التنويريتربية وتعليمسلايدر

دور السنة التحضيرية في تنمية الكفاية التواصلية لدى طفل 5/6 سنوات

نهى الفرشيشي وأماني محمدي بإشراف الدكتورة سناء عيسي *

الملخص

تهدف هذه الدراسة إلى التّعرّف على أثر السنة التحضيرية في تنمية كفاية التواصل لدى طفل 5_6 سنوات وذلك بالإجابة عن سؤال مركزي يتمثل في: أين يكمن دور السّنة التّحضيريّة في تنمية الكفاية التّواصليّة لدى طفل 5-6 سنوات؟

وللإجابة عليه اتبعنا المنهج الوصفي التحليلي اعتمادا على استبيان موجه إلى معلمي السنة التحضيرية ومعلمي السنة الأولى للتأكد من صحة الفرضيات. 

وقد توصلت هذه الدراسة إلى أن السنة التحضيرية مرحلة مهمة في حياة الطفل حيث أن له، في تلك المرحلة، قدرة عالية على التعلم واكتساب المهارات، إذ تسهم في تنمية قدرة التواصل وهو ضرورة حياتية وأساس كل تعاملاتنا.

المقدمة

يعتبر الطفل مواطن المستقبل لذلك وجب علينا تكوين شخصية سوية قادرة على الانخراط في العالم الخارجي والتفاعل بشكل إيجابي وبناء هذه الشخصية لا يقتصر على المدرسة وبداية المسيرة الدراسية للطفل بل يبدأ من مرحلة ما قبل المدرسة، على وجه الخصوص السنة التحضيرية التي تمثل في تونس السنة السابقة لدخول المدرسة (بين 5 و6 سنوات.(  فالسنة التحضيرية تسعى لتحضير الطفل من أجل الولوج للتعليم الابتدائي لما له من قدرة على تجميع المعلومات وخزنها في الذاكرة واكتساب المهارات وتوظيفها وذلك من خلال العمل على جملة من الكفايات المنصوص عليها في منهاج السنة التحضيرية ومن بينها الكفاية التواصلية والتي تعتبر على غاية من الأهمية خصوصا أننا نقضي معظم وقتنا في التواصل وبالتالي فإن التواصل يعتبر جسر للعبور إلى العالم الخارجي والانخراط في المجتمع. وبما أن السنة التحضيرية تهدف إلى تهيئة الطفل وتأهيله فقد أولت اهتماما كبيرا بهذه المهارة باعتبارها كفاية أفقية تمتد في كل المجالات. لذلك يجب علينا العناية بها بداية من السنة التحضيرية نظرا لكونها مهارة تراكمية لها تأثير على المراحل اللاحقة .

إشكالية البحث:

أصبح الاهتمام بالتواصل كبيرا في يومنا الحاضر وتم التركيز عليه بصفة خاصة باعتباره مهارة حياتية نحتاجها في تعاملاتنا اليومية وبما أن طفل اليوم هو مواطن الغد وذو قدرات عالية على التعلم فقد سعت المنظومة التربوية على الاهتمام بهذه القدرة منذ مرحلة ما قبل المدرسة لتنميتها وهذا ما تبيناه في منهاج السنة التحضيرية حيث أولت اهتماما كبيرا على مستوى الكفاية التواصلية والعمل على صقلها وتطويرها لذلك قمنا في بحثنا بمعالجة إشكالية تتعلق بدراسة كيفية تنمية هذه الكفاية في السنة التحضيرية والذي سنتناوله من واقع التعليم في تونس.

وترتكز إشكالية بحثنا على سؤال رئيسي مفاده:

-أين يكمن دور السنة التحضيرية في تنمية الكفاية التواصلية لدى طفل 5/6 سنوات؟

وعند تطرقنا لمفهوم السنة التحضيرية فنحن بالأساس أمام عدة مفاهيم أخرى كالبيداغوجيا والأنشطة المعتمدة ولذلك سنقوم بتقسيم إشكاليتنا إلى أسئلة فرعية أخرى:

     • ماهي البيداغوجيا التي تخدم الكفاية التواصلية؟

     • ماهي الأنشطة التي تنمي التواصل؟

أهمية البحث:

يحتاج الطفل إلى أن يتواصل مع غيره كي يكتسب قدرات وتجارب جديدة وهنا يبرز دور السنة التحضيرية حيث تعمل على تطوير وصقل الكفاية التواصلية للطفل من خلال عديد الأنشطة والألعاب التي من شأنها تعزيز ثقة الطفل بنفسه وتكريس مبدأ المسؤولية لديه وتوعيته بضرورة إبداء رأيه بحرية لكن دون المس بالآخرين والخروج عن اللياقة والآداب العامة.

“ويقول فيجوتسكي أن أرقى الاعمال تنشأ فعلا من التفاعل مع الاخرين والاختلاط بهم في أي عمل وفي أي تطور حضاري يبدو في صورتين الأول على المستوى الاجتماعي والثاني على المستوى الفردي”[1] وهذا التفاعل لا يتم إلا عن طريق التواصل الذي يمثل ضرورة حياتية فهو أساس كل تعاملاتنا اليومية لذلك وجب العناية بها وإيلائها الأهمية اللازمة منذ الصغر كي يتملكها الطفل على النحو الصحيح لذلك قمنا بالتركيز على هذه الشريحة العمرية ومزيد الاحاطة بها لتطوير مهاراتها وقدراتها خصوصا أن الطفل في تلك المرحلة يتعلم بشكل أسرع وأكبر مما يتعلمه في المراحل اللاحقة.       

  1. مصطلحات البحث:
  2. التواصل

لغة: تواصل تواصلا: استمر، توالى، تتابع.

–  ترابط، اتصل.  / الشخصان: اجتمعا واتفقا.

–  تواصل: مصدر تواصل  

   – استمرار تتابع         

  – ترابط، اتصال.[2]

اصطلاحا: يستقي التواصل دلالته من التعريف اللغوي، لبعض العلماء التربويين ومنهم شارل كوليي (Charles Cooley2008)  الذي عرف التواصل بقوله: “التواصل هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية وتتطور، إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في الزمان، ويتضمن تعابير الوجه وهيئات الجسم، والحركات ونبرة الصوت والكلمات والكتابات والمطبوعات والقطارات والتلغراف والتلفون، وكل ما يشمله آخر ما تم من الاكتشافات في المكان والزمان.” فهو يعتبره جوهر العلاقات الإنسانية وأساسها الذي تبنى عليه.[3]

  • الكفاية التواصلية

لغة: الكفاية: ما يكفي ويغني عن غيره، شبع.[4]

اصطلاحا: قدرة، كفاية، تواصلية: ” إن القدرة التواصلية هي مجموع القدرات التي يستطيع بواسطتها شخص أن يدخل في سيرورة تواصلية مع الآخرين، فإنها لا تقوم على القدرة اللسانية وحدها، أي القدرة على تكوين جمل صحيحة لغويا. بل إنها تأخذ بعين الاعتبار قدرات لسانية تتدخل في سيرورة التواصل وترتبط باستعمال اللغة أكثر مما ترتبط بنسق نحوي شكلي…”.[5]

  • السنة التحضيرية

اصطلاحا: هي السنة التي تهيئ الأطفال دون سن القبول الإلزامي في المدرسة والذين تتراوح أعمارهم بين 5 و6 سنوات.

كما يمكن تعريف السنة التحضيرية بالاستناد على منهاج السنة التحضيرية بأنها المرحلة التي “تتوج مرحلة التربية قبل المدرسية وتهيئ لولوج التعليم الابتدائي”[6]

  1. دور معلم السنة التحضيرية في تنمية الكفاية التواصلية لدى طفل 5/6 سنوات:

يتمثل دور معلم السنة التحضيرية في بناء شخصية سوية للطفل وذلك من خلال الخروج به من آنويته وجعله يدخل معترك الحياة ويلج العالم الخارجي كي يتفاعل مع غيره كشكل من أشكال التواصل. إضافة إلى تكريس الأسس الصحيحة للتواصل واعتماد تمشي واضح يساعده على تنمية الكفاية التواصلية للطفل.

يجب على المعلم فسح المجال لجميع الأطفال من أجل التعبير عما يخالج أنفسهم من أفكار وآراء لما في ذلك من أهمية في تعزيز ثقة الطفل في نفسه وفي قدراته وبعث قيم المسؤولية والاستقلالية فيه كي يكون قادرا فيما بعد على التواصل مع غيره والدفاع عن أفكاره ومعتقداته في كنف الاحترام كما يجب على المعلم عدم الاستهانة بقدرات ومهارات الطفل والاستنقاص منه في أي تدخل فذلك سيسبه له عراقيل وصعوبات في التواصل. وكما قلنا سابقا يجب على المعلم اعتماد تمشي واضح من أجل تنمية هذه الكفاية وذلك من خلال الرجوع إلى مقاربات بيداغوجية معينة وأنشطة وألعاب تخدم التواصل وقد قام منهاج السنة التحضيرية بضبط مختلف هذه الأنشطة والمقاربات. ويجدر بنا الإشارة هنا إلى ضرورة ترك المعلم الحرية للطفل في طريقة تواصله وقيامه بالأنشطة دون إلزامه أو إرغامه بالقيام بما يقوم به أقرانه ذلك أن لكل طفل قدراته، ميولاته، مهاراته ومستواه.

