علم الكلام الجديد بين الحقيقة والافتراض.. مدخل في المنهج
«علينا ألّا ننسى أنّ طريقة الكلام وأسلوبه، قد تغيّرا بتغيّر الزّمن، ولذلك علينا أن نأتي بعلم كلام جديد لمواجهة تحدّي العصر الحديث»[1].
توطئة:
يعرف الرّاهن الحضاري للعالم العربي والإسلامي حالة من البؤس والضياع والتشتت، وجهد المتصدّون للشأن الثقافي والعلمي إلى رصد مجموعة الأسباب المعلّلة لسوء هذا الراهن، وتشخيص هناته وعلّاته.
ومهما تعدّدت الأسباب فإنّ الحالة الفكرية للأمّة، هي المتضرّرة أوّلا، وهي في ذات الوقت تحاول أن تكون الأكثر إدراكا ووعيا بمختلف الأسباب التي أدّت الى هذه الحالة، ليظهر لنا أنّ وراء مجمل الأسباب الظاهرة يوجد متخفّ من الأسباب الثّابتة والمتأصّلة في عمق هذه الأزمة، وهو الموروث التقليدي الجامد للثقافة في جانبها الفكري أساسا. إذ أنّ الصراع ظلّ دائما بين اتّجاهين في التّفكير، اتّجاه ينزع نحو التّأسيس لمركزيّة لاهوتية مفعمة بالبراديغم، وآخر ذو منزع انساني، محوره الإنسان الخليفة، في حركته على الأرض، تُجاه الله تعالى والإنسان والطبيعة.
وتحت ضغط السّؤال، والرغبة في كسر الحدّيات المفهوميّة، والمنهجية، بدا صراع اكتسى بطابع إيديولوجي ومذهبي، وتعطّلت كلّ محاولات التأسيس لثقافة التّجاوز والقطع.
في ظلّ هذه الفوضى الثقافية، والتشتّت الفكري، يلحّ علينا السؤال المتّصل بعمق الأزمة، فتعدّدت الطّروحات، وتراوحت بين اتّجاهين:
– اتّجاه ينزع إلى الاعتكاف على الموروث وتجريده أو توصيفه، بالاستناد إلى آليات تقليديّة، أضحت روابطها بالواقع ومستمسكاته هشّة، وغير منتجة، لانطلاقهم من أولويّة النّقل على العقل كقاعدة للتّفكير. وبقدر ما كان هذا التيّار وفيّا للموروث، فإنّه أفقد الإنسان مركزيّته في الخطاب الإلهي، وأهان قدرته على الابداع والتجديد، والخلق والابتكار.
– واتّجاه ينحو نحو التّجديد، وترسيخ آلية القطائع الابستيمية، بالاعتماد على المباحث الفلسفة، والفكر الإنساني، بتجلّياته المختلفة. وقد انشغل كثيرا بتنشيط الحركة العقليّة، وإذكاء جذوتها وقدرتها على إحداث فارق نوعيّ، في مسار الحضارة. فكان من منتجاته العمل على تأسيس “علم الكلام الجديد”، وتعميق الاشتغال على مسمّى “فلسفة الدين”، كتطوّر طبيعي لنسق العقلانية الإسلامية النّاشئة، التي تسعى إلى تجاوز مساحات تحليل المفاهيم والاشتغال بالدّلالات إلى مساحات التّجربة ومماحكة الواقع.
يبدو أنّ الاتّجاه الثاني له من الوعي والواقعيّة ما مكّنه من إدراك خطر آخر يمكنه أن يكون تدميريّا، وهو أنّ بعض دعاة الحداثة لم يتأخّروا في التّرويج والدّعوة إلى القول بتاريخيّة النّص القرآني في ذاته لا في فهمه، كما اشتغلوا على تفكيكه وتأويله دونما التزام بقواعد التّأويل المسموح بها، وأخذوا بمناهج اللّسانيات وتطبيقاتها، واعتبروا ذلك فتحا عظيما في الحقل المعرفي الديني، ولم يُقيموا اعتبارا لنسبيّة هذه المناهج والمعارف والفوارق والخصوصيّة اللّغوية النّاسجة للنّص.
ومن المؤكّد أنّ الاتّجاه التّجديدي لم يتوقّف عند علم معيّن، بل شمل علم الكلام، وعلم أصول الفقه، وعلوم الحديث، وعلوم القرآن، وعلوم اللغة. فكانت المحاولات في مجملها مستغرقة لشتّى أنواع المعارف، في محاولة لاستكشاف بنية النص الديني ومنطقه، وتفعيل حركيّته، وضمان ديمومة انفتاحه على مشاغل الواقع المعيش، واليومي الإنساني.
هذا رغم الانتكاسات الكثيرة والخطيرة التي عرفتها علاقة العقل بالنص والواقع من تعطيل وتشويه للثابت العقلي والديني في التحقّق المقاصدي، الذي يرسم الحدود الفاصلة بين آنية التجديد وبين ديمومته.
هذه القراءات وغيرها، دعت الكثير من المتصدّين للشّأن المعرفي إلى الاشتغال على ضرورة إحداث نُقلة نوعيّة، تمسّ المنهج، والمادّة المعرفيّة للفكر الإسلامي، والعمل على تجديد أدواته المعرفيّة باستمرار، خاصّة وأنّ الاجتهاد والتجديد هما تعبير عن منسوب الوعي الخاصّ والعامّ لدى الأمم، لاسيّما إذا ما كانت أدبيّاتها ونصوصها التّأسيسيّة تحمل قابليّة لامحدودة للبحث، والإضافة، والتّجديد.
وباعتبار أنّ هذه القضايا في مجملها خاضعة للحفر والمراجعة، فقد كانت من أوكد المشاغل الراهنة للعقل العربي والإسلامي، فظهرت الكثير من المحاولات، ولعلّ أبرز المحاولات الجادّة، هي تلك التي قدّمت لنا ما سمّي بـ “علم الكلام الجديد”، وهي محاولة لم تتمكّن من تحصيل إجماع الباحثين، كما لم تستطع إقناع الدّارسين بجدوى التّسمية، وإن كان هناك اتّفاق على ضرورة التّجديد لعلم الكلام. ذلك أنّ المطلب الحقيقيّ ليس متعلّقا بالتّسمية في حدّها أو رسمها المنطقي، بل هو متعلّق بالموضوعات والمناهج.
وعليه فإنّ إعادة إنتاج كلّ ما هو معرفيّ لا يعني بالضرورة إقرار بفشل النّسق المعرفي عموما، بقدر ما يشير إلى وجود خلل أو فشل في المنهج، وقصور في رؤية الكوني ضمن وجود الإنسان الفرد، وضبط حدود الفرد كوجود، والمجتمع كاعتبار، وانتزاع، وعلائق ممتدّة. وهو ما أدّى إلى عدم وجود محاولات تأسيس فاعلة ضمن مشروع متكامل لمعرفة دينية متأصّلة في النص القرآني، منهجا، ومقصدا، ومتولّدة عن واقعيّة حضارية.
إنّ قراءة متأنّية ومحايدة للموروث الكلامي، تحيلنا إلى الإقرار بعدم وجود منطلق معرفيّ، بالمعنى الابستيمي لمفهوم المعرفة، ضمن مباحث علم الكلام، بل كان مستغرقا في المعاني الوجودية، على اعتبار كون مفهوم “الوجود” مثّل محور العملية المعرفية في الفكر الإسلامي، وكان متدخّلا في أغلب مباحثها وتفصيلاتها.
وبالمعنى الأعمّ، ندرك أنّ الموضوع بكلّيته، هو متنزّل ضمن “إشكالية العقل والدين”، ومحاولة رسم حدود فاصلة بين حقيقة كلّ منهما، والمدى الممكن في التّمكين من التّحصيل المعرفي. و«لهذه الإشكالية عناوين أخرى نظير “العقل والوحي”، و”العقل والإيمان”، و”عقلانية المعتقدات الدينية”، و”الإيمان والتعقّل”، و” التعقل والتعبّد”، قد تختلف عن بعضها البعض، لكنّها تُستخدم أحيانا كمترادفات للدّلالة على معنى واحد»[2].
وكمدخل منهجيّ وجب التّنبيه إلى ثلاث نقاط محكّمة:
– النقطة الأولى: هي ضرورة التفكيك والتّمييز بين ما هو من الدين وموصوف بالثبات، وبين ما هو من نتاجات الفكر الإنساني المتّسم بالنّسبية والتغيّر، حتى لا يفهم التجديد على أنّه خروج على الدين أو تجاوز له.
– النقطة الثانية: هي أنّ من حقّ العقل فحص ونقد الآراء والنظريات، مادامت نتاجا للفكر الإنساني. وبوصفها اجتهادات وتصورات نسبيّة قابلة للخطإ والصّواب، تتأثّر بمقتضيات الزّمان والمكان وشروطهما، وبحركيّة وتطوّر الحضارة وديناميكيّة نظرية المعرفة.
– النقطة الثالثة: وتتعلّق بالتأكيد على أنّ المناهج الكلامية لم تغطّ كافّة المباحث والمسائل العقائدية، وإن أتت على مجملها، وقد باتت قاصرة عن توليد معارف جديدة.
لئن كانت المحاولات الإيديولوجية البائسة، في استيعاب الدين، وجعله علما من العلوم الإنسانية، أمر صعب، بل يستحيل عقلا تحويل الأخصّ إلى أعمّ، وإن تقاطعا في بعض المفاهيم والآليات، فإنّ مواطن القدح، والنّقد، والتّجريح، لهذا الاتّجاه في مضمونه وآليّاته هي كثيرة لا تحصى ولا تعدّ.
