النزعة النقديَّة عند ابن رشد

image_pdf

ملخَّص البحث:

بدءًا ذي بدء نشير إلى أنَّ الاشتغال على المتن الرشدي ليس بالأمر اليسير، وذلك نطرا لصعوبة تفكيك لغة الرجل من جهة، ولتعدُّد مستويات خطابه بين الشروحات والمؤلَّفات الخاصَّة من جهة أخرى، وهو ما يجعل القارئ والباحث في حيرة من أمره بين خطابين يصلان في بعض الأحيان إلى حدِّ التناقض. وقد خصصنا  هذه المقالة لتوضيح  فكرة أساسية مفادها أن أهمية ابن رشد لا تنحصر فقط في الشروحات التي قام بها على أرسطو، وإنما تكمن أيضا في أصالة بعض أفكاره وتميزه عن الفلاسفة السابقين له، ولذلك لا نتفق مع بعض المفكرين الذين يرون أن ابن رشد ليس سوى مقلدا لأرسطو، لقد حاولنا الدفاع عن هذا الطرح ونزع تلك الصورة النمطية حول ابن رشد  باعتباره مجرد ناقل وشارح للتراث الفلسفي الأرسطي، مبرزين أن أهم ما يميز  ابن رشد عن غيره من الفلاسفة هو امتلاكه للعقل الحجاجي البرهاني، ثم اعتماده  المنهج النقدي  الذي ميز إنتاجاته الفلسفية وشروحاته على أرسطو حيث عمل مصحِّحًا وناقدًا لشرَّاح فلسفة أرسطو، كما حاولنا ابراز هذا المنزع البرهاني و النقدي لدى فيلسوف قرطبة من خلال الاشتغال على ثلاث تيارات معرفية مختلفة والتي منحها اهتماما خاصًّا سواء في الشروحات أو المؤلّفات الخاصة، ويتعلَّق الأمر بـ: علم الكلام، الفلسفة، والتصوف.

النزعة النقدية عند ابن رشد:

يقف ابن رشد على قمة الفلسفة الإسلامية، بل على قمة الفلسفة الوسطوية، ويعتبر بحق موسوعة معرفية، حيث جمع بين الفلسفة والطب والقضاء وعلم الفلك والفيزياء والفقه. ويمكن القول إن هناك عاملين ساعدا ابن رشد على تبوّء هذه المكانة، العامل الأول ذاتي، راجع إلى كون أن ابن رشد ينتمي إلى عائلة من المثقفين في الأندلس، مارست القضاء والفتوى والتدريس، إضافة إلى أنها من الأسر الأكثر وجاهة في الأندلس، فقد كان جد ابن رشد الحفيد شيخ المالكية وقاضي القضاة في قرطبة التي كانت موطن العلماء والفلاسفة. أما العامل الثاني فهو سياسي، يتمثل في المناخ السياسي الذي عاش ابن رشد الحفيد في كنفه، ألا وهو الحكم الموحدي الذي كان نظاما سياسيا أكثر رحابة  وانفتاحا، مشجعا على طلب العلم والمعرفة، حيث بادر الخلفاء الموحدون إلى استقطاب العلماء والفضلاء ومجالستهم في مجالسهم والتشاور معهم في أمور الدين والعلم والفلسفة، خصوصا خلال فترة حكم أبي يعقوب يوسف الخليفة المحب للعلم والعلماء، الذي سيتعرف عليه ابن رشد من  خلال الطبيب الخاص للخليفة ابن طفيل، هذا الأخير اشتكى إليه الخليفة الموحدي  صعوبة فهم بعض العبارات في كتب أرسطو، وبحكم أن ابن طفيل كان مشغولا داخل البلاط، حيث كان يشغل منصب المستشار الثقافي، استدعى  ابن رشد وقال له إن الخليفة يشكو من قلق عبارة أرسطو، وأريدك أن تتولى مهمة شرحها وكشف الغموض عنها . تكلف ابن رشد بالمهمة وقام بشرح جميع مؤلفات أرسطو، ثلاثة أنواع من الشرح، الشرح الأكبر، الشرح الأوسط، والشرح الأصغر، حتى سمي بالشارح الأعظم، كما ألف ثالوثه الشهير: تهافت التهافت الذي خصصه للرد على الغزالي، وفصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من اتصال، وهو عبارة عن مقال في المنهج للتوفيق بين الفلسفة والدين، ثم كتاب الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، موجّه لنقد علم الكلام.

إن القارئ لمؤلفات ابن رشد سواء الشروحات أو المؤلفات الخاصة، سيكتشف النزعة النقدية المبثوثة في كتاباته، إلى درجة يمكن القول بأنه فيلسوف النقد بامتياز في العصر الوسيط، يقف إلى جانب أرسطو في الفلسفة اليونانية وكانط في العصر الحديث، وسنحاول في هذه المقالة إبراز بعض أوجه النزعة النقدية في فكر ابن رشد من خلال الانفتاح على ثلاثة نماذج خصها فيلسوف قرطبة بالنقد، نماذج تنهل من حقول معرفية مختلفة، يتعلق الأمر بعلم الكلام والفلسفة والدين.

سوف نقسم هذه المقالة إلى ثلاثة محاور، حيث سنخصص المحور الأول لأدلة المتكلمين على وجود الله، وتصورهم لعلاقة الذات الإلهية بالصفات، والنقد الذي وجهه ابن وشد لهم، ثم البديل الذي قدمه في البرهنة على وجود الله وعلاقة الذات بالصفات. أما المحور الثاني سوف نتعرف فيه على دليل الممكن والواجب أو برهان الصدقين عند ابن سينا كدليل على وجود الله، ونظرية الفيض التي حاول من خلالها ابن سينا أن يبين كيف صدر العالم عن الله أو كيفية صدور الكثرة عن الواحد، والاعتراض الذي وجهه ابن رشد لدليل الواجب والممكن ولنظرية الفيض، والبديل الذي جاء به. في حين خصصنا المحور الثالث والأخير للمعرفة الصوفية، من خلال إبراز بعض خصائص هذه المعرفة في مجال الإلهيات، والنقد الذي وجهه ابن رشد للاتجاه الصوفي. وأخيرا نختم الموضوع بخلاصة تركيبية نحدّد فيها النتائج التي توصلنا إليها من خلال إبرازنا لبعض أوجه النزعة النقدية عند ابن رشد.

المحور الأول: نقد ابن رشد للمتكلمين:

لقد حاول ابن رشد أن يقيم تمييزا دقيقا بين الأقوال الخطابية والأقوال الجدلية والأقوال البرهانية، معتبرا أن البرهان هو أعلى مراتب اليقين. وفي سياق البرهنة على وجود الله، قام ابن رشد بعرض أدلة المتكلمين باعتبارها لا ترقى إلى مستوى البرهان وعمل على نقدها، ثم بعد ذلك يأتي بموقفه البرهاني، وسنقوم بعرض كل دليل على حدى كما جاء عند أصحابه، نفس الأمر ينطبق على مسألة علاقة الذات بالصفات، حيث يعرض ابن رشد لموقف المتكلمين ثم ينتقده ويأتي بموقفه الشخصي. وتجدر الإشارة إلى أن نقد ابن رشد كان موجها أساسا للأشاعرة، لأن كتب المعتزلة لم تصل إلى الأندلس حيث يقيم، وعن هذا يقول ابن رشد” وأما المعتزلة فإنه لم يصل إلينا في هذه الجزيرة من كتبهم شيء نقف منه على طرقهم التي سلكوها في هذا المعنى، ويشبه أن تكون طرقهم من جنس طرق الأشعرية”[1].  

