أما قبل:
كتب هذا البحث قُبَيل نهاية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي الأسبق باراك حسين أوباما، وخُتِمَ في يوم الخميس 17/12/2015. بالتالي، لا يشمل فترة الرئيس السابق دونالد ترامب، التي لم تشهد مُتَغَيَّرَاً أساسياً فيما يلي الملف السوري، لأن شعار “أمريكا أولاً”، الذي صدح به سيد البيت الأبيض، لم يضع خيارات أكثر من إظهار عجرفة القوة في بعض منعطفات الصراع، أو توجيه ضربات عديمة الغايات لمواقع سيادية سورية، إلى جانب المشاركة في قيادة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. لكن سَيُدِنه التاريخ بالتعدي السافر على الحق السوري في الجولان، واتخاذه قرار عطاء من لا يملك لمن لا يستحق. وقد أعاد إلى الأذهان بهذا القرار تصرف المستعمر البريطاني، عام 1917، عندما وعد بلفور اليهود بوطن قومي في أرض لا يملهكها. وملخص القول إن المُدْرَكَات الاسترتيجية للسياسة الأمريكية تجاه سوريا أصابها الكثير من الإرتباك، وليس هناك ما يُشير إلى أن إدارة الرئيس الجديد جوزيف بايدن ستكون أحسن حالاً من سابقاتها، حاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن بايدن كان نائباً لأوباما لدورتين رئاسيتين، وعَمِلَ تحت سمعه وبصره؛ جون كيري وهيلاري كلينتون، كوزيري خارجية، لم يسعفهما النظر في إدراك فداحة هذا الارتباك.
مدخل تمهيدي:
لاحظ الكاتب الأمريكي المعروف “روبرت كابلاند” أن “الأمريكيون هم أبطال المثالية بينما هم يُوظفون الواقعية؛ ربما لأننا بحاجة إلى رأي عالي عن أنفسنا حين نُحقق المصالح الخاصة بنا.”[1] وهناك الكثير من الحقيقة في ذلك، خاصة في السياسة الخارجية. إذ بعد كل شيء، وتحت غطاء الخطب الرنانة حول نشر الحرية والديمقراطية، يميل الرؤساء الأكثر نجاحاً في السياسة الخارجية الأمريكية إلى تبني نوع من البراغماتية المبدئية. على سبيل المثال، نجد الرئيس روزفلت في “بيان المهمة” للحرب العالمية الثانية، أو ما عُرِفَ بـ”الميثاق الأطلسي”، قد أكد على الالتزام بالحكومة الحرة وإدانة التوسع الإقليمي، ولكنه تعاون في نفس الوقت مع الديكتاتور، الذي استحوذ على الأراضي قبل، وأثناء، وبعد، الحرب. وقد تحدث مستشارو أيزنهاور عن “الردة” ولكن تجنبوا النظر نحو الدبابات السوفيتية وهي تدخل إلى المجر. ودعم الرئيس رونالد ريغان المقاتلين من أجل الحرية وراء الستار الحديدي في حين وقف إلى جانب شركاء أقل منهم ديمقراطية في تركيا وكوريا الجنوبية والفلبين ودول عربية أخرى. وقد تصور جورج بوش الأب “نظاماً عالمياً جديداً” يقوم على “العدالة والإنصاف” لكنه ترك الرئيس صدام حسين في بغداد وبقي بعيداً عن البوسنة وهي تحترق على يد الصرب.[2]
إن موضوع عرضنا هذا لا يشمل كل هذه القضايا، التي تقدم ذكرها، وليست مهمته تتبع كل ما يعتور منطقتنا العربية والإسلامية، ولا كل الأحداث، التي مر بها العالم منذ انتهاء الحرب الباردة، ولا الأحداث، التي عصفت بالولايات المتحدة في أكثر من موقع، وما تلا ذلك من تداعيات سياسية وعسكرية وإعلامية واجتماعية وثقافية، اتخذت واشنطن منها مسوغاً لتمرير الكثير من الأفكار والرؤى والنظريات، والتي لم يكن لها أن تطرح علانية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكارثة احتلال العراق. وإنما يتمحور هذا العرض حول أزمة واشنطن العميقة في سوريا واضطراب المواقف الأمريكية وتقاطعاتها، وربما ألغازها، التي تتعصي على الفهم العام، ويصعب إدراك كنهها على كثير من المختصين المتابعين. ويلزم القول إن ما نشاهده اليوم من ارتباك استراتيجي، وما نقرأه من أفكار وتصورات بأقلام أمريكية متناقضة ومتباعدة إنما يحمل قيم ومفاهيم أصحابها، الذين يكتبونها، ولا تعبر حقيقة عن سياسة واحدة محكمة نستطيع أن نؤكد أنها تصف السياسة الخارجية الأمريكية، وفي نفس الوقت، ربما يعبر معظمها عن وجهات نظر رسمية لمؤسسات أمريكية مختلفة، وكثير منها قد يُعَبِّر عن جهات مسنودة بـ”اللوبيات”، أو جماعات الضغط المختلفة في واشنطن، ويُقال عادة إن “هذه الرؤى والنظريات هي حقائق أقرها أصحاب الاختصاص قبل أن ينكرها من خدع بقناع الديمقراطية وزيف الثقافة الحرة والكلمة الموضوعية المحايدة”. [3]
ولأهمية هذا الأمر، فإننا مطالبون بقراءة تفاصيل السياسية الأمريكية بسياقاتها الصحيحة وتحولاتها وأبعادها وأهدافها، خاصة ما يتعلق بالأزمة في سوريا. فعندما نقرأ أن اختلاف التقديرات حول السياسة الخارجية للحكومة الأمريكية مرده إلى تباين المواقف بين التيارات المختلفة داخل الحزب الواحد، والتباينات بين الحزبين الرئيسيين؛ الديمقراطي والجمهوري، فإننا نستطيع أن نتكئ على قاعدة عامة تمايز بينهما فيما يلي العلاقة مع المنظمات الدولية عند الدعوة للتدخلات الخارجية. ففي حين يصر الحزب الديمقراطي على ضرورة التدخل ضمن أطر قانونية دولية، حتى يتسنى إشراك الدول الكبرى الأخرى في تحمل الأعباء والمسؤوليات، نجد أن الحزب الجمهوري يصر هو الآخر على أن واشنطن يجب أن لا تعتمد على الأمم المتحدة، بل عليها إعطاء الأولوية لدور الولايات المتحدة وحلفائها. ويزعم مناصرو التفوق الأمريكي أن الحفاظ على هذا المبدأ وتطبيقه هو كون الولايات المتحدة الدولة الوحيدة القادرة على تامين الاستقرار وفرض احترام النظام الدولي القائم. [4]ولكن، هل حان الوقت للولايات المتحدة لإعادة التفكير في نهجها في منطقة الشرق الأوسط، ومراجعة سياساتها المرتبكة والمربكة تجاه سوريا؟
ومعلوم أنه توجد دائماً مشكلة فنية ومنهجية في الكتابة عن القضايا المتحركة، التي تتسارع فيها الأحداث، وتتكاثف الاتصالات، وتتعدد المبادرات، وتتلاحق الاجتماعات، وتصدر القرارات تلو القرارات، خاصة المسألة السورية، والتي لا تنتهي لقاءات فيينا حولها إلا لتبدأ اجماعات المعارضة في الرياض، ولم ينفض سامر الرياض حتى كان لمجلس الأمن قرار. ولكن، لأن طلب الكتابة تحدد بالنظر في التقاطعات والألغاز في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه سوريا، فقد ركزت على جزئية “الارتباك الإستراتيجي” كسمة بارزة للسياسة الخارجية الأمريكية، مع وضع سوريا كحالة عرض حاضرة وشارحة لهذا الارتباك، وما يكتنفه من غموض واضطراب.
وفي هذا السياق، تأتي معالجتنا لموضع السياسة الأمريكية تجاه الوضع السوري، وحالة الارتباك الاستراتيجي الماثلة، التي تأخذ هذه التطورات في الاعتبار، أي هي– كما أسلفنا – محاولة للنظر في مشهد التحولات، التي جرت، وقراءة للمواقف القائمة، مع معالجة تحليلية للجدل القائم حول طبيعة التدخل، أو عدم التدخل، الأمريكي في أزمات المنطقة، ومن بينها سوريا، ومداه في تعميق ألازمات المتفاقمة، وكيف تنظر واشنطن إلى ظروف هذه ألازمات وتأثيراتها على المصالح العليا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
عُقَدْ التاريخ:
لقد عُرفت الولايات المتَّحدة عبر تاريخ نشأتها الحديث بالميل للعزلة، كلما ارتدت عليها تدخلاتها الخارجية بخسارة ماحقة، حتى أسمتها بـ”العزلة المجيدة- Splendid Isolation“، تأسيساً على تجاربها الخاصة، وتأسياً بالسياسة، التي اتبعها المحافظون في بريطانيا في القرن التاسع عشر، وأدمنتها من بعد لأسباب أخرى عديدة؛ تقف الجغرافيا على رأسها، إذ يفصلها محيطان عن بقية دول العالم في الشرق والغرب، وجهل كبير بمجريات الأمور في أصقاع العالم المترامية. ولكن تغير الوضع كثيراً في أعقاب الحرب العالمية الثانية حيث بدأت واشنطن في لعب دور أساس في السياسة الدولية، وتعاظم طوال فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي؛ الأول بقيادتها، والثاني بقيادة الاتحاد السوفيتي.
