البحث العلمي ودوره في التنمية الاقتصاديَّة: كيف يؤثِّر العلم بوصفه قوة إنتاجيَّة في نهضة الأمم وتقدّمها؟

image_pdf

 

إذا أراد الله بالناس خيرا جعل العلم في ملوكهم والملك في علمائهم “

 أبو الحسن الماوردي.

1- مقدّمة:

يعلِّمنا التاريخ، والتاريخ خير معلَّم، أنَّ الحضارات الإنسانيَّة قامت على ركائز الاكتشافات العلميَّة المعرفي، ونهضت على نوابض الابتكار والإبداع العلمي في مختلف الميادين العلميَّة والمعرفيَّة. فالعلم قوَّة كما يقول فرنسيس بيكون، والمعرفة طاقة حضاريَّة لطالما تمَّ توظيفهما في تسجيل السبق الحضاري بين الأمم. وقد أقرَّ الحكيم الصيني صان تسو بهذه الحقيقة منذ زمن بعيد حين قال ” إنَّ المعرفة هي القوَّة التي تمكِّن العاقل من أن يسود والقائد الخير من أن يهاجم بلا مخاطرة، وأن ينتصر بلا إراقة دماء، وأن ينجز ما يعجز عنه الآخرون”([1]). وليس خفيّا على العارفين بأنَّ الاكتشافات العلميَّة كانت وما زالت تشكِّل مهماز الحضارة الإنسانيَّة، وما الحضارة الإنسانيَّة في نهاية الأمر إلا تعبيرا مكثّفا عن أنساق وشبكات متنامية من الاكتشافات العلميَّة الهائلة المتتابعة في مختلف الميادين والمجالات العلميَّة. لقد شكَّل اكتشاف الطاقة البخاريَّة منطلق الثورة الصناعيَّة الأولى في عام 1760 التي فجَّرت كل الأطر التقليديَّة للحضارة الإنسانيَّة، فأحدثت تحوّلات نوعيَّة ثوريَّة جارفة وهائلة في مختلف ميادين الحياة الإنسانيَّة، وقد أدَّى هذا الاكتشاف العظيم إلى اختراع المحرِّك البخاري على يد (جيمس واط) وهو الاكتشاف الذي أطلق ثورة متدفِّقة في الصناعات والنقل والقطارات والتعدين فأحدث ثورة جذريَّة في حياة المجتمعات الإنسانيَّة وكان العامل الأساسي في تفوّق البلدان الصناعيَّة الأولى بريطانيا وأمريكا وبلدان أوربا التي تحوَّلت إلى دول كبرى عملاقة فرضت هيمنتها على العالم برمته بواسطة العلم والاكتشافات العلميَّة.

ثمَّ جاء اكتشاف الكهرباء عام 1880 منطلقا للثورة الصناعيَّة الثانية التي استطاعت أن تغيِّر في ملامح التاريخ الإنساني وتدفع بالإنسانيَّة إلى مرحلة جديدة فائقة من التطوّر في مختلف ميادين الوجود. لقد أسهم اكتشاف (توماس إديسون( للكهرباء في تفجير الثورة الصناعيَّة الثانية، حيث تمَّ توظيف الكهرباء في المجال الصناعي على نطاق واسع ([2]). ومع بداية القرن العشرين، دخل العالم عهد السيَّارة ذات المحرِّك التي شكَّلت تحوّلا جذريّا في مفهوم المواصلات. كما شاع استخدام القطار ذي المحرك الكهربائي، وبعد ذلك توالت الإنجازات العلميَّة بظهور الهاتف ثمَّ الإذاعة والتلفزيون والطائرة.  وقد استفادت الثورة الصناعيَّة الثانية من الطاقة الكهربائيَّة في تعزيز الإنتاج الضخم، وكان ذلك أهمّ سماتها، وبدأ ذلك مع إبداعات) هنري فورد) الذي ابتكر في عام 1908 خطّ الإنتاج الشامل لصناعة السيارات. واستمرَّت الثورة الصناعيَّة في اختراعاتها تدريجيًا، فدخل العالم عصر الأتمتة والميكنة بشكل موسع. وقد أدَّت الثورة الصناعيَّة الثانية إلى تغيير أنماط حياة الإنسان على وجه الأرض. فإلى هذه الثورة يُنسب شكل النظام الاقتصادي الدولي الذي نعيشه حاليا. ويمكن القول إنَّ هذه الثورة كانت اللبنة الأساسيَّة لشكل النظم الاقتصاديَّة الموجودة على مستوى العالم ([3]).

 

ولم يمضِ زمن طويل حتى تُوّجت الحضارة الإنسانيَّة باكتشاف الحاسوب الذي شكَّل بذاته ثورة رقميَّة معلوماتيَّة فارقة في مختلف ميادين الوجود ومظاهر الحياة الإنسانيَّة والاجتماعيَّة، فانتقلت الإنسانيَّة إلى طور حضاري مذهل وفائق استطاع ان يغيِّر في ملامح الوجود والحياة الإنسانيَّة برمتها. وجاء اختراع الحاسوب واستخدامه الواسع في عام 1969 ليبشِّر بما يسمَّى الثورة الصناعيَّة الثالثة، التي أُطلق عليها الثورة المعلوماتيَّة لتحدثا معلما فارقا في التاريخ الإنساني ينبئ بالسيطرة الرقميَّة على الوجود، إذ أصبحت المعلومات والمعرفة العلميَّة الرقميَّة مداد الحضارة ومنطلق الأمم في امتلاك القوَّة الحضاريَّة وصيغة من صيغ التسابق المحموم بين الأمم والشعوب في ميدان الاكتشافات المعرفيَّة والثورة المعرفيَّة، وأصبح تقدُّم الأمم رهينا بما تنجزه هذه الدول في ميدان المعلوماتيَّة والرقميَّة والثورة المعرفيَّة.

 

أصبحت المعلومات والمعرفة العلميَّة الرقميَّة مداد الحضارة ومنطلق الأمم في امتلاك القوَّة الحضاريَّة وصيغة من صيغ التسابق المحموم بين الأمم والشعوب في ميدان الاكتشافات المعرفيَّة والثورة المعرفيَّة، وأصبح تقدُّم الأمم رهينا بما تنجزه هذه الدول في ميدان المعلوماتيَّة والرقميَّة والثورة المعرفيَّة.

وفي مسارات هذا التحوُّل المعرفي، شهد المجتمع الإنساني تراكما حضاريّا ليس له مثيل أو نظير في مجال الاكتشافات العلميَّة والتكنولوجيَّة، وقد شكَّل هذا التراكم الحاضن التاريخي لولادة الثورة الصناعيَّة الرابعة مع مطلع الألفيَّة الجديدة، حيث شكَّلت الاختراعات الجديدة منطلق هذه الثورة التي تتحرَّك اليوم بقوَّة على منصَّات من الاكتشافات العلميَّة في مختلف المجالات، ولاسيما في مجالات الهندسة الوراثيَّة، وإنترنت الأشياء، والطابعات الثلاثيَّة الأبعاد، والذكاء الاصطناعي، والعملات الافتراضيَّة، والتي تتَّسم بطابع التفرُّد التكنولوجي ويحقِّق نوعا من الثورة الهائلة في وسائل الاتِّصال والإعلام. وتتميَّز هذه الثورة الجديدة بقدرتها الهائلة على هدم الحدود الفاصلة بين المجالات الفيزيائيَّة والرقميَّة بين المظاهر المادّيَّة والظواهر المعرفيَّة المعنويَّة بين الذات والموضوع، وقد تبدَّى ذلك في ثورة جديدة للاكتشافات والاختراعات العلميَّة التي تدفَّقت بمتواليات هندسيَّة في مختلف الميادين في الطبّ والهندسة والمعلوماتيَّة. ويمكن القول بعبارة أكثر عمقا وشمولا بأن الثورة الصناعيَّة الرابعة تشكِّل حاضنا ثوريّا لمنظومات ثوريَّة متدفِّقة في مختلف ميادين الوجود، ولاسيما الثورة التكنولوجيَّة والثورة المعرفيَّة والثورة الرقميَّة والثورة في الفيزياء والطبّ والصحَّة والفضاء وفي مجال النانو تكنولوجي وهي ثورات متدافعة متداخلة متشابكة في تموّجات عبقريَّة للعقل الإنساني المنفتح على مختلف صيغ الإبداع والابتكار والإنجاز والتجاوز.

 

يلمِّح إيفلين توفلر في كتابه “الموجة الثالثة ” إلى أنَّ المجتمع البشري كان قد عرف في تاريخه المديد ثورات ثلاث : الثورة الزراعيَّة، تلتها “الثورة الصناعيَّة ” ومن ثمَّ جاءت جحافل “الثورة المعرفيَّة” التي سمّاها بـ “التحوّل الثالث” وهي المرحلة التي تصادف ما نطلق عليه اليوم الثورة الصناعيَّة الثالثة، وهي المرحلة التي يتعاضد فيها العلم والمعرفة العلميَّة بعمليَّة الإنتاج الاقتصادي إذ تتحوَّل المعرفة ذاتها إلى قوة انتاجيَّة في المجتمع [4]. يقول توفلر في هذا السياق “وعلى حين أنَّ الأرض، والعمل، والمواد الأوليَّة، ورأس المال، كانت العوامل الأساسيَّة في إنتاج اقتصاد الموجة الثانية، فإنَّ المعرفة – التي يُفهم منها هنا، بالمعنى الواسع، كلُّ ما يتَّصل بالمعطيات، والإعلام، والصور، والرموز، والثقافة، والايديولوجيا والقيم – هي المصدر الأساسي لاقتصاد الموجة الثالثة “[5].

 

لقد ولَّى زمن الموجة الثانية التي كانت الثروة تقاس فيها بحجم الموجودات الفعليَّة الحسّيَّة الملموسة، مثل: الأملاك العقاريَّة، والمكنات، والمخزون الاقتصادي، والناتج الصناعي والسلع التجاريَّة، وقوائم التقويم، وبدأ زمن الموجة الثالثة، التي ترمز إلى رأس المال المعرفي بفعاليّاته القائمة على العلم والرمز والبحث العلمي وتوليد المعرفة، ومن ثمّ العمل على تعزيزها ونشرها وتوزيعها وتحويلها إلى قوَّة تكنولوجيَّة قابلة للتوظيف الاقتصادي بصورة استثنائيَّة [6]. ويوضح توفلر هذه الصيغة الجديدة لرأس المال البشري بالقول: “إنَّ القيمة الحقيقيَّة لمثل شركة كومباك Compaq وكوداك kodak وهيتاشي Hitachi أو Siemens تقومُ على أفكار وحدوس ومعلومات مخزّنة في رؤوس مستخدميهم، أو في بنوك المعطيات، أو الشهادات التي تحصل عليها هذه الشركات، أكثر ممَّا تتعلَّق بالشاحنات، وخطوط الإنتاج، والثروات الماديَّة الأخرى، التي يمكن التصرَّف بها. ثم إنَّ رأس المال نفسه يقوم بعد الآن، وأكثر فأكثر، على ثروات لا يستطاع لمسها، أو لا يمكن أن تلمس”[7]. وتقدِّم هيدي توفلر تحليلا استثنائيّا لتأثير رأس المال البشري وتوقفه على رأس المال الجامد فتقول: ” إنَّ الولايات المتّحدة كانت، بلا أدنى ريب، واحدة من كبرى مصادر المنتجات الغذائيَّة في العالم، على الرغم من أنَّ الزراعة تشغلُ حاليا ما هو أقل من 2% من الشعب العامل. والواقع أنه في القرن الماضي، كلما تضاءل عدد العاملين في الزراعة، كانت هذه تعزِّز مواقفها” [8]. وهذا يؤشِّر على الفعاليَّة الاقتصاديَّة لرأس المال البشري وأهمّيَّة البحث العلمي في المحافظة على تطوّر الزراعة إبان الموجة الثالثة.

 

ويبيِّن توفلر في كتابه الثالث «تحوّلات القوَّة» الذي صدر عام1990، بأنَّ السلطة أو القوَّة لن تكون للمال والسلاح في القرن الحادي والعشرين، بل ستتحوَّل إلى قوَّة معرفيَّة قوامها العلم والمعرفة والمعلوماتيَّة وهي التي تشكِّل بدورها مرتكزات التقدُّم الحضاري في القرن الحادي والعشرين، وهنا ومن جديد لن يكون التقدُّم الاقتصادي بعد اليوم رهين المواد الخام والمال الجامد والقوى الفيزيائيَّة، بل سيرتهن مصيريّا بتقدُّم المعرفة الإنسانيَّة وتطوّر الذكاء البشري والانتقال إلى الاقتصاد القائم على المعرفة Knowledge Economy؛ وهو نمط من الاقتصاد الذي يمكن استثماره بطريقة جبَّارة في العمل والإنتاج والتفوّق والأتمتة وتحقيق أقصى حالات التقدُّم الإنساني[9]. وهنا نجد أن توفلر يلح ويؤكِّد في مختلف أعماله، ولا سيما في “صدمة المستقبل” و”الموجة الثالثة” و”تحوّل السلطة” على أنَّ المعرفة مورد لا ينضب وهي البديل للموارد الأخرى، ويرى في هذا السياق أنَّ المعرفة تقلِّل الحاجة إلى المواد الخام والعمالة والوقت ورأس المال وتصبح بذلك المورد المحوري للاقتصاد المتقدم [10].

 

فالعالم اليوم، وبفضل هذه الموجات الإبداعيَّة، أصبح يشكِّل ما يمكن أن يسمَّى عصر الإبداعات العبقريَّة والاكتشافات الفائقة في مختلف ميادين الوجود، حيث يكون العلم والاكتشافات العلميَّة مبتدأ الوجود وخبرة في مجال الحياة الإنسانيَّة، وكأنّ الحضارة الإنسانيَّة بدأت تنجز نفسها، وتعيد صياغة وجودها على نحو عبقري، يقلب ظهر المجن لكل ما عرفته عبر تاريخها المديد التليد. فالإنجازات العلميَّة والمعرفيَّة تفوق اليوم حدود التصديق وتتعالى على كل التصوّرات السحريَّة التي أطلقها المخيال الإنساني في غابر الأزمان وسحيق السنين والأيام. فالعالم يتجلَّى اليوم في صورة ما فوق سحريَّة إذ تتحقَّق المستحيلات وتتجسَّد اللامتناهيات أمام جبروت العبقريَّة الإنسانيَّة في مجال الإبداع والاكتشاف وتحقيق المعجزات العلميَّة في مجال الاتِّصال والفضاء والطبّ والهندسة والميديا والنانو تكنولوجي وانترنيت الأشياء والسفر عبر الزمن وغزو الفضاء وإطالة عمر الإنسان.

 

العالم يتجلَّى اليوم في صورة ما فوق سحريَّة إذ تتحقَّق المستحيلات وتتجسَّد اللامتناهيات أمام جبروت العبقريَّة الإنسانيَّة في مجال الإبداع والاكتشاف وتحقيق المعجزات العلميَّة في مجال الاتِّصال والفضاء والطبّ والهندسة والميديا والنانو تكنولوجي وانترنيت الأشياء والسفر عبر الزمن وغزو الفضاء وإطالة عمر الإنسان.

 

ولم يتوقَّف الإبداع الإنساني في مجال الاكتشافات العلميَّة والتكنولوجيَّة حتى استطاعت الإنسانيَّة اليوم السيطرة نسبيا على ما يسمى باللامتناهيات الثلاثة[11]:

السيطرة على اللامتناهيات في الصغر: سواء في الطبيعة الجامدة كالذرَّة والإلكترون، والنيترون، أو في الطبيعة الحيَّة كالخليَّة والجينات والشفرات الوراثيَّة، ويتجسَّد هذا كله فيما يسمَّى بالنانوتكنولوجي علم الجزيئات المتناهيَّة في الصغر.

السيطرة على اللامتناهيات في الكبر: مثل غزو الفضاء، ونشر الأقمار الصناعيَّة فيه، والسفر عبر الزمن، ومعالجة البيانات الكبرى.

السيطرة على اللامتناهيات في التعقيد: ويقصد بها السيطرة الذاتيَّة الكاملة على الآلات ودورات الإنتاج عن طريق الأوتوماتيكيَّة والحواسيب، وكذلك السيطرة على التفاعلات المعقَّدة للنسق الاجتماعي عن طريق شبكات المعلومات والاتِّصال.

 

ومن الواضح أنَّ هذه المرحلة الجديدة في تطوّر الإنسانيَّة تشكِّل طفرة فريدة ونوعيَّة في تاريخ التطوّر العلمي والمعرفي في تاريخ البشريَّة. فالعلم يجتاح العالم بقدرته على تغيير كل المفاهيم والتصوّرات التي سادت عبر التاريخ الكوني برمته. وقد أصبح العلم بالابتكارات والإبداعات المستمرَّة في مختلف مجالات الوجود أن يشكِّل قوَّة أسطوريَّة تصنع المستحيلات وتفجِّر في كل يوم ينابع جديدة للمدهشات في مختلف الميادين في الفلك والفضاء والذرة والنانوتكنولوجي والفيزياء الحيويَّة وفي كل منبت للحياة والوجود.

 

2- إشكاليَّة الدراسة:

يشكِّل البحث العلمي كما يؤكِّد معظم الباحثين منطلق التطوّر الحضاري للأمم، وقد أصبحت هذه الحقيقة نسجا بديهيّا لا يختلف عليه الباحثون والدارسون والمهتمّون بالشأن الحضاري في العالم. ومن هذا المنطلق غالبا ما يعتمد الباحثون على معدّلات الإنفاق العلمي على البحث العلمي ونسبته من الناتج المحلِّي الإجمالي لقياس مستوى النمو الاقتصادي والنهوض الحضاري للدول المعاصرة. ومن المؤشِّرات التي يعتمدها الباحثون في هذا المجال عدد العلماء والباحثين العاملين في البحث العلمي لكل ألف فرد من السكان وعدد الأبحاث العلميَّة والاختراعات المسجَّلة سنويّا ونسبتها لكل ألف مواطن[12]. ومن هذا المنطلق ينبثق اهتمامنا العلمي بإشكاليَّة العلاقة بين البحث العلمي والتقدُّم الحضاري والنهضوي للأمم والشعوب في العالم المعاصر، وتمثِّل هذه الإشكاليَّة موضوع دراستنا الهادفة إلى تحديد المسارات الحاكمة لطبيعة هذه العلاقة وأبعادها الحضاريَّة في العالم المعاصر. وإذا كان العلم يرتقي اليوم بنتائجه المبهرة والإعجازيَّة إلى الدرجة التي يوصف فيها بأنه فن في صناعة المستحيلات وتوليد المدهشات، فإنَّ السؤال المركزي الذي يطرح نفسه هل هناك ثمَّة علاقة جوهريَّة بين البحث العلمي والاقتصاد التنموي؟ أو كيف يؤثِّر العلم بوصفه قوَّة انتاجيَّة والبحث العلمي بوصفه ابتكارا في نهضة الأمم وتقدّمها؟ وما هي الكيفيات التي يتجلَّى فيها تأثير العلم والبحث العلمي في النموّ الاقتصادي والنهضة الحضاريَّة للأمم والشعوب؟ ويتفرَّع عن هذا السؤال أسئلة فرعيَّة مفادها: هل هناك علاقة حيويَّة بين البحث العلمي ومعدّلات النمو الاقتصادي للدول والمجتمعات الإنسانيَّة؟ إلى أي حدّ استطاع البحث العلمي أن يؤثِّر في التجارب النهضويَّة لبعض الأمم والشعوب السائرة في ركب التحضّر والتقدّم العلمي؟ وهل يشكِّل العلم قوَّة إنتاجيَّة تسهم في تحوّل الاقتصاديات الكلاسيكيَّة إلى اقتصاديات قائمة على المعرفة؟

ومثل هذه الأسئلة تحتاج إلى بذل الجهد العلمي في عمليَّة الاستكشاف والتحليل، وتقتضي بحثا في الأدلَّة التاريخيَّة واستعراضا للمؤشِّرات الفعليَّة لقياس حدود وأبعاد العلاقة بين البحث العلمي والنهضة الحضاريَّة للأمم، كما تحتاج إلى استكشاف برهاني للكيفيات التي يتحوَّل فيها البحث العلمي إلى قوَّة حضاريَّة مؤثِّرة في التنمية والتقدُّم العلمي.

 

ومن أجل هذه الغاية أجريت الدراسات والبحوث المعمَّقة في محاولة للكشف البرهاني عن طبيعة العلاقة بين المعرفة العلميَّة والتقدم الاقتصادي الحضاري. وقد يبدو لكثير من الباحثين أنه لمن أصعب الأمور وأكثرها مشقَّة في مجال الاقتصاد قياس درجة تأثير المعرفة غير المحسوس في قوَّة ملموسة هي النمو الاقتصادي والتقدُّم الحضاري. وقد نجد صيغا مختلفة في مجال اقتصاديات المعرفة أو اقتصاديات التعليم لقياس تأثير العلم والمعرفة والتعليم في الناتج الإجمالي المحلِّي. ولذا فنحن هنا لسنا بصدد مناقشة البديهيّات والمبادئ بل بصدد البحث عن المؤشِّرات العلميَّة والبحثيَّة التي تفيد بوجود علاقة جوهريَّة وعميقة ما بين البحث العلمي والنواتج الحضاريَّة المتمثِّلة في النمو الاقتصادي والاجتماعي للأمم والشعوب، ومن هنا تأتي أهمّيَّة هذه الدراسة بوصفها محاولة في تقدّم صورة متكاملة لوضعيَّة العلاقة بين رأس المال العلمي والبشري وبين التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة.

3- العلم بوصفه قوَّة إنتاجيَّة: من اقتصاد الندرة إلى اقتصاد الوفرة

يتَّضح تأثير الاكتشافات العلميَّة في المجتمع والتنمية عندما تتحوَّل هذه الاكتشافات إلى قوَّة إنتاجيَّة مباشرة، وضمن هذه الصيرورة بدأت المعرفة تتحوَّل إلى قوَّة إنتاجيَّة فعالة ترتبط جوهريا بالاقتصاد والتنمية والتطوير. ففي غابر الأيام كانت الاكتشافات العلميَّة تحتاج إلى عشرات السنين لتتحوَّل إلى قوَّة إنتاجيَّة عبر تطبيقاتها التكنولوجيَّة في ميدان الحياة والعمليَّة والإنتاج الاقتصادي للمجتمع. وقد ارتبط هذا التحوّل عمليّا بشروط ووضعيَّة مستوى التطوّر الحضاري التكنولوجي في المجتمع وهو يرتبط اليوم بمنظومة من المتغيرات التكنولوجيَّة والاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة القائمة في المجتمع.

 

في الحقب الزمنيَّة الماضية كانت الإبداعات العلميَّة تظهر إلى الوجود، ولكن تطبيقاتها وتوظيفاتها كانت تحتاج إلى فترات زمنيَّة قد تطول إلى عشرات السنين، ومع الزمن وتطوّر الحضارة الإنسانيَّة تقلصت المسافات الفاصلة بين الابتكارات العلميَّة وبين عمليَّة تحولها إلى تطبيقات تكنولوجيَّة مثمرة في المجال الاقتصادي، وبدأت المعرفة الابتكاريَّة تتحول مع الزمن إلى قوة انتاجيَّة مباشرة دون وساطات أو توسط، ويبدو أن رأس المال الجامد لم يعد عنصراً حاسما في العمليَّة الإنتاجيَّة إذ أصبح النشاط الذهني بمادته وقدراته المعلوماتيَّة – كما يقول الأنصاري “هو أساس الإنتاج في حين أصبح رأس المال مجرد عنصر من عناصره وليس له الأولويَّة الرئيسيَّة كما كان الأمر في العصر الصناعي([13]).

 

وقد وصل الأمر في نهايات القرن الماضي إلى التحضير المسبق للتطبيقات التكنولوجيَّة وفقا للحاجة قبل البدء بعمليَّة الابتكار والاكتشاف، وهذه المرحلة قلبت موازين العلاقة بين المعرفة العلميَّة وتطبيقاتها التكنولوجيَّة. فأصبح العلم يتحرَّك في دائرة الواقع قوَّة تنمويَّة وصناعيَّة وذلك تطبيقا للمبدأ الذي يقول الحاجة أم الاختراع. فعلماء اليوم يوجِّهون أبحاثهم واكتشافاتهم استجابة لمتطلّبات الواقع ومشكلاته بالدرجة الأولى، ولم يعد الابتكار العلمي في الغالب حالة سابقة للتطبيق بل حالة موازية أو متأخِّرة عن الحاجة في ميدان الأسواق والأعمال. وهذا يعني أن معادلة العلاقة بين المعرفة والإنتاج قد اتَّخذت طابعا انعكاسيا أي من العرض والطلب إلى الطلب والعرض. فأصبح السوق الاقتصادي هو الذي يحدِّد المطالب العلميَّة والحاجة إلى الاكتشاف، إذ يعبِّر عن احتياجاته لمراكز البحوث التي تقوم بتلبية هذه المطالب. وهناك طبعا استثناء يتعلَّق بالبحوث الأساسيَّة التي تطلب العلم لذاته وتحاول الاستجابة لمطالب العلم نفسه دون النظر في تطبيقات العلم على المستوى الاقتصادي، وهذا ما يحدث في مجالات البحوث الأساسيَّة في الفيزياء والفلك والرياضيات والعلوم الإنسانيَّة. ويلاحظ في هذا السياق تطوّر هذه النزعة الهائلة لتحويل العلم إلى قوة إنتاجيَّة وربط مؤسَّسات العلم ومراكز البحث بتحقيق التنمية الاقتصاديَّة المباشرة. وهذا ما يمكن أن نطلق عليه الاقتصاد القائم على المعرفة وهو الاقتصاد الذي تتبنَّاه أغلب الدول المتقدِّمة في مسار تحقيق التقدّم والتنمية.

 

وضمن هذه الصيرورة في العلاقة بين العلم والاقتصاد يتخيَّل بعض المفكِّرين أصحاب النزعة ” ما بعد الإنسانيَّة” “Posthumanism” أنه ستكون هناك نقطة فارقة حرجة في المستقبل سيصل فيها معدّل تسارع التطوّر التكنولوجي المعرفي لدرجة أنَّ منحنى التقدّم قد يصبح عموديًا تقريبًا في محور الزمن.

 

فالمعرفة الإنسانيَّة عبر التاريخ كانت تحتاج إلى قرون لتحدث تغييرا جوهريا في ذاتها وفي الاقتصاد أو فيما حولها، ثم إلى قرون وعقود كي تتضاعف، ولكننا اليوم نشهد تضاعفا في المعرفة الإنسانيَّة مصحوبا بالتغيير الهائل في سنوات وشهور وأيام. وهذا يعني أنّ المعرفة الإنسانيَّة قد تتجدَّد في غضون أشهر ثم تتقلَّص فترة التجدُّد هذه إلى أيَّام ثم إلى ساعات فدقائق فثواني. وهذا التضاعف الحضاري قد يأخذ في المستقبل تضاعفا هندسيّا خارقا يصل إلى مرحلة التغيّر التام على المحور العمودي الهائل الذي تتراكم فيه المعرفة خلال فترات زمنيَّة قصيرة جدا، وهذا سيجعل من الصعوبة بمكان التعرّف على العالم والظواهر الكامنة فيه والأشياء بعد مرور وقت قليل، فكل شيء سيتغيَّر في ومضات زمنيَّة متسارعة متلاحقة، ويطلق “الإنسانويّون” على هذه المرحلة الافتراضيَّة باسم التفرّد الكوني الذي يتجسَّد في شكل متطوّر من أشكال الذكاء البشري الذي يعزِّز حركة التطوّر الاقتصادي بسرعات متناهية.

 

المعرفة الإنسانيَّة عبر التاريخ كانت تحتاج إلى قرون لتحدث تغييرا جوهريا في ذاتها وفي الاقتصاد أو فيما حولها، ثم إلى قرون وعقود كي تتضاعف، ولكننا اليوم نشهد تضاعفا في المعرفة الإنسانيَّة مصحوبا بالتغيير الهائل في سنوات وشهور وأيام. وهذا يعني أنّ المعرفة الإنسانيَّة قد تتجدَّد في غضون أشهر ثم تتقلَّص فترة التجدُّد هذه إلى أيَّام ثم إلى ساعات فدقائق فثواني.

لقد كانت الحروب في أصل كثير من الابتكارات العلميَّة التكنولوجيَّة مثل الطائرات والصواريخ والسفن والفضاء، ونحن نعرف اليوم أنَّ أهمّ شبكة الأنترنيت والحاسوب وهي من أهمّ الاختراعات البشريَّة في العصر الحديث قد تمّ اكتشافهما وتوظيفهما في البداية لأغراض عسكريَّة في الولايات المتّحدة الأمريكيَّة. لقد شكَّلت الحرب العالميَّة الثانية نقطة تحوّل معرفي وعلمي كبير في مسيرة البشريَّة جمعاء، ويرى بعض الخبراء أنَّ الحرب الثانية شكَّلت منطلق الثورة العلميَّة المعرفيَّة الثالثة، وكان من أبرز نتائجها اندماج العلوم والمكتشفات العلميَّة في منظومات الإنتاج لتتحوَّل المعرفة إلى قوَّة منتجة فعَّالة ومباشرة.

 

وشهد التطوّر المعرفي “تقلّص المسافة الفاصلة بين ميلاد الاختراع وتطبيقه على أرض الواقع، “ففي حين كان الفارق بين ظهور الاختراعات وتجسيدها على واقع الحياة العامَّة للناس يحتاج إلى سنين طويلة من الزمن، أصبح ذلك الفارق في ظلِّ الثورة المعرفيَّة لا يتعدَّى بأقصى تقدير بعض من السنوات، فلم تمضِ سوى خمس سنوات عن اكتشاف الترانزستور حتى عمّ استعماله صناعيّا، كما أن الدارة المتكاملة لم تحتاج سوى لثلاث سنوات لتدخل سوق الإنتاج والحياة العامَّة للناس” [14]. وفي هذا السياق، كتب “دانييل بيله عام 1967 يقول: إنَّ متوسّط طول المدة بين اكتشاف مبتكر تكنولوجي جديد وبين إدراك إمكانيّته التجاريَّة كان ثلاثين عاما في الفترة ما بين عامي 1880 و1919، ثمّ انخفض إلى 16 عاما في الفترة ما بين عام 1919 و1945، ثمّ إلى 9 أعوام. تحول نمط الإنتاج العلمي والتقني، من مرحلة الإبداع الفردي خلال القرنين 18 و19 إلى مرحلة الإنتاج الجماعي والمؤسَّساتي خلال القرن العشرين: بمعنى أنه خلال التحوّلين الأول (الثورة الزراعيَّة) والثاني (الثورة الصناعيَّة) كان الأفراد هم أساس الاختراع والابتكار “[15].

يصف الكاتب الأردني أبراهيم بدران هذه الحالة الاندماجيَّة بين المعرفة والإنتاج الاقتصادي التكنولوجي “بالحمى الإبداعيَّة التي أصابت المجتمعات الإنسانيَّة، ولاسيما في مجالات الفنون والعلوم والخيال والهندسة والاختراع وعلم النفس والفلسفة والقيم، فالمعرفة تترجم إلى تكنولوجيا فاعلة في الاقتصاد، “حيث تبدأ عمليَّة التصنيع الشامل لكل الأشياء من أدوات وأجهزة، بحيث أصبح كل شيء وأي شيء قابل لأن يصنع أو تصنع له أو من أجله آلة أو ماكنة، وعلى هذا النوع دخلت المجتمعات تطوّرا جديدا جعلها تختلف كليَّة عن فترات ما قبلها. وسوف يستمرّ التغيير مع تقدّم الزمن بدون توقّف، وهذا ما نشاهده اليوم في الصين وكوريا والهند وسنغافورة وغيرها”[16].

 

وتتجلَّى هذه العلاقة بين العلم بوصفه وعيا وبين عمليَّة الإنتاج بوصفها ممارسة اقتصاديَّة بوضوح في قول ماركس “ليس وعي النّاس هو الذي يعيّن وجودهم، بل إنّ وجودهم الاجتماعيّ على العكس من ذلك هو الذي يعيّن وعيهم»[17]. فالإنتاج والأسواق أصبحت اليوم فعليا تحدِّد الاتِّجاهات الإبداعيَّة ومسار البحوث العلميَّة بصوة واسعة جدا وذلك على مقياس الأسواق وقوانينها. ومع الأهميَّة التاريخيَّة لمقولة ماركس حول العلاقة بين قوى الإنتاج وعلاقاته فإنَّ حدود العلاقة بين العلم والاقتصاد قد أصبحت واهيَّة وانسيابيَّة، وذلك لأن العلم قد أصبح اليوم قوة إنتاجيَّة بذاته، وليس مجرد شكل من أشكال الوعي الذي عرفناه في صيغته التاريخيَّة عندما كان العلم يطلب لذاته بوصفه علما أي عندما كان العلم شغف العلماء، وهو العلم الذي يتجلَّى في البحوث المعرفيَّة الأساسيَّة المعمَّقة. فالمعرفة اليوم تأخذ طابعا برغماتيا وتتحوَّل إلى قوَّة اقتصاديَّة واضحة المعالم، وهذا هو الأمر الذي أعلنه الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون (Francis Bacon ,1561-1626) في القرن السادس عشر إذ كتب يقول “بأن المعرفة قوَّة “ وذلك في إشارة منه إلى أهميَّة العلم والثقافة في التحوّلات التي شهدتها وتشهدها البشريَّة خلال مراحل تطوّر حضاراته. فعندما تنطلق المعرفة تنبني على ذاتها، أي “تراكم في ذاتها مصدر قوّتها، ثم تبدأ بالتقدّم بصورة مستمرِّة في مجال الاستكشاف والاختراع إلى الدرجة التي تمكِّن فيها الناس من فعل أمور ما كان لهم أن يكونوا قادرين على فعلها سابقا ومن هنا تتحوَّل المعرفة إلى قوَّة حضاريَّة هائلة كما يرى بيكون وكيف لا يكون ذلك عندما تمكِّننا هذه المعرفة من السيطرة على الطبيعة والقيام بأمور مدهشة ما كان لنا إليها سبيلا في خوالي الأيام وغياهب السنين. وهذا ما يؤكِّده لاحقا آدم سميت A.Smith – مؤسِّس الاقتصاد السياسي الكلاسيكي في كتابه ثروة الأمم (The Wealth of Nations) [18]عام 1776، إذ يرى أنَّ الاستثمار في رأس المال البشري  Investment in Human Capital Theory هو أعظم الاستثمارات الاقتصاديَّة أهمّيَّة وخطورة. وفي هذا الكتاب يقدم سميث موازنة دقيقة لحساب للعلاقة بين رأس المال الفيزيائي ورأس المال البشري وتأثير كل منهما في تقدُّم الأمم وازدهارها، فينظر إلى التربية بوصفها استثمارا في رأس المال البشري، ويبيّن الإمكانيَّات الهائلة للتعليم في إثراء اقتصاد الأمم وتقدّمها[19].

 

ويؤكِّد الاقتصادي الإنكليزي الشهير الفرد مارشال A.Marshall رؤيَّة آدم سميث في كتابه الشهير مبادئ الاقتصاد (Principles of Economics) عام 1890 بأنَّ المعرفة هي أكثر الأدوات قوَّة للإنتاج وارتباطا بالاقتصاد. ويؤكِّد في السياق نفسه على وجود علاقة طرديَّة بين الاستثمار في التعليم (الاستثمار في رأس المال البشري)، وبين زيادة دخل الفرد والمجتمع كما يؤكِّد أهمّيَّة البحث العلمي في تأثيره على الجوانب الاقتصاديَّة.

وقد تكاثفت الدراسات التي تناولت تأثير رأس المال البشري والابتكار العلمي في الاقتصاد عشيَّة الحرب العالميَّة الثانية، وبالتحديد في نهاية الخمسينات وأوائل الستينات من القرن العشرين على يد روبرت سولو R.Solow 1957 وثيودور شولتز T.W.Schultz 1963 وجاري بيكر G.S.Becker 1964، ودينيسون E.Dension 1962 وهاربيسون Haribson 1964 ووجاكوب مانسر Jacob Mincer وهم الذين أسَّسوا لنظريَّة رأس المال البشري Capital humain بصورة علميَّة والاقتصاد القائم على المعرفة [20].

 

4- عوائد الاستثمار في البحث العلمي:

في مراحل تاريخيَّة سابقة غالبا ما كان ينظر إلى الإنفاق على البحث العلمي بوصفه ترفا أو شكلا من أشكال النفقات العامَّة الاستهلاكيَّة، ويقوم هذا التصوّر على الأرجح كنتيجة طبيعيَّة للشعور بأن البحث العلمي يشكِّل نشاطا لا تتَّضح تأثيراته الاقتصاديَّة مباشرة ولكون علاقته بالعمليَّة الإنتاجيَّة غير واضحة للعيان حيث لا يمارس دورا اقتصاديا أو ربحيّا على المدى القصير. ولكن الدراسات الاقتصاديَّة الحديثة أثبتت أن مردوديَّة الإنفاق على البحث العلمي كبيرة جدا، وأن الاستثمار في البحث العلمي لا يقلّ أهميَّة عن الاستثمار في أي مجال آخر.

 

ولا ريب في أن البحث العلمي يمارس دورا بالغ الأهمّيَّة في عمليَّة التنمية الاقتصاديَّة وتطوير المجتمعات الإنسانيَّة، ولقد أدركت الدول المتقدِّمة هذه الحقيقة منذ زمن، فسخَّرت إمكاناتها البشريَّة والمادّيَّة لدعم المجال العلمي البحثي وفتحت كل القنوات لإيجاد أسواق لتسويق منتجاتها البحثيَّة وبراءات الاختراع، ممَّا عزَّز من قوّتها الاقتصاديَّة والسياسيَّة، وقد سبق للاقتصادي النمساوي-الأمريكي فرتز ماكلوب Fritz Machlup 1902-1983)) في كتابه الصادر عام 1962 ” الإشارة إلى أنَّ “صناعة المعرفة تمثِّل 29% من الناتج القومي الإجمالي للولايات المتّحدة” [21] ولكن هذه النسبة ارتفعت اليوم أكثر بكثير كما تشير المصادر الاقتصاديَّة إلى أن 60% من الناتج القومي في الولايات المتّحدة الأمريكيَّة، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى نتائج الاستثمار في البحث العلمي[22]. هذا وتفيد بعض المصادر العلميَّة الأخرى، أنَّ إنتاج المعلومات وتوزيعا يشكِّل نصف حجم العمل في الولايات المتّحدة الأمريكيَّة على الأقل حسب تقديرات السبعينات، أما الآن وفي التسعينات فإنه يشكِّل ما يزيد عن 75% من ذلك الحجم “([23]).

 

ويؤكِّد الاقتصادي العالمي توماس ستيوارت هذه الرؤيَّة، إذ يرى إنَّ أهميَّة المعرفة تزداد وضوحاً بفضل حقيقة أن قيمة مختلف أصول المعرفة قد زادت من %38 من أصول قطاع الأعمال العام 1982 إلى % 72عام 1992. ويُقدِّر بأنَّ رأس المال البشري وحده، أي القيمة التي تنتج براعة ومهارة قوَّة العمل، مسؤولة عن % 70 من كل الثروة في الاقتصاديات الحديثة. وإذا أضفنا الملكيَّة الفكريَّة (براءات الاختراع، وغيرها)، وأسماء الشهرة، والأشكال الأخرى للمعرفة، فإنَّ المجموع يصل إلى 80 % من أصول قطاع الأعمال. والمشكلة هي أنَّ المديرين يعتقدون بأن حوالي 20 % فقط من هذا الأصل الاستراتيجي يُستخدم بالفعل[24]. وأصبحت قدرة أي دولة اليوم تتمثَّل في رصيدها المعرفي، حيث تقدّر المعرفة العلميَّة والتكنولوجيَّة في بعض الدول بنحو 80%من اقتصادها” [25].

 

وفي هذا المسار تشير إحصاءات الأمم المتّحدة إلى أنَّ البحوث والدراسات العلميَّة أصبحت تسهم بنسبة من 40% إلى 80 % في تطوير الأمم، وذلك بفضل الإمكانات الضخمة التي تتوافر بمؤسَّسات البحث العلمي والتقني بها[26]. وعلى هذا النحو أصبحت البحوث العلميَّة الإبداعيَّة تعدّ عنصرا أساسيا وحيويا في دعم الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصاديَّة الشاملة، حيث تراوحت نسبة التطوير التقني الناتج عن البحث العلمي التطبيقي في نمو الناتج القومي وتحسين مستوى المعيشة بين 60-80% وهي نسبة كبيرة تقدّر عوائدها بأضعاف عوائد عناصر الاستثمار الأخرى، والأمثلة على ذلك عصيَّة على الحصر [27].

 

تشير إحصاءات الأمم المتّحدة إلى أنَّ البحوث والدراسات العلميَّة أصبحت تسهم بنسبة من 40% إلى 80 % في تطوير الأمم، وذلك بفضل الإمكانات الضخمة التي تتوافر بمؤسَّسات البحث العلمي والتقني بها.

 

وقد تواترت الدراسات والبحوث التي تؤكِّد اليوم الأهميَّة القصوى لرأس المال البشري ممثّلا في البحوث العلميَّة والاكتشافات المعرفيَّة في عمليَّة الإنتاج، ويلاحظ في هذا السياق أنَّ الموارد الطبيعيَّة وقوَّة العمل ورأس المال لا تفسّر بشكل كامل معدّل النمو السنوي الاقتصادي للدول، وتبيّن الدراسات الاقتصاديَّة الجارية أنَّ أثر هذه العوامل لا يزيد على 60% في معدَّل النمو الاقتصادي في أغلب ويرى الاقتصاديّون أن 40% من النموّ الاقتصادي يقوم على البحث العلمي والنشاط المعرفي في المجتمع [28]. ولا يخفى اليوم الارتباط الوثيق والتفاعل القائم بين البحث العلمي وتطبيقاته التكنولوجيَّة في مجال التنمية الوطنيَّة والإعمار، “ويبدو أن الدول المتقدِّمة صناعيّا؛ بارعة في ترسيخ هذا الارتباط والاستفادة منه لأقصى الحدود؛ حيث يعود التحسّن في مستوى معيشة أفرادها بنسبة 60 إلى 80% إلى التقدّم العلمي والتقني؛ بينما يعزى هذا التحسّن بنسبة 20 إلى 40% إلى وجود رأس المال والموارد الطبيعيَّة “[29].

 

ويؤكِّد الباحثون والدارسون في ميدان الاقتصاد المعرفي وجود علاقة إيجابيَّة واضحة بين التنمية الاقتصادية ومعدّلات الإنفاق على البحث العلمي في مختلف البلدان المتقدّمة. وغالبا ما يعتمد الباحثون على مؤشِّر الإنفاق على البحث العلمي، ولاسيما نسبة هذا الإنفاق بالقياس إلى الناتج المحلي الإجمالي للدولة. وتبيِّن المقارنة بين الدول وفقا لمدى الإنفاق على البحث العلمي، أنّ هذا الإنفاق يكون مرتفعا في الدول الصناعيَّة المتقدِّمة بالتكنولوجيا ومنخفضا في الدول غير الصناعيَّة والمستهلكة للتكنولوجيا. ويلاحظ الباحثون إنَّ الترابط يكون كبيرا بين الإنفاق على البحث العلمي ومعدّل النموّ الاقتصادي في مختلف دول العالم[30].

 

ويقدر الاقتصاديون أن أكثر من 50 % من الناتج المحلي الإجمالي للدول يعود إلى العامل المعرفي، فقد ازدادت الصناعات المبنيَّة على المعلومات في معظم الدول المتقدمة بالنسبة إلى مجمل الصناعة بشكل ملحوظ بين عام 1970 وعام 1994 ويتبين ذلك من زيادتها في صادرات هذه الدول حيث تراوحت هذه الزيادات لتصل إلى 36% في حال اليابان و37% للولايات المتّحدة و43% في ايرلندا و32% في المملكة المتّحدة. ويزداد استثمار الدول في المعرفة والمعلومات من خلال الصرف على التعليم والتدريب والتطوير في القطاعين العام والخاص. فالاستثمار في المعلومات أصبح أحد عوامل الإنتاج، إذ يزيد في الإنتاجيَّة كما يزيد في فرص العمل. [31]

 

وتمثِّل اقتصاديات الولايات المتّحدة الأمريكيَّة نموذجا واضحا لتأثير الإنفاق على البحث العلمي في التنمية الاقتصاديَّة، لقد أدَّى الإنفاق الكبير على البحث العلمي في الولايات المتّحدة الأمريكيَّة إلى تحقيق مكاسب مبالغ خياليَّة وشكل هذا الأمر حافزا كبيرا إذ عمل القائمون على الاقتصاد على مضاعفة الاستثمار في البحث العلمي من 243 مليار إلى 510 مليار دولار بين عامي 1995 و1999، وشكَّلت البرمجيات حوالي 150 مليارا منها. وبالرغم من أن رأسمال تقنيات المعلومات لا يشكل إلا 6٪ من حجم المؤسَّسات الخاصَّة في الولايات المتّحدة الأمريكيَّة، إلا أنَّه أثمر حوالي نصف النموّ الاقتصادي في نهاية التسعينيات[32].

 

وفي روسيا الاتِّحاديَّة، يشكِّل الإنفاق على البحث العلمي نموذجا حيّا للاهتمام بالبحث العلمي، إذ تبيِّن الإحصاءات الجارية أنَّ الأرباح الصافية، المترتِّبة على تطبيق نتائج البحث العلمي، قد حقَّقت زيادة في العمليَّة الإنتاجيَّة بمقدار 200%. وبيَّنت الحسابات الإحصائيَّة أيضا أن كل روبل ينفق على البحث العلمي يعود سنويا على الدخل القومي بـ 3-5 روبل. وقد بيّنت دراسة حديثة للاتّحاد الأوروبي أن الاستثمار بيورو واحد في البحث العلمي يؤدِّي إلى زيادة سبع وحدات إضافيَّة على مدى خمس سنوات بعد نهاية المشروع وتطبيق نتائجه [33].

 

وتشير احصائيّات الأمم المتّحدة إلى أنَّ مساهمة البحوث والدراسات العلميَّة تتراوح ما بين 40 إلى 80 في المائة في عمليَّة تطوير المجتمعات والارتقاء بالتنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة لها، وهنا لا يمكن العمل في دول الخليج بمعزل عن بقيَّة الدول، حيث يتطلَّب البحث العلمي مواكبة الجديد في استخدام عناصر التحديث في مجالات الإدارة والتنظيم والتعليم والتدريب والمعلومات ووسائل الاتِّصال وتقنيات البحث العلمي والتي ستساهم في إحداث تغيير جذري في أداء البحث العلمي[34]. وتبين دراسة أخرى أجريت في الولايات المتّحدة الأميركيَّة أن كل دولار ينفق في البحوث العلميَّة الطبيَّة يدرّ ثمانين دولار سنويا تقريبا، ولذا فإن الولايات المتّحدة الأميركيَّة تنفق حوالي أربعين مليار دولار على البحث الطبِّي، وهذا يعني أنَّ مردود هذا الإنفاق سيشكِّل حوالي ثلاثة آلاف مليار دولار سنويا، أي تريليون دولار[35].

 

وتبيِّن بعض الدراسات الجارية في هذا الميدان أنَّ حجم ما ينفق على البحوث العلميَّة ومراكزها لا يرتبط أبدا بمساحة البلد أو حتى بعدد سكانها “فمثلا إسرائيل وحدها تنفق 6.1 بليون دولار بينما تنفق الدول العربيَّة مجتمعة 1.7 بليون دولار، وهنا يمكن ملاحظة الفجوة الهائلة بين الإنفاق على البحث العلمي في دولة واحدة مقارنة بجميع الدول العربيَّة، إنَّ هذا الفرق جعل إسرائيل تخرج 50 ألف خبير يعملون في الصناعات المتطوّرة والدقيقة والتي بلغت مبيعاتها للسنوات 2003-2005 فقط 8 بليون دولار ” [36].

 

هذا “بغض النظر عن ما تنفقه أمريكا الشماليَّة على البحث العلمي والذي بلغ 281 بليون دولار بينما تنفق اليابان وحدها 98.1 بليون دولار، بل أن الشركة الأمريكيَّة Gillette GII أنفقت على دراسة Mack III لأمواس الحلاقة وهي دراسة واحدة مبالغ تقدّر 300 مليون دولار أي خمس ميزانيَّة البحث العلمي في الدول العربيَّة مجتمعة.” [37]

وقد أثبتت البحوث الاقتصاديَّة الجارية وجود علاقة جوهريَّة بين المعرفة العلميَّة ومعدّلات التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. ويقدّر بعض الاقتصاديين أن أكثر من 50% من النمو التراكمي لدخل الفرد في الولايات المتّحدة يعود إلى التقدّم التكنولوجي الناجم عن الاستثمار في البحوث العلميَّة [38]. ويعتقد الباحثون أنَّ العائدات الاقتصاديَّة الكليَّة للاستثمار في البحث والتطوير أعلى بعدَّة مرّات من أي شكل من أشكال الاستثمار الأخرى. كما يقدِّر الاقتصاديون حاليَّة أنَّ أكثر من 50 في المائة من الناتج المحلِّي الإجمالي في الدول الصناعيَّة مبني على المعرفة، فقد ازدادت الصناعات المبنيَّة على المعرفة في معظم هذه الدول، وزادت صادراتها، حيث وصلت نسبة الصادرات المبنيَّة على المعرفة في اليابان إلى 36 في المائة وفي الولايات المتّحدة إلى 37% و43% في إيرلندا و32% في المملكة المتّحدة. ويقوم الاقتصاديون الآن بإيجاد طرق لإدخال عامل المعرفة بشكل مباشر وواضح في نظرياتهم ونماذجهم الاقتصاديَّة، ومنها مثلا نظريَّة النمو الجديدة. ويمكن القول في هذا السياق، إنَّ البحث والتطوير يشكِّل أحد أهمّ مولدات المعرفة، كما تعدّ الشراكات بين الجامعات ومؤسَّسات البحث والتطوير وفعاليَّات الإنتاج من أهم العوامل الفاعلة في استخدام هذه المعرفة[39]. ومن أجل تقديم صورة واضحة عن العلاقة بين نسبة الإنفاق على البحث العلمي ومستوى النموّ الاقتصادي في دول العالم قمنا بتصميم الجدول (1) الذي يوضح أنَّ الدول الأكثر إنفاقا على البحث العلمي هي الدول الأكثر تقدّما في ميادين الاقتصاد والتنمية والقوَّة الحضاريَّة.

أثبتت البحوث الاقتصاديَّة الجارية وجود علاقة جوهريَّة بين المعرفة العلميَّة ومعدّلات التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. ويقدّر بعض الاقتصاديين أن أكثر من 50% من النمو التراكمي لدخل الفرد في الولايات المتّحدة يعود إلى التقدّم التكنولوجي الناجم عن الاستثمار في البحوث العلميَّة.

 

الجدول (1) قائمة الدول حسب الإنفاق على البحث العلمي

 

المرتبة عالميا 

بحسب نسبة الانفاق 

الدولة  نسبة الانفاق إلى الناتج المحلي الاجمالي GDP)) نسبة الانفاق على الفرد الواحد بالدولار  العام الإحصائي
1  كوريا الجنوبية 4.292% 1,518.47 2014
2  إسرائيل 4.109% 1,361.56
3  اليابان 3.583% 1,344.31
4  فنلندا 3.174% 1,290.58
5  السويد 3.161% 1,460.98
6  الدنمارك 3.051% 1,361.51
7  تايوان 3.006% 1,383.84
8  النمسا 3.000% 1,416.14 2015
9  سويسرا 2.967% 1,647.90 2012
10  ألمانيا 2.842% 1,313.46 2014
11  الولايات المتّحدة 2.742% 1,442.51 2013
12  بلجيكا 2.465% 1,063.38 2014
13  سلوفينيا 2.386% 712.63
14  فرنسا 2.256% 914.54
15  أستراليا 2.120% 986.86
16  الصين 2.100% 298.56 2015
23  المملكة المتّحدة 1.701% 677.44
24  كندا 1.612% 724.87
25  أيرلندا 1.519% 779
49  مصر 0.68% 73.18 2013
50  تونس 0.68% 72.83 2012
57  الإمارات العربية المتّحدة 0.49% 288.69 2011
60  قطر 0.47% 698.50 2012
69  الكويت 0.30% 214.16 2013
71  السعودية 0.25% 60.01 2012
74  السودان 0.23% 4.74 2007
80  سلطنة عمان 0.17% 73.66 2013
86  الجزائر 0.07% 4.13 2007
89  البحرين 0.04% 18.83 2013

المصدر – تم تشكيل معطيات الجدول من المصادر التالية:

1- إحصائيات البنك الدولي – الإنفاق على البحث والتطوير (% من إجمالي الناتج المحلي) https://data.albankaldawli.org/indicator/GB.XPD.RSDV.GD.ZS?locations=LB-IQ-JO-PS

-2 الموسوعة العالميَّة ويكيبيديا – https://ar.wikipedia.org

ومن أجل قراءة موضوعيَّة دقيقة للجدول السابق علينا الاسترشاد بدليل التنمية البشريَّة لبرنامج الأمم المتّحدة لعام 2002  الذي يصنِّف الدول التي تنفق أكثر من 2% من ناتجها القومي على البحث والتطوير بأنَّها دول متقدِّمة جدا، والدول التي تنفق أقل من 1% بين الدول النامية الأدنى مرتبة على سلم التقدّم الحضاري [40]. وعلى هذا الأساس يمكن القول وفقا لميساء الشامسي “إنَّ الدول التي تنفق أقل من 1% من ناتجها القومي يكون البحث العلمي لديها ضعيفًا جدًا، ولا يرقى إلى مستوى تطوير القطاعات الإنتاجيَّة. أما مجموعة الدول التي تقع ما بين 1 – 2% من ناتجها القومي فيكون البحث العلمي لديها في وضع المقبول. أما بالنسبة للمجموعة التي تنفق أكثر من 2% من ناتجها القومي يكون البحث العلمي فيها متميزًا ومتقدّمًا بدرجة بالغة، وفي مستوى مناسب لتطوير قطاعات الإنتاج وعلى إيجاد تقنيات جديدة “. [41]

هذا وتؤكِّد معطيات الجدول السابق ما كان قد أشار إليه لوتشاينو فلوريدي في كتابه (المعلومات: مقدّمة قصيرة جدا ) الذي تمَّ نشره في عام 2014 على أن اقتصاد الدول الكبرى يقوم على المعرفة والمعلوماتيَّة، يقول فلوريدي في هذا السياق ” يمكن اعتبار جميع الدول الأعضاء في مجموعة السبعة وهي تحديدًا:  كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، المملكة المتّحدة، والولايات المتّحدة الأمريكيَّةمجتمعات معلومات؛ نظرًا لأن 70% على الأقل من إجمالي الناتج المحلي فيها يعتمد على السلع غير الماديَّة التي ترتبط بالمعلومات، وليس على السلع الماديَّة التي تعتبر منتجات ماديَّة للعمليات الزراعيَّة أو التصنيع. إن عمل ونمو هذه المجتمعات يتطلَّب، ويولد، كميات هائلة من البيانات، أكثر بكثير ممَّا شهدته الإنسانيَّة في تاريخها كله”[42] .

ويتَّضح من الجدول (1) أن الدول الصناعيَّة التي تحتلّ المراتب الأولى في مؤشِّرات الاقتصاد العالمي هي الدول الأكثر إنفاقا في مجال البحث العلمي. ويتَّضح أن دولا مثل: كوريا وإسرائيل واليابان وفنلندة والدنمارك وتايوان والنمسا والولايات المتّحدة الأمريكيَّة وبلجيكا والصين هي الدول التي يشار إليها بالبلدان الصناعيَّة المتقدّمة عالميا. ويتضح من الجدول أيضا أن الإنفاق على البحث العلمي في الدول النامية أو كما تسمَّى دول الجنوب ما يزال دون النسب المطلوبة للتنمية فأغلب القيم الإنفاقيَّة على العلم تتَّجه لتكون أقل من 1% من الناتج المحلي الإجمالي. وبصورة عامة يمكن القول بأن الدول الأقل إنفاقا في البحث العلمي هي الدول الأدنى في مستوى تصنيفاتها التنمويَّة في المستوى العالمي. وأن الشرط الأساسي للتقدُّم أن يكون الإنفاق على البحث العلمي أكثر من 1.5% من الناتج المحلي. ويفيدنا الجدول في نهاية الأمر بالترابط الجوهري بين التقدُّم الحضاري والتنموي للدول وبين درجة الإنفاق على البحث العلمي.

 

ويلاحظ في هذا المسار أنَّ الدول المتقدّمة  تزيد من درجة انفاقها على البحث العلمي منذ عشرات السنين،  وقد نهجت بعض الدول النامية في شرق وجنوب شرق آسيا هذا المنهج إذ ضاعفت ما تنفقه على منظومة العلم والتقنيَّة والابتكار في السنوات الأخيرة، فقد أظهرت الإحصائيَّات أن الصين حقَّقت قفزات هائلة في مجال الإنفاق على الأبحاث والتطوير إذ زادت من إنفاقها بنحو 20% خلال الأعوام الماضية، وهي تنفق  حاليا حوالي 300 مليار دولار سنويا على الأبحاث والتطوير  مقارنة بـ450 مليار دولار لأمريكا، ومن المتوقَّع أن يتجاوز إنفاق الصين في هذا المجال أوروبا بحلول عام 2018 وأمريكا بحلول عام 2022.

 

وضمن هذا السياق تشير الوقائع الإحصائيَّة أنَّ الدول الكبرى توظِّف ميزانيات جبَّارة في البحث العلمي وعندما نستعرض حجم الإنفاق السنوي لأكبر خمسة اقتصادات في العالم على قطاع التطوير والبحث العلمي، فسنجد بأن الولايات المتّحدة الأميركيَّة تنفق 465 مليار دولار، تليها الصين 284 مليار دولار، واليابان 165 مليار دولار، وألمانيا 92 مليار دولار، وكوريا الجنوبيَّة 63 مليار دولار. هذه البلدان المتقدِّمة قامت بإعادة هيكلة برامج جامعاتها لتمكين البحث العلمي من أداء دوره المطلوب في عمليَّة التنمية من خلال توجيه الطاقات العلميَّة في الجامعات والمؤسّسات العلميَّة نحو تجمعات علميَّة صناعيَّة يتوافر فيها المكان المناسب لربط الأبحاث التطبيقيَّة للجامعات والمؤسّسات العلميَّة بالتطبيقات الصناعيَّة والإنتاجيَّة، أما باقي دول العالم، فلا يتجاوز إنفاقهم على البحث العلمي أكثر من 116 بليون دولار. وهذا المبلغ ليس لأمَّة العرب فيه سوى 535 مليون دولار ليس غير، أي ما يساوي 11 في الألف من الدخل القومي لتلك البقيَّة من العالم.[43]

 

5- مكانة البحث العلمي في التجارب الدوليَّة الناجحة:

انطلاقا من أهميَّة البحث العلمي بوصفه عنصرا حيويا يعتمد عليه في تحقيق التقدّم الاقتصادي والتنموي انطلقت الدول الساعية إلى التقدُّم بالعمل المكثَّف والملهم على تحويل اقتصادياتها من اقتصاديات تقليديَّة كلاسيكيَّة إلى اقتصادات تعتمد أساسا على المعرفة العلميَّة والبحث العلمي، وقد اتَّضح بصورة لا تقبل الشكّ اليوم أنَّ الاقتصاد المعرفي المبني على المعرفة والبحث العلمي يشكِّل المنصَّة الأساسيَّة للتقدّم الحضاري. وتتقاطر اليوم التجارب التنمويَّة الدوليَّة الناجحة في مجال التوظيف الاستثماري للبحث العلمي ورأس المال البشري في التنمية الاقتصاديَّة والنهضة الحضاريَّة. فبعض الدول التي كانت تشكو من الفقر والمرض والتخلُّف ونقص الموارد الطبيعيَّة استطاعت اليوم أن توظِّف العلم والبحث العلمي لتحقِّق إنجازاتها الحضاريَّة وتنهض اقتصاديا وتنمويا إلى صفوف الدول الصناعيَّة المتقدِّمة في العالم.  ومثل هذه البلدان التي كانت محسوبة على العالم الثالث تمكّنت، خلال العقود الماضية، من بناء نهضة علميَّة وتكنولوجيَّة قائمة على قواعد صلبة من البحث العلمي، ومستندة إلى منظومة وطنيَّة من المؤسَّسات العلميَّة التي تساهم الصناعة بأكثر من 40% من ميزانياتها، ومن هذه البلدان: كوريا الجنوبيَّة، وإسبانيا. ” ونعتقد أن تجارب تلك الدول جديرة بالملاحظة والتأمّل، فقد واصلت صعودها إلى مدارج متقدِّمة في الرقي. مستندة إلى قاعدة ذهبيَّة ومنطقيَّة لمفهوم البحث العلمي وأهدافه. إنه ذلك المفهوم الذي يعتمد على تحقيق الشراكة الفعالة بين العلم والإنتاج، أو بين البحث والصناعة، وإنتاج السلع” [44].

 

ويمكن الاشارة في هذا السياق إلى تجارب دول كثيرة استطاعت أن تحقِّق نموّا اقتصاديا مذهلا في النصف الثاني من العشرين مثل الصين واليابان والنمور الآسيويَّة ( تايوان، و سنغافورة،, هونغ كونغ، وكوريا الجنوبيَّة) وهي الدول التي استطاعت أن تحقِّق معدّلات نمو اقتصادي مرتفع وتصنيع سريع خلال الفترة ما بين الستينيات والتسعينيات من القرن الماضي واستطاعت من خلال الاعتماد على رأس المال البشري أن تحقِّق مراكز متقدِّمة في الاقتصاديات العالميَّة. ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى تجارب الدول الاسكندنافيَّة ولاسيما السويد والنروج وفنلندة والدنمارك التي استطاعت أيضا أن تحقِّق أعلى مؤشِّرات التنمية الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، وتتربَّع على عرش الاقتصاديات العالميَّة من خلال توظيف البحث العلمي ورأس المال البشري في العمليَّة التنمويَّة. ويمكّننا في هذا السياق استعراض خاطف لبعض التجارب العالميَّة الناشئة في ميدان التنمية وهي البلدان التي اعتمدت على البحث العلمي ورأس المال البشري في عمليَّة التنمية.

 

وتعدّ تجربة كوريا الجنوبيَّة مثالا جيدا للتعرف على الدور الذي لعبه البحث العلمي والاستثمار في رأس المال البشري في العمليَّة التنمويَّة التي رفعت كوريا الجنوبيَّة إلى مصاف الدول العظمى في الميدان الاقتصادي والتنموي. فمع بداية الستينات لم يكن إنفاق كوريا الجنوبيَّة على البحث العلمي والتطوير يتجاوز 0.2% في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ليرتفع خلال عام 2000 إلى حوالي 5%، الأمر الذي يفسِّر السبب وراء ما حقّقته كوريا الجنوبيَّة من نجاح وتقدّم تكنولوجي وصناعي، والذي انعكس إيجابا على اقتصاد وتطوّر المجتمع الكوري ووصوله إلى مرحلة متقدِّمة من التطوّر التكنولوجي[45]. ويشار في هذا السياق إلى أن كوريا الجنوبيَّة قد وجّهت اهتمامها نحو الإلكترونيّات، وعلوم البحار والمحيطات، وتقنيات البيئة، وتقنيات المعلومات، وأدوات التقييس، والمواد الجديدة، وعلوم الفضاء والطيران ووفق مصادر أخرى فقد رفعت كوريا الجنوبيَّة ميزانيَّة البحث العلمي إلى ما يقرب من 4.15% في العام 2013 ولتصل ميزانيتها إلى 11.5 مليار، ومن المتوقَّع أن يحتلَّ اقتصادها المرتبة الثالثة في آسيا[46].

 

تعدّ تجربة كوريا الجنوبيَّة مثالا جيدا للتعرف على الدور الذي لعبه البحث العلمي والاستثمار في رأس المال البشري في العمليَّة التنمويَّة التي رفعت كوريا الجنوبيَّة إلى مصاف الدول العظمى في الميدان الاقتصادي والتنموي.

على الرغم من التهديد المستمرّ بالحرب مع جارتها “كوريا الشماليَّة“، إلا أنها لم تتعثَّر البلاد في إنفاقها على البحث العلمي، والاهتمام بعمليَّة التصنيع وتطوير التكنولوجيا والتحوّل الشامل إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، من المعروف أن كوريا الجنوبيَّة هي موطن شركة سامسونغ، وشركة إل جي، وشركة هيونداي، التي تعدّ من أكبر العلامات التجاريَّة في عالم الإلكترونيات والهندسة، منذ نهاية الحرب الكوريَّة 1950-1953، كما أصبحت البلاد قوَّة اقتصاديَّة في آسيا والعالم بفضل العلم والاهتمام بالبحث العلمي وإعطائه الأولويَّة في قائمة اهتمامات الحكومات المتعاقبة، وقد نُسب هذا التقدُّم وهذه القوَّة إلى البحث العلمي والاستثمار في رأس المال البشري.

 

وتشكِّل التجربة اليابانيَّة عنوانا آخر ومثالاَ حيّاً لدور المعرفة العلميَّة والبحث العلمي في تحقيق النهضة الحضاريَّة الشاملة. وعلى هذا النحو تشكِّل اليابان نموذجا عالميّا ثرا وفريدا على الأهميَّة الاقتصاديَّة والتنمويَّة لتوظيف رأس المال البشري ونتائج البحث العلمي في عمليَّة التنمية. ومن المعروف أن اليابان خرجت مدمّرة من الحرب العالميَّة الثانية وكانت من أكثر الدول معاناة في أوضاعها الاقتصاديَّة التي دمّرتها الحرب وكانت مؤسّساتها الاقتصاديَّة ضعيفة جدا ومتهاويَّة وكانت بنيتها التحتيَّة قد تصدَّعت كليّا إبان الحرب العالميَّة الثانية، ومن المعروف فوق ذلك كله أنّ اليابان كانت دولة فقيرة جدا فيما يتعلَّق بالثراء الطبيعي حيث تفتقر كليّا إلى الموارد الطبيعيَّة الباطنيَّة مثل النفط والغاز والمعادن لينتهي بها الحال بعدها إلى التربّع على المرتبة الثالثة في الاقتصاد العالمي كلّه بعد الولايات المتّحدة الأمريكيَّة والصين، بعد أن كانت في مؤخّرة الأمم تداري ضعفها وديونها.

 

لقد كان فترة الحرب العالميَّة الثانية أكثر المراحل التاريخيَّة مأساويَّة في تاريخ اليابان الحديث، حيث تعرَّضت اليابان في عام 1945 لهجوم أمريكي بالقنابل النوويَّة في ناكازاكي وهيروشيما أدَّى إلى مقتل أكثر من مائتي ألف نسمة من أبنائها، وإصابة عشرات الآلاف بالإشعاعات النوويَّة. لم تستسلم اليابان إلى قدر الحرب والضعف والهزيمة بل اعتمدت العلم سلاحا والبحث العلمي قوَّة وانطلقت منهما لبناء كل مظاهر القوة والتحضّر والتنمية فعملت على تطوير البحث العلمي والعناية بالعلماء والباحثين وتنمية الإبداع والمبدعين وتنفق على البحث العلمي في مجالي الاختراع والابتكار لتحتلّ مكانتها السامقة في العالم اقتصاديا وتكنولوجيا وترقى باقتصادها إلى المرتبة الثالثة عالميّا بعد الولايات المتّحدة الأمريكيَّة والصين.

 

وتحتلّ اليابان في المرتبة الثالثة عالميّا من حيث الإنفاق على البحث العلمي حيث يشكِّل هذا الإنفاق 3.49٪ من ناتجها المحلِّي الإجمالي، ويشكِّل البحث العلمي والابتكار في التكنولوجيا في البلاد مهماز النقلة الحضاريَّة في اليابان حيث تقوم الحكومة بتشجيع البحث العلمي والابتكار بصورة مستمرَّة كما يجري التركيز على الذكاء الاصطناعي، والفيزياء الكوانتيَّة والروبوتات، والتكنولوجيا الحاسوبيَّة، وتقوم البلاد بتصدير التكنولوجيا إلى مختلف دول العالم ولاسيما منتوجات شركة Toshiba للإلكترونيات وسيارات تويوتا، وتأمل الحكومة أن تساعد نتائج إنفاقها على البحث العلمي في تطوير البلاد والقدرة على مواجهة شيخوخة السكان الملحوظة[47].

 

إنَّ السرّ في نهضة اليابان يكمن في الإنفاق على البحث العلمي وتطوير استراتيجيّاته، إذ تبيِّن الدراسة التي أجرتها وزارة الشؤون الداخليَّة والاتِّصالات في البحث والتطوير أنَّ الإنفاق على الأبحاث يعادل 3.70% من الناتج المحلِّي الإجمالي لليابان، في عام 2017. وقد ارتفع الإنفاق الياباني على أبحاث العلوم والتكنولوجيا في عام 2017 بنسبة 3.4% عن العام السابق ليبلغ رقما قياسيّا هو 19.05 تريليون ين ياباني[48].

 

وتقدِّم التجربة الماليزيَّة نموذجا آخر يحتذى في مجال النهضة التنمويَّة والاستثمار في العلم والبحث العلمي. قد كانت ماليزيا قبل نحو أربعة عقود مجتمعــاً زراعيّـاً لا يعرف سوى زراعة الأرز والمطاط وبعض النباتات والفاكهة، واقتصاده قائم على تصدير المواد الأوليَّة.. للتحوّل إلى واحدة من أهم الدول المصدّرة للسلع والتقنيَّة الصناعيَّة في منطقة جنوب شرقي آسيا، واستطاعت بذلك الانتقال من بلد فقير إلى بلد غني إذ انتقل معدل الفقر من 70٪، إلى أقل من 5٪.. وارتفع دخل الفرد السنوي من 350 دولار ليصبح أكثر من 18000 دولار سنويا. وقد حقَّق البرنامج التنموي الإصلاحي نتائج فاقت التوقّعات حيث ارتفعت نسبة الثروة في الطبقة الفقيرة في ماليزيا من 4% سنة 1970 إلى 20% سنة 1997 كما ارتفع الناتج القومي وانتعش الاقتصاد، وارتفع مستوى الدخل الفردي من 1141 رينغت (العملة الماليزيَّة) سنة 1970 إلى 12102 رينغت سنة 1997 وفي نفس الفترة انخفضت نسبة البطالة من 50% لتصل 6.8%. [49]. حسب تقرير IMD World Competitiveness Center 2016 فإن ماليزيا تحتلّ المرتبة 19 من ضمن عشرين أقوى اقتصاد في العالم مقدّمة بذلك نموذجا رائعا في النهضة والبناء لشعوب العالم الإسلامي[50].

 

واستطاعت ماليزيا “أن تتجاوز الأزمات الاقتصاديَّة ولاسيما الأزمة التي عصفت في عام 1997، حيث رفض مهاتير محمد الأخذ بتوصيات “صندوق النقد الدولي” و”البنك العالمي” لعلاج أزمتها، إذ قامت الحكومة بمعالجة الأزمة عبر برنامج اقتصادي وطني شامل وفعّال حيث تمّ فرض قيود وإجراءات اقتصاديَّة منظّمة بعد أن رفض الإذعان لوصاية المؤسَّسات الماليَّة الدوليَّة التي حاولت استغلال الأزمة ووضع الاقتصاد الماليزي تحت وصايتها ” [51].

 

وقد أصبحت التجربة التنمويَّة الفنلنديَّة من أكثر التجارب إثارة للدهشة والإعجاب، ويذكر أن اقتصاد فنلندا كان يعتمد في النصف الأول من القرن الماضي على الموارد الطبيعيَّة والتقنيات المستوردة. وكان ثلثي عائدات فنلندة تأتي من تصدير أخشاب الغابات والموارد الطبيعيَّة الخام. وفي عام 1993، واجهت فنلندا أشدّ أزمة اقتصاديَّة منذ الثلاثينيات، حيث بلغت نسبة البطالة فيها 20٪، وانخفض حجم الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 13%، وانهار القطاع المصرفي، وارتفعت مستويات الديون من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 1990 إلى 58% في عام 1994. ولكن سرعان ما قامت الدولة بمعالجة أوضاعها عن طريق التوظيف والاستثمار الاقتصادي في البحث العلمي وفي عمليَّة تطوير التقنيات الصناعيَّة وقامت بتخصيص ميزانيات كبيرة لهذا الأمر، ولاسيما في مجال تكنولوجيا المعلومات، والروبوتات، ولتقنيات الرقميَّة. وقد خصَّصت الدولة 3.32٪ من ناتجها المحلِّي الإجمالي على صناعة البحث العلمي والتطوير بعد سنوات من سياسات التقشُّف وقد أثمرت هذه السياسة، وأدَّت إلى التقدّم العلمي وتحقيق أعلى منسوبات التنمية في كل المستويات. وأصبح الاقتصاد المعرفي هو المنصَّة التي انطلقت منها فنلندا لتطوير اقتصادها وتنميَّة مواردها إذ عملت على زيادة الإنفاق الإجمالي على البحث والتطوير حتى وصل إلى نحو 4 % من الناتج المحلي في الوقت الذي كان فيه متوسّط منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية تتقلَّب بين 2.0% و2.4%. ومن ثم عملت الحكومات على زيادة عدد العاملين في مجال المعرفة والبحث العلمي بشكل كبير، كان إجمالي القوى العاملة في مجال البحث والتطوير في عام 1991 بالضبط يساوي المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبحلول عام 2014، ارتفع هذا العدد إلى ما يقارب ضعفي متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث وصل العدد إلى أكثر من 7000 باحث لكل مليون نسمة [52].

 

وقد أدَّت زيادة الاستثمارات في الابتكار إلى سياسات تعليميَّة رائدة في التسعينيات انطلاقا من تطوير الإنتاج المعرفي والإبداع والابتكار في مختلف الاتِّجاهات. وساهم التركيز القوي على الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا بشكل ملحوظ في نموّ الشركات الاقتصاديَّة الرائدة مثل شركة “نوكيا” في مجال الاتصالات المحمولة، وشركات عديدة أخرى مثلها في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات، وقد تزامن نمو القطاع التعليمي الفنلندي مع تحول اقتصادي مثير للإعجاب من الاقتصاد الزراعي القائم على الإنتاج إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، فقد حوَّلت فنلندا نفسها إلى دولة رفاهيَّة حديثة تتمتَّع باقتصاد معرفة ديناميكي في وقت قصير نسبيّاً. تمثل التجربة الفنلنديَّة في التسعينيات أحد الأمثلة الموثقة التي توضح لنا كيف يكون التعليم والمعرفة القوى دافعة للنمو الاقتصادي [53].

 

أدَّت زيادة الاستثمارات في الابتكار إلى سياسات تعليميَّة رائدة في التسعينيات انطلاقا من تطوير الإنتاج المعرفي والإبداع والابتكار في مختلف الاتِّجاهات. وساهم التركيز القوي على الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا بشكل ملحوظ في نموّ الشركات الاقتصاديَّة الرائدة مثل شركة “نوكيا” في مجال الاتصالات المحمولة، وشركات عديدة أخرى مثلها في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات.

ويذكر في هذا السياق أن الولايات المتّحدة الأمريكيَّة كانت تنتج في العقد الماضي (1980-1990) ما نسبته 75% من المعرفة العلميَّة علما بأنها لا تشكِّل سوى 5% من سكَّان العالم ولكن هذه النسبة تراجعت لنصل إلى 50% وتشير الدراسات المستقبليَّة أن هذه النسبة ستتراجع إلى 30% في العقد القادم ( 2000-2010)[54]. وتشير التقارير أن بلدان العالم تتقدَّم في امتلاك المعرفة مثل الصين البرازيل كوريا الجنوبيَّة والشماليَّة بفضل الإنفاق على البحث العلمي والاهتمام بعمليَّة التوظيف في مجال المعرفة. [55].

