أمية معرفية تتأرجح بين حقب القرون الوسطى والحداثة

image_pdf

العالم العربي كمنطقة جغرافية ومجموعة، متخلفة عن مناطق العالم الأخرى في بناء مجتمع المعرفة في حقول التعليم والتدريب والبحث العلمي والإبداع التكنولوجي، فضلاً عن أعمال وتجارة المعرفة. إذ تعتبر المنطقة متخلفة مقارنة بالبلدان التي هي ذات المسار من التطور.

المنطقة العربية حسب تقارير البنك الدولي في حاجة إلى إيجاد 80 مليون وظيفة في الـ15 عاماً المقبلة للاستمرار بنفس خطوات النمو السكاني. كذلك هناك ضرورة لبناء نظام معرفي جديد وإعطاء حيز عام لفاعلية العقل المتميزة في هذا المضمار في ميدان العلم والتكنولوجيا، قلب اقتصاد المعرفة القائم في كل مرحلة من عملية إيجاد القيمة والتصميم والتصنيع والتوزيع والتمويل والتسويق، تكون رهن إعادة حسابات وهندسة مستمرة.

المشكلة الأولى التي يعاني منها العالم العربي هي زيادة الأمية في العقدين الماضيين. والتقرير الحديث الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) عام 2008، صنف الدول العربية مع دول جنوب الصحراء الكبرى والدول الفقيرة في ذيل قائمة الدول المعنية بتحسين التعليم في مراحل السن المبكرة، ولم تفلح الدول العربية في رفع نسبة المقبلين على التعليم أكثر من 11.6% خلال الفترة 1999-2005 على الرغم من أن الشعوب العربية غنية ومعدلات الشباب فيها بارتفاع مستمر.

إضافة إلى ذلك أن الحرمان من التعليم يزداد عند الفتيات أكثر من الصبيان، وأن حوالي 40% من الفتيات في سن ما قبل الابتدائي لا يتاح لهن الحصول على التعليم. فهناك حوالي 74 متعلمة من الإناث مقابل 100 متعلم من الذكور.

ما تعرفه الحكومات العربية من إجمالي الناتج القومي يتراوح ما بين0.9% و5% مقارنة مع جنوب الصحراء الفقيرة، حيث بلغ متوسط نسبة النمو 5.5% أو أكثر في السنة. ويبدو أن الأمة التي تهتم بالقرآن وأول سورة تقول: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) متخلفة اليوم بشدة في القراءة والكتابة مع انعكاسات كل ذلك على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية.

المثير للدهش أنه على الرغم من توفر البترول وتطور المنطقة مقارنة مع جنوب الصحراء الإفريقية فإن تقارير الأمم المتحدة تحدد ما يقارب اثنين من خمسة أشخاص في العالم العربي يعيشون على أقل من دولارين في اليوم.

التقرير السابق فضلا عن تقارير الأمم المتحدة الأخرى تقول إن واحداً من الأسباب الرئيسة لهذا الفشل هو الحكومات العربية وقدرتها لسنين طويلة في تفسير أو تبرير فشلها الاقتصادي.

هناك حساسية شديدة (مبالغ فيها) عند العرب في هذا الموضوع. جعلهم يتأرجحون (فكرياً وثقافياً) بين الدخول في هذا العصر (الحداثة) أو البقاء في فكر ومنهجية القرون الوسطى، وكان هذا إبان الفترة التي تلت عصر النهضة في القرنين التاسع عشر والعشرين، عصر النهضة الأزمة الأولى (النهضة أو الاستعمار) طرح بعض التصورات والأفكار والتوجهات، ولم نعش هزة كبرى في داخلنا أو السير في خطى تختلف بالكامل عن خطى العالم الخارجي.

أما اليوم فنحن إزاء عصر أزمة ثانية (عصر العولمة أو حقبة ما بعد الحداثة) وأراها أشد من الأولى بسبب عدم قدرتنا على طرح تصورات وأفكار وتوجهات بمستوى العصر، فضلاً عن مرحلة فتنة هائلة داخل حصون العرب.

وقد يعزى السبب في ذلك، كما يجيب العرب، إلى شدة التدخل من قبل الآخرين القادمين من خارج الحدود بأمورنا وقضايانا. وهذا كان موجوداً في الأزمة الأولى على شكل موجات كولونيالية، من الإنكليز والفرنسيين والطليان، والأمر ليس بجديد، ما أعتقده بتصوري هو شدة التناقض في واقعنا العملي وغياب التناسق كموازنة لهذا التناقض، ما ينعكس بشكل أو بآخر على طبيعة تفكيرنا وثقافتنا العامة ثم سلوكنا.

جديدنا