خطورة الشائعات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي

image_pdf

اصطحبكم معي، في هذه المقالة إلى أخطر جانب من جوانب “السوشيال ميديا”؛ خطورة هذا الجانب المحمَّل بالمعلومات الخاطئة والمضلّلة أنهُ مرن جداً، ومؤثر، ويقفز بسرعة فائقة، من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، ليستقر في نهاية المطاف داخل أدمغة الناس، وهُم بدورهم يقومون بترديد هذا الغثاء من دون أي فحص أو تمحيص، للمعلومات التي استقبلوها وتبنوها على أنها معلوماتٍ صحيحةٌ، وفي الواقع هي معلومات خاطئة ومدمِّرة، تنجم عنها أضرارًا كارثيَّة بكل المقاييس، وتترك آثار وبصمات طويلة الأمد داخل عقول الناس، والتخلُّص منها ليس بالأمر الهيِّن، وإن دَلَّ هذا على شيءٍ فإنما يَدُلُّ على جهل الناس بالتعامل مع معايير الحقائق، فالناس عادةً لا يستوفون المعايير، ولا يعملون وفقًا لمعيار الحقائق. فما يحدث دائِمًا في المجتمعات العربيَّة، وخصوصًا في مناسبات دينيَّة، أو حدث سياسيّ معين، أو كارثةٌ بيئيَّة، أو جائحةٌ وبائيَّة، ترى عادةٌ غالبيَّة رواد مواقع التواصل يذهبون، إلى خلق إشاعةٌ ملغومة، مخلوطة بمفاهيم مشوَّهة ومبهمة غير واضحة، هدفها قلب الحقيقة وترسيخ الجهالة في رؤوس الناس، لذلك أُشير هنا إلى ملحوظة مهمَّة، هي إن موقع مثل Facebook وحتى باقي منصات التواصل الاجتماعي، عبارة عن خزان ضخم جدًا مكدَّس فيه معلومات خاطئة ومضللة، بكميات غزيرة تكاد تكون من الصعب جداً إعادة هيكلتها أو تمحيصها وفحصها، نظرا لأعدادها الضخمة، ناهيك أن العقل العربي يعاني من نقص حاد في الثقافة والمعرفة، بالإضافة إلى إن منصَّات الإعلام العربي الرسميَّة وغير الرسميَّة، تعاني هيّ الأُخرى من محو أُميَّة إعلاميَّة مرتفعة جداً، لأن الإعلام العربي عادة ما يسمح للمعلومات المضللة، والشائعات، والخرافات، بالانتشار وسرعان ما تتحوَّل منصَّات هذه القنوات وصفحاتها الرسميَّة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى منصَّات إطلاق شائعات عابرة للقارات والمحيطات، فكُن على أُهبة الاستعداد الفكري والوعي ولا تنساق وراء الأخبار الأُميَّة، التي ينشرها هؤلاء الأُميون الجهلة، فقد تشاهد وتسمع أخبار سارت بها الركبان فحواها كالآتي:

… رجلٌ طار على بغلة ليلاً من بغداد إلى بيروت، مواطن فيتنامي تعلق باسوار سور الصين العظيم، سبعةُ برازيليون وثامنهُم جحشهُم ناموا في مغارة بغابات الأمازون، واستيقظوا بعد ثلاثة قرونٍ وبِضع، مئة مواطن إسباني يعتنقون الإسلام دفعةٌ واحدة، بعد إن قرؤوا آيَّة في سورة البقرة  ( لا إكراه في الدين ) ، ليونيل ميسي يصلي الجمعة في المسجد الأقصى، ويرتقي منبر المسجد قائلاً: “مش هنسلم مش هنبيع مش هنوافق على التطبيع”. دونالد ترامب في تصريحٍ للإعلام الأمريكي: “مقتدى الصدر يذكرني بشبابي” ويهدي لهُ أغنيَّة طارش رحت للبصرة، عطل الفيسبوك كان سببهُ المهدي ولكن مارك زوكربيرغ أخفى الأمر، شاكيرا تخرج عن صمتها، وتصرح لمجلة فنون قائلة: “تأثرت بكتاب (الجسد) للمناضل العراقي غالب الشابندر وأنا دعوچيَّة للنخاع نكاية بالنائبة مها الدوري، غابرييل غارسيا ماركيز كان قد كتب كتابٌ بعنوان: «مئة عام من التشيع» يظهر فيه ظلامة الزهراء ولكن النواصب في كولومبيا أخفــوه، الممثل الإنكليزي جيسون ستاثام يعتنق الإسلام، رسّام إيطالي يرسم لوحة عَن الحسين بن علي، يقول فيلسوف المطرقة “أكثر الأكاذيب شيوعا هي الأكاذيب التي نوجهها إلى أنفسنا .. أن تكذب على الآخر فهذه حالة نادرة مقارنة بكذبنا على أنفسنا “.

– نيتشه … وإن دَلَّ هذا عَلَى شَيءٍ فإنما يَدُلُّ على، تسونامي أهوج يضربنا بترهات وأكاذيب، يعجّ بفجاجةُ الفكر، والسفاهة اللاّ معقولة، نحن نعيش في زمن التسفيه اللاّ معقول.

الخطر يكمن هنا: بعد أن يبتلع الناس هذه النتانة الإعلاميَّة الأُميَّة، ويبدؤون بتصديقها، وتداولها، أسوأ ما في الأمر، إنه حتى لو تعرض الناس فيما بعـــــد لحقيقة، ما ابتلعوه من قيح، فإن هذه النتانة التي دخلت في جوف رؤوسهم قد أصبحت مرسخة فيهم تمامًا، وقد فات الأوان لاستئصالها. مشكلة مواقع التواصل الاجتماعي، أنها حبلى بالمعلومات الخاطئة والمضللة، وهي على موعد ولادة شائعات وتضليل في كل يوم تقريبًا، فإن معظم ما تتمخض به مواقع التواصل الاجتماعي، من إشاعات ومعلومات خاطئة، غالبًا ما تكون مصحوبــةٌ بأجندة سياسيَّة أو تحمل تحت إبطيها خرافات دينيَّة، والبسطاء هنا هُم الأهداف الحقيقيَّة لهذه الأكاذيب، وغالبًا ما تجد معظمهم ينساق وراء نظريات المؤامرة، أو المعجزات الدينيَّة.

***

نحن نعيش اليوم في زمن، أصبحت فيه مواقع التواصل الاجتماعي، وبالذات المواقــــع العربيَّة، والإعلام العربي، أكثر خطراً ومضرة من التدخين على البشر، لأن الأخبار الزائفة، والمعلومات المضللة، والشائعات الفتاكة، التي يتم تعاطيها وتدخينها داخل هذه المواقع، تحمل في جعبتها سمومًا فتاكة أكثر فتكًا من القطران والنيكوتين نفســــه، فعندما تنتشر الشائعات والأكاذيب على مواقــــع التواصل الاجتماعي (العربيَّة)، يكون لها تأثيرات سلبيَّة جداً على الإنسان العربي بصورةً عامة، فتجد غالبيَّة أقاويلهم وأحاديثهم وخطاباتهم، تتمحور حول نظريات المؤامرة والمؤامرات. فكلما تكثر الشائعات والأكاذيب داخل المجتمع، تكثر الانقسامات والاضطربات على كل المستويات والفئات، داخل المجتمع نفسه، وهذه الانقسامات بدورها تخلق حالة من الكراهيَّة والعنف بين فئات المجتمـــــع.

في منظوري الشخصيّ، اعتقد أن سبب هذا التخبط، يرجع إلى افتقار المجتمع إلى الحقائق العلميَّة، وابتعادهُ عن العلم، وتقربهُ من الدين، فتجد المجتمع يتفق مع الدين، لكنه يختلف مع العلم والحقائق العلميَّة، ناهيك أن من يتصدر الانتخابات، والمشاهد السياسيَّة، ومن يتحكم بمواقع السلطة، في البلدان العربيَّة. عادةٌ ما يكونوا متدينون، أو متشددون، بعيدون كل البعد عن المعايير العلميَّة، بل إن معظمهم يعتبر العلم إزعاج بالنسبة لهم، لأنه لا يتناسب مع جهلهم المتوارث، وعاداتهم وتقاليدهم القروسطيَّة، إن الروايات الكاذبة دائمًا ما تتوارى خلف الأقنعة.

 

في الجانب الآخر، هناك لفيف من البشر، متحجرون، ومجمدون عقليًا، هؤلاء لن يقتنعوا أبدًا بأيّ معايير أو حقائق علميَّة، لأنهم لا يكترثون للعلوم كافة أساسٍ، بقدر ما يصبون اهتمامهم على إقناع أكبر قدر من الناس، ليكونوا نسخٌ مكررة عنهم، تحمل ذات الصفات الأيديولوجيَّة، خطورة هذا النوع من البشر، أنهم عادة ما يميلون إلى إيقاع الناس في حفر أيديولوجيَّة عميقة، بغيَّة إبعادهم عن المصادر العلميَّة، وحصرهم في اعتقادات متوارثة سخيفة، مقررةٌ مسبقًا، يشوبها الخوف والجنون، خاليَّة من أي مفاهيم منطقيَّة وعلميَّة سليمـــــة، لذلك المدمنون على الأكاذيب والإشاعات، يشبهون إلى حدّ ما ورق المراحيض، يستعملون لمرةٌ واحدةٌ فقط، ويرمون بعد ذلك في قعر المرحاض، أن التضليل يحولكَ إلى إنسان مستهلكَ وليس منتج، لذلك أن أخبار مواقع التواصل الاجتماعي ليست واقعيَّة دائمًا.

 

إنني أرى بوضوحٍ تام، أن المواظبون على تعاطي الإشاعات والأكاذيب، لديهُم ثقة عمياء في كل ما يقرؤونه على مواقع التواصل الاجتماعي، ويؤمنون بأنهُ حقيقة، وهذه كارثة، وهذا يدل على إن هذه المواقع مليئة بالافخاخ والشباك والمصائد، والتي يسقــــط بها الكثيرون خصوصًا أولئك الواثقون من معتقداتهم، لأنهم يعتبرون كل حقيقة علميَّة، أو دليلٌ علمي، هو بمثابة مؤامرة عليهم، لذلك أن الواقعيَّة الحقيقيَّة معدومة تمامًا عندهُم، والواقعيَّة المزيفة هي من تنشط وتعتبر حقيقة مسلم بها عندهـــم.
______
*مهند صباح/ كاتب عراقي.

جديدنا