وبالنسبة للشرق الأوسط، فقد قامت السياسة الأمريكية على ثلاثة ثوابت: محاربة النفوذ السوفيتي، ضمان أمن إسرائيل وتفوقها العسكري وحماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وبعد انتهاء الحرب الباردة ظهر ما سمي بالنظام العالمي الجديد، والشرق الأوسط الجديد. وقد ازداد هذا الدور أهمية ومركزية بعد عام 1989م مع تّفكك الاتحاد السوفييتي وزوال الخطر الشيوعي. وحدث بعد حرب الخليج الثانية واتفاقيات أوسلو 1993، تحولٌ في الخطاب السياسي الأمريكي، فحسب بعض المحللين الاستراتيجيين تراجع الحديث عن الديمقراطية، التي احتلت المقام الأول في هذا الخطاب خلال الحرب الباردة، وتقدم عليها مبدأ التفوق الأمريكي واستقرار النظام العالمي. [5]
إن العالم أصبح محكوماً بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية الأُحادية، وما نتج عنها من تغيُّرات في السياسات والتوجهات الاقتصادية والعسكرية والسياسية العالمية. إلا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر من عام 2001م، شَّكلت بداية مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، إذ أنها حملت إلى الولايات المتحدة واحدة من أسوأ الأحداث في تاريخها منذ حادثة “بيرل هاربر” في الحرب العالمية الثانية، إذ تلقَّت ضربة استهدفت أبرز رموزها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية. وبالتالي، وضعتها أمام مرحلة صعبة كدولة عظمى ومُهيْمنة على النظام العالمي. لذلك، كان من الأهمية بمكان دراسة دور هذه الأحداث في إعادة تشكيل السياسة الأمريكية، ومن ثم التغيير، الذي طرأ على سياساتها تجاه العالم الخارجي.[6]
وقد دفع الانفعال الغاضب، والمفاجأة المروعة، الولايات المتَّحدة لإعلان حرب مفتوحة، وبكل الوسائل، على ما وصفته بـ”الإرهاب”، وعلى كل من له صلة به، أو علاقة قريبة منه، أو شبهة انتماء لأفكاره، دون أن تجتهد كثيراً في تعريفه. غير أنها سارعت إلى اتهام العرب والمسلمين باعتبارهم هم الذين نفَّذوا الهجمات، وبالتحديد “تنظيم القاعدة” بقيادة “أسامة بن لادن”، الذي سبق أن تعاون مع واشنطن في حربها ضد موسكو إبان احتلالها لأفغانستان، والذي تعاون لاحقاً مع نظام طالبان ضد الاحتلال الأمريكي، وذلك بتأثير المحافظين الجدد الذين سيطرت أفكارهم على إدارة جورج بوش الابن الجمهورية، وكذلك جماعات الضغط اليهودية، التي سعت لاستثمار هذا الحدث في التحكُّم بالسياسات الأمريكية تِجاه الشرق الأوسط، وإبراز الحركات الدينية الإسلامية كخطر داهم على المصالح الغربية، بدلاً من الشيوعية. وعليه أصبح الحادي عشر من سبتمبر نقطة تحول تاريخية تَحْكُم العلاقات الدولية بشكل عام، والسياسة الأمريكية تجاه دول منطقة الشرق الأوسط والدول العربية بشكل خاص.[7]
ولم يمنعها الاهتمام النشط بالعالم الخارجي، والرغبة في الانتقام، وردود الفعل المتعجلة أحياناً، من إعادة ترتيب الشأن الداخلي. ونتيجة لذلك، ركَّزت الإدارة الأمريكية جل اهتمامها على العناية المكثفة بكافَّة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية. وفي هذا الصدد، جرى تنظيم المؤسسات الأمنية الحكومية، وبالأخص مجلس الأمن الوطني ووزارة الدفاع، الذي شهد إعادة هيكلة شاملة لم يشهد مثيلاً لها منذ إدارة الرئيس ترومان (1945-1953). وشملت إعادة الهيكلة هذه إنشاء إدارة للأمن الداخلي جديدة، وقيادة عسكرية مُوحدَّة، وإعادة ترتيب أوضاع مكتب التحقيقات الفيدرالي، إلى جانب تنظيم إدارة جديدة للطوارئ على نحو أفضل.[8]
الارتباك الاستراتيجي:
إن كل الشواهد تؤكد أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تجاه سوريا تعاني من حالة من الارتباك الاستراتيجي، الذي يتضح في رؤية واشنطن لأعداء لا وجود لهم، وإظهارها لعدم القدرة على تركيز العمل حيث هم موجودون. ونظراً لضخامة القوة الأمريكية بالنسبة لبقية العالم، فإن هذا الداء، كما يقول محللون كثيرون، لديه ميل ليعيث في الأرض فساداً ويولد التوتر في مناطق التدخل الأمريكي المباشر، أو غير المباشر. وفي الوضع السوري، يبدو أن هذا الارتباك أصبح جزءاً لا يتجزأ من ذلك تماماً، ومصداق له، بما أنه مغروس في النفسية الجماعية لصناع القرار، وليست هناك أي آفاق لعكس هذه الحالة في المدى المنظور، الأمر، الذي لا يبشر بخير لأمريكا وللعالم.
فإذا أمعنا النظر في تصرفات الولايات المتحدة، خلال الخمس عشر سنةً الماضية، أي في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 المروعة، والنتائج الكارثية المترتبة عليها، عندما هاجمت القوات الأمريكية قواعد تنظيم القاعدة في أفغانستان، وأطاحت بنظام طالبان، الذي وَفَرَّ له المأوى. وربما كان ذلك ضرورياً ومناسباً تماماً، لو اقتصر فقط على ما ظنت الإدارة الأمريكية أنه تهديد للغرب هناك، وانتقام من التنظيم وتأديب قياداته، ومن يأويهم في حكومة طالبان.
ولكن بعد ذلك قامت أمريكا بغزو العراق، التي كان يحكمها نظام علماني لا علاقة له بالتطرف الإسلامي، الذي جعلت منه واشنطن العدو الحقيقي لسياساتها في المنطقة. وهذا التصرف غير المحسوب ولد عواقب متعددة، وخلق صعوبات هائلة. إذ اندلعت بعد ذلك المخاوف والمشاعر الطائفية في البلاد، التي دمرت آفاق الاستقرار في المجتمع، وأدت إلى مقتل ما يقرب من 5000 من الأمريكيين، وما يربو على المليون عراقي، وشردت الملايين من المدنيين الأبرياء، وصاروا بين نازح في داخل بلاده ولاجئيٍ خارجها. الأمر، الذي أشعل المنطقة بطرق هيأت لولادة قوة تنظيم القاعدة الجديدة في العراق، التي لم يسبق له أن كان موجود فيه من قبل، وما كان يمكن أن يُوجد في ظل نظام الرئيس العراقي صدام حسين.
وقد قلبت بذلك الغزو قروناً طويلة من توازن القوى بين العراق؛ وقيادته ذات الغالبية السنية، وإيران الشيعية، وبالتالي خلقت تحديات جديدة من عدم الاستقرار، وأوجدت صعوبات جديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران، وأورثت حلفاءها العرب والمسلمين شكاً في نواياها ومعيارية تعاطيها مع قضاياهم، ومدى احترامها لأصول قيمهم وميراثهم ودينهم. وربما كان الأسوأ من ذلك كله، أن غزو العراق وتداعيات الفوضى، التي أعقبته، والحرب غير المنظمة على الإرهاب، والفشل في تحريك عملية السلام في الصراع العربي الإسرائيلي، قد استنزفت شهية أمريكا لمواجهة العدو الحقيقي لها في الشرق الأوسط، وهو تنظيم “القاعدة”.
ذلك العدو، الذي أقنعت نفسها بوجوده، بل أسهمت في وجوده في حماة العداء للاتحاد السوفيتي، ووصفته بعد أن نجح في تحرير أفغانستان من قبضة الشيوعيين تارة بـ”الإرهاب”، وتارة أخرى بـ”الأصولية الإسلامية”، تماماً كما كان عليه الحال عندما تولى الرئيس جورج بوش الابن قيادة أمريكا في هذه الحرب العبثية، واتخذ خطوته الالتفافية من أفغانستان تجاه العراق. فوقع في مرمى أهداف القاعدة، التي سَرَّهَا الإيقاع بأمريكا في مستنقع الصحراء، وإضعاف الثقة في قدراتها، وزعزعة وحدة وقوة قرارها السياسي الداخلي والخارجي، وما كان لها أن تنجح في ذلك من دون حالة الارتباك الاستراتيجي الأمريكي، التي أوجدتها سياسات ردود الأفعال غير المدروسة، والتي لازمت سطوة المحافظين الجدد على معابر صناعة القرار في البيت الأبيض.
والمؤكد أن ما لم يفعله الغزو الأمريكي هو تحويل العراق إلى نموذج شرق أوسطي للممارسة الديمقراطية، الذي كان قد تنبأ به دعاة الغزو والمؤيدون له من المحافظين الجدد، والذي ترتبت عليه الكثير من دعاوى هذا الغزو. وقد اعتقد بعض السياسيين الحالمين في واشنطن أن ما يسمى بـ”الربيع العربي”، في ديسمبر 2010، هو موجة من الاحتجاجات السياسية، التي تبدو مؤيدة لعصر جديد من الديمقراطية في المنطقة، بتأثير من نجاح مزعوم في العراق، وأنها تُمثل بداية لدخول الشرق الأوسط في مثل هذا العصر الجديد. فالرئيس أوباما أعرب فوراً عن دعمه للمتظاهرين، باعتبارهم يعبرون عن نبضات ديمقراطية حقيقية. وهو بذلك قد قوض مكانة الرئيس المصري حسني مبارك، الحليف القوي للولايات المتحدة على مدى عقود، بل أيَّد فوز جماعة الإخوان المسلمين، الذين حكموا البلاد لمدة عام قبل أن تستعيد المؤسسة العسكرية السيطرة على مقاليد الحكم.
ويمثل هذا حالة من الارتباك الاستراتيجي بمرتبة عالية جداً من عدم التوفيق السياسي. فقد كانت “القاعدة” هي التي ادعت مهاجمة أمريكا في 11/9، وهي، التي هاجمت بريطانيا وأسبانيا في الأشهر التالية، وهي التي تعهدت حملة إرهابية لا هوادة فيها ضد الغرب. وقد عارض حليف أمريكا الرئيس مبارك كل ذلك على مدى عقود. فلماذا ساهمت أمريكا في تقويض سلطة زعيم مصري كان حليفاً للولايات المتحدة ظل صامداً ومعارضاً للـ”القاعدة”، وللـ”لأصولية الإسلامية” بكل مسمياتها، التي تمثل واحدة من أكثر أعداءه هو تهديداً لأمريكا؟ هناك جواب واحد فقط هو الارتباك الاستراتيجي.[9]
إن هذا الحال لم يتغير كثيراً، إذ عندما وجد الزعيم الليبي معمر القذافي نفسه وقد حاصرته الاحتجاجات الداخلية، تحولت واشنطن إلى القذافي، الذي كان قد تعهد لها بإنهاء الأنشطة الإرهابية المعادية للغرب والتخلي عن الجهود الرامية إلى إنتاج أسلحة الدمار الشامل. وفي مقابل ذلك، قررت الإدارة الأمريكية أن تتركه وحده، ولا تمارس عليه أشكال الضغوط السابقة، التي كانت تقوم بها ضد نظامه. لكن واشنطن نكثت بعهدها له، بقيادتها لحملة القصف ضد جيشه، الذي لم يكن يمثل أي تهديد لأمريكا على الإطلاق. إلا أن الرئيس باراك أوباما أشار إلى أنها “مسؤولياتنا تجاه إخواننا من بني البشر”، وقال إنه إذا بقيت أمريكا بعيدة عن المعمعة كان يمكن أن يشكل ذلك “خيانة لما نحن عليه” من قيم.[10]
إن العالم يعرف النتيجة، أي حرب أهلية ليبية ستنتج فوضى مطلقة في البلاد، وستأخذ ملايين من أسلحة القذافي طريقها إلى أيدي الراديكاليين، بما في ذلك داعش، ووقع الحادث المؤسف، الذي قتل فيه السفير الأمريكي ومسؤولين أمريكيين آخرين. في حين يعتقد المعارضون لسياسة أوباما أن كل ذلك تم تحت جملة “مسؤوليتنا تجاه إخواننا من بني البشر”، واعتبروا أن هذه العبارة في حد ذاتها تمثل شكلاً واضحاً من أشكال الارتباك الاستراتيجي، متسائلين؛ إلى أين تقودهم هذه المسؤولية؟ كم عدد حملات القصف والحروب يتعين أن تشن إذا كانت الحماية والسعادة هي لـ”إخواننا من بني البشر”، في جميع أنحاء العالم، ليكون اختصاص أمريكا الكوني الجديد؟ ماذا يجب أن يفعل الرئيس كضرورة رئيسة لحماية أمريكا ومواطنيها، وليس كل الإنسانية، من التهديدات الخارجية؟[11]
وهنا، يأتي الأمر إلى سوريا موضوع بحثنا، فعندما وجد الرئيس بشار الأسد نفسه يعاني من صراعات داخلية، اعتمدت حكومة الولايات المتحدة على وجه السرعة موقفاً متطرفاً بأن عليه أن يذهب. ثم جاء ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية – داعش،” ولها من القوة بما يكفي لاحتلال أراضٍ في العراق وسوريا، واستخدام تلك الأراضي لتحقيق مزيد من التوسع الإقليمي، والإسهام في تنامي الخطر العالمي للإرهاب. فقد كان هدفها إسقاط الأسد والهيمنة، باسم عودة الخلافة، على الأراضي، التي كانت تمثل الدولة السورية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وابتلاع العراق. وفي حين كان هدف الأسد الدفاع عن بلاده من التهديد المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من القوى العازمة على تدمير نظامه، انصب هدف أمريكا العاجل في إحباط قدرة التنظيم على تحقيق المزيد من المكاسب الإقليمية وتدمير قدرتها على تصدير النشاط الإرهابي إلى الغرب. فوجدت أمريكا نفسها في تقاطعات وألغاز وحيرة سياسية وارتباك استراتيجي جديد. إذ إن روسيا، وتركيا، وإيران، وحزب الله، وأكراد سوريا والعراق، كل يريد هزيمة داعش،[12] بطريقته، وبوسائله، ومن أجل أهدفه الخاصة، التي قد لا تتفق بالضرورة مع الأهداف الأمريكية.
الارتباك المزدوج:
إذا تساءلنا: هل حلفاء أمريكا الأساسيين هم أيضاً في حالة ارتباك سياسي واستراتيجي تجاه الوضع السوري المتأزم؟ وبالقطع هذا ليس سؤال للمحاكمة، أو المقارنة، وإن كان ضرورياً للمقاربة السياسية بين أقرب حليفين؛ واشنطن ولندن، حيال ما تتخذانه من مواقف سياسية وتقديرات إستراتيجية، ولما للبلدين مع علاقات تتميز بخصوصية عالية، خاصة عندما يتعلق الأمر بشؤون الشرق الأوسط، والبلاد العربية والإسلامية؛ وسوريا كانت وما تزال في قلب المعادلات الجيو – سياسية – ستراتيجية لصناعة القرار في العاصمتين. وقد عبر عن هذه الخصوصية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، في مقابلة تلفزيونية في لندن، إبان غزو العراق، عندما عاب على بريطانيا انجرار رئيس الوزراء وقتها، توني بلير، خلف جورج بوش الابن، الذي عُدَّ كنوع من تخلي بريطانيا عن دورها التقليدي بالنسبة لأمريكا كقوة كابحة “Restraining Force” لجماح واشنطن وتدخلاتها الخارجية، ولما للندن من معرفة تاريخية وقرب جغرافي بالعالم. فالعلاقة الطبيعية، كما قال كارتر، أن تسترشد الثانية بالأولى لا أن يحدث العكس، كما فعلت حكومة العمال بقيادة بلير.
لهذا، نجد من المناسب النظر للمقاربة، من خلال إطلالة سريعة على مواقف بريطانيا من الأزمة السورية، وباستعراض سريع لما نُشر في ثلاث من كبريات الصحف البريطانية؛ يومي الخميس والجمعة 3-4/12/2015، من معلقين ومحللين عارفين بالشرق الأوسط وتعقيداته، وملمين بسياسات بلادهم، وحقيقة ارتباكها هي الأخرى تجاه الأزمة السورية وكيفية التعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية – داعش. وقد اخترت ثلاثة مقالات لباتريك كوبيرن، مراسل صحيفة الـ”اندبندنت” في الشرق الأوسط، باتريك وينتور، محرر الشؤون السياسية في جريدة الـ”غارديان”، وفريزر نيلسون، الكاتب والملل السياسي المعروف في صحيفة الـ”ديلي تلغراف”.
ففي مقال بصحيفة الـ”إندبندنت” بعنوان: “لماذا يعد تنظيم الدولة الإسلامية عدواً شرساً لا يمكن هزيمته من الجو؟ يشير باتريك كوبيرن، الذي ظل يعمل في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 1979، إلى نقطتين في البداية: الأولى، هي أن بريطانيا انضمت لتحالف كبير يعتمد على الضربات الجوية بشكل أساسي لإضعاف وهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. أما النقطة الثانية، فهي أن الجهد العسكري الجوي البريطاني لن يشكل فارقاً في الموضوع لسبب واضح، وهو أن هناك بالفعل أعداد كبيرة من المقاتلات تشارك في القصف، بينما لا يوجد عدد من الأهداف الواضحة لدى التنظيم يستوجب، أو يسمح باستخدام هذه المقاتلات جميعاً. ويوضح كوبيرن أن التحالف قام بما يزيد عن 59 ألف طلعة جوية في العراق وسوريا منذ بدء العمليات في أغسطس عام 2014، تحولت من بينها نحو 8500 فقط إلى غارات استخدمت فيها القنابل والقذائف ضد أهداف على الأرض. ويخلص من هذه الأرقام إلى أن أغلب المقاتلات، التي قامت بطلعات فوق العراق وسوريا عادت لقواعدها دون أن تجد أهدافاً تقصفها، وهو ما يعني أن ما يتعدى 50 ألف طلعة جوية لم تجد هدفاً واحد لضربه. ويفترض أنه حتى لو كانت المشاركة البريطانية في التحالف الآن رمزية، فإنها قد انضمت لقتال عدو شديد الشراسة والخبرة، ناقلاً عن المحلل العسكري التركي متين غوركان قوله: إن الضربات الجوية يمكن فقط أن تكون ناجحة ضد مراكز التدريب والاتصال التابعة للتنظيم، لكن من الأمور الغريبة أنه لم يتم استهداف مركز تحكم واحد تابع للتنظيم خلال كل الغارات، التي تمت.[13]
فيما يُشير المقال، الذي كتبه محرر الشؤون السياسية في الجريدة باتريك وينتور، ونشرته الـ”غارديان”، على صدر صفحتها الأولى، بعنوان: “وزراء يقولون إن تدمير الدولة الإسلامية قد يحتاج عامين”، إلا أن عدداً من الوزراء في حكومة دافيد كاميرون حذروا في أعقاب أول غارة جوية بريطانية على سوريا من أن تدمير تنظيم الدولة الإسلامية قد يحتاج عامين وهو ما يعني أن البريطانيين يجب أن يتحلوا بالكثير من الصبر. وينقل وينتور عن عدد من المصادر داخل الحكومة تأكيدات بأن الكثير من العمل السياسي يجب القيام به لتوحيد فصائل المعارضة المختلفة حتى تبدأ المشاركة في مواجهة قوات التنظيم شمال سوريا، وطردهم من مواقعهم تدريجياً. ويشير أيضاً إلى تصريحات وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، التي قال فيها: إن الضربات الجوية ستكون مصحوبة بعمل على الأرض من قبل قوات يجري توحيدها، موضحاً أن التقديرات العسكرية الأمريكية عند بدء الضربات الجوية قبل نحو عام كانت تشير إلى أن هذه الضربات ستستمر ثلاث سنوات، وهو ما يعني أننا لم نبلغ منتصف الطريق بعد. ويقول وينتور إن وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند سيقوم بجولة في المنطقة عاجلاً ليرى إن كانت الدول، التي تعرضت لهجمات من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية” على استعداد لدفن خلافاتها والعمل معاً لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا. ويعتبر أن هذه الجهود تواجه عراقيل كبرى، على رأسها تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الراعي الرئيس لنظام الأسد، خلال خطابه الأخير، والذي وجه خلاله اتهامات للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بخلق منطقة من الفوضى في العراق وسوريا وليبيا بدعمهم تغيير الحكام في عدة دول في المنطقة.[14]
ومن زاوية مختلفة بعض الشيء، كتب فريزر نيلسون، الكاتب والمحلل المعروف في بريطانيا، مقالاً عن الملف السوري في صحيفة الـ”ديلي تليغراف” بعنوان: “رغم أنها تبدو فكرة مروعة إلا أن العمل مع الأسد يبدو الخيار الوحيد”، يُشير فيه إلى فكرة أن إحدى الوجوه المثيرة للقلق بخصوص الملف السوري هي أن الروس قد يبدو أن لديهم بعض الحق. ويوضح الكاتب أن الغارات الروسية تبدو أكثر نجاحاً من غارات التحالف الأمريكي الخليجي لسبب رئيس وهو وجود قوات برية على الأرض تستفيد منها، وهي القوات الموالية للأسد. إن فكرة الكريملين في هوية من ينبغي أن نتعاون معه في سوريا تبدو أكثر منطقية شيئاً فشيئاً، مشيراً إلى تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي قال فيها إن القذافي قد قُتل في ليبيا فهل أصبحت ليبيا أفضل حالاً؟ ويضيف لافروف أن صدام حسين قد جرى إعدامه في العراق فهل أصبح العراق أكثر أمناً؟ ويعتبر نيلسون أنه ينبغي على الغرب أن يتعلم من أخطائه خلال الأعوام الخمسة عشر السابقة. فالغرب رغم ثرائه ونواياه الحسنة، حسب ما يقول نيلسون، لم يتمكن من تأسيس أنظمة بديلة في الشرق الأوسط. ويقول نيلسون إن سوريا هي إحدى تلك الأماكن، التي يجب أن يختار الغرب فيها بين “جبهة النصرة” جناح تنظيم القاعدة في المنطقة وتنظيم “الدولة الإسلامية” من ناحية، وبين نظام الأسد البغيض من ناحية أخرى، لأنه لا يوجد خيار آخر، لكن كاميرون والغرب يسقطون خيار الأسد من حساباتهم. ويختم نيلسون مقاله، في النهاية، قائلاً “إن التسامح مع فكرة وجود الأسد، ولو إلى حين، قد تبدو حبة دواء شديدة المرارة بالنسبة لرئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون، لكن يبدو أن عليه أن يبتلعها.”[15]
وسبق أن اهتمت مصادر عديدة بحالة الارتباك الاستراتيجي الأمريكي – البريطاني المزدوج وتأثيراته المدمرة في مناطق النزاعات، خاصة الشرق الأوسط، إذ نشرت مجلة “انترناشونال أفيرز”، الصادرة عن “المعهد الملكي للشؤون الدولية”، في عددها الصادر في يوليو 2015، تقريراً يقول فيه البروفسور ديريك آفيري، المدير السابق لمركز الدراسات الروسية والأستاذ في جامعة بيرمنغهام البريطانية، إن الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 لطخ سمعة مبدأ “المسؤولية عن الحماية”، إذ أظهر ارتباطه بفرض سلطة الدول القوية على الدول الأقل قوة منها، بدلاً من نشر القيم الإنسانية والدفاع المدنيين، وأن روسيا، التي غضت الطرف عن الغزو العسكري الأمريكي ـ البريطاني للعراق، ومن بعده ليبيا، بحجة هذا المبدأ، شعرت أن أمريكا ودول “الناتو” تجاوزت هذا المبدأ. وحسب قول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ذهبت إلى دعم جهة ضد جهة أخرى لدى تدخلها العسكري، ولم يُؤَدِّ تدخلها إلى حماية المدنيين، لا في العراق، ولا في ليبيا، بل إلى فرض سياساتها، وتبديل الأنظمة، حسب مشيئتها.[16]
المتغيرات المتشائمة:
يقول محلل السياسات والخبير في شؤون أوروبا الشرقية “فيل بتلر”، منبهاً القراء الذين يتابعون الأحداث في الشرق الأوسط، وخاصة الأزمة السورية، “مهما كانت الأخبار عن سوريا، التي تستيقظ عليها هذا الصباح، فلا تصدقها. لأن اليقين الوحيد في الشرق الأوسط في الوقت الراهن، هو أن أمريكا قد خلقت جحيماً من الفوضى في المنطقة لا يمكن إصلاحه.”[17]ويقول مستذكراً: “بالنسبة لي، استيقظت من نوم مضطرب هذا الصباح، وارتفاع حاد لصوت طنين يسود ذهني. في البداية اعتقدت أن زلزالاً هائلاً قد اجتاح بلدي، ثم بعد قراءة كل العناوين أدركت أن الصوت خارج من جورج واشنطن وأبراهام لينكولن، وجون واين، ويدور في قبورهم مثل توربينات عالية السرعة. ونحن جميعاً نبحلق في الضوء المنبعث من الكاشف الأمامي لشبه شاحنة يقودها باراك أوباما.” وكأني به يقول “انتبه، أو أنت أيضاً يمكن أن تُدهس.”[18]
وعلى حد تعبير وكالة أنباء الـ”أسوشيتد برس”، ونقلاً عما ورد عنها في صحيفة “ميامي هيرالد” الأمريكية، أَطَّرَتْ إلى الاعتراف أنه في لحظة ما قد ذهب كل شيء بشكل خاطئ في قنوات المعلومات، التي لدينا. وذلك بقولها: عندما يُقتل أحد أبرز الأتباع بتنظيم القاعدة في هجوم جوي في سوريا، فإن أكبر نقابة صحفيين على وجه الأرض تساعد باراك أوباما بنسبة ذلك الفضل إليه. إذ جاء في الخبر “لقد قتلت غارة جوية أحد كبار قادة تنظيم القاعدة واثنين من المقاتلين في سوريا، قال نشطاء السبت 17/10/2015، ولكن لم يتضح على الفور ما إذا كان تنفيذها قد تم من قِبَل قوات التحالف، التي تقوده الولايات المتحدة، أو الطائرات الحربية الروسية.”[19]
كل هذا يُلِّحُ على الإجابة على السؤال… “من، الذي ينبغي أن نصدق؟” حسناً قارئي العزيز، كنت أتمنى لو كان عندي الجواب كاملاً بالنسبة لهذا السؤال الشائك المتشائم. فهناك مئات الملايين من الناس قد فقدوا الأمل، وقلَّ عندهم التفاؤل، ويؤكدون على سوء ما سيحدث، رغم أن أولئك الذين يبحثون عن بعض الحقيقة في هذا العالم المضطرب يستحقون معرفة كل الحقائق. فالمعايير قد تغيرت، إذ يمكن لأي متابع حصيف أن يقدم نصيحة واحدة فقط في هذه المرحلة من لعبة الصراع المحتدم في سوريا، ولن يكون سهلاً قبولها، على أهميتها. وبالنظر إلى تعدد وتنازع الجماعات المختلفة، علينا فقط أن نتوقع من يفوز ومن يخسر غداً، وأن اللاعبين الذين نشاهدهم فاعلون اليوم؛ لا ندري من منهم سيكسب الجولة الأخيرة؟ إذ إن الثوابت معدومة، وأن التوقعات المتشائمة هي المتغيرات الوحيدة، التي يمكن لأي شخص الاعتماد عليها حتى الآن.
في الأول من مايو 2015، كتب لورانس ديفيدسون تحليلاً عن “التحالفات والمصالح الوطنية المتغيرة في الشرق الأوسط”، قدم فيها حجة قوية بأنه، على الأقل منذ سبتمبر 2001، وإعلان “الحرب على الإرهاب”، أصبحت هزيمة تنظيم القاعدة والجماعات التابعة لها مصلحة وطنية أمريكية، كان قد صُرِّحَ بها علناً في الولايات المتحدة، إلا أن شيئاً حقيقياً لم يحصل. وقد كانت هذه بالتأكيد هي الطريقة، أو السياسة، التي تم تقديمها عن طريق التصريحات الحكومية المستمرة، ومن كل الإدارات تقريباً، وما عبرت عنه قصص وسائل الإعلام المخصصة لهذه “الحرب” على مر السنين.[20]
ونظرا لأهمية هذا الهدف، فإنه مع تطور المنظمات المرتبطة بالقاعدة مثل ما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش”، وجماعة النصرة، التي تُعرف أيضاً باسم تنظيم القاعدة في سوريا، نسبة لتحالفهما المعلن، سيتبعه منطقياً التحالفأولئك الذين يسعون لتدمير هذه المجموعات،فهم حلفاء أيضاً بحكم الواقع للولايات المتحدة في “الحرب على الإرهاب” وينبغي عليها مساعدتهم. وبالمثل، فإن أولئك الذين يدعمون علناً، أو سراً، هؤلاء المتشددين، الذين هم معارضين للمصلحة الوطنية المركزية الأمريكية، كان يجب أن تكون علاقتهم مع الولايات المتحدة قابلة على الأقل للمراجعة.[21]
ثم جاءت الصدمة؛ من الذي كان ولا يزال يعارض بنشاط هذه المجموعات المنشقة عن تنظيم القاعدة، وله جنود على أرض الواقع؟ فقد اتضح، من بين أمور أخرى، أنهم إيران وحزب الله وحكومة بشار الأسد السورية. والذين يساعدون سراً الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، أعداء واشنطن؟ اتضح أنهم هم حلفاء واشنطن، بمن فيهم إسرائيل.[22] وكما أوضحنا في بداية التحليل الأصلي، فإن هذا التطور الأخير يتعلق كثيراً بحقيقة أن أقرب حلفاء أمريكا قد قرروا أن تغيير النظام في سوريا هو أولوية قصوى، حتى لو كان ذلك يعني سيطرة داعش وجماعة النصرة، في نهاية المطاف، على سوريا.
فهل أوضحت حكومة الولايات المتحدة، أو وسائل الإعلام الأمريكية، هذا الوضع الشاذ لحفائها، أو لشعبها، ووجهت انتباه الجمهور الأمريكي له؟ الحقيقة المقروءة من خلال المصادر المفتوحة تقول بلا، ولا إجابة على هذا السؤال. رقم أن واشنطن قد حاولت أكثر من مرة تغيير سياستها في المنطقة، وذلك بمحاولات للتحالف مع القوى الفعلية المناهضة لتنظيم القاعدة؟ ولكن كيف؟ ولما لا؟ هذه هي الأسئلة وغيرها، التي حاولت دراسات مستفيضة معالجتها بقراءة عامة للمواقف والتناقضات والتقاطعات. ولكن هنا، في هذا العرض، نحن ننظر، ولاً وأخيراً، إلى عامل التعقيد، الذي شاب المشهد السوري، وتقاطعات وألغاز الارتباك الأمريكي، وحالة التشاؤم، التي أوجدها بشأن الحل؛ إن كانت هناك إمكانية موضوعية وواقعية لهذا الحل.
التقاطعات والألغاز:
تقول الحكمة المشهورة، التي نطق بها “مايكل كورليوني”، في الفيلم الكلاسيكي “العَرَّابْ- The Godfather“، الجزء الثاني، “حافظ على أصدقائك قريبين منك، ولكن أجعل أعدائك أقرب”. وهذه الحكمة قد تُفسر لنا ما نتصور أنه تقاطعات، أو ربما ألغاز، في السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا، التي لا يمكن الاقتراب منها دون فرز دقيق لسياسات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ككل. إذ يبدو أن واشنطن قد تحتاج في بعض الأحيان إلى اتخاذ الرأي المعاكس، إذا نُصِحَتْ بصواب ما ينبغي أن تفعل، وأن تُلقي نظرة فاحصة على الأدوار، التي يستطيع أصدقاؤها وشركاؤها العرب أن يلعبوها في مسرح العمليات الملتهبة،[23] في حين تلجأ للتعاون مع أعدائهم.
إن الرأي العام الغالب في واشنطن يقول إن النزاع المدمر في سوريا ظل يستصرخ استجابة دولية فاعلة ومستمرة، لا تقل عن معالجة العالم لغزو الرئيس العراقي صدام حسين للكويت عام1990، لأن آثاره عميقة وستستمر لآماد طويلة، حتى ولو توقفت الحرب اليوم. فواشنطن تعلم أن تصرفات داعش تُؤكد أنها لا تُشكل تهديداً قاتلاً لسوريا والعراق فحسب، وإنما لكل الدول العربية في المنطقة، وتمس مصالح القوى الكبرى خارج المنطقة على حد سواء الدول؛ ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، ولكن أيضاً لدول مثل؛ روسيا، والصين، والهند، واليابان.
وتذكر الوقائع أنه بعد أن تمدد الرئيس صدام حسين بقواته إلى الكويت، استطاعت الولايات المتحدة، بقيادة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، وفي عرض مدهش للدبلوماسية الأمريكية، حشد ائتلاف واسع النطاق، ومن جميع أنحاء العالم؛ بما في ذلك الاتحاد السوفييتي، وحتى نظام حافظ الأسد في سوريا لم يكن له بد من المشاركة المباشرة ضد نظام يتقاسم معه مبادئ “البعث” وأيديولوجيا الفكر القومي العربي، ويتبارى معه في رفع ذات الشعارات؛ أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.
والآن، فإن المنطقة تضطرب، وسوريا تلتهب، فما هو السبب، الذي يجعل الولايات المتحدة لا تجتهد كثيراً في تعبئة ائتلاف مماثل لعكس نتيجة جميع المكاسب، التي حققتها داعش في سوريا والعراق؟ والإجابة على هذا السؤال تنطوي بالضرورة أيضاً اقتراح فعلٍ يعمل على اقتلاع داعش من مقراتها في مدينة الرقة والموصل، وإيجاد حل سريع لأصل النزاع السوري، وتثبيت أركان النظام العراقي الحليف، الذي نتج عن غزو خَلَّف البلاد منقسمة على نفسها، ومتصارعة داخل حدودها.
إن إرسال خمسين فرداً من جنود العمليات الخاصة، الذي أعلنت عنهم الإدارة الأمريكية مؤخراً، هو أشبه بالمحاولة المكشوفة للتسلل إلى منطقة الجزاء، في ميدان كرة القدم، والظهور بمظهر من يُريد أن يفعل شيئاً بأقل مجهود، أو يلفت الانتباه إلى محاولة سيحتسبها الحكم ضده في كل الأحوال. فقد تساءل كثيرون في واشنطن: أين هو جيمس بيكر عندما تحتاج الدبلوماسية الأمريكية إليه؟ ولكي نكون منصفين، لا يمكن أن يكون كل اللوم على الخوف والتردد، في الاستجابة الفاترة، والتراجع، الذي يَسِمُ تصرفات إدارة أوباما، وإنما على الارتباك الإستراتيجي، الذي أوجد حالة العجز، والذي يُقيد كل فرص واشنطن في الفعل الصحيح، في الوقت المناسب.
وإذا كان الزعم بأن الدور المطلوب من الولايات المتحدة هو الحفاظ على تدفق النفط قد تأرجح طويلاً بين النفي والتأكيد في السنوات الأخيرة، فإن مسؤوليات واشنطن تجاه حلفائها المقربين في المنطقة ينبغي ألا تتغير كثيراً. فقد ازدادت التهديدات وتنوعت أشكالها؛ من تنافس إقليمي محموم، إلى حركات جهادية تعتمد الإرهاب لغة في توسيع قاعدة نفوذها. وقد يتفق المراقبون مع مقولات أن التهديد لخطوط نقل النفط لم يعد يشغل بال الكثيرين، خاصة بعد اتفاق الدول الكبرى مع إيران على موضوع برنامجها النووي، وأنه لا أحد من المنتجين في أوبك له مصلحة في تدمير مصدر رزقه؛ فمن هو، الذي لديه حافز لتعطيل تدفق النفط؟
لذلك، فإن النتيجة المحسوبة، والمتفق عليها الآن، هي أن ليس بمقدور داعش فعل ذلك، لانشغالها هي نفسها بتجارة نفط تمول بها عملياتها، وتدير بريعها شؤون رعاياها. ومع ذلك، وفي حين أن قليل من التفاصيل يمكن الحديث عنها في هذا الجانب، وأن النقاش عن تقاسم الأعباء مع المستوردين للنفط مثل الصين، والهند، واليابان، والاتحاد الأوروبي، قد تأخر كثيراً، فإن دور الولايات المتحدة الخارجي في خلق التوازن في منطقة مضطربة لا يزال يشكل ركناً هاماً من أركان الاستقرار. لكننا مازلنا مع معضلة أن أي جهد يقوده الغرب للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية لا يمكن أن ينجح في النهاية من تلقاء نفسه. فإذا نظرنا إلى هذه الحملة باعتبارها حرباً أمريكية، أو غربية، أو حرباً صليبية، فإنها ستؤدي إلى رد فعل عنيف في العالم الإسلامي. وهذا هو الفخ، الذي نصبته داعش، التي جعلت نهايتها مرتبطة بنهاية العالم، أو العالم الإسلامي؛ على أقل تقدير.
معركة العرب والمسلمين:
إن الرأي الصواب يحتم وجوب أن يكون هناك تحالف تلعب من خلاله القوى الموجودة في المنطقة دوراً قيادياً كبيراً في محاربة التطرف والإرهاب. ولا يمكن أن يكون الأمر إلا كذلك، إذ يجب أن تكون قيادة الحرب ضد الدولة الإسلامية بيد تلك الدول، وأن يكونوا في الخطوط الأمامية المحيطة بها. فالولايات المتحدة، وفرنسا، وروسيا، وغيرها، يمكن، وينبغي، أن يقدموا المعونة حفاظاً على مصالحهم، ويدعموا بقوة ذلك الجهد، بما في ذلك إنزال بعض قواتهم على الأرض. ولكن يجب أن تكون المعركة أساساً معركة العرب والمسلمين، وأن يُظهروا بما لا يدع مجالاً للشك أن “الدولة الإسلامية” ليس هي الإسلام، وليست شرعية، بل هي آفةٌ طارئة وفعلٌ مُنحرف لاختطاف وإفساد العقيدة الإسلامية.
لقد جاءت الإجابة سريعاً من المملكة العربية السعودية بإعلانها، يوم 15ديسمبر 2015، تأسيس تحالف يضم 34 دولة إسلامية، أو ذات غالبية إسلامية، انضمت إلى تحالف عسكري جديد “لمحاربة الإرهاب”.[24] وجاء الإعلان عن هذا التحالف في وقت يتزايد فيه الضغط الدولي على الدول العربية في الخليج لبذل المزيد من الجهد في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”. وعلى ذلك أكد وزير الدفاع السعودي، محمد بن سلمان، بقوله إن التحالف الجديد سينسق الجهود ضد المتطرفين في العراق، وسوريا، وليبيا، ومصر، وأفغانستان. مضيفاً أن “هذا ينطلق من يقظة العالم الإسلامي في محاربة هذا المرض (التطرف الإسلامي)، الذي أضر بالعالم الإسلامي”.[25] إن “كل بلد إسلامي، حالياً، يحارب الإرهاب بمفرده … ولذلك فإن تنسيق الجهود أمر مهم جداً”.[26] لكن إيران، منافس السعودية الرئيسي في المنطقة، غير موجودة، رغم أن الوزير السعودي ترك الباب مفتوحاً لكل الدول في منظومة منظمة التعاون الإسلامي أن تنضم في أي وقت شاءت.
وتضم قائمة الدول الـ34 الأعضاء، التي أعلن عنها، كلاً من: السعودية، والبحرين، وبنغلاديش، وبنين، وتشاد، وجزر القمر، وساحل العاج، وجيبوتي، ومصر، والغابون، وغينيا، والأردن، والكويت، ولبنان، وليبيا، وماليزيا، والمالديف، ومالي، والمغرب، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، وباكستان، وفلسطين، وقطر، والسنغال، وسيراليون، والصومال، والسودان، وتوغو، وتونس، وتركيا، والإمارات العربية، واليمن. وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية إن عشر “دول إسلامية” أخرى عبرت عن تأييدها للتحالف، من بينها إندونيسيا. ينسق بينها مركز عمليات مشترك، من المقرر تأسيسه في العاصمة السعودية، الرياض.[27] ومعرف أنه لفترة طويلة جداً، كانت الجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسة سعداء لمجرد الحفاظ على رضاء وزارة الدفاع “البنتاغون”، وشراء الأسلحة الأمريكية المتطورة لتصدأ في الصحراء، في حين ينتظر الجميع تدخل الولايات المتحدة كلما كانت هناك معركة يجب أن تُخاض. غير أن طبيعة التهديدات الماثلة الآن، التي تُشكل خطراً وجودياً على الجميع، تتطلب من الدول العربية في الخطوط الأمامية أن تكون في مقدمة ووسط أي جهد لأي تحالف ينشأ لإزالة هذا الخطر، والقضاء على داعش وكل الجماعات المتطرفة من المنطقة.
وحتى نقترب من تصور موضوعي واقعي لحجم المطلوب من هذه التحالف، تقول العديد من التقديرات، إن القوات البرية، التي ينبغي أن يكون قِوامها من العرب والمسلمين، لا تحتاج إلى أكثر من مائة ألف جندي، ومن المرجح أن لا تحتاج العمليات الفعلية إلا إلى نصف هذا العدد، ولمدة قصيرة نسبياً. ومن بعدُ، سيتطلب الأمر قوة حفظ سلام لمدة عام، أو عامين، كفترة انتقالية، وأن تكون أغلبية قواتها هي أيضاً من المسلمين. ولكن، يجب أن تكون بتفويض واضح من الأمم المتحدة. إذ علينا أن نتذكر، وينبغي أن يكون واضحاً لجميع الدول في المنطقة أن كل التدخلات الغربية خلال القرن الماضي تقريباً؛ من سايكس-بيكو، ولوزان، التي جاءت لتحل الدولة القُطْرِيَة محل الإمبراطورية العثمانية، مع ما كانت عليه من مفاهيم غريبة في المنطقة؛ وسوء تصور الدول القومية، وحتى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، قد تمخضت عن نتائج عكسية.
والآن، إذا كان الذين يعيشون في المنطقة يملكون حقاً آليات حساب أمان بمعايير تفاضل وتكامل مختلفة جداً عن واشنطن، فإن الوقت قد حان لإعادة تقييم العلاقات الأمنية الأمريكية – العربية في المنطقة، على ضوء هذه الآليات والمعايير. إذ يجب أن تعكس الشراكة الأمنية التقديرات والمصالح المشتركة، أي أنها ليست طريقاً ذا اتجاه واحد، ويجب أن تكون المعاملة فيها بالمثل، مهما تغايرت أوزان كفة المعادلة.
والاقتداء بإيران قد يكون جائزاً في هذه الحالة، بل مطلوباً، رغم أن هناك بعض التطابق في تقييم التهديدات بالنسبة لواشنطن، وبعض حلفائها في المنطقة، فيما يتعلق بإيران ونواياها على المدى الطويل. إذ يشعر هؤلاء الحلفاء أن الغرب قدم تنازلات كثيرة لإيران، وأن طهران خرجت منتصرة، غير أن الخطاب الإيراني عكس حقيقة مختلفة. وهذا هو ما لُوحِظ في رد فعل المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي المتشدد على الاتفاق النووي، قد بَيَّنَ فهم طهران له على أنه استثناء لمرة واحدة، والولايات المتحدة لا تزال الشيطان الأكبر، وتوسيع النفوذ الإيراني لا يزال الهدف الإستراتيجي.
ولكن، هنا والآن، هناك حاجة ملحة للتعامل الجدي مع تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية – داعش والصراع في سورياً، كأولوية قصوى، وأن يحل الاهتمام بها محل المخاوف بشأن إيران. وقد يقول قائل، ونظراً للواقع الماثل، إن تنظيم الدولة الإسلامية لا يمكن القضاء عليه حتى يتم حل النزاع السوري، وربما يكون ذلك صحيحاً كأساس عام، رغم أن هناك بعض التداخل في المصالح، التي قد تجمع الجميع، حيث أن إيران ستكون بالضرورة جزءاً من أي حل سوري.
وعلى أية حال، ما لم تعمل الدول العربية، التي هي على خط المواجهة، على إعادة التفكير في كيفية حساب المصالح على المدى القريب، فإنه سيكون من الحكمة على الولايات المتحدة الأمريكية أن تبدأ بعض مناقشاتِ البحث عن الذات مع أصدقائها في المنطقة حول طبيعة العلاقات الأمنية مع حلفائها العرب والمسلمين في الشرق الأوسط، الذي يندفع بسرعة نحو هاوية الانهيار، مع عجز واضح على الفعل، الذي يُصَوِّب المسارات المختلفة.
إن الشرق الأوسط الكبير يواجه أزمات متعددة، وتضطرب كل أجزائه، الأمر، الذي دفع العديد من المحللين الأمريكيين أن يجادلوا حول المواقف المترددة لواشنطن، ويحاججوا من أجل تعزيز العلاقات الأمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي خاصة، وغيرها من الشركاء العرب، ويُطالبوا بالفاعلية، وعلى الذهاب بخطوات جادة نحو شراكات أمنية حقيقية مع دول المواجهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية – داعش. ولكن اليقين أن كل الشراكات الأمنية، وبالتأكيد التحالفات، تبدأ بالضرورة مع التصور الواضح للأهداف المشتركة، التي ينبغي أن يتوافق عليها الجميع.
ففي حين أن لدى دول المواجهة أكثر من خمسة ملايين رجل يحملون السلاح، فإن هذه الدول لا ترى أن في مصلحة أيٍ منها نشرها للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية. ومثلما قد يقول أي ضابط عسكري له خبرة بالحروب في المنطقة، إن اتخاذ تجربة الولايات المتحدة في العراق تبين أن المعركة لا يمكن كسبها فقط من خلال سلاح الطيران. لذا، فإن أي إستراتيجية لتدمير داعش؛ وهو الهدف المعلن، الذي لا بد من تنفيذه عاجلاً أم آجلاً، تحتاج لقوات على الأرض للاستيلاء على المساحات، التي احتلتها، ووضع الأساس لإدارة جديدة، من قِبل السلطة الحاكمة الشرعية في تلك الأرض المحررة.
والسؤال، الذي يبدو محيراً لصناع القرار والرأي العام في واشنطن هو: لماذا تبدو الدول العربية، حريصة جداً أن يكون للولايات المتحدة دور أمني قائد في المنطقة، وضد داعش تحديداً في حين أنهم مشغولون بمخاوف أخرى، من قبيل التوسع الإيراني؟ وذلك مع معرفة الإدارة الأمريكية المؤكدة أن إيران، وما تصفه واشنطن بـ”مخططاتها الامبريالية”، تُشكل في تقدير الإدارة الأمريكية، تهديداً واضحاً على المدى الطويل للدول العربية ذات الغالبية السنية في المنطقة.
وللمقارنة، وفي مناطق أخرى، حيث تقوم الولايات المتحدة بدور الضامن الأمني؛ مثل وأوروبا وشرق آسيا، يوجد هناك شركاء نشطين، والعلاقات الأمنية تتسق مع تصورات التهديدات المشتركة، وقدر من المعاملة بالمثل فيما يتعلق بأدوارهم الدفاعية منها والمهام العسكرية. وفي منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو”، هناك التزام كامل بالأمن الجماعي. وفي شرق آسيا، يوجد الأمر نفسه من خلال مجموعة متنامية من الشركاء يتقاسمون المهام الأمنية. ففي منظومة دول الـ”آسيان” تتشارك الولايات المتحدة مع اليابان، والولايات المتحدة وكوريا، إضافة إلى التحالفات الثنائية بين الولايات المتحدة وأستراليا، وشبكة أمنية إقليمية تتطور باستمرار.
ولكن في الشرق الأوسط، هناك عدم وجود أولويات مشتركة بين الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية، نسبة لوجود إسرائيل وتحيز واشنطن الواضح لها ضد المصالح العربية، وفيما يتعلق بتصورات التهديد، والقليل من الاتفاق على أدوار ومهام كل منهما. وإذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه، وليكن هذا هو الحال، وإذا استمر أولئك المعنيون بالقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في رفض إعطائها الأولوية اللازمة لذلك، سيتم إطالة أمد معاناة إقليم كامل آيلٍ للتفكك، وسوف يستفيد الذين يجيدون صناعة الموت؛ مثل داعش وغيرها من الجماعات. وفي مثل هذا السيناريو المرعب، سوف تكون هناك حجة أقوى بكثير للمعارضين وللمطالبين في واشنطن بالحد من العلاقات الأمنية الأمريكية – العربية، بدلاً من توسيعها تأمينا وصيانة للمصالح الأمريكية، التي قد تتعرض للخطر إن لم تُشارك الولايات المتحدة بجدية في حمايتها مع حلفائها وشركائها العرب.
روسيا في دور المنقذ:
راقب العالم بكثير من الاهتمام أن واشنطن الرسمية دخلت للوهلة الأولى في حالة انفعال على قرار روسيا للانضمام إلى القتال في سورية لهزيمة القاعدة وداعش، على الرغم من أن المراقبين كانوا يعتقدون أن تُرحب الولايات المتحدة بمساعدة موسكو هذه دون تردد. ولكن، هناك عوامل أخرى، كان على الجميع أخذها في الحسبان، بما في ذلك الرغبات المتعارضة لدول مؤثرة، مثل إسرائيل من جهة، والمملكة العربية السعودية من الجهة الأخرى، وجملة المواقف المعقدة في المنطقة.
لقد اتخذت هذه الحالة المعقدة بعداً جديداً الآن، وتحول الاهتمام فيها إلى منحى آخر. إذ إن الحكومة الروسية، التي تعتبر أيضاً القاعدة وفروعها تهديداً متزايداً لمصالحها، قررت أن الولايات المتحدة لن تتصرف بصورة مجدية ضد المتشددين، الذين يهددون سوريا الآن؛ البلد، الذي كان، ولا يزال، لروسيا معه علاقات متميزة وقوية. وبعد التوصل إلى هذا الاستنتاج، قررت موسكو أخذ زمام المبادرة وزيادة المساعدات العسكرية لدمشق.
ووفقاً لمقال نُشر في صحيفة “نيويورك تايمز”، بتاريخ 4 سبتمبر 2015، فإن الدعم الروسي إلى سوريا يشمل وصول ما لا يقل عن ألف من المستشارين العسكريين وموظفي الدعم اللوجستي. كما أن روسيا لديها بالفعل قاعدة بحرية في ميناء طرطوس. وتؤسس الآن لإقامة وجود فاعل في القاعدة الجوية الرئيسة خارج مدينة اللاذقية. وقد أثار كل هذا التطور القلق في واشنطن، وسبق لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي التقى عدة مرات مع مسؤولين روس حول الأزمة السورية، أن ذكر لنظيره الروسي، سيرجي لافروف، أن التحركات الروسية سوف تعمل فقط على زيادة مستوى العنف بدلاً من المساعدة لتشجيع التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.
وهذا الموقف “الأعرج”، حسب وصف الصحيفة، من كيري، يبين بجلاء ارتباك الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وإزاء سوريا بشكل خاص. إذ بعد أكثر من أربع سنوات طال أمدها من الذبح والقتل والتدمير والحرب الضروس، وأكثر من 4 ملايين لاجئ، والعديد من المحاولات الفاشلة للتفاوض على التسوية، فإن النتيجة الشاخصة لذلك هي نمو المتشددين، الذين يسيطرون الآن على معظم سوريا، وجزء كبير من العراق كذلك.[28]
لقد يكون هذا مجرد تخمين، وهو أن موسكو قد توصلت إلى استنتاج أن التسوية عن طريق التفاوض أمر غير ممكن، وما يحتاجه الوضع حقاً هو الانتصار العسكري، الذي يدمر منظمات مثل داعش وجماعة النصرة. والغريب في الأمر، أن الحكومة الأمريكية تبدو مندهشة من هذا الاحتمال. ولا شك أن موسكو لا ترى أي مبرر لتغيير حليفها بشار الأسد، في حين أن “تغيير النظام” هو المطلب الشهير للولايات المتحدة والقادة الإسرائيليين.[29] فقد ذهبت واشنطن إلى حد الطلب من الدول التابعة لحلف شمال الأطلسي “الناتو” لحرمان طائرات النقل الروسية من إذن التحليق فوق أراضيها في طريقها إلى سوريا. وقد فعلت بلغاريا، على الأقل، ذلك تماماً. ولحسن حظ موسكو، فإن هذا لا يعيق حقاً الجهد الروسي. إذ إن إيران، العدو الآخر لتنظيم القاعدة، قد منحت الإذن للتحليق، مما فتح الباب واسعاً لطريق مباشر لخط الإمداد الروسي.
إن تدمير منظمات مثل تنظيم القاعدة يفترض أن يكون هو هدف “الحرب على الإرهاب” الأسمى بالنسبة لواشنطن. ومع ذلك، تبدو سياسات الحكومة الأمريكية في هذا الصدد غير متناسقة. وبالسؤال: هل تريد الولايات المتحدة تدمير “القاعدة” والجماعات التابعة لها، أو لا؟ فإن الجواب هو، في الغالب، نعم. ومع ذلك، هنالك دائماً أمر كثيراً ما يحمل الحكومة الأمريكية على التراجع، وهو أمر يتعلق بالتساؤل حول ما إذا كان الروس يملكون القدرة على مثل هذه المواجهة أم لا. وهذا الأمر عادة ما ينقسم إلى ثلاثة أجزاء: أولها، جماعات المصالح المحافظة “اللوبيات” في واشنطن، والمتمكنة منذ أمد بعيد، وأقواها هي، التي ترعاها إسرائيل. والثاني، عناصر المحافظين الجدد المؤيدة للحرب داخل المجتمع الأمريكي، التي تتعاون غالباً مع هذه الجماعات واللوبيات؛ والثالث، البيروقراطية العسكرية الأمريكية، التي تلتزم أجزاء منها بالحفاظ على نظام قواعد القوات البرية والجوية والبحرية، والتي تقع معظمها في دول الشرق الأوسط المعادية لكلٍ من روسيا وسوريا. وهذا هو المزيج من القوى، الذي يمنع أي تغييرات ذات مغزى، حتى ولو كان تطور الواقع يفرض المطالبة بمثل هذه التغييرات.[30]
وبعبارة أخرى، في حين أن إسرائيل وغيرها من دول المنطقة يمكن أن تعمل بطرق تعتبرها ضرورية لخدمة مصالحها الوطنية، فإن وكلائها وحلفائها في واشنطن يمارسون ما يكفي من النفوذ لتثبيط صناع السياسة الخارجية الأمريكية من القيام بنفس الشيء عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط. إن هذا هو السبب، الذي يجعل واشنطن لا تؤشر على حقيقة أن “الحلفاء” في المنطقة يُساعدون نفس النوع من الناس، الذين هاجموا مركز التجارة العالمي، في حين تُعاقب في الوقت نفسه الروس عندما يتصرفون في الواقع بقوة ضد هؤلاء الإرهابيين أنفسهم.
إن عدم القدرة على التَكيُّف مع تغيُّر الحقائق على الأرض هو علامة يقينية على التراجع، خاصة بالنسبة لـ”قوة عظمى”. وللأسف، يبدو أن هذا الوضع بالنسبة للولايات المتحدة، على الأقل في هذه المرحلة، هو السمة السائدة. ويمكن للمرء أن يستنتج أن قدرة إدارة أوباما على تأمين الاتفاق النووي مع إيران هو مثال واحد معزول من الواقعية السياسية. فالسياسة الأمريكية الحالية تجاه سوريا تُظهِر أن واشنطن لم تُجر التحول، الذي يؤدي إلى قدرة واضحة المعالم ودائمة لتقييم المصالح الوطنية لها في الشرق الأوسط.[31]
سياسة مرتبكة ومربكة:
يؤكد الكاتب وأستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا، وأحد أهم أقطاب الفكر الليبرالي اليساري في أمريكا والعالم، بيري أندرسون، في كتابه الصادر مؤخراً، بعنوان: “سياسة أمريكا الخارجية ومفكروها”، أن الولايات المتحدة ما زالت عملياً واستراتيجياً تملك سيطرة سياسية عامة على منطقة الشرق الأوسط، ولكن ذلك لا يخلو من أخطاء ارتكبتها في سياستها الخارجية. ويشير أندرسون إلى أنه على الرغم من استفاقة روسيا سياسياً واقتصادياً في السنوات الأخيرة، بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، وتحسن معدلات نموها، فان المبادرات الروسية الانفرادية خارج روسيا، وبعض المناطق والبلدان المحيطة بها، التي كانت تابعة للاتحاد السوفييتي، تبقى محدودة النجاح. ويعتبر الكاتب أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يحاول القيام بمبادرات لترتيب العلاقة مع روسيا بقيادة بوتين، وقد ألغى برنامج نشر الصواريخ المتطورة في أوروبا الشرقية، التي كان ينوي جورج بوش الابن نشرها بحجة مواجهة أي خطر عسكري إيراني مُرتقب. في مقابل ذلك، لم تعارض روسيا قرار مجلس الأمن الدولي بإنشاء منطقة لحظر الطيران فوق ليبيا لحماية المدنيين، الذي حولته الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إلى قرار يسمح بضرب ليبيا عسكرياً من الجو، مما أدى إلى خسائر في أرواح المدنيين وتمزيق البلد. ويوضح المؤلف أن بوتين لم يقطع علاقاته مع الجهات المعارضة للنظام السوري في الداخل، ولا مع الدول الإقليمية المعارضة لنظام الرئيس بشار الأسد، وتعاون في مجال الموافقة على إرسال بعثات دولية للتفتيش عن الأسلحة الكيميائية في سوريا ونزعها، وما زال يتعاون في هذا الحيز. وبالتالي، نجح بوتين في الحؤول دون حدوث هجوم عسكري أمريكي ـ أوروبي على سوريا كما حدث في ليبيا والعراق.[32]
ويعتبر أندرسون أن هذا الموقف، ساهم في حل المشكلة في المدى القصير فقط، وأنه في المدى الطويل المطلوب هو الحلول الأكثر فاعلية. ويرى أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاوزت توقعات بوتين في ليبيا وفعلت معه أمراً مشابهاً لما فعلته مع الزعيم السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف حول النكوث بالوعد الأمريكي بعدم توسيع انتشار قوات حلف شمالي الأطلسي “الناتو” في دول أوروبا الشرقية مقابل تنازلاته، ثم التراجع عن هذا الوعد، وان أمريكا قد تفعل الأمر نفسه بالنسبة لوضع الرئيس السوري بشار الأسد لما فعلته بالنسبة للزعيم الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، بحيث تم التراجع آنذاك عن وعود قدّمها الغرب في اتفاقية “دايتون” لإنهاء الحرب اليوغسلافية بعدم اعتقال زعمائها، والرئيس بوتين متنبه لذلك تماماً.[33]
وينبه أندرسون إلى أن فرنسا وبريطانيا قامتا سابقاً بمبادرات لتشجيع واشنطن على التصعيد العسكري في ليبيا، وفي العقوبات ضدها وضد سوريا وإيران، وقد تنجحان مرة أخرى في الدفع للتصعيد برغم التصريحات العلنية المخالفة لذلك، والمتناقضة في كثير من الأحيان في الشأن السوري. وتتمنى واشنطن، أن يساعد إبرام الاتفاقية النووية الأمريكية مع إيران في حلحلة القضية السورية، وفي أن تتعاون طهران معها، كما فعلت في أفغانستان في عملية المواجهة مع تنظيم الدولة. كل هذه الأخطاء في السياسة الخارجية الأمريكية قد تساهم في دعم موقف روسيا وبوتين في المنطقة. ولذلك، فان قادة دول المنطقة على اختلاف انتماءاتهم، يذهبون لزيارة بوتين للاستيضاح منه عما يجري. وقد فعل ذلك قادة إسرائيل والسعودية ومصر وإيران وسوريا وفلسطين، وغيرهم.[34]
وفي تحليل معمق لأسباب الخلاف الجذري في سياسة واشنطن الخارجية مع سياسة روسيا بوتين، يؤكد البروفسور ديريك آفيري، المدير السابق لمركز الدراسات الروسية والأستاذ في جامعة بيرمنغهام البريطانية،أن النقطة الأساسية هي رفض موسكو تفسير أمريكا وحلفائها لمبدأ “المسؤولية عن الحماية”، الذي تَنُصُّ عليه الشرائع الدولية، والذي يقضي بضرورة حماية الدول الكبرى القوية للسكان المدنيين في دول أخرى ترتكب فيه السلطات، أو الميليشيات المهيمنة عسكرياً، المجازر الوحشية بحقهم لإبادتهم، بعد موافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على ذلك. وقد اتهمت بعض الجهات موسكو بممارسة حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن في مناسبات كان بإمكان أمريكا وحلفائها التدخل عسكرياً لمنع مجازر في بعض الدول، التي تجري فيها الحروب الأهلية في مناطق مختلفة من العالم.
ولهذا السبب، مارست موسكو حق “الفيتو” ضد أي مبادرات أمريكية أوروبية مماثلة في سوريا. وخطت خطوة إضافية بتعزيز وجودها العسكري واللوجستي هناك لمنع حدوث الفوضى السياسية والعسكرية، كما حدث في العراق وليبيا. وبالإضافة إلى ذلك، فإن موسكو قررت حماية مصالحها في سوريا بشكل مباشر، والتفاوض مع أمريكا من موقع قوة في شأن مستقبل سوريا. وتبين لاحقاً أن أمريكا ربما ستسير في هذا التوجه وتأخذ مصالح روسيا في الاعتبار بدلاً من الوقوع في مغطس المواجهة العسكرية معها، وذلك من موقع دبلوماسي وليس نتيجة للضعف، أو الخوف. ويبدو أيضاً أن أمريكا أدركت أن الجهات المعارضة المقاتلة في سوريا، بقيادة “تنظيم الدولة” و”جبهة النصرة”، غير قادرة على التجمع في جبهة عسكرية واحدة قادرة على تسلم قيادة سوريا عسكرياً، أو سياسياً، إذا تمت إزاحة النظام السوري الحالي في عملية قيصرية متسرعة، وخصوصاً أن جزءاً كبيراً من الشعب السوري، وعلى رأسهم الأقليات العرقية والدينية والمذهبية، ما زالوا يخشون المجموعات العسكرية المعارضة وممارساتها القاسية ضد خصومها، ويفضلون الاحتماء بأي هيكلية لدولة مدنية تعتمد معايير دستورية عادلة لحفظ حقوقهم.
الغموض والاضطراب:
لقد كانت هناك العديد من الانتقادات لغموض واضطراب سياسة إدارة أوباما تجاه سوريا؛ منذ أن بدأ القتال هناك بين الحكومة السورية ومعارضيها في عام 2011. وقد جادل العديد من الأمريكيين حول الدعم الروسي، والإيراني، القوي لنظام بشار الأسد، في حين أن الولايات المتحدة قد فعلت القليل للمعارضة ما سمح لنظام الأقلية العلوية بقيادة الأسد للبقاء في السلطة والاستمرار في اضطهاد الأغلبية السنية، فضلاً عن الطوائف الأخرى في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، قد جادل البعض، بأن عدم استعداد الولايات المتحدة لمساعدة المعارضة السورية المعتدلة قد خدم فقط تعزيز دور المعارضة الراديكالية الجهادية هناك، وبالتالي، تقليل احتمالات أن تنشأ حكومة متعاونة مع واشنطن إذا، أو عندما، يسقط نظام الأسد.[35]
وعلاوة على ذلك، فإن تهديد إدارة أوباما للرد عسكرياً على سوريا عندما اتهمت الحكومة باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد معارضيها في أغسطس 2013، فاجأ الكثير من الجمهوريين، الذين قالوا إن تصريحات أوباما في غير محلها، معتبرين أن الحرب قد قتلت من المواطنين السوريين بالأسلحة التقليدية أكثر بكثير مما أُشتبه في أنه عدوان كيماوي جديد. وقد تبنت إدارة أوباما أيضاً اقتراحاً روسياً لوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت السيطرة الدولية، الأمر، الذي حير الكثيرين من الذين كانوا يخشون أن نظام الأسد غير مستعد لتنفيذه تنفيذاً كاملاً، وأن موسكو إما راغبة، أو غير قادرة، لإجبار دمشق على القيام بذلك. وأخيراً، يخشى كثيرون أن فشل إدارة أوباما في وقف الحكومة السورية من مواصلة ذبح مواطنيها لم يسمح فقط لهذه الكارثة الإنسانية أن تستمر، ولكن قد تشجع الحكام المستبدين الآخرين للتفكير في أنهم أيضاً يمكنهم ذبح المعارضين لهم في الداخل، مع الإفلات من العقاب؛ إذا صَحَّ هذا الافتراض.
لقد وجهت كل هذه الانتقادات القاسية والخطيرة لسياسة إدارة أوباما تجاه سوريا. ومع ذلك، هناك عدة اعتبارات هامة للغاية تدفع إدارة أوباما لعدم التدخل في سوريا، التي من المرجح أن تواصل إتباع ذات النهج في المستقبل. وتأتي في المرتبة الأولى بين هذه الاعتبارات تفضيلات الرئيس أوباما نفسه، بعدم تكرار مغامرات سلفه بوش، فهو قد أمر بسحب القوات الأمريكية من العراق، وبصدد سحبها من أفغانستان، وتم توشيحه بطلاً للسلام [بمنحه جائزة نوبل]، وسيصعب عليه جداً إقحامها في المعترك السوري.[36] وسبق له أن قال إنه جاء لمعارضة سياسة إدارة جورج بوش والتدخلات، التي رمت بالقوات الأمريكية في مستنقعات تجاوزت تكاليفها فوائدها. وفي حين أن أوباما سمح للولايات المتحدة التدخل في النزاع الليبي في2011، لكنه أبقى هذا التدخل في حدوده الضيقة. وعلاوة على ذلك، واصلت ليبيا الاضطراب السياسي والعنف بعد سقوط نظام القذافي، بما في ذلك الهجوم المدمر على القنصلية الأمريكية في بنغازي في عام 2012، التي لم تفعل شيئاً لتشجيع أوباما للاعتقاد بأن تدخل الولايات المتحدة في النزاع السوري الأكثر تعقيداًسيؤدي إلى نتائج أفضل.
بالإضافة إلى ذلك، فمن الواضح الآن أن الكونغرس والرأي العام الأمريكي يعارض أي نوع من التدخل الأمريكي في سوريا. وعندما وجه أوباما دعوة لتوجيه ضربة عسكرية أمريكية ضد سوريا، رداً على الزعم باستخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية، إذا وافق الكونغرس، فإنه سرعان ما أصبح واضحاً أن الكونغرس لن يفعل ذلك بسبب المعارضة الساحقة من جميع ألوان الطيف السياسية. وبطبيعة الحال، يمكن لأوباما، أن يجيز استخدام القوة دون موافقة الكونغرس، كما فعل الرؤساء السابقين له كثيراً. والاحتمال الوحيد هو إذا فعلت الحكومة السورية شيئاً أكثر فظاعة مثل إطلاق العنان لهجوم كيماوي آخر على خصومها، على الرغم من أنه يبدو مستبعداً جداً،[37] ومن غير المرجح أن يفعل الرئيس الأسد ذلك، وقد بدأ ميزان القوى يعمل لصالحه، فإن واشنطن قد تقرر الفعل.
إن القلق على الأمن الإسرائيلي قد خدم أيضاً كدافع إضافي ومهم لإدارة أوباما بعدم التدخل في سوريا. ومع اعتبار الحكومة السورية كحليف وثيق لاثنين من أقوى الخصوم لإسرائيل، وهما إيران وحزب الله، فإن تل أبيب لا تعتبر دمشق عاصمة صديقة للدولة العبرية. ولكن، على الرغم من ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية تُقَدِّر حقيقة أن الحكومة السورية؛ تحت حافظ الأسد، وابنه بشار على حد سواء، أبقى الهدوء على الحدود السورية –الإسرائيلية، منذ نهاية الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1973. بينما ترغب إسرائيل بالتأكيد في رؤية سوريا مجردة من الأسلحة الكيميائية، وتخشى من أنه إذا سقط نظام الأسد، قد تحل محله واحدة من الجماعات الأكثر عدائية بكثير تجاه الدولة اليهودية، ويمكن أن يعود الصراع على طول الحدود السورية – الإسرائيلية إلى الظهور من جديد. وتشارك إدارة أوباما إسرائيل هذا القلق؛ شأنها شأن أي إدارة أمريكية أخرى.
وثمة عامل آخر يحول دون التدخل الأمريكي في سوريا، وهو حرص إدارة أوباما على العلاقات مع روسيا، وعدم افتعال حالة حرب باردة جديدة. وباختصار، فإن واشنطن لا تريد استعداء موسكو بالتدخل في سوريا في الوقت الذي تسعى للتعاون الروسي في عدة قضايا ذات أهمية كبرى لإدارة أوباما، بما في ذلك الملف النووي الإيراني، وانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان عبر روسيا، أو حلفاء روسيا في آسيا الوسطى، بسبب انهيار العلاقات الباكستانية – الأمريكية، وأكثر من ذلك تطمع واشنطن، في الآونة الأخيرة، من موسكو تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية السورية. والمؤكد، أن إحراز أي تقدم في كل هذه القضايا سيكون صعباً بما فيه الكفاية، حتى مع التعاون الروسي، ولكن يمكن أن يكون أصعب بكثير من دونها.
وأخيراً، فإن آمال إدارة أوباما في تحسن العلاقات الإيرانية – الأمريكية هي تحفيز آخر على عدم التدخل في سوريا. إذ إن تدخل الولايات المتحدة في سوريا قد يضعف كذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني، وحلفائه، الذين أبدوا الرغبة في تحسين العلاقات بين واشنطن وطهران. كما ترى واشنطن أن تحسين العلاقة الإيرانية – الأمريكية، على النقيض من ذلك، يمكن أن يكون لتحفيز طهران لتنأى بنفسها عن دعم حكومة الأسد.
البدائل الوهمية:
في ختام هذا العرض، قد يجادل البعض بأن بعض الفوائد المتأتية من عدم التدخل الأمريكي في سوريا؛ مثل تحسين العلاقات مع روسيا وإيران، هي من نوع التطلعات، التي هي أقرب إلى البدائل الوهمية، والتي من غير المحتمل أن تتحقق، لِتَدَخُّل مصالح وتقاطعات أخرى أكثر تعقيداً من البدائل المتاحة في سوريا. وهذا الشك، بطبيعة الحال، قابل للنقاش في ضوء المعطيات المتوفرة في ساحات التنافس بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وروسيا وإيران من جهات أخرى. ولكن ما ليس بقابل للمراجعة هو أن إدارة أوباما تلاحق هذه البدائل الوهمية وتأخذها على محمل الجد؛ إلى حين أن يعتلي سدة الحكم، في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، رئيس جديد بتوجهات جديدة وبدائل مغايرة.
وبالطبع، سيسجل التاريخ أنه كانت هناك بعض التكاليف الناتجة من عدم تدخل الولايات المتحدة في سوريا بسبب إدارة أوباما، ولكن الذاكرة السياسية الأمريكية قادرة على إقناع نفسها بأنه لم يكن في الإمكان أبدع مما كان. وسيستذكر دارسو العلاقات الدولية أن آخرين حاولوا بلا جدوى، فقد سعت حكومات فرنسا، وتركيا، والمملكة العربية السعودية، وقطر، لإقناع واشنطن للعب دور أكثر حزماً في الأزمة المستفحلة سوريا، وكانت خيبة أملهم كبيرة في عدم رغبة أوباما للقيام بذلك. وعلى الرغم من ذلك، سيكون هناك سبب للاعتقاد أن تكاليف خيبة آمالهم هذه قد كانت محدودة، لأسباب تتعلق بخصوصية علاقاتهم مع واشنطن، وأسباب أخرى مرتبطة بهم هم أيضاً، ومدى اتفاقهم على هدف واحد، أو رؤية تغيير حقيقي يخدم مصالحهم مجتمعة في سوريا. يدعم ذلك ما قد أظهره رفض البرلمان البريطاني أن يأذن باستخدام القوة ضد سوريا بعد اتهام النظام باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد معارضيه. إذ تبين أن دعم الحكومة على مستوى عالٍ لعمل عسكري ضد سوريا لا يضمن التأييد الشعبي، أو التشريعي لذلك. كما أن المعارضة الشعبية في فرنسا وتركيا لاستخدام القوة في سوريا، عندئذ، قد حَدَّتْ من مدى قدرة قادة حكوماتهم على دعم التدخل الأمريكي واستخدام القوة ضد الحكومة السورية، ناهيك عن المشاركة الفعلية في ذلك التدخل.
