الإشكاليات المنهجية والنظرية المتصلة ببناء فئة بحثية تُلقب بالشباب العربي

image_pdf

مقدمة

 إن الاهتمام ببناء الشباب كفئة بحثية نشأ حديثًا في مختلف فروع العلوم والدراسات الإنسانية والاجتماعية، وبلغت درجة الاهتمام بهذه الفئة لإنشاء فرع من فروع علم الاجتماع وهو علم اجتماع الشباب، ولا يقتصر الاهتمام بدراسات الشباب وقضاياهم على البلدان المتقدمة وإنما شمل الدول النامية أيضًا. يعود هذا الاهتمام في الأساس لأهمية هذه الفئة في مدى إمكانيتها وقدرتها على إحداث تغيير في شتى مجالات المجتمع. كما أن المكانة التي وصلت لها فئة الشباب في مختلف المجتمعات في الوقت الحالي جاءت نتيجةً للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والديموغرافية والتعليمية التي شهدتها المجتمعات. لذلك تحظى هذه الفئة باهتمام من قبل العديد من الباحثين، والذين قدموا إسهامات في محاولة حصر وتحديد من هم الشباب كفئة عمرية ذات احتياجات وانشغالات وتوجهات خصوصية. تكمن أهمية فئة الشباب في كونها تعتبر المحرك الأساسي على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وبالتالي إذا فشل الشباب في تحقيق هذه الأهداف فإن هذا يقوض قدراتهم المستقبلية كبالغين، وقد يؤدي إلى إضعاف المجتمع في مختلف الجوانب. من هنا استمدت هذه الفئة أهميتها وكان من المهم وضع تعريف يبلور ما تتضمنه من خصائص ومحاولة إيجاد السبل التي تساعدهم في تحقيق ذواتهم.

نحاول في هذه الورقة طرح إشكالية وضع تعريف للشباب انطلاقاً من المقال الذي حاولت فيه الباحثة Emma Murphy)) للتوصل لتعريف شامل للشباب العربي بناءً على الظروف التي انطلقت منها لمناقشة المفهوم (ثورات الربيع العربي)، نناقش هذا الموضوع انطلاقًا من عدة محاور كالتالي:

– الاشكالات (النظرية والمنهجية) المتصلة ببناء فئة بحثية (أو موضوع بحثي) هو ” الشباب العربي”.

– الفاعلون في رسم ملامح/ خصوصيات ما يصطلح عليه في بعض الأدبيات بال “الشباب العربي”.

– مدى مساهمة نص الباحثة Emma في نقد المنظور الماهوي والتعميمي لفئة ” الشباب العربي”.

  1. في مفهوم الشباب العربي:

أسهم تعدد الظروف المحيطة بفئة الشباب في إيجاد إشكالية في تحديد مفهوم واضح ومحدد للشباب بشكل عام والشباب العربي بشكل خاص. كما أن التغيرات المجتمعية أسهمت بشكل أو بآخر في إحداث تغيرات في تحديد هذه الفئة، والتي من بينها الاستطالة في المدة التي تفصل مرحلة الطفولة عن الرشد وأسبابها عديدة منها: الرغبة في مواصلة التعليم والتأخر في الدخول لسوق العمل، وهذه الاستطالة يترتب عليها تأجيل الزواج والذي يعدّ مركزيًا في تحقيق الشباب العربي لنوع من الانتقال من مرحلة الاعتماديّة النسبيّة على الآخرين، إلى مرحلة الاستقلالية والمسؤولية. فنتيجة ذلك التأخر إذن هو مكوث الشباب العربي لفترة أطول في هذه المرحلة التي تعد انتقالية بين الطفولة والرشد.

 نجد أن هناك صعوبة في وضع مفهوم محدد ومتفق عليه للشباب، ولذلك تعددت وتنوعت تعريفات مفهوم الشباب لعدة أسباب نذكر منها التعريفات التي يضعها كل منظّر وكل تخصص كلاً على حسب وجهة نظره واختصاصه. توجد العديد من الدراسات التي درست الشباب العربي كفئة اجتماعية وحاولت معظمها وضع مفهوم يحدد من هم الشباب، ولكل منها ما تقدمه انطلاقًا من تخصصها ورؤيتها للشباب. وبالتالي لم تكن هذه التصنيفات والمحددات كافية كونها تناقش مفهوم الشباب من زاوية تخصصية واحدة، فمثلاً يشار إلى الشباب العربي في النهج الكميّ عادةً على أنّه تضخم ديموغرافي، يتعلق بالأهرام الديموغرافية للسكان العرب، التي أصبحت غير متوازنة بشكلٍ كبير، وهذا ما أشار إليه أيضًا تقرير التنمية البشرية العربية في 2016، حيث يشكل الشباب من 15 إلى 29 عاماً أكثر من 40% من السكان البالغين[1]. من وجهة نظرنا نجد أن هذا التضخم إيجابي كون أن فئة الشباب فئة مركزية إذا ما تم تسليط الضوء عليها وإعطاءها الحق الذي يمكّنها من القيام بأدوارها بعيداً عن الإقصاء والتهميش، الذي يُشاهد في العديد من المجتمعات العربية في الوقت الحالي؛ لأن في حالة التهميش هذه يشكّل الشباب تضخم ديموغرافي لا فائدة منه.

أما من وجهة نظر الاتجاه البيولوجي الذي يفسر هذا المفهوم بناءً على أطوار نمو الفرد ونموه الفيزيقي ويحدده بفترات عمرية من 15-25 ومنهم من يحدده بالفترة العمرية من 13-30، إذا أخذنا هذا الاتجاه في الاعتبار نلاحظ أنه لا يوجد اتفاق على مضامين هذا المفهوم، بل العكس، حيث لم يتم تحديد فترة عمرية معينة تشمل فئة الشباب، وإنما وضعت فترات عمرية مختلفة بناءً على تصنيف كل عالم ومسوغاته لهذا التصنيف. فهناك خصائص تشترك فيها فئة أوسع من الذين حُددوا في الفترات العمرية السابقة، ومن الممكن اعتبارهم ضمن فئة الشباب استنادًا إلى الخصائص المشتركة.[2]

 أما بالنسبة للاتجاه السيكولوجي والنفسي، ففي علم النفس تستعمل كلمة مراهقة كمرادف لمفهوم الشباب، ولكن هنا لا يُنظر له بتحديد مرحلة عمرية معيّنة، وإنما من خلال النضج البدني والجنسي والعقلي والانفعالي، أي من خلال الخصائص الجسمية والنفسية التي تكون في حالة من النشاط والقوّة. يُعتمد في تصنيف الشباب على النمو البيولوجي وثقافة المجتمع التي تحدد من هم الشباب وإلى أي عمر يمكن إطلاق هذا المفهوم. وقد تطول هذه المرحلة العمرية أو تقصر وقد تنعدم في بعض الأحيان وذلك حسب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وأيضًا حسب الاختلاف داخل المجتمع الواحد أو من مجتمع لآخر[3].  فنلاحظ أن ليس هناك اتفاق على خصائص معينة للشباب في جميع المجتمعات، بل حتى في المجتمع الواحد.

 وإذا ما أتينا لوضع تعريف لمفهوم الشباب في علم الاجتماع نجد أن علم الاجتماع يتخذ من المجتمع إطارًا مرجعيًا، ومن هنا ينطلق في تعريفه للشباب من الفئة القادرة على القيام بالأدوار والسلوكيات التي ينتظرها منه المجتمع، وهناك أيضًا اختلاف بحسب تصنيف كل عالم لهذه الفئة، ولكن بشكلٍ عام يرى علم الاجتماع أن مرحلة الشباب تبدأ من خلال انتقال الفرد من مرحلة يكون فيها معتمد كليًا على أسرته إلى أخرى مرسومة من قِبل المجتمع، الذي يتوقع منه أدوار محددة ابتداءً من الاستقرار الوظيفي ومن ثم تكوين أسرة عن طريق الزواج، هكذا يسعى المجتمع بدوره إلى إدماج الشباب وتأهيله ليقوم بمهامه وأدواره المختلفة والمنتظرة منه داخل هذا المجتمع، ويتحقق بذلك “اجتماعية الفرد”[4] على حد تعبير اميل دوركايم(Émile Durkheim). كما ويرى علم الاجتماع أن الصعوبة في تحديد المفهوم تكمن في عدم إمكانية وضعها في إطار محدد أي عمر محدد. ويرى بورديو (Bourdieu) أن الحدود بين الأعمار أو الشرائح العمرية هي حدود اعتباطية، فالفئات العمرية حسب بورديو هي نتاج بناء مجتمعي يتحدد بشروط اجتماعيّة معينة ويتطوّر عبر التاريخ، ويتخذ أشكالاً ومفاهيمًا في ارتباط وثيق بالأوضاع والحالات الاجتماعية. يتضح أن هذا الرأي يتفق مع الرأي القائل بأن المعطيات البيولوجية (أن تكون شابًا أو شيخًا)، ليس لها تأثير مباشر في مضمون أنماط السلوك الفكري (شاب لا يعني بالضرورة تقدميّ) إنّما هي تعطي اتجاهات لا تكتسب معانيها ومحتواها إلا في إطار فكري واجتماعي معين[5].

