التنويريسلايدرمنوعات

حرب ناعمة في زمن الحرب الخشنة

بمنطق سيميو- سوسيولوجي صرف، لعبة كرة القدم كانت وستظل بمثابة حرب ناعمة the soft war  تدور رحاها بين الدول، وكل دولة تسعى إلى تحصين سيادتها/مرماها، مع تسجيل الأهداف في مرمى الدولة-الخصم. 

لعبة كرة القدم-الحرب الناعمة، منذ ظهورها وانتشارها، تجسَّدت كبديل للحرب الخشنة، تقوم بوظيفتها على مستوى ممارسة التطهير catharsis في علاقة باللاشعور الجمعي، باعتماد معجم الحرب لكن دون إشعال نيران أو إزهاق أرواح  !

منذ ظهورها وانتشارها كلعبة جماهيرية، تجسدت لعبة كرة القدم كطقس حربي ناعم يستعير معجمه من قاموس الحرب ( الخطة، الدفاع، الهجوم، التسديد، المناورة…) وعلى مستوى الشكل، لا يختلف فريق كرة القدم عن الفرقة العسكرية، أحد عشر لاعبا بزي موحَّد يمثلون دولة أو جهة أو مدينة… اللاعبون/المحاربون يدخلون الملعب الشبيه بساحة المعركة مجردين من السلاح، لكنهم مستعدون لمواجهة الخصم وإلحاق الهزيمة به، عبر خطَّة يضعها مدرب الفريق تجمع بين الهجوم على مرمى الفريق الخصم وبين الدفاع، وفي كلا الوضعيتين تحضر المناورة كسلاح المباراة/ المعركة. 

لقد كانت المباريات التي تجمع بين الدول المتصارعة دائما صورة مصغرة ناعمة عن الحرب (كوريا الشمالية – كوريا الجنوبية/ إيران- السعودية/ روسيا- أمريكا).. بل إن المباريات التي تجمع بين فرق تمثِّل جهات/قوميات متصارعة داخل الدولة الواحدة، لا تختلف عن سابقاتها! ( البارصا/كاطلونيا الجمهورية- الريال/مدريد الملكية).

 تظاهرة كأس العالم، المنظَّمة هذه الدورة في قطر، تزامنت مع الحرب الخشنة الجارية على الأراضي الأوكرانية، والتي تهدِّد بالتحوُّل إلى حرب عالمية عابرة للقارات، في أي حين، وهذا يجعل هذه التظاهرة مختلفة عن سابقاتها من التظاهرات، ويحمِّلها مسؤولية كبيرة في تطهير اللاشعور الجمعي العالمي، من خلال خوض حروب ناعمة على أرضيَّة الميدان تعوض الحرب الخشنة المدمرة أو، على الأقل، تخفِّف من وطأتها.

الحرب العالمية الناعمة جارية، الآن، في الصحراء العربية الممتدة، فهل يتخلص العالم من شحناته النفسية ويتجنب حربا نووية خشنة لن تبقي حيا على وجه البسيطة ؟

في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب) تنبأت المستشرقة الألمانية “زيغريد هونكه” بأن العالم كلما اختنق سيظل في حاجة إلى العرب ليطلقوا نسمة هواء صحراوية منعشة ! تقول “زيغريد هونكه”:  لعل مصيرنا سيتعلق بمصير العالم العربي، الذي سبق له أن غيَّر، يوما ما، صورة عالمنا بشكل جذري . (ص: 13).

اليوم، بين كثبان الرمال العربية المتحركة، دول/شعوب العالم تتحارب، رمزيا، بوسائل ناعمة لتتطهر، نفسيا، فلعلها فرصة للتنفيس، على أرضيَّة ملعب أخضر معشوشب بوجود حكم وجمهور !

_________
*د.إدريس جنداري – باحث.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.