تقديم
يطلق البحث التربوي على البحث الذي يشتغل على الظواهر والقضايا التربويَّة في عناصرها ومكوّناتها المتعدِّدة والمتنوعة من الجهة الإجرائيَّة العمليَّة، فهو في أصله بحث إجرائي عملي، وليس بحثًا نظريًّا،فهذه الخاصيَّة هي أهم ما يميِّز هذا النوع من البحوث.
والجهة التي يشتغل عليها هذا البحث تكون منتمية إلى مجال التربية أو مجال البيداغوجيا أو مجال الديداكتيك .
وهذا النوع من البحوث لصيق بقيمة العلوم التربويَّة والإنسانيَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة في فهم المجتمع وفي معرفة الإنسان وفي دراسة شخصيّته بأبعادها المتعدِّدة وبمستوياتها المختلفة،ليتمّ الاستجابة لحاجيّاته وتلبيَة لمتطلّباته، وحلٍّ لمشاكله والتخفيف من حدَّة الإكراهات التي يعيشها في مجتمعه.
سياق نشأة البحث التربوي
لقد نشأ هذا النوع من البحوث في سياق التحوّلات العميقة والكبيرة التي شهدتها علوم التربية في الآونة الأخيرة، فالتطوّر الذي حدث في علوم التربية شكَّل عهدًا وفتحًا جديدًا ومنجزًا كبيرًا في ميدان الدراسات والبحوث التي تحقَّقت في الدراسات الإنسانيَّة، إذ اتَّجه هذا العلم إلى خدمة مهن التدريس وقطاع التربية والتعليم في جميع جهاته وقطاعاته ومؤسّساته.
ما يعني أنَّ هذا النوع من البحوث جاء مسايرًا في الاشتغال على ما هو تطبيقي وإجرائي في القضايا والإشكالات التي تتَّصل بالممارسات التربويَّة في المؤسَّسات والفضاءات التعليميَّة، وبالأخص في المدرسة، وفي الفصل الدراسي على حساب الاشتغال والاعتناء والاهتمام بما هو نظري أو فلسفي،لا يخدم العمليَّة التعليميَّة في أيَّة جهة من جهاتها.
ما يدلّ أنَّ هذا النوع من البحوث جاء بفضل ما شهده العالم من تحوّلات عميقة في الاقتصاد وفي التكنولوجيا وفي القيم والثقافة، وفي أشكال التواصل، وقد أفرزت هذه التحوّلات عددًا من المشاكل مسَّت القيم وفضاءات المجتمع ،ممَّا أدَّى إلى التوجه والعنايَة بهذا الشكل من البحوث،وجاء هذا الاهتمام نتيجة الاقتناع بجدوى المعرفة العلميَّة والتربويَّة الإجرائيَّة في مجال الدراسات التربويَّة والإنسانيَّة،ومساهمة نتائج هذه المعرفة في حلِّ المشاكل التربويَّة والبيداغوجيَّة التي تعرفها المنظومة التعليميَّة في جهتها الإجرائيَّة.
ما يعني أنَّ هذا النوع من البحوث جاء في سياق خاص، وهو ما تعرف المنظومة التعليميَّة في الآونة الأخيرة من تحوّلات سريعة، ومن تطوّرات عميقة مسَّت هذه التحوّلات المجتمع والمؤسَّسات والفضاءات التعليميَّة، والبرامج التعليميَّة والمناهج الدراسيَّة، وقد ترجمت هذه التحوّلات بظهور هذا النوع من البحوث لتجيب على المشاكل والإكراهات البيداغوجيَّة والتربويَّة والقيميَّة التي أحدثنها نظم التربية والتعليم في الآونة الأخيرة بسبب التحولات المجتمعيَّة،ما جعل هذه البحوث تسعى إلى تقديم مجموعة من الحلول الآنيَّة التي تساعد على تحقيق أهداف المنظومة التربويَّة وتخفِّف من مشاكلها اليوميَّة.
ومن العادة في هذه البحوث الإجرائيَّة أن يكون المتدخّل فيها هو المباشر والفاعل والممارس للعمليَّة التعليميَّة والتربويَّة في الفصل الدراسي في إحدى مستوياته .
أمَّا إن لم يكن ممارسًا ومتدخّلا مباشرًا في العمليَّة التعليميَّة، وليس من أحد أطرافها، فإن ما يشتغل عليه تنتفي منه الوصف الإجرائي والتدخلي.
فمثلا البحوث التربويَّة والبيداغوجيَّة التي تنجز في شعب الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس هي بحوث تربويَّة لكن لا تنعت بالبحوث التدخليَّة .
مثلا هذا البحث: المنجز اللغوي للمتعلِّم المغربي هو عمل جماعي مشترك لفريق من طلبة الماستر ، وهو من إصدار كليَّة اللغة العربيَّة بمراكش المغرب:2011.
فهو بحث تربوي وليس ببحث تدخّلي لأن الجهة التي قامت به هم فريق من طلبة الماستر ديداكتيك اللغة العربيَّة.
اختاروا الانطلاق من هذه الإشكاليَّة“…..إننا أصبحنا نعايش متعلمًّا بدون لغة،لا يجيد هذا المتعلِّم لا الكتابة ولا القراءة، ولا يقدر على التواصل الشفهي، وغير مؤهَّل لممارسة الأنشطة الكتابيَّة المتعلِّقة بإنتاج النصوص….”.
________
*محمد بنعمر.