لتجاوز محاولة وضع مفهوم يعتمد على تحديد فئة الشباب استنادًا إلى السن تم الاعتماد على مفهوم الجيل، والذي من الممكن أن يكون نطاقه أوسع من المفهوم المحدد للشباب. على الرغم من الاختلافات في تعريفات الجيل والجوانب التي يشملها فيمكن تعريفه على أنه “حدث اجتماعي موضوعي على صلة وثيقة بالتطور التاريخي والتغير الاجتماعي”[6]. يبعدنا تعريف الجيل هذا عن النظرة المنمّطة، والتي ظهرت في التعاريف السابقة، حيث إن الجانب الاجتماعي في مفهوم الجيل يبعده عن الاقتصار على التشارك في الفئة العمرية والتعرض لنفس الأحداث التاريخية فقط، بل إن الجيل يخترق البناء الاجتماعي ويتكون من فئات مختلفة طبقيًا وثقافيًا وعرقيًا، هذا ما يترتب عليه اختلاف في التأثر بالتغير الاجتماعي والحراك التاريخي[7]. وفي هذا السياق تأتي مساهمة كارل مانهايم في تحديده لمفهوم الجيل، والذي يرى أنه يشكل أساسًا في دراسة التغير الاجتماعي، ويؤكد على أن الجيل “الكامن” أي البيولوجي، والذي يعني الأفراد الذين ولدوا في نفس الفترة غير كافي لتحديد الجيل سوسيولوجيًا. ومن هنا يشير إلى أن الجيل اشتراك مجموعة من الأفراد في التجارب الاجتماعية والتاريخية والتي يترتب عليها تغيير في الواقع المعاش في فترة معينة[8].

لهذا نجد أن المحاولات العديدة لوضع تعريف لهذا المفهوم جميعها جاءت بناءً على الخلفيات التي انطلق منها العالِم أو الباحث نفسه سواء كان في الاجتماع، أو التاريخ، أو علم النفس أو غيرها من التخصصات. أما بالنسبة للشباب العربي فهناك اختلاف في تصنيف الشباب من مجتمع إلى آخر فقد صنف الشباب العربي وفق تمييز جامعة الدول العربية بالفئة العمرية المتراوحة ما بين 15و29 سنة. بينما حدده الاتحاد الأوروبي بالفئة العمرية 16و35 سنة. وحددتهم منظمة الأمم المتحدة على أنهم الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، حيث يعتمد هذا التحديد على الأهداف الإنمائية التي وضعتها المنظمة انطلاقًا من قدرة هذه الفئة على تحقيق الأهداف المرسومة، ذلك لأن الشباب يُنظر إليهم على أنهم طاقة تمكنهم من تحقيق التنمية بشتّى مجالاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إذا ما تم إشراكه فيها. ومن خلال هذه المشاركة تتحقق الرقابة على جميع الأجهزة الحكومية وغير الحكومية ومنها تتحقق التنمية المنتظرة. فلابد للحكومات من العمل على إشراك الشباب في برامج التنمية من خلال وجود قوانين ومؤسسات يستطيع الشباب عن طريقها ممارسة حقوقه وحرياته، كما ويجب أن تعمل هذه المؤسسات على إزالة كافة الحواجز والعوائق التي من شأنها أن تحد من مشاركة الشباب، ناهيك عن سياسة التعايش السلمي التي يترتب عليها قيام هذه المشاريع وازدهارها وإعادة بناءها الاقتصادي والاجتماعي في البلدان العربية، والتي شهدت في الفترات الأخيرة توترات وظروف أدت إلى تراجع التنمية، ويرجع السبب الرئيس في ذلك عدم اهتمام الحكومات في إشراك مواطنيها في خطط التنمية، والتي من المفترض أن تكون من أجلهم، وبالتالي تقابل معظم المشاريع التنموية بالرفض لعدم توافقها مع ثقافة وقيم المجتمع العربي، بل طبقت نظام التبعية المطلقة للنظام الرأسمالي الغربي الذي تختلف ظروفه الاجتماعية والاقتصادية عن ظروف المجتمعات العربية. جميع هذه الأسباب قادت للحركات الاحتجاجية والثورات في بعض بلدان الوطن العربي[9].

