قراءة في فيلم (Space Sweepers)
تجري أحداث فيلم (Space Sweepers) في سنة (2092)، حيث يتفاجأ المشاهد للوهلة الأولى بانعدام الحياة على الأرض رغم التقدم التكنولوجي الفائق، مما سيؤدي _لا محالة_ إلى الهجرة نحو فضاءات أخرى خارج كوكب الأرض، والبحث عن ملاذات يسكن إليها، متحديا كل ما سيعق هذا البحث من صراعات وحروب.
ونشاهد أثناء ذلك، كلَّ مظاهر البؤس والفقر والاضطراب، مما يحيلنا مباشرة على معنى كامن وراء هذه المشاهد، يتمثل في عدم اتساق التقدم التكنولوجي مع العيش الكريم، وإنما العكس هو الواقع بحسب الفيلم، وذلك نتيجة استمرار الاستغلال، حيث يتبين للمشاهد بعد الدقائق الأولى من الفيلم أنَّ إحدى الشـركات _وهي المالكة لزمام التكنولوجيا وقتئذ_ تستغل هؤلاء المهاجرين، وتعمل انطلاقا من نتائج الاستغلال على خلق حياة مثالية على كوكب المريخ، إضافة إلى اعتبارها أن أي بصيص أمل في إعادة إحياء الأرض هو بمثابة قنبلة (هيدروجينية) تهدد وجوده ووجود الأرض.
وتشخص الطفلة دوروثي (Dorothy/Kang Kot-nim) ذاك السلاح الفتاك بحسب الشركات التكنولوجية، رغم أنّها طوال لحظات الفيلم تقدم للمشاهد كل أسباب التشبث بالمعنى الإنساني في ظل المشاهد الآلية والعنفية التي تغمر الفيلم من أوله إلى آخره، فتظهر أول مرة بملامحها الطفولية البريئة، ثم تغدق ابتساماتها على أعضاء سفينة النصر (The Victory)، ثم تتقن دورها الإنساني لحظة إبداعها رسومات لأعضاء السفينة، وتستمر طوال الفيلم في تلقين من يعتبرونها (روبوتا) معاني الإنسانية من خلال أقوالها وأفعالها البسيطين( ضحكتها، وبكاؤها، واستحمامُها، وضراطها، ومناداتُها لـــ(Tiger ) بالعم)؛ ومن ثمة فهي تمثل شخصية المنقذ لكل ما هو إنساني وأرضي، ولا شك أن هذا لن يعجب أصحاب الشركات الذين يعملون جاهدين على القضاء النهائي عن كل ذرة حياة في الأرض، باعتبار أن ذلك يهدد الحياة المعدلة التي خلقوها خارج الأرض.
وبالتالي فالحل الوحيد الممكن بالنسبة لهم هو القضاء على الطفلة (دوروثي)، إلا أنّ ذلك لم يقع بفضل الوحدة الإنسانية التي تجسدت في تكاثف شخصيات من مختلف الدول واتحادها من أجل هدف واحد ووحيد؛ هو إنقاذ ذاك الأمل _دوروثي_، المتبقي لإعادة الحياة من جديد على الأرض. ولعل القيمة الرسالية المتضمنة في آخر المشاهد، والمتمثلة في التضحية من أجل الغير، أو بالأحرى التضحية من أجل خلق شروط الحياة الكريمة على الأرض، لدليل واضح على ارتباطها الجدلي بالعمق الإنساني.
لننتقل في هذه الفسحة إلى مستوى ثانٍ من التحليل، مستمرين في النظر بعمق وعن كث في معنى كمن في عدة مشاهد من فيلم (Space Sweepers)؛ حيث أصبح اختلاف اللغات في تلك المشاهد أمرا لا أهمية له، وهذا يجعل المشاهد اليقظ يثير السؤالات الآتية:
- ألم تكن اللغات قديما عائقا في التواصل بين الشعوب المختلفة وما زالت إلى الآن؟
- هل التطور التكنولوجي في ما يستقبل من السنوات سيجعل من الإنسان ينطق كلاما بلغته ويسمعه المتلقي بلغته الخاصة المختلفة جذريا عن لغة الناطق؟
- أمن الممكن الحديث مستقبلا عن تواصل بين الناس دون لغة؟
ولعل الفيلم أجاب عن السؤال الثاني، حيث قدَّم لنا تصورا مستقبليا لحوار دار بين شخصيات لغوية مختلفة، فنرى الكوري يتحدث لغته فيرد عليه الإنجليزي بلغته، ويتدخل الفرنسي والروسي والإسباني والعربي كل بلغته، وهذا الحوار المتعدد الأطراف والمختلف اللغات لا يثير أدنى مشكلة في الفهم والإفهام، كأننا بهم ينطقون لغة واحدة.
إذن، أصبح التواصل أكثر سهولة، وذلك راجع _كما يظهر من خلال الفيلم_ إلى التقدم التكنولوجي، حيث نرى الشخصيات طوال الفيلم تستعين بسماعات الأذن؛ بمعنى أن التقدم الحاصل في ذلك الجهاز الذي يستطيع أن يترجم بطريقة فورية وفائقة كل ما يقال من الطرفين؛ ومن ثمة فالرسالة التي يرسلها الفيلم أن المستقبل القريب كفيل بالإجابة عن السؤالات أعلاه، فبعمل بسيط، وبإدخال تحسينات على أجهزة الترجمة، سنتفادى مشاكل التواصل بين الناس، خاصة في ما كان يعرف قديما باختلاف اللغات، ونرى أن هذا التطوير والتحسين على مستوى التكنولوجيا في علاقتها باللغات والترجمة، سيخلق _لا محالة_ طفرة نوعية على كافة الأصعدة؛ سواء على المستوى المعرفي أو السياسي أو الاقتصادي، فمثلا ستعم الاستفادة الفورية من التراكم المعرفي وخبرات كل العلماء في مختلف التخصصصات، وسيتم ذلك التقاسم المعرفي بأقل كلفة. إذ من الممكن جدا مستقبلا أن تقضي التكنولوجيا الفائقة على وظيفة المترجم البشري. وقد أشارت بعض (لقطات) الفيلم إلى ذلك، حيث يظهر أن الشخصيات المتحاورة بمختلف اللغات شخصيات فقيرة جدًّا، وتستعين فقط بسماعات الأذن، في تخل تام عن كل ما هو بشري. ولعل ما نعيشه الآن من حوسبة اللغات وإدماج التكنولوجيا في كل ما له علاقة باللغة وعلومها من حيث (الصوامت والصوائت، والمقاطع، والتراكيب والمعاجم والمعاني، والأساليب) لدليل شرطي على ما سيكون الوضع عليه في المستقبل القريب.
وما نود الإشارة إليه أخيرا، أن الإنسان له قدرات وملكات وتوظيفات لما حوله لا محدودة، وهذا بفضل العلاقة المستمرة واللانهائية بين الإنسان والعالم، وبالتالي فالمعرفة البشرية غير محدودة باعتبار السيرورة التاريخية، وتراكم الخبرات، وإعادة توظيفهما مرارًا وتَكرارًا، وارتباط كلِّ ذلك بالقيم الإنسانية اللامادية التي تعطي لكل الأشياء عمقها الإنساني وما يترتب عن ذلك من معنى وجدوى.