1 – أدلة المتكلمين على وجود الله

1-1 دليل الحدوث :

 الدليل الأول الذي يعرضه ابن رشد والذي قال به المتكلمون هو دليل الحدوث، ويتكون من مقدمة صغرى ومقدمة كبرى ثم نتيجة، جاء في المقدمة الصغرى أن العالم حادث أي مخلوق من العدم، وجاء في المقدمة الكبرى أن كل حادث يحتاج إلى محدث، والنتيجة هي أنَّ العالم له محدث الذي هو الله تعالى. إن التأمُّل في هاتين المقدّمتين سيفضي بنا إلى القول إنَّ المقدّمة الأولى ليست بديهية بل نظرية، ومن ثمة وجب البحث عن دليل يؤكد أن العالم حادث، أي لم يكن موجودا منذ الأزل. أما المقدمة الثانية التي تقول إن كل حادث لا بد له من محدث، فهي بمثابة بديهية، تستند إلى مبادئ العقل التي تقول إن لكل سبب مسبب.

وللبرهنة على صحة المقدمة الأولى قدم الأشاعرة دليلين، يفيد الأول أن العالم يتألف من جواهر وأعراض، والأعراض كلها حادثة، وكل ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، ومحدث هذه الجواهر والأعراض هو الله. ويمكن التعبير عن ذلك كما يلي:

  • الجواهر لا تنفك عن الأعراض
  • الاعراض حادثة
  • ما لا ينفك عن الحوادث فهو حادث

بالإضافة إلى هذا الدليل العقلي، دعم الأشاعرة موقفهم بآيات من القران الكريم، مثل قوله تعالى «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب”[2].

أما الدليل الثاني فهو أقرب إلى الطريقة التجريبية منه إلى ما هو نظري، لأنه مبني على الملاحظة، ومفاده أنه لو كان هذا العالم قديم لاستحال أن يوجد على هذه الصورة، فلو كانت الشمس قديمة فلن تبقى مضيئة إلى الآن، لأنه لو استمرت ما لا نهاية له من الزمان لانطفأت، لكن العالم مضيء غير مظلم ومنه فالعالم ليس قديما، فتغير الموجودات دليل على حدوثها وأنها مخلوقة من عند الله تعالى وهو خالق قديم لا يتغير.

في معرض نقده لدليل الحدوث، يبدأ ابن رشد بنقد المقدمة الأولى التي تقول إن الجواهر لا تنفك عن الأعراض، يقول ” إنهم إن عنوا بالجواهر الأجسام المشار إليها القائمة بذاتها فهي مقدمة صحيحة، وإن عنوا بها الأجزاء التي لا تتجزأ، وهذا ما يقصدونه ففيها، أي في هذه المقدمة، شك ليس باليسير. ذلك أن وجود جوهر غير منقسم ليس معروفا بنفسه، وفي وجوده أقاويل متضادة شديدة التعاند”[3]. يفيد هذا النقد أن طريقة الأشاعرة غير برهانية، ما دام أنها يعتريها الشك ما داموا أنهم لم يحددوا بدقة طبيعة الجوهر الفرد. بعد ذلك ينتقل ابن رشد إلى نقد المقدمة الثانية، التي تقول إن الأعراض حادثة، حيث يرى أن الأشاعرة اعتمدوا فيها على منهج قياس الغائب على الشاهد والذي ينتقده ابن رشد بشدة، معتبرا إياه دليل خطابي، إذ لا يجوز استعماله إلا إذا استوت طبيعة الشاهد مع طبيعة الغائب، يقول”فتؤول أدلتهم على حدوث جميع الأعراض إلى قياس الغائب على الشاهد، وهو دليل خطابي إلا حيث تكون النقلة معقولة بنفسها، وذلك عند اليقين باستواء طبيعة الشاهد والغائب”[4].  أما المقدمة الثالثة التي تفيد أن ما لا ينفك عن الحوادث فهو حادث، فيسري عليها ما يسري على المقدمة الثانية، أي أنها ليست يقينية وبرهانية.

2-1 – دليل الإمكان

 ويفيد هذا الدليل أنه من الممكن عقلا أن يكون العالم على غير ما هو عليه، كأن يكون   أكبر مما هو عليه أو أصغر مما هو عليه، وهو ما يعني أن وجوده بهذا الشكل ليس واجبا. وحتى يترجح لدينا هذا العالم بهذا الشكل وليس بشكلٍ آخر، لا بد له من مرجح، وهو واجب الوجود الذي هو الله تعالى. يقول أبو المعالي الجويني” ان العالم، بجميع ما فيه، جائز أن يكون على مقابل ما هو عليه، حتى يكون من الجائز مثلا أصغر مما هو أو أكبر مما هو أو بشكلٍ آخر غير الشكل الذي هو عليه، أو عدد أجسامه غير العدد الذي هي عليه، أو تكون حركة كل متحرك منها إلى جهة ضدّ الجهة التي يتحرك إليها، حتى يمكن في الحجر أن يتحرك إلى فوق، وفي النار إلى أسفل، وفي الحركة الشرقية أن تكون غربية، وفي الغربية أن تكون شرقية”[5].

يرى ابن رشد أن النظر العقلي في الموجودات يقودنا إلى تكذيب هذا الدليل، حيث نجد أن هناك علة وغائية وترابط ضروري بين كل موجودات العالم، وهو ما يتنافى مع منطق الجواز وعدم الضرورة عند الأشاعرة الذين اعتقدوا أن كل موجود يمكن أن يكون بخلاف ما هو عليه، ولم يدركوا بذلك الترتيب والنظام والحكمة التي تتمثل في الثبات والضرورة وليس التغير والجواز. يقول ابن رشد في كتابه الكشف عن  مناهج الأدلة في عقائد الملة” فهذه المقدمة من جهة أنها خطابية قد تصلح لإقناع الجميع، ومن جهة أنها كاذبة ومبطلة لحكمة الصانع، فليست تصلح لهم”. ويضيف” وإنما صارت مبطلة للحكمة لأن الحكمة ليست شيئا أكثر من معرفة أسباب الشيء. وإذا لم يكن للشيء أسباب ضرورية تقتضي وجوده على الصفة التي هو بها ذلك النوع موجود. فليس ها هنا معرفة يختص بها الحكيم الخالق دون غيره. كما أنه لو لم تكن ها هنا أسباب ضرورية في وجود الأمور المصنوعة، لم تكن هنالك صناعة أصلا، ولا حكمة تنسب إلى الصانع دون من ليس بصانع. وأي حكمة كانت تكون في الإنسان لو كانت جميع أفعاله وأعماله يمكن أن تتأتى بأي عضو اتفق، أو بغير عضو؟ حتى يكون الإبصار مثلا يتأتَّى بالأذن كما يتأتَّى بالعين، والشمّ بالعين كما يتأتَّى بالأنف!  وهذا كله إبطال للحكمة وإبطال للمعنى الذي سمى (=الله) به نفسه حكيما، تعالى وتقدَّست أسماؤه عن ذلك”[6].

2- أدلة ابن رشد على وجود الله

قلنا في البداية إن ابن رشد لا يكتفي بنقد المتكلمين، وإنما يعرض موقفهم للنقد ويأتي بالبدائل، وهو ما قام به في نقده لدليلي الحدوث والإمكان، اللذين استبدلهما بدليل العناية الإلهية ودليل الاختراع، حيث اعتبرهما ابن رشد أدلَّة مناسبة للعامَّة والحكماء معا.

