جائحة كورونا ليست أول جائحة تمر على البشرية، ولن تكون الأخيرة، وهي تكشف عجز العلم في لحظات حرجة كانت البشرية كلها تحتاج لجواب سريع من العلم. وللعلم تجارب كثيرة مع العجز ومع النجاح معاً، وفي كل الحالات يتأكد التوق البشري لمعجزة علمية تكسر الخوف وتشتت الرعب، وقد عجز العلم حتى الآن عن تحقيق نصر ساحق ضد السرطانات، ولما تزل حالة السرطان تتحدى العلم، ولكن العلم ظل يحقق درجات من التمكن الجزئي مع أنواع من السرطانات، وفي المقابل فإن الفيروسات ظلت في سباق متواتر مع العلم، فما يتغلب على واحد منها حتى يأتيه فيروس آخر يعيد الملحمة بين الطرفين، ومصدر قوة الفيروس هي في خفائه وخفته وتحايلاته.
وهنا تأتي أسئلة نظرية فلسفية كان جون لينكس طرحها في كتابه «هل يفسر العلم كل شيء» ولينكس بروفيسور في جامعة أكسفورد، وخلاصة بحثه تعزز مسألتين أولاهما حاجة البشر للعلم، بحيث لا يصح عقلياً ولا عملياً أن تستغني البشرية عن العلم ومكتشفاته، وثانيتهما، هو أن العلم مثله مثل الإنسان، والإنسان قادر/ عاجز في آن، وكذلك العلم فهو قادر ويعول عليه في أمور كثيرة، وترتجى منفعته في أمور كثيرة، لكن له حد يقف دونه، فالعلم الطبيعي لا يملك قدرة على أجوبة عن معنى الكون، وإن كان يمهر في التعرف على قوانين الكون، دون أن يعرف من صنع هذه القوانين التي تسير الطبيعة وفقها، كما أن العلم يستطيع معالجة الجسد، ولكنه يعجز عن درء الموت عن هذا الجسد، ولذا فإن الإيمان بالعلم ضروري للتقدم البشري، ولكن لا بد لهذا الإيمان أن يضع الاستثناء الضروري، وهو أن العلم مثل الإنسان نفسه.. يستطيع فعل أشياء ويعجز عن أشياء أخرى، وهذا هو المعنى العملي لأي نظرية معرفية، لكي تكون إنسانية وواقعية بين حالتي العجز والمقدرة، وكل عجز هو مشروع لبحث علمي متصل، وهي حلقة تشرح الحال البشرية منذ اكتشاف الإنسان للفلسفة وطرح الأسئلة الكبرى عن خالق الكون، ثم مع المشروع الكبير الذي يعد أكبر فتح بشري بعد الفلسفة، وهو نظريات العلم الطبيعي المنافس المكمل للفلسفة في تحقيق توق البشر لمعرفة أسرار وجودهم، وفي النهاية فإن كلمة الإمام أبي حامد الغزالي تحضر هنا وهي قوله «ميزة العقل في كشفه لعجزه،»؛ وذلك لأن كل اكتشاف للعجز هو مشروع لبحث جديد، ونظل في طريق الحقيقة ما دمنا لا نكابر، بل نعترف أن الحقيقة متعالية، وتحتاج منا لصدق ذاتي لنتعرف عليها.