يتضح لنا أن هناك اختلافات في خصائص الشباب سواءً على المستوى الفردي واختيارات الشباب أنفسهم لما يمكن أن يتناسب وشخصياتهم، أو على مستوى الأسر وما ترسمه لهم من خصائص بناءً على ما تراه متناسب مع قيمها ومعاييرها ومكانتها، أو على المستوى المجتمعي والمؤسساتي وانتظاراتها.

  • الفاعلون في رسم ملامح الشباب العربي:

 تعدّد القائمين على وضع تعريفات للشباب أدى إلى تعدد التعريفات واختلافها عن بعضها، بحيث أصبح من الصعب حصر الفئة في مفهوم واحد شامل لجميع خصائصها. كما أن هذا الاختلاف كان سببه في الأساس اختلاف الخصائص الممثلة للشباب فيما بينهم. ومما سبق نجد أن هناك تعدد للفاعلين الذين قدموا تصنيفات أو تعريفات لفئة الشباب، والتي بدورها تحدد ملامح وخصوصيات هذه الفئة. حيث تصنف فئة الشباب سياسيًا على أنهم القادرين على المشاركة السياسية في الاحتجاجات والثورات. وبالتالي فإن الفئة التي حددتها الجهات السياسية للشباب هي القادرة على المشاركة السياسية،كما يتم النظر إلى الشباب العربي سياسيًا على أنهم يشكلون قوة تهديد لبعض الأنظمة السياسية من خلال الطاقة الكامنة، والتي تنفجر عند عدم حصولها على مطالبها من الحكومة، فتحاول الحكومات إيجاد طرق للتعامل مع هذه الفئة بأي شكلٍ من الأشكال محاولةً تهدئتها. والأمثلة على ذلك كثيرة مثل الخطاب الذي قام به حسني مبارك يوم 10 فبراير، مخاطبًا شباب مصر في ميدان التحرير، واصفًا كلماته بـ “حوار الأب مع أبنائه وبناته”، ودعا الشباب المصري إلى عدم التأثر بالعناصر الخارجية التي تشجع على الانقسام.

كذلك بالنسبة لتونس وخطاب زين العابدين بن علي أمام الشعب التونسي، تحدث عن المظاهرات على أنها تقودها مجموعات صغيرة من اللصوص “الجانحين” الذين كانوا يجبرون أطفال المدارس على البقاء في المنزل والتغيّب عن المدرسة. كلا الخطابين موجّهان للشباب بغرض تنبيههم أن رفض الأنظمة ما هو إلا سلوك طائش من أفراد لا يتبعون السلوك الصائب والوطني. كما وتعكس هذه الخطابات النظرة السائدة للشباب العربي فهم إما أن يُنظر لهم كمتاعب أو ضحايا[10].