ومن طريق آخر ارتبطت مشاريع التّجديد، وعقلنة الموروث قسرا وتعسّفا بعدّة قراءات وفلسفات قديمة وحديثة، مثل النّزعات العقلانية، والنّقدية، في المنتج المعتزلي، والخلدوني، والغزاليّ …، أو الكانطي، والهيغلي، والماركسي، والوضعي …. إلخ.
أمّا على المستوى الابستيمولوجي، فقد اقتصر التّناول على القراءة والفهم الوضعيّين للمعرفة، بما تحدّده من أولويّة الواقع على الفكر في بسط نظريّة المعرفة، وتحصيل الإدراكات والمعارف، وهنا يُشكَل على هذا الاتّجاه بخطورة القول بتاريخيّة الوحي، وكذا أوّلية التاريخ عليه، وما في ذلك من مجانبة للتّمشي وللحقيقة العلمية، وما يختزله من صدام مع ثوابت مرتكزات التفكير الاسلامي.
1 ــ في المفهوم:
تتوالى الدعوات إلى ضرورة إعادة دراسة التراث من منظور معاصر، واعتماد مناهج حديثة لذلك، حتى يستطيع المسلم المعاصر التّوافق معرفيّا مع روح العصر ومطالبه، ويزيح ستار الغربة عنه.
وعليه لابدّ من تجديد المنطق اللغوي عبر التوسّل بالمنهج الظاهراتي، الذي يمكنه إشباع بنية النصوص التّراثية بقدرات جديدة، تضفي عليه نوعا من الجدّة، قوامها الرّبط بين اللغة كأداة للتواصل، وما تختزله من وجود اعتباريّ وانتزاعيّ، وبين الوجود بما هو تحقّق حقيقيّ، بمعنى ربط الفكر بما هو معاني ومفاهيم مجرّدة، تختزل مجمل التصوّرات بالواقع والمصاديق المتحيّزة زمانا ومكانا، وإيجاد رابط لديناميكيّة الحياة بينها.
قد كان ذلك محور محاولات تفسير التراث وإعادة قراءته في الدراسات الحديثة المهتمّة بشأن التجديد.
إنّ القراءة الظواهرية أو التتبّع البنيوي أو الصياغة التأويلية، واعتماد طرق حديثة في التحليل، والتّركيب (كالظواهريّة أو التفكيكيّة أو الهرمنيوطيقيّة)، تؤسّس للقطع مع القراءات الساذجة والبسيطة في مجمل تحليلات القدامى، أقلّها كمحاولات تنأى بنفسها عن المعهود من القراءات.
وتأسيسا على ذلك، كانت دلالات “علم الكلام القديم”، على ما هي عليه من غموض وتعقيد وقلّة ضبط، لمراوحتها بين القراءات المذهبية والنصّ القرآني، مثار جدل وتباين في التأويل وغير واضحة المعالم، ومفتقرة إلى تحديد المنطلقات، والمآلات العقلية، وما يؤكّد ذلك تعدّدية المعنى المستفاد منها، والذي يصل إلى حدّ التّباين والتّناقض، على عكس ما تسمح به علوم المناهج المعاصرة، وهي على حداثتها وعدم الجزم بيقينيّة ما تتوصّل إليه من صحّة قراءاتها، فإنّها محاولة للمحافظة على انفتاح النصّ القرآني، وقبوله لتعدّد القراءات، وتأكيد على زخم المعنى فيه.
تلك هي أهمّ المشاغل التي كانت داعيا لتأسيس “علم الكلام الجديد”، فـ”الموضوع” الذي به «تتمايز العلوم، وهو المعلوم من حيث يتعلّق به إثبات العقائد الدّينية تعلّقا قريبا أو بعيدا»،[3] و”الغاية”، التي من أجلها اشتغل به، هما أهمّ العوامل المؤثّرة في إعادة بناء “علم الكلام”، وكلّ ذلك كان تحت ضغط مطالب عقليّة، وواقعيّة ملحّة، خاصّة وأنّ أقصى الغايات المعرفيّة لعلم الكلام، هي تقديم منظومة متماسكة، تبسط المفاهيم والأصول الدينية، كقضايا مطروحة للفهم، بأسلوب ممنهج وواضح، بالاعتماد على أدلّة عقليّة منطقية، تقتضيها ضرورة البحث، بناء على مبدإ الأولويّة، والمكانة ضمن مباني أصول الدين أو المذهب، بخلاف ما ينشده “علم الكلام الجديد”، الذي يتجاوز مهمّة الإقناع بحجيّة المسائل والأصول، والدفاع عنها، إلى النظر في دوائر التّأثير الفعلي لهذه المفاهيم، في شخصيّة الإنسان وأفعاله وحركته في مستواها الذاتي والموضوعي.
فلئن كان «”علم الكلام القديم” ينظر إلى صدقيّة القضية الدينيّة أو المذهبية بأنّها حقّ، متى كانت مطابقة للواقع، أو بعبارة أخرى هي صادقة، فإنّ “علم الكلام الجديد” ينظر إليها من زاوية براغماتية نفعيّة، فهو لا يبحث في صدق القضايا، أو كذبها أو أحقّيتها أو بطلانها، لكنّه يخوض في أنّ الآثار المترتّبة على الاعتقاد بهذه القضية أفضل من الآثار المترتّبة على عدم الاعتقاد بها، أو الاعتقاد بعدمها.
الدّفاع الواقعي يقرّر أنّ هذا القول صادق أو كاذب، وثبت مثلا أنّه حقيقيّ ومطابق للواقع، وأنّ الذهاب إلى كذبه لا يتطابق مع الواقع.
أمّا الدّفاع البراغماتي فيقول: سواء كانت هذه القضية صادقة أو كاذبة، فإنّ السؤال هو: هل الحالة النفسيّة للمعتقدين بها أفضل من الحالة النفسيّة لغير المعتقدين بها، أم لا.؟ هذا ما يناقشه الدفاع البراغماتي، وهو نمط من الدفاع مستعمل بكثرة في الكلام الجديد.
فمثلا حينما يقول القرآن الكريم: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ (سورة الزلزلة/ 7)، قد يدور النقاش تارة حول صحّة هذه القضيّة، ومطابقتها للواقع، أو عدم مطابقتها، وتارة يدور البحث حول آثار الاعتقاد بهذه القضيّة، فهل حياة المعتقدين بها أفضل من حياة غير المعتقدين، أم العكس صحيح؟
من هنا كانت مباحث الكلام الجديد ومسائله، أوسع بكثير من الكلام التقليدي، لأنّه يتضمّن الدفاع البراغماتي، إلى جانب الدفاع الواقعي[4].
إنّ الضرورة المنهجية تقتضي الانطلاق في عرض مفهوم علم الكلام أوّلا، ومحاولة رصد معنى التّجديد فيه، وانطلاقا من هاتين النّقطتين يمكننا التحرّك معرفيا لتحديد البنية المعرفية لعلم الكلام الجديد، على فرض وجوده، وحيازته على مقوّمات تحقّقه، بفرادة واستقلال، عن علم الكلام القديم.
لقد «تداول الباحثون مجموعة من أسماء علوم لدراسة العقيدة منها: “علم أصول الدين”. وهو العلم الذي يتمحور حول بيان أصول الدين الإسلامي، والاستدلال عليها والدفاع عنها. وقد عنون بعض المؤلّفين أعمالهم بهذا الاسم، مثل “الرازي” (606هـ) في كتابه “المحصّل في علوم الدين”، وقبله “الجويني” (478هـ) في كتابه “الشامل من أصول الدين”، وقبل ذلك وصف الفقيه “أبو حنيفة” علم الكلام بـ “الفقه الأكبر”، لأنّ النظر في أحكام الدين وعقائده كان يُسمّى فقهًا، ثمّ خُصّت الاعتقادات باسم “الفقه الأكبر”، فيما خُصّت العمليّات بـ “الفقه الأصغر”»[5].
و«كذلك أطلقوا عليه اسم “علم التوحيد”، بمعنى العلم الذي يجعل قضية التوحيد المحور، ومنها تنبثق سائر المعتقدات، وهي تسمية للشيء بأشرف أجزائه، وقد جعل “محمد عبده” (1323هـ) هذا الاسم عنوانا لكتابه في العقيدة “رسالة التوحيد”، وقبل ذلك ألّف المتكلّم المعروف “أبو منصور الماتوريدي” (333هـ) كتابا في الكلام سمّاه “علم التوحيد” …. وعبّر عنه آخرون بعلم “العقائد”، وهو يعني العلم الذي يتكفّل بمعرفة العقائد الإسلامية، ويبرهن عليها. وهذا الاسم اتخذته مجموعة من المؤلّفين عنوانا لمؤلّفاتهم الكلامية، فأطلق “الجويني” (478هـ) على كتابه “العقائد النظامية، و “النّسفي” (642هـ) “العقائد النّسفية”، و”عضدالدين الإيجي” (756هـ) “العقائد العضدية”، وقبل هؤلاء سمّى “الطحاوي” (321هـ) كتابه الكلامي “العقائد الطحاوية”»[6].
يقول التفتازاني: «اعلم أن الأحكام الشرعية منها ما يتعلّق بكيفيّة العمل، وتسمّى فرعية، ومنها ما يتعلّق بكيفيّة الاعتقاد، وتسمّى أصليّة واعتقادية، والعلم المتعلّق بالأولى يسمّى علم الشرائع والأحكام … وبالثانية علم التوحيد والصفات»[7].
ولأنّ لعلم الكلام مكانة مركزيّة في بناء الذّهنية العربية والإسلامية، فقد كان له موقع الرّيادة من بين العلوم المتعلّقة بالدراسات الدينية، ذلك أنّ «فائدة علم الكلام وغايته الترقّي من حضيض التّقليد، إلى ذروة الإيقان، وإرشاد المسترشدين، بإيضاح الحجّة لهم، وإلزام المعاندين بإقامة الحجّة عليهم، وحفظ قواعد الدين، عن أن يزلزلها شبهة المبطلين. وأن تبتنى عليه العلوم الشرعية، أي يبتنى عليه ما عداه من العلوم الشرعية، فإنّه أساسها، وإليه يؤول أخذها، واقتباسها، فإنّه ما لم يثبت وجود صانع، عالم قادر، مكلّف، مرسل للرّسل، منزّل للكتب، لم يُتصوّر علم تفسير، ولا علم فقه وأصوله، فكلّها متوقّفة على علم الكلام، مقتبسة منه، فالآخذ فيها بدونه كبان على غير أساس، وغاية هذه الأمور كلّها الفوز بسعادة الدّارين. ومن هنا تتبيّن مرتبة الكلام، أي شرفه، فإنّ شرف الغاية، يستلزم شرف العلم، وأيضا دلائله يقينيّة، متى حكم بها صريح العقل، وأيّدها صحيح النّقل، وهي أي شهادة العقل مع تأيّدها بالنقل، هي الغاية في الوثاقة، إذ لا تبقى حينئذ شُبهة في صحّة الدليل. وأمّا مسائله التي هي المقاصد، فهي كلّ حكم نظريّ لمعلوم، هو أي ذلك الحكم النظري من العقائد الدينية، أو يتوقّف عليه إثبات شيء منها. والكلام هو العلم الأعلى، إذ تنتهي إليه العلوم الشرعية كلّها، وفيه تثبت موضوعاتها، وحيثيّاتها، فليست له مباد تبيّن في علم آخر شرعيا، أو غيره، بل مباديه إمّا مبيّنة بنفسها أو مبيّنة فيه. فهي أي فتلك المبادئ المبيّنة فيه مسائل له من هذه الحيثيّة ومباد لمسائل أخر منه لا تتوقّف عليها، لئلاّ يلزم الدّور، فلو وجدت في الكتب الكلامية مسائل لا يتوقّف عليها إثبات العقائد أصلا ولا دفع الشّبه عنها، فذلك من خلط مسائل علم آخر به تكثيرا للفائدة في الكتاب. فمن الكلام يستمدّ غيره من العلوم الشرعية»[8].
لكن الملفت للانتباه أنّ مدوّنة الفقه الإسلامي، حازت على قوّة الضغط الموجّهة لعمليّات التفكير، وأهملت في كثير من مباحثها النّزعة الإنسانية في الدين، لأنّها لم تتسامح في إخراج الكثير من المعاني الأخلاقية، والإنسانية من دائرة الأحكام الفقهية إلى مساحات الأنسنة، وهو ما ولّد ضغطا على بناء الشخصية العربية والإسلامية. والحقيقة هنا ليست في كون الفقه الإسلامي هو المشكلة، بل المشكلة في المشتغلين عليه، ونحن نقف اليوم على الكثير من الآثار التّدميرية لبعض الأحكام الفقهية، التي استندت عليها الحركات الأصولية الإقصائيّة، ضمن مشروع قائم على التّكفير والتطرّف والإقصاء والاغتيال العقلي والثقافي، قاطعة بذلك مع كلّ المستمسكات الشرعيّة، التي تقدّم رؤية فكريّة مبنيّة على التّسامح، مؤمنة، ومنفتحة على الآخر ومؤسّسة للعالميّة والكونيّة الإسلامية.
إنّ المقصد الإنساني في الشريعة بات في تراجع مستمرّ، وانكفأ على نفسه، حتى أصبح عقل الفقاهة، سجين دائرة عبثية ومغلقة، هذا على الرّغم من أنّ الفقه هو من أهمّ العلوم المنفتحة، على إفرازات الواقع ويتحرّك بتحرّكه ويتطوّر بتطوّر نوازله. ولئن كان المسح التاريخي والواقعي يؤكّد ذلك، فإنّ علم الكلام والفكر الإسلامي عموما يعيش ذات الحالة من الجذب السلبيّ والسّكون.
وعلى الرّغم من تراكم الخبرة الكلامية لدى المسلمين، فإنّ الخطابات الدينية بقيت تقليدية وساكنة، تعيش عالة على ما أنتجه القدامى، حتى برز بعض من تبنّى فكرة الحداثة، وجازف بالسّير عكس القديم الموروث، ناقدا، أو داعيا إلى القطيعة معه، ومحاولا مسايرة الحداثة وما بعد الحداثة، والعولمة.
وهذه النّتاجات الفكريّة الجديدة ــ على أهمّيتها المعرفيّة وقيمتها المنهجيّة، لم يستوعبها العقل التّراثي، ولم يقاربها لا تواصلا ولا تفاعلا، بل ظلّ متمسّكا بخيار المفارقة والمغايرة لهذه الخبرة الكلاميّة الجديدة، وتتّسع دوائر التغاير والتّباين، حتى تصل إلى الأهداف والغايات ورؤية العالم والإنسان.
وحصل هذا التّغاير وهذا التّفارق بسبب أنّ هذه الخطابات التقليدية ما زالت تنتمي مبنى ومعنى، مادة وصورة، ظاهرا وباطنا، إلى علم الكلام القديم، الذي بات عقيما وجامدا، ولم يعد قادرا على مواكبة تطوّرات العصر، والتّراكمات المعرفيّة فيه، « إنّ القطيعة التي تحدثها هذه التّسمية بين الماضي والحاضر، قد صارت في الوعي العام ذات طابع إلغائيّ غير محايد إطلاقا، وهذا ما قد يجعلنا نخسر ـــ على المدى البعيد ــــ فرص استثارة الجهود السابقة، على مستوى كافّة الاتّجاهات، والتي لم تصل في تقديري إلى الدّرجة التي يُسمح لنا فيها بالتّعامل بفوقيّة معها، والشيء الملاحظ أحيانا هو أنّ بعض الباحثين المهتمّين بدراسات علم الكلام الجديد ــ وكما تحكيه نتاجاتهم ــ لم تحضر في نتاجاته أيّة نماذج من علم الكلام القديم، مع أنّ بعض الموضوعات، كان لعلم الكلام القديم فيها تحليلاتٌ ودراسات معمّقة، وموسّعة، لا يمكن التغاضي عنها بهذه البساطة. وهذا ما يؤكّد القلق المنطقي من الإغراق في التّسمية الجديدة، بحيث يُحدث هذا الأمر نوعا من فقدان الامتداد التاريخي للعلم نفسه، رغم إمكانيّتها.»[9]
ومع بدايات القرن العشرين، ظهر مسمّى “علم الكلام الجديد”، كاتّجاه في التّحليل مبنيّ على مراجعات لعلم الكلام القديم أو التّقليدي، في موضوعاته، ومناهجه. لكنّ هويّة هذا العلم، وعلى مستوى التّعريف، لم تستطع أن تتشكّل بعد، ولم تظفر بتعريف حدّي يخرجها من دوائر الغموض إلى مساحات التجلّي والوضوح. « هذا القلق، أو ذاك الإصرار، لا يلغي أنّ هذه التّسمية صارت بمثابة الأمر الواقع، فالجميع بات يستخدمها اليوم مهما كان موقفه منها، وبالتّالي فإنّ هذا المصطلح قد دخل بالفعل قاموس المعرفة الدينية، وصار لابدّ من تحديد موقف حياله.
ولا يعني الخلاف في التسمية خلافا في الكلمة واللغة، وإنّما يقوم، أو يجب أن يقوم على خلفيّة واقع هذا العلم. فهل هو شيءٌ آخر غير الكلام القديم، يستدعي هذه الثنائيّة معه، أو أنّه هو نفسه مع تراكم المسائل، والأبحاث ممّا هو طبيعيٌّ في كلّ علم؟»[10].
كما أنّ المنظومة، والخلفيّة المعرفيّة لعلم الكلام الجديد، لم تتمظهر بعد على مستوى التحقّق، ولم تتحدّد معالمها، في الساحات العلميّة إلى الآن.
إنّ «التحوّل الكبير الذي طرأ على “علم الكلام” وفي ساحته، طرح على أذهان العلماء سؤالا مركزيّا هو: ما الذي استجدّ وتجدّد؟ هل العلم نفسه؟ أم المسائل التي تعالج في رحم هذا العلم؟ وبعبارة أخرى: أيّ التّعبيرين أصحّ؟، “الكلام الجديد”، أم “المسائل الكلامية الجديدة”؟
ترى جماعة من العلماء أنّ الصّحيح هو التّنظير والدّفاع عن التحوّل الماهوي في علم الكلام، بينما يعلن آخرون أنّهم لا يرون شيئا تغيّر في علم الكلام، سوى مسائله … ومن وجهة النّظر الثانية يضحى تعبير “علم الكلام الجديد” تعبيرا لا يتوفّر على المبرّرات المنطقيّة التي تسمح باستخدامه، إلّا إذا كان المقصود من صفة “الجديد” هو المسائل، لا العلم نفسه»[11].
إذًا لقد كان لظهور إشكالات معرفيّة جديدة، عند الصّدام الثقافي مع الثقافات الغربية، أثرا قويّا، استفزّ الكثير من العقول في العالم العربي والإسلامي، وهو ما يظهر جليّا في أقدم وأهمّ كتب علم الكلام الجديد الموسوم بـ “علم الكلام الجديد ” لـ ” شبلي النعماني الهندي (1284-1332هـ/1857-1914م)”[12]، ففي سنة (1902م) انتهى “شبلي النعماني” من تأليف كتابه، الذي يكون قد أرّخ لبدايات “علم الكلام الجديد”، كمرحلة من مراحل تطوّر الفكر الإسلامي المعاصر في أفق الحداثة.
وفيه بدأت أولى المحاولات التأسيسية للطّرح الكلامي الجديد، مع التأكيد على تراجع القيمة العلمية والمنهجية، لـ “علم الكلام القديم”، لأنّها لم تعد فعّالة، ولا منتجة، ولا مستجيبة لمتطلّبات العصر المعرفية، بل أضحت غريبة، ومتعالية عن الواقع، وخارج نطاق الزمن التاريخي.
وهذا يعطينا تشخيصا موضوعيّا، يبرّر حالة الانغلاق التي تعيشها هذه الخطابات، وانحباسها في ثنايا الماضي، واستغراقها فيه، وهو ما يبرّر تفضيل هذا الاتّجاه في التفكير للقديم، وانشغاله بالجزئيات، وتشبّثه بقضايا الخلاف وتعميقها، وإظهارها، والإعلاء من شأنها. وهذه الحال لن تتغيّر، ولا يمكن الخروج منها، إلّا عبر التخلّص من سلطة “علم الكلام القديم” القاسية، إلى “علم الكلام الجديد”، وقد تأكّد أنّ ذلك بمنزلة الحاجة، والضرورة المعرفية والنّفسية.
كما أنّه قدّم محاولة تمثّلت أساسا في الزّخم الكبير من الرّدود على ما أُشكل من القضايا، والتصوّرات الدّينيّة التقليديّة أو الحديثة، وعلى الرّغم من كون “شبلي النعماني” لم يرق بما طرحه في كتابه إلى مصافّ من جاء بعده، في تناوله، وتحليله للمسائل المدرجة للبحث، غير أنّه يعتبر الأوّل في إفراد التّسمية بـ “علم الكلام الجديد”، أقلّها في مستوى التّوثيق المعرفي.
وتماما كما هي حال الفكر الإصلاحي على امتداد القرن 19م، يمكن القول بأنّ عدم قبول ثقافة الآخر، تحت ضغط الأسباب النّفسية، والاجتماعية، والثقافية، هي قضية متولّدة على الأغلب، من مقت هيمنة المركزية الغربية الاستعمارية، كعامل خارجي، ومن اقتصار المباحث الكلاميّة على المنهج الجدالي الموروث، عن المدارس الكلامية التقليدية، ضمن الساحات المعرفية، ومناهج التدريس بالجامعات.
لقد كان التّقوقع على الذات، وعدم الانفتاح على الآخر، وتغييب المسك بالمنهج العقلي، أحد أهمّ عوامل انتكاس خطّ التجديد، ووأد أيّ نشاط يهدف إلى الكشف عن الحركيّة الفكريّة، المبنيّة على جهد تأسيس اتّجاهات تأويليّة جديدة، تُنهي حالات الانغلاق المذهبي، التي تلحّفت بلحاف أيديولوجي، داخل نسق مفاهيمي مغلق، وهو ما نتج عنه بالضرورة توجّها لاهوتيّا، جعل من التفكير في الدّين، دينا، يرسم حدود المعرفة بالنص المقدّس، وكلّ خروج عنه يعتبر نوعا من الهرطقة، التي تستوجب الصدّ، والرّفض.
وهكذا يُشكّل محوره حالات التعصّب المذهبي، ويُكوّن سبب انغلاقها، واكتسابها ماهية “دين”، مختصرة في أفكارها، ومناهجها، وتأويلاتها، وأعلامها.
والحقيقة أن ماهية “علم الكلام الجديد”، يمكن اختزالها في استجلاء الحقائق، التي تمثّل جوهر الدين، باعتماد أدلّة يطمئن إليها الذّهن الجديد، بكلّ اتّجاهاته العقليّة التي يمكنها الصّمود أمام التطوّر العلمي الحديث. وحتى تتمكّن من إظهار التّعاليم الإسلامية، بأرقى الأساليب وأحدثها، وهي أساليب الاستدلال الملائمة لإحداثيّات التّفكير الجديد.
إنّ ماهية “علم الكلام الجديد”، تستوجب الإحاطة بكلّ ما يتعلّق بهذا العلم، بدءا بتعريفه تعريفا واضحا، يختصّ به من حيث الدّلالة والمعنى، ثمّ ضبط موضوعه، وأهمّ المسائل التي يختصّ بها، والتي تمثّل أساسا في بنائه وهندسته المعرفية، من حيث تحديد مباني الدين، كما تعنى بإبراز المناهج، والآليات المعتمدة في تحليلاته، وتحصيله العلمي، وما ينتج عن ذلك من مفاهيم ومصطلحات خاصّة به، وعقلانيّة المسائل الدينيّة، وأثر الدّين على الفرد والمجتمع، ودوره في إحداث التّغييرات الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والأخلاقية. كذلك إبراز الفوارق بينه وبين علم الكلام القديم وفلسفة الدين، والدّراسات اللّاهوتية، وعلم الاجتماع الديني وغيرها من العلوم المقاربة له.
لعلّ محاولات “محمد إقبال”، و”علي شريعتي”، و”مالك بن نبي”، و”أبو القاسم حاج حمد”، و”طه عبد الرحمان”، و”محمد باقر الصدر”، و”مرتضى مطهّري”، و”عبد الكريم سروش”، و”محمد مجتهد شبستري”، و”وحيد الدين خان”، و”أحمد خان”، هي أكثر المحاولات جدّة وعمقا في إعادة قراءة المسائل المعرفيّة والكلاميّة، التي تؤرق العقل العربي والإسلامي، وهي محاولات فارقة في ضبط إيقاع عمليات التفكير العقلاني في علاقته بالنصّ القرآني. كما أنّها جسّدت وعيا مبكّرا، باعتبار هذه المباحث الفكرية مسألة حارقة، تستدعي جهدا وعملا شاقّا.
ذلك أنّ هذه المحاولات في تناولها للتّراث استبطنت المنهج الفينومينولوجي، لكن ليس بذات التوجّهات والعمق التي تطرحها الفلسفة، وهو كمثال عن المناهج التي يمكن التوسّل بها لتفكيك بنية التّراث المعرفية، فإنّ الباحث « يسعى في دراسته للظاهرة الإنسانية إلى إنجاز تطهير الظاهرة المدروسة من الموقف الطبيعي، وتطهير عقله هو نفسه من كل عنصر منهجي يمتّ إلى أحد المناهج المستخدمة في هذا المستوى، فإنّ الفينومينولوجي يصبح قادرا على الانتقال إلى الخطوة المنهجيّة التّالية، ألا وهي خطوة الردّ، ولا يعني الردّ هنا إلّا أنّ الظاهرة المدروسة، أو بالأحرى الظاهرة التي يجري وصفها، قد أصبح من الممكن الارتداد منها عبر الشعور، تمهيدا لتحديد ماهيتها وتعيينها، تعيينا دقيقا، بواسطة إحدى الصّور المتعدّدة للردّ الفينومينولوجي، والتي أفاض “هسرل” في الحديث عنها في تضاعيف شرحه لمنهجه في كتابه الموسوم ب”الأفكار”، الذي يشكل مدخلا أساسيّا للانتقال من الفينومينولوجيا الوصفيّة، كما كانت في (البحوث المنطقية) إلى (الفينومينولوجيا الترانسندنتاليّة)، كما ظهرت في كتاب (الأفكار)، وفيما تلاه من كتب لاحقة وخاصّة (المنطق الصوري والمنطق الترانسندنتالي)، وكتابه المشهور المكمّل لسابقه (الخبرة والحكم)، ومن ثم تحوّلت الفينومينولوجيا من كونها علما ترانسندنتاليا في كتاب “الأفكار”، فأصبحت من جديد علماً أكثر اقترابا من الحياة، ومن التّجربة الحيّة»[13].
إذًا لقد كان الوعي بضرورة تنزيل الأفكار والمفاهيم من مواقعها المتعالية إلى مساحات الفعل الاجتماعي شرطا من شروط الجدّة، وإضفاء حركيّة، وفاعليّة على المفاهيم والتصوّرات، قصد إدخالها ضمن ديناميكيّة الحياة، كما يرى “مالك بن نبي” و”علي شريعتي” و”محمد باقر الصدر” و”أبو القاسم حاج حمد”، والكثير من المقتنعين بأنّ الدّين لا تنقصه المفاهيم، وإنّما الذي ينقصه حقيقة هو تفعيل تلك المفاهيم، وجعلها جزءا من بناء شخصيّة الإنسان وفاعليّته في الحياة.
لذلك نرجّح أنّ جزءا من الحاجة إلى صياغة علم كلام جديد، هو الرّغبة في بناء إيديولوجية، متّسمة بوضوح في معالمها، ونظامها، وأفكارها. وهذا قد يساهم في تقليص وطأة فعل التّغريب، أو التّمترس، ضمن معسكرات عالمية أخرى.
تتّسم هذه الإيديولوجيا بأنّها «حاملة لإمكانيات الحركية والتغيّر والتطوير نحو مثاليات الجماعة وطموحاتها، إن بها منظومة فكرية تدعو إلى تفسير العالم وتغيّره في آن واحد».[14] إنّها دفع لأصول الدّين نحو أن يكفّ عن الاستغراق في أطروحات نظريّة، وأن يكون عمليّا في توجّهاته، وآثاره الواقعيّة، أي أن يؤسّس لأيديولوجيا تنشط كحركة متكاملة، ومتقدّمة في مشروعها التغييري للواقع. إنّها حركة تتخطّى عوالم الذهن، في تجريده، لتلتصق بالواقع، المعيش، وتواكب التّجربة البشرية، وما تحمله من آلام، ومعاناة، وآمال وأفاق.
هكذا تُصنع ثورة عقائديّة في المفهوم والماصدق. هذه الفكرة، أي صياغة إيديولوجيا اسلاميّة، نجدها في أغلب مؤلّفات المشتغلين بعلم الكلام الجديد، سواء صرّحوا بها أو استبطنوها بين طيّات مؤلّفاتهم.
فالتّجديد الكلامي كان له منحيان رئيسيّان:
أوّلا: تصحيح الجهاز المفاهيمي لعلم الكلام القديم، وشحنه بالحجج العقلية والعلميّة، التي توفّر مكتسبا ابستيميّا، يؤسّس لفهم واقعيّ، وعلميّ للتصوّرات الدينيّة.
ثانيا: تحريك تلك المفاهيم، وجعلها تكتسب نوعا من الفاعلية في حياة الانسان، وفي بناء وتشكيل شخصيّته، التي تعاني غربة عن العصر، وإفرازات واقعها، وبذلك يصبح قادرا على بناء الحضارة، وصناعة التاريخ، وتحريك المجتمعات نحو التطوّر.
تلك هي أهمّ هموم المفكّرين الإسلاميين، بداية من مرحلة الإصلاح، مع “جمال الدين الأفغاني”، و”محمد عبده”، و”رفاعة الطّهطاوي”، وربّما كان هناك سبق سياسيّ في مستوى المشروع السياسي، وبناء الدولة، مع “إبراهيم باشا”، و”خير الدين التونسي”، وغيرهم.
هكذا مثّل ضغط الواقع وهموم المجتمع حافزا ومثيرا لتنزيل المتعالي، وجعله أكثر قربا، ومعايشة لواقع، ووعي الانسان العربي والمسلم.
ولئن كانت عمليّة الهندسة المعرفيّة للكلام الجديد، قد وجدت عدّة عوائق تعلّقت بالتّسمية والمنهج والموضوع، فإنّ صفة “الجديد” المعطوفة على “الكلام”، استأثرت بأهمّ مساحة من السّجال، والمناقشة حول شرعيّة وموضوعية هذه الإضافة والتّسمية، خاصّة فيما يتعلّق بما تعنيه صفة “الجديد”، والغموض الذي يكتنفها وانعدام تصوّر حدّي لها، وهو ما أدّى إلى بروز الكثير من الإشكاليات، التي لازالت تقف عائقا أمام القبول به كما هو، وبما فيه من إعادة طرح وقراءة للموروث الكلامي، أو لطرحه قضايا جديدة فرضت نفسها على الساحة المعرفيّة وسياقاتها. و«المقصود من الهندسة المعرفيّة للكلام الجديد، هو أن يتمّ ترسيم أضلاعه بشكل يمتاز بها عن أضلاع الكلام التّقليدي، حيث أنّ تعبير “الهندسة المعرفيّة” يرمي إلى التّأكيد على عدم حصر تجدُّد الكلام الجديد بالمسائل التي تعتبر أحد أضلاعه المعرفيّة، بل للتّدليل على كلّية الكلام بوصفه نظاما معرفيّا.
وتُعدّ أهمّ الأضلاع المعرفيّة لعلم مّا في: الموضوع، الغاية، المسائل، اللغة، المنهج، ومبادئ ذلك العلم. فهل يعتبر “الكلام الجديد” من حيث الأضلاع المعرفيّة متميّزا عن “الكلام التّقليدي”؟»[15].
إذًا “علم الكلام الجديد” هو من المصطلحات المستحدثة، والمولّدة في القرن الأخير، في الثقافة العربية والإسلامية، والتي استحوذت أساسا على المباحث الخاصّة بالإلهيات، في علاقاتها بالمعارف الإسلامية، كما تعلّقت بمباحث ومشاغل، تتّصل بالإنسان في مساحته الفرديّة والاجتماعيّة.
إنّ هذا الغموض، والهُلاميّة في التصوّر، أنتج الكثير من التصوّرات المختلفة، والمتخالفة حول ماهية “علم الكلام الجديد”، ومنظومته المعرفيّة، كما عرقل عمليّة امتلاك مصاديق مؤسّسة لتمشّ واضح المعالم، في مستوى عمليّة الإدراك والتفكير.
لكن هنالك إشكال معرفي، وهو أنّ أغلب من كتب في هذا المجال، نجده يخلط بشكل غير مقصود، أو أنّه حقيقة يجد صعوبة في التّمييز بين فلسفة الدين، والكلام الجديد، والكلام الفلسفي، واللاهوت الفلسفي، والدراسات الدينية، وعلم الأديان. لذلك لم يستطيعوا وضع تعريف حدّي لـ “علم الكلام الجديد”. ويظهر جليّا تأثير مباحث فلسفة الدين، واللّاهوت المسيحي الجديد، على تمشّي بعض من بدأ بالتنظير لـ “علم الكلام الجديد”، وهو ما أوجس في النّفس خيفة، ودفع إلى عدم الجزم والوثوق، بما صدر من كتابات إلّا بعد نقدها، وتمحيصها. لذلك يجب تكثيف طرح الأسئلة، وتلمّس الإجابات عنها، والتسلّح بملكة نقد علمي وموضوعي، خاصّة في رصد العلاقات بين المسائل المطروحة، ومباني العقيدة الإسلامية، لأنّ ذلك سيجزم بأصالة هذه المباحث، وباتّصالها الوثيق بالأصول العقدية، فذلك يبعدنا عن التعسّف، والطّرح القسري لمفاهيم، إمّا لأنّه لا علاقة لها بطبيعة المباحث المرصودة، أو لأنّ مجالها مساحات معرفيّة أخرى، ولابدّ من معالجتها بأساليب، ومناهج، وآليات مغايرة.
لتجاوز هذه الإشكالات المطروحة حول التّسمية، نرى – وبعد استقراء موسّع لمختلف ما كُتب حول “علم الكلام الجديد”، – أن نضيف مصطلح “المعاصر” لـ “علم الكلام”، فتكون “المعاصرة” أنسب من النّاحية الواقعيّة، والزّمنية، كما أنّها تعبّر عن مرحلة خاصّة مقيّدة بالزّمان، وبالإشكالات التي أفرزتها المرحلة.
وهكذا يبدو أنّ مسمّى “علم الكلام المعاصر” هو الأكثر دلالة على واقع الموضوعات الكلامية اليوم، لأنّ معنى “الجديد” فيه الكثير المغالاة، إذ يتحتّم عليه إقامة قطيعة ابستيميّة مع “علم الكلام القديم”، وموضوعاته، لما تختزله كلمة “الجديد” من معاني توحي بمفهوم “النسخ”، أي نسخ الجديد للقديم، وأنّه لا علاقة تربط “القديم ” بـ “الجديد” غير “الاشتراك اللفظي” بالمعنى المنطقي. أمّا إعادة القراءة واعتماد مناهج مستحدثة فليست بكافية لتعطينا ماهية جديدة لعلم الكلام، كما أنّه يطرح إشكالا آخر وهو: ماذا سنسمّي “علم الكلام” بعد مائة سنة أخرى؟. لذلك تفتقد صفة “الجديد” إلى الموضوعية، ولا تتمتّع بالدّيمومة الزّمنية التي تجعل منها إضافة علميّة، وموضوعيّة لـ “علم الكلام”.
إنّ الدّوافع الموضوعية للنّشأة تراوحت بين جمود القديم، وبين انعدام قدرته على مساوقة الموضوعات المعرفيّة المستحدثة، التي قامت على أساس الانهيار المدوّي للجزميّة العلميّة والفلسفية.
لكنّ الأبرز وبنوع من التّعميم، هو الاتّفاق الموضوعي لدى الكثيرين، على أنّ « علم الكلام الجديد، استمرار للقديم، وليس بينهما اختلاف جوهريّ. ويمكن رصد التّجديد في الكلام عند أمور ثلاثة، أحدها: أنّ الردّ على الشبهات هو أحد أهمّ مهامّ علم الكلام، وطالما أنّ الشّبهات متجدّدة، فالكلام يتجدّد كذلك. فلا ينبغي الاعتقاد بإمكان مجابهة الشّبهات بالأساليب والأسلحة القديمة على الدّوام، فإنّنا بحاجة -أحيانا – إلى أسلحة جديدة. ومن هنا، يحتاج المتكلّم إلى معرفة المسائل الحديثة، وبالتّالي يتّضح أنّ علم الكلام يتغذّى وينمو عبر المعارف الجديدة، مثلما ينمو بالمسائل الجديدة كذلك»[16].
ليس ذلك الأمر كامن في دوائر الإمكان، بل واجب يضغط بإلحاح على العقل، خاصّة وأنّ أسئلة كلّ عصر يطرحها العقل الواعي في ذلك العصر، أي العقل الذي يعيش حالة وعي وجدل بما هو محيط به، كما أنّها وليدة علوم ذلك العصر حصرا. ولأن العلوم سيّالة ومتجدّدة، ولا تكفّ عن ذلك، فإن الأسئلة أيضا سيّالة، ومتجدّدة، تسعى بإلحاح بحثا عن أجوبة تشكّل وعيا مُتراكما للإنسان، ولا يمكن للمعرفة الدّينية أن تستثني نفسها من هذا الحراك، لأنّها لا تعدو أن تكون فهما بشريّا محكوما بالحركيّة، والتغيّر والتحوّل، أي أنّها ليست بمنأى عن الفهم القاصر والقراءة الخاطئة.