1-1 دليل العناية الإلهيَّة

يرى ابن رشد أن النظر في الموجودات يجعلنا ندرك أنها وجدت لخدمة الإنسان، أي أن الله سبحانه وتعالى اعتنى بالإنسان من خلال موجوداته، وهو ما يعني أن وجود الأشياء بهذه الشاكلة وليس بشكل اخر فيه حكمة وقصدية وغائية وعناية، كما أن النظام والقوانين الموجودة في الكون دليل على وجود الله تعالى ونفي للصدفة. يقول ابن رشد” وذلك أنه كما أن الإنسان، إذا نظر إلى شيء محسوس فراه قد وضع بشكل ما، وقدر ما، ووضع ما، موافقا في جميع ذلك للمنفعة الموجودة في ذلك الشيء المحسوس، والغاية المطلوبة، حتى يعترف أنه لو وجد بغير ذلك الشكل أو بغير ذلك الوضع أو بغير ذلك القدر، لم توجد في تلك المنفعة، علم على القطع أن لذلك الشيء صانعا صنعه، ولذلك وافق شكله ووضعه وقدره تلك المنفعة، وأنه ليس يمكن أن تكون موافقة اجتماع تلك الأشياء لوجود المنفعة بالاتفاق.

كذلك الأمر في العالم كله : فإنه إذا نظر الإنسان إلى ما فيه من الشمس والقمر وسائر الكواكب التي هي سبب الأزمنة الأربعة، وسبب الليل والنهار، وسبب الأمطار والمياه والرياح، وسبب عمارة أجزاء الأرض، ووجود الناس فيها وسائر الحيوانات البرية، وكذلك الماء موافقا للحيوانات المائية، والهواء للحيوانات الطائرة، وأنه لو اختل شيء من هذه الخلقة والبنية، لاختل وجود المخلوقات التي ها هنا، علم على  القطع أنه ليس يمكن أن تكون هذه الموافقة، التي  في جميع أجزاء العالم، للإنسان والحيوان والنبات باتفاق، بل ذلك من قاصد قصده، ومريد أراده، وهو الله عز وجل، وعلم على القطع أن العالم مصنوع. وذلك أنه يعلم ضرورة أنه لم يكن يمكن أن توجد فيه هذه الموافقة لو كان وجوده عن غير صانع، بل عن الاتفاق”[7].

ويمكن التعبير عما قاله ابن رشد كالآتي:

“العالم بجميع أجزائه يوجد موافقا لوجود الإنسان والكائنات (مقدمة صغرى)

كل ما يوجد موافقا في جميع أجزائه لفعل واحد ومسددا نحو غاية واحدة، فهو مصنوع (مقدمة كبرى) العالم مصنوع ضرورة وله صانع (النتيجة)”[8].

2-1 دليل الاختراع

إذا كان الدليل الأول يقوم على مبدأ الغائية، فإن هذا الدليل يقوم   على السببية والارتباط الضروري بين الأسباب والمسببات، حيث ينطلق ابن رشد من مبدأ لكل سبب مسبب، فبما أن العالم مُختَرع   فلابد له من مُخترِع الذي هو الله تعالى، وهذه نتيجة يقينية، يقول ابن رشد “وأما دلالة الاختراع فيدخل فيها وجود (= إيجاد) الحيوان كله ووجود النبات ووجود السماوات. وهذه الطريقة تنبني على أصلين موجودين بالقوة في جميع فطر الناس، أحدهما: أن هذه الموجودات مخترعة، وهذا معروف بنفسه في الحيوان والنبات كما قال تعالى: ” إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له، (سورة الحج الآية 83) ….

وأما الأصل الثاني فهو أن كل مخترع فله مخترِع.

فيصبح من هذين الأصلين أن للموجودات فاعلا مخترِعا له. وفي هدا الجنس دلائل كثيرة على عدد المخترعات”[9].

بالإضافة إلى الأدلة العقلية، استدل ابن رشد بايات من القران الكريم، وصنفها إلى آيات تتضمَّن دلالة العناية مثل قوله تعالى ” ألم نجعل الأرض مهادا. والجبال أوتادا. وخلقناكم أزواجا.  وجعلنا نومكم سباتا. وجعلنا الليل لباسا. وجعلنا النهار معاشا. وبنينا فوقكم سبعا شدادا. وجعلنا سراجا وهاجا. وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا. لنخرج به حبا ونباتا. وجنات ألفافا. (سورة النبأ الآية 6- 16)”[10] وآيات تتضمن دلالة الاختراع مثل قوله تعالى (” أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت”[11]. سورة الغاشية الآية 17 – 20).

3- علاقة الذات بالصفات عند المتكلمين والموقف النقدي لابن رشد

لقد وقع جدال كبير بين الفلاسفة والمتكلمين من جهة، وبين فرق المتكلمين المختلفة من جهة أخرى، حول ما إذا كانت علاقة الذات الإلهية بالصفات كعلاقة الصفة بالموصوف، أم أن الذات والصفات شيء واحد؟ بتعبير اخر هل الصفات هي عين الذات، أم أن الذات شيء والصفات شيء آخر؟

3-1 نفي الصفات عند المعتزلة

 لقد أجمع المعتزلة على نفي الصفات الزائدة عن ذات الله تعالى، لأن ذلك يتناقض مع أصل التوحيد والتنزيه الواجب إثباتهما لله تعالى. وفي هذا السياق عمل المعتزلة على التمييز بين الصفات الذاتية والصفات الفعلية، معتبرين أن الأولى ملازمة لله تعالى ولا يمكن أن يوصف بضدها، مثل العلم والقدرة والحياة. أما الصفات الفعلية فهي كل ما يتعلق بالحواس والتي لا تنسب إلى الله مجازا فقط. ويعتبر أبو الهذيل العلاف أول معتزلي يقول بأن الصفات هي عين الذات، يقول الشهرستاني: ” إن العلاف يرى أن الله عالم بعلم وعلمه ذاته، قادر بقدرته وقدرته ذاته، حي بحياة وحياته ذاته، وبهذا تكون الصفات أحوالا أو وجها للذات. ثم يقول: إن العلاف اقتبس رأيه في أن الذات هي عين الصفات وليست شيئا زائدا عنها، من الفلاسفة الذين اعتقدوا أن ذاته واحدة لا كثرة فيها بوجه، وإنما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته بل هي ذاته”[12].كما  يعتبر المعتزلة أنَّ القول بالصفات الزائدة عن الذات الإلهيَّة سيؤدي إلى القول بقدم الصفة، وبالتالي سيتعدد القدماء ومن ثمة نفي التوحيد، وإن قلنا إن هذه الصفات محدثة أصبحت ذات الله تعالى محلا للحوادث وهو ليس محلا للحوادث. بالإضافة إلى هذه الأدلة العقلية التي اعتمد عليها المعتزلة للدفاع عن موقفهم الرامي إلى نفي الصفات الزائدة عن الذات الإلهية، اعتمدوا على حججا نقلية مستمدَّة من القرآن الكريم، حيث قاموا بتأويل الآيات التي يدل ظاهرها على التجسيم لتتناسب مع التوحيد والتنزيه “، وقال النظام والكعبي ومن تبعهما من البغداديين أن الله تعالى لا يسمع ولا يبصر شيئا على الحقيقة، وتأولوا وصفه بالسميع والبصير على معنى العلم بالمسموعات والمرئيات.

فالمعتزلة كما نرى، متفقون على أن الله لا يسمع ولا يرى بسمع وبصر قديمين أو محدثين، ومتفقون أيضا على أنه تعالى لا يسمع بأذن ولا يرى بعين لأن هذا يؤدِّي إلى التشبيه والتجسيم”[13].

3-2 إثبات الصفات عند الأشاعرة

على النقيض من المعتزلة الذين نفوا الصفات الزائدة، تبنى الأشاعرة موقفا وسطا بين المعتزلة والمشبهة، وقد أثبت الأشاعرة مجموعة من الصفات لله تعالى واعتبروها غير مشابهة لصفات الإنسان وباقي المخلوقات، وقد اعتبروا أنَّ هذه   الصفات قديمة وهي سبع صفات: “القدرة، والعلم، والحياة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، وكذلك الأسماء المشتقة منها قديمة أيضا مثل: القادر والعالم والحي والمريد والسميع والبصير. أمل صفات أفعال الله: كالخالق والرزاق والمعز والمذل فهي غير قديمة في نظرهم”[14].

وقد اعتمد الأشاعرة على مجموعة من الحجج لإثبات الصفات، ومنها: لا يمكن أن نقول أن الله عالم وبلا علم أو قادر وبلا قدرة وحيا بلا حياة، فهذا تناقض. ويعبر أبو بكر الباقلاني عن هذا بقوله ” فإن قال قائل: ولم قلتم إن للقديم تعالى حياة وعلما وقدرة وسمعا وبصرا وكلاما وإرادة؟ قيل له: من قبل أن الحي العالم القادر منا إنما كان حيا عالما قادرا متكلما مريدا من أجل أن له حياة وعلما وقدرة وكلاما وسمعا وبصرا وإرادة”[15].

إن هذه الصفات ليست هي الذات ولا غيرها، فلا هي هو ولا هي غيره، ومن هنا جاءت عبارة أن الصفات ليست بعين الذات ولا بغيرها. يقول أبو بكر الباقلاني “والدليل على أن صفاته لا يقال لها هي هو لأنها لو كانت هي هو لكانت خالقة فاعلة مثله فلا يجوز أن يقال هي هو. ويدلُّ على صحة هذا المعنى قول علي عليه السلام في القرآن: ليس بخالق ولا مخلوق. لأنه لو جعله خالقا كان إلها ثانيا مع الله، ولو جعله مخلوقا لوجب أن يكون الباري موجودا بلا كلام ثم خلق كلامه بعد وذلك لا يصح لأنَّ صفات ذاته قديمة بقدم ذاته”[16].

4- نقد ابن رشد للأشاعرة والمعتزلة

في معرض نقده للمتكلِّمين يتساءل ابن رشد عن علاقة الذات بالصفات، “هل هي الذات؟ أم زائدة عن الذات؟ أي هل هي صفة نفسية، أو صفة معنوية؟”[17] ويجيب فيما معناه أن قول الأشاعرة بأن الصفات زائدة عن الله تعالى يؤدِّي إلى تجسيمه أو القول بتعدُّد الآلهة كما هو الأمر عند النصارى. ويعتبر ابن رشد أن مصدر هذا الخطأ يعود إلى الاستدلال بالشاهد على الغائب، أي قياس الله على الإنسان وهو أمر غير ممكن ولا يجوز، فوجود الصفات في الله تعالى يختلف عن الكيفية التي توجد بها لدى الإنسان. يقول ابن رشد “فإن الأشعرية يقولون: إنَّ هذه الصفات هي صفات معنوية، وهي صفات زائدة على الذات، فيقولون: إنه عالم بعلم زائد على ذاته، وحي بحياة زائدة على ذاته، كالحال في الشاهد. ويلزمهم على هذا أن يكون الخالق جسما، لأنه يكون هنالك صفة وموصوف، وحامل ومحمول، وهذه هي حال الجسم”[18].

أما المعتزلة فقد أخذ عليهم ابن رشد مطابقتهم بين الذات والصفات بالرغم أنهما ليسا شيئا واحدا، مثل المطابقة بين العلم والعالم، معتبرا أن من بديهيات العقل أن الصفة ليست هي الموصوف فالعلم مثلا ليس هو العالم. كما أخذ عليهم إذاعة هذا الرأي للجمهور الذي أدَّى بهم إلى الحيرة والضلال، فالعامَّة أو الجمهور بلغة ابن رشد ملزم بالاكتفاء بما جاء في ظاهر النصوص الدينية، وغير معني بباطنها، ومنه فهو ملزم بالإيمان بالصفات دون التساؤل عن علاقتها بالذات الإلهية، لأن من شأن ذلك أن يؤدِّي بهم إلى الكفر. يقول ابن رشد ” وكذلك قول المعتزلة، في هذا الجواب، إن الذات والصفات شيء واحد، هو أمر بعيد من المعارف الأول، بل يظن أنه مضاد لها. وذلك أنه يظن أن من المعارف الأول أن العلم يجب أن يكون غير العالم، وأنه ليس يجوز أن يكون العلم هو العالم إلا لو جاز أن يكون أحد المضافين قرينة، مثل أن يكون الأب والابن معنى واحدا بعينه. فهذا تعليم بعيد عن أفهام الجمهور، والتصريح به بدعة، وأن يضلِّل الجمهور أحرى منه أن يرشدهم”[19]. ويضيف قائلا “الذي ينبغي أن يعلم الجمهور من أمر هذه الصفات، هو ما صرح به الشرع فقط وهو الاعتراف بوجودها دون تفصيل فيها هذا التفصيل”[20]

4-1 موقف ابن رشد من مسألة علاقة الذات بالصفات

يعترف ابن رشد على غرار الأشاعرة بوجود سبع صفات للذات الإلهية، إلا أنه يختلف مع الأشاعرة في عدم إقراره بأن هذه الصفات زائدة عن الذات الإلهية، وبذلك يكون موقفه قريبا من موقف المعتزلة الذين قالوا أن الصفات هي عين الذات، يقول ابن رشد ” وأما الأوصاف التي صرح الكتاب العزيز بوصف الصانع الموجد للعالم بها، فهي أوصاف الكمال الموجودة للإنسان، وهي سبعة: العلم، والحياة، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام”[21]

المحور الثاني: نقد ابن رشد لابن سينا

لم يتوانَ فيلسوف قرطبة ومراكش في نقد كل ما من شأنه أن يخل بالطريقة البرهانية باعتبارها رمزا لليقين، وكل ما من شأنه أن يشوش على فلسفة المعلم الأول باعتبارها رمزا للحقيقة، وفي هذا لا يستثني أحدا سواء أكان متكلما أو متصوفا أو حتى فيلسوفا. في هذا السياق جاء نقد ابن رشد للفيلسوف المشرقي ابن سينا، لكونه ألحق ضررا بليغا بفلسفة أرسطو عندما أدخل عليها عناصر كلامية وأفلوطينية، “ولقد ذكر في التهافت اسم الشيخ الرئيس ثمانين مرة، منبها الى أن الآراء التي ينسبها الغزالي للفلاسفة (أرسطو تحديدا) هي آراء ابن سينا الذي تساهل في التزام الطريقة البرهانية ونحا منحى جدليا”[22]. وقد خصَّصنا هذا المحور للوقوف على الموقف النقدي لابن رشد من دليل الواجب والممكن أو برهان الصدقين ونظرية الفيض عند الشيخ الرئيس ابن سينا، والبديل الذي جاء به ابن رشد.

1 دليل وجود الله عند ابن سينا:

1-1 الواجب والممكن أو برهان الصدقين

لقد سمي هذا الدليل ببرهان الصدقين وذلك لكونه حسب ابن سينا أعلى مراتب البرهان لمعرفة الله، لأنه يستدل على الله بالله، أو الله كبرهان على وجود الله. “وعلى الرغم من أن هناك طرقا كثيرة وأدلَّة متعدِّدة لإثبات وجود الله، فإن ابن سينا يعد هذا الدليل- إثبات وجود الله عن طريق الوجود- أوثق الطرق وأشرفها؛ إذ إنه لا يحتاج لغير تأمّل فكرة الوجود نفسها. ولا ينكر ابن سينا الأدلة الأخرى، وإنما يفضل هذا الدليل على غيره، لأنه يبدأ بأشرف الموجودات ثم ينتقل إلى الأدنى في سلم الموجودات”[23].

وقد اعتبر ابن سينا أن الأمور التي تدخل في الوجود تنقسم إلى قسمين: ممكنة الوجود وواجبة الوجود؛ الأولى يتساوى وجودها مع عدمها  أي لا ضرورة في وجودها ولا في عدمها، أما الثانية فلا يمكن افتراض عدم وجودها فوجودها ضروري؛ يقول ابن سينا ” فهناك قسمان: واجب الوجود، وممكن الوجود، ويعرف واجب الوجود بأنه الموجود الذي متى فرض غير موجود عرض عنه محال، والممكن الوجود هو الذي متى فرض غير موجود أو موجودا لم يعرض منه محال”[24]. وما دام أن ممكن الوجود (الكون) تحقَّق وجوده، فلا بد له من علَّة خارجية أوجدته، وهذه العلَّة لا تحتاج إلى علَّة أخرى، لأنه لو كانت كذلك لاحتاجت بدورها  إلى علَّة وبالتالي سنقع في تسلسل لا نهائي أو في الدور كأن يكون الأول علَّة للثاني والثاني علَّة للثالث وهكذا وهذا أيضا محال وغير معقول. ليبقى الحل إذن هو أن العلَّة الموجدة للكون هي واجب الوجود الذي هو الله تعالى الذي هو علة ذاته[25]. وما دام أن العالم ملازم في وجوده لواجب الوجود، مساوقا له مساوقة العلَّة للمعلول، فإنه أصبح واجب الوجود بغيره، أي ممكن الوجود بذاته واجبًا بغيره، يقول ابن سينا: “فليست الأربعة- على سبيل المثال- واجبة الوجود بذاتها، ولكن عند فرض اثنين واثنين، وليس الاحتراق واجب الوجود بذاته، ولكن عند التقاء القوَّة الفاعلة بالطبع والقوَّة المنفعلة بالطبع”[26].

2-1 نقد ابن رشد لدليل الواجب والممكن

في معرض نقده لدليل الواجب والممكن حاول ابن رشد البحث عن مصدر هذا الدليل وإرجاعه إلى أصله، لمعرفة هل هو مطابق لما جاء في فلسفة المعلم الأول أم أنه دخيل على الفلسفة، كما أنه قام بمحاكمة منطقية لمقولة ابن سينا؛ الممكن بذاته الواجب بغيره؛ لتبيان أوجه التناقض الذي وقع فيها ابن سينا، يقول ابن رشد: ” وطريقة واجب الوجود في إثبات موجود ليس بجسم ليست طريقة القدماء، وإنما أول من سلكها ونقلها وقال بأنها أشرف من طرق القدماء، هو ابن سينا. فقد كان للقدماء طريقة أخرى أثبتوا فيها موجودا ليس بجسم هو مبدأ الكل، وذلك من أمور متأخرة، هي الحركة والزمان”[27]. هكذا إذن يعتبر ابن رشد أن أرسطو لم يقل بهذا الدليل، وهو ما يعني أن مصدره دخيل على الفلسفة.” يسأل ابن رشد عن هذه الطريقة وعن أصلها، فإذا لم يكن القدماء قد قالوا بها، فمن أين استقاها ابن سينا؟”[28]جوابا عن هذا السؤال، يقول ابن رشد أن ابن سينا تأثر في هذا الدليل بالمتكلمين الذين يرون أن العالم جائز أن يكون على غير ما هو عليه، وفي هذا السياق يقول عاطف العراقي “والمقارن بين فكرة ابن سينا وفكرة الأشاعرة، يجد أن ابن رشد كان على حق تماما حين ذهب إلى أن ابن سينا قد جارى المتكلمين، طالما أنه يضع العالم في مقولة الإمكان أو الاحتمال، وتصور لإرضائهم تقسيمه بين الممكن والواجب ووضع العالم في صنف الممكن، وافتراض إمكان كون العالم على غير ما هو عليه”[29].

بعد الكشف عن الأصل الكلامي لدليل الواجب والممكن عمل ابن رشد على تبيان التناقضات المنطقية التي يطرحها التقسيم الذي قام به بن سينا للدليل إلى الممكن بذاته الواجب بغيره. “فقول ابن سينا بـ ” الممكن بذاته الواجب بغيره” قول متناقض متهافت، لأنه يجمع بين شيئين متقابلين، كل منهما من طبيعة مختلفة: فـــــــــ “الممكن” من طبيعة أنه يمكن أن يوجد وأن لا يوجد.  بينما “الواجب” هو “الضروري الوجود”. والقسمة العقلية تقتضي إما أن يكون الشيء ممكنا، وإما ضروريا، وإما ممتنعا. ولا يمكن أن يكون “الممكن ” واجبا، بذاته أو بغيره، إلا إذا انقلبت طبيعة الممكن إلى الواجب، وهذا إلغاء للممكن”[30] .

2-2 دليل الحركة عند ابن رشد

لم يكتف ابن رشد بدليل العناية والاختراع كبرهانين على وجود الله، وإنما أضاف دليل آخر وهو دليل الحركة، ومرد ذلك هو أن ابن رشد اعتبر دليلي العناية والاختراع أدلة شرعية موجهة على وجه الخصوص للجمهور. أما دليل الحركة فهو دليل فلسفي موجه للخاصة، وما يدعم قولنا هذا هو أنَّ ابن رشد لم يذكر هذا الدليل في كتاب الكشف عن مناهج الأدلَّة، في حين نجده مبثوثا في كتبه الشارحة. وقد اعتبر ابن رشد أن دليل الحركة دليل برهاني ينطلق من المحسوسات وصولا إلى الصانع، أو من المعلولات إلى العلَّة، كما أنه دليل معتمد من قبل المعلِّم الأول أرسطو.

