التنويريتربية وتعليمسلايدر

التربية الجديدة

مراحل التربية

إنَّ السياق التاريخي الذي جاءت فيه التربية الجديدة يتحدَّد في تزامنها مع المدِّ التنويري والإشعاعي الفكري الجديد الذي شهدته وعرفته أوروبا في القرن الثامن والتاسع عشر، وهذا العصر نعت بعصر الأنوار، بحيث حلَّ العلم والمعرفة والعقل محلّ الخرافة والمعتقدات المنحدرة من العهد الإقطاعي البائد، وهذا العهد الإقطاعي تميَّز بالقمع وبغياب المساواة، وبانتشار الظلم الاجتماعي.

وبالفعل انخرطت التربية الجديدة في مسيرة الانتقال لغاية تأسيس العهد الجديد، والفكر الجديد والثقافة الجديدة والمجتمع جديد، القائم على قيم العقلانية وعلى التنوير وعلى قيم التعايش والإيمان بوحدة المشترك الإنساني، وعلى التقدُّم والتحرُّر .

فاتجهت الممارسات التربوية بشكل تكاملي إلى تسريع العمل على التنشئة الإيجابية للمواطن على قيم وأفكار المجتمع الجديد الذي أخذت تعرفه أوروبا في عصر الأنوار[1].

ومن العادة التي ترسَّخت بين المشتغلين بالتربية وتاريخها، وتحوَّلت إلى عرف علمي بينهم هو أن يؤرِّخوا لهذه النقلة العلمية والطفرة الفكرية التي حدثت في قطاع التربية بانتقالها من العهد الكلاسيكي إلى العهد الجديد بكتاب  ج ج روسو “إميل أو “حول التربية “Emile ou sur l’éducation”، هذا الكتاب الذي شكَّل نقلة نوعية في الممارسات التربوية،بحيث انتقلت هذه الممارسات من الخطاب النظري  الفلسفي إلى الخطاب العلمي التطبيقي الإجرائي،أي التوجه نحو خدمة  المتعلّم ببيان الكيفية والطريقة التي بها يتعلم هذا المتعلم  ويكتسب بها تعلماته بصفة عامة.

وقد اختارت التربية الجديدة أن ترفع  هذا الشعار القائل  “بضرورة الانتقال مما يقوله المعلم إلى ما يقوم به المتعلم أي الانتقال من محتوى التعلم إلى كيفية التعلم ”.[2]

فالتربية في الحقبة الكلاسيكية  انصب اهتمامها وتوجهت عنايتها إلى ما له صلة ومهمة بتكوين النبلاء و الخاصة و الأمراء ورجال الدين والعلماء والقضاة والأطباء بصفة عامة،لكن في عصر الأنوار عمل علماء  التربية على نقد الطابع النخبوي للتربية والتعليم  بالتوجه نحو تعميم التربية والتمدرس على جميع فئات المجتمع بما في ذلك الفقراء والمهمشين، والعمل على توسيع  فضاءات التعليم والتدريس، كل هذا حتى  تتمتع جميع فئات المجتمع بالتعليم بدون استثناء..[3].

إن عصر الأنوار الذي مرَّت منه ارووبا يحتل مكانا خاصا في التاريخ البشري برمته، إذ اهتم مفكروه بقطاع التربية وبالتعليم، منطلقهم في هذا الاختياران إصلاح العالم وتغييره من مقدماته ومداخله تغيير الذهنيات  وتبديل العقليات والمؤسسات عن طريق التربية والتعليم.

وبفضل هذا العمل الذي قامت به التربية في تكوين الإنسان، تغيرت كثير من الأفكار والقيم، مما أهل التربية بان  تنتقل من العهد الكلاسيكي إلى عهد أخر، وهو العهد الجديد.

و كان من  اختيار   التربية الجديدة هو أن تكون  بحوثها متجهة نحو مقاربة القضايا العملية الإجرائية على حساب الاشتغال بما هو نظري فلسفي،  وكان هذا بفضل  التطور الكبير الحاصل في بنية  العلوم في انتقالها  وعبورها من مجال نظري صرف إلى مجال تطبيقي إجرائي خادم للإنسان في حياته العامة والخاصة، وهو العمل التي حاولت إظهاره كثير من المشاريع والدراسات  والبحوث التي اشتغلت على تطور العلوم وعلى النقلة التي تحققت فيها بالانتقال مما هو نظري في العلوم  إلى ما هو تطبيقي إجرائي[4].

من العلوم التي ساهمت في هذا الانتقال علم النفس بفضل ما قدَّمه لعلم التربية من خدمات، فعلم النفس  مثلا قدم خدمات كبيرة إلى علوم التربية لأن هذا العلم  يعين  المدرس  ويقدِّم له المعلومات والإمكانيات والمهارات الكافية التي تساعده على معرفة نفسية وشخصية وميولات وحاجيات ودوافع المتعلم، وهو ما يجعله علما مساعدا في خدمة   في بناء التعلمات …[5].

 

التربية الجديدة والمنعطف العلمي

بل إن  اكبر منعطف  عرفته التربية  كان في الفترة الحديثة، إذ تطورت الممارسات التربية في الفترة الحديثة والمعاصرة بشكل كبير، واستفادت من الثورة المعرفية والعلمية التي عرفتها العلوم الإنسانية، وهي الثورة التي تحقَّقت  في مختلف فروعها ومسالكها وأنساقها، وبفضل هذا التطور والتحول الكبير،تغيرت الملامح والخصائص للتربية من حيث  المهام والأدوار والوظائف،مما جعل التربية وعلومها تشتغل بما هو إجرائي اثر من اشتغالها بما هو نظري….[6].

تركيب

هذا الانتقال والتحول في حقيقة التربية وفي مهامها وأدوار ووظائفها  يعني للمتابع أنَّ  أكبر تحول طرأ على التربية في الفترة المعاصرة، هو خروجها من العهد الكلاسيكي وانتقالها إلى العهد الجديد واهتمامها بالتعلم  والتعليم بشكلٍ أساسي،أكثر من اهتمامها بما هو فلسفي.

__________

[1] -الفلسفة والمؤسسة التربوية لمصطفى محسن:.مجلة فكر ونقد العدد:13 السنة:1988.ص: 63

[2] – الذكاءات المتعددة: التأسيس العلمي للدكتور عبد الواحد الفقيهي:.منشورات مجلة علوم التربية ص: 23

[3] -Histoire de leducation:-RgalM78::

[4] – بنية الثورات العلمية لتوماس كوهن ترجمة علي نعمة 12:دار الحداثة بيروت الطبعة-1ط-1-السنة1986.

[5] -التكوين السيكلوجي  للمدرسين لمحمد مومن مجلة دفاتر التربية والتكوين العدد:8-9.السنة:2013.

[6] -للوقوف على أهم المعاجم المخصصة المفاهيم والمصطلحات التربوية يراجع بحثنا : المعاجم التربية المنشور في موقع الأستاذ
_________
* محمد بنعمر.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة