خالد عزب في ورقة بحثية: يطرح تصوّرًا لحالة الثقافة في مصر  ومستقبلها

image_pdf

صدر عن مركز دام للأبحاث ودعم الإعلام ورقة بحثية للدكتور خالد عزب تناقش بجرأة وضع الثقافة المصرية. والورقه تقرّ أنه كانت مصر إلى وقت قريب فاعلا ثقافيا ومعرفيا قويا في المنطقة العربية. وبصورة نسبية في الصعيد الأفريقي. وبصورة أقل على الصعيد الدولي. لكن هذا لم يواكبه برامج حقيقية لكي تزيد مساحة الثقافة المصرية على هذه الأصعدة. وإذا كان المصريون هم من بنوا الحياة الثقافية في الخليج العربي فالآن الحياة الثقافية هناك يقودها المواطنون. ومن حق كل دولة أن تسعى إلى نشر ثقافتها وأن تبني الكوادر التي تتولى هذه المهمة.هذه الورقة تتعامل مع الثقافة المصرية بصورة شاملة. تعالج وضعها الراهن والتحديات التي تواجهها. وتطرح تصورات للمستقبل. 

تحديد الوضع الراهن للثقافة في مصر

واحدة من مشكلات الثقافة المصرية أن مصر أنشأت وزارة ثقافة دون تحديد أولويات أو سياسات ثقافية. فارتهنت الوزارة إلى طبيعة وقدرات الوزير. فشهدت طفرات حقيقية حينما أتى وزير لديه رؤية مثل: ثروت عكاشة-فاروق حسني. لكن الثقافة أشمل وأكبر من وزارة. بل الوزارة أداة من أدوات تنفيذ السياسات الثقافية. وبالتالي جاء تحديد المفاهيم وتعريفها وتحديد الأطر التي يجري من خلالها التعاطي مع الثقافة كمدخل أساسي.

أين الثقافة المصرية؟

الوضع الراهن للثقافة المصرية كما يذكر خالد عزب  يتراوح بين الفخر بالماضي والعجز عن الإنجاز. بما يواكب المنافسة الشرسة في المنطقة على الصعيد الدولي والإقليمي. بل حتى عاجز عن استيعاب الطاقات الجديدة واكتشافها. مع مساحات محدودة من الفعل الثقافي سواء في فضاء المؤسسات الثقافية أو في الفضاء الرقمي. فمصر كانت هي المسيطر على السينما العربية لكن تسببت سياسات التأميم في صعود الإنتاج السينمائي في لبنان على يد المصريين. ثم في تونس على يد المصريين أيضا حينما صورت أفلام مصرية في تونس. ثم برزت مؤخرا السينما في المغرب. وبدأ الأردن يجتذب أفلاما أجنبية للتصوير به. في الوقت الذي وضعت قيود روتينية على التصوير في مصر.

كذلك صعود نشر الكتب في السعودية والمغرب والعراق يعني ضمنا أن المنافسة تكون على الفكر والأدب والثقافة. هذا منطقي في ظل انتشار التعليم ودور النشر في هذه الدول. فالصناعات الإبداعية صارت فيها منافسة شرسة بدءا من الصين وكوريا الجنوبية حتى الولايات المتحدة. الكل مدرك ذلك على الصعيد الدولي. بل إن جانبا من الصراع تحول للانتشار اللغوي بين الإنجليزية والفرنسية. حتى إن الإنجليزية صارت تهدد الفرنسية في معاقلها التقليدية مثل تونس والجزائر والمغرب فضلا عن أفريقيا مصر، مصر التي كانت تنتج نصف ما ينتج من الكتب في المنطقة العربية صارت تنتج ثلث ما ينتج عربيا ، ومع ارتفاع مدخلات إنتاج الكتاب من الورق والأحبار وهي بنسبة كبيرة مستوردة من خارج مصر ، مع ارتفاع أسعارها بنسبة كبيرة ، صار إصدار الكتب في مصر يواجه إشكاليات كبيرة .

كذلك نجد الانكفاء على الداخل سمة من سمات الثقافة المصرية. إذ إن هوس مصر للمصريين بقدر ما هو مفيد بقدر ما هو ضار حينما يصل إلى حد عدم رؤية ما لدى الآخر وما يتميز به عنا.

وتتعرض الورقة إلى سرد مفاهيم وتعريفات كالسياسات الثقافية و”منتجي الثقافة” و”رأس المال الثقافي” و”اقتصاديات الثقافة والتراث”. فضلا عن “الحق في الثقافة”. وهو أن تتوافر للمواطنين كافة الخدمات الثقافية بما يحقق الإشباع الثقافي والفكري.

وتذكر الورقة التي أعدها الدكتور خالد عزب أن الثقافة في مصر ملف شائك تتقاطع فيه العديد من المؤسسات والوزارات. لذا فإن الشأن الثقافي ليس شأنا يخص وزارة الثقافة فقط. بل تتقاطع معها وزارات كالتربية والتعليم والتعليم العالي والخارجية. لذا فإن الدول تعرف هذا تحت عنوان “الاستراتيجية الوطنية للثقافة”. والتي يجري صياغتها وتنفيذها عبر ما يسمى “السياسات الثقافية الوطنية”.

ماذا نريد لمستقبل الثقافة في مصر؟

إن السياسات الثقافية التي كانت تمارس في الماضي هي فعل ماض ليس له أي أثر في الحاضر ولا في المستقبل. لذا علينا أن نقر -حسب الورقة- أنه لكي نحافظ على الهوية الوطنية وتصبح لدينا قوة ناعمة تخدم الوطن أن نعيد صياغة وبناء الثقافة المصرية من جديد على مستوى الأفكار والقيم والفنون والمورثات من مختلف العصور.

وأولى الخطوات في ذلك الاتجاه هي فك الاشتباك بين العديد من المؤسسات المصرية. وأولها العلاقة بين وزارة الشئون الاجتماعية والجمعيات العلمية المصرية. سواء المختصة بالعلوم التطبيقية أو الإنسانية أو الثقافية أو الفنية. وذلك لاختلاف طبيعتها عن الجمعيات الاجتماعية التي تمارس أدوارا على صعيد القضايا المجتمعية كالفقر ودفن الموتى والرعاية الصحية وغيرها.

فلا يعقل أن نكبل المجمع العلمي المصري والجمعية الجغرافية المصرية بقوانين تعيق قدراتها العلمية وأبحاثها وتفاعلاتها.

اللغة الوطنيةوالهوية والثقافة

يقر دستور جمهورية مصر كما يذكر الدكتور خالد عزب  أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية. وترتبط اللغة ارتباطا وثيقا بهوية الوطن. فاللغة أكبر من مجرد معناها التقني المحدد وأوسع من كونها “مشكلة لغوية”. فهي في التحليل النهائي رمز للمجتمع المصري وأداة تفاعل وتواصل،. وطريقة في التعبير والتفكير. ونمط من الجمال. وفوق كل هذا هي قضية اجتماعية حضارية ذات علاقة وثيقة بكل من هوية الوطن وشخصية المواطن وتمايزها. ومن ثم فهي عامل حاكم في تقوية الولاء والانتماء لدى المواطن. وعليه فإن عدم احترام اللغة الوطنية على أصعدة متعددة بدءا من الخطابات الرسمية إلى الإهمال في وسائل الإعلام يؤدي إلى خلل في الشخصية الوطنية. حتى صار هناك إهمال شائع لكلمات عربية واستخدام البديل الأجنبي خاصة من اللغة الإنجليزية. بل أدت الدراما التركية إلى انتشار أسماء تركية خاصة للفتيات. وهو ما يعكس استلابا ثقافيا لم يكن يتخيله أحد في مصر في الحقبة التي تلت ثورة 1919 والتي أسس فيها مجمع اللغة العربية كأداة لتقوية اللغة الوطنية وتفاعلها مع مقتضيات العصر.

الكارثة الوطنية –بحسب ورقة دام هي ضعف تعليم اللغة العربية في المدارس. حتى إن العديد من تلاميذ المدارس لا يجيدون الكتابة والقراءة. فمنظومة تعليم اللغة العربية تقوم على التلقين لا تذوق اللغة العربية وجمالياتها أولا. وعليه فإننا يجب أن نقر بأن مناهج تعليم اللغة العربية تحتاج إلى إعادة بناء من جديد بصورة شاملة.

الثقافة والمكتبات العامة

طرحت الورقة وضع المكتبة الوطنية المصرية وحاجتها للتطوير ، بل وبناء بناية جديدة لها تلبي المعايير الخاصة بالمكتبات ، فضلا عنطرح الورقة انشأ متحف يضم كنوز الدار من المصاحف المخطوطة ولوحات الخط العربي في بناية وزارة الأوقاف المصرية والتي ستنقل مقرها للعاصمة الادارية .

وبحسب الورقة فإن المكتبات العامة يجب أن تتوافر في كل حي أو مدينة لأنها عصب صناعة النشر والكتاب. والمعدل الدولي هو مكتبتان لكل 100 ألف نسمة دوليا. وبالتالي 20 مكتبة لكل مليون نسمة. وهذا يعني أنه يجب أن يكون في مصر ما يزيد على ألفي مكتبة عامة. في الوقت الذي يوجد فيه في مصر 1154 مكتبة عامة. وهو ما يعني أن هناك فجوة في الخدمات الثقافية المقدمة للمواطن. وفي علاقة المواطن بالقراءة.

طرحت الورقة إلغاء هيئة قصور الثقافة ومكتبات مصر العامة ودمجهما معا. مع عملهما وفقا للآليات الناجحة التي تعمل بها مكتبات مصر العامة. التي تعتمد على اللا مركزية في اتخاذ القرار. فضلا عن الاندماج الجيد مع البيئة المحلية.

صناعة النشر في مصر

كانت مصر إلى وقت قريب قلب صناعة النشر في الوطن العربي. وهي ما زالت تنشر تقريبا ثلث ما ينشر في المنطقة العربية. وهذا يمثل تراجعا عن مكانتها. فإلى سنوات قريبة كانت مصر تنتج نصف ما ينتج عربيا من الكتب. غير أن صعود حركة النشر في ثلاث دول –العراق والسعودية والمغرب- أثر على مصر سلبا. فضلا عن أن الأردن أطلق مؤخرا برنامجا لتنمية صناعة النشر والكتاب. وهو ما يجعل صناعة النشر الأردنية واعدة إلى حد كبير.

علم المصريات

علم المصريات هو العلم المعني بمصر القديمة منذ عصور ما قبل التاريخ حتى نهاية الحقبة البطلمية. وهذا العلم من المفترض أن مصر تكون هي سيدة العالم فيه. لكن للأسف الشديد فإن موقع مصر من علم المصريات متراجع كثيرا عن المكانة التي يجب أن يكون عليها. هناك علماء شباب مصريون مبشرون في هذا الحقل المعرفي، لكن إن ظل الحال على ما هو عليه الآن فلا أمل. لذا فالأمر يتطلب خطة وطنية مدتها عشر سنوات لكي تكون مصر هي الرقم الأول والمرجع في هذا العلم. فلا يعقل أن تتفوق فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا -حتى الصين- الآن في هذا العلم. 

  .

الأفلام العلمية والوثائقية

وبحسب ورقة  خالد عزب فإن مصر تعاني من قلة الإنتاج للأفلام العلمية والوثائقية والثقافية. فالعام القادم يمر 50 عاما على وفاة عميد الأدب العربي طه حسين. وهذا ما استعدت له قناة الجزيرة جيدا بإنتاج فيلم وثائقي صوّر في أكثر من مكان ومع شخصيات مرموقة حول طه حسين. على الجانب الآخر لا توجد قناة فضائية مصرية تنتج ما يماثل أو ينافس ذلك. وهذه الأفلام تذاع على قنوات رقمية وفضائية. وهذا ما يعود بتأثير قوي على الأجيال الجديدة. فضلا عن إبراز الثقافة المصرية بوجهة نظر من مصر. وهذا ما يتطلب عند الترخيص للقنوات الفضائية وضع اشتراطات متعلقة بالإنتاج أو الإذاعة. فالبرامج الترفيهية والإخبارية هي التي تستحوذ على الإعلانات والمساحات المفضلة كأوقات إذاعة. في حين أن الإنتاج الوثائقي أو العلمي أو التسجيلي لا مساحة له بصورة توازي أهميته.

المطبخ المصري

تقول الورقة إن المطبخ تحول إلى واحد من العلامات المميزة لأي ثقافة. وهو ما انعكس إيجابا على اقتصاديات العديد من الدول. مثل المطبخ المغربي الذي لا يوجد بلد في العالم يخلو منه أو من مغاربة يعملون في الترويج له. هذا يعني توفير فرص عمل وصادرات مستمرة من المواد الأولية المكونة لهذا المطبخ. من هنا نفهم انتشار المطابخ التالية: الصيني-التركي-الياباني-الإيراني- الإيطالي. مشيرة إلى تسجيل إيطاليا البيتزا على قائمة التراث العالمي.

وتطرح ورقة بعض التصورات التي يمكن أن تقود إلى تفعيل الثقافة المصرية مستقبلا. وتقترح بناء طرق جديدة تفاعلية لتعليم وغرس اللغة العربية عند الأجيال الجديدة. وإعادة الاعتبار للخط العربي في المدارس والمجال العام عبر برامج وفاعليات ومعارض وجوائز. وكذا إعادة بناء المكتبة الوطنية المصرية بصورة معاصرة كمضمون وإدارة. وإنشاء متحف للقرآن الكريم والخط العربي في مبنى وزارة الأوقاف بعد نقل مقرها للعاصمة الإدارية. بالإضافة إلى إنتاج أفلام كرتون ووثائقية في مجالات الثقافة كافة. خاصة في التاريخ والتراث الوطني بتمويل وفق برنامج محدد عبر صندوق التنمية الثقافية.

جديدنا