من جهة أخرى يرى الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين أن “التضخم الديموغرافي الشبابي” في البلدان العربية المشار إليه سابقاً يجلب معه تحديات سياسية واقتصادية محددة للأنظمة، تختلف إلى حدٍ ما وفقًا للاختلافات في الملامح الديموغرافية الوطنية الفردية. ولكن بشكل عام بالنسبة للأنظمة العربية، وفي الواقع المؤسسات الدولية، تطوّر الشباب كفئة اجتماعية إلى ساحة للسياسة العامة.  إلى حدٍ ما، تم تأطير هذا من حيث شيء لا يختلف عن المفهوم الاقتصادي ال(نيو-الكلاسيكي) لتكوين رأس المال البشري، والذي يؤكد على تعليم الشباب ومهاراتهم كعنصر من عناصر القوة العاملة، وتحديد تبعيتهم أو إنتاجيتهم النسبية. وتظهر من هذا المنظور سمتين أساسيتين للمجتمعات العربية، تتمثل الأولى في فشل التعليم في إعداد الشباب للعمل في السوق العالمي، والأخرى في زيادة نسبة البطالة. بالتالي يجب أن يكون تضخّم الشباب فرصة للنمو الاقتصادي للأفراد في سن العمل، وانخفاض التبعيّة، ولكن ما يوجد بالفعل في المنطقة العربية تضخمًا في الأفراد المعالين وغير المستغلين بشكل كافٍ، والذين يزداد فقرهم ويمثلون عائدًا ضعيفًا على الاستثمار التعليمي الذي تم تلقيه في مراحل سابقه. وبالتالي فإن الفجوة بين الخطاب والوعود المقدمة للشباب وما يحصل في الواقع تترك شعورًا عميقًا بالغربة والإقصاء.  تتمثل إحدى المقاربات المختلفة لتأطير الشباب في المنطقة العربية في تحويل العدسة بعيدًا عن وضعهم كعنصر من عناصر الهياكل والتي تفترض أنهم يمثلون عوائق وإشكاليات[11].

 كما أن بعض الفاعلين يضعون تعريفًا للشباب بناءً على أهداف معينة يسعون لتحقيقها، ومثال على ذلك تعريف تقرير التنمية البشرية المذكور أعلاه وتعريف منظمة الأمم المتحدة، والتي تسعى كل منهما لرسم خطط مستقبلية لتحديد الطاقة الاستيعابية من الموارد لهذه الفئة، أو تحديد الإشكاليات المتوقعة منها من خلال تحديد حجمها في المجتمع.

بينما المجتمع نفسه يرسم ملامح الشباب انطلاقاً من مدى وصوله لعمر يسمح له بإعالة الأسرة والقيام بمختلف الأدوار الاجتماعية التي يحددها المجتمع أي العمر الذي يطالب فيه الفرد بالالتزام بكافة القيم والمعايير الاجتماعية التي يقرها ويحددها المجتمع بمعنى أن يكون الشاب قادرًا على تحقيق الاندماج الاجتماعي الكامل.

  • نقد المنظور الماهوي والتعميمي لفئة الشباب العربي عند الباحثة Emma Murphy:

مع المحاولات العديدة لوضع تعريف للشباب تظهر جوانب إشكالية تمكننا من تسليط الضوء على بعض الفجوات في الأطر والمحددات التي رسمت لمفهوم الشباب ومنها:

من المؤكد أن جيل الشباب في العصر الحالي يمر بمراحل انتقالية مختلفة عن الأجيال السابقة ومن هنا لا يمكن التسليم بإمكانية وضع الشباب الحالي بظروف الشباب في المجتمع التقليدي، ويقول نافتيج ديلون وطارق يوسف (Dhillion & Yousef) أن التعليم والتوظيف وتكوين الأسرة هي ثلاث مؤسسات رئيسية مترابطة في إجراء هذا الانتقال، أي أن التعليم والتوظيف والأطر الاجتماعية تلعب دورًا في تحديد الانتقال من الطفولة إلى البلوغ[12]. ولكن المجتمعات التقليدية تختلف عن المجتمعات الحديثة، وبالتالي لا يمكن أخذ هذه المراحل الانتقالية كما هي وإسقاطها على المجتمعات الحالية والتي مرت بالعديد من التحولات والتغيرات في مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ففي المجتمع التقليدي كان الانتقال يتم عبر إطار تقليدي للأسرة والمجتمع والأعراف الاجتماعية المرتبطة به ولم يكن التعليم متاح للجميع ولم يحظَ باهتمام كبير. كما عُرفت المجتمعات التقليدية بالزواج المبكر وبالتالي فئة الشباب في المجتمعات التقليدية تبدأ في سن مبكر بعكس العصر الحالي الذي يتأخر فيه سن الزواج بعد إكمال الشباب للتعليم وحصولهم على وظيفة والرغبة في عيش فترة شبابهم الأولى بدون التزامات، وهنا قد يمتد سن الشباب لبعد سن ال35 نظرًا للتغيرات الاجتماعية الحاصلة. وفي هذا الصدد يقترح أوليفييه جالوند(Ollivier Galland) إعادة صياغة مفهوم الشباب واستبداله بمفهوم “الانتقال إلى سن الرشد”، أو “الدخول في الحياة”، ويفسر ذلك بأن الشباب هو زمن انتقالي له خاصية انتقالية،  ولكن يرى جالوند أن الشباب من حيث كونه زمن انتقالي أصبح يعرف تمددًا. وأضاف إلى ذلك قوله إن فئة الشباب اليوم تواجه صعوبة فيما يتعلق بالاندماج في سوق العمل وخصوصًا في حصولهم على عمل ثابت ومستقر، وهذا من شأنه أن يؤثر على الاستقرار النفسي والعلائقي للشباب. بالتالي يرى جالوند أن “الشباب لا يمكن أن يكون واحد وبألف تعريف”، بل أنه متعدد خاصةً فيما يتعلق بطرق التعامل مع اللايقين والمرتبطة بالتحولات على مستوى القيم وسوق العمل. ويضيف إلى ذلك أن شباب اليوم في محاولة للتقليل من الآثار النفسية للبطالة وإدارة حالة اللايقين التي يعيشونها نتيجة التغيرات والتحولات، ومن ضمن هذه الطرق التديّن وتحويله إلى أداة لإثبات الذات بحثًا عن الاعتراف بهم كفئة اجتماعية في السياق الاجتماعي[13].

ومن هنا يمكن القول إن اختلاف المجتمعات بين تقليدي وحديث يؤثر في تحديد من هم الشباب ومن أي عمر تبدأ فترة الشباب، وهذا ما اختلف فيه معظم الباحثين في مختلف التخصصات من حيث عدم قدرتهم على تحديد فترات عمرية محددة لفئة الشباب.

تؤكد الباحثة ايما (Emma Murphy ) في مقالتها بأنه رغم تعدد النماذج التعريفية التي قدمت لتعريف الشباب، إلا أنها بشكل فردي غير كافية لشرح الظاهرة الحالية بشكل كامل، وبالتالي تصيغ هي تعريف للشباب العربي محاولةً به تجاوز الثغرات في التعاريف السابقة، حيث عرفت الشباب العربي على أنه سردية جيلية (generational narrative)، أي القصة التي تعكس وضعية جيل محدد، والذي يعيش تجربة مشتركة، تجتاز الحياة العامة والخاصة وتعكس الإخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للأنظمة الاستبدادية. حيث تضافرت الهياكل السياسية القمعية، والاقتصادات ذات التفاوتات المتزايدة في الدخل والثروة في تجربة جماعية للإحباط والتهميش والاغتراب التي لا تعتمد بشكل خاص على العمر وإنما على تشابه الموقع على حد تعبير مانهايم. بعد أن تم استبعاد الشباب من الطرق التقليدية للمشاركة السياسية، بنى الشباب العربي أشكالهم الخاصة للاحتجاج والنشاط، والتي تعكس هذه الرواية المشتركة، والتي يمكن أن يُقال أيضًا إنها توضح عضويتهم في مجموعة شبابية عالمية أوسع، وتقاسمهم معها. وتذكر الباحثة في هذا السياق مثال دور الشباب الإيراني في فشل المقاومة ضد الرئيس أحمدي نجاد، حيث أشارت وسائل الاعلام إلى أن الانتفاضات والاحتجاجات كان يقودها الشباب. كما أن بعد ثورات الربيع العربي أصبح هناك اهتمام بالشباب في دول عدة مثلاً في دول الخليج في السعودية والكويت والبحرين وإشراكهم في المجالات السياسية[14].

تناقش الباحثة موضوع الشباب في سياق الثورات العربية وتوضح مشاركتهم السياسية التي لم يستطع الشباب التعبير عنها إلا بوسائل مغايرة عن الوسائل التقليدية، فيرى الشباب العربي أن مصالحهم غير ممثلة في الهياكل السياسية، كما أنهم يرفضون مقارنتهم بأسلافهم ويرجعون ذلك للاختلافات الجيلية والمطالب المغايرة عن سابقيهم. كما تبين الباحثة إشكالية أخرى وتقول: إذا كانت الأسرة تاريخيًا هي المكان الذي تم فيه إعادة إنتاج الأعراف التقليدية وأنظمة الدعم، وإذا استولت الدولة على العديد منها في الفترات الأخيرة فإن الشباب بحاجة لاستعادتها بطرق أخرى والمتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي والشارع والذي أتاح لهم فرصة التعبير والمطالبة، فمع تضاؤل وظائف الأسرة وفشل الدولة في الوفاء بوعودها، اكتسب الشارع أهمية جديدة للشباب العربي.  لقد أصبحت موطنًا مكانيًا للحركات الاجتماعية الواسعة التي يكون فيها الانتماء الأيديولوجي ثانويًا أو حتى أنه غير موجود بالنسبة لهذا الجيل المستبعد سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا[15].

 ومع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في هذا المجال أصبح للشباب هويات متعددة من خلال مزج القيم التي يحصل عليها الفرد من التنشئة والأخرى التي يحصل عليها نتيجة العولمة والانفتاح على الثقافات الأخرى والاقبال على المجتمع المعلوماتي، وظهرت آراء ترفض الادعاءات التي تقول بأن الشباب العربي هم أكثر عرضة للتعرض للعنف؛ بسبب نقص النضج النفسي والعاطفي  والناتج عن التهميش والإقصاء التي يعيشها الشباب العربي، بينما أكد المناصرين لهذا الرأي على أن التحول في مستوى الهويات والتعدد فيها نتيجة المؤثرات الخارجية إضافةً لهذا الوضع الداخلي الذي يعيشونه أدى إلى إعادة إنتاج العنف.  ولكن في نفس الوقت إن تعرض الشباب لهذا التأثير يختلف من مجتمع لآخر بناءً على خصوصيات المجتمع نفسه وقابليته على استقبال هذه القيم ومدى الحرية التي يمنحها للشباب، وكذلك بالنسبة لخصائص الشباب ذاتهم فهناك من تكون لديه قابلية للانجذاب نحو هذه القيم ومنهم من تستمر لديه قيم المجتمع، وبالتالي لا يمكن أن يكون تأثير خلق الهويات المختلفة متشابه لدى جميع الشباب في جميع المجتمعات. ومن هنا يتبين لنا أن تصنيف الشباب الذي يعتمد على المرجعية المجتمعية لا يمكن أن يكون ثابتًا أيضاً[16].

وبالتالي ترى الباحثة أن فئة الشباب تشترك فيها مجموعة أوسع من الأعمار المتنوعة الذين يعتبرون أنفسهم ما زالوا “شباب” لأنهم يرجعون وجودهم في هذه الأعمار إلى إخفاقات الحكومة.  وهكذا وضعوا أنفسهم في مواجهة جيل أكبر، جيل الحكام المستبدين وأولئك الذين أوصلوهم إلى السلطة.  الشباب هو سرد لفشل النظام، وممارساته الإقصائية، وعدم قدرته على التوفيق بين القيم الاجتماعية التقليدية ووقائع الحداثة، وإنكاره النهائي للحرية التي يتمتع بها أفراد المجتمع والتي تأسست عليها شرعيتها لأول مرة[17]. وما نلاحظه هنا تركيزها على الجانب السياسي والمشاركة السياسية وسياق الثورات أكثر من الجوانب الأخرى، في حين أنها انتقدت المنظور التعميمي للمناظير التي عرفت الشباب والتي تناولت جانبًا دون جوانب أخرى مهمة.

