حتى لا تضيع الهويَّة؛ فلسفة الهويَّة الإسلاميَّة

image_pdf

عَرَفَ مفهوم الهوية انتشاراً واسعاً، حيث اكتسح في وقت قصير العلوم الإنسانية وخاصةً الاجتماعية، وفرض نفسه في تحليل حقائق متنوعة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه من الصعب أن تجد تعريفاً متوافقاً عليه لمفهوم الهوية([1]). وقد أثبتت الدراسات السوسيولوجية من أن لكل جماعة أو أمة مجموعة من الخصائص والمميزات الاجتماعية، والنفسية، والمعيشية، والتاريخية المتماثلة، التي تعبّر عن كيان ينصهر فيه قوم منسجمون ومتشابهون بتأثير هذه الخصائص والميزات التي تجمعهم.

تتيح الهوية للفرد التعرف على نفسه في المنظومة الاجتماعية وتمكن المجتمع من التعرف عليه، ” وهي تشير الهوية إلى طريقتنا في التفكير في أنفسنا وفي الآخرين بالاعتماد على المجموعة التي ننتمي إليها “([2])، لكن الهوية الاجتماعية لا ترتبط بالأفراد فحسب، فكل جماعة تتمتع بهوية تتعلق بتعريفها الاجتماعي وهو تعريف يسمح بتحديد موقعها في المجموع الاجتماعي. والهوية الاجتماعية هي احتواء وإبعاد في الوقت نفسه، إنها تحدد هوية المجموعة التي تضم أعضاء متشابهين فيما بينهم بشكل من الأشكال، وفي هذا المنظور تبرز الهوية الثقافية باعتبارها صيغة تحديد فئوي للتمييز بين نحن وهم، وهو تمييز قائم على الاختلاف الثقافي([3]).

وفي حقيقة الأمر، يعاني مفهوم الهوية من مشاكل عديدة، فمن صعوبة الحديث عن الهوية مثلاً، أنه حديث الذات عن نفسها. لذا فإن مشاعر الهوية مشاعر دفاعية ضد إرادة السحق التي يبديها الآخر، كذلك لا يمكن فصل الهوية عن الحركية الاجتماعية، وما يجري فيها من تدافع وصراع. وهنا تتداخل حدود الهوية والسلطة والإيديولوجيا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا ما هي الهوية ؟

في بداية الأمر، يجب أن نشير أن المقصود في هذا العنصر هو الهوية الثقافية لجماعة بشرية معينة، ذلك أن جوهر الهوية الجماعية هو مفهوم الثقافة بذلك فإن الهوية الجماعية تستمد ملامح مقوماتها من ثقافة المجتمع على اعتبار أن الثقافة تشكل المجموع المنسجم والمستمر للمعاني والرموز المكتسبة المشتركة التي تعمل الجماعة على توصيلها وإعادة إنتاجها من خلال مختلف القنوات التي تنسجها من أجل هذه الغاية([4]).

أما عن مفهوم الهوية فهو لفظ تراثي قديم، معناه ” أن يكون الشيء هو هو وليس غيره “، أي ليس له مقابل مما يدل على ثبات الهوية([5]). وهو قائم على التطابق أو الاتساق في المنطق. وهو نقيض الغيرية وقد تكون الغيرية نسبية وليست كلية لتحدد انحراف الهوية. فإن هوية الشيء هي ثوابته أي ” مطابقة الشيء لنفسه أو مطابقته لمثيله “ ([6]) ، التي تتجدد لا تتغير، تتجلى وتفصح عن ذاتها، دون أن تخلي مكانها لنقيضها، طالما بقيت الذات على قيد الحياة.

ويشير المعنى العام للكلمة إلى الامتياز عن الغير، والمطابقة للنفس، أي خصوصية الذات، وما يتميز به الفرد أو المجتمع عن الأغيار من خصائص ومميزات، ومن قيم ومقومات([7]). أي ” حقيقة الشيء المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية التي تميزه عن غيره وتسمى أيضاً وحدة الذات “ ([8]).  