ينطلق دليل الحركة عند ابن رشد من المقدِّمة التالية: كل شيء متحرّك لا بد له من محرك، وتستحيل الحركة بدون محرك، يقول ابن رشد ” فلا يمكن أن تكون الموجودات بأعيانها محركة لذواتها، أي يكون تحرك الأشياء من غير محرك. فالمادة الموضوعة للنجار وهي الخشب لا يمكن أن تحرك نفسها إن لم يحركها النجار. ولا الأرض يمكن أن يكون منها نبات إن لم يحركها البذر”[31]. وما دام أن العالم متحرك؛ تخترقه الحركة والتغير؛ فهذا يعني بالضرورة أن له محركا، الذي قد يكون محركا متحركا أو محركا ثابتا؛ فإذا كان محركا متحركا سيحتاج بدوره إلى محرك يحركه وهذا يستلزم التسلسل إلى ما لا نهاية وهذا شيء مستحيل، أما إذا كان محركا ثابتا (يحركه شيء ثابت)، فذلك هو المحرك الذي لا يتحرك أي الله تعالى. وقد عبر ابن رشد عن هذا بقوله: ” فمتى أنزلنا هذا المحرك الأقصى للعالم يحرك تارة ولا يحرك أخرى، لزم ضرورة أن يكون هناك محرك أقدم منه، فلا يكون المحرك الأول. فان فرضنا أيضا هذا الثاني يحرك تارة ولا يحرك أخرى، لزم فيه ما لزم في الأول. فباضطرار اما أن يمر ذلك الى غير نهاية، أو ننزل أن هناك محركا لا يتحرك أصلا ومن شأنه أن يتحرك لا بالذات ولا بالعرض”[32]. ويشير الدكتور عاطف العراقي إلى أن دليل الحركة استلهمه ابن رشد من أرسطو، يقول عاطف العراقي:” ان دليل الحركة، فيه متابعة لأرسطو إلى حد كبير جدا، اذ أن الله عند أرسطو هو المحرك الأول الذي لا يتحرك، بمعنى أنه لابد عند أرسطو في القول بالمحرك الذي لا يتحرك، نظرا لأن كل حركة لها محرك، ولا يمكن أن تمر في ذلك الى ما لا نهاية، بل لابد من القول بوجود محرك لا يتحرك عن شيء اخر”.[33]

2- نظرية الفيض عند ابن سينا

تعود جذور هذه النظرية إلى الفيلسوف اليوناني أفلوطين (205-270م)، الذي حاول من خلالها أن يفسِّر كيف صدر العالم عن الله أو كيف صدرت الكثرة عن الواحد. وقد قام الفلاسفة المسلمين كالفارابي وابن سينا باستلهام هذه النظرية، مضيفين إليها بعض العناصر الجديدة تتماشى والثقافة الإسلامية. فما هي معالم هذه النظرية عند الشيخ الرئيس، ابن سينا؟

ترى نظرية الفيض كما صاغها ابن سينا أن العالم فاض عن الله كما يفيض النور من الشمس، وذلك بشكل تسلسلي بدءًا من أشرف الموجودات إلى أدناها درجة، ونشير إلى أنه رغم استلهام ابن سينا لهذه النظرية فقد أضاف إليها بعض عناصر الجدّة، إذ عدل من عدد الأشياء التي تصدر عن كل عقل، يقول محمد عابد الجابري: ” وهكذا فبينما يصدر عن كل عقل من العقول السماوية عقل مثله وكرة سماوية جرما ونفسا، حسب رأي الفارابي، يصدر عنها، حسب رأي ابن سينا ثلاثة موجودات مختلفة بالطبيعة، عقل، ونفس، وجرم فلكي”[34]. وهذا يعني أن الفيض عند الشيخ الرئيس أصبح ثلاثيا، بعدما كان ثنائيا عند الفارابي، هذا ويعتبر ابن سينا أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، وأول شيء فاض عن الله هو الصادر الأول أو العقل الأول ونفس السماء الأولى وجرم السماء الأولى، يقول ابن سينا ” ولا يكون واجب الوجود مبدأ لاثنين معا، وتكثر الاعتبارات والجهات ممتنع في المبدأ الأول، لأنه واحد من كل جهة، ولا يمكن أن يصدر عنه أكثر من واحد، الواحد من حيث هو واحد إنما يوجد عنه واحد”[35]. ويعتبر أن الصادر الأول يشبه الله في الكمال، كما أنه لا يعقل ولا يفكر في الأشياء الأدنى درجة منه، ولذلك فهذا العقل الأول عندما فكر في ذاته وفكر في الله صدر عنه العقل الثاني ونفس الثوابت وجرم الثوابت، وهذا العقل الثاني أيضا شبيه بالأول حيث لا يعقل الأشياء الأدنى درجة منه، فعندما فكر وعلم ذاته وفكر وعلم العقل الأول فاض عنه عقل ثالث ونفس زحل وكرة زحل، وهكذا دواليك العقل الرابع ثم الخامس….. وصولا إلى العقل العاشر.

إن هذه السلسلة من العقول مختلفة بالدرجة وذات طبيعة واحدة، فهي ذات طبيعة روحية عقلية، فالعقل الأول هو أشد درجات العقل والروحية من العقل الثاني والثاني من الثالث إلى أن نصل إلى العقل العاشر وهو أدنى مرتبة من بقية العقول.

هذا فيما يخص الترتيب السماوي أما الترتيب الأرضي فعلى العكس من ذلك فيبدأ من الأدنى درجة إلى الأعلى درجة، حيث يبدأ من المادة الأولى (الهيولى) ثم العناصر الأربعة (الماء والهواء والنار والتراب) ثم المعادن، النباتات، الحيوان، وأخيرا الإنسان. ويعتبر العقل العاشر أو العقل الفعال حلقة الوصل بين هذين العالمين، وقد سمي فعالا لأنه هو من أوجد المخلوقات الأرضية.
ويمكن توضيح نظرية الفيض عند ابن سينا من خلال الشكل التالي:

1-2 نقد ابن رشد لنظرية الفيض السينوية

قلنا سابقا أن ابن رشد بذل مجهودا كبيرا لعزل الفلسفة الأرسطية عن كل الشوائب الدخيلة عليها، ونقد كل معرفة لا تنحى منحا برهانيا، وفي هذا السياق يأتي نقده لنظرية الفيض عند ابن سينا، التي اعتبرها ابن رشد دخيلة على الفلسفة المشائية وليست من أصولها، هذا ويعد نقده لابن سينا أشد وطأة وعنفا لكون ابن سينا مزج بين علم الكلام والفلسفة المشائية، كما أقحم فيها بعض تصورات أفلوطين، يقول ابن رشد: “وأما ما حكاه ابن سينا من صدور هذه المبادئ، بعضها من بعض، فهو شيء لا يعرفه القوم. وإنما الذي عندهم أن لها من المبدأ الأول مقامات معلومة لا يتم لها وجود إلا بذلك المقام منه، كما قال سبحانه: (وما منا إلا له مقام معلوم) (الصفات 164)”.[36] وعليه انتقد ابن رشد الأساس الذي بنيت عليه نظرية الفيض، ألا وهو ” أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد” يقول “فقولكم ان الواحد لا يصدر عنه إلا واحد يناقض قولكم: إن الذي صدر عن الواحد الأول شيء فيه كثرة، لأنه يلزم أن يصدر عن الواحد واحد؛ إلا أن يقولوا: أن الكثرة التي في المعلول الأول، كل واحد منها أول. فيلزمهم ان تكون الأوائل كثيرة”[37]، هكذا يكشف ابن رشد التناقض المنطقي الذي وقع فيه ابن سينا وهو تناقض رغم وضوحه وجلائه إلا أن   الشيخ الرئيس وقع فيه، ويعبر ابن رشد عن هذا بقوله: ” والعجب كل العجب كيف خفي هذا على أبي نصر وابن سينا لأنهما أول من قال هذه الخرافات فقلدهما الناس، ونسبوا هذا القول إلى الفلاسفة………وهذه كلها خرافات وأقاويل أضعف من أقاويل المتكلمين. وهي كلها أمور دخيلة في الفلسفة ليست جارية على أصولهم. وكلها أقاويل ليست تبلغ مرتبة الإقناع الخطبي فضلا عن الجدلي”[38].

