التأويل الأيديولوجي؛التأويل الديني في خدمة المذاهب العقائديَّة
لطالما كانت الممارسة أسبق زمنيا من التنظير، فإن ممارسة الإنسان للتأويل سبقت تنظيراته له، حيث دأب على اقتفاء أثر المعاني وربطها بما يجول في خواطره وتنسيقها مع منطقه، طمعا في تحقيق الرضا المعرفي، وحتى مع تطور الكتابة وبداية التنظير والتقعيد لقواعد وشروط الفهم، ومع نضج المناهج و تملّك آليات التفسير، لم يتخلَّص الإنسان من نزعته الانطباعيَّة وموقفه التأثيري الذي يخيم على مراحل فهمه وتأويله للعبارات والجمل. وقد نجد ضالتنا لفهم هذا النوع من التأويل الذي يخدم فكرا معينا رغم تبنيه لمناهج وأصول موضوعيَّة، عند العرب الذين مارسوا التأويل الديني (كما الغرب) وأبدعوا في استنباط معاني القرآن وإرواء عطش عقولهم، إلا أن التأويل العربي أبى التطور والانفتاح على باقي أنواع النصوص، وظل العرب يتمتعون بمواقف فلاسفتهم من النزاع والجدل تارة والتفلسف تارة أخرى، حول قضايا الدين الكبرى، حتى وصلهم في أواخر القرن 19 أعمال دلتاي وأتباعه من المدرسة الألمانيَّة، ثم نزعة ما بعد الحداثة مع المدرسة الفرنسيَّة (التفكيكيَّة مع جاك دريدا).
احتضنت الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، التأويل والتفسير الدينيين بطرق مختلفة، فقد واجه المفكِّرون المسلمون التأويل في مقارنته ومعادلته مع التفسير، حيث ساوى البعض بينهما وجعل لهما نفس مكانة التمييز والتأثير في الفلسفة العربيَّة، كأبي البقاء الكفوي في كتابه الكليات قائلا: ” والتفسير والتأويل واحد؛ وهو كشف المراد عن المشكل”. والعلة في تآلفهما رغم اختلاف اللفظ وأصله ( التفسير من فسّر والتأويل من الأول أي الرجوع)، هي، الغاية والوسيلة، فكلاهما يقصدان النص القرآني ويتَّخذان من اللغة والوقائع التاريخيَّة آليات ووسائل، بغية التوصل إلى معانيه المضمرة.
يرى مخالفو هذا الطرح أن الاختلاف في المبنى اختلاف في المعنى أيضا، وأن أصل الكلمتين المتفرق، جعلهما مختلفين مقاما وقصديَّة؛ فنجد الأصفهاني في كتابه ” المفردات في غريب القرآن” يجعل التفسير أعم من التأويل، ذلك أن الأول يخص الألفاظ ومفرداتها، بينما الأخير يتولى الجمل والعبارات. بالتالي فإن التأويل أرفع مقاما من التفسير، لأن لفظ التأويل مرتبط بالدراية والمعرفة والمؤول بالضرورة عارف وعالم، بينما التفسير يرتبط بالعامَّة وأقل مقاما من التأويل حيث إنَّ المفسر شارح لا عارف. فلو فسرنا قوله تعالى : { يخرج الحيّ من الميّتِ} لقلنا إخراج الطير من البيضة، ولو أولنا نفس الآية لوجدنا فيها اختلافا كبيرا، كمن يقول بإخراج المؤمن من الكافر أو إخراج العالم من الجاهل….
فالتأويل إذن لا يستهدف إعادة المعنى المتعارف عليه، بل يقتضي خلق معاني جديدة غير مألوفة تدل على تعالي صاحبها الفكري وعمق تحليله وتدبره للنص القرآني فضلا عن إبداعه وخياله. ولهذا السبب تضاربت الآراء والمواقف حول مشروعيَّة وصلاحيَّة تأويل النص الديني، وقد ذهب أتباع أحمد بن حنبل، على رأسهم ابن تيميَّة، إلى تكفير المؤولين وتلقيبهم بتجار الملل والنحل، معتبرا أن تأويلاتهم ( المتكلمون والمتصوفة) تجاريَّة تضل الناس عن طريق الله، ذلك أن الظاهريَّة والحنبليَّة يرفضان كل ما خرج عن حرفيَّة النص الديني تحت مسميات التأويل والتفسير فيقول أحمد بن حنبل: “ثلاث كتب لا أصل لها: المغازي والملاحم والتفسير) …. أما فيلسوف الفصل ابن رشد فقد اتخذ بدوره موقفا حاسما من التأويل عبر عنه في مجموعة من كتبه ( الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد أهل الملة/ فصل المقال/ تهافت التهافت) حيث يرى أن التأويل صيغة عالمة وعارفة لا تليق إلا بأهل الفلسفة والبرهان وأصحاب المنطق وما دون ذلك فهو جدل يعيق الطريق العقائدي الصحيح للجمهور أو للعامة، ويقصد في هذا الصدد تأويلات الفرق الكلاميَّة ونزاعاتهم حول المسائل العقائديَّة .
وفي مواضع كثيرة في القرآن نجد أن التأويل مرتبط بالشخصيَّة العارفة والتي تفوق بعلمها باقي الأنام، فقد اختص الله لنفسه هذه الصفة في قوله تعالى: { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} سورة آل عمران. هذا وقد انتقى الله من المفردات المصاحبة في الآية ما يليق بمقام التأويل ( الراسخون في العلم وأولو الألباب). ثم اختصَّ بها الخضر في قوله تعالى:{ ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} سورة الكهف.
بالتالي فالتأويل معرفة ينتجها و يبدع فيها المؤول منسلخا عن المعاني والمعارف المتعارف عليها، فترفع به إلى مقام الإدراك والمعرفة ( ما وراء التفسير). يقول فيلسوف قرطبة ابن رشد في هذا السياق ضمن كتاب ” فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال”: (…أن ههنا تأويلات لا يجب أن يفصح بها إلا لمن هو من أهل التأويل. وهم الراسخون في العلم: لأن الاختيار عندنا هو الوقوف على قوله تعالى{ والراسخون في العلم}، لأنه إذا لم يكن أهل العلم يعملون التأويل، لم يكن عندهم مزيَّة تصديق توجب لهم من الإيمان به ما لا يوجد عند غير أهل العلم، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم المؤمنون به، وهذا إنما يحمل على الإيمان من قبل البرهان، وهذا لا يكون إلا مع العلم بالتأويل،…-إلى قوله- فإن كان هذا الإيمان الذي وصف الله به العلماء خاصاً بهم، فيجب أن يكون بالبرهان, وان كان بالبرهان فلا يكون إلا مع العلم بالتأويل).