فإن كان للدّين قداسته المكتسبة من قداسة مصدريّته ومنشئه، فإنّ فهم الدين، أو المعرفة الدينية تتّسم بالوضعيّة، والنّسبية، وهذا ما يسمح إلى إخضاعها للنّقد والتّجريح وفق الآلية الابستيمولوجية، في تعاملها مع نظريات المعرفة.
فـ «المعرفة الجديدة للإنسان والمجتمع، والطبيعة، أصبحت فريضة على المتكلّمين، ورجال الدّين، اليوم»[17]، إنّها عمليّة بحث معمّقة في الفرق بين الدّين، والتديّن، وسدّ الفجوة بين المساحتين، مساحة النظري، ومساحة العملي، أو التطبيقي.
وهنا نقف محتاطين من تسرّب الدنيوي إلى الدّيني، أو العكس، خارج نطاق دوائر الوعي المبني على أسس معرفيّة يقينية ودائمة وليست آنيّة.
يتأسّس هذا الاحتياط على حدّة التّباين في قراءات الإسلام السياسي، وحدود توظيفه للنصّ القرآني، وما نتج عن ذلك من اغتراب قداسة الدّيني في معترك السياسة، وتشوّه صفائه، وتلوّث نقائه، وهذا نتاج ضعف إدراك المباني الدينيّة عند السياسي المتديّن، فيفرط في تفعيل النص القرآني، وبتأويل خاطئ لخدمة المشروع السياسي. يتحقّق ذلك بفعل التمدّد غير المشروع للدّنيوي في الدّيني، أو العكس. وهو أيضا ما نلاحظه في تمدّد علوم في أخرى، حتى تشوّه حقيقتها وكنهها.
إنّ أصول الدين ثابتة في ماهيتها وكنهها، ومتمايزة عن المعارف الدينيّة المتّسمة بالتغيّر، كمنتج فكري، وعقليّ، لأنّ حدوثها متحيّز في الزّمان والمكان، ورهينة درجة الوعي البشري، لذلك هي محكومة بسنن التغيّر والتحوّل، ضمن الحقل المعرفيّ، الابستيمي، فهي تتطوّر بتطوّره، ويرتفع منسوب الوعي والواقعيّة فيها بارتفاع درجة وعي وواقعيّة العقل الذي يرتبط معها بعلاقة جدليّة. وهذا يعني أنّ المعرفة الدّينية، التي ليست هي الدّين بأيّ حال من الأحوال، هي كغيرها من المعارف، تبقى محكومة بنسبيّة اليقين فيها، وتسعى دوما نحو الاكتمال الذاتي. والمعرفة الدينيّة كما يرى “سروش” هي ككلّ المعارف البشريّة، تتطوّر تكامليّا، لذلك لا يمكن التحدّث عن ثبات أيّة معرفة[18].
2 ــ في المنهج:
«الكلام هو المتكفل بإثبات مبادئ العلوم الدينية كلّها، فهي جزئية بالإضافة إلى الكلام، فالكلام هو العلم الأعلى في الرتبة، إذ منه النّزول إلى هذه الجزئيات»[19].
بدءا يجب البحث في حيثيّات التّسمية ومتعلّقاتها، فهل هي إضافة مستحدثة في مباحث الدين، ورسم لقطيعة مع المباحث التقليدية، التي درج الباحثون على اعتمادها؟، أم هي تجديد للمباحث الكلامية، قراءة وفهما وتحليلا؟
وتأسيسا على ذلك، نطرح جملة من الأسئلة التي تيسّر عمليّة التّفكيك، والتّوليف، والإيضاح، لمجمل مل يكتنف هذا المبحث من غموض.
فهل التّجديد في علم الكلام هو في موضوعاته ومباحثه؟ أم أنّ التجديد يتعلّق بالمناهج المعتمدة، في معالجة هذه الموضوعات من حيث الترتيب، والأسبقية المنطقية، أو الإجرائية؟، خصوصا تلك المتعلّقة بالعقل والنّص، من حيث كونهما يمثّلان مرجعا، أو مستمسكا للوصول الى أقصى حدود الحقيقة الممكنة.
لقد توسّل “علم الكلام القديم” في بعض مراحل التّأسيس، والنّضج بالفلسفة اليونانية، وبالمنطق الأرسطي، باعتباره آلة قادرة على الإنتاج، في مساحات الحجاج، هذا على الرّغم من وعي بعض المتكلمين بالصّرامة المنهجيّة للمنطق الأرسطي، وعلى قلّة انتاج قضاياه بحسب البعض. كما أنّ المنهج الكلامي التقليدي، وإن اهتمّ بالجانب العقلي في قراءة المسائل الكلامية -أقلّها في بنية النص الداخلية- إلّا أنّه لم يحافظ على هذه العقلانية في تحرير مجمل القضايا، بل انساق إلى الجدل وأصبح سجينا له، نظرا لتيهه بين معقوليّة وصدقيّة الأصول الدينية في مسار الاستدلال عليها.
إذن «فالمنهج الكلامي القديم كان في الغالب منهجا عقليّا، إلى جانب المنهج النّقلي، الذي كان معتمدا أيضا في بعض أجزاء الكلام القديم. لقد كانت أدلّة الكلام القديم إمّا عقليّة بالمعنى الخاص، وإمّا نقلية بالمعنى التعبّدي، أي الاستشهاد بالآيات والرّوايات.
أمّا الكلام الجديد، فقد تطوّرت المناهج واتّسعت بشكل كبير، فإلى جانب الأسلوبين اللذين استخدما باستفاضة في الكلام القديم، يستند الكلام الجديد في الكثير من الحالات إلى الأساليب والأدلّة التّجريبية، مضافا إلى إفادته الملحوظة من الأدلّة التاريخيّة والشّهودية. والنتيجة أنّ المناهج التي يعتمدها المتكلّم الجديد أكثر تنوّعا، وعددا، ممّا كان يستخدمه المتكلّم التّقليدي»[20].
وعليه فإنّ اعتماد مناهج وآليات جديدة وإن كانت نتاجا للفكر الغربي، تعدّ من المسائل المعتمّدة، والجائزة في الحضارة العربية والإسلامية، خاصّة وأنّ «أهمّ ما أبدع الغرب في المساهمات الفكريّة هي المناهج. المنهج الدّيكارتي الاستنباطي، المنهج التّجريبي الاستقرائي لفرنسيس بيكون، مناهج العلوم الاجتماعيّة، المناهج الظاهراتيّة، وتحليل التّجارب الشّعوريّة، المناهج التحليليّة في علم اللّغة، البنيويّة …. الخ»[21].
إنّ ضرورة تجديد علم الكلام في مناهجه ومسائله، هي مسألة عُقلائية، تقتضيها بديهة العقل، ووجوب التّفاعل مع التّراكمات المعرفيّة، حتى لا يبقى العقل سجين اجتهادات الأموات.
فالمنهج الموضوعي مثلا بات من الضّرورات التي وجب الاعتماد عليها في معالجة آيات القرآن الكريم، بمعنى الاشتغال على موضوع البحث في كلّيته، وتكامله، والابتعاد عن المنهج التجزيئي للآيات، الذي لا يقدّم فهما، وتصوّرا متكاملا، للمعنى المراد ولا للمقصد الإلهي.
إذًا لمّا كان دور الأمّة هو الشّهادة، وهو الدّور المسند إليها بالأمر الإلهي، فيجب عليها أن تعيش واقعها، وأن تبلغ مستوى من الادراك بما في واقعها، وواقع الإنسانية من حولها، من تغيّرات وتحوّلات، حتى تتحقّق شهادتها على الآخرين وعلى العصر.
لهذا كان من الضروريّ الاعتماد على المنهج العلميّ، والمحافظة على المنهج العقلي، في فهمه الكلّي للمسائل التي تتعالى عن التحيّز زمانا ومكانا، كمباحث الإلهيات، وغيرها من المباحث التي تقتضي حدّا من التّجريد العقلي.
يقينًا أنّ المسار المؤلم لعلم الكلام، وعلى امتداد سيرورته التاريخية، يثبت أنّ الأزمة تكمن في المنهج لا في المسائل، لذلك فكلّما ظهرت مناهج جديدة، كلّما أضحى النّاتج الكلامي القديم تقليديّا وعقيما، في كثير من جوانبه التحليليّة والدّلالية، فالاصطفاف المذهبي، والتّوظيف السياسي، أدّيا إلى ضعف الموضوعية العلمية، والتّشكيك في حياديّة النّاتج الكلامي، وهو ما ولّد تعصّبا وانغلاقا عند البعض، وانحرافا بمسار المباحث الكلامية نحو مساحات تُنقص من قيمة العقيدة الإسلامية وتشوّهها، بل ربّما انحرفت بها عن مقاصدها، وتركتها سجينة لصراع لفظي، محكوم بجدل عقيم، حول المفهوم والمصطلح، ونوع الدّلالة، ومدى مُحكميّة وتشابهيّة الآيات القرآنية، مع أنّ الجدل فيه ما هو محمود ومطلوب، ليس لذاته، بل لكونه مُوصلا إلى تعيين حقائق الأشياء، وفكّ مرموزاتها، وفيه تُبذل الحجج والأدلّة، وتٌقدّم بغرض الإقناع، وإبطال الحجج الضعيفة، وما يُبنى على مقتضاها من أفكار وأنساق معرفيّة. يقول تعالى: ﴿قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ (سورة هود/ 32). وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. (سورة البقرة/ 258).
لدى المتصدّين لمعالجة الموضوعات الكلامية الجديدة، نلحظ عدم اهتمام كاف منهم بالهويّة المعرفيّة للكلام الجديد، وعدم نضج تحديدهم للآليات المنهجية المعتمدة، في غير البسط العامّ لها، في شكل مفاهيم ومصطلحات هُلاميّة تستحقّ الكثير من تحديد المعنى، والتدقيق في آفاقها المعرفيّة. وهذا ما يستتبع مشاكل منهجيّة متعدّدة قد تئد الآمال المعلّقة على هذا العلم النّاشئ في تجاوز الثغرات المعرفيّة والمنهجية لعلم الكلام القديم.
ولعلّ أبرز ما ميّز علم الكلام الجديد، هو إعادة ترتيب الأولويّات، وتبويبها، وفق ما تقتضيه ضرورة المعاصرة، فهمًا، ومعرفة، وحاجة. فالدّفاع عن العقيدة، والمذهب، كان أعظم سبب وراء تطوّر علم الكلام القديم، وأمّا في «الكلام الجديد فإنّ الدّفاع عن العقيدة يعدّ أحد أهدافه ولا يمثّل جميع مراميه، بل إنّه لا يمثّل حتى أهمّ تلك الأهداف، وإنّما يضطلع بمهامّ أخرى أهمّ وأعمق. وهذا أوّل الفوارق بين الكلام الجديد والكلام التّقليدي.
إنّ أوّل ما ينهض به المتكلّم، وبتعبير أدقّ “المتألّه” في الكلام الجديد هو إعطاء نظام ونسق متماسك لمجموعة تعاليم النصوص المقدّسة والدين والمذهب الذي ينتمي إليه. وبكلمة مختصرة، مهمّته الأولى، “تنظيم القضايا الدّينية والمذهبيّة”، بمعنى إعادة صياغتها، داخل منظومة معرفيّة متناسقة.
المهمّة الثانية، التي يضطلع بها، هي شرح المفاهيم الدينيّة، وتبيان المقصود منها بالضّبط. وبعبارة أخرى، إيضاح ما تريد أن تقوله التّعاليم الدينيّة والمذهبيّة.
العمليّة الثالثة، التي يجب أن ينهض بها، هي إقامة البراهين على قضايا الدين، والاستدلال لصالحها.
والوظيفة الرابعة، تتمثّل في الدفاع عن تعاليم الدين، قبالة المعارضين»[22].
هكذا يجب الحسم في الهيكلة المعرفيّة لعلم الكلام الجديد، وتحديد معالمها خاصّة المنهجيّة منها. فالقول بضرورة التوسّل بمناهج العلوم الإنسانية المستحدثة، هو حديث عامّ يستوجب التّدقيق والنّظر.
كلّ ذلك يجعلنا في حيرة من أمرنا، فهل نحن بإزاء مواضيع، ومسائل جديدة لعلم الكلام؟، أم نحن نقف وسط المساحات المعرفيّة لفلسفة الدين، ونتوهّم أنّنا ضمن دوائر ما افترضناه علم كلام جديد؟
ليس أمامنا من سبيل غير رسم الحدود الفاصلة، أوّلا بين علم الكلام القديم، وعلم الكلام الجديد، وثانيا بين فلسفة الدين، وبين علم الكلام عموما، لأنّهما وإن تقاطعا في الموضوعات فإنّهما يتباينان على المستوى المناهج والآليات، خاصّة تلك المتعلّقة بالمنطلقات والمآلات.
نحن هنا فقط نحاول رصد الإشكاليات المنهجيّة، ونطرح الأسئلة الموجّهة، حتى نتمكّن من ملامسة الماهية الحقيقية لمشروع معرفي يصرّ البعض على حقيقيّته وواقعيّته، بينما يذهب البعض إلى أنّ ما يطرح ليس سوى وهم قد يُشكل الأمر علينا أكثر، لأنّه ما من خواصّ معرفية جديدة تجعلنا نسلّم بولادة علم جديد.
إنّها أسئلة وإشكالات هي برسم المشتغلين بعلم الكلام والإلهيات، وبسنخهما من العلوم الأخرى. فيجب أوّلا تحديد ماهية “علم الكلام الجديد”، ثمّ يمكننا الاشتغال على موضوعاته ومفاهيمه وتصوّراته، لأنّ ذلك هو ما سيعطي التميّز والفرادة المعرفية التي تُكسبه ماهيته، وهويّته ضمن أُطر نظرية المعرفة.
يطمئنّ العقل إلى كلّ شكل من أشكال الاستدلال المؤدّية إلى تحصيل اليقين، ذلك أنّ الاستدلال في حقيقته ليس سوى معنى مستند في الحكم على ما يقتضيه الفكر العقلي من غير وجدان، فثبوت أيّ حكم أو انتفاؤه، يستلزم وجوبا استدعاء الدّليل[23].
تأسيسا على ذلك، يجب الحذر من تحوّل النّزعة النقديّة الموضوعيّة إلى تهويمات مؤدلجة، تستدعي مواقف كلّية وقبليّة، يبني عليها الباحث قراءته للموروث الكلامي، فالموضوعيّة عدوّة للتّجزئة والاختزال، إنّها تتعالى عن التوظيف الإيديولوجي، بقدر تعاليها عن الرّؤية القبليّة والمصادرة.
فدراسة أيّ مسألة من المسائل المتعلّقة بالدين لا يمكن تجزأتها، أو اقتطاعها عن منبتها، أو طمس علاقاتها بالفروع الأخرى في مسمّاها الأصولي، فليس هنالك أجزاء ذات مفاهيم، وأصول مستقلّة تمام الاستقلال عن غيرها، أو مفارقة لكلّيتها، بل هي كلّ منسجم ومتقاطع، ترتبط فيما بينها بشبكة من العلاقات التي تغذّيها وتؤثّر في بنائها المعرفي، بل وتتدخّل في تحديد ماهيتها. فعلم أصول الفقه، وعلم أصول الدين، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث، بل وحتى الفلسفة والتصوّف، تمثّل العلم بالمعنى الأعمّ، وتتدافع فيما بينها من حيث المفهوم والمصطلح، والمنهج، والموضوع، والغاية.
يرى “أحمد قرامكلي” ضرورة تحديد الخيارات المنهجية، لأنّ «المسائل الكلامية الجديدة متعدّدة الأصول، وهي لذلك تحتاج الى دراسات للفروع الوسيطة، فالاقتصار على توجّه خاصّ، وتحديد إطار معيّن، دون غيره، يشلّ البحث في المسائل الكلامية الجديدة»[24].
لكنّنا نقف حذرين أمام هذه القراءة ومنهجها، وتحرير متلازماتها في إطارها البحثي، لأنّها تمثّل إشكالا حقيقيّا، خصوصا وأنّ العمليّة تتعلّق بفهم النصّ القرآني، وأنّ فهم هذا النصّ ليس قابلا للنّسقية المعرفيّة. ذلك أنّ هذه النّسقية لا تستمدّ آلياتها المنهجيّة، وأدواتها التّحليليّة، من حقلها الدّلالي المتّصل بمختلف حقول المعرفة، بل هي تميل إلى الانغلاق، والاكتفاء، بما يضمن تماسكها كناتج معرفيّ.
إنّ فهم النص القرآني بأبعاده، ودلالاته الوجودية، من غير الممكن حصره بمنهج واحد، فالفهم الموضوعي للنص، يبقى دوما متعاليا عن التّسوير، الجامع المانع، باعتباره لا يعدو أن يكون محاولة للفهم، ومحاولة آخرين في تحصيل الظنّ بالمعنى المراد، بينما دلالات النصّ كخطاب موجّه للإنسان المتمايز على مستوى الخلق التكويني بالعقل، هو خطاب يتّسم بالشّمولية والتعميم.
3 ـ في الموضوع:
إنّ أهمّ ميزات النص القرآني أنّه حقل دلاليّ مفتوح، لا يبوح بأسراره إلّا لمن توسّل بآليات معرفيّة تستجيب لمتطلّبات البحث العلمي داخل الفضاء الفكري العامّ، فالموارد المعرفيّة التي يقع الاشتغال عليها كانت بغرض “كشف الواقع”، سواء كانت مرتكزات نظرية المعرفة، العقل أو الحسّ أو التّجربة، فإنّها كلّها توظّف من أجل توليد مفاهيم وأفكار جديدة للنص القرآني بغرض كشف الواقع، وفهمه فهما واعيا ومسؤولا.
لقد انحرفت وجهة التفكير الكلامي القديم عن الواقع ومشكلاته، وانغمس في عوالم ذهنيّة مجرّدة متعالية، فكان أن طغى الاتّجاه التّجريدي الذّهني على الاتّجاه الواقعي، واستمرّ الاهتمام بصياغة المفاهيم والأفكار، دون الالتفات إلى تعقيدات الواقع، وكأنّ الديّن جاء ليغيّر بنية العقيدة الفكريّة، ونأى بنفسه عن إحداث تغييرات اجتماعية في حياة الانسان.
كثيرة هي المفاهيم والأفكار والأدلّة، التي لم تعد حيّة أو موجّهة في النّظام المعرفي الكلامي التقليدي، لأنّها فقدت بريقها بفقدان الحاجة إليها، خاصّة تلك المرتبطة بالمنطق الحجاجي، والتي كانت وليدة ظرف معيّن، واستجابة لحاجة معيّنة، لم تعد موجودة في عصرنا الرّاهن.