ومفهوم الهوية خاص بالإنسان والمجتمع، الفرد والجماعة، وهي موضوع إنساني خالص أي ظاهرة إنسانية، فالإنسان هو الذي ينقسم على نفسه، وهو الذي يشعر بالفارقة أو التعالي أو القسمة بين ما كائن وما ينبغي أن يكون، بين الواقع والمثال، وبين الحاضر والماضي، بين الحاضر والمستقبل ([9]). وهذا يعني أن الهوية هي إحساس الفرد أو الجماعة بالذات، إنها نتيجة وعي الذات، بأنني أو نحن نمتلك خصائص مميزة ككينونة تميزني عنك وتميزنا عنهم. فالطفل الوليد قد يمتلك هوية ما عند ولادته من خلال اسمه وجنسه وأبوته وأمومته ومواطنته، وهذه الأشياء في كل حال لا تصبح جزءاً من هويته حتى يعي الطفل نفسه بها.

وعلى الرغم من أن الهوية موضوع ميتافيزيقي فإنها مسألة نفسية وتجربة شعورية فالإنسان قد يتطابق مع نفسه أو ينحرف عنها في غيرها. الإنسان الواحد ينقسم إلى قسمين: هوية وغيرية، أو يشعر بالاغتراب إن مالت الهوية إلى غيرها أو انحرفت عن ذاتها. فالاغتراب لفظ فلسفي والانحراف لفظ نفسي. والهوية أن يكون الإنسان هو نفسه متطابقاً مع ذاته. والهوية خاصية للنفس لا للبدن، هي حالة نفسية وليست حالة بدنية ([10]).

يمكن لنا تعريف الهوية: بأنها الخصوصية والتميز عن الغير أو مجموعة من المميزات التي يمتلكها الأفراد، وتساهم في جعلهم يحققون صفة التفرد عن غيرهم، وقد تكون هذه المميزات مشتركة بين جماعة من الناس سواءً ضمن المجتمع. أو أنها كل شيءٍ مشترك بين أفراد مجموعة محددة، أو شريحة اجتماعية تساهم في بناء محيط عام لدولة ما، ويتم التعامل مع أولئك الأفراد وفقاً للهوية الخاصة بهم ([11]) .

وفي النهاية يمكننا القول إن ” الهوية الثقافية والحضارية لأمة من الأمم، هي القدر الثابت، والجوهري، والمشترك من السمات والقسمات العامة، التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات، والتي تجعل للشخصية الوطنية طابعاً تتميز به عن الشخصيات الوطنية الأخرى([12]).

فلسفة الهوية الإسلامية: إن جوهر الهوية الإسلامية يتمظهر من خلال تعريف المرء نفسه بالإسلام وأن يكون الإسلام هو العنصر التعريفي للحياة الاجتماعية ([13])، أي من خلال الانتماء إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وإلى دين الإسلام وعقيدة التوحيد التي أكمل الله بها الدين وأتم بها النعمة وجعلنا خير أمة أخرجت إلى للناس وصبغتنا بفضلها بخير صبغة ] صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [ (البقرة: 138).  

في حقيقة الأمر، تتجلى معالم الهوية الإسلامية من خلال الإقرار بوحدانية الله سبحانه وتعالى ، فالخلق مفطورون على الإقرار بالخالق سبحانه وتعالى بلا ريب، كما أنهم مجبولون على حب الخير وكراهية الشر، بل إن الإقرار بوجود الخالق من أشد الأمور رسوخاً وثباتاً في الفطرة بما لا يحتاج معه ثمة دليل أو برهان. لقد فطر الله سبحانه وتعالى عباده على أنه ربهم، وأنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له ([14]) ، فقال تعالى: ] وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُوْرِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُوْلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِيْنَ % أَوْ تَقُوْلُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُوْن  [(الأعراف: 172-173). كما أن جميع الأنبياء والمرسلين أرسلوا بغرض تصحيح هوية الشرك وتبليغ هوية الإيمان بالله تعالى رب العالمين.

