التنويريسلايدرمكتبة التنويري

تجديد الفكر الديني دعوة لاستخدام العقل

يعد كتاب «تجديد الفكر الديني» لمؤلفه أحمد البغدادي محاولة جادة وعميقة للبحث في سبيل تجديد حياتنا كمسلمين في عصر يعاني من تسلط رجال الدين على كل مداخل ومخارج الحياة من جهة، ومن غياب كل أشكال التفكير العقلي والواقعي لصالح التفكير الماضوي والعدمي والتسليمي من جهة أخرى.

يطرح المؤلف السؤال حول إمكانية تجديد الفكر الديني في عالمنا المعاصر، بقدر عال من التفكير والمسؤولية. وعنده الإجابة تأتي على مستويين: الأول نظري يشير إلى إمكانية التجديد، إذا ليس هناك أي إمكانية لحياة حقيقية بدون التجديد، والثاني واقعي اجتماعي يشير إلى صعوبة تحقيق التجديد، نظراً للمقاومة الشرسة التي يقودها رجال الدين ورجال السياسة في وجه أي محاولة لتجديد الدين وعقلنته. يؤكد أحمد البغدادي أن المشروع الديني المعاصر يبني أيديولوجيته من خلال مجموعة المصطلحات الخاوية من أي معنى والمتناقضة في مضمونها. ومن هذه المصطلحات مصطلح «الجهاد» الذي يشير إلى ضرورة ممارسة «العنف» في وجه الآخر، لأن الجهاد لا يتجسد إلا من خلال القتال والصراع. كما أن إدارة المجتمعات لا تكون من خلال القتال والعنف، لأن ذلك الجهاد المستمر يعني التخلي عن «الحياة المدنية» وتجييش مقدرات الشعوب وحياة البشر من أجل المعارك التي قد لا تنتهي.

إذا كانت العودة إلى التراث ليست أكثر من عودة إلى تناقضات وأحلام وخرافات، وإذا كانت الدعوة إلى «العلمانية» أمر لا يقبله المجتمع، فما العمل؟. هنا يقدم المؤلف مشروعة الطموح، إنه بتجديد الدين من خلال استخدام العقل. فالامتزاج بين الدين والعقل، يجعل الدين أكثر إنسانية وأكثر واقعية، يجعل الدين يتبنى مقولات الحرية والمساواة والتسامح، كما أن ذلك من شأنه أن يفسح المجال لكي يتفرغ الدين للجانب الروحي والأخلاقي ويبتعد عن الجانب السياسي وبناء الدولة.

إن استخدام العقل يبين لنا بكل هدوء، أن مصطلح «الدولة» ليس موجودا في لغتنا العربية ولا في قاموسنا السياسي، بل ارتبط بالقبيلة لأننا كنا نقول «دولة بني أمية» أو «دولة بني العباس». وهذا يعني في النهاية أن تجربة العرب في الحكم والسياسة وتقاسم السلطات، أمر لم يكن متوفراً. فاستخدام العقل يعني دخول الدين إلى معترك الحياة وجعله أكثر استجابة لمتطلبات العصر دون تشنج واستكبار.

مقالات ذات صلة

يعول البغدادي تعويلاً كبيراً، على دور المثقف في النهوض بالمجتمع وتخليصه من كل مظاهر التخلف والاستقواء الإيديولوجي الديني. ولذلك نجده يطلب من المثقف أن يكون جدياً وثورياً متسلحاً بالمعرفة والوعي السياسي والديني. فالثورية بحد ذاتها غير مطلوبة، غير أن حجم التحديات هو الذي يدفع المثقف للجوء إليها. فما هو معنى وجود المثقف إذا لم يقف في جانب الفقراء والمظلومين، وإذا لم يقف في وجه الطغيان السياسي ويكشف الخرافات والأوهام المعشعشة في عمائم رجال الدين.

على المثقف أن يكون «روبن هود» ليواجه السلطة وأباطرة التخلف والهيمنة. والمؤلف مدرك تماماً لصعوبة المهمة ولكنه مدرك بنفس الوقت لأهميتها وضرورتها، إذ لا تجديد ولا حرية ولا مستقبل بدون المثقف المهموم بهموم مجتمعه والباحث عن خلاصه، والخلاص لا يكون بدون الحد من سلطة رجال الدين، الفئة الأكثر تخلفاً وتحكماً بالمجتمع، ومواجهة سلطة السياسيين الفئة الأكثر تسلطاً وهمجية.

الكتاب: تجديد الفكر الديني دعوة لاستخدام العقل

تأليف: أحمد البغدادي

الناشر: مؤسسة الانتشار العربي بيروت 2008

الصفحات: 452 صفحة

القطع: الكبير

 


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة