لماذا تعطّل الأغلبيَّة الصامتة ذاتها؟

image_pdf

غدت منطقة الشرق الأوسط عند مفترق طرق، باعتبارها بؤرة لصراع عالمي، لذا فالإصلاح الهيكلي عضويّاً أصبح ضروريّاً، خاصَّة أن المنطقة متّجهة بقوّة نحو الهاوية، إثر اتّساع الهوّة بين القراءات المتعدِّدة للإسلام، واحتدام الصراع جليّاً على مستويات متعدّدة من الحياة بين الماضي والحاضر.

كعرب ومسلمين، ومنذ عمر مبكّر، نتربَّى على الامتثال أو التلقين برفقة نهج جامد، لذا فالتغيير والخيال، على أيّة حال، بعيدان دائما عن ممارستنا الحياتيَّة ونقاشاتنا. نحن لا نشجّع التعدّديَّة ونحدّ من معرفة الآخر ونبتعد عن كل ما نجهله. في الواقع، أولئك الذين يتحدّثون من دون خوف عادة ما يكونون منبوذين أو يتوجّب التخلّص منهم. الأقوياء عادة ما يقودوننا، سواء كانوا دكتاتوريين يملون علينا أو يناورون ويتلاعبون بتصوراتنا، أو رجال الدين الذين يرفدوننا بإجابات على كل سؤال. النظر للأمر من الخارج، يكون من المعقول أن نفترض أنّ هذا هو جوهر المسألة. لكن، هذا ليس سوى بداية المشكلة.

القضايا التي تؤثِّر على المنطقة والعالم الإسلامي تقاد من خلال الفعل، أو بالأحرى حالة اللافعل التي تتّسم بها تصرفات الأغلبيَّة الشعبيَّة والمفارقة لذلك، أنّ الكتلة الكبيرة يمكنها إسقاط أي طاغية كما أثبتت أحداث السنوات الأخيرة، وهو السيناريو الذي لم يتمّ تجسيده بشكل فعّال بما فيه الكفاية، إذ نسمح للبلطجيَّة والمتطرّفين والدمى أن تقرِّر مصائرنا وأقدارنا.. وبالتالي تشويه صورتنا عالميّاً.

لماذا نسمح لهذا أن يحدث، لماذا تعطّل الأغلبيَّة الصامتة ذاتها؟

التسامح فكرة بعيدة تماماً عن مصائر حياتنا، فالتسامح مع الذين نختلف معهم تبدو غريبة على المنطقة، فالدفاع عن أولئك الذين يفكّرون بشكل مختلف، أو الذين يروجون الأفكار الجديدة التي يمكن أن تعزِّز التنمية لدينا مهمّة غاية الضرورة باعتبارها خطوة في مسارٍ جديد ومغاير. أمّا أولئك الذين يسعون إلى الحدّ من الحرّيَّة فتجب محاربتهم بتعزيز مفهوم الحرّيَّة في جميع مناحي الحياة، والمزيد من ليبراليَّة الفكر. ومن المفيد القول إنَّ التطوّر البيولوجي قد يستغرق مئات الآلاف من الأعوام، لكن التطوّر المعرفي وتطوير العقل يمكن أن يستغرق أزمنة قليلة نسبيّاً.

حبّ الذات والجشع هي من صفات الإنسان، ولكن بطبيعة الحال هناك أجزاء عديدة أخرى من العالم تعلّمت الجمع بين الطبيعة البشريَّة والتقدّم، لكن يبدو أنّنا لم نصل بعد إلى هذه المعادلة، ممّا يفسِّر التراجع الواضح في حياتنا والخلل الظاهر في فهمنا.

الأغلبيَّة الصامتة يجب أن تبدأ في الكلام، كوحدة واحدة، معاً، للحدّ من هذا الباطل، واستخدم الصلات الجمعيَّة لتشجيع التغيير. هذا لن يحدث بين عشيَّة وضحاها.. ولكن من الممكن حدوثه في نهاية المطاف، غير أننا سنسخِّر المزيد من الوقت لصالح بقاء الباطل.

وخلافاً للآخرين، لا أنظر إلى العالم العربي أو الإسلامي بأنه حالة خاصَّة أو حالة متميّزة. القضايا التي تشهدها المنطقة لها تأثيراتها المحسوسة على بقيَّة العالم. الفرق هو أنّ الأضواء مسلّطة علينا، لأن قضايانا تجسّدت بشكل دموي وتستهدف الأبرياء. نحن بحاجة إلى تغيير الطريقة التي ننظر بها للأشياء، نحن بحاجة إلى السؤال أكثر وتحليل القرارات التي تتمّ صناعتها لنا، الأجوبة قد لا تكون واضحة على الفور، ولعل النقطة الأهم في المعادلة الجارية في المنطقة هي أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار تماما… وهنا يكمن سرّ المعادلة وأهمّيّتها.   

جديدنا