بذلك تتطابق الهوية الإسلامية في مدلولها ومعانيها مع الفطرة الإنسانية باعتبارها تجسيداً للإرادة الإلهية، فالله سبحانه وتعالى فطر عباده على إقامة الوجه حنيفاً، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، فهذه من الحركة الفطرية الطبيعية المستقيمة المعتدلة للقلب، وتركها ظلم عظيم اتبع أهله أهواءهم بغير علم، ولا بدّ لهذه الفطرة والخلقة – وهي صحة الخلقة – من قوت وغذاء يمدها بنظير ما فيها مما فطرت عليه علماً وعملاً، ولهذا كان تمام الدين بالفطرة المكمَّلة بالشريعة المنزلة([15]).

كما تعني الهوية الإسلامية التوحيد ونشر الخير والمعروف والحق والعدل قال الله تعالى: ] وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [ (آل عمران: 104) وقال أبو جعفر الباقر: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) ثم قال: ” الخير اتباع القرآن وسنتي ” رواه ابن مردويه . والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجباً على كل فرد من الأمة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان “. وفي رواية: ” وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ([16]) .

نستنتج مما سبق ما يلي:

1- الهوية الإسلامية تطابق الفطرة وتتماشى مع الإرادة الإلهية.

2- الهوية الإسلامية تضفي المعنى على الحياة في محور الوحي، لأنها تعني التوحيد ومسؤولية نشر الخير والمعروف والحق والعدل.

3- الهوية الإسلامية تتشكل ببريق الوحي وتتمتع بالكفاية والأصالة وتسعى إلى إعمار الأرض وإصلاح المجتمع وبناء عالم جديد يسود العدل والمساواة والإنسانية ([17]) .

4- الهوية الإسلامية هي أشرف واسمى هوية يتبناها المسلم وينضوي تحت لوائها ويعتز  بالانتساب إليها، والانتماء لها، والانتصار لها، والموالاة والمعاداة على أساسها، فبها تتحدد شخصية المنتمي وسلوكه، وعلى أساسها يفضل بين الناس.

5- الهوية الإسلامية حريصة على التقدم العلمي ومواكبته، فلا تتأخر عن ركب التقدم ولا تضعف، ولا تمانع من الاستفادة من الغير واستفادة الغير منها، فالحكمة ضالة المؤمن ذلك أن المؤمن لا يزال طالباً للحق حريصاً عليه، ولا يمنعه من الأخذ به حيث لاح وجهه شيء، فكل من قال بالصواب أو تكلم بالحق قبل قوله وإن كان بعيداً بغيضاً، وقد قال الله تعالى:  ] و لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [ (المائدة: 8). وفي ظل المتغيرات المتسارعة لا تتغير الهوية الإسلامية، بل تظل ثابتة في اتجاها الراشد بسبب صدق وصلابة مصادر تشكيلها ( القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ).

ومع ذلك نجد أن معظم المجتمعات المسلمة المعاصرة قد ابتعدت عن تطبيق جوهر الهوية الإسلامية في نظمها الاجتماعية لانبهارها بالمذاهب والفلسفات المتمركزة حول الإنسان في الحياة العلمانية، مما جعل الإنسان المعاصر يتهرب من الإجابة على سؤال من أين جاء وإلى أين سيذهب لتبدأ مرحلة تسودها الفوضى الوجودية مع تلاشي الهدف والغاية في عقول الكثير من أفراد المجتمع ليصلوا إلى هوية اللا معنى، فأصبحت الجموع المفتقرة إلى الهوية والتي قطعت صلتها بجذورها الروحية نذير كارثة مؤسفة على الصعيد الثقافي والاجتماعي، وهذه الحالة المرضية قابلة للشفاء بالعودة إلى الفطرة السليمة التي فطرنا الله I عليها. لذا يجب علينا أن نكون حذرين ضد إلباسنا هوية غريبة عن قيمنا ومنافية لإيماننا، فالمجتمع الذي يخسر نضال الهوية ويعجز عن مواصلته يقع في الفخ ويصبح عرضة للاستغلال والاستعمار.

– خلاصة القول: يعتبر الدين الإسلامي أحد أهم مكونات الثقافة الإسلامية، كما أنه يلعب دوراً أساسياً في صياغة معالم الهوية الإسلامية التي تقوم على أربعة أسس وعناصر: (العقيدة، التاريخ، اللغة، الأرض) ومتى
تجمعت هذه العناصر الأربعة في الأمة المسلمة عبرت بمجموعها عن الهوية الإسلامية، وقد تضيع هذه الهوية إن ضاع الفرد عن دينه ([18]) .

تعتبر العقيدة من أهم مقومات وأركان الهوية وهويتنا الإسلامية تنبثق عن عقيدة صحيحة وأصول ثابتة تجمع تحت لوائها جميع المنتمين إليها فيحيون لهدف واحد هو إعلاء كلمة الله، وتعبيد العباد لربهم وتحريرهم من عبودية غيره. فالهوية الإسلامية هي كل ما يميز المسلمين عن غيرهم من الأمم الأخرى، وقوام هويتهم هو الإسلام بعقيدته وشريعته وآدابه وتاريخه وحضارته المشتركة بين كل شعوبه على اختلاف قومياتها.

بذلك يمكننا القول بأن الدين والتدين بالنسبة للإنسان لم يكن بدعة بقدر ما كان سمة لازمت التفكير الإنساني منذ أقدم العهود، بالشكل الذي يبدو فيه التدين فطرة في الإنسان، وهو جزء من كيانه ووجوده، مثل بقية الغرائز التي تتكون منها النفس منذ خلقت البشرية، وحتى تقوم الساعة كغريزة الجنس وحب البقاء والطعام والشراب ([19]) .

فالدين أو التدين سمة متأصلة في النفس الإنسانية، مثلها مثل باقي الغرائز، ولا يمكن التعامل معه إلا وفق هذه النظرة، وبذلك يكون له أثر مهم في النفس البشرية نظراً للفترات الطويلة التي ارتبط فيها التفكير الإنساني بالدين، ” فمن الثابت تاريخياً أن فكرة التدين لم يفارق البشرية، ولم تخل منها أمة من الأمم القديمة والحديثة، لأنها نزعة أصيلة ملازمة للناس جميعاً “ ([20]) . وهنا تسمو الديانات السماوية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، وأوحاها إلى أنبيائه ورسله، لتبين للناس العقيدة القويمة والدين، ويبقى في السمو والارتقاء الدين السماوي المحفوظ، الذي لم يتغير ولم يتبدل، ولم تعبث به الأيدي ولم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنه الإسلام الذي نبحث عنه ونبيّن وظيفته في الحياة، وحاجة الإنسانية    إليه ([21]) .

بذلك تُعرف الهوية الإسلامية بأنها ” الإيمان بعقيدة هذه الأمة والاعتزاز بالانتماء إليها، واحترام قيمها الحضارية والثقافية، وإبراز الشعائر الإسلامية، والاعتزاز بالتمسك بها، والشعور بالتميز والاستقلالية الفردية والجماعية، والقيام بحق الرسالة وواجب البلاغ، والشهادة على الناس “ ([22]) . ويمكننا القول ايضاً بأن الهوية الإسلامية: هي عقيدة ربانية صحيحة وثابتة، يجمعها لسان عربي مبين، تضم تحت سقفها كل من آمن بالله تعالى، وتميز الأمة الإسلامية عن سائر الأمم والشعوب، وتهدف لإعلاء كلمة الله تعالى في الأرض، وذلك تطبيقاً لأحكام الإسلام بعقيدته وشريعته التي هي أساس الهوية الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ([23]) .

وفي وقتنا الحالي تحديداً، نُصارع هجمة شرسة من قبل العولمة الثقافية المسلحة بالوسائل التكنولوجية المتطورة ومواقع التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى هيمنة ثقافة العالم الغربي على معظم المجتمعات من حيث القيم والعادات عبر زيادة الترابط بين المجتمعات وازدياد التبادل الثقافي غير المتوازن من خلال مفهوم العولمة الثقافية، التي تهدف إلى خلق ثقافة عالمية واحدة أو متشابهة لجميع البشر، وهي أسوأ أنواع العولمة لأنها تستهدف القيم والمبادئ بشكل مباشر، مما يؤدي إلى تلاشي معالم هويتنا وابتعادنا عن تعاليم ديننا الحنيف. وهذا ما يضعنا محل مساءلة ولوم بسبب اتباعنا للتقليد الأعمى دون أي دراية أو وعي بمضمون هذا التقليد الذي ينعكس سلباً على هويتنا وقيمنا ” إن العولمة الثقافية تريد أن تسلخنا من جلدنا، وأن تنزعنا من هويتنا، أو تنزع منا هويتنا، وأن تنفق في أمتنا بضائعها الفكرية، ومعلباتها الملوثة بالإشعاع، والحاملة للموت والدمار ” ([24]).

لذا يجب على كل المسلمين في كل مكان ليس المحافظة على الهوية الإسلامية فحسب، بل الواجب عليهم الدعوة إليها بالحكمة، والموعظة الحسنة، ونشرها في كافة أصقاع الدنيا لأنها مستمدة من ديننا القويم، وهو أشرف الأديان، وخاتمها، وإذا كان غيرنا من المجتمعات غير المسلمة يفتخر، ويعتز بهويته أيما اعتزاز، فنحن أحق بالافتخار، والاعتزاز بهويتنا، التي هي فعلاً متميزة لأنها معتمدة على أصول ربانية، وتتماشي مع الأخلاق، والقيم، والفضائل السامية، والفطر، والعقول السليمة([25]). ولا يكون ذلك إلا بتوعية شبابنا وتحصين أفكارهم وتوعيتهم التوعية الصالحة وتبصيرهم بالحق وتحذيرهم من الباطل وطرقه وأن نشخص الداء الذي وقعوا فيه ونأتي بالدواء الشرعي ليجتث ذلك الداء الخبيث وذلك الفكر السيئ المنحرف الذي لا يعتمد على دليل ولا خير وإنما على الأهواء المضلة والطاعة العمياء لأعداء الأمة. وبالتالي فإن موضوع التمسك بالهوية الإسلامية، ليس بدعاً من المواضيع والأمور في العقيدة الإسلامية، وإنما هو فرض وواجب على كل فرد مسلم وعلى الأمة المسلمة ككل. كما ندعو بالمقابل إلى التعايش السلمي مع الثقافات الأخرى والاعتراف بها واحترام مظاهرها وخصائصها الثقافية من منطلق حق العيش المشترك المبني على الحكمة وحق الاختلاف والمبادئ الإنسانية مع ضرورة الاحتفاظ بالخصوصية الثقافية دون الإضرار بالآخرين.

د. حسام الدين فياض


 [1]حراز، محمد. بلكا، إلياس. إشكالية الهوية والتعدد اللغوي في المغرب العربي – المغرب نموذجاً، ط1، أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2014، ص (17).

 [2] هانوم. كيلي. م. الهوية الاجتماعية معرفة الذات وقيادة الآخرين، ترجمة: خالد بن عبد الرحمن عوض، ط1، الرياض: مكتبة العبيكان، 2009، ص (15).

 [3]عبد السلام، طارق الصادق. الشريدة، خالد بن عبد العزيز. مقدمة في علم الاجتماع، ط1، عمان: دار الجنان، 2020، ص (167-168).

 -[4] حراز، محمد. بلكا، إلياس. إشكالية الهوية والتعدد اللغوي في المغرب العربي – المغرب نموذجاً، مرجع سابق، ص (18).

[5]حسنين، حسن حنفي. الهوية، ط1، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2012، ص (17).

[6] زيادة، معن. الموسوعة الفلسفية العربية، ط1، بيروت: معهد الإنماء العربي، 1986، المجلد: 1 ( الاصطلاحات والمفاهيم)، ص (821).

[7]باية، بوز غاية . العربي، بن داود. إشكالية الهوية والعولمة الثقافية، الجزائر: مجلة الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد:3، العدد:5، 2011، ص (659).

 [8]التويجري، عبد العزيز. الهوية والعولمة من منظور التنوع الثقافي، ط2، الرباط: منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم  والثقافة (إيسيسكو)، 2015، ص (19).

 [9]حسنين، حسن حنفي. الهوية، مرجع سابق، ص (11).

 [10]المرجع السابق، ص (11-12).

 -[11] والي، طارق. الهوية والإنسان والعمارة، محاضرة عن تعريف الهوية وتأثيرها على العمارة بتاريخ 22 نوفمبر 2018. https://www.walycenter.org/ar/events/29-events/events/404-human-identity-architecture-msa-lecture

 -[12] التويجري، عبد العزيز. الهوية والعولمة من منظور التنوع الثقافي، مرجع سابق، ص (19). 

 -[13] كايان، رمضان. بناء الهوية في ظلال الوحي، ط1، اسطنبول: تيرا كتاب للنشر، 2015، ص (16).

 -[14] المناوي، أحمد محمد زين. من أدلة الألوهية، موقع طريق القـرآن،  06/05/2016 هـ 25-02-1437. https://quranway.com/article-

[15] الجريتلي، أبو مريم محمد. أهمية التوحيد وثمراته، شبكة الألوكة، 27/1/2010 ميلادي- 11/2/1431هجري. https://www.alukah.net/sharia/0/9421

 [16] ابن كثير. تفسير القرآن الكريم العظيم، تحقيق: سامي بن محمد السلامة، ط2، بيروت: دار الكتب العلمية، 1420ه- 1999م، الجزء: 2، ص(79).

 -[17] كايان، رمضان. بناء الهوية في ظلال الوحي، مرجع سابق، ص (16).

 [18]الصلابي، علي. المواطنة والوطن في الدولة الحديثة المسلمة، ط1، بدون دار نشر، 2014، ص (57).

 [19]الزحيلي، محمد. وظيفة الدين في الحياة وحاجة الناس إليه، طبعة خاصة، بدون مكان نشر: جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، 1991، ص (32).

 [20]المرجع السابق، ص (33).

 [21]المرجع السابق، ص (33- 34).

 [22]العاني، خليل نوري مسيهر. الهوية الإسلامية في زمن العولمة الثقافية، ط1، العراق: مركز البحوث والدراسات الإسلامية- ديوان الوقف السني، سلسلة الدراسات الإسلامية المعاصرة (58)، 1430ه – 2009م ، ص (45).

 [23]نمر، أماني علي محمد. ضوابط الحفاظ على الهوية  الإسلامية في عصر العولمة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القدس، فلسطين، 1436ه- 2015م، ص (10) .

 [24] نمر، أماني علي محمد. ضوابط الحفاظ على الهوية الإسلامية في عصر العولمة، مرجع سابق، ص (19).

 [25]الحازمي، عبدالرحمن بن سعيد. المحافظة على الهوية الإسلامية، شبكة الألوكة، تاريخ 3/4/2016. https://www.alukah.net/sharia/0/101126/

_______________________
*د. حسام الدين فياض/ الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة/ قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً.

جديدنا