العقل العربي بين الخرافة والتيه

image_pdf

يستعيد الدكتور خلف الجراد في كتابه ( الخرافة ووأد العقلانيَّة) “هجمة ارتداديَّة على الفكر المستنير والعقلانيَّة، لتوصيف أحوال الفكر العربي اليوم، ما جعل الفلسفة والعقل مدعاة للتشكيك والشبهات والتكفير. وقد واكبت هذه الموجة من الكتابات المضادّة للعقلانيَّة في الإسلام، كأنّ المطلوب في هذه الحقبة الظلاميَّة تحطيم العقل والتفكير العقلاني”  بوصفهما رافعة للتقدّم الحقيقي وشرطًا أساسيًّا للنهضة العربيَّة والإسلاميَّة، ما يفتح الباب واسعًا أمام التيه والضياع والخرافة، بقصد إعادة إنتاج الفتن وتأجيج الأحقاد الطائفيَّة والمذهبيَّة.

 

يوضح الجراد أنّ العقل السياسي العربي ظلّ محكومًا تاريخيًّا بثلاثة عناصر هي: القبليّة، والغنيمةن والعقيدة، إضافة إلى نسقٍ بنيوي جديد يتمثَّل في طغيان اللاعقلانيَّة والانفعاليَّة في الخطاب السياسي. أمّا كيفيَّة الخلاص من الولاء للقبيلة بالمعنى الضيّق لهذا المصطلح، فيجده في تعزيز المنظومة وترسيخ مفهوم المواطنة، وردم الفجوة المعرفيَّة ونسف الأساطير والخرافات والقوالب النمطيَّة.

وتزداد المعضلة برفض التجديد والتطوّر عبر منع تداول أفكار الطرف الآخر واعتبارها محظورات تقوم على تلويث الوعي والرأي العامّ، من دون النظر إلى ثورة الاتّصالات التي أسهمت في تدفّق المعلومات، وإلا فما سبب العطالة الفكريَّة التي نعيشها اليوم؟ يجيب الجراد: “إقصاء الفكر الحرّ والعقلاني، ومحاصرة الفلسفة، والقمع الشامل للتفكير العلمي والتجريبي والنقدي لمصلحة دعم الفكر الغيبي والخرافة بأشكالها العديدة، حفاظًا على سكونيَّة المجتمع وركود الفكر وأبديَّة السلطة ومغانمها.

يعزو الباحث أسباب التخلّف في الخطاب الراهن إلى غياب ثقافة العمل التنويري، وانحسار دور النخب بفضح ثقافة الجهل والتكفير التي طالت أسماء شخصيّات ثقافيَّة اضطرت في نهاية المطاف إلى الاختفاء والهروب من بلدانها. ويضرب مثالًا محنة نصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي وآخرين، رغم أنّ أصحاب فتاوى التكفير استخدموا الدين استخدامًا نفعيًّا على خلفيَّة إيديولوجيّات سياسيَّة لا تركن إلى محاكمة عقليَّة تضع التأويل في المقام الأوّل.

 

جديدنا