التطرُّف ليس ظاهرة معاصرة، بل هو حالة مرضية اشتكت منها البشرية عبر العصور المختلفة سواء التطرُّف لأفكار أو معتقدات أو أنظمة أو أراء أو لإيديولوجيات معينة، وهوقائم على التمسك بآراء معينة وإقصاء الأراء الأخرى، ولاشك أن التطرُّف يقوم على العصبية بكل مظاهرها، لذلك أكد الإسلام على أهمية الوسطية والاعتدال والابتعاد عن التزمت، فلا إفراط ولاتفريط، لذلك يقول المولى عوزوجل في الآية 143 من سورة البقرة:”كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا”، ولاشك أن للإسلام دوافعه التي جعلته ينبذ هذا السلوك لما له من آثار مسمومة وتداعيات خطيرة على الفرد في حد ذاته وعلى المجتمع ككل.
التطرُّف ظاهرة مرضية
من المؤكد أن التطرُّف هو سلوك مناقض للفطرة والطبيعة، ويعكس حالة من الانعزال والانحراف الواضح عن الجماعة والمجتمع عموما، يسعى أصحابه إلى إلزام الآخرين بمعتقداتهم وأفكارهم على أنها هي الصحيحة والصالحة لكل زمان ومكان، ولا مجال لفتح الباب لمناقشتها، بل ومحاربة كل من يخالفها، فتجد المتطرفين دينيا يستندون إلى نصوص عقائدية مبتورة من سياقها ومفاهيمها الحقيقية ومحاولة تفسيرها بما يتناسب مع توجهاتهم، ومحاربة كل من تسول له نفسه تفسيرها بالوجهة المخالفة لهم، فبمجرد رؤيتك لهم تدرك أنهم يقبعون في عالم منزو، جعلوا لأنفسهم طريقا مظلما ومجهولا يقوم على التخريب والتدمير، طريق لايشبه أبدا ما تدعو له الأديان والشرائع السماوية، فقد قال أرحم الرحمين” قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرا وضلّوا عن سوآء السبيل”، فيكفي برهانا من لدن عزيز حكيم أن قالها صراحة في هذه الآية الكريمة بأن المتطرفين قد اتبعوا أهواءهم فضلوا وأضلوا عن سبيل الحكمة والرشاد.
الجماعات المتطرِّفة أكبر تهديد للبشرية
لم يعد التطرُّف ظاهرة تستهدف كيانا أو مجتمعا أو جهة معينة، بل بات يشكل تهديدا خطيرا على العالم بأكمله، فانتشار الأفكار المتطرِّفة لم يعد لها حدود جغرافية ولم تبق في مجرد أراء فحسب، بل تعدت ذلك إلى حيز العمل وارتكاب أفعال إجرامية باتت تشكل حالة من القلق والتوتر لدى مجتمعات العالم بأكمله، ولابد أن ندرك أن هذه الجماعات المتطرِّفة استغلت الظروف الإقليمية والدولية المتوترة للانتشار وبناء أرضية لها تنطلق منها لتنفيذ أجندات جهات مختلفة تستغل هذه الجماعات لتنفيذ مصالح مزدوجة، وإن كانت هذه التنظيمات المتطرِّفة تتتخذ من الإسلام جلبابا لها وهو مازاد الطين بلة، فقد أدى ذلك إلى تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وازدياد المخاوف من الإسلام، وهذا يؤكد أن هذه الجماعات ما هي إلا أدواة مشبوهة بيد أصحاب الفکر الضال من الذين يسعون لأجل تحريف الأصول والمباني الإسلامية والتلاعب بالنصوص من أجل الافتاء بما لايرضي الله ولايتفق مع النهج الاعتدالي التسامحي للإسلام، کما أنه لايخدم أبدا المصالح العليا للأمة الإسلامية.
إن مواجهة التطرُّف هو واجب على العالم بأكمله يقوم على التعاون الجاد بين مختلف الجهات الدولية وأتباع الأديان لوضع استراتيجية تنطلق من أهمية نشر ثقافة الانفتاح والاعتدال والتسامح لتكون ضربة قاسية في نعش هذه الجماعات الضالة.
_______________________
**السيد محمد علي الحسيني/ أمين عام المجلس الإسلامي العربي.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.