لا يقتصر اختلاف التأويل عن التفسير في اللغة والمقام وطبيعة خلق المعاني، بل يسلك الأول طريقا وعرا عن الثاني، حيث القصديَّة والنيَّة تخيمان على منهجيَّة إنتاج المعاني، إذ يعمد المؤول إلى تأويل المعاني بصورة تناسب نيته وتوجهه وقصديته، بغية خدمة طائفة معينة أو ارتياءً لتصور فكري أرضى منطقه.
يقول د. عبد القادر بوعرفة في هذا الصدد: (يُعتبر التفسير محاولة شرح القرآن بما هو موجود من معطيات تاريخيَّة ولغويَّة، واجتهادات سابقة، ولذلك نلاحظ أن المفسّر تتضاءل نسبة حضور الإيديولوجيَّة في طرحه، بينما التأويل في أغلب الأحيان يرتبط بالإيديولوجيَّة ارتباطا وثيقا وتاريخيا. لقد أصبح الفكر المؤدلج يكسر القواعد المتعارف عليها بالتأويل).
ما هو التأويل الأيديولوجي؟
عرّف محمد الحنفي الأيديولوجيَّة باعتبارها، التعبير بواسطة الأفكار عن المصالح الطبقيَّة، وتعتبر ضرورة طبقيَّة، لإيجاد التنظيم الضروري، لقيادة حركة طبقيَّة معينة، من أجل تحقيق مصالحها الاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والثقافيَّة، والسياسيَّة، وحمايَّة تلك المصالح، والعمل على الوصول إلى مراكز القرار، لجعل جميع أفراد المجتمع في خدمة تلك المصالح، المؤيدة لسيادة طبقة معينة، على باقي الطبقات التي يتم التحكم فيها أيديولوجيا، وسياسيا، وعن طريق أجهزة الدولة القمعيَّة، التي تعتمد مجموعة من القوانين، التي تكرس سيادة الطبقة الحاكمة.
ونقصد بالتأويل الأيديولوجي، هاهنا مجموعة متراكمة من التأويلات للنصوص الدینیة، في مختلف الأمكنة، والأزمنة، انطلاقا من مصلحة طبقیة معینة، عن وعي، أو عن غیر وعي، لخدمة مصلحة تلك المصلحة، وسعیا إلى حمایتها في مكان وزمان ما. وهو الذي عبر عنه محمد الحنفي بالتراث المؤدلج للدين.
ولعل المتكلمين والمتصوفة، أكثر من مارس هذا التأويل الأيديولوجي استدلالا على فكره، واستمدَّ مشروعيَّة أصوله وقواعده من تأويلاته الأيديولوجيَّة للدين، ولن نستطرد في ذكر أنواع التأويل وموقف أهل السنة والجماعة منه ومن المتكلمين والمتصوفة على حد سواء، بقدر ما سنطرح بعض نماذج تأويل الفرق الكلاميَّة للآيات القرآنيَّة مبرهنين على صلاحيَّة فكرهم وصدق إيمانهم ومنه ما يخدم طرحنا هذا ( التأويل الديني في خدمة المذاهب العقائديَّة).
إضاءة حول علم الكلام:
بدأ علم الكلام متناثرا قبل أن يتم تقعيده وبيان منهجه ( كما أشرنا في بداية المقال). وقد شكّل مهد التفكر والنظر، أو لنقل الفلسفة الإسلاميَّة (إذ هناك من يسمي المتكلمين بفلاسفة العرب..) حيث اتخذ من العقيدة الإسلاميَّة وقضاياها الكبرى ( نعني هنا حقيقة الله وصفاته ومنزلة مرتكب الكبيرة وشروط الإمامة ..) ورغم اختلاف الفرق الكلاميَّة فيما بينهم، وترجيح فرقة في مقابل زندقة وتكفير أخرى…. إلا أن المتكلمين بتعدد مذاهبهم وأصولها، قدرهم الله وبعده سياسيو وملوك وخلفاء العصرين الأموي والعباسي على نصرة آرائهم واثبات عقائدهم الدينيَّة، وذلك عن طريق الكلام والجدل والبحث والاستدلال مما ساهم في تحريك عجلة علوم أخرى مجاورة (البلاغة، النحو، الفلسفة، المنطق…). نشأ علم الكلام في القرن 2ه كمظهر من مظاهر خلاف وأزمات الصحابة التي انتهت بتولي معاوية بن أبي سفيان الحكم، هذا من جهة ومن جهة أخرى، ردًّا على باقي الملل والنحل حول وحدانيَّة الله وعقابه وجزائه..، وعليه فقد حصر الشهرستاني (ضمن كتابه الملل والنحل) هذه الخلافات بين المذاهب في أربع قضايا/ قواعد كبرى وهي:
-الصفات والتوحيد فيها: وتشمل على مسائل: الصفات الأزليَّة، إثباتا عند جماعة، ونفيا عند جماعة. وبيان صفات الذات، وصفات الفعل، وما يجب الله تعالى، وما يجوز عليه، وما يستحيل. وفيها الخلاف بين الأشعريَّة، والكرّاميَّة، والمجسمة والمعتزلة.
-القدر والعدل فيه: وتشمل على مسائل: القضاء،والقدر، والجبر والكسب، وإرادة الخير والشر، والمقدور، والمعلوم؛ إثباتا عند جماعة، ونفيا عند جماعة. وفيها الخلاف بين: القدريَّة، والنجاريَّة، والجبريَّة، والأشعريَّة والكرّاميَّة.
-الوعد والوعيد والأسماء والأحكام: وتشمل على مسائل: الإيمان، والتوبة، والوعيد، والإرجاء، والتكفير، والتضليل؛ إثباتا على وجه عند جماعة ونفيا عند جماعة. وفيها خلاف بيم المرجئة، والوعيديَّة، المعتزلة والأشعريَّة، والكراميَّة.
-السمع والعقل والرسالة، والإمامة. وتشمل على مسائل: التحسين، والتقبيح، والصلاح والأصلح، واللطف، والعصمة في النبوة… والخلاف فيها بين الشيعة، والخوارج والمعتزلة والكراميَّة و الأشعريَّة.
تمخَّض عن هذا الفن زمرة من الفرق الكلاميَّة سلط تاريخنا الضوء على كثير من أعلامها، تميزت كل فرقة بأصول وأفكار تؤثث مذهبها واختلفت كل فرقة عن أخرى، كان الجامع بينهم الدين أولا و سبل تأويله لصالح مذهبهم ثانيا. فكيف استمدت كل فرقة مشروعيَّة و صلاحيَّة موقفها من القضايا أعلاه ؟ وكيف أوَّلت آياته تعالى تأويلا يخدم فكرها ويوحي بأنه الأصح و الأنفع للجمهور؟ هذا ما سنتناوله بإيجاز في الفقرة القادمة.
بعض مظاهر التأويل الأديولوجي:
تعدَّدت وتفرَّعت الفرق الكلاميَّة وتشعبت من كل فرقة أصناف حتى بلغ عددها 73 فرقة، وكثر اللغط عن أيَّة فرقة ناجيَّة منهن – والتي سماها رسولنا صلى الله عليه وسلم بأهل السنة والجماعة- . لا يسعنا في هذا المقال ذكر كل الفرق واختلافاتها كما لا يسعنا الإسهاب في ذكر كل مظاهر التأويل الأديولوجي، وعليه فإننا سنكتفي بأكثر الفرق شيوعا وممارسة للتأويل وهم على التوالي ( الشيعة، المعتزلة، الأشاعرة).
*الشيعة:
يطلق لفظ الشيعة في عرف الفقهاء والمتكلمين على أتباع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وترجع نشأة التشيع كما سردها الدكتور علي عبد الفتاح المغربي، إلى ظهور أول خلاف بين المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ ظهر اتجاه يقول بأحقيَّة الخلافة لبني هاشم، لأنهم أقرب القرشيين للرسول، وتزعمه علي بن أبي طالب، ووافقه بعض أقرباء الرسول، لكن هذا الخلاف حول الإمامة، لم يدم طويلا، إذ حسمه أبو بكر بذكره حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: { الأئمة من قريش} وتمت له البيعة…، بدأ تشييع علي من هذه النقطة ولكن الشيعة كمذهب كلامي شرع في التطور والتفرع من قضيَّة الإمامة وصلاحيتها في غير القرشيين، واتخذ من آليَّة التأويل قالبا للخلاف بغية الوقوف في وجه السلطة قائلا أن : الإمامة ليست قضيَّة مصلحيَّة تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضيَّة أصوليَّة، وهي ركن من أركان الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة.
يقول الله تعالى في الآية 26 من سورة الحديد: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} وواضح من الآية أن المقصود هم الكتب الأربعة: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، لأنها في ذريَّة إبراهيم ونوح عليهما السلام، فمن ذريتهما مهتد إلى الحق وكثير من ذريتهما خارج عن طاعة الله تعالى. إلا أن الشيعة اتخذت من قول الله تعالى { وجعلنا من ذريتهما النبوة والكتاب} انتقالا لروحانيَّة النبوة من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمه علي بالتالي كان لزاما على هذا الأخير أن يكون أول الخلفاء بعد وفاة الرسول تحقيقا للسلطة الزمانيَّة والروحانيَّة، بيد أن كثيرا من الفرق عارضت قول الشيعة هذا واعتبرت السلطة بعد الرسول زمانيَّة فقط لا روحانيَّة، أي تتم بالبيعة والشورى والاختيار، وهم الخوارج والمعتزلة وأهل السنة والجماعة.
اختلف الشيعيون باختلاف أحقيَّة الإمامة، إلا أنهم أجمعوا بوجوب التعيين والتنصيص وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوبا عن الكبائر والصغائر والقول بالتولي والتبري قولا، وفعلا وعقدا لا في حالة التقيَّة. وهم خمس فرق ( الكيسانيَّة نسبة إلى كيسان و من أقوالهم أن الدين طاعة الرجل أي أن أركان الإسلام واجبة للرجال، الزيديَّة نسبة إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأتباعه، من أقوالهم أحقيَّة الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها من الشجعان دونما غيرهم، الإماميَّة نسبة إلى حصر الإمامة عندهم في علي بن أبي طالب نصا ظاهرا، وتعيينا صادقا، من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين، غلاة الشيعة وهم اسم على مسمى ذلك لغلوهم في أحقيَّة الإمامة لعلي بل جعلوا منه نبيا أخطأ جبريل في إنزال الوحي عليه ونزل سهوا على الرسول محمد، وقد اختلط عليهم الحابل بالنابل فشبهوا الخلق بالخالق ومن أقوالهم رجعة الأنبياء والأئمة إلى الدنيا بعد إقامة دولة المهدي المنتظر، والإسماعيليَّة أو الباطنيَّة وتميزوا بإثبات الإمامة عن الإسماعيل بن جعفر ) وتمخضت عن كل فرقة منهم أتباع..
أما في قول الله تعالى ضمن الآية 55 من سورة المائدة: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} فقد أجمعت الشيعة على أن المقصود بعد ولاية الله والرسول، علي بن أبي طالب، أي أن الأحقيَّة – بأداة الحصر إنما- في الولاية والطاعة هي لله تعالى ورسوله و الذي آتى الزكاة وهو راكع –علي بن أبي طالب- ذلك تبعا لرواية أخذها الزمخشري- وهو معتزلي- عن الطبراني والثعلبي في تفسيره الكشاف، يقول الزمخشري: ( {وهم راكعون} الواو فيه للحال، أي: يعملون ذلك في حال الركوع وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله إذا صلوا وإذا زكوا. وقيل : هو حال من يؤتون الزكاة بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة، وإنها نزلت في عليّ كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه، كأنه كان مرجا في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته. فان قلتَ : كيف صح أن يكون لعليّ رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة ! قلتُ: جيء به على لفظ الجمع، وان كان السبب فيه رجلا واحدا ليرغب الناس في مثل فعله، فينالوا مثل ثوابه، ولينبه على أن سجيَّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان، وتفقد الفقراء، حتى إن لزهم الأمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منها).
لكل هاته الأسباب، سميت الآية 55 من سورة المائدة بآية “الولاية” وخلقت جدلا واسعا بين الشيعة وأهل السنة والجماعة حتى أن ابن كثير وابن تيميَّة، همشوا روايات الشيعة واعتبروا الآية شاملة لكافة المؤمنين.
