات لمختصين منها المحاضرة التي ألقاها الدكتور عبد المجيد بن عرفة من الأغواط حول مسالة التدبّر، ومحاضرة الدكتور مرني حبيبي من المسيلة، مع تنظيم ورشة تطبيقية للتدبر أطرتها يسرى مبارك منصوري وهي طبيبة من ولاية سطيف.

صورة لطالب ختم القرآن في فترة وجيزة حفظا وتلاوة فكانت المعجزة

ومن أجل المتابعة الجيدة وضعت المؤسسة نظاما يتمثل في منع المشاركات من الخروج طيلة المؤسسة إلا للضرورة القصوى، تضيف مديرة المخيم أن هذا الموسم  بالنسبة للذكور حمل اسم “ربّيون”  ( إنهم فتية أمنوا)  وبالنسبة للإناث تم اختيار عبارة ” إن الله اصطفاك”، حاولنا الاستفسار عن سبب اختيار هذه التسمية كون هذا المفهوم يستعمل بكثرة عند المسيحيين، فكان ردها: ربّيّون يحمل عدة تفاسير، وعندنا نحن المسلمون يراد به الأتقياء،  فهم الأحبار المتصفون بالربانية وملازمون للربّ تعالى، تقول مديرة المخيم أن الهدف من هذه النشاطات والمواسم الدينية الشتوية تهدف إلى  تهذيب الفتاة المسلمة وتهذيب شخصيتها، وتجعلها أكثر تمسكا بكتاب الله .

 وعن مشاريع الأكاديمية فتح مدرسة قرآنية، للإشارة أنه توجد أكاديمية إلكترونية تضم أكثر من 2000 طالبا وطالبة، ومنذ بداية مواسمها سجلت الأكاديمية 27 ألف مشارك ومشاركة، ما يستحسن ذكره أن هناك طالبات ختمن القرآن كله حفظا وتلاوة، أما عن المواسم الماضية تضيف مديرة المخيم أن الموسم الماضي نظم مكتب سطيف 06 مخيمات تحت  عناوين عديدة منها:  عُمريون،  عائشيات، جذوة، الفانوس، واجتباك هذا ألأخير حمل اسم الإناث والذكور معا، وقد تمكن 17 مشاركا  من مختلف الأعمار والمستويات في الموسم الفارط من ختم كتاب الله أصغرهم كان عمره 11 سنة وأكبرهم 70 سنة.

الإمام بلال قاوة: لا خلاص ولا فلاح لأمَّة إلا بالقرآن

يقول الإمام بلا قاوة من ولاية سطيف وهو من ضمن المؤطرين لهذا الموسم الرباني، إن ربيّون هم المنتسبون إلى الله في العبادة جمعتهم الرسالة المحمدية، والهدف من تنظيم هذه التظاهرات أولا التقرب إلى الله تعالى بتلاوة كتابه وتدبره وتعلمه وتعليمه، والتعرف على الطريقة الصحيحة لتلاوة القرآن وإتقان أحكام التجويد، وتشجيع الطلبة والشباب على حفظ كتاب الله ومعرفة عقيدته الصحيحة في ظل انتشار  الأفكار التي تزرعها بعض التيارات المذهبية، فالقرآن كما يضيف الإمام بلال قاوة منهج حياة وسبيل الوحدة وهو يعتبر حبل الله الذي ينبغي على المسلمين الاعتصام به، لأنه يجمع ولا يفرق،  ثم أن الطلبة في هذا الفضاء الرباني تجمعهم روح الأخوة وتحوم حولهم الملائكة وهم يتلون كتاب الله ويحفظونه عن ظهر قلب.

و قال الإمام بلال قاوة، إن الهدف الأساسي هو تعليمهم كيف يقرأون القرآن وكيف يتدبرونه وكيف يؤثر فيهم كما اثر في إسلافهم، فمن خلال موسم “ربيّون” يرون عناية النبي بالقرآن الكريم قراءة وتدبرا واستماعا و من أجل تكوين جيلا ربانيا،  وقد ذكر الإمام بلال قاوة جزءا من سيرة التبيّ صلى الله عليه وسلم حيث كان كلما استوقفته آية من كتاب الله الحكيم  إلا وقرأها وكررها وتفكر فيها وتدبرها حتى يُصْبِحُ، مضيفا بالقول: إنها لتباشير عودة راشدة على طريق القرآن ومنهجه، وإنه لا خلاص ولا فلاح لأمة إلى بالقرآن، خاصة إذا ترجم إلى سلوك وممارسة، علما وحسب المتحدث فإن حاصل على المرتبة الأولى في حفظ القرآن لهذا الموسم عادت للطالب مهدي صلاب من ولاية البرج.

انطباعات طالبات ختمن القرآن

كانت لنا زيارة تفقدية للأفواج ووقفنا على طريقة التنظيم المحكم، والهدوء، طالبات يشكلن حلقات الذكر والملائكة تحول فوق رؤوسهن، لدرجة تشعرك أنك تقف بفضاء ملائكي،  وينتابك إحساس جميل تسوده السكينة والطمأنينة ولما لا وأنت تحيط بك رحمة الله وسط إخوان جمعتهم الإخوة الإسلامية  في رحاب القرآن، علما أن هذه الزيارة كانت بدعوة من إمام أحد المساجد بولاية سطيف وهو من بين المؤطرين للطبعة الحالية وهو الإمام بلال قاوة الذي أرشدنا إلى هذا المخيم، فكانت لنا فرصة للتقرب من الطالبات وسماع نبضهن، فهذه الأخت شرافة فاطمة أستاذة العلوم الطبيعية بثانوية من ولاية البويرة  وهي واحدة من اللاتي ختمن القرآن، إذ تقول أنها بدأت تحفظ القرآن  منذ أن كانت تدرس في الابتدائي، ثم توقفت لفترة، ثم استأنفت مشوارها في حمل كتاب الله في قلبها، وذلك ابتداء من سنة 2014 إلى أن وفقها الله في حفظه، تضيف بالقول : كنت أراه حلما بعيدا لكن المؤسسة حفزتني رغم وجود تنافس كبير بين المشاركات، وفضلا عن ذلك وفقني الله أن أؤدي عمرة عن طريق المؤسسة والحمد لله.

أما الأخت قرومي حفصية طالبة  ماستر كلية الاتصال وألإعلام جامعة الجزائر 3 وهي مكلفة بالإعلام على مستوى هذه المؤسسة تقول نه كانت لها مشاركات سابقة بمستغانم ثم سطيف، إذ تقول أنها استفادت الكثير من هذه المؤسسة منها حفظ القرآن  كله والتعرف على الصحبة الطيبة،  ثم نأتي مع الأخت أسماء بلغيث وهي إدارية ومسؤولة التنظيم ترى أن تواجد الفتاة والمرأة المسلمة في هكذا فضاءات يزيدهن تقربا من االله تعالى بدلا من تضييع وقتهن في اللغو أو متابعة ما لا ينفعن، خاصة وأن من وجاب المرأة لاسيما إذا كانت زوجة ومّا فهي مكلفة بالسهر على حياة الأسرة الإيمانية وتهذيب أطفاله وتربيتهم على التعبد واحترام تعاليم الذين، ثم أن القرآن يعلم الإنسان أشياء كثيرة فهو منهج يسلكه الإنسان في حياته اليومية، بحيث تكون لهن القدرة على محاسبة الذات ومقاومتها  وما شابه ذلك،  وقد أشادت المشاركات بالتنظيم المحكم على كل المستويات.

روبورتاج علجية عيش الجزائر

جديدنا