ولن يغفل المؤرخون أن حكومات المملكة العربية السعودية ودولة قطر كانت حريصة بشكل خاص على دور عسكري أكبر للولايات المتحدة في سوريا، وقد انتابهما الغضب عندما أعلن أوباما أن هذا سيكون قريباً، ولكن بعد ذلك عمل على إيقاف أية تحركات جدية في هذا الاتجاه. وفي الواقع، بدأ أن ذلك قد أدى إلى رفع مزيد من الأصوات، وأكثر من المعتاد، في دول الخليج العربي، التي تحدثت عن كيف أن خيبة الأمل في السياسة الخارجية الأمريكية سوف تؤدي بهم إلى البحث عن حلفاء آخرين. ولكن نظراً لأنه من المستبعد جداً أن تكون هناك أي دول أخرى مستعدة وقادرة لتحل محل الولايات المتحدة كضامن يوفر الأمن؛ ناهيك عن أن تكون أكثر استعداداً لدعم المعارضة السورية على حد سواء، ولا يبدو أن واشنطن كانت قلقة جداً حول احتمال فقدان نفوذها في الخليج العربي لصالح بعض القوى الأخرى.
إلى جانب ذلك، لم تكن توجد حكومة تعمل لإسقاط حكومة بشار الأسد كانت تُريد أن ترى نظامه يُستبدل بمجموعة راديكالية، أو أحد الجهاديين المتشددين، أو أبوبكر البغدادي زعيم داعش. في الواقع، هذه هي حقاً المصلحة المشتركة الأساسية لجميع الحكومات المعنية، سواء المؤيدة لحكومة الأسد، والمعارضة لها، أو المحايدة، أن يخلف أي من هؤلاء الأسد في حكم سوريا. وعندئذ، يمكن الحكم على أخلاقية سياسة أوباما بعدم التدخل في سوريا، إنها بالتأكيد كانت عقلانية، وبراغماتية، وعملية؛ تستجيب لكل من القيود السياسية المحلية، وكذلك الوضع الدولي، الذي كانت تواجهه إدارة أوباما. ومع ذلك، وبينما هو مفهوم للمتابعين، فإن إدارة أوباما لا تُريد التدخل في سوريا، ولا تود أن تتورط في مستنقع لا قاع له، أو إحداث سقوط عنيف لنظام الأسد بالطريقة، التي توفر فرصة للجهاديين السنة للسيطرة على معظم، أو كل سوريا. رغم أن استمرار الحرب لفترة طويلة ليست في مصلحة أمريكا، ولا أي حكومة أخرى، سواء المؤيدة، أو المناهضة للأسد، والجميع يشعر بالقلق للأوضاع هناك، ولا سيما تركيا، والأردن، ولبنان، التي تواجه صعوبات خطيرة في رعاية العدد المتزايد من تدفقات اللاجئين عبر حدودها المشتركة مع سوريا.
فإذا كانت دمشق قد سلمت ترسانتها الكيميائية، وبما أن مجلس الأمن الدولي الآن قد حكم عليها أنه يجب أن تفعل، فإن هذا، في رأي صقور واشنطن، قد يساعد في إقناع الحكومة السورية، إن لم يكن الأسد نفسه، أنه لا يمكن أن يسود عسكرياً ضد كل معارضيه. وإذا كان الأمر كذلك، فإنهم يعتقدون أنه قد يكون هناك فرصة للدبلوماسية الأمريكية للتوصل إلى اتفاق بين البراغماتيين في الحكومة السورية من جهة، وخصومهم الأكثر اعتدالاً من جهة أخرى، الأمر، الذي يعمل على تهميش المتشددين في الجانبين. إن هذا التمني قد لا يكون متاحاً بسهولة، فالولايات المتحدة، بطبيعة الحال، بحاجة إلى دعم وتعاون حكومات عديدة أخرى لإنجاز هذه المهمة الصعبة. على الرغم أنه من غير المحتمل أبداً، أن يتحقق هذا الإنجاز من دون قيادة أمريكية.
وسيكون من المفهوم، حينئذ، التساؤل حول لماذا ترى إدارة أوباما أن سياسة عدم التدخل هي، كما يحدث كثيراً، تصب في مصالح أمريكا الواقعية. إذ يرى بعض الواقعيين في واشنطن، وغيرها من العواصم الغربية، أنه من المأمول إدراك أن التعاون الدولي، الذي نشأ بشأن الأسلحة الكيميائية السورية، يمكن أيضاً أن يتم تحويله إلى تفاهم أو سيساعد جهود حل النزاعات. الأمر الذي من شأنه أن يخدم، ليس فقط أمن إسرائيل، والمصالح الواقعية لإدارة أوباما، ولكن أيضاً مُثُل أمريكا العليا؛ إن هي أرادت ذلك.
*دبلوماسي سوداني، الأمين العام السابق لمنتدى الفكر العربي؛ ومختص في الإعلام السياسي والعلاقات الدولية.
عمان، المملكة الأردنية الهاشمية
الخميس 17/12/2015
[1]Robert D. Kaplan، “The Coming Anarchy: Shattering the Dreams of the Post Cold War”،Publisher: Vintage; Reprint edition (August 13، 2002).http://kindlequotes.tumblr.com/post/78339492870/americans-champion-idealism-while-employing
[2]Alan W. Dowd، “A Confused and Confusing Foreign Policy“، 3 September 2013.http://www.the-american-interest.com/2013/09/03/a-confused-and-confusing-foreign-policy/
[3] عبد الوهاب محمد الجبوري، “اتجاهات الخطاب السياسي الأمريكي المعاصر/دراسة علمية تحليلية“، http://www.airss.net/site/2012/05/10/
[4]الجبوري، المصدر السابق.
[5] الجبوري، المصدر السابق.
[6] د. عبدالرحيم العرقان، “السياسة الخارجية الأمريكية بعد 11 سبتمبر“، مجلة “دراسات”،تاريخ النشر: الثلاثاء 11/9/2012. http://www.alrai.com/article/538116.html
[7] العرقان، المصدر السابق.
[8] العرقان، المصدر السابق.
[9] روبرت دبليو ميري، “من سوريا إلى الصين، قادة الولايات المتحدة لا يعرفون ما هي أهداف أمريكا”، مجلة “ناشيونال انترست”، 26 نوفمبر 2015. http://nationalinterest.org/feature/syria-china-us-leaders-dont-know-what-america-14449
[10]ميري، المصدر السابق.
[11]ميري، المصدر السابق.
[12] ميري، مصدر سابق.
[13] باتريك كوبيرن، مراسل صحيفة الـ”اندبندنت” البريطانية في الشرق الأوسط،”الضربات الجوية في سوريا: لماذا يعتبر تنظيم الدولة الإسلامية عدوا شرسا لا يمكنهزيمته من الجو؟”، الـ”اندبندنت”، الخميس 3/12/2015، http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/syria-air-strikes-why-isis-is-a-formidable-ferocious-enemy-that-will-not-be-defeated-from-the-air-a6759471.html
[14]باتريك وينتور، محرر الشؤون السياسية في جريدة الـ”غارديان”، “وزراء يقولون إن تدمير الدولة الإسلامية قد يحتاج عامين”،.http://www.theguardian.com/profile/patrickwintour
[15] فريزر نيلسون، الكاتب والمحلل السياسي المعروف في بريطانيا، صحيفة الـ”ديلي تليغراف”، “رغم أنها تبدو فكرة مروعة إلا أن العمل مع الأسد يبدو الخيار الوحيد”، http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/middleeast/syria/12032102/Awful-though-it-seems-working-with-Assad-may-be-the-only-option-in-Syria.html
[16] ديريك آفيري، المدير السابق لمركز الدراسات الروسية والأستاذ في جامعة بيرمنغهام البريطانية، “روسيا، التدخل الإنساني ومسؤولية الحماية: الحالة السورية”، مجلة “انترناشونال أفيرز”، الصادرة عن “المعهد الملكي للشؤون الدولية”، في عددها الصادر في 15يوليو 2015، المجلد 91، العدد 4، ص 813-834. DEREK AVERRE and LANCE DAVIES، Russia، humanitarian intervention and the Responsibility to Protect: the case of Syria، “INTERNATIONAL AFFAIRS”،Volume 91، Issue 4، July 2015، Pages: 813–834.
[17]فيل بتلر، أستاذ العلوم السياسية والخبير في أوروبا الشرقية، مجلة “توقعات الشرقية الجديدة“.
http://journal-neo.org/2015/10/21/confused-over-syria-it-s-no-wonder/
[18]فيل بتلر، المصدر السابق.
[19] صحيفة “ميامي هيرالد” الأمريكية، الصادرة صباح الأحد 18 أكتوبر 2015. http://www.miamiherald.com/sports/nfl/miami-dolphins/article39774321.html
[20]Lawrence Davidson، “Changing Alliances and the National Interest in the Middle East – An Analysis“، (1 May 2015). http://www.tothepointanalyses.com/3306
[21] لورانس ديفيدسون، المصدر السابق.
[22] ديفيدسون، المصدر السابق.
[23] روبرت مانينغ، “هل حان الوقت للولايات المتحدة لإعادة التفكير في نهجها لمنطقة الشرق الأوسط؟“، مجلة “فورين بوليسي”، 24 نوفمبر 2015. ROBERT A. MANNING، “IsIt Time for the U.S. to Rethink Its Approach to the Middle East?“، NOVEMBER 24، 2015 – 4:21 PM، https://foreignpolicy.com/2015/11/24/is-it-time-for-the-u-s-to-rethink-its-approach-to-the-middle-east/
[24] تركيا تقول إن طبيعة التحالف غير عسكرية، فيما زعمت دول أخرى، ورد اسمها في التحالف مثل ماليزيا، أن المشاورات معها لم تكتمل.
[25] ومما جاء في الأخبار أن التحالف لن يركز فقط على محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، وقالت وكالة الأنباء السعودية في إعلانها عن التحالف إن الإسلام يحرم “الفساد، والتدمير في العالم”، وإن الإرهاب يمثل “انتهاكا خطيراً للكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، خاصة الحق في الحياة، والحق في الأمن”.
[26] وتشارك السعودية حالياً في التحالف الدولي، الذي تتزعمه الولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، كما أنها تقود تدخلا عسكريا في اليمن ضد مسلحي الحركة الحوثية الشيعية.
[27] تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية الـ”بي بي سي”، بثته الساعة 12:14 ظهر يوم الثلاثاء 15/12/2015.
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/12/151214_saudi_islamic_anti_terror_coalition
[28]MICHAEL R. GORDON and ERIC SCHMITT، “Russian Moves in Syria Pose Concerns for U.S.”، SEPT. 4، 2015.
[29] غوردون وشميت، المصدر السابق.
[30] Lawrence Davidson، a history professor at West Chester University in Pennsylvania،”US Confusion over the Syrian War“، September 15، 2015. https://consortiumnews.com/2015/09/15/us-confusion-over-the-syrian-war/
[31]ديفيدسون، المصدر السابق.
[32] بيري أندرسون، أستاذ التاريخ في جامعة كاليفورنيا، وأحد أقطاب الفكر الليبرالي اليساري في أمريكا والعالم، “سياسة أمريكا الخارجية ومفكروها“،Perry Anderson: “American Foreign Policy and Its Thinkers“، Verso، London 2015،pages108-112.
[33] بيري أندرسون، “السياسة الخارجية الأمريكية ومفكروها“، المصدر السابق.
[34] أندرسون، المصدر السابق.
[35]Mark N. Katz، “U.S. Policy toward Syria: Making the Best of a Bad Situation?” Woodrow Wilson Center، Middle East Program، Viewpoints، No. 41، October 2013. https://www.wilsoncenter.org/sites/default/files/us_policy_toward_syria_making_best_of_bad_situation.pdf
[36]حصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما على جائزة نوبل للسلام يوم الجمعة / 9 أكتوبر 2009. وأثار هذا الخبر جدالاً حاداً في أنحاء العالم. ففي حين أشاد كثير من قادة الدول بقرار لجنة نوبل بينما وصف آخرون فوز أوباما بأنه مفاجئ ومتسرع، يعمل الرئيس الأمريكي في منصبه أقل من تسعة أشهر فقط ولم يحصل على انجازات كبيرة في مجال سلام العالم.
[37]كاتز، المصدر السابق
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.