الأفكار وحدها لا تكفي!

image_pdf

تأتي مقاربتي الإصلاح والتقريب بين أهل السنَّة والشيعة في توازٍ طردي يشي بطبيعة المشكل، فنحن إزاء ممارسات سياسيَّة جرى تدشينها في ظروف تاريخيّة مأزومة، ورغم تجاوز الطرفين لسياقات التشظّي، إلا أنَّ الأزمة أفرزت “أمراء” للانقسام تجاوزت مصالحهم حدود نظيرتها عند “أمراء الحرب”.

ولم يخلُ الخطاب الدعوي/ التعبوي- في أوقات الذروة- مـن مـزايـدات تحـاكـي الشـعبي وتتوسَّل إليه عبر مماحكات لفظيَّة واستدلالات انتزعت من سياقاتها لتوفّر الغطاء العلمي لصراع لم تعرفه حلقات الفقهاء قدر ما شهدته قصور الملوك والأمراء.

 وجاءت محاولات التجاوز من قبل مجدّدي الطرفين تنحت مجرى للماء العذب  وسط صخور صلبة. ولم يكن الأمر بالعسير في شقّه العلمي، وإن أثبتت التجارب المختلفة تعذّره في جانبه الحركي.

وذلك لأنَّ الخطاب السلفي – على الجانبين – يعبث بنسب المعادلة الصفريَّة ويحيل طرفيها إلى صياغات تتباين لطاقة الخطاب ونقيضه ما يستحيل معه الرسم والتقييم ومن ثم الاشتباك وفق رؤية واضحة بإمكانات الخصم.

نحن أمام أزمة منهج تدعمه آلة إعلاميَّة موجّهة حينا ومتطوّعة – لطبيعة المادة الإثارية – أحيانا، ناهيك عن أجندات سياسيَّة وقراءات مغرضة، ورؤى مضطربة، وميول انفعاليّة، لا يمكن التعامل معها بخطاب طوباوي يفترض قدرة الطرفين على تمثُّل الوعي النخبوي.

وإذا كانت كتابات علماء ومفكِّرين مثل؛ محمد شلتوت ويوسف القرضاري ومحمد حسين فضل الله، ومن وافقهم تضيف إلى الفضاء التقريبي زخمًا رسميًّا- متّهما في كثير من الأحيان- فإن هذه الجهود- بزعمي – تضيع سدى، إذا لم تتحرَّك المؤسّسات والجمعيّات الأهليَّة والجرائد والمجلات ومواقع الإنترنت والمدونات، ومجموعات الفيس بوك والقنوات الفضائيَّة بشكلٍ منظَّم لتقترب من المشهد أكثر: نقدًا وتحليلًا، وتعاطفًا ثقافيًّا وفكريًّا، ولتطرح خطابًا موازيًا يتمتّع بقدر من التبسيط والتعبئة المضادَّة ليصل إلى رجل الشارع العادي هنا وهناك.

وإذا كان الناس بطبيعتهم أكثر انحيازًا لولاءاتهم الأولى، فإنَّ ثمّة تصوّرًا مختلفًا لفكرة التقريب يقوم على التعايش والتعاون على نحو ما حدث بين المسلمين ومخالفيهم في الملّة- لا في المذهب- ععلى امتداد التاريخ الإسلامي.

ففكرة الذوبان التي يلوكها البعض متصوّرًا قدرة الطرفين ععلى تجاوز قرون من الخلاف الذي يقترب في بعض مداراته من العقدي! فكرة مستبعدة يرفضها منطق الأشياء وترفضها طبيعة التحزّب الإسلامي، القائم على انفراد فرقة بعينها بالنجاة دون غيرها من الفرق الضالة التي تتفوّق كما- وربما كيفما- على ضلال سائر الأديان وفرقها المختلفة.

هذا الانحياز المغلق الذي استطاع أن يوجد لنفسه سياجات نصّيَّة داخل الجسم التشريعي الإسلامي-وإن لم تسلم بدورها من مشرط النقد- لن يترك فرصة لاقتراب آمن، وما لم يكن التحرّك في اتّجاه التقريب-القائم أولا على مصلحة الطرفين الدنيويّة قبل الدينيّة- تحرّكًا حذرًا ومرنًا في هذه النقطة تحديدًا، فلن يلقى سوى إخفاقات الماضين-على جدّتهم- ونظلّ في الدائرة المفرغة ذاتها.

_______

*الراصد التنويري- العدد (7)- شتاء 2010.

جديدنا