 

خاتمة: المعرفة قوَّة اقتصاديَّة:

عندما قام عالم الرياضيات البريطاني آلان تورنغ باكتشاف الشيفرة العسكريَّة النازيَّة لهتلر (إنغما) Enigma  أثناء الحرب العالميَّة الثانية استطاع أن يوفِّر على العالم أربع سنوات إضافيَّة من مدَّة الحرب المحتملة وأن ينقذ أكثر من عشرين مليون إنسان كانوا على لائحة ضحايا الحرب العالميَّة الثانية. وفي هذا دليل واحد من ملايين الأدلَّة على أهمّيَّة المعرفة كقوَّة اقتصاديَّة وعسكريَّة وإنسانيَّة.

في الماضي كانت عوامل الإنتاج في الاقتصاد الكلاسيكي تتجسَّد في القوى الطبيعيَّة والمادّيَّة التي تتمثَّل في ملكيَّة الأرض، والقوَّة العاملة، والثروات الطبيعيَّة، ورأس المال، وهي العوامل الحاسمة في عمليَّة الإنتاج الاقتصادي في العهود الماضية. ومع تباشير الثورة الصناعيَّة الثالثة أو الثورة المعلوماتيَّة، التي انطلقت في منتصف القرن الماضي، بدأنا نشهد تحوّلا جذريّا في مفهوم القوة الاقتصاديَّة، فلم يعد رأس المال بعناصره الملموسة ومظاهره المحسوسة يشكِّل العامل الحاسم في عمليَّة الإنتاج والتصنيع، إذ تغيّر مفهوم العمليَّة الإنتاجيَّة في معترك الثورة الرقميَّة والمعلوماتيَّة، فأصبح رأس المال المعرفي الشفّاف بصيغه الرمزيَّة يشكل العامل الأساسي في الاقتصاد الجديد، ويتجلَّى هذا الاقتصاد في رأس المال البشري الذي  يتمثَّل في مختلف النشاطات الذهنيَّة والفكريَّة، والمعارف العلميَّة والفنيَّة، والخبرات التكنولوجيَّة، ليأخذ أبعادا جديدة تتمثَّل في الذكاء والابتكار والاختراع، والقدرة على البرمجة العلميَّة ومعالجة المعلومات، وانتاج المعرفة المتجدِّدة، في صيغ رقميَّة جديدة، مثل :البرمجيات الحوسبيَّة، والمعلومات السحابيَّة، والتكنولوجيا الرقميَّة. وقد تجلت أهميَّة هذا الرأسمال الجديد تحت عناوين جديدة مثل: رأس المال البشري، ورأس المال المعرفي، ورأس المال الرقمي، ورأس المال الاجتماعي، وهي تسميات عديدة للطاقة العقليَّة والذهنيَّة عند الإنسان التي تأخذ أبعادا علميَّة ومعرفيَّة تؤهله للخلق والاكتشاف والابتكار والإبداع. وقد بدأت هذه الصيغة الجديدة لرأس المال الشفاف الجديد تشكل أهميَّة تقوق وإلى حد كبير رأس المال بتجلياته الماديَّة وتعيناته الحسيَّة مثل المواد الخام وقوة العمل ورأس المال النقدي.

 

ويتضح من خلال تناولنا لمسألة العلاقة بين العلم والإنتاج الاقتصادي أن المعرفة في مختلف تجلياتها العلميَّة والرقميَّة تشكل القوة الحضاريَّة التي يتوجب على أي دولة أن تعتمدها أذا أرادت حقا أن ترقى باقتصادها وتنهض بمجتمعاتها إلى مستوى البلدان المتقدمة. فالإمكانيات الإبداعيَّة للشعوب تشكِّل اليوم ودون أدنى شك الطاقة الحضاريَّة التي تمكِّن هذه الشعوب من الانطلاق في مشروعاتها النهضويَّة وتحقيق إنجازاتها التنمويَّة. ومما لا ريب فيه أن المعرفة العلميَّة تشكِّل اليوم المصدر الأساسي لثروة الأمم ونهضتها التنمويَّة، ولم تعد هذه الثروة امتيازا تحدّده الموارد الطبيعيَّة والطاقة واليد العاملة فحسب، لأنَّ قدرة الأمم على الإبداع العلمي والاختراع يجسِّد اليوم الطاقة الحضاريَّة للأمم والشعوب ويشكِّل النابض الأساسي للثروة والقوة والتنمية[56]. فالنمو الاقتصادي العالمي الجديد لا يقاس اليوم بمعدّلات الزيادة في الإنتاجيَّة ومعدّلات النمو الاقتصادي بل بمدى القدرة على الإبداع والاختراع والابتكار والتجديد العلمي في مختلف مجالات الحياة والوجود الإنساني، ومن هنا يأتي الإنفاق على البحوث العلميَّة وتطوير الأنظمة التربويَّة ليشكِّل المنطلق الحيوي لعمليَّة الإبداع والابتكار والتطوير.

 

لقد بيَّنت مختلف الدراسات الجارية حول العلاقة بين البحث العلمي والنمو الاقتصادي بأن البلدان الصناعيَّة المتقدِّمة بدأت تعتمد اليوم اقتصاد المعرفة منهجا في تحقيق تقدّمها الاقتصادي والاجتماعي، وذلك من منطلق الإيمان الراسخ بأن الاقتصاد القائم على المعرفة والبحث العلمي يشكل وبلا منازع الرافعة الأساسيَّة للنمو الاقتصادي والازدهار الاجتماعي الذي يفرض نفسه في مختلف البلدان التي حقَّقت نموا اقتصاديا متقدّما في العقود الأخيرة من القرن العشرين. وممَّا لا شكّ فيه أنَّ اقتصاد المعرفة هو الاقتصاد القائم على نتائج البحث العلمي والذي يتمثَّل بمنظومة واسعة من تكنولوجيات المعلومات والابتكار في مختلف مظاهر العلوم والمعارف الإنسانيَّة. ويلاحظ الباحثون في هذا السياق أنَّ رأس المال المعرفي – بما ينطوي عليه من مهارات علميَّة وإبداعيَّة – يشكِّل اليوم القوَّة الأكثر قدرة على تحقيق القيمة المضافة في الاقتصاد الجديد المبني على المعرفة ورأس المال والتكنولوجيا الرقميَّة والقدرة على توليد الإبداعات العلميَّة في مختلف المجالات والميادين الاقتصاديَّة سعيا إلى تحقيق المجتمع التنموي القائم على صيغة الممارسة العلميَّة في عمليات الإبداع والتطوير [57].

 

الاقتصاد القائم على المعرفة والبحث العلمي يشكل وبلا منازع الرافعة الأساسيَّة للنمو الاقتصادي والازدهار الاجتماعي الذي يفرض نفسه في مختلف البلدان التي حقَّقت نموا اقتصاديا متقدّما في العقود الأخيرة من القرن العشرين.

ونظرا لأهميَّة العامل المعرفي ودوره الحضاري تعرف اليوم المجتمعات المتقدِّمة اقتصاديا اليوم بالمجتمعات المعرفيَّة ويوصف اقتصادها بالاقتصاد المبني على المعرفة، ومن الواضح أن تسمية “مجتمع المعرفة ” تطلق اليوم على حالة التطوّر التي بلغتها المجتمعات المتقدّمة المتطوّرة علميا، ويمكن في هذا الاتجاه تعريف مجتمع المعرفة بأنه المجتمع الذي يقوم أساسا على نشر المعرفة وإنتاجها، وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي ولاسيما في مجال التنمية الاقتصاديَّة والإنسانيَّة” [58]. وبعبارة أخرى يوصف الاقتصاد القائم على المعرفة بأنه الاقتصاد المبني بصورة مباشر على إنتاج المعارف والمعلومات والبحث العلمي ونشرها واستخدامها، وهو يشكِّل تشكيلا معقّدا من النشاط الإنساني القائم أساسا على المعرفة بوصفها قوَّة اقتصاديَّة فعالة يمكن اعتمادها مؤشّرا اقتصاديّا لتحديد درجة نمو وتطوّر الاقتصاد وتحديد موقعه في سلم التنمية المستدامة.

 

 ويمكن التأكيد في هذا السياق على تزايد أهميَّة الاعتماد على المكوّن المعلوماتي والمعرفي في عمليَّة الإنتاج والاستثمار الاقتصادي، وقد ساعد هذا الأمر على الانتقال من المزايا والخصائص الماديَّة المحدودة لرأس المال والقوى الإنتاجيَّة إلى المزايا الشفافة المتجدّدة والتنافسيَّة للاقتصاد القائم على المعرفة. ويتّضح بقوَّة أن المعرفة العلميَّة قد أصبحت الإكسير الحيوي للتكنولوجيا والصناعات والمنتجات التي تتَّسم بالطابع المعرفي. وبعبارة أخرى بدأ العلم ونتائجه يشكّلان القيمة المضافة في مختلف مظاهر العمليَّة الإنتاجيَّة وفي مختلف ظواهر النمو الاقتصادي والاجتماعي. ويُبنى على ذلك أنه إذا كان الإنتاج في عصر الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية قد اعتمد على الموارد الطبيعيَّة والعمالة، فإنَّ الإنتاج الاقتصادي والصناعي يعتمد برمته اليوم على المعرفة العلميَّة والمعلوماتيَّة بوصفها بوصفهما الطاقة الحيويَّة المتجدِّدة للحياة الاقتصاديَّة والإنتاجيَّة المعاصرة. فالإنتاج الصناعي يعتمد برمته على الأفكار والبيانات والرقميات والخوارزميات ومختلف أشكال النشاطات المعرفيَّة والإبداعيَّة [59]. وممَّا لا شكّ فيه أن كل الدول المتقدّمة والتي قطعت شوطا بعيدا في التطوّر والنجاح اعتمدت اعتمادا كليا على دور البحوث العلميَّة في تفعيل حركة التطوّر والتي تجاوزت مجتمعاتهم لتنعكس على أسلوب حياة المجتمعات الأخرى .. وذلك مع الفارق أن الدول المتقدّمة هي منتجة لذلك وبقيَّة المجتمعات هي مستهلكة سواء كان على مستوى السلعة المعنيَّة أو التكنولوجيا أو حتى على مستوى الإنتاج الفكري.

 

وممّا لا شك فيه إن البحث العلمي يشكِّل اليوم الطاقة الحيويَّة التي تعتمدها الأمم من أجل القوَّة والتفوق والتنمية وتحقيق التطوّر والنهوض، وممَّا لا شك فيه أن تعزيز قوَّة البحث العلمي وترسيخ طاقته الحيويَّة لا يمكن أن يجري في فراغ، فالتقدّم في هذا الميدان يمثِّل جهدا حضاريا وبذلا تنمويا تفرضه شروط متنوِّعة وقاسية، إذ ” يتطلَّب توفير الحريَّة والدعم والأموال وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشريَّة، وخلق الحوافز الماديَّة والمعنويَّة، التي تجعل من الإنتاج الفكري عملا يستحقّ المعاناة والجهد المتواصل ” [60]. وعلى كل الدول التي تتَّجه إلى تحقيق نهضتها التنمويَّة أن تعمل على توفير هذه الشروط والمتغيرات الضروريَّة للنهوض بالبحث العلمي سبيلا إلى النهوض بالحضارة.

 

فنحن نعيش اليوم في زمن يرسم فيه العلم والبحث العلمي صيرورة النهضة الإنسانيَّة حيث يمكن للمعرفة أن تلعب دورا يفوق حدود التصوّر، “فامتلاك المعلومة في الوقت والمكان المناسب يمكنه أن يؤدِّي إلى نتائج مهمَّة وخطرة حيث يمكنه على سبيل المثال: من اختصار الطاقة المستخدمة، والمواد الخام، ورأس المال. ولا مجال اليوم للشك في أن المجتمع الإنساني ينتقل وبصورة واضحة نحو دورة العمل الذهني الخالص على حساب العمل اليدوي التقليدي المعتاد”([61]). وينبني على هذا التصور القول إنَّ العالم يتَّجه اليوم نحو اقتصاد المعرفة الذي تزداد فيه نسبة القيمة المضافة المعرفيَّة بشكل كبير، والذي أصبحت فيه السلع المعرفيَّة أو سلع المعلومات من السلع المهمَّة جدًا. [62]

 

 هذا وتفيد جميع المؤشِّرات التي أوردناها في هذا البحث أن التقدّم الصناعي والتكنولوجي العالمي يقوم اليوم ودون أدنى شك على ركائز العلم الذي يشكِّل “القوَّة المحرِّكة لأي تقدّم وتطوّر محتمل أو ممكن في العالم المعاصر، كما أن البحث العلمي  يكتسب يوما بعد يوم دورا محوريا في خدمة التنمية الصناعيَّة والاقتصاديَّة في ظلِّ ما تشهده المجتمعات الإنسانيَّة كلها من تغيّرات اقتصاديَّة كاسحة في ظلِّ تحرير التجارة وقوانين منظّمة التجاريَّة العاليَّة والعولمة التي عملت على انفتاح الأسواق أمام السلع والخدمات والتقنيَّة”[63].

