لم يكتف علماء الغرب الإسلامي بالاطِّلاع على المؤلفات المشرقية في مجال التفسير، بل كانت لهم بصمات ومشاركات رائدة في هذا العلم تنبئ عن مستواهم العلمي المعرفي الشاسع والواسع .
ومن ضمن” التفاسير الأولى التي دخلت إلى الغرب الإسلامي التفسير المنسوب لابن عباس المتوفى سنة 68 هجرية، والتفسير المنسوب للحسن البصري المتوفى سنة 110 هجرية، وتفسير عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المتوفى سنة 182 هجرية وتفسير عبد الرزاق الصمعاني المتوفى سنة 211 هجرية، وتفسير عبد الله بن نافع المتوفى سنة 180 هجرية، وتفسير يحيى بن سلام المتوفى سنة 200هـ “[1].
وهذا التفسير المنسوب إلى يحيى بن سلام المتوفى 200هـ قال في شأنه الشيخ”محمد الفاضل ابن عاشور: ” هو أقدم التفاسير الموجودة اليوم على الإطلاق، ألفه بالقيروان، وروي فيها وبقيت نسخته الوحيدة بين تونس والقيروان، وهو الذي يعتبر مؤسِّس طريقة التفسير النقدي، أو الأثري النظري، التي سار عليها بعده ابن جرير الطبري “[2].
ويعدّ تفسير يحيى بن سلاّم المرجع الأول عند المفسّرين الذين اشتغلوا بالتفسير النقلي، فضلا عن ما كان يتمتَّع به ابن سلام من علم عميق ومعرفة غزيرة بعلوم القرآن، وجمعها من عدَّة مشارب وأخذها من عدَّة مصادر، وبذلك يكون قد جمع بين مدرسة التفسير في العراق ومدرسة التفسير في المدينة ومدرسة التفسير في مكَّة، بالإضافة إلى اقترابه من عصر النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ولد سنة 124هـ، وتوفي سنة 200هـ، وفي هذه الفترة نهل من أربعين شيخا من التابعين، وكذا ما يتمتع به هذا التفسير من نصيب في التدرج العقلي للتفسير.[3]
ولقد كان لتفسير الطبري ت 310 ه الأثر والوقع الكبير في تفاسير الغرب الإسلامي إلى درجة أن ابن حزم الأندلسي ت 456ه في مقارنته بين تفاسير المشارقة وتفاسير الأندلسيين جعل تفسير من الإمام الطبري موضع مقارنة،ومحل موازنة بينه وبين تفسير بقي بن مخلد الأندلسي .
وبحكم هذا الموقع العلمي الوازن الذي ناله تفسير الطبري بين الأندلسيين،فقد قام محمد ابن أحمد ابن عبد الرحمن التجيبي الأندلسي باختصار تفسير الطبري في كتاب خاص [4].
التراث التفسيري بالغرب الإسلامي
ما يميز المتن التفسيري بالغرب الإسلامي هو الاتساع والامتداد، فهو متن شاسع وواسع، إذ يمتد هذا المتن ليشمل أعلاما كبارا، قاموا بخدمة كتاب الله بإقبالهم على تفسيرهم لكتاب الله مثل بقي بن مخلد الأندلسي ت 276 هـ.، وابن العربي الاشبيلي 543ه،ومكي بن أبي طالب القيسي ت 437 ه، [5] وابن عطية الغرناطي ت541ه، وابن فرس الغرناطي ت595ه،والإمام القرطبي 671ه، والإمام السهيلي 741ه، والإمام ابن الزبير الغرناطي ت 708 هـ، والإمام أبي حيان الأندلسي 745 هـ،،والإمام ابن جزي الكلبي الغرناطي ت 741ه،والإمام المهدوي 044ه.، والإمام ابن عرفة الورغمي ت 808ه.
فهذه النماذج على قلتها تدل أن المتن التفسيري بالغرب الإسلامي قد حظي بمتابعات أكاديمية كبيرة في السنين الأخيرة، بحيث اختارت كثير من البحوث الأكاديمية والدراسات الجامعية التعريف بهذا المتن،وإظهار خصوصيته وتميزه عن غيره من المتون التفسيرية من حيث المضمون والمنهج ،وإبراز أعلامه وشخصياته ومعالمه والمدونات المصنفة فيه، وتوصيف اتجاهاته ومساراته، وإظهار مسالكه ومناهجه المعتمدة في التفسير،وكذا المراحل التي قطعها ومر ومنها.[6]
ولا بد من الذكر أن مدرسة التفسير بالأندلس عادة ما تمتد بدايتها مع تفسير بقي بن مخلد :ت 276هـ الذي قال عنه ابن حزم ت 456 ه في رسائله: “رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها “و في تفسير القرآن كتاب أبي عبد الرحمن بقي بن مخلد، فهو الكتاب الذي أقطع قطعا أنه لم يؤلف في الإسلام تفسير مثله،و لا تفسير محمد ابن جرير الطبري ولا غيره[7] .
و من خصوصية المتن التفسيري في الغرب الإسلامي هو محافظته على الوحدة المذهبية اعني مذهب مالك الذي كان سائدا بالأندلس .
ومما يدعم هذا الطرح ما أورده عبد الواحد المراكشي وهو عبارة نص يحمل نقد لاذع وجهه عالم أندلسي إلى احد معاصريه وقد عاد من رحلته المشرقية فادخل إلى الأندلس كشاف الزمخشري ت 538ه :الكشاف عن حقائق التنزيل “فقال “كانت الأندلس منزهة عن هذا وأشباهه ولم يزل أهلها على مرور الأيام أغنياء عن النظر في مثله، وان في غيره من تصانيف أهل السنة في التفسير غنية عنه”[8].
إضافة إلى هذه الخاصية التي تميز بها المتن التفسيري في الغرب الإسلامي، فهناك خاصية أخرى في هذا المتن التفسيري، وهي العناية بالمقتضيات والشروط التي تعين وتساعد على الفهم لكتاب الله.
وهذا ما جعل الاشتغال يتجه إلى العناية بالآليات الضابطة للفهم،والمسالك المعينة والمرشدة على التلقي السليم، والمساعدة على التأويل السديد للنص الشرعي…[9].
ومما اثر عن مفسري الغرب الإسلامي ونقل عنهم أن التفسير النقلي إذا صحت الرواية الناقلة له،فهو يعد الأساس والمرجع ويجب الأخذ به،ولا يجوز العدول عنه،لكن يستحسن المصير إلى التفسير بالرأي بشرط أن يستند إلى النقل .
ومن قواعدهم المقررة في هذا الموضوع أن الأصل في التفسير هو الاستناد إلى النقل، ولا يصح العدول عن التفسير النقلي إذا ثبتت الرواية الصحيحة، وصح بطريق النقل[10].
إضافة إلى هذه الخصائص المشار إليها والمذكورة في ثنايا هذا العرض،فهناك خاصية أخرى تميز بها هذا المتن، وهي العناية بالمقدمات التفسيرية من حيث هي خطاب صريح في المنهج المعتمد في التفسير،يحمل الأصول والعلوم المتصلة بالقرءا ن الكريم .
ـ تراث الأندلسيين في التفسير
من ابرز كتب المدرسة التفسيرية في الأندلس:
– أحكام القرآن الإمام أبو بكر بن العربي المعافري الأندلسي ت 543هـ،
-الهداية إلى بلوغ النهاية للإمام مكي بن أبي طالب القيسي ت 437ه
– التحصيل لكتاب فوائد التفصيل الجامع لعلوم التنزيل للإمام المهدوي 044ه.
-المحرر الوجيز في المحرر في وابن عطية الغرناطي ت541ه
-تفسير القرآن لأبي الوليد الباجي 474هـ لكن هذا التفسير مازال في حكم المفقود.
– تفسير القاضي عياض اليحصبي السبتي 544 هـ
-البحر المحيط أبي حيان الأندلسي 745ه
مختصر تفسير الثعلبي ت 427 ه لأبي بكر الطرطوشي الاندلسي ت520ه
-التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الغرناطي (ت741هـ).
– الجامع الأحكام القرآن للإمام القرطبي المفسر الأندلسي ت 671ه
– أحكام القرآن لابن فرس الغرناطي595ه
-تفسير ابن عرفة الورغمي 808ه
أطاريح جامعية حول تراث الأندلسيِّين في التفسير
– قواعد التفسير عند مفسِّري الغرب الإسلامي لمسعود الركيبي إصدار وزارة الأوقاف المغربيَّة السنة :2012
-أصول التفسير وتطبيقاته عند مفسِّري الغرب الإسلامي للباحثة فارس نادية أطروحة جامعية مسجَّلة بالكلية المتعددة التخصصات الناضور المغرب
– مدرسة التفسير في الأندلس تأليف مصطفى إبراهيم المشني مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى – 1406هـ – 1989.
ـ التفسير المقاصدي عند مفسري الغرب الإسلامي للدكتور نور الدين قيراط أطروحة جامعية مرقونة بكلية الآداب وجدة المغرب.
-الفقه الاجتماعي في تفاسير الغرب الإسلامي لعبد القادر الشايط أطروحة جامعية مرقونة بكلية الآداب وجدة المغرب: 2020
خلاصة
ما نخلص إليه في هذا العرض المختصر المتعلق بتفاسير الغرب الإسلامي،هو أن اغلب الدراسات والبحوث الأكاديمية تتفق في كون علم التفسير من العلوم الرائجة والذائعة في المغرب والأندلس، وهو ما يظهر من حجم البحوث والدراسات الجامعية والأكاديمية التي الفت واعدت حول إسهامات الأندلسيين والمغاربة في التفسير وفي علومه،والتي كشفت عن الأهمية العلمية للمشاركة الأندلسية في علم التفسير وعلوم القرآن بصفة عامة.
[1] – المرجع نفسه ص : 127
[2] التفسير ورجاله لمحمد الفاصل بن عاشور ص : 9
[3] مدرسة الحديث في القيروان من الفتح الإسلامي إلى منتصف القرن الخامس الهجري لحسين شواط: 2 /940
[4] مختصر تفسير الإلمام الطبري لمحمد ابن أحمد ابن عبد الرحمن التجيبي تحقيق محمد حسن أبو العزم الزفيتي الهيئة المصرية العامة للكتاب مصر: 1980.
[5] لمعرفة جهود مكي بن أبي طالب في التفسير يراجع: مكي ابن أبي طالب للدكتور احمد فرحات إصدار دار الفرقان عمان 1983،ص 39
[6] – من ذلك : ابن العربي الاشبيلي مفسرا لغويا لموسي عائشة رسالة جامعية مرقونة بكلية الآداب وجدة المغرب
ـ منهج ابن العربي في تفسير أحكام القرآن الكريم لمنصور بن فضيل كافي إصدار دار الحامد للنشر والتوزيع.
– : الطبعة الأولى 1431هـ-2010م..
– قواعد التفسير عند مفسري الغرب الإسلامي لمسعود الركيبي إصدار وزارة الأوقاف المغربية السنة :2012
-أصول التفسير وتطبيقاته عند مفسري الغرب الإسلامي للباحثة فارس نادية أطروحة جامعية مسجلة بالكلية المتعددة التخصصات الناضور المغرب
– مدرسة التفسير في الأندلس تأليف مصطفى إبراهيم المشني مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى – 1406هـ – 1989.
التفسير المقاصدي عند مفسري الغرب الإسلامي للدكتور نور الدين قيراط أطروحة جامعية مرقونة بكلية الآداب وجدة المغرب.
-الفقه الاجتماعي في تفاسير الغرب الإسلامي لعبد القادر الشايط أطروحة جامعية مرقونة بكلية الآداب وجدة المغرب: 2020
[7] رسائل ابن حزم :رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها :ص: 170 بتحقيق إحسان عباس المؤسسة العربية للدراسات والنشر السنة 1987
[8] الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة لعبد المالك المراكشي تحقيق إحسان عباس ومحمد بنشريفة وبشار عواد دار الغرب الإسلامي المجلد الأول السفر الأول :224
[9] – -اللفظ والمعنى في البيان العربي للدكتور محمد عابد الجابري مجلة فصول المصرية المجلد-5-العدد-11-السنة1985
[10] أصول التفسير وقواعد للدكتور خالد عبد الرحمان العك ص : 9
___________
*الدكتور محمد بنعمر.
التعليقات:
Comments are closed.