بعد ذلك ينتقل ابن رشد إلى الكشف عن الأساس المنهجي الذي بنيت عليه نظرية الفيض، وهو قياس الغائب على الشاهد، وهو منهج استلهمه ابن سينا من المتكلمين، فالقاعدة التي مفادها أن “الفاعل الواحد لا يصدر عنه الا فعل واحد” مبنية على تشبيه الفاعل الذي في الغائب بالفاعل الذي في الشاهد، وهذا يقول ابن رشد خطأ “لأن الفاعل الواحد، الذي وجد في الشاهد يصدر عنه فعل واحد، ليس يقال مع الفاعل الأول إلا باشتراك الاسم. وذلك أن الفاعل الأول الذي في الغائب فاعل مطلق، والذي في الشاهد فاعل مقيد. والفاعل المطلق ليس يصدر عنه إلا فعل مطلق. والفعل المطلق ليس يختص بمفعول دون مفعول”[39].

بعد نقده اللاذع لنظرية الفيض كما صاغها ابن سينا، ينتقل ابن رشد إلى توضيح كيف صدر العالم عن الله وفق الفهم الأرسطي للمسألة.

2-2 موقف ابن رشد:

يؤكد ابن رشد على أن العالم صدر عن الله مباشرة وبدون وسائط، معتبرا أن أصل المشكلة عند ابن سينا وغيره لم يفهموا كيف يكون الواحد علة على مذهب أرسطو ومن تبعه من المشائيين، لقد استغنى ابن رشد عن فكرة الفيض بفكرة العلة والمعلول، ويتدرج بالعلل والمعلولات حتى يصل الله دون اللجوء إلى القول بالفيض”[40].

يطرح ابن رشد سؤالا على نفسه “فإن قيل: فما تقول أنت في هذه المسألة، وقد أبطلت مذهب ابن سينا في علة الكثرة؟ فما تقول أنت في ذلك؟ فإنه قد قيل أن فرق الفلاسفة كانوا يجيبون بواحد من ثلاثة أجوبة: أحدهما: قول من قال أن الكثرة إنما جاءت من قبل الهيولى، والثاني قول من قال إنما جاءت من قبل الآلات، والثالث قول من قال من قبل الوسائط.

والذي يجري عندي على أصولهم أن سبب الكثرة هو مجموع الثلاثة الأسباب، أعني: المتوسطات، والاستعدادات، والآلات.  وهذه كلها بينا كيف تستند إلى الواقع وترجع إليه”[41].هكذا يقر ابن رشد خلافا لابن سينا بأن الواحد يمكن أن تصدر عنه الكثرة دون وسائط من خلال القول بالخلق المباشر من الله الذي أوجد جميع المخلوقات والكون كله.

وقد شبه ابن رشد العالم بالمدينة والله برئيسها، فكما تسري أوامر رئيس المدينة المحكمة التنظيم في سائر أجزائها، تسري كذلك إرادة الله في سائر أجزاء العالم”[42]، يقول ابن رشد: ” والعالم أشبه عندهم بالمدينة الواحدة: وذلك أنه كما أن المدينة تتقوم برئيس واحد ورئاسات كثيرة تحت الرئيس الأول، كذلك الأمر عندهم في العالم…”[43].

المحور الثالث: نقد ابن رشد للمنهج الصوفي

إذا كان ابن رشد فيلسوف النقد فهو كذلك فيلسوف البرهان بامتياز، فكما كان يرفض أي معرفة دخيلة على الفلسفة المشائية، كان يرفض كذلك كل المعارف التي لا تستند إلى البرهان، أي تلك المعرفة التي تنطلق من مقدمات يقينية لتصل إلى نتائج صادقة بالضرورة، محاولا تحرير العقل من الأنماط المعرفية غير البرهانية، وفي هذا السياق يأتي نقده للمنهج والمعرفة الصوفية، يقول ابن رشد: ” وأما الصوفية فطرقهم في النظر ليست طرقا نظرية، أعني مركبة من مقدمات وأقيسة. وإنما يزعمون أن المعرفة بالله وبغيره من الموجودات شيء يلقى في النفس عنه تجريدها من العوارض الشهوانية وإقبالها بالفكرة على المطلوب. ويحتجون لتصحيح هذا بظواهر من الشرع كثيرة، مثل قوله تعالى {واتقوا الله ويعلمكم الله} (البقرة 282)، ومثل قوله تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} (العنكبوت69)، ومثل قوله: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} (الأنفال 29)، إلى أشباه ذلك كثيرة يظن أنها عاضدة لهذا المعنى”[44]. يأخذ ابن رشد على المتصوفة أن منهجهم في المعرفة غير برهاني، أي لا ينطلق من مقدمات يقينية وصولا إلى نتائج صادقة، فللوصول إلى معرفة الله تعالى عند المتصوفة، لا يحتاج الأمر إلى استدلالات وبراهين، وإنما هو عبارة عن شيء يلقى في النفس عندما تتحرر الذات من شوائب الشهوات. “قيل للنوري: بم عرفت الله تعالى؟ قال: بالله. قيل: فما بال العقل؟ قال: العقل عاجز لا يدل إلا على عاجز مثله وهو لا يعرف الله إلا بالله”[45]. وإذا كانت معرفة الله عبارة عن شيء يلقى في النفس، فإن ذلك يعني أن طريق المتصوفة فردية وليست مشتركة بين الناس وهذا ما يتناقض مع الطريق البرهاني باعتباره مجموعة من القواعد التي بإمكان الجميع اتباعها للوصول إلى المعرفة الحقة، وهذا ما يأخذه ابن رشد على المتصوفة بقوله: “ونحن نقول إن هذه الطريقة، وإن سلمنا وجودها، فإنها ليست عامة للناس بما هم ناس. ولو كانت هذه الطريقة هي المقصودة بالناس لبطلت طريقة النظر، ولكان وجودها في الإنسان عبثا. والقران كله إنما هو دعاء إلى النظر والاعتبار، وتنبيه على طريق النظر. نعم لسنا ننكر أن تكون إماتة الشهوات شرطا في صحة النظر، مثل ما تكون الصحة شرطا في ذلك، لا أن إماتة الشهوات هي التي تفيد المعرفة بذاتها، وإن كانت شرطا فيها. كما أن الصحة شرط في التعلم وإن كانت ليست مفيدة له”[46]. هكذا اعتبر ابن رشد أن الطريقة الصوفية ليس لها أي سند سواء من الناحية العقلية أو النقلية، فهي من جهة تتناقض مع العقل باعتباره ملكة مشتركة بين جميع البشر، وتنفي إمكانية تأسيس معرفة كونية، ومن جهة ثانية نجد أن النص الديني يدعو إلى النظر العقلي في الكون للوصول إلى معرفة الخالق.

خاتمة:

إن أهم ما يميز التفكير الفلسفي عن باقي أنماط التفكير الأخرى هو كونه تفكيرا نقديا بامتياز، فالفيلسوف لا يأخذ المعرفة على عواهنها وإنما يقوم بفحصها وغربلتها حتى يتمكن من عزل العناصر التي تتماشى مع العقل والمنطق. وهذا ما نجده مجسدا في فلسفة أبو الوليد ابن رشد، الذي يمتلك عقلية نقدية فذة وأسلوب حجاجي برهاني، مكناه من تبوء مكانة مرموقة في تاريخ الفلسفة بشكل عام وفي الفلسفة الإسلامية بشكل خاص.

لقد عمل ابن رشد على نقد كل الموروث المعرفي الذي سبقه متحريا الدقة والموضوعية، من أجل تحرير التراث الفلسفي المشائي من الضرر الذي ألحقه به الشراح كابن سينا، كما انتقد المتكلمين وخاصة الاشاعرة، معتبرا أن منهجهم الجدلي منزلة بين المنزلتين، لا يفهمه الجمهور ولا يرتقي إلى مستوى البرهان الفلسفي، وهذا حسب ابن رشد عيب كبير في منهجهم، كما أنه انتقد المنهج الذوقي لدى المتصوفة، لكونه منهج فردي وذاتي تستحيل معه قيام أية معرفة موضوعية. هكذا يخلص ابن رشد إلى أن المعرفة الحقة هي المعرفة العقلية البرهانية، التي يتوصل من خلالها المرء إلى نتائج يقينية لا يرتقي إليها الشك.    إن هذا المنهج الرشدي هو لعمري ما يجب أن يتحلى به كل باحث عن الحقيقة، سواء في المجال النظري أو العملي، وخصوصا في مجتمعاتنا التي يغلب عليها الطابع الاستهلاكي للمعارف، سواء في تعاملنا مع تراث أجدادنا أو في تعامنا مع ما ينتجه الاخر. لذا فالبحث عن إثبات الذات في العالم يقتضي منا التحلي بشجاعة ابن رشد في تعامله مع التراث المعرفي الذي سبقه، حيث وجه سهام نقده إلى كل من لم يتحر الدقة والموضوعية، ويلتزم بالأسلوب البرهاني حتى من أبناء جلدته، وفي المقابل يقف إلى جانب الحق حتى ولو كان من ألذ خصومه.

المصادر والمراجع المعتمدة:

1) المصادر

– ابن رشد: الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى 1998.

– ابن رشد، تهافت التهافت، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2008.

– أبو بكر الباقلاني: الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، تحقيق محمد زاهد بن الحسن الكوثري، 1950.

– الباقلاني، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، تحقيق، الشيخ عماد الدين أحمد حيدر مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، 1987.

-القران الكريم.

2) المراجع

– محمد عاطف العراقي: النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1984.

– عاطف العراقي، المنهج النقدي في فلسفة ابن رشد، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، 1984.

– الاب سهيل قاشا، المعتزلة: ثورة الفكر الإسلامي الحر، التنوير، بيروت، الطبعة الأولى، 2010.

– محمد علي أبو ريان: تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الثانية: 1976.

– فيصل غازي مجهول، نقد ابن رشد لإلهيات ابن سينا، دار الهادي، بيروت، الطبعة الثانية، 2008.

– محمد عابد الجابري، نحن والتراث؛ قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي؛ دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 1980.

– محمد عاطف العراقي، تجديد في المذاهب الفلسفية والكلامية، دار المعارف، مصر، الطبعة الثانية، 1974.

– رشيد العلوي: مشكلة الجوهر عند ابن رشد، بين العلم الطبيعي وعلم ما بعد الطبيعة، مكتبة حسن العصرية، بيروت، الطبعة الأولى، 2016.


[1]ابن رشد: الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى 1998، صفحة118  .

[2] القران الكريم، سورة ال عمران، الآية 190.

[3] ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى 1998، صفحة: 77

[4] نفس المرجع، ص،78.

[5] المرجع نفسه، صفحة: 112

[6] ابن رشد: الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، تحقيق، محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى 1998، صفحة: 113

[7]المرجع نفسه، صفحة: 162-163

[8] محمد عاطف العراقي: النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1984، صفحة: 273

[9] ابن رشد: الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1998، صفحة: 119

[10]نفس المرجع، صفحة: 120

[11] المرجع نفسه، ص، 120

[12] الاب سهيل قاشا، المعتزلة: ثورة الفكر الإسلامي الحر، التنوير، بيروت، الطبعة الأولى، 2010، صفحة: 290

[13] نفس المرجع، صفحة: 91

[14] محمد علي أبو ريان: تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الثانية: 1976، صفحة: 202

[15] الباقلاني، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، تحقيق، الشيخ عماد الدين أحمد حيدر مؤسسة الكتب الثقافية، الطبعة الأولى، 1987، صفحة: 227

[16] أبو بكر الباقلاني: الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به، تحقيق محمد زاهد بن الحسن الكوثري، 1950، صفحة: 34

[17] ابن رشد: الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1998، صفحة: 134

 [18]نفس المرجع صفحة: 134

[19] نفس المرجع، ص: 134-135

[20] المرجع نفسه، صفحة: 135

[21]نفس المرجع، صفحة: 129

[22] رشيد العلوي: مشكلة الجوهر عند ابن رشد، بين العلم الطبيعي وعلم ما بعد الطبيعة، مكتبة حسن العصرية، بيروت، الطبعة الأولى، 2016، صفحة: 250

[23] فيصل غازي مجهول، نقد ابن رشد لإلهيات ابن سينا، دار الهادي، بيروت، الطبعة الثانية، 2008، صفحة: 101

[24] نفس المرجع، صفحة: 102

[25] بن رشد، تهافت التهافت، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2008، صفحة: 67 – 68

[26] فيصل غازي مجهول، نقد ابن رشد لإلهيات ابن سينا، دار الهادي، بيروت، الطبعة الثانية، 2008، صفحة: 102

[27] المرجع نفسه، صفحة: 104

[28] نفس المرجع، ص: 104

[29] عاطف العراقي، المنهج النقدي في فلسفة ابن رشد، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، 1984، صفحة: 215

[30]ابن رشد، تهافت التهافت، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2008، صفحة: 69

[31] عاطف العراقي، النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1984، صفحة: 284-283

[32] نفس المرجع، صفحة: 284

[33] نفس المرجع، ص، 287

[34] محمد عابد الجابري، نحن والتراث؛ قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي؛ دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 1980، صفحة: 143

[35]فيصل غازي مجهول، نقد ابن رشد لإلهيات ابن سينا، دار الهادي، بيروت، الطبعة الثانية، 2008، صفحة: 36

[36]ابن رشد، تهافت التهافت، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2008، صفحة: 252-253

[37]  نفس المرجع، صفحة: 294

[38] المرجع نفسه، صفحة: 295-294

[39] المرجع السابق، صفحة: 247

[40]فيصل غازي مجهول، نقد ابن رشد لإلهيات ابن سينا، دار الهادي، بيروت، الطبعة الثانية، 2008، صفحة:154

[41] ابن رشد، تهافت التهافت، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، 2008 صفحة: 304-305

[42] محمد عابد الجابري، نحن والتراث، قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، دار الطليعة، الطبعة الأولى، 1980، صفحة: 246

[43] ابن رشد، تهافت التهافت، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، بيروت، 2008، صفحة: 283

[44] ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1998، صفحة: 117

[45] محمد عاطف العراقي، تجديد في المذاهب الفلسفية والكلامية، دار المعارف، مصر، الطبعة الثانية، 1974، صفحة: 22

[46] ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، تحقيق محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1998، صفحة: 117
_____________
* نشر سابقًا في مركز نماء للبحوث والدراسات.

جديدنا