منذ أمدٍ غير قصير لم تحظ المكتبات العربيَّة بإطلالةٍ لعملٍ تراثي أكاديمي يجمع بين دفّتيه نحو ما يتجاوز ثمانية آلاف مادّة اشتملت على مسحٍ كامل لكل ما تزخر به الأديان السماويَّة الثلاث وديانات الشرق الأقصى وديانات العالم القديم من (بلاد فارس إلى بلاد ما بين النهرين والتيوتون-الألكان والدنماركيّون والإنكليز- وقبائل المايا والأزتيك) وما عرف في أستراليا وآسيا وأفريقيا، ذلك فضلًا عن التناول المفصّل للممارسات والطقوس النوعيّة التي تفرضها تلك الديانات، إنّها موسوعة “أديان ومعتقدات شعوب العالم” التي أصدرتها مطبوعات دار الكلمة في القاهرة وقامت بتحريرها نخبة هائلة من الأكاديميّين والمتخصّصين في العلوم الدينيَّة وفلسفات الأديان وتاريخها، ومنحت الموسوعة اهتمامًا مكثّفًا لأكبر الدينات مثل: الهندوسيَّة والبوذيَّة والمسيحيَّة واليهوديَّة والإسلام.
تدفع قضيَّة إثارة الأديان ومقارنتها نحو تساؤلات تبدو من بداهات الفكر، لذا يكون طرحها مجدّدًا جديرًا بالتأمّل والعبور إلى فضاءات لغة خاصَّة تمثِّل القاسم المشترك نحو الخروج من بوتقة الصراعات العقائديَّة والطائفيَّة أو حتى تحجيمها، إضافة إلى كونها محاولة لتلاقي العقائد لتصبح هي العاصم من طوفان الفتن التي تجتاح العالم، باعتبار أنّ أكثر المشكلات السياسيَّة التي تكتنف أرجاء العالم وتطوّقه هي ذات مغزى ديني، فلو كانت هناك حواريَّة دينيَّة تعتمد قيم العدل والمساواة والتسامح والتآلف بين بني البشر لاختفت معاني الصراع والتنافر والتنابذ والفرقة والتعصّب والعنصريَّة، عملًا بتلك المقولة التي أفرزتها التجربة التاريخيَّة للمسيرة الإنسانيَّة من أنّ الصراعات الدينيّة قد هدمت من الكرة الأرضيَّة أضعاف ما فعلته الحروب والزلازل.