اجتماعالتنويريسلايدر

العلاقات الدولية المتغيِّرة؛ قضايا دبلوماسيَّة القرن الحادي والعشرين

 

دروس التاريخ:

منذ قرن مضى، دخل العالم في فترة العولمية الأولى. وانتشر الإستثمار والتجارة بسرعة حول العالم، مدفوعاً بثورات في تقنيات الإنتاج والاتصالات، وبمستوى ثابت للذهب. ومن خلف الكواليس، كانت تقف بريطانيا العظمى، بارزة في التصنيع، والتمويل، والقوة البحرية، التي دفعت إلى المقدمة بالتجارة الحرة عبر العصر الفكتوري، بادئة بالإلغاء الإحتفائي لقوانين “كورن” الحمائية في 1846. وسعت حكومات بريطانية متعاقبة لعقد اتفاقيات بغرض تخفيض التعاريف؛ ووضعت البنوك اللندنية رؤوس المال للاستخدام الإنتاجي في الخارج؛ كما قامت البحرية الملكية بتأمين الحصول المفتوح على أسواق العالم وثرواته. وقد كانت النتيجة تدفقاً غير مسبوق للبضائع، وراس المال، الناس، وصعود أول اقتصاد عالمي مفتوح بحق وحقيقة.

غير أن عبارة “العولمة-Globalization” كمصطلح ومفهوم قد أصبحت متداولة منذ ثمانينات القرن الماضي، وشغلت دوائر الفكر والسياسة عندما بدأت في إحتلال مكان كلمات مثل “عالمية”  و”عالمية عابرة”. وهي كمصطلح بديل، تشير إلى الشبكات الكثيفة للتفاعلات عابرة الحدود في كل مجالات النشاط الإنساني: اجتماعياً، وسياسياً، وثقافياً، وتمويلياً، واقتصادياً. وقام المفهوم، الذي انطوت عليه، بتغطية مجموعة هائلة من التغييرات الاجتماعية، التي لم تتضح الروابط بينها بصور واضحة بعد.[1]

ففي آلياته المحركة، يفصح الاقتصاد العالمي عن هندسة متغيرة بصورة غير معهودة، تقوم بتذويب الجغرافية التاريخية والاقتصادية. لذلك، فإن إنقسام العمل العالمي قد تسبب في علاقة المركز والطرف، التي تتجاوز الحدود القومية والجغرافية، جالبة إلى المركز قطاعات من العالم الثالث، ومبعدة قطاعات من المركز التقليدي للنظام، ومن العالم الثالث إلى المركز الطرفي. بالرغم من ذلك، فإن المنطق البنيوي للعولمة ظل سائداً على الكوكب دون أن يدع حياة لم يمسسها، حتى إذا كان ذلك في ذات العمليات والشروط التي تم بموجبها إبعادها.[2]

وفي 1900، كانت هنالك كل الأسباب للتوقع والترحيب بمستقبل لإنفتاح اقتصادي عالمي متصل. كانت عولمة القرن التاسع عشر تناصر حجة “ريتشارد كوبدين” و”جون برأيت” القائلة بأن التجارة الحرة ترعى النمو، وقد خلقت مصالح حيوية في مصلحة علاقات سلمية ومستقرة بين الدول. وفوق كل ذلك، فإن البعثات التجارية البريطانية إلى أوربا القارية لم تكن فقط مبادرات اقتصادية، بل كانت أيضاً بعثات سلام. إلا أن هذا التفاؤل سرعان ما تلاشى. فقد جاء الإنهيار، وصار نظام العالم المفتوح في 1914، ضحية لسرعة تبدّل علاقات القوة، وتصاعد التنافس الإستراتيجي، وذبول العظمة البريطانية، والحرب العالمية الأولى.

ويبدو أن العالم اليوم متوغل في العصر الثاني للعولمة؛ مدفوعاً بثورات تقنية، وبالتزام الدول المتقدمة صناعيا نحو تحرير رأس المال والتجارة. وهذه المرة، قامت الولايات المتحدة بوضع ثقلها المهيمن خلف تطوير الاقتصاد العالمي المفتوح، منشئة مؤسسات متعددة الأطراف، وراعية للجولات التجارية، وفاتحة أسواقها المحلية للواردات، ومرددة ترانيم المدح في الليبرالية التجارية. وبمثل ما كان في القرن الماضي، فإن الزحف نحو الراسمالية العالمية يبدو هو الآخر غير قابل للمقاومة.

فهل عصر العولمة هذا أكثر أمنا من الذي مضى؟ وفي بحث جديد متميز عن الرأسمالية العالمية المعاصرة يقول أحد أكثر العلماء تميزاً في مجال العلاقات الدولية، بأن هنالك سبب يدعو للقلق.[3]  فبالنسبة لروبرت قلبن، فإن الأسس السياسية للإنفتاح الاقتصادي قد ضعفت بصورة درامية في العقد الأخير من القرن العشرين حيث أن الانفجار في التجارة والاستثمار قد وضع ضغوطاً جديدة على المؤسسات العالمية. وهو يرى أن نهاية الحرب الباردة كانت بمثابة الحدث البذرة للاقتصاد العالمي. لكن المفارقة، إنها أطلقت قوى السوق العالمي الجديدة بينما قامت بتكثيف الصراع الاقتصادي بين الاقطار الصناعية، وتقويض الالتزام الأمريكي نحو المادية الليبرالية. فالاقتصاد العالمي المبني على القوانين، الذي أنطلق في “بريتون وودز” في 1944، قد إنهار الآن بذوبان الروابط السياسية بين أوربا، واليابان، والولايات المتحدة. والأمر المثير للقلق، أن الولايات المتحدة تبدو غير راغبة، أو غير قادرة لتقديم القيادة السياسية القوية التي كانت العمود المركزي لنظام ما بعد الحرب الليبرالي. فإذا لم يَعُد بناء الأسس السياسية للرأسمالية العالمية مهما، فإن الاقتصاد العالمي قد يعود إلى ماضيه المحزن؛ هزّات متصاعدة في الأسواق المالية، وارتفاع حدة الصراع التجاري، وتجدد القومية الاقتصادية، وأخيراً العودة إلى الكتل الإقليمية المتناحرة. وفي هذا تصوير دقيق لما بلغته الأوضاع الاقتصادية العالمية بعد الأزمة المالية، التي ما تزال تداعياتها تتمدد بين الناس.

وتوصل “قلبن” لهذه الخاتمة الكئيبة من خلال استعراض دقيق لعناصر الاقتصاد السياسي العالمي – التجارة، النقد، التمويل، وأنظمة الإستثمار الأجنبي – إلى جانب الإستراتيجيات الاقتصادية للولايات المتحدة، وأوربا، واليابان. والنتيجة هي إضاءة عظيمة للرأسمالية الحديثة. فقد قام قلبن بعرض مقنع للطريقة العميقة التي تجذر بها الاقتصاد العالمي المعاصر في نظام الحرب الباردة، تحت قيادة الولايات المتحدة، مقدماً بذلك إدعاءً قوياً بأن قوى العولمة هي في الحقيقة لم تتجاوز الدول للهرب من السيطرة السياسية لقادتها. فبدلاً عن إعطاء منطق للنظام والمكافأة، الذي سيقوم بتدجين العواطف القومية والسلطوية، فإن قوى العولمة الفوضوية قد خلقت خاسرين ورابحين – وهو مصدر ذو امكانيات خطيرة للصراع. وقام قلبن بجلب نوع من الصحو المطلوب للجدل الدائم الاحتدام حول العولمة. إلا أنه لم يجرؤ على القول عما إذا كانت الدوامة الحالية ستقود إلى إنهيار سياسي، أو إلى خلق نظام جديد يقوم بدعم والتحكم في الإنفتاح الاقتصادي العالمي.

ففي فترة ما بعد الحرب الباردة كان هنالك إنعكاس، مثير للإستغراب، للمواقف نحو العولمة. فقد احتضن سياسيو الدول الغنية العولمة في العقود التي أعقبت الحرب الثانية، واضعين بذلك النظام الاقتصادي العالمي الليبرالي في المقدمة. لذا، فإن معرفة تاريخ ما بعد الحرب حول المواقف نحو العولمة أمر ضروري لتقوية ظهور السياسيين؛ فهي توضح أن صناع السياسة في الغرب الذين استسلموا لمخاوف العولمية المضادة قد خسروا لتجربة معاكسة – وقد تم إلقاءهم في سلة مهملات التاريخ بواسطة الدول الفقيرة المتلهفة للعولمة، على أن يتم إعادتها إلى قلب المسرح فقط بعد أن يتم استثارة صورها الآسفة لتوضيح مواطن الخطأ. وفي المقابل، فقد انصرفت الدول الفقيرة عنها متعاملة معها باعتبارها نوعاً من الخطر، بدلاً عن نوع من الفرص. أما اليوم، فإننا نجد صناع القرار الرئيسيين في الدول الفقيرة منهمكون في التخلي عن مواقفهم التسلطية، بينما جماعات الضغط والسياسون سريعو الإستجابة بإعادة إختراع نفس المخاوف لأنفسهم، التي كان يعتبرها صناع السياسة في الدول الفقيرة–الموبخون الآن- كارثية بالنسبة لسلامتهم.

على سبيل المثال، تهافت الاهتمامات حول التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر الداخل، أطلقت صيحة الحرب لدى الدول الفقيرة منذ خمسينات القرن العشرين إلى سبعينياته؛ بأن “التكامل الدولي يقود إلى التفكك القومي.” وأن نماذج “الأثر الحميد”، التي تبناها الاقتصاديون، والتي تصور التجارة العالمية والاستثمار المباشر باعتبارها ذات مصلحة مشتركة بالنسبة لكل الدول المشاركة، قد تم استبدالها بتوجهات معاكسة في غاية التشاؤم. فنماذج “الأثر غير الحميد” تبدي قلقاً بأن التفاعل مع دول المركز سيقوم بإيذاء اقتصاديات الطرف، أي الدول النامية. وبعض حجج “الاثر غير الحميد” تدعي بأن الطرف قد تم وضعه في خطر سياسي من خلال فقدان للسيادة غير مقصود للدول الغنية ومؤسسساتها. كما أن نماذج “النوايا غير الحميدة” للكولونيالية –الاستعمارية-الجديدة تؤكد بأن عولمة التجارة، العون، والاستثمارات لا تعدو أن تكون أكثر من إعادة فرض محسوب للكولونيالية بطرق أخرى.

قد تبدو هذه الحجج مألوفة لكل من يراقب الأخبار هذه الأيام. فإذا كانت الدول الفقيرة تخشى من تسرب مهاراتها إلى الخارج، ونزيف العقول إلى المركز؛ الذي بات يخشى الآن من من التدفق الداخل من العمالة غير الماهرة من الطرف. كانت الدول الفقيرة تخشى من أن التجارة مع المركز ستؤدي إلى تطورها وتصنيعها الواعد. واليوم؛ التجارة مع الطرف تصيب قلوب اتحادات العاملين في المركز بالرعب، الذين يعتقدون بأن مرتباتهم ستنخفض إلى معدلات صينية. فبينما كان الطرف يقاوم التدفق الداخل للإستثمار الأجنبي المباشر؛ فإن إتحادات الدول الغنية أصبحت الآن تقاوم ذلك. وإذا كان الطرف يقاوم أن يكون تحت هيمنة المركز، فإن المركز يخاف ضياع هويته للطرف. وعلى هذا النحو تجري الأمثلة المتعاكسة.

وقد وقع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، والبنك الدولي في المصيدة وتعرضا لإدانات متكررة ومتنوعة لا نهاية لها، تدور حول فكرة أن العولمة قد قادت إلى عدم مساواة كبير في الدخول. ولكن حتى إذا كان في الإمكان إثبات مثل هذه العلاقات العابرة، التي لم يقع بعد حدوثها، فإن الجهات المعنية لم توضح أهمية الأمر، واضعين في الاعتبار أن نتائج عدم المساواة يتفاوت بدرجة كبيرة عبر الدول من آثار سلبية إلى أيجابية.

وهذا الأمر ينطبق أيضاً على قضايا مثيرة للجدل مثل تشغيل الأطفال. إذ هنالك وسائل أخرى غير المقاطعة التجارية أكثر ملاءمة للتقليل من تشغيل الأطفال؛ وبذلك، فإن منظمة العمل الدولية، وليس منظمة التجارة العالمية، هي المؤسسة المفضلة، التي يمكن العبور من خلالها. وكثير من المنظمات غير الحكومية في الأقطار الفقيرة حيث يمثل تشغيل الاطفال مصدراً للقلق، تعتبر المقاطعة التجارية ذات آثار عكسية، واعتبرت مساندة إدارة كلنتون لمطالبة – AFL-CIO – لمنظمة التجارة العالمية بتبني “مبدأ إجتماعي” كنوع من الحمائية المدفوعة سياسياً التي تختبئ تحت قناع ذي اهتمام أخلاقي. تقف الاتحادات، في الوقت الراهن، بمساعدة الإدارة دون أن تتعرض للتصويب أو التعرية، بينما تتخذ الدور الطليعي في مهاجمة منظمة التجارة العالمية والعولمة.

لقد وضعت اتصالات الأقمار كل جزء من العالم في اتصال لحظي مباشر مع بعضه الآخر. فسهّل ذلك الأعمال الاقتصادية والدبلوماسية إلى درجة يبدو أن التراجع إلى وضع ما قبل 1957 أمر لا يمكن التفكير فيه.  كما أن الرأي العام قد تأثر بذلك. فالأحداث والاحتفالات تجتذب كل العالم كمتفرجين لحظة وقوعها. والحروب والأزمات من سايغون إلى البوسنة إلى كابول، قد تم الإتيان بها إلى داخل غرف المعيشة كحوادث تقع أمامهم، وأن الحرب لم تعد تبدو ذات بهرج، جذابة أو مفيدة كحل لمشكلة. ولم يكن ممكناً فعل ذلك بطريقة معقولة بدون التعاون الدولي. إن التطور في مجال الفضاء هو مشروع للإنسانية ككل. وفي تطوره، يمكن للعولمية إثبات قيمتها. ويمكن للناس، بالطبع، إختيار التعلق بالمحلية، بينما يُستخدم الفضاء في أقمار التجسس، أشعة الليزر، والقنابل النووية الموجهة عن بعد. لكن المحلية بالرغم من ذلك، ستقوم بالتأكيد بتسريع الإنزلاق نحو التحطيم الحتمي للحضارة، وربما للإنسانية. العولمية تمنح العالم الأمل في حضارة أكبر، وأوسع، وأفضل، بمزيد من التنوع والمرونة، جاذبة مصادر ثروات هائلة، كما أنها لم تعد مسجونة على سطح كلمة واحدة. وإذا نظرنا إلى البدائل، المحلية والعولمية، فإن الناس ستدعم الإختيار، وأن ذلك سيكون إرث عصر الفضاء العولمي.

إن التكامل المتنامي اليوم للاقتصاد العالمي لم يكن غير مسبوق، على الأقل عندما يحكم عليه بواسطة تدفق البضائع، ورأس المال، وحركة الناس. فقد حدثت إتجاهات مماثلة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. إن نسبة الإنتاج العالمي، الذي يتم التعامل فيه تجارياً في السوق العالمي لم تكن أعلى اليوم مما كانت عليه في السنوات التي قادت للحرب العالمية الأولى. فقد كانت التجارة بالمقارنة مهمة في 1910، عندما كانت نسب التجارة والصادرات التجارية إضافة للواردات، لمجموع الناتج القومي، قد ضربت أرقاماً قياسية عالية في عدد من الاقتصاديات المتقدمة. ثم حدث إنهيار للتجارة الدولية خلال فترة الكساد الكبير 29-1930، والحرب العالمية الثانية 1945، ولكن منذ ذلك التاريخ، فقد نمت التجارة الدولية بسرعة أكثر من الناتج، كما نما الجزء المتداول تجاريا من الإنتاج العالمي.[4]

إن مبدأ السوق العالمي يؤثر، ليس فقط في المنتجات النهائية وعوامل الإنتاج، بل أيضاً، وبصورة أكثر أهمية، في القدرة الإنتاجية نفسها. فالقدرة  الإنتاجية في بعض الصناعات مرنة الآن بالقدر الكافي، الذي يمكن من النظر إليها باعتبارها سلعة. كما كتب “جاي كومار” و”أبتون” عن صفتين مميزتين للإنتاج المعاصر، هما العملية التحويلية وإعادة الإنتاجية المحددة، اللتان أدتا إلى تخفيض الحاجة للجمع بين الهندسة والتصميم مع التصنيع، باستثناء الإنتاج التجريبي. والنتيجة هي نمو في المشاريع الاقتصادية متعددة الجنسيات، من منظمة مشتركة إلى شبكة ذات بنية كونفدرالية فضفاضة، والتي يتم فيها شراء الكثير من الخدمات والنشاطات التصنيعية الحذرة في المدى القصير، رافعة عن المشتري تكاليف الحصول على القدرة عن طريق الالتزام باستخدامها المتصل.[5]

ولا يزال الاقتصاد العالمي أبعد من أن يكون نظاماً واحداً متميزاً، كما أنه ليس عالمياً بالمعنى الحرفي للكلمة. إذ كثير من الناس على هذا لكوكب لا يعملون في، ولا يشترون من الاقتصاد العالمي، وليس من المحتمل أن يفعلوا ذلك أبداً. وكما يحتج “مأنويل كاستلز”: فإن “البنية والعملية الحقيقية للاقتصاد العالمي تهم فقط قطاعات من الهياكل الاقتصادية، وأقطار أو أقاليم في تقسيم العمل العالمي في نسب قد تتفاوت بناء على الوضع المعين للدولة أو الإقليم في تقسيم العمل العالمي.”[6]

في صفقة ما بعد الحرب، قامت تقنيات المعلومات والاتصالات بمد الردع العسكري بأبعاد مهمة، وأن الدولار الأمريكي قد ربط الحلفاء إلى بعض، وخلقت الدعومات المؤسسية لاقتصاد عالمي مفتوح. وكانت الأسواق في خدمة هدف سياسي أكبر. وقد كانت المساومات التاريخية بين العمالة والأعمال الاقتصادية ممكنة سياسياً، فقادت إلى بناء شبكات سلامة اجتماعية محلية مكنت من امتصاص تقلبات الأسواق العالمية.

 

الدبلوماسية أهمية تزداد:

زادت أهمية الدبلوماسية بشكل كبير “في عالم اليوم، الذي ذابت فيه الحدود وتلاشت فيه الفواصل بين الدول والشعوب، وسادت فيه قيم العولمة، وأصبح سكان الأرض جيران في قرية كونية كبيرة، بل أصبحت علاقات التواصل ضرورة ملحة ووسيلة هامة لتحقيق مصالح الشعوب في أرجاء المعمورة ورغبتها في العيش بسلام وطمأنينة”[7] واستقرار ونمو مستدام. ومع تداخل القضايا والموضوعات العالمية نمت روح المصالح المشتركة بين الأمم وتكاثفت علاقاتها. ولا شك أن هذه العلاقات والصلات بين الدول تسارعت وتيرتها، تحتاج إلى طرق ووسائل تدار بها أكثر من مجرد عملية التفاوض والتمثيل والاتصال بين الدول والحكومات، التي عرفت بها الدبلوماسية التقليدية.

فقد لعبت الدبلوماسية فيما مضى أدواراً هامة جداً في العلاقات الدولية، إذ اعتبرت الأداة الأولى من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، والوسيلة الأولى لصناع القرار لتسويغ قراراتهم وإقناع الآخرين بها في إطار حركة التفاعل الدولي. وشكلت مثار اهتمام الأوساط الإعلامية في العالم لما لها من دور في تسيير الشؤون الدولية. واتخذت ذريعة للدول لتسهيل قيام علاقات ودية وسلمية بينها. كما مثلت الأداة الأولى لذلك الشخص المعني بممارسة التفاوض والتمثيل لبلاده، أي الدبلوماسي، الذي يستخدمها لتقريب وجهات النظر والتوفيق بين مصالح بلاده والبلاد الأخرى. واستخدمتها الدول بعد استقلالها وتحقيقها السيادة الوطنية لإثبات الذات في المجتمع الدولي حيث تتم ممارسة الدبلوماسية بمظاهرها كافة، كالتمثيل الدبلوماسي والإعلام والتفاوض وعقد المعاهدات. وهي قبل ذلك وبعده، وسيلة لتحقيق السلام في حركة تفاعل المجتمع الدولي، لذلك فهي تدخل في دائرة المدرسة المثالية؛ الأخلاقية والقانونية، التي تتفاءل ببناء عالم خالي من النزاع والصراعات. وبسبب التقدم العلمي وتطور وسائل الإعلام ووسائل الاتصال والمواصلات، ازدادت سرعة تغير العلاقات الدولية، وتشعبت قضاياها. وأثر ذلك كله على تغير السياسيات الخارجية للدول، والتي تعتبر الدبلوماسية الأداة الأولى لتنفيذها.

وإذا ما علمنا أن العلاقات الدولية هي حاصل جمع السياسيات الخارجية لوحدات المجتمع الدولي، ندرك أهمية وقيمة الدبلوماسية في صنع وإدارة العلاقات الدولية. إن ما نشهده اليوم من اضطراب وحروب في أرجاء العالم تفرض على الدول؛ صغيرة وكثيرة، أن تجعل من الدبلوماسية الطريق الوحيد لحل مشكلات هذا العالم. فالواقع، الذي نعيش فيه، هو أشد ما يكون حاجة إلى الدبلوماسية الحديثة والنشطة والفاعلة، التي تشجع لغة الحوار والتفاهم وتبادل وجهات النظر، أكثر من حاجته إلى العنف والتطرف والتشدد، والتي باتت تسد كل أفق للتعايش السلمي بين بني البشر. والدبلوماسية هي الأداة الأنسب والأنجع والوسيلة الأفضل والانجح لتحقيق مطالب العيش المشترك.

إن ثورة التكنولوجيا في نهايات القرن العشرين، أدت إلى تغيرات كثيرة في قطاعات النقل والمواصلات وأدت بالتالي إلى نقلة كبيرة في العمل الدبلوماسي. فقد أصبح الموظفون الدبلوماسيون الذين كانوا ينتظرون اشهراً حتى تصل إليهم التعليمات من حكوماتهم، والذين كان لوجودهم وحضورهم دائماً أهمية، جاءت الثورة التكنولوجية وما نتج عنها من خدمات هاتف وتلغراف جديدة وسريعة، والمبرقة الكاتبة (Teletype)، والحاسوب (Computer)، والانترنــت والإيميل (E-Mail)، وغيرها، لتزيد من فاعلية مهامهم وتضاعف من شأنهم وتجعلهم في مرتبة الموظفين المبجلين، ولم تجعل خطوط الهاتف الساخنة بين رؤساء الدول موقع السفراء غير ضرورياً، بل صاروا أكثر أهمية، خاصة في أوقات الأزمات الكبيرة. كما لم يضعف انتشار الصحافة العالمية والراديو والتلفاز دور الدبلوماسي في شرح سياسة بلاده لجماهير البلدان الأخرى، بشرط أن يكون ملماً بأسياسيات تحولات ثورة الاتصالات، والتمكن من معرفة استخداماتها.[8]

والحقيقة الماثلة، التي لا يمكن التغاضي عنها، أنه منذ اختراع الدبلوماسية الحديثة في عصر النهضة بإيطاليا، اكتشفت الدول ضرورة تبادل المبعوثين بغرض إبرام الاتفاقيات، أو حلها، سواء على رق المخطوطات في العهود القديمة، أو عن طريق مؤتمرات الفيديو الحديثة. ورغم أنه لا ينبغي لنا أن ننكر أن ثورة الاتصالات كانت بالغة التأثير في كل مكان تقريباً. فكما نجح اختراع التلغراف في اختصار أسابيع من الوقت في تبادل الرسائل عبر البحار، وكما سمح اختراع الهاتف ثم الطائرة للزعماء بتكثيف التواصل فيما بينهم إلى حد غير مسبوق، فإن تقنيات اليوم سوف تستمر بكل تأكيد في تغيير صور العملية الدبلوماسية وسبل التبادل الأساسية، سواء بين الدول، أو المناطق، أو بين الكيانات التي لا تحدها أوطان، أو أقاليم. فالضرورة تحتم وجود واستمرار العلملية الدبلوماسية بأشكالها المتجددة. إذ أنه يبدو أن هذه الثورة وما تسارع بفعلها من عمليات العولمة لم تتمكن من تبديل هذه الضرورة حتى الآن.

فالفاعلون في السياسة الخارجية والدبلوماسيون يتعين عليهم أن يحرصوا على عدم الخلط بين الوسائل والغايات في عالم السياسة. فالاتصالات الأفضل والأسرع ليست غاية ذات قيمة في حد ذاتها، أو على الأقل بالنسبة للدبلوماسيين. فقد “شهد العالم مثل هذا الأحاديث والحوارات من قبل. فحين أعلن الرئيس وودرو ويلسون بعد نهاية الحرب العالمية الأولى عن قدوم ما أطلق عليه الدبلوماسية الجديدة، والتي بمقتضاها تحل المواثيق المفتوحة والأمن الجماعي في محل السرية وتوازن القوى، اعتبر العديد من الناس مثل هذه الأمور أحلام واعظ مثالي. والواقع أن سياسات القوة ما زالت متغلغلة في العديد من أجزاء العالم اليوم. ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن سبل الدبلوماسية في عام 2010 تختلف تمام الاختلاف عن تلك التي كانت سائدة في عام 1910 ـ بل وتتفوق عليها كما يزعم البعض ـ ولا شك أن نتائجها أفضل في كل مكان.”[9]

بيد أن “هذا لا يرجع ببساطة إلى قانون ثابت يحكم التقدم. ذلك أن العديد من العناصر القيمة في الدبلوماسية القديمة ما زالت قائمة: مثل مواءمة السياسة الخارجية مع المصالح الوطنية والإقليمية، وتفضيل الممكن على المرغوب، وتهذيب وتحسين ما نستطيع أن نطلق عليه اليوم “تدابير بناء الثقة”، أو أساليب ترسيخ الثقة بين الجماعات الصغيرة من المفاوضين المحترفين، وبين هذه الجماعات والمواطنين الذين يمثلونهم.”[10]

إن الدبلوماسية وجدت لتبقى، ويخطئ كثيراً “الذين يفترضون أن دبلوماسية القرن العشرين الزائلة، كما يصفها بعض المتحمسين للشبكات العالمية اليوم، كانت تُدار بالكامل من وراء الأبواب المغلقة بواسطة أهل النخبة مخطئون في تفسير تاريخهم. ولا نحتاج إلا إلى قراءة التقارير الصحفية المعاصرة عن أي مؤتمر دولي رئيسي أثناء هذه الفترة لكي ندرك أهمية جماعات الضغط المتعددة؛ ليس الصحافة فقط، بل وأيضاً “الناشطين في مجال السلام”، والمصرفيين، والصناعيين، والنقابات العمالية، والمنظمات الدينية، وغير ذلك الكثير ـ في كل هذه الحالات تقريباً.”[11]

هل تأتي هذا الزعم بسبب أن ثورة الاتصالات قد غيرت معادلات التواصل في العلاقات الدولية؟ والإجابة ربما تكون بلا، أو نعم، ولكن الحقيقة المدركة هي أن “الدبلوماسيين كانوا لفترة طويلة يشكلون الشبكات الاجتماعية الأكثر كفاءة على الإطلاق”[12] في إدارة هذا التواصل وما يزالون. وكما يحدثنا الواقع، فقد “تعاملوا مع أجندات متعددة وفئات مختلفة من الجماهير، من هؤلاء الذين طالبوا بالضغط على مؤتمرات نزع السلاح، التي عقدتها عصبة الأمم في ثلاثينيات القرن العشرين، إلى هؤلاء الذين حملوا مكبرات الصوت في كوبنهاجن في ديسمبر 2012، وكل الخبراء رفيعي المستوى الذين يعدون أجندات كل القمم العالمية.”[13] والذين على أيديهم تصاغ الاتفاقيات وتعقد الصفقات والتحالفات.

ورغم كل ذلك، نجد أن الدبلوماسيين اليوم مواجهون بتحديات مستجدة، وذات طبيعة مختلفة عما ألفوه في السابق. وتتلخص ÷م التحديات التي يواجه تواجههم اليوم “في تحويل هذه المشاعر إلى نتائج. ولن يتسنى لهم تحقيق هذه الغاية إلا من خلال الاستعانة بالسبل المجربة والمختبرة في المواءمة بين الدفاع والحرفية المهنية، وبتغذية جيل جديد من الموظفين العموميين الدوليين الذين ظل العالم يطلق عليهم اسم الدبلوماسيين. فالعالم الآن يحتاج إليهم وإلى حقائبهم الدبلوماسية أكثر من أي وقت مضى،”[14] وهذا ما يؤكده التطور المتسارع لوسائل وأدوات وخبرات السياسة الخارجية، وما وزارة الخارجية القطرية إلا مثال شاخص على هذه الحقيقة.

 

التحديات الجديدة:

لقد أظهر التطور المذهل الذي حققته عمليات العولمة، وما خلقته من ظروف تقارب جديدة بين أفراد الأسرة الإنسانية، بأن أنظمة الدبلوماسية التقليدية، التي هيمنت على تصريف عمل العلاقات الدولية بكافة سياقاتها السياسية وتمثلاتها ومنجزاتها العملية، إلى وقت قريب، قد باتت عاجزة أشد ما يكون العجز عن مساوقة الوضع العالمي الجديد، هذا إذا أخذنا بعين الأعتبار المقولات التي تتحدث عن نهاية عصر الدولة، والنظريات التي تتناول قضية السيادة، والتي عجزت عن ملاحقة ما استجد وأنبثق من تجارب وظواهر معقدة في طبيعة العلاقات الدولية. وهذا ما دفع الكثيرين للقول بأن النظام القديم للدبلوماسية قد إنهار وتهاوى بفعل الأنساق الحديثة للسياسة الخارجية، وانعكاساتها على المنظومة القيمية والأخلاقية للعلاقات الدولية.

إذن، ما هى هذه التحديات الجديدة التي تواجهة السياسة الخارجية وكيف ستستجيب الدبلوماسية إليها؟.. ومن الواضح أن أحد الأفكار المحورية السائدة في نقاش السياسة الخارجية تقع في ضغط الزمن والمساحة المتاحة لأية رغبة جديدة في التغيير، خاصة وأن التغيير لا ينتهي إلا ليبدأ من جديد، يصحبه مزيد من الحاجة لفعل الدبلوماسية، والمزيد من المزايدات لمصحلة الفاعلين، وما يعنيه ذلك من تحصيل الحقوق المشروعة، وأن هذه الحقوق قد ظلت لوقت طويل فكرة محورية فى دراسة الدبلوماسية التقليدية، وتعلقت بها منظورات رسالة الدبلوماسية الجديدة، في عصرنا الحديث.

بالرغم من ذلك، فإن الأمر ليس فى سرعة الرسالة التى تميز الفترة الحاضرة منذ أن حدثت القفزة النوعية في ثورة الاتصالات في القرن التاسع عشر. بل هى “سرعة مؤسسية”، تميزها كثافة التفاعلات بما يشار إليه بجسامة مهمة الدبلوماسية، واستجابة الفاعلين لها. لهذا، نرمي هنا إلى بيان أنه لا يمكن أن تطرح قضية الدبلوماسية بصفة منعزلة عن مجمل السياسات الداخلية والخارجية، لذا وجب التنبيه، في إطار التأكيد على أهمية هذه المسألة مفهوميا وقيميا وثقافيا وحضاريا، إلى ضرورة الإطلاع على كل التفاصيل والإجابة على كل التساؤلات، ومنها: كيف يمكن أن نحول دون رفض الآخر وإقصاءه لأسباب مختلفة؛ دينية، وعرقية عنصرية، وتاريخية، وثقافية؟ وكيف يمكن أن نفكر في التسامح والتعايش بين كل التيارات الحضارية المختلفة؟ وهي تساؤلات قد لا تبدو محيرة لمراقب يستهجن القطيعة بين الشعوب، لأن فكرة التعدد لا تتضارب مع شروط الوحدة في هذه الحقبه التاريخية، وذلك لأن الحقيقة والخليقة واحدة. فهل يمكن لمطلب الحقيقة أن ينسجم مع مقولة التعدد والوحدة؟ إلا يمكن للسياسة الخارجية أن تفكر في قراءة للتعايش تجعل من الإختلاف والحياد والحرية أركانا أساسية لكل التصورات، التي تحاول أن تفهم الترابط بين الأفراد والشعوب والدول؟ غير أن هذا المنحى في التفكير قد لا يتلاءم مع معيار ثلة من الدبلوماسيين، قياساً على ما اختطوه لأنفسم ولبلدانهم إبان الحقبة الماضية، مما يحيرنا ويحثنا على التفكير في طبيعة العلاقة بين الدبلوماسية والسياسية الخارجية في المرحلة القادمة. وهل يمكن التوفيق بين إدراك الإختلاف والتعايش مع التنوع، الذي يتطلبه العدل في العالم اليوم؟ وهي أسئلة تكمن في مضمون طرحها لكل الإجابة.

 

أجواء الحوار:

تكثر الأحاديث والأجواء مفعمة بالحوار حول إعادة صياغة الدبلوماسية بحيث تتناسب مع القرن الحادي والعشرين. وإذا تأخر عالمنا العربي عن هذه الأحاديث والحوارات، إلا أن دولاً عديدة أخرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، تعمل ليل نهار في سبيل المواكبة وابتداع وسائل جديدة للدبولماسية تتساوق مع ثورة الاتصالات وعمليات العولمة، التي اقتحمت كل محالات الحياة. فمؤخراً تحدثت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وزعيم حزب المحافظين البريطاني ديفيد كاميرون عن تركيبة جديدة تشتمل على الدفاع، والدبلوماسية، والتنمية، وأشار كل منهما إلى أن السياسة الخارجية التي تبنتها الولايات المتحدة وبريطانيا في السنوات الأخيرة كانت تركز على نحو أكثر مما ينبغي على العنصر الأول على حساب العنصرين الأخيرين.[15]

وفي الوقت نفسه أنشأ الاتحاد الأوروبي جهازاً جديداً للسياسة الخارجية أطلق عليه هيئة العمل الخارجي الأوروبي، ومن المفترض أن تمثل هذه الهيئة المصالح المشتركة لبلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين. صحيح أن خطوط السلطة التي تميز الدبلوماسيين الأوروبيين الجدد عن وزراء الخارجية المعتادين على المستوى الوطنيما زالت غير واضحة؛ ولكن هيئة العمل الخارجي الأوروبي أصبحت تشكل حقيقة واقعة.

وهناك خطط مماثلة في آسيا وأماكن أخرى من العالم، ولكنها ما زالت قيد البحث والدراسة؛ ولكن البلدان الأعضاء في منظمات مثل المنتدى الإقليمي لرابطة دول جنوب شرق آسيا، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة شنغهاي للتعاون، تتحدث على الأقل بقدر متزايد من الجدية عن تنسيق السياسات بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.

لقد انتقل هذا التوجه الإقليمي إلى مركز الصدارة في السياسة العالمية ـ ما عدا في الولايات المتحدة، حيث يُنظَر إلى الإقليمية والسياسة العالمية باعتبارهما نقيضين. ولقد لخصت هيلاري كلينتون التحديات الكبرى التي تواجهها بلادها اليوم في تحسين التواصل عبر الحدود على كل مستويات المجتمع، وفي كل مكان. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، أشادت مسؤولة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأميركية والأستاذة بجامعة برينستون، آن ماري سلوتر، أشادت بالولايات المتحدة باعتبارها المركز المفضل لشبكة عالمية من البشر، والمؤسسات، والعلاقات.[16]

ولكن في حين تفكر أميركا من منظور الشبكات فإن بقية بلدان العالم مشغولةبتوصيل الدوائر.ولكن هل من الممكن أن يجتمع الأمرين؟ ليس هناك ما يدعونا إلى الاعتقاد بعدم جواز اجتماعهما. فكل من الرأيين يبدو جذاباً ومتفقاً مع المبادئ التقليدية التي تحكم العلاقات الدولية، وخاصة رغبة توماس جيفرسون في “السلام، والتجارة، والصداقة المنزهة عنالغرض مع كل الأمم”، وهو ما قد تضيف إليه هيلاري كلينتون “الأفراد والجماعات داخل الدول وفيما بينها”.[17]

ولكن لا مصالح الأفراد ولا الدول من الممكن أن تتطابق تمام التطابق. ولقد بدأت شبكة كلينتون العالمية في مواجهة العقبات بالفعل، وخاصة مع الصين. ولقد تبين لها أن السبل القديمة ـ مثل المعاهدات، والسفراء، والمساعي الحميدة، والتحالفات، وما إلى ذلك ـ قد تكون مفيدة رغم كل شيء.[18]

 

قضايا للمستقبل:

وبينما يعدو عصر المعلومات إلى الأمام هنالك، بالرغم من ذلك، سؤال طبيعي: “ما مستقبل العلاقات الدولية في عهد الاتصالات العالمية اللحظية؟” أو بصراحة أكثر، “هل هنالك مستقبل للدبلوماسية التقليدية بتقدم التقنية لصناعة اتصالات إلكترونية أفضل فأفضل؟” هل نحن متحركون نحو يوم حيث كل هذا النشاط سيأخذ مكانه حقيقة في الإنترنت أو التقنيات التي تخلفها؟ أم هل سيتم تكامل الدبلوماسية التقليدية والتقنية لتحسين عمق واتساع السياسة الخارجية في عصر العولمية؟ إن التطور في تقنية الاتصالات الحديثة وإمكانية تطبيقها، بالنسبة للسياسة الخارجية والدبلوماسية، يجعل هذه الأسئلة بديهية وحتمية في نفس الوقت. لتقنيات المعلومات أثر عميق على كل أوجه الحياة الإنسانية والمجتمع، كما أن السياسة العالمية والعلاقات الثقافية، بالقطع، ليست باستثناء. فهى تكسر الزمن وتفتح توجهات تفاعلية مثيرة جديدة للدبلوماسية.

وتضم الوظائف التقليدية للدبلوماسية التمثيل، وكتابة التقارير، والتفاوض، ومن المحتمل جداً أن تواصل هذه البقاء، ولكن يجب أن تُدعم بالتسهيل والتنسيق. وهذا يعكس إنتقالاً بعيداً تقريباً عن الهرمية والعلاقات، التي تم تعريفها بوضوح، نحو هرمية أقل، ومنظمة جيدة التعريف أكثر إنسياباً وديناميكية، والتي يجب أن تتعامل عبر الكيانات المماثلة، والتي دائما ما تغير حدودها ومساحات نفوذها، ومع الوكالات والمصالح الرسمية وغير الرسمية. وستظل الوظيفة المفتاحية لدبلوماسيي المستقبل هى تمثيل المصالح القومية، ليس فقط للحكومات الأجنبية، ولكن أيضاً لمدى واسع من الجماهير الأجنبية؛ تذهب إلى أبعد من وزارة الخارجية، ورأس الدولة، والصفوة التقليدية. وعلى ضوء الممارسة المتزايدة للاتصالات المباشرة بين العواصم، فإن تنفيذ الوظيفة التمثيلية بفعالية يتطلب تفاعلاً بعمق مع تلك الجماهير المتلقية الواسعة.

وسيستمر الدبلوماسيون الحديثون في التعامل مع وزراء الشئون الخارجية للدول المضيفة، وأيضاً مع عدد من الوكالات والشُعب الحكومية الأخرى، ومع الكيانات غير الحكومية بنفس القدر. وقد تصبح الكيانات المحلية في داخل الحكومة موضع تركيز مهم للجهود التمثيلية. فالنمو السريع للمنظمات الحكومية العالمية المفتاحية يعني بأن الواجبات التمثيلية لا تشتمل فقط على المنظمات الحكومية العالمية، بل الوفود الحكومية الأخرى، إلى جانب المنظمات غير الحكومية، والمنظمات الطوعية الخاصة. وستصبح المنظمات الإقليمية، أو ممثليها المتمركزين في الدولة المضيفة، موضع تركيز مهم، وستعنى الكثير منها بالتنمية التجارية والاقتصادية، بدلاً عن القضايا السياسية. إضافة إلى ذلك، فقد يكون هنالك ضباط لمنظمات فوق القومية، التي يجب التنسيق مع تمثيلها. أخيراً، ومع الوتيرة المتصاعدة للمفاوضات متعددة الجنسيات، التي تغطي الكثير من الموضوعات غير التقليدية، فمن المتوقع أن يكون هنالك قطاع واسع من المشاركين غير الحكوميين، والمجموعات ذات المصالح، سيصبحون متعاملين، أو جماهير متلقية، مفتاحيين.

إن النمو السريع على مستوى العالم لعمليات جمع الأخبار والأخبارالمباشرة ونشرها، يواسطة الأخبار والمنظمات الخاصة الأخرى، قد غير بصورة بارزة في طبيعة وظيفة كتابة التقارير الدبلوماسية. وتقوم الإنترنت بتوفير الحصول المباشر لوزراء الشئون الخارجية للكثير من مصادر الأخبار الأجنبية، مثل الصحف والمجلات، التي كانت في السابق يتم إمدادها بواسطة تقارير السفارات اليومية. لذلك، فإن الكثير من وظيفة كتابة التقارير قد تمت إزاحته. وستبقى كتابة التقارير عن التطورات الأجنبية مهمة؛ ولكن أكثر من مجرد القدرة على كتابة التقارير المضبوطة على ردود الأفعال والاستجابات الرسمية، إلى القدرة على التعرف وفهم المؤشرات الأكثر دقة، التي تأتي فقط من الوجود الفعلي في الموقع، وأن الحس الثقافي سيكون ضرورياً “للدبلوماسية ذات القيمة المضافة”. ويتطلب القيام بوظيفة كتابة التقارير فهماً عميقاً للدولة المضيفة، التي هى أكثر من مجرد رأي الصفوة، وليس فقط عبر الساحة السياسية، ولكن أيضاً الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى يتمكن من إعطاء سياق مهم للتقييم. وبالاضافة إلى التقارير المختصرة الدقيقة عن ردود أفعال الدولة المضيفة للمواقف، سيشتمل التقييم والتقرير عن التطورات المفتاحية في البلد المضيف الموضوعات، التي قد تؤثر على العلاقات الثنائية، ومتعددة الأطراف، والقضايا الإنتقالية الوظيفية، مثل الأمن البيئي، والنشاطات المضادة للإرهاب. وإضافة للممارسة المتنامية لمناقشات وزارة الشئون الخارجية المباشرة، هنالك وجود متزائد لممثلي الشعب الحكومية الأخرى، كجزء من كادر السفارة والوفود الرسمية. إن القدرة على توفير صورة تلخيصية متكاملة تعكس بدقة التقييم الكلي دون أن تكون ضيقة الأفق تجاه المصالح الشُعبية الضيقة، هى مسألة ضرورية لجعل التقارير الدبلوماسية وظيفة ذات قيمة مضافة. وهذا يتطلب الآن من الدبلوماسي أن يكون قادراً على وضع تفكير ونشاطات الدولة المضيفة على مجموعة سياقات واسعة عالمياً ومحلياً، ليس فقط على أساس الآثار السياسية الثنائية على علاقاتها مع دولة الدبلوماسي. وستبقى المفاوضات عنصراً مهماً في مسؤليات الدبلوماسي. وسيستمر دبلوماسيو المستقبل في الإضطلاع بدور نشط في المفاوضات الدولية، ولكن على غير سابقيهم، سيقومون على الأرجح بمشاركة المسؤلية التفاوضية مع وفود من وكالات حكومية أخرى، وفي بعض الحالات، مع أعضاء من منظمات خاصة. ومن المحتمل أن تأخذ المساهمة في المباحثات الثنائية حول موضوعات تغطي كل مدى المصالح الثنائية دوراً أصغر من المفاوضات متعدة الأطراف. وقد بدأت المفاوضات بصورة متزائدة تذهب إلى أبعد من العلاقات الثنائية، لأن الحلول للقضايا المعقدة يتطلب مشاركة قطاع واسع من الأطراف المهتمة. وعامل مهم آخر للعمل الدبلوماسي في المستقبل، سيتضمن تسهيل المصالح القومية غير التقليدية. وكثير من هذه الجهود ستشتمل على تقديم الدعم للوفود الاقتصادية والبرلمانية الحكومية الزائرة. وعلى وجه الخصوص، تسهيل المصالح التجارية الذي يتضمن مساعدة الشركات من بلد الدبلوماسي في تطوير الاتصالات، والتوقيع على الإتفاقيات التجارية المهمة، والتي ستكون على رأس الأولويات.

إن مجموعات القضايا الممتدة تشتمل على عدد من تلك التي كانت تحت سيطرة وإدارة الوكالات، ووزراء الشئون الخارجية، والدبلوماسيين، غالباً ماتلعب دوراً تتنسيقياً تسهيلياً، أكثر من كونه قائداً، للإتيان بالتجانس من مناظير متنوعة للوكالات المحلية التي تمثل بعض المصالح الخاصة. فالبيئة الجديدة، التي ظهرت الآن بوضوح، هى نتاج معقد لثلاث ثورات متصلة ومتداخلة، وليس فقط ثورة المعلومات. الأولى، ثورة سياسية هبت في أعقاب إنهيار حلف وارسو وتفكك الإتحاد السوفيتى، كانت آثارها المفتاحية تتمثل في ديمقراطية وبعثرة سلطة الدولة. ولم تقم هذه الثورة بأخذ مكان الدولة/الأمة، كما لم تقم بازاحة الدور الرئيسي لفعلة الدولة، لكنها قدمت إضافة مهمة لعدد الكيانات الناتجة، ولاعبين مهمين في المشهد العالمي. العامل الثاني،  انفجار ثورة اقتصادية مدفوعة بقوى التحرير، والتسويق، والخصخصة، والأمننة (التأمين)، والعولمة. هذه الثورة قد خلقت حاجة لا يمكن إشباعها للمعلومات والشفافية، وأيضاً للمعالجات السياسية المفتوحة. وقامت هذه الثورة أيضاً بزيادة عدد اللاعبين ذوى الإهتمام على المسرح العالمي. وقد أوضح “غوردون سميث” في “إعادة اختراع الدبلوماسية،[19] ضرورة إفتراضية”، بأن الدبلوماسية التقليدية تتكون من: فن الدفع بالمصالح القومية؛ بواسطة ممارسة الاقناع. بالرغم من ذلك، فإنه بالنسبة للحاضر والمستقبل المنظور، فإن وسائل الإقناع الدولي كانت، وستواصل في التمدد لتضم كل واحد في أي مكان متصل، أو مرتبط بالمجال المعلوماتي، الذي قد يتصاعد إلى أي، وكل إعلام الاتصالات العالمية. وبمصاحبة الإنتشار المتسارع لتقنيات الاتصالات والمعلومات عالمياً، فنحن نشهد إنتشاراً موازياً لممارسة الدبلوماسية بين الفعلة غير الحكوميين.[20] والذين لديهم القدرة على الحصول على تلك التقنيات، والرغبة في الوصول وخلق دوائر حول قضايا محددة ترتكز على قيم مشتركة مفهومة.

 

المحتوى والأداء:

نعترف جميعاً بأن المعرفة قوة غير مادية، وهى تتكون من النفوذ والنظام معاً. وبهذا الفهم وبهذه الطريقة، فإن الهيمنة تقدم البنية للقوة في التفاعل الإنساني. وتكون القوة غير المادية واضحة عندما تستخدم الدول/الأمم تقنية المعلومات للتأثير على المجتمع. كما يمكن الاحتجاج بأن الدول/الأمم قد تمت صناعتها من خلال السيطرة على وسائل الإعلام الجماهيري، التي تقوم بنشر وجهة نظر معينة للعالم، والدولة/الأمة باعتبارها “مجتمعاً متخَيلا”ً هي عالمية من وجهة نظر شخصية فقط.  ويفرض عصر المعلومات تحديات كثيفة جديدة لدبلوماسيتنا التقليدية، إما بتضخيم عدم الوفاق العالمي والإختلاف، أو بلفت الناس عن إهتمامات حيوية في الخارج. والنتائج قد تكون سريعة وقاتلة.

وتشتمل القضايا المهيمنة في العقد القادم، والمرحلة غالبها من العقد الأول من الألفية الجديدة، على الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وأسلحة الدمار الشامل؛ والإرهاب؛ والمخدرات؛ والجريمة العالمية؛ والإهتمامات البيئية؛ والسكان؛ واللاجئين؛ والهجرة؛ والأمراض، والمجاعة. يزيد عصر المعلومات من علاقة هذه القضايا بشعوب العالم. وسيكون الجزاء على عدم إنتباه الدبلوماسية قاسياً.[21] فالدبلوماسية هى فن دفع المصالح القومية من خلال التبادل المستدام للمعلومات بين الشعوب والأمم. وهدفها تغيير المواقف والسلوك. وهى ممارسة إقناع الدولة للدولة. وتزعم الدبلوماسية الكلاسيكية بأن الدول ذات السيادة تسيطر على العلاقات العالمية. بالرغم من ذلك، ففي مواجهتها بالتقنيات، التي تقوي من الرغبات المتعارضة للتجزئة والتكامل، وتحرك القضايا الآنية، والتي عادة ما لا يمكن السيطرة عليها، ولا يمكن التوسط فيها؛ فعلى الدبلوماسية في القرن الحادي والعشرين أن تقوم بقلب ثقافتها ذات الصبغة السرية وإعجابها بعدم المشاركة.[22]

في الجانب الآخر، فقد قامت ثورة المعلومات بدفع ديمقراطية وعولمة تدفق ومحتوى المعلومات. وتوفر تقنيات المعلومات المتقدمة أدوات اتصالات جديدة، ولكنها تحتاج لعمليات منظماتية جديدة، وإلى تغيير الهرميات القائمة، وعلاقات القوة بين الفاعلين العالميين والمحليين على حد سواء، وبالتالي، تلعب دوراً رئيسياً في تسهيل ودفع الثورات في المجالين الاقتصادي والسياسي.[23] وبعد هذه الآثار المقوية، فإن ثورة المعلومات والبيئة العالمية التي ترعاها، قد جعلت المعلومات نفسها مصدراً مهماً للقوة القومية والنفوذ. لهذه الإتجاهات آثار محسوسة على الدبلوماسية تؤثر على محتوى وأداء المشروع الدبلوماسي الضروري للنجاح في ساحة دولية متحولة.

وتقوم تقنية المعلومات بتغيير محتوى الدبلوماسية في عدد من الطرق الملحوظة، بما في ذلك الفهم المحدد لشخصية النظام العالمي. إن النموذج النيوتوني للسياسة الدولية، التي يمكن النظر فيها للأمم باعتبارها فاعلين ينتمون إلى وحدة مستقلة، ويتصرفون في توافق مع بقوانين تصميمية ومعلومة؛ تشير إلى أن درجة عالية من التنبؤية للتفاعلات داخل النظام، قد جاءت إلى نهاية. فتفاعلات الدول قد تم فهمها على أساس أنها مثل كرات على طاولة  البلياردو، حيث الكمية المتغيرة البسيطة تجمع القوى السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، وحيث تكون نتائجها متوقعة متى ما عرفت الفيزياء التحتية المحركة للنظام. وهذا النظام ذو الطبيعة الميكانيكية يعتبر ثابتاً نسبياً ومستقر نسبياً، وإذا ما تم تحريك نظامه، فإن التوازن المضبوط لاستعادة القوى قد يعيدها إلى حالة التوازن القائمة من قبل، أي ما يعرف في المفهوم الدبلوماسي الكلاسيكي “الوضع السابق للأحداث.”[24]  واليوم تحتاج البيئة العالمية للفهم أكثر كمثل نموذج ميكانيكي كمي حيث تكون العمليات “غير مستقرة العناصر وعدم التيقن مظاهر أساسية،[25] يُفهم النظام باعتباره ديناميكي ومعقد بصورة أساسية، وأن القوى المجردة غير المحسوسة (مثل القوة غير المادية أو الأخلاقية) يمكنها إنتاج تغيرات مادية محسوسة في النظام.”[26]

ولم يعد هنالك خلاف بين العالمي والقومي، فيما يتعلق بالقضايا والجمهور. وليس هنالك من مكان يمكن أن يكون فيه هذا الأمر أكثر صدقاً من تقنيات المعلومات، التي أصبحت موضوعاً للنزاعات الدولية، وكوسيلة أيضاً يتم بواسطتها إدارة، والتأثير، على العلاقات الدولية. وفي غياب حدود واضحة بين الوظائف الداخلية والخارجية، فإنه يجب أن يتم تغيير موضع تركيز الدبلوماسية. لم تعد العلاقات الخارجية والسياسة العالمية ذات حدود مشتركة، كما لا يمكن للدبلوماسية أن تظل متزامنة مع المحتوى التقليدي للشئون الخارجية. فخلال العصر الذهبى للدبلوماسية، كانت المؤسسة الدبلوماسية قد تم تركيزها على “السياسة العليا”.[27] وفي المفهوم الواقعي التقليدي كانت الدول يتم تحفيزها بواسطة اعتبارات القوة المقاسة، ويتم تذكيتها بواسطة مصادرها، وحيوية قادتها. لذلك، فإن الشئون الخارجية بين الدول الأقران تعتبر المحتوى المركزي للدبلوماسية حيث كان الإهتمام الأساسي بالحرب والسلم، واستخدام قوة الدولة في مقابل الدول الأخرى. وسيطرت هذه المظاهر تقليدياً على أبعاد الشئون العالمية الأخرى. وخلال معظم فترة ما بعد الحرب الباردة، لتنافس وتناطح القوى العظمى بين تحالفاتها العسكرية، كانت “السياسة العليا”، التي  يتم التركيز عليها بصورة ضيقة كشئون عسكرية سياسية. وموضوعات التحكم في الأسلحة خاصة، قد أخذت وسط المسرح في السعي الدبلوماسي.

من المهم الاعتراف بأن أداء الدبلوماسية في عصر المعلومات يذهب إلى أبعد من المبادرات الدبلوماسية، والنقاشات الثنائية مع وزراء الخارجية للدول/الأمم. فالدوائر المحلية خاصة والحكومية، التي لها مصالح قوية في هذه المجالات، أصبحت تتواصل وتتفاوض مباشرة مع مثيلاتها في أقطار أخرى، ومع منظمات دولية، وهي بذلك تكون قد قامت بصورة محسوسة بتعقيد أداء محتويات السلة الجديدة للشئون الخارجية وإدارة العلاقات الدبلوماسية. والعلاقات التجارية والاقتصادية العالمية قديمة قدم الأمة، غير أن مدى هذه العلاقات قد اتسع بصورة كبيرة، كما أن التغطية الإخبارية العالمية، خاصة مع بيانات الأقمار الصناعية المباشرة، والروابط التلفزيونية مع الأقمار، متزاوجاً مع شبه التوفر العالمي للاستقبال التلفزيوني، قد زاد من تعريتها للمواطن العادي. وفوق ذلك، فإن مخارج المعلومات والإعلام قد فاقت في سرعتها قدرة المنظمات الدبلوماسية والاستخبارية للمحافظة على الأفضلية في المعلومات، التي تخص التطورات الأجنبية، سياسية كانت، أو اقتصادية.[28]

فقط في العقد الماضي، قد تغير سياق ومحتوى المؤسسة الدبلوماسية بصورة ملموسة. فيجب على أداء الدبلوماسية الحديثة التعامل مع كل مدى المصالح القومية، ليس فقط تلك التي تؤثر على سلطة الدولة ونفوذها، ولكن أيضاً تلك التي تؤثر في رفاهية مواطني الدولة، وفي مصالحهم المتنوعة.[29] كما أنه يجب على الدبلوماسية الفعالة استخدام أدوات وطرق الاتصالات والمعلومات المتقدمة للوصول إلى أبعد من الحدود الضيقة لتلك الدوائر ذات الإهتمامات التقليدية بالشئون الخارجية. إن فهم مآلات تلك العوامل أمر مهم لفهم أفضل للطريقة، التي يجب أن تدار بها الدبلوماسية في عصر المعلومات. فبينما ستتواصل الوظائف الكلاسيكية للتمثيل، مثل كتابة التقارير، والتفاوض، فإن أشكالها ومأدتها ستتغير بصورة كبيرة، وأن أهمية جديدة ستعطى لأعمال التيسير والتنسيق بين الموضوعات والقضايا المختلفة. وتقترح التغييرات الثورية ثلاث مناطق سيتأثر فيها الأداء الدبلوماسي بصورة واضحة، هي: المعالجة، والتنظيم، والأدوات والطرق. وهذه التغييرات بدورها سيكون لها آثار ملموسة على أعمال الدبلوماسية.

أثناء أوائل القرن التاسع عشر،[30] كانت القيود التي على التقنيات الموجودة لا تزال تسمح للسفراء بكثير من الحماية واللباقة في الوظائف التمثيلية والتفاوضية للعلاقات الدبلوماسية مع البلد المضيف، الذي تم أنتدابهم اليه. في ذات الوقت، فإن نفس القيود على الاتصالات العالمية قد مكنت كادراً  قليلاً من موظفي الشئون الخارجية داخل الوطن للعب دور حارس البوابة في الاتصالات الخارجية والمعلومات، والسيطرة على قضايا السياسة الخارجية في داخل حكوماتهم، بل وفي داخل الأمة ككل. غير أن تغييرات مهمة قد وقعت في واجبات ومسؤليات الدبلوماسيين، كنتيجة لعاملين: اتصالات محسنة، ووضع الصبغة البيروقراطية على الشئون الخارجية. وكما أن الإبتكارات السابقة في تقنيات الاتصالات والمعلومات، وبداية بالتلغراف، والكيبلات عبر المحيط في خمسينات القرن التاسع عشر، قد منحت اتصالات في الزمن الحقيقي لمعالجة التوجيهات والتقارير الدبلوماسية، حيث قامت بربط الدبلوماسيين إلى عواصم بلادهم وبالتقويض الجزئى لاستقلالية الدبلوماسيين في الحارج. غير أن الاتصالات التلغرافية خاصة الكيبل تحت الماء كانت مكلفة وغامضة في عدة أوجه، فقد كانت الرسائل قصيرة ومشفرة على مستويين؛ “مورس”، ثم طبقة مشفرة لاخفاء الرسالة، حتى يتم الاحتفاظ بوظيفة حارس البوابة. وفي القرن العشرين، أدى الإنتشار الواسع للرحلات الجوية البعيدة المريحة، ودوائر الهاتف الصوتية للاتصال المباشر بين القارات، والإعلام في الزمن الحقيقي على مستوى العالم؛ ضمن العديد من التطورات التقنية، إلى مواصلة إعادة تعريف دور وواجبات الدبلوماسي. وقد مكنت التطورات في التقنية إلى زيادات هامة في الاجتماعات الشخصية بين رؤساء الدول، والاتصالات المباشرة بين وزارات الخارجية، وتكاثر الزيارات العالمية، والاجتماعات والمؤتمرات بواسطة قطاع واسع من الفاعلين المساهمين في النشاطات الدبلوماسية. وبالنظر إلى  التغييرات في محتوى الدبلوماسية، التي تم بحثها في الفصل السابق؛ فإن المستقبل سيشهد مفاوضات ثنائية أقل لـ”السياسة العليا”، فيما يتعلق بالقضايا الإستراتيجية والعلاقات العسكرية السياسية. وبصورة متكررة، ستقوم بمعالجة المناقشات متعددة الأطراف، ذات الصبغة الفنية في القضايا الاقتصادية، والمعاهدات المالية التجارية، والمخدرات، ورجال العصابات، والتلوث، ضمن مواضيع أخرى كثيرة.

وبذلك، فقد فقد الدبلوماسيون، ووزراء الشئون الخارجية، احتكار المعلومات حول الشئون الخارجية. ولم يعودوا يمثلون هنالك الصوت الوحيد للسيادة، وتمثيل الدولة، وليست لديهم السلطة على إنسياب المعلومات من وإلى حكوماتهم. فاليوم؛ تحتشد سفارة السفير بممثلين للعديد من الوكالات الحكومية الأخرى، والذين لديهم اتصالاتهم المباشرة مع وكالاتهم وعادة مع نظرائهم الأجانب. كما أن المصالح الاقتصادية الخاصةن والإعلام الجديد، يسيطران على إمكانيات عالية في جمع المعلومات وإرسالها، تتفوق عادة على إمكانيات معظم الحكومات. وبينما من المحتمل أن يكون تبسيطاً تحليلياً مناسباً للإعتقاد بأن الدول كوحدة من الفاعلين، وأن كل التفاعلات العالمية، وتلك التي بين كل دولة وأخرى، تمر عبر وزارة الشئون الخارجية، وبينما تتم اتصالات مهمة بين الفاعلين غير الحكوميين، فإن جسامة تلك التفاعلات خارج الدولة، والعلاقات المباشرة بين الوكالات الحكومية، تقوم في الحقيقة بتغيير نوعيتها وأهميتها كعامل في العلاقات الدولية. وكثير من هذه التفاعلات تقع خارج السيطرة المباشرة للدول. وبفقدان السيطرة الفاعلة والتحديدات المتزائدة على السيادة، فلم يعد لدى الحكومات القدرة على تحديد، أو السيطرة على الاتصالات، والصفقات، وغيرها من التفاعلات، بين عدد من الكيانات في الشئون الدولية. وحتى تتعامل مع المدى الواسع من القضايا، إضافة إلى ارتفاع في عدد الموضوعات ذات الصبغة الإقليمية ومتعددة الأطراف، تزداد الحاجة إلى تغيرات ملموسة في بنية الدولة الداخلية، كما تحتاج عملية صناعة القرار فيها إلى أن تكون أقل هرمية. ومن المحتمل أن تكون المنظمات الأساسية، لكل صناعة السياسة الخارجية، تحتاج إلى إعادة تفكير، حتى تتمكن من التصدى لهذه القضايا بطريقة مناسبة داخل سياق إستراتيجي متكامل لقرارات الأمن القومي.

فقد كان للراديو والتلغراف آثار دراماتيكية على النشاط العسكري، بينما قام الراديو والتلفزيون بإعادة تشكيل الحياة المدنية. وكانت الرسالة التلغرافية، التي سجلت سبقاً، قد غيرت الدبلوماسية بصورة أساسية، كما فعل الهاتف، الذي جعل الاتصالات مباشرة بين فرد وآخر وبين القادة أمراً ميسورا. فالأدوات الاتصالية التي تصل إلى جمهور الدبلوماسيين عادة ما تكون لحظية. والآن، ونحن ندخل عصر المعلومات، وأجهزة الكومبيوتر المنتشرة في كل مكان، والإنترنت، واتصالات الهاتف المتنقل الموجودة على مستوى العالم، لاتزال تواصل في تغيير العمل التقليدي للدبلوماسي كنتيجة لتكاثر اتصالات الزمن الحقيقي عالية الجودة. وهذه الإمكانات ترقي كلا من الزيادة العالية في الحصول على المعلومات حول التطورات الخارجية، والانفجار في الاتصالات العالمية المباشرة، ليس فقط بين الدول، ولكن بين الكيانات الحكومية الأخرى، داخلياً وعالميا، على مدى واسع من المنظمات الطوعية الخاصة وغير الحكومية، والأعمال الاقتصادية، والمؤسسات الأكاديمية، والأفراد.

وأدت الثورة في تقنية الاتصالات والمعلومات إلى تغييرات في الممارسة الدبلوماسية والتدريب الدبلوماسي. مثلاً، فرق من الدبلوماسيين الإفتراضيين تلتقى بصورة متزائدة إلكترونياً لبحث وتعديل مسودات النصوص. ومزيد من الإجراءات التحضيرية للمفاوضات يتم تنفيذها على الخط. ومعظم الحركة بين الوزارة والموقع تكون مباشرة من المكتب إلى طاولة السفارة. ونفس الأمر ينطبق على الاتصالات بين الوزراءن ولحد كبير بين الحكومات، مع إشارات ضمنية واضحة للهرميات التقليدية. والمهارات المتعلقة بأداء هذه الفنون، سيتم تدريسها ليتمكن الدبلوماسيون من أن يكونوا فاعلين في الفضاء الإلكتروني، كما في الاتصالات الشخصية، ولضمان معيار وزاري مشترك، ولتأمين العمليات البيروقراطية الحيوية في ترتيب الملفات، والاسترجاع، والحفظ الأرشيفي.

إضافة إلى آثارها المباشرة على الممارسة والتدريب، فإن تقنيات الاتصالات والمعلومات المتقدمة قد أطلقت وخلقت آثاراً بعيدة غير مباشرة في شخصية العلاقات بين وضمن الدول، وسمة التداخل العالمي على وجه العموم. أثر مهم آخر، يتمثل في تحدى الهرميات التقليدية والسيطرة على الهياكل، والرفع من أهمية الفاعلين غير الحكومات المركزية وقادتها للشئون الخارجية. وتسمح أدوات المعلومات الجديدة باللامركزية والإحاطة بهياكل البيروقراطية الرسمية، جاعلة الأمر أكثر صعوبة للمحافظة على السيطرة “من أعلى إلى أسفل”، وفهم ما يحدث، وزيادة الحاجة للاتصال مع مدى واسع من الدوائر المهتمة؛ حكومية وغير حكومية. إن الأدوات المتقدمة للمعلومات، التي أصبحت متوفرة بواسطة ثورة المعلومات، يجب أن يتم استخدامها لتعديل التمثيل الدبلوماسي، والمفاوضات، وكتابة التقارير، والتيسير والتنسيق بصورة ملموسة، لمواجهة التحديات الضاغظة. وعلى وجه الخصوص، فإنه يجب على الدبلوماسية الجديدة أن تركز مزيداً من الإهتمام على المجالات العامة، والإهتمام بالجمهور والدوائر غير التقليدية. لقد تغير الأداء الدبلوماسي من قبل، ومن المحتمل جداً أن يتغير مرة أخرى. بالرغم من ذلك، وفي المدى القريب سنواجه بإعادة هيكلة استجابة للبيئة المتغيرة، والأدوات الجديدة، التي تمكننا من التعامل الفعال داخل تلك البيئة. وتقنيات الاتصالات والمعلومات تمثل مكوناً أساسياً للبيئة والأدوات. ويظل سؤال مفتوحاً: إلى أي مدى يمكن لرغبتنا وقدراتنا أن تصمم استجابات منظماتية مناسبة؟

 

الدبلوماسية الإفتراضية:

تعرف “الدبلوماسية الإفتراضية” بإنها تفاعل سياسي اقتصادي اجتماعي تتم من خلال وسائل إلكترونية بدلاً عن اتصالات “الوجه لوجه”.[31] والفكرة المحورية وراء “الدبلوماسية الإفتراضية” هي أن الفكرة التقليدية لسيادة الدولة لم تعد مناسبة للطريقة التي سيعمل بها العالم في القرن الحادي والعشرين. اليوم، وفي كل جزء من العالم، تقريباً، يمكن تحريك الجماهير بواسطة وسائل الاتصال، مثل الراديو، والهاتف، والفاكس، والإنترنت خالقة بذلك مجتمعات “إفتراضية”، أو إلكترونية، التي فارقت بصورة أساسية عن أفكار المجتمعات السياسية القديمة، والتي تعرف من خلال المساحة الجغرافية.

والعالم اليوم أكثر شفافية بطريقة غير مسبوقة؛ إذ يمكننا رؤية التطورات في معظم أجزاء العالم دون أن نمارس أي نوع من الحركة أو الإنتقال. فقد أصبحنا مُحَملين بمعلومات جمعت من خلال كل أنواع المركبات، والمحسات، والناس الذين لديهم القدرة على الجمع بين وجهات نظرهم عن العالم من خلال اتصالات مرتبطة بالشبكات. هذا الوضوح يجعل من السهل على الكثير من الناس أن يتخذوا موقفا ًما، إلا أنه أيضاً قد واجهت صناع القرار بتخمة إعلامية؛ بدأوا للتو في تعلم طريقة معالجتها.

لقد أخذت ثورة المعلومات المبادرة في صناعة السياسة بعيداً عن الحكومات. أما كيف سيرد صناع السياسة، وكيف يتواءمون مع الحقيقة بأن أيديهم قد غُلت بواسطة الإعلام الجماهيري، أو ما يعرف بأثر الـ”سي أإن إن، قد خلقت مجموعة تحديات جديدة للحكم والدبلوماسية. إضافة إلى ذلك، فإن المعلومات التي قوّت من أفراد ومجموعات القطاع الخاص، تعنى بأن الفاعلين غير الحكوميين يلعبون دوراً بارزاً ومستقلاً في الطرق، التي تتفاعل بها الحكومات مع مواطنيها ومع الحكومات الأخرى.[32]

نحن الآن في خضم الثورة. والثورة بطبيعتها تدفع هياكل القوى القديمة للتصدع ولنهوض هياكل أخرى جديدة. إن العامل المنشط، وليس المسبب، كان دائماً تغييراً تكنلوجياً. الآن، وبينما تمر الثورة، فإن التكنلوجيا تقوم بالتأثير العميق في سيادة الدول، والاقتصاد العالمي، والإستراتيجية العسكرية. [33] فالسيادة إذا كانت هي سلطة الدولة في إيقاف الآخرين من التدخل في شئونها الداخلية، فيتم تقويضها بصورة سريعة الآن. اليوم تقوم المجموعات ذات المصالح الخاصة، من كل الأنواع، بتجاوز قنوات الاتصالات الحكومية في جهودهم لمد حملاتهم الخاصة. إن تلاقي أجهزة الكومبيوتر والاتصالات الهاتفية قد جعلنا في مجتمع عالمي، كنا مستعدين لذلك أم لا. فللمرة الأولى في التاريخ يرتبط الغني والفقير، الشمال والجنوب، والشرق والغرب، والمدينة والريف، في شبكة إلكترونية عالمية من الصور المتشاركة في زمن حقيقي. وتتحرك الأفكار عبر الحدود، كأن هذه الحدود غير موجودة. وبالطبع فقد أصبحت المناطق الزمنية أكثر أهمية من الحدود.[34]

 

جديد ومختلف:

تتحرك المعلومات من حولنا في سرعة مذهلة. وهذه الحقيقة تصبح دراماتيكية عند تطبيقها على الأسواق المالية، التي تستجيب مباشرة، تقريباً، للعمل على مستوى المعلومة. “إلا أن المادة الخام للدبلوماسي هي أيضاً المعلومة؛ يحصل عليها، يقيمها، ثم يقوم بوضعها داخل النظام لمصلحة، ولتنبيه، أو لدهشة لآخرين”.[35] لقد أصبح العالم مفتوحاً بصورة لم يسبق لها مثيل. فالحدود لا تعنى الكثير، لأن المعلومات والأفكار تعبرها، إذا رغبت الحكومة في ذلك أم لم ترغب. ولاتزال السيادة مفهوم واضح وقوي، إلا أن معناها قد تم تعديله. الأقاليم والقوميات تتجاوز الحدود، كما تفعل الأديان والروابط الإثنية. وأن أي مجتمع يتطلع لأن يكون جزءاً من العالم لا يمكنه ببساطة المحافظة على نظام متشعب مغلق. والنتيجة هى مزيد من التعقيد في العلاقات الدولية، يدعم فقط من أهمية وجود الدبلوماسي على الأرض، حتى يمكنه فهم إزعاج التطورات.

فوسائل الإعلام، خاصة التلفزيون، تلعب دوراً أكبر مما مضى. وبعد كل ذلك، فهى جميعاً في دائرة عمل المعلومات. وقد طورت المهارات للجمع السريع للمعلومات، واختيار ما يستحق أن يكون أخباراً. أحياناً تكون الصور دراماتيكية وحقيقية، كما الحياة نفسها. كان ذلك دائماً هو الحال عندما تكون كاميرا التلفزيون في وسط حدث مضطرب تحاول الإمساك بأساسه بطريقة موضوعية. وتتمسك الدبلوماسية بأن الحقيقة الواقعية لا يمكن تسجيلها. وبذلك، فإن احتمالات التحريف، دعك من الإختيارية، تعنى بأن قاعدة مستقلة للمعلومات أمر ضروري. بالرغم من ذلك، فإن كل صورة فارضة نفسها على الشاشة، كانت صحيحة أم لا، يمكن أن يكون لها أثر قوي على الجمهور العام.[36]

وفي الأقطار النامية والمتطورة، ستحتاج الدبلوماسية لأن تكون أكثر سياسية. وبينما تتحد الدول بصورة متزائدة في كتل إقليمية وعالمية ومنظمات مثل: الإتحاد الأوربي، ومجموعة الثمانية، والإتحاد الأفريقي، والكوميسا، والجامعة العربية، والأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وغيرها، فستجد أنه ليس ضرورياً محاولة فرض قيمها على أولئك الشركاء الذين يتقاسمونها من قبل. ففي هذه المنظمات ستصبح الدبلوماسية امتداداً للسياسة القومية. وهذا يعني بأن الحكومات ستحتاج لتطوير نوع جديد من الدبلوماسية متعددة الأطراف، وإعادة توظيف السفارات لتصبح منظمات للضغط ولتبادل السياسات، التي تربط الأحزاب السياسية، وورش المفكرين عبرالحدود؛ مستخدمةً الأحزاب وهذه الورش لخلق مساحة سياسية متفردة، مرتبطة مع السياسة الداخلية لأقطار أخرى متصلة بالمنظمات غير الحكومية لتغيير الرأي العام. وقد كان لبدايات هذا الفهم  وتطبيقاته نتائج دراماتيكية للخدمات الأجنبية. فإذا كانت هنالك سياسة خارجية تعبر الوكالات الحكومية، تم الاحتياج إليها، وتركز على الشبكات والموضوعات بدلاً عن مجرد الجغرافية، فستصبح كل وكالة وزارة خارجية، وتحتاج للأنضمام مع الآخرين لمواجهة قضايا مشتركة، وربما حتى خلق وحدات مؤقتة تركز على قضايا محددة، وترسم سياسة داخلية وخارجية متقاربة في العملية”.[37]

 

الطبيعة المتغيرة  لدور الدبلوماسية:

يمثل النقص في المادة التحليلية إحدى المشاكل، التي تواجه أي تقييم جاد للطبيعة المتغيرة  لدور الدبلوماسية، كما لاحظ ذلك عدة مراقبين، في مقابل الوصفية التي تحيط بها. وقد إنعكس ذلك في المجادلات الواسعة غير المثمرة فيما يتعلق بتدهور الدبلوماسية، التي دائماً ما تستقر على خلط أولى، خصوصاً تلك التي بين الدبلوماسية كعملية تعالج العلاقات الخارجية من خلالها، وكمجموعة آليات تتم من خلالها تلك العمليات. فعادة ما، يتم تركيز التأكيدات، في أننا نشهد تدهور الدبلوماسية في عصر من التغيير السريع، على الآلية بدلاً عن العملية. ونحن مواجهون، بالقطع، باعتقاد متعارض في أن عصراً من التعاون الدولي، المدعوم بثورة اتصالات فائقة السرعة، يحتاج إلى مزيد من الديمقراطية بينما، بنفس القوة، يُتوقع نهايتها، أي هذه الديمقراطية، الوشيكة.

ودائماً ما توضع الدبلوماسية داخل “عصر معلومات.” ذلك يعني أن هنالك رابط غير منفصم بين أنماط الاتصالات، والتقنيات، التي تمر من خلالها تلك الأنماط والطرق، والتي تسعى فيها المجتمعات المنفصلة للتفاعل، وتنظيم شئونها خلال المفاوضات. إن تصميم الحاضر، كما يقترح عصر المعلومات، مختلف عن الماضي. بالرغم من ذلك، هنالك شيء مختلف نوعياً حول أنماط الاتصالات وتقنية المعلومات، التي تواجهنا في المراحل الأولى للقرن الحادي والعشرين، كما تم عكسه في بعض الدراسات ذات التوجه المستقبلي مثل، “الاتجاهات العالمية 2015.”[38]

تقوم الدول/الأمم بجمع المعلومات والاستخبارات كإحدى وسائل الدبلوماسية والسياسة العالمية. والدبلوماسية هى الوسيلة التي تسعى من خلالها الدول/الأمم وراء اهدافها الخاصة. وفي البيئة الجديدة لم تعد القضايا السياسية والإستراتيجية الكلاسيكية العامل الأكثر أهمية في العلاقات الدولية؛ هنالك الآن عدد من القضايا والأهداف العالمية الحرجة تذهب إلى ما وراء هذه الإهتمامات العسكرية السياسية، التي كانت تُعرّف من