أوّل الشيعة الجزء الأخير للآية 33 من سورة الأحزاب تأويلا يعزز طرحهم العقائدي، فجعلوا من قول الله تعالى: {ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} دليلا عصمتهم من كل قبح وطهرهم من كل رجس، كما أنهم زعموا بنزولها على أصحاب الكساء الخمسة ( محمد صلى الله عليه وسلم، فاطمة رضي الله عنها، علي بن أبي طالب، الحسن والحسين رضي الله عنهما)، استنادا إلى رواية ذكرها الفضل بن الحسن الطبرسي – وهو من علماء الشيعة مذهبه الإماميَّة- في تفسيره “مجمع البيان في تفسير القرآن” فيقول: (وقد اتفقت الأمة بأجمعها على أن المراد بأهل البيت في الآية أهل بيت نبينا (ص)، ثم اختلفوا فقال عكرمة: أراد أزواج النبي لأن أول الآية متوجه إليهن. وقال أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع وعائشة أم سلمى: إن الآية مختصة برسول الله (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (ع)،ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني شهر بن حوشب عن أم سلمة قال: > جاءت فاطمة (ع) إلى النبي (ص) تحمل حريرة فقال لها: ادعي زوجك وابنيك، فجاءت بهم فطعموا، ثم ألقى عليهم كساءً له خيبريا فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، فقلتُ: يا رسول الله وأنا معهم؟ قال: أنت إلى خير<) واستدلت الشيعة- حسب الإمام الطبرسي في نفس تفسيره- على اختصاص الآية بهؤلاء الخمسة (ع) بأن قالوا: إن لفظة إنما محققة لما أثبت بعدها، نافيَّة لما لم يثبت، فان قول القائل إنما لك عندي درهم وإنما في الدار زيد يقتضي أنه ليس عنده سوى درهم وليس في الدار سوى زيد، وإذا تقرر هذا فلا تخلو الإرادة في الآية أن تكون الإرادة المحضة أو الإرادة التي يتبعها التطهير وإذهاب الرجس، ولا يجوز الوجه الأول لأن الله تعالى قد أراد من كل مكلف هذه الإرادة المطلقة فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر الخلق، ولأن هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بغير شك وشبهة ولا مدح في الإرادة المجردة فثبت الوجه الثاني، وفي ثبوته عصمة المعنيين بالآية من جميع القبائح….). وسميت الآية كلها بآية “التطهير” نسبة إلى جزئها الأخير.
لابد وأن القارئ لاحظ في الفقرة أعلاه تسلسل الدلائل ومنطقيتها، إلا أن ما روي من قبل الشيعة، كذبت السنة بعضه وضعّفت بعضه، ونفت بذلك عصمة أصحاب الكساء الخمسة جاعلة من التطهير صفة لأهل الرسول وزوجاته وبناته وأزوج بناته، كما اختلف علماء السنة في مفهوم الرجس و تأرجح عندهم بين ( الشيطان، الشرك، الإثم، الفواحش، المعاصي…).
نلمس جليا عند هذين المظهرين، تأويل علماء الشيعة للقرآن الكريم، تأويلا يخدم انحيازهم بعصمة وإمامة وتطهير علي بن أبي طالب وذريته، وبالتالي فان كل ما استدلوا به من أحاديث نبويَّة و تفسيرات لغويَّة (نحويَّة وبلاغيَّة) ما هو إلا تعبير عن توجههم الفكري وتكريس لمشروعيَّة وصلاحيَّة مذهبهم العقائدي بدرجة أولى.
ونشير بالذكر إلى أن آيَّة الولاية محكمة لا متشابهة، كما أن التأويل عند الطباطبائي – أشهر علماء الشيعة- لا يختص بالآيات المتشابهة بل لجميع القرآن تأويل، فللآيَّة المحكمة تأويلا كما أن للمتشابهة تأويلاً. بالتالي فان الحديث عن المحكم والمتشابه كقضيَّة تحكم تأويل القرآن، نجدها عند المعتزلة وعندهم نحط الرحال في الفقرة القادمة.
المعتزلة :
إن المعتزلة من أشهر الفرق الإسلاميَّة وأكثرها ممارسة للتأويل القرآني، ذلك أنها ترجح العقل عن النقل في سبيل الوصول إلى الحقائق الإيمانيَّة العقائديَّة، حتى أن أبا الحسين الملطي الشافعي – وهو من أكبر خصومهم- يصفهم في كتابه ” التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع” قائلا: (أرباب الكلام وأصحاب الجدل والتمييز والنظر والاستنباط والحجج على من خالفهم وأنواع الكلام، والمفرقون بين علم السمع وعلم العقل، والمنصفون في مناظرة الخصوم).
تعدَّدت الروايات حول نشأة هذه الفرقة ولعل أشهرها ما رواه الشهرستاني حول بدايات المعتزلة والقول بقاعدة “المنزلة بين المنزلتين والسبب فيه أنه دخل واحد على الحسن البصري فقال: يا إمام الدين، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفرون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن الملة ؛ وهم وعيديَّة الخوارج. وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر والكبيرة عندهم لا تضر الإيمان، بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان، ولا يضر مع الإيمان معصيَّة، كما لا ينفع مع الكفر طاعة؛ وهم مرجئة الأمة. فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقادا؟ فتفكر الحسن في ذلك، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا، ولا كافر مطلقا، بل هو في منزلة بين المنزلتين: لا مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنا واصل، فسمي هو وأصحابه المعتزلة .”
اتفق أئمة الاعتزال على خمسة أصول تبني عقيدتهم وتقوم عليها مقولاتهم فأولوا القرآن الكريم كدليل على أحقيتهم وكسبا لمشروعيَّة مقدسة تؤيد عقيدتهم. والأصول الخمسة هي كالآتي:
1.التوحيد: إن التوحيد أصل حافظ عليه المعتزلة وحاربوا لأجله بشراسة في زمن تلاقح فيه المسلمون اجتماعيا وثقافيا مع عقيدة التثليث ” المسيحيَّة” وتعدد الآلهة “المانويَّة”، فكان التوحيد سلاح مناظرة المعتزلة لهم، ويشمل هذا الأصل على ثلاثة مبادئ أولهم التنزيه، وهو تنزيه الله تعالى عن أي صفة أو حالة أو جسم أو رائحة، لكونه سبحان وتعالى ليس كمثله شيء بالتالي فالله لا يتصل بصلة المشابهة مع أي خلق محدث –عكس المجسمة والكراميَّة-، ثانيهم نفي صفات الله تعالى على اعتبار أن صفاته في ذاته – ويقصد هنا الإرادة والحياة والعلم والقدرة-، أي أن الله وحدة قديم خالق للمحدث وكل صفة تشترك مع الله في قدمها فهي باطلة بطلان تعدد الآلهة عند المانويَّة، ومن هذه الصفات (السمع والبصر، الكلام، اليد…) إلا أن قدرة الله وعلمه وإرادته وحياته، صفات عين الذات أي أنها نفسها ذات الله تعالى. ثالث المبادئ هو نفي رؤيَّة الله تعالى ذلك لاختلاف الرؤيَّة عن النظر في قوله تعالى { وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} وسنفصل في كيفيَّة تأويلها عندهم.
2.العدل: وهو عند المعتزلة، ما يقتضيه العقل من الحكمة، وإصدار الحكم على وجه الصواب والمصلحة، أي أن الله عادل في مصالح وأفعال خلقه أو عباده، وتشمل مبدأين أساسيين، أولهما الحسن والقبح؛ ومعنى هذا أن الله لا يفعل إلا الخير ولا يقدر لعباده الشر أو الظلم، فكل فعل خيّر من عند الله وكل فعل شرير من أنفسنا نحن عباده، ذلك أن لله بوصفه “عادلا” لا يظلم ولا يضر أحدا من عباده بل كل أفعاله تصب في مصلحتهم. وثانيهما القدرة الإنسانيَّة وتأرجحها بين التسيير والتخيير من طرف الله أو نظريَّة خلق الأفعال؛ معنى هذا أن العدل ألإلهي يقتضي معاقبة الناس أو جزائهم على أفعالهم التي ارتكبوها هم،لا التي نسبت إليهم مجازا، بيد أن مقدرها الحقيقي الله تعالى، وإلا فلن يكون جزاؤهم وعقابهم تحت مسمى العدل لإلهي، يقول الشهرستاني على لسان واصل بن عطاء: ( إن الباري تعالى حكيم عادل، لا يجوز أن يضاف إليه شر ولا ظلم، ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمر، ويحتم عليهم شيئا ثم يجازيهم عليه. فالعبد هو الفاعل للخير والشر، والإيمان والكفر، والطاعة والمعصيَّة، وهو المجازي على فعله. والرب تعالى أقدره على ذلك كله)، هذا وأن إقرار واصل بهذا المبدأ كان أكثر من إقراره بمبدأ الصفات.
3.الوعد والوعيد: هذا الأصل عن المعتزلة يخص جزاء أو وعد مرتكب الأفعال المحمودة و وعيد أو عقاب مرتكب الذنوب والكبائر، عند الله في الآخرة. ويضم مبدأين، أولهما الاستحقاق؛ وهو أن الله لا يخلف وعده ووعيده، فيجزي عبده بما استحق من عقاب أو جزاء. وثانيهما العوض؛ وهو مبدأ تعويض الله لخلقه عن الآلام والأمراض والكوارث التي حدثت دونما سبب أو فعل منه، بالتالي يكون التعويض عن الآلام تحقيقا لعدالة الله تعالى.
4.المنزلة بين المنزلتين: هو الأصل الذي تمخضت عنه فرقة المعتزلة نتيجة اعتزال واصل، أستاذه البصري كما أشرنا في بداية حديثنا عن هذه الفرقة الكلاميَّة.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أجمعت كل الفرق الكلاميَّة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بالقلب أو اللسان أو سل السيوف. وهو عند المعتزلة ضرب من ضروب الأخلاق، حيث ينتصر الخير على الشر، ويسعى العبد في نصرة الأفعال المحمودة.
كانت هذه الأصول الخمسة التي اتفق عليها المعتزلة، إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم حول الإمامة ومسائل أخرى جزئيَّة وسلكت بذلك كل فرقة مسلكها وسميَّة كل فرقة على مؤسس طريقها، وهم 12 فرقة ( الواصليَّة، الهذيليَّة، النظاميَّة، الخابطيَّة والحدثيَّة، البشريَّة، المعمريَّة، المرداريَّة، الثماميَّة، الهشاميَّة، الجاحظيَّة، الخياطيَّة والكعبيَّة، الجبائيَّة والبهشميَّة).
فصل المعتزلة بين المحكم والمتشابه في القرآن وأولو المتشابه منها – في نظرهم- تأويلا مخالفا لجملة من الفرق الكلاميَّة الأخرى، ذلك أن الفيصل عندهم هو العقل،إذ يقول القاضي عبد الجبار في كتابه “متشابه القرآن الكريم” : ” فإذا كان المحكم والمتشابه واردين في التوحيد والعدل فلا بد من بنائهما على أدلة العقول….فأقوى ما يعلم به الفرق بين المحكم والمتشابه أدلة العقول”.
يقول الله تعالى في سورة القيامة، الآية 23:{ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ذهب أهل السنة والجماعة ومنهم ابن كثير والشيعة ومنهم الإمام الطوسي إلى قول برؤيَّة الله عيانا مثل نظرهم إلى الشمس والقمر كما هو واضح في حرفيَّة الآية، إلا أنهم- المؤمنون- لن يدركوا الله بصرا، نظرا لعظمته سبحانه وتعالى، بيد أن الله يدركهم وهو مبين في قوله تعالى: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}. أما المعتزلة فأولو الآية تأويلا، ينفون به إدراك الله ويعززون مبدأ التنزيه والتوحيد عندهم.
فيؤولها الزمخشري في الكشاف كالتالي: تنظر إلى ربها خاصة لا تنظر إلى غيره. وهذا معنى تقديم المفعول، ألا ترى إلى قوله: إلى ربك يومئذ المستقر، ……واليه ترجعون، عليه توكلت واليه أنيب، كيف دلّ فيها التقديم على معنى الاختصاص. معلوم أنهم ينظرون إلى أشياء لا يحيط بها الحصر ولا تدخل تحت العدد في محشر يجتمع فيه الخلائق كلهم، فإن المؤمنين، ناظرة ذلك اليوم، لأنهم الآمنون الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون فاختصاصه بنظرهم إليه لو كان منظور إليه محال فوجب حمله على معنى يصح معه الاختصاص والذي يصح معه أن يكون من قول الناس: أنا إلى فلان ناظر ما يصنع بي تريد معنى التوقع والرجاء.
أما في قوله تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} الآية الثالثة من سورة الزخرف، ذهب أهل السنة إلى القول بجعل القرآن أي وصفه أو تسميته بالعربيَّة، ومنها إنزاله بلسان عربي، أما المعتزلة والذين لا يشركون في قدم الله شيئا، ويقولون بحدوث القرآن، جعلوا فعل “جعل” مرادفا لفعل “خلق” أي أحدث، كما هو مبين في الكشاف عن حقائق التنويل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري:{جعلناه} بمعنى: صيرناه معدّى إلى مفعولين أو بمعنى: خلقناه معدّى إلى واحد كقوله تعالى: { وجعل الظلمات والنور}و{ قرآنا عربيا} حال، ولعل مستعار لمعنى الإرادة لتلاحظ معناها ومعنى الترجي أي: خلقناه عربيا غير عجمي إرادة أن تعلقه العرب ولئلا يقولوا لولا فصلت آياته.