  1. منهج البحث وأدواته:

كل بحث علمي يستوجب ضرورة الربط بين ما تم التطرق إليه نظريا وبين الواقع المعيش وذلك وفق تمش منهجي واضح، دقيق، محدد ومناسب للظاهرة. و قد ارتأينا أن المنهج الوصفي التحليلي هو المنهج الأنسب من أجل التثبت من الفرضية التي قمنا بتعيينها ضمن بحثنا بعنوان “دور السنة التحضيرية في تنمية الكفاية التواصلية لدى طفل 5-6 سنوات”.

ومن أجل دراسة بحثنا وتحقيق نتائج دقيقة، اعتمدنا على الاستبيان كوسيلة من أجل تبيّن أفكار وآراء معلمي السنة التحضيرية عن دور هاته الأخيرة في تنمية الكفاية التواصلية وآراء معلمي السنة الأولى عن الفرق بين المتعلمين الذين تلقوا تعليم تحضيري والذين التحقوا مباشرة بالسنة الأولى. ومنه قمنا باعتماد استبيان موجه لمعلمي السنة التحضيرية وآخر موجه لمعلمي السنة الأولى وقمنا بنشر هذين الاستبيانين على الأنترنت وبزيارة عدة مدارس وتحصلنا في هذا الإطار على 50 استبيانا من قبل معلمي السنة التحضيرية (منهم 68% في مدرسة حضرية و32% في مدرسة ريفية موزعين على 86% معلمة و14% معلم) و56 استبيانا من قبل معلمي السنة الأولى (منهم 64% مدرسة حضرية و36% مدرسة ريفية موزعين على 90 %معلمة و10% معلم) من مختلف الولايات والجهات (زغوان، منوبة، سوسة، المنستير، مدنين، جندوبة، أريانة، سيدي بوزيد، نابل، بن عروس، المهدية، توزر، القيروان، بنزرت)، وانطلاقا من الإجابات المتحصل عليها قمنا بتحليل البيانات وعرض النتائج.

  1. النتائج:

من خلال النتائج التي رصدناها عند الاشتغال على الاستبيانين وجرد البيانات المتحصل عليها والتمعن فيها، تبين لنا أوّلا أن ما نص عليه منهاج السنة التحضيرية من بيداغوجيا وكفايات وأنشطة هي في مجملها تخدم التواصل وتساهم في تنميته باعتباره مهارة حياتية وهذا لا ينفي أيضا دور المعلم خصوصا في اعتماد طرائق أخرى، بصورة مدروسة لا اعتباطية، من أجل تنمية هذه الكفاية.

وحسب آراء معلمي السنة التحضيرية فإننا نجد بيداغوجيا اللعب أكثر بيداغوجيا تنمي الكفاية التواصلية وبالنسبة للأنشطة فإننا نجد الأنشطة اللغوية وأنشطة التربية الأخلاقية والتنشئة على الحياة الاجتماعية والأنشطة المسرحية الاكثر استعمالا.

كما تبين لنا ثانيا أن للسنة التحضيرية دور هام وفعال في تنمية كفاية التواصل لدى المتعلمين وهذا ما صرح به معلّمو السنة الأولى (أنظر رسم بياني 2). إذ تؤثر بصفة مباشرة على الجانب الاجتماعي حيث يصبح المتعلم قادرا على إبداء رأيه بتلقائية ويتواصل مع الآخر بطريقة سلسة خالية من الانكماش والانزواء والخجل. كما يحترم آداب الحوار إضافة إلى أنها تعزز ثقة المتعلم بنفسه.

جدول 1: هل للسنة التحضيرية تأثير على الجانب الاجتماعي للطفل؟

الإجاباتالسؤال
 _ للسنة التحضيرية تأثير واضح وجلي على الجانب الاجتماعي للطفل حيث تتبدد كل صعوبات مع المتعلمين والمربي مع مرور الوقت ويصبح التلميذ اجتماعي وينخرط في الحياة المدرسية. _ نعم، فهي تساعده على تنمية قدراته التواصلية مع محيطه والاندماج فيه. _نعم فالسنة التحضيرية تعود الطفل على الانخراط في المجموعة والعمل التشاركي وبالتالي سيتخلص من الرهبة والانعزال ويسهل اندماجه مع أترابه. _نعم، يعاني التلاميذ غير المتلقين للتعليم التحضيري من مشكلة الانزواء باعتبار أنه غير أنه غير مهيئ كما يجب للتعلم والتفاعل والمشاركة. _ نعم فهي تنمي الذكاء الاجتماعي وتعوده على وجود الاخر الذي يختلف معه في العديد من الاشياء.هل للسنة التحضيرية تأثير على الجانب الاجتماعي للطفل؟

الخاتمة:

تعتبر المرحلة قبل المدرسية المرحلة الأهم في حياة الفرد لما لها من خصائص تساهم في بناء شخصية الفرد حيث أن الطفل في هذه المرحلة العمرية يكون أكثر قدرة على التعلم واكتساب المهارات وتطوير مختلف قدراته وصقلها. وفي هذا الإطار قمنا بالتركيز على السنة التحضيرية باعتبارها السنة السابقة لدخول الطفل للعالم المدرسي  وقد ارتأينا اعتماد جانب قائم بذاته في هذا البحث ألا وهو التواصل فقمنا بالتركيز والتدقيق على أثر السنة التحضيرية في تنمية التواصل لدى الطفل ودورها في ذلك.

من خلال ما تحصلنا عليه من نتائج في دراستنا اتضح لنا أن للسنة التحضيرية دور فعال في تنمية الكفاية التواصلية لدى طفل 5-6 سنوات وتذليل الصعوبات التواصلية كي يجد الطفل نفسه جاهزا وقادرا على التعبير عن رأيه والاندماج في المجموعة خلال السنة الأولى من التعليم الابتدائي والتي تعتبر الخطوة الأولى داخل المدرسة ومنها سيبدأ الطفل في مسيرته التعليمية.

التوصيات:

في إطار النتائج التي تحصلنا عليها من خلال دراستنا ارتأينا تقديم التوصيات التالية:

–  ضرورة تعميم السنة التحضيرية في جميع المدارس الابتدائية التونسية.

–  ضرورة إيلاء الأهمية اللازمة بالسنة التحضيرية لما لها من أهمية في حياة الطفل ومن أثر في المراحل العمرية السابقة.

–  ضرورة تكوين جميع معلمي السنة التحضيرية. (خصوصا في البيداغوجيا)

–  توفير الفضاء المناسب والوسائل اللازمة لضمان حسن إنجاز الأنشطة.

–  نشر الوعي بأهمية السنة التحضيرية خاصة بالنسبة للأولياء.

المراجع

-الدكتور يوسف محمد رضا، معجم العربية الكلاسيكية والمعاصرة، الطبعة الأولى، مكتبة لبنان ناشرون، 2006.

-الدكتورة ميساء أحمد أبوشنب والأستاذ المساعد الدكتور فرات كاظم العتيبي، مشكلات التواصل اللغوي، الطبعة الأولى، مركز الكتاب الأكاديمي، 2015.

-عبد اللطيف الفاربي وآخرون، معجم علوم التربية مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، 1994.

-محمد عبد الرحيم عدس، المدرسة وتعليم التفكير، الطبعة 1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 2000م.

-منهاج السنة التحضيرية، تونس.


[1] محمد عبد الرحيم عدس، المدرسة وتعليم التفكير، الطبعة 1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 2000م، الصفحة 56.

[2] الدكتور يوسف محمد رضا، معجم العربية الكلاسيكية والمعاصرة، الطبعة الأولى، مكتبة لبنان ناشرون، 2006، الصفحة 415.

[3] الدكتورة ميساء أحمد أبوشنب والأستاذ المساعد الدكتور فرات كاظم العتيبي، مشكلات التواصل اللغوي، الطبعة الأولى، مركز الكتاب الأكاديمي، 2015، الصفحة 61.

[4] الدكتور يوسف محمد رضا، معجم العربية الكلاسيكية والمعاصرة، الطبعة الأولى، مكتبة لبنان ناشرون، 2006، الصفحة 1329.

[5] عبد اللطيف الفاربي وآخرون، معجم علوم التربية مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك، 1994، الصفحة 44.

[6] منهاج السنة التحضيرية، ص6.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة