المدرسة والمجتمع
من العادة أن يتمّ تحديد المدرسة، بأنَّها ذلك الفضاء الاجتماعي الذي يقوم بوظيفة التنشئة والتربية، وعادة ما يقضي فيه المتعلِّم أهم مراحل حياته في تحصيل المعارف، وفي اكتساب المهارات والقيم التي يحتاجها هذا المتعلِّم في حياته، وتكون هذه المراحل عادة ممتدَّة من الروضة إلى الجامعة[1].
كما تساهم المدرسة في الارتقاء بالمجتمع، وتساهم في تطوّر هذا المجتمع، ممَّا يعزِّز قدراته التنافسيَّة، ونموّه الاقتصادي والاجتماعي.
وللإشارة فهناك إجماع في جميع المجتمعات على أهميَّة المدرسة، وعلى دورها في التربية والتنشئة، وريادتها في الإدماج الاجتماعي للمتعلِّم، وفي عبور وانتقال الفرد من الأسرة إلى المجتمع، فهذا العبور له أهميّته الخاصَّة في المسار الذي يمرّ منه المتعلِّم، لأنَّ هذه المرحلة حاسمة في حياة المتعلِّم، فهي بهذا الوصف تشكِّل مرحلة انتقاليَّة ومصيريَّة في حياة الفرد، لأنَّها القنطرة والممر والمعبر الذي يعبر به الفرد إلى المجتمع، علمًا أنَّ هذه المرحلة هي مرحلة انتقاليَّة حاسمة ومهمَّة للفرد، فالمدرسة لها دور فعَّال في تحقيق التوازن بين الكفل والمجتمع الذي يعيش فيه.[2]
وبالتالي لا يوجد أي مجتمع دعا إلى إلغاء مؤسَّسة المدرسة، لدورها في التربية والتنشئة، والارتقاء الاجتماعي.
وهذه المهام المتعدِّدة للمدرسة، هي موضع اتِّفاق بين جميع المتدخّلين في الميدان التربوي، وفي الشأن التعليمي، والمشتغلين بمهن التدريس، وبكل ما له علاقة وصلة بعلم اجتماع المدرسة[3].
وعليه لا نجد أي نظام تعليمي في العالم، يدعو علنًا أو تلميحًا، إلى التخلِّي عن دور المؤسَّسة المدرسيَّة، أو التقليص من أدوارها التعليميَّة ، ومن وظائفها في التربية التنشئة، و في إنتاج القيم الايجابيَّة، ففكرة مجتمع بدون مدرسة التي تبنَّاها البعض، ودافع عنها عدد من المنظّرين، وعلماء الاجتماع المدرسة في فترة السبعينات، لم تجد الاستجابة الفاعلة، ولا المساندة الكاملة، ولا القبول الأوسع من لدن المهتمّين بعلم اجتماع المدرسة، وهذا يعود إلى الدور الكبير للمدرسة في التربية في جميع المجتمعات، لما لها من أثر في تأهيل المتعلِّم في الحياة.
ومن مهام المدرسة الأخرى، أنها تساهم في تسهيل الارتقاء الاجتماعي، والاندماج الاقتصادي للأفراد الذين ينتمون إلى أوساط اجتماعيَّة فقيرة، وهو ما يفسر لنا ازدياد الرهان، وارتفاع الحاجة على هذه الجهة، بسب سرعة التحوّلات الاجتماعيَّة العميقة، وهيمنة النموذج الاقتصادي الذي يجعل من الكفاءة العلميَّة الراقية مدخلا لولوج سوق الشغل، وهذا من أشكال الترابط الوثيق بين التعليم وبين سوق الشغل، فقيمة التكوين والتعليم اليوم، هو أن يتوافق ويتأقلم هذا التكوين مع حاجيات ومتطلّبات سوق الشغل.
بالمقابل فإنَّ أكبر انتكاسة للمدرسة اليوم، ومن تجليات التراجع في هذا الفضاء، أنَّها لم تعد تلك الوسيلة والأداة للارتقاء والصعود الاجتماعي والاقتصادي لمتعلّمي الأسر الفقيرة التي تعيش أوضاعا صعبة ومزرية بسبب اتِّساع الفوارق الاجتماعيَّة، أعني الأسر التي تعيش وضعا اجتماعيًّا واقتصاديًّا صعبًا في البوادي وأطراف المدن، وهذا من أبرز تجليات التراجع والإخفاق الذي تعيشه المدرسة اليوم.
وعليه فالمدرسة المغربيَّة ليست ببعيدة عن هذه الإكراهات والصعوبات، فهي تواجه تحدّيات كثيرة، فهي مثقلة بالمشاكل وحاملة لإكراهات المجتمع، وإن كان التحدِّي الأكبر للمدرسة المغربيَّة، أنها لم تعد ذلك الفضاء المعين للارتقاء والصعود الاجتماعي والدخول إلى سوق الشغل بيسر وسهولة.
بحيث إنَّ شريحة واسعة من المجتمع، فقدوا الثقة من أن تكون المدرسة وسيلة، وأداة للارتقاء الاجتماعي، لأنَّها أداة طيِّعة في ارتقاء الفئات الغنيَّة المالكة للرأسمال الثقافي.
إنَّ الراهنيَّة والسياق اليوم يلزم الارتقاء بالمدرسة من خلال جعل المتعلِّم، هو القطب في محاور العمليَّة التعليميَّة، وهذا لا يتيسَّر إلا بإدماج الحاجيَّات الجديدة من المعارف والمهارات، وفق ما يحتاجه ويتطلّبه اليوم سوق الشغل.
[1] ـ المدرسة وبناء مجتمع المعرفة، لرحمة بورقية مجلة المدرسة المغربيَّة العدد 5 :السنة:2012ص:22
[2] مخاوف الأطفال للدكتور لمبارك ربيع :ص:202
[3] ـ علم اجتماع المدرسة هو العلم الذي يدرس أثر الفعل التربوي في الحياة الاجتماعيَّة، ويدرس كذلك في الوقت نفسه أثر الحياة الاجتماعيَّة في العمل التربوي.
__________
*الدكتور محمد بنعمر.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
الدكتور محمد بنعمر فخر المركز الجهوي للتربية والتعليم بوجدة
زداه الله من فضله، وبارك في علمه.