والعلة في هذا التأويل- حسب عبد القادر بوعرفة- أن المعتزلة لو لم يقولوا بخلق القرآن لهدموا مبدأ من مبادئ الاعتزال القائمة على فكرة أن الله لو كان له كلام فإنه يشترط التسليم بالمكان من جهة، ومن جهة أخرى القول والتسليم بأن كلام الله أولي، وهذا عندهم معناه مشاركة الكلام لله في الخلود، وهذا يستحيل في حق الله. إن الاحتكام الى اللغة وملكة اللسان يفندان الطرح الاعتزالي، إلا أن المعتزلة لم يجدوا المخرجإالا في التأويل الذي سمح باعطاء الآية أوجه عقليَّة ممكنة. هكذا نجد مما لامحال فيه أن التأويل كان عند الفرق الكلاميَّة، خاصة المعنزلة، سلاحا عقليا لتعزيز أصولهم والتشبت بها، و اعطائها مبدأ المشروعيَّة والمقبوليَّة من طرف المسلمين.
أن تشبت المعتزلة بأحد أهم أصول عقيدتهم – التنزيه- جعلهم يؤولون كل حركات الله تعالى – النزول، السمع، البصر، الاستواء- في كتابه العزيز الى صفات معنويَّة – انزال الرحمة من الله و القدرة والارادة والتحكم والرفعة والهيمنة… في المقابل بانت طوائف أخرى تثبت صفات الله حرفيَّة كما ذكرت في القرآن إلا أنها لا تشبه حركاته تعالى بحركات عباده، أي النزول والاستواء واليدين وغيرها من الألفاظ التي وصف الله بها نفسه في كتابه العزيز، ثابتة لثبوت وجودها في النص، إلا أن كيفيَّة وقوعها سؤال من البدع وجب التغاضي عنه وترك أمره لله العليم. إحدى هذه الطوائف، هي موضوع الفقرة التالية .
الأشاعرة:
تعد الأشعريَّة من الفرق الكلاميَّة المشهرة إلى جانب المعتزلة، كما أنها تأسست على يد معتزلي أعلن إن شئنا القول ” ارتداده” من الاعتزال. والحديث هنا عن أبي الحسن الأشعري – يعود نسبه إلى الصحابي أبو موسى الأشعري رضي الله عنه المشهور بواقعة التحكيم- الذي تتلمذ على يد كبار المعتزلين في عصره وهو عبد الوهاب الجبائي الذي تتلمذ بدوره لدى واحد من أصحاب أبو الهذيل العلاف مؤسس ومقرر طريقة المعتزلة وشيخ هذه الطائفة.
يعود السبب في تخلي الأشعري عن مجلس أستاذه و تأييده للكلابيَّة –نسبة إلى عبد الله بن سعيد الكلابي-، حسب رواية الشهرستاني إلى مناظرة أجراها الأشعري وأستاذه في مسائل من مسائل الصلاح والأصلح – يقصد قصة الصبي والكافر- فتخاصما، وانحاز الأشعري الى هذه الطائفة –يقصد الكلابيَّة- فأيد مقالتهم بمناهج كلاميَّة. شهدت لحظة اعلانه الانفصال عن المعتزلة، مسرحيَّة أسطوريَّة مشكوك فيها –كما وصفها الدكتور محمد عابد الجابري- وذلك لكثرة الروايات المختلفة عنها، وأشهرها مارواه ابن النديم في الفرهست أنه : ( كان معزليا ثم تاب من القول بالعدل وخلق القرآن في المسجد الجامع بالبصرة في يوم الجمعة: رقي كرسيا ونادى بأعلى صوته:” أنا فلان بن فلان، كنت أقول بخلق القرآن وأن الله لا يرى بالأبصار وأن أفعال البشر أنا أفعلها. وأنا تائب مقلع، معتقد للرد على المعتزلة”. فخرج بفضائحهم ومعايبهم). اختلفت الروايات وتشعبت كثيرا وكثر التدقيق على أقوال وأفعال الأشعري، حينها، كان الجامع بينهن، تكفير المعتزلة بشهادة واحد من أهلهم وممن دافع عنهم قرابة 40 سنة.
إن انفصال أبو الحسن الأشعري عن الاعتزال و تأسيس مذهبه الأشعري، لا ينفي تبنيه مجموعة من مقدمات المعتزلة ومبادئها، منها تقديم العقل على نص الآية اذا دعت الضرورة كما في قول الرازي ضمن مفاتيح الغيب –التفسير الكبير-: (بل القانون أنه يجب حمل كل لفظ ورد في القرآن على حقيقته إلا إذا قامت دلالة عقليَّة قطعيَّة توجب الانصراف عنه، وليت من لم يعرف شيئاً لم يخض فيه). إلا أنه –أبو الحسن- وأتباعه من الأشاعرة وحتى الماتريديَّة، اختلفوا مع المعتزلة في كثر من الأصول بل وأن مهمتهم الأولى كانت التصدي إلى هذا الفكر ومحاربته والرد عليه.
لن نتحدَّث في هذا المقال عن الماتريديَّة لأنها في الأصول نفسها الأشعريَّة وما اختلفت فيه معها لا يخرج عن آراء بين المعتزلة وأهل السنة والجماعة، ولن نستطرد في ذكر خلافات الأشاعرة ( أشعريَّة وماتريديَّة) في انتمائهم لأهل السنة والجماعة أم تحريفهم لها… ما يهمنا في هذا المقال هو كيفيَّة تأويل الأشاعرة لنصوص القرآن من أجل تعزيز معتقداتهم والتي بنيت بالتوازي بين العقل والنقل و بالتالي وسطا بين المعتزلة و بين طائفة التفسير الظاهري والحرفي للقرآن فيما يلي:
1.أثبت الأشعريَّة سبع صفات – دون السؤال عن كيفيَّة حدوثها-، وهي الصفات المعنويَّة لدى المعتزلة، إضافة إلى الكلام والسمع والبصر لقول أبو الحسن : الباري تعالى عالم بعلم قادر بقدرة، حي بحياة، مريد بإرادة، متكلم بكلام، سميع يسمع، بصير يبصر. وله في البقاء اختلاف رأي. وهو مبدأ وسط بين نفي الصفات كلها أو إثباتها كلها.
2.تقول الأشاعرة بأن الإيمان تصديق بالجنان، عكس المعتزلة وباقي طوائف أهل السنة والجماعة التي تعتقد بأن لإيمان قول باللسان ومعرفة بالجنان وعمل بالأركان أو عمل بالجوارح.
3.يرى الأشاعرة أن كل صفات الله أزليَّة وقديمة بقدمه تعالى بما فيها الكلام، بالتالي فإن القرآن باعتباره كلام الله (معاني ودلالات الكلام النفسيَّة، وليست حروفه) أيضا قديم غير مخلوق، إلا أن الحروف أو كلام الآدميين مخلوقان. وهذا الطرح بدوره بعضه معتزلي وبعضه من أهل السنة والجماعة فالأولى تقول بخلق كلام الآدميين والله، والثانيَّة تقول بقدمهما على لسان الإمام الجيلاني الحسني – حنبلي وشافعي المذهب الفقهي- في كتابه ” الغنيَّة لطالبي طريق الحق”: (كذلك حروف المعجم غير مخلوقة وسواء كان ذلك في كلام الله تعالى أو في كلام الآدميين).
4.وقفت الأشعريَّة في موقف وسط في حريَّة وإرادة الإنسان بين الجبر وخلق الأفعال، فهي لا تقول بقدرة الله تعالى المطلقة على الإنسان كما الأولى وإلا فمن غير العادل محاسبته، لا تقول بخلق أفعاله كما الثانية، لكنها ترى أن الإنسان يمتلك جزءا من الحريَّة في أفعاله قدرها الله عليه، بمعنى أن الأحداث التي يجزى عليها الإنسان، خلقا وإحداثا من الله، وكسبا وحاصلا من العبد، هذا ما سمته الأشعريَّة بنظريَّة الكسب.
كيف إذن أولت الأشعريَّة، القرآن من أجل الإقرار بهذه المبادئ؟
إن الأشاعرة والماتريديَّة أولو القرآن ورفضوا أخذ بعض آياته على حرفيتها، وهذا لبّ الخلاف بينهم و بين السلفيَّة، فمنهم من يرى أنهما أقرب إلى السلف ومنهم من يرى عكس ذلك و يزعم أنهم خلفاء القدريَّة ( المعتزلة) وبالتالي هم فرقة ضالة ليست “ناجيّة” ومفهوم النجاة هنا يقصد به طريق الحق التي أوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي من نصيب فرقة واحدة من بين أكثر من 70 فرقة….
يقول الله تعالى في الجزء الأخير من آية الكرسي ( الآية 255 من سورة البقرة): { وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُّ} وقد أولها الإمام الأشعري فخر الدين الرازي في كتابه التفسيري “مفاتيح الغيب / التفسير الكبير” كالتالي: ( فقال ” وهو العلي العظيم” فالمراد منه العلو والعظمة، بمعنى أنه لا يحتاج إلى غيره في أمر من الأمور، ولا ينسب غيره في صفة من الصفات ولا في نعت من النعوت، فقال “وهو العلي العظيم” إشارة إلى ما بدأ به في الآية من كونه قيوماً بمعنى قائما بذاته مقوما لغيره.).
استطاع فخر الدين أن يؤل علو الله و قيامه تأويلا معنويا، لأن الأشاعرة ينفون الصفات الخبيرة لله تعالى ويكتفون بسبع صفات ذكرناها آنفا. أما أتباع ابن تيميَّة من أهل السنة والجماعة، فيرفضون التأويل جملة وتفصيلا،ومنه يرفضون قول الأشاعرة هذا، إذ نجد في تفسير القرآن العظيم لابن كثير أحد أشهر تلامذة ابن تيميَّة: (فقوله “وهو العلي العظيم” كقوله “وهو الكبير المتعالي” وهذه الآيات وما معناها من الأحاديث لصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح، امروها كما جاءت من غير تكيف ولا تشبيه”).
أما في قوله تعالى:{ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَّة وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}، نجد اختلافا فيها بين تأويل فخر الدين وتفسير ابن كثير، فالأول يقول: ( واعلم أن قوله ” ابتغاء وجه ربهم” فيه دقيقة، هي أن العاشق إذا ضربه معشوقه، فربما نظر العاشق لذلك الضارب لالتذاذه بالنظر إلى وجه معشوقه، فكذلك العبد يصبر على البلاء والمحن، ويرضى به لاستغراقه في معرفة نور الحق وهذه دقيقة لطيفة) أما الثاني فيفسرها كالتالي: ( أي عن المحارم والمآثم، ففطموا أنفسهم عنها لله عز وجل ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه). قلنا سابقا أن التفسير يختلف عن التأويل من أوجه عدَّة ولعل وجه الاختلاف هنا، يكمن في كيفيَّة خلق الدلالة وسبل التعبير عنها، فنلمح جليا أن الإمام فخر الدين الرازي، أبدع في تأويل الآية وبصم دلالتها برأيه الشخصي، بينما تفسير ابن كثير كان خاليا من الإبداع والتأويل والخلق الشخصي للدلالة.
وفي قوله تعالى : {الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ} الآية 5 من سورة طه، يرى ابن كثير ومن تأثر بهم وأثر فيهم – السلف والخلف من أهل السنة والجماعة- أن المسلك الأسلم في ذلك –أي في تفسير الآية- طريقة السلف امرار ما جاء في ذلك من الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تحريف ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تمثيل.
أما الأشاعرة وبتأويل أحد أهم أعلامها – فخر الدين الرازي-، نجد أن الاستواء عندهم يحمل دلالة أخرى غير الاستقرار المكاني وهو بدون تكييف، إذ يقول في كتابه مفاتيح الغيب: ( فإما أن نعمل بكل واحد من الدليلين، وإما أن نتركهما معا، وإما أن نرجح النقل على العقل، وإما أن نرجح العقل ونؤول النقل. والأول باطل وإلا لزم أن يكون الشيء الواحد منزها عن المكان وحاصلا في المكان وهو محال، والثاني أيضا محال لأنه يلزم رفع النقيضين معا وهو باطل، والثالث باطل لأن العقل أصل النقل فإنه ما لم يثبت بالدلائل العقليَّة وجود الصانع وعمله وقدرته وبعثته للرسل لم يثبت النقل، فالقدح في العقل يقتضي القدح في العقل والنقل معا. فلم يبقى إلا أن نقطع بصحة العقل ونشتغل بتأويل النقل وهذا برهان قاطع في المقصود إذا ثبت هذا فنقول قال بعض العلماء المراد من الاستواء الاستيلاء).
هكذا إذا يتبين لنا من خلال رصد بعض مظاهر التأويل الديني، أن الأيديولوجيَّة العقائديَّة التي يتأثر بها المؤول يرى القرآن بعيونها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يكتسب قدسيَّة لأفكاره و مبادئه.
الخلاصة:
بعد رصدنا لإضاءات طفيفة حول مدى تأثير الأيديولوجيَّة في رؤيَّة المؤول بعض النظر عن باقي آليات التأويل، نقر كما يقر كل متلقي لهذا المقال، أن الفرق الكلاميَّة برصد بعضها في هذا الصدد ( الشيعة، المعتزلة، الأشاعرة)، بحثت عن أسئلة غيبيَّة ووجوديَّة، بغية امتلاك الحقيقة ومعرفتها، فاقتنعت بمسائل ونفت أخرى، واستدلت على نفيها أو ثبوتها بآيات القرآن الكريم. بل حرصت على نقل فكرها واعتقادها لباقي الناس عن طريق السيطرة الثقافيَّة الأيديولوجيَّة، لأجل كسب جمهور أكبر وبالتالي التقرب من السلطة الماديَّة أو الحكم.
ورغم أن علم الكلام عموما – حسب محمد عابد الجابري- كان كلاما في السياسة بمفاهيم دينيَّة، وأنه ظل يشكل أحد الأغطيَّة الأيديولوجيَّة للدعايَّة وكسب الأنصار وتنظيم “الانقلابات” والثورات في الدول المجاورة والمنافسة، بل وحتى القضاء على باقي الفرق المنافسة وإحباط سعيها في الاستيلاء على السلطة. إلا أنه – علم الكلام- محطة أساسيَّة في الفلسفة العربيَّة الإسلاميَّة، ومهد التفكير العربي، بالتالي وجب النظر إلى هذا التأويل من منظورين- حسب حسام أبو حامد- في مقالته ” إشكاليَّة التأويل والعلاقة بين المعرفي والأيديولوجي”-، الأول معرفي، حيث يبرز التأويل هنا على أنه آليَّة إنتاج معرفي راحت تضبط منهجياً، والثاني أيديولوجي من حيث أن نتائج التأويل كفعل معرفي أفضت إلى تصور للعالم. وهذان المستويان، المعرفي والأيديولوجي يؤسسان لأن يصبح التأويل أيضاً موقفاً انطولوجيا وجودياً. وإذا كان التأويل قد أفضى إلى تعدديَّة مرجعيَّة إلا أنها بقيت ضمن المرجعيَّة الإسلاميَّة الأساسيَّة, أي القران الكريم بصفتة المصدر الأول للمفاهيم الإسلاميَّة والخطاب الأول المتصل بالعقل والعلم.
وأخيرا، إن المتصفح في تأويلات الفرق الكلاميَّة، متخصصا كان أو لم يكن – مثلنا- يجد أن الإنسان العربي اختلف في جملة من المسائل غير المحددة (غيبيَّة)، والفيصل الوحيد فيها بعد النص الشرعي، هو عنان العقل وسبل خلقه لدلالة، تلائم المنطق وتروي عطشه وتعطشه للمعرفة. ولا يشكل هذا الاختلاف النابع عن معتقد أيديولوجي، خطرا على ديننا أو ضعفا في الاستدلال، بل هو بحق تجسيد لفكر وفلسفة عربيتين ورحمة من تشابه قاتل وتقليد أعمى قد يصيب الأمة العربيَّة حتى يصبح المسلم/ المسلمة نسخة طبق الأصل من أخوه / أختها. فتقبل الاختلاف هاهنا واجب، لأن العقل البشري الجمعي مهما تواضع على منطق معين إلا ووجدنا اختلافا وجدلا كبيرا بين كل جماعة( ثقافيَّة/ اجتماعيَّة) وأخرى، وهو ما حصل بين المتكلمين، فالقارئ يتفق مرة مع فرقة ويختلف تارة معها، ويميل تارة لمذهب، حتى يجد أنه مال مرة أخرى لمذهب آخر، وهو السبب في أن تكفير فرقة وتقديس أخرى، أمر يضر بالدين أكثر مما يفيده، ويضل الجمهور أكثر مما يصحح مساره.
ولا يسعنا إلا أن نتلذذ أولا ببراعة العرب في صناعة المعنى والاستدلال عليه، و ثانيا التَفَكّر في مدى حرص الإنسان على معرفة الوجود ومسائله و البحث في حقيقة الله تعالى حبا في نصرة دينه تعالى، فمهما اختلف المتكلمون إلا أنهم ناظروا وحاربوا بقلمهم، باقي الديانات وكلهم تحت لواء ” لا اله إلا الله محمد رسول الله”.
المصادر و المراجع :
- القرآن الكريم
- أبو البقاء الكفوي، الكليات،مؤسسة الرسالة،بيروت،الطبعة الثانيَّة،1993.
- أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانيَّة، 2009.
- أبو الوليد ابن رشد، الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة، إشراف الدكتور محمد عابد الجابري، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت، الطبعة الأولى، 1998
- أبو الوليد ابن رشد، فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال، إشراف الدكتور محمد عابد الجابري،مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت، الطبعة الأولى، 1997.
- الإمام أبو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي، ضبط حسين بن إبراهيم زهران، دار الفكر للطباعة والنشر،بيروت، طبعة 1992.
- الشهرستاني، الملل والنحل، تحقيقي عبد العزيز محمد الوكيل، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت.
- الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، دار الفكر للطباعة والنشر،بيروت، طبعة 1994.
- الشيخ عبد القادر الجيلاني الحسيني، الغنيَّة لطالبي طريق الحق في الأخلاق والتصوف والآداب الإسلاميَّة، المكتبة الشعبيَّة، بيروت.
- عبد القادر بوعرفة، الخطاب الديني وإشكاليَّة التفسير والتأويل(دراسة حول الاختلاف والاتفاق)، ضمن كتاب التأويل والترجمة (مقاربات لآليات الفهم والتفسير) تأليف جماعي، إشراف إبراهيم أحمد، منشورات الاختلاف –الجزائر-، الدار العربيَّة للعلوم ناشرون-بيروت-، الطبعة الأولى، 2009.
- علي عبد الفتاح المغربي، الفرق الكلاميَّة في الإسلام( مدخل ودراسة)،مكتبة وهبة، القاهرة، الطبعة الثانيَّة، 1995.
- محمد حنفي، بين الأيديولوجيَّة والأدلجة، مجلة دنيا الوطن، 04/09/2006.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.