مراجع الدراسة وهوامشها :

 

[1] – بركات محمد مراد، ظاهرة العولمة بين رفض العرب والإسلاميين والترويج الغربي رؤيَّة نقديَّة، المنطلق الجديد، العدد الثالث، صيف- خريف 2001، صص 205-246، ص 235.

[2] – محمد عبد القادر الفقي، الثورات الصناعيَّة الأربع: إطلالة تاريخيَّة، مجلة التقدم العلمي، مجلة علميَّة فصليَّة تصدر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي العدد103 – أكتوبر 2018، ص9.

[3] – المرجع السابق محمد عبد القادر الفقي، الثورات الصناعيَّة الأربع، ص9.

[4] – محمد عبد الله شاهين، الاقتصاد المعرفي وأثره على التنميَّة الاقتصاديَّة للدول العربيَّة، القاهرة: دار حميثرا للنشر والترجمة 2018، ص 72 .

[5] – الفين وهيدي توفلر، إنشاء حضارة جديدة: سياسة الموجة الثالثة، ترجمة: حافظ الجمالي، دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 1998. ص 40.

[6] –  المرجع السابق، الفين وهيدي توفلر، إنشاء حضارة جديدة. ص 40.

[7] – المرجع السابق، الفين وهيدي توفلر، إنشاء حضارة جديدة. ص 40.

[8] – المرجع السابق، الفين وهيدي توفلر، إنشاء حضارة جديدة. ص 48.

[9] – علي أسعد وطفة، من صدمة المستقبل إلى الموجة الثالثة: التربيَّة في المجتمع ما بعد الصناعي في منظور أفلين توفلر، الدار البيضاء، مركز مؤمنون بلا حدود للدراسات والبحوث، 2014. ص 7.

[10] – عبد القادر تومي، المجتمع المعرفي أو قراءة في الثورة المعلوماتيَّة في زمن العولمة، مجلة RIST، المجلد 19، العدد1، 2010، (صص 82-95) ص 83.

[11] – محمد عبد الله شاهين، الاقتصاد المعرفي وأثره على التنميَّة الاقتصاديَّة للدول العربيَّة، القاهرة: دار حميثرا للنشر والترجمة 2018، ص 72 .

[12] – تيسير عبد الجبار الألوسي، الجامعات والبحث العلمي في البلدان العربيَّة، مركز الجزيرة للدراسات:9/11/2009.

http://studies.aljazeera.net/issues/2009/201172231415565.htm

[13] -تركي الحمد : الثقافة العربيَّة أمام تحديات التغيير . دار الساقي،بيروت، 1993، ص8.

[14] – محمد عبد الله شاهين، الاقتصاد المعرفي وأثره على التنميَّة الاقتصاديَّة للدول العربيَّة، القاهرة: دار حميثرا للنشر والترجمة 2018، ص 71 .

[15] – محمد عبد الله شاهين، الاقتصاد المعرفي وأثره على التنميَّة الاقتصاديَّة للدول العربيَّة، القاهرة: دار حميثرا للنشر والترجمة 2018، ص 71 .

[16] – ابراهيم بدران، دور الثورة الصناعيَّة في تقدم التعليم، 19-8-2018. الموقع الشخصي http://www.ibrahimbadran.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%82%D8%AF%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85/

[17] – إسهام في نقد الاقتصاد السياسي، كارل ماركس، ترجمة أنطون حمصي، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، ط1, 1970، ص 25.

[18]A. Smith, Recherches sur la nature et les causes de la richesse des nations, trad. franç. G. Garnier, 2 vol., GF-Flammarion, Paris, 1991.

[19] Daniel Diatkine, Introduction à la Richesse des nations, Paris, Flammarion, 1999.

[20] – Mincer J., 1958. “Investment in human capital and personal income distribution”, Journal of Political Economy, 66 (4), pp. 281-302.

[21]ماجد الحيدر، الثورة المعلوماتيَّة.. تاريخها.. واقعها.. آفاقها، الحوار المتمدن، العدد 3891، 25/2/2012 . http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=329731&r=0

[22] – محمد عبد الحميد داود، التحديات التي تواجه البحث العلمي في منطقة الخليج العربي، مجلة آراء حول الخليج، مركز الخليج للأبحاث، العدد 36، سبتمبر 2007، (صص 45-47) ص 46.

[23] محمد بن شحات الخطيب، مستقبل التعليم في دول الخليج العربيَّة في ظل العولمة، ندوة مستقبل التربيَّة في ظل العولمة: التحديات والفرص، الصخير دولة البحرين 2-3/مارس/آذار 1999، ص 13.

[24] – Thomas Stewart, Trying to Grasp the Intangible, Fortune, October 2, 1996, 157-161; Polly LaBarre, The Rush to Knowledge, Industry Week, February 19, 1996

[25] – مؤسسة الفكر العربي، التقرير العربي العاشر للتنميَّة الثقافيَّة، الابتكار أو الاندثار، البحث العلمي العربي واقعه وتحدياته وآفاقه تقرير الثقافة العربيَّة العاشر، الطبعة الأولى بيروت، 2017- 2018. ص 137.

[26] – أحمد السيد تركي، البحث العلمي في دول الخليج بين الأفاق والتحديات، آراء حول الخليج، العدد 36، سبتمبر 2009، (صص 97-99)، ص 97.

[27] – عادل عوض، سامي عوض، البحث العلمي العربي وتحديات القرن القادم برنامج مقترح للاتصال والربط بين الجامعات العربيَّة و مؤسسات التنميَّة، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيَّة، أبو ظبي – الإمارات العربيَّة المتحدة، الطبعة الأولي 1998، ص 42.

[28] – رضا شبلي الخوالدة، الاستثمار في البحث العلمي، عمون،16/2/2011، شوهد 19/2/2020. https://www.ammonnews.net/article/80515

[29] – إدريس لكريني، البحث العلمي ورهانات التنميَّة في المنطقة العربيَّة، موقع مركز أسبار للدراسات والبحوث، 1/6/2009.

[30] – رضا شبلي الخوالدة، الاستثمار في البحث العلمي، عمون،16/2/2011، شوهد 19/2/2020. https://www.ammonnews.net/article/80515

[31] – محمد مراياتي، اقتصاد المعرفة: تكنولوجيا المعلومات والتعريب اللجنة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة لغرب آسيا، الأسكوا، بيروت شوهد: 14/2/2020.

https://www.yemen-nic.info/contents/Informatics/studies/5.pdf

[32] – محمد صادق إسماعيل، البحث العلمي بين المشرق العربي والعالم الغربي كيف نهضوا ..؟ ولماذا تراجعنا ..؟، القاهرة، المجموعة العربيَّة للتدريب والنشر، 2014، ص 48.

[33] – محمد صادق إسماعيل، البحث العلمي بين المشرق العربي والعالم الغربي كيف نهضوا ..؟ ولماذا تراجعنا ..؟، القاهرة، المجموعة العربيَّة للتدريب والنشر، 2014، ص 48.

[34] – أحمد بن ناصر البكري، التحديات التي تواجه البحث العلمي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة، آراء حول الخليج، مركز الخليج مركز الخليج للأبحاث، العدد 36، سبتمبر، 2007، (صص 77-80) ص 77.

[35] – عبد العالي حوضي، البحث العلمي، حوار تلفزيوني، لقناة الجزيرة أجرى الحوار أحمد بشتو. الجزيرة نت

https://www.aljazeera.net/programs/economyandpeople/2008/3/9/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a

[36] – رضا شبلي الخوالدة، الاستثمار في البحث العلمي، عمون،16/2/2011، شوهد 19/2/2020. https://www.ammonnews.net/article/80515

[37] – رضا شبلي الخوالدة، الاستثمار في البحث العلمي، عمون،16/2/2011، شوهد 19/2/2020. https://www.ammonnews.net/article/80515

[38] – ميثاء سالم الشامسي، تفعيل التعاون بين القطاعات الانتاجيَّة ومؤسسات التعليم العالي والبحث التطبيقي في دول التعاون، مركز الخليج مركز الخليج للأبحاث، العدد 36، سبتمبر، 2007، (صص 42-44) ص 43.

[39] – ميثاء سالم الشامسي، تفعيل التعاون بين القطاعات الانتاجيَّة ومؤسسات التعليم العالي والبحث التطبيقي في دول التعاون الخليجي، مركز الخليج مركز الخليج للأبحاث، العدد 36، سبتمبر، 2007، (صص 42-44) ص 44.

[40] – ميثاء سالم الشامسي، هل هناك إنجاز علمي يمكن التحدث عنه؟ العربي الصغير، العدد67،2007.

[41] – ميثاء سالم الشامسي، هل هناك إنجاز علمي يمكن التحدث عنه؟ العربي الصغير، العدد67،2007.

[42] – لوتشانو فلوريدي، المعلومات ٍّ مقدمة قصريَّة جدا تأليف، ترجمة محمد سعد طنطاوي، مراجعة علا عبد الفتاح يس، القاهرة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2014، ص 12.

[43] – عبدالعزيز إبراهيم التركي، التنميَّة في الأبحاث العلميَّة، القبس،  30 سبتمبر 2017: https://alqabas.com/article/441169

[44] – فهد العرابي الحارثي، ازمة البحث العلمي .. والتنميَّة، معهد الشيرازي للدراسات، يونيو، 2011:

http://www.siironline.org/alabwab/derasat(01)/1004.htm

[45] – أحمد بن ناصر البكري، التحديات التي تواجه البحث العلمي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة، آراء حول الخليج، مركز الخليج مركز الخليج للأبحاث، العدد 36، سبتمبر، 2007، (صص 77-80) ص 78.

[46] – منظمة التعاون والتنميَّة الاقتصاديَّة 2116 م، على الموقع الإلكتروني: www.startimes2.com/f.aspx?t=3268290

[47]المحرر، اليابان تسجل ميزانيَّة قياسيَّة من أجل دعم البحث والتطوير،موقع حقائق عن اليابان، 03/03/2019 :

https://www.nippon.com/ar/features/h00388/

[48]المحرر، اليابان تسجل ميزانيَّة قياسيَّة من أجل دعم البحث والتطوير،موقع حقائق عن اليابان، 03/03/2019،

https://www.nippon.com/ar/features/h00388/

[49] – محمد محمود، تجارب تنمويَّة اسلاميَّة ناجحة.. ماليزيا، إسلام أون لاين، 16 مارس، 2017. https://islamonline.net/20598

[50] – المرجع السابق، محمد محمود، تجارب تنمويَّة اسلاميَّة ناجحة.

[51] – المرجع السابق، محمد محمود، تجارب تنمويَّة اسلاميَّة ناجحة.

[52] – المرجع السابق، محمد محمود، تجارب تنمويَّة اسلاميَّة ناجحة.

[53] – المرجع السابق، محمد محمود، تجارب تنمويَّة اسلاميَّة ناجحة.

[54] – أحمد الخولي، القرن الحادي والعشرون، الوعد والوعيد، دار الهلال، القاهرة، 1994.

[55] –  المرجع السابق، أحمد الخولي، القرن الحادي والعشرون، الوعد والوعيد،

[56] – جان جاك سرفان شرايبر، التحدي الامريكي، ترجمة فكتور سحاب، مكتبة النهضة، بغداد، 1980، ص48.

[57] – مراد علةَّ، جاهزيَّة الدول العربيَّة للاندماج في اقتصاد المعرفة – دراسة نظريَّة تحليليَّة، ورقة مقدمة إلى المؤتمر العالمي الثامن للاقتصاد والتمويل الاسلامي (النمو المستدام والتنميَّة الاقتصاديَّة الشاملة من المنظور الاسلامي) الدوحة، قطر من: 18 إلى 20 ديسمبر 2011.

[58] – تقرير التنميَّة الإنسانيَّة العربيَّة لعام 2003، المكتب الإقليمي للدول العربيَّة، برنامج الأمم المتحدة الإنساني، ص: 39، 40.

[59] – بهاء الدين، حسين كامل، التعليم والمستقبل،القاهرة، دار المعارف، 1997م، ص62-150.

[60] – أحمد السيد تركي، البحث العلمي في دول الخليج بين الأفاق والتحديات، آراء حول الخليج، العدد 36، سبتمبر 2009، (صص 97-99)، ص 98.

[61] انظر محمد بن شحات الخطيب، مستقبل التعليم في دول الخليج العربيَّة في ظل العولمة، ندوة مستقبل التربيَّة في ظل العولمة: التحديات والفرص، الصخير دولة البحرين 2-3/مارس/آذار 1999، ص 13.

[62] – محمد مراياتي، اقتصاد المعرفة: تكنولوجيا المعلومات والتعريب اللجنة الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة لغرب آسيا، الأسكوا، بيروت شوهد: 14/2/2020 .https://www.yemen-nic.info/contents/Informatics/studies/5.pdf

[63] – نبيل علي صالح، البحث العلمي في دول الخليج العربي :الواقع والآفاق، مركز الخليج مركز الخليج للأبحاث، العدد 36، سبتمبر، 2007، (صص 32-37) ص 32.

جديدنا