وبفقدان الكثير من الدّوافع والحاجات لتلك المباحث الحجاجيّة، فإنّها لم تعد تسترعي انتباه الباحثين، بل لم تعد تمثّل حتى جزءا مهمّا في أفق التفكير.
فديناميكيّة الواقع الحضاري للأمّة، وأغلب مقرّرات تشخيص أزماتها، تؤكّد ذلك. لقد بهت بريقها، وانحصر وجودها لصالح هموم مجتمعية وإنسانية أخرى. فالتحوّلات العظيمة في العلوم الإنسانيّة، موضوعا، ومنهجا، ضغطت على عقول المثقّفين والمفكّرين، وأصبحت تحدّيا أمام السّياسيين، ومعيارا لمدى قدرتهم على تغيير الواقع البائس للأمّة، كما أصبحت جزءا من أيّ برنامج سياسيّ، ومنهج تربوي، ومشهد إعلاميّ.
يتّفق الدّاعون لتأسيس علم كلاميّ جديد على أنّنا لم نعد بحاجة إلى كلام يدافع عن الدّين، وتخصيص كلّ مباحثه لذلك إيضاحا وإقامة للحجج، بل إنّنا في حاجة إلى طرح مواضيع أخرى وإشكالات حارقة، تمثّل تحدّيا للفكر الإسلامي. وبذلك تتّسع دائرة علم الكلام لتبحث في منجزات العلوم الحديثة، وأسس التغيير الاجتماعي والسياسي داخل المركّبات الاجتماعيّة.
تتكثّر المباحث المستحدثة، بفعل سيرورة الزّمن، وتلحّ على إبراز الرّأي فيها، وفق مستمسكات شرعيّة، تؤكّد النّظرة التّكاملية للدين، منها مسألة أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، مثل المواطنة وأحكام الذمّي، والمساواة بين المرأة والرجل، والعدالة الاجتماعية، وكذلك نظام الحكم في الإسلام، ومسألة الديمقراطية، والحاكميّة، وطبيعة النظام السياسي، كالعلمانية، وفصل الدين عن الدولة، ودينيّة المجتمع أو مدنيّته، ومسألة الحرّية، وحقوق الإنسان.
كلّها مباحث تشغل العقل العربي والإسلامي، في مختلف مجالاته الفكرية، السياسية، والاجتماعية، وتمثّل إشكالات تستعدي إجابات واقعيّة، ومنطقيّة، وتفصل بين التّناول الواقعي، والعقلاني للمسائل، وبين التّناول القائم على خلفيّة قيميّة قبليّة.
إنّ المُساءلة والاستفهام، هي من أهمّ مميّزات الخطاب الإلهي، وهي تتساوق وتطلّعات الوعي البشري، في حالات جدله المنبثق عن احتكاكه بمختلف ألوان الوجود. ومن خلال المناهج التاريخية الوصفيّة أو المقارنة، يظهر ذلك جليّا في “علم الكلام الوحياني”[25] و”علم الكلام الفلسفي” وفي “فلسفة الدين”.
إنّ الخبرة الكلاميّة الجديدة، القائمة على المُراكمة، تظهر أهمّية فائقة، وقيمة فعّالة، من الواجب تلقّفها، وإدراجها ضمن عمليّة إعادة تشكيل الهندسة الكلامية في الخطابات الدّينية الحالية. كما أنّ الأوجب هو الاقتراب من هذه الخبرة، انفتاحا، وتواصلا، بدل المقاطعة والمُفارقة، أو الابتعاد عن مسايرة المناهج، والطّرائق الجديدة، في التّعامل مع القضايا والمشكلات الفكرية والاجتماعية، التي تعيق مركزيّة الانسان، وتلغي سلطة عقله على الآني، فيصبح مسكونا بالغربة، والانبتات في مقابل ذاته وواقعه، وسطحيّ حدّ السّذاجة في رؤيته للعالم من حوله.
[1] – خان وحيد الدين: الإسلام يتحدّى، ط7، تعريب، ظفر الله خان، دار المختار الإسلامي، (د ت)، الكويت، ص ص 23-24.
[2] – جعفري محمد: العقل والدين في تصورات المستنيرين الدينيين المعاصرين، ط1، تعريب، حيدر نجف، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، 2010م، ص 15.
[3] – الإيجي عضد الدين: المواقف في علم الكلام، عالم الكتب، بيروت، لبنان، د ت، ص7.
[4] – ملكيان مصطفى: الاتّجاهات الجديدة في الكلام الجديد والكلام القديم، حوار، ضمن الاجتهاد الكلامي، مناهج ورؤى متنوّعة في الكلام الجديد، سلسلة، قضايا إسلامية معاصرة، إعداد، عبد الجبار الرفاعي، دار الهادي، للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، (د ت)، ص ص 185-186.
[5] – ر: الرفاعي عبد الجبار: موسوعة فلسفة الدين 3، علم الكلام الجديد، مدخل لدراسة اللاهوت الجديد وجدل العلم والدين، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، دار التنوير للطباعة والنشر، ط1، 2016م، ص 10.
– دي بور. ت. ج، تاريخ الفلسفة في الإسلام، ط2، نقله الى العربية وعلّق عليه محمد الهادي أبو ريدة، دار النهضة العربية، بيروت 1948م، هامش ص 84.
[6] – الرفاعي عبد الجبار: موسوعة فلسفة الدين 3، ص ص 185-186.
[7] – التفتازاني سعد الدين مسعود بن عمر: شرح العقائد النّسفية في أصول علم الدين وعلم الكلام، تحقيق، كلود سلامة، منشورات، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، سوريا، 1974م، ص 4.
[8] – التهانوي محمد علي: كشّاف اصطلاحات الفنون، ط1، تقديم واشراف ومراجعة، رفيق العجم، تحقيق علي دحروج، نقل النص الفارسي إلى العربية عبد الله الخالدي، الترجمة الأجنبية جورج زيناتي، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1996م، 1/31.
– راجع أيضا المواقف في علم الكلام، عضد الدين الإيجي، ص 8.
[9] – حب الله حيدر: مسألة المنهج في الفكر الديني، وقفات وملاحظات، ط1، الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2007م، ص ص 244-245.
[10] – حب الله حيدر: مسألة المنهج في الفكر الديني، وقفات وملاحظات، ص ص 238-239.
[11] – يوسفيان حسن: دراسات في علم الكلام الجديد، ط1، ترجمة، محمد حسن زراقط، مكتبة مؤمن قريش، بيروت، لبنان، 2016م، هامش ص 36.
[12] – ر: شبلي النعماني الهندي، علم الكلام الجديد، ط1، ترجمة وتقديم جلال السعيد الحفناوي، مراجعة السباعي محمد السباعي، المركز القومي للترجمة، العدد 1974، القاهرة، 2012م.
[13] – سلامة يوسف: فينومينولوجيا التجربة الدّينية، مجلة جامعة دمشق، المجلد27، العدد الثالث + الرابع، 2011م، ص 402.
[14] – الخولي يمنى طريف: الطبيعيات في علم الكلام، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، مصر، 2012م، ص 22.
[15] – قراملكي أحمد: الهندسة المعرفية للكلام الجديد، ط1، ترجمة حيدر نجف، وحسن العمري، مراجعة عبد الجبار الرفاعي، دار الهادي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 2002 م، ص 13.
[16] – سروش عبد الكريم: القبض والبسط في الشريعة، ط3، ترجمة، دلال عباس، منشورات دار الجديد، بيروت، 2002م، لبنان، ص 23.
[17] – سروش عبد الكريم: القبض والبسط في الشريعة، ص 112.
[18] – ر: سروش عبد الكريم، م ن ص ص 173-191.
[19] – الغزالي أبوحامد: المستصفى، ط1، طبع المطبعة الأميرية، بولاق، القاهرة 1322هـ، 1/7.
[20] – ملكيان مصطفى: الكلام الجديد والكلام القديم، حوار، ضمن الاجتهاد الكلامي، مناهج ورؤى متنوّعة في الكلام الجديد، سلسلة، قضايا إسلامية معاصرة، ص 184.
[21] – حنفي حسن: الاتّجاهات الجديدة في علم الكلام، حوار، ضمن الاجتهاد الكلامي، مناهج ورؤى متنوّعة في الكلام الجديد، سلسلة، قضايا إسلامية معاصرة، ص26.
[22] – ملكيان مصطفى: الكلام الجديد والكلام القديم، حوار، ضمن الاجتهاد الكلامي، مناهج ورؤى متنوّعة في الكلام الجديد، سلسلة، قضايا إسلامية معاصرة، ص ص 173-174.
[23] – ر: الآمدي سيف الدين، الأحكام في أصول الأحكام، مؤسسة الحلبي، القاهرة، 1397هـ/1967م، 1/11-12.
[24] – قراملكي أحمد: الهندسة المعرفية للكلام الجديد، ص ص 177-178.
[25] – مصطلح استعمله -عبد الجبار الرفاعي وغيره – ويُقصد به علم الكلام المعتمد على الوحي حصرا، قرآنا أو حديثا، دون الالتفات إلى الشروط والقوانين العقلية، أو المنجز المنطقي والفلسفي. ونلمس ذلك في مستواه العفوي والشكلي، عند المحدّثين، وبعض الفقهاء، أو المتكلّمين الظاهريين. لكنّنا نجده أكثر عمقا، وعلميّة، عند التفكيكيّين المعاصرين، وهذا المنهج التفكيكي، هو غير التّفكيكية في الفلسفة الغربية.
اكتشاف المزيد من التنويري
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.