 في الختام أود الإشارة، بل والتأكيد على عدم إمكانية تصنيف الشباب العربي كفئة اجتماعية من ناحية العمر فقط، وهذا ما أشارت إليه الباحثة، حيث أشارت أن التوزيع الديموغرافي يضع أعمار معينة داخل تصنيفه لفئة الشباب بحيث يجعل من هذه الفئة هي التي تقع ضمن النطاق العمري المحدد من قبل الحكومات والمنظمات الدولية غير الحكومية، وتبعًا لمصالحها من هذا التعريف. ولكن ترى الباحثة أن فئة الشباب لا تتمثل بالعمر فقط ولا بخصائص معينة كما ولا يمكن تعميم هذه الخصائص على جميع الشباب، ومن هنا انطلقت في نظرة مغايرة بالاستناد على التجربة التاريخية المشتركة للجيل، أي من الذين كانت لهم تجارب في الاستبعاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي[18]، وهذا يتفق مع الفكرة التي طورها كارل مانهايم عام 1928 حيث قال: “إن وحدة الأجيال تتشكل أساسًا من تشابه موقع عدد من الأفراد داخل كل اجتماعي”.  يرتبط بما أسماه “العملية الاجتماعية والتاريخية”، أي الذين لهم نفس نمط التفكير ولهم نفس الفعل الذي يربطهم في فترة تاريخية معينة[19]. كذلك لا يمكن تعميم تعريف لفئة الشباب على جميع المجتمعات ذلك لأن لكل مجتمع خصوصياته التي من شأنها تحديد ملامح للشباب بناءً على تلك الخصوصيات، والتي بالضرورة تتغير نتيجة التغيرات والتحولات المجتمعية مستقبلًا، وهذا ما أشارت له الباحثة أيضاً أن تعريف الشباب سيتغير مستقبلًا ولن يكون ثابت في مرحلة معينة.

المراجع

  1. الزيدي، المنجي. “الخلفية النظرية لمفهوم الجيل وتطبيقاته في علم اجتماع الشباب”: الشباب والانتقال الديموقراطي في البلدان العربية، الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019
  2. الزيود، ماجد. الشباب والقيم في عالم متغير، عمان، دار الشروق للنشر، ط2، 2011.
  3. الغربالي، فؤاد. الشباب التونسي والحركة السلفية: أية دلالة سوسيولوجية؟، مقال، مؤمنون بلا حدود،2014.
  4. كردمين، وفاء. “الشباب والتنمية المفاهيم والإشكاليات.” مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية، 11(2017): 125.
  5. . “The Arab Human Development Report 2016 Youth and the Prospects for Human Development in a Changing Reality.” (2016).‏
  6. , Emma C. “Problematizing Arab youth: Generational narratives of systemic failure.” Mediterranean Politics 17.1 (2012): 5-22.‏

[1] Day, I., et al, The Arab Human Development Report 2016 Youth and the Prospects for Human Development in a Changing Reality, 2016, 22

[2] وفاء كردمين، الشباب والتنمية المفاهيم والإشكاليات (مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية، 2017)، 2-3

[3] وفاء كردمين، مرجع سابق، 2

[4] وفاء كردمين، مرجع سابق،2

[5] ماجد الزيود، الشباب والقيم في عالم متغير (عمان، دار الشروق للنشر، 2011)، 94

[6] المنجي الزيدي، مفهوم الجيل وتطبيقاته في علم اجتماع الشباب

[7] المنجي، مرجع سابق،103

[8] المنجي، مرجع سابق،93

[9] وفاء كردمين، مرجع سابق، 5-6

[10] Emma Murphy, Problematizing Arab youth: Generational narratives of systemic failure (Mediterranean Politics, 2012)

[11] Emma Murphy, Problematizing Arab youth: Generational narratives of systemic failure (Mediterranean Politics, 2012), 6

[12] Emma Murphy, Problematizing Arab youth: Generational narratives of systemic failure(Mediterranean Politics, 2012), 6

[13] فؤاد الغربالي، الشباب التونسي والحركة السلفية: أية دلالة سوسيولوجية؟(مقال، مؤمنون بلا حدود،2014)

[14] Emma Murphy, Problematizing Arab youth,18

[15] Emma Murphy, 18

[16] Emma Murphy, Problematizing Arab youth, 19

[17] Emma Murphy, 8

[18] Emma Murphy, 9

[19] Emma Murphy, 11
__________
*الأستاذة فاطمة الجابري.

جديدنا