التعدّديَّة الثقافيَّة ومفهوم الهويَّة المتعدّدة

image_pdf

حين تطالب الجماعات الثقافيَّة بالالتزام بالقيم الديموقراطيَّة المشتركة، فهل هذا كافٍ لتحقيق السلم الاجتماعي؟ وحين نطالب المواطنين في الدولة الواحدة على اختلاف ثقافاتهم ولغاتهم وهويّاتهم بالالتزام بالقيم الديموقراطيَّة المشتركة: فهل نكون طلبنا الكثير من المواطنين؟ هل يمكن إقامة هويَّة وطنيَّة مشتركة على أساس الجمع بين هويّات اجتماعيَّة مختلفة؟ ثمّ عرضت في البحث إطارًا نظريًّا لمفهوم (الهويَّة متعدّدة الأبعاد)، يسعى لفهم أشكال التراكم والتزاحم بين الانتماءات، وتحديد عدد من العوامل المؤثّرة فيها، ويدعو للاهتمام بتحليل العلاقات والتفاعلات المحتملة بين مختلف السمات. وذلك على خلاف ما تنزع إليه أغلب الدراسات حول الهويَّة نحو الاهتمام بسمةٍ واحدة من سمات الهويَّة، واعتبار السمات مستقلّة بعضها عن بعض، ثمّ محاولة دراسة تلك السمة في الجماعات أو المؤسّسات الاجتماعيَّة، ومن خلال سياقات اجتماعيَّة مختلفة.

وقدّمت الورقة عرضًا مدعومًا بعدد من الرسوم البيانيَّة لمجموعة من المفاهيم المتعلّقة بدراسة الهويَّة؛ كالهويَّة الفرديَّة والهويَّة الاجتماعيَّة، والعوامل المؤثّرة في تشكّل الهويَّة، وترتيب أهميّة السمات، وتراكم الهويّات وتزاحمها، ولخّصت الورقة التحدّيات الكبرى للباحثين في موضوع الهويَّة في تحديد:

-أين، وكيف، ولماذا تتراكم أو تتزاحم أنواع الهويّة المختلفة ضمن سياق معيّن؟

-هل يمكن رسم حدود واضحة ودقيقة للهويَّة المتعلّقة بالتعدّديَّة الثقافيَّة، كالتجارب الشخصيَّة، وتصوّر الذات، والترتيب الاجتماعي (أو الطبقي)، وتصوّرات المشاعر والسلوك، وأنماط الروابط الاجتماعيَّة، وترتيب المبادئ الأخلاقيَّة، ووضعيّة الأغلبيَّة والأقلّيّة، والهويَّة المختلطة، والهويَّة الحدوديَّة، ثمّ عرضت الورقة لعلاقة الهويَّة بظاهرة العنف، انطلاقًا من أنّ شعور التضامن المتولّد من الانتماء لمجموعة ما يؤدّي في نفس الوقت إلى الخوف من الآخر وكراهيته، ويغذّي التنافر بين الجماعات، وقد يتطوّر أكثر لينشئ استعدادًا للمواجهة والعداء، وربّما المقاتلة، وتشير الورقة إلى أنّ العنف إنّما ينمو حين يتعمّق الإحساس بالحتميَّة تجاه هويَّة يتوهّم أنّها فريدة ومتفوّقة.

__

*الراصد التنويري/ العدد الخامس (5)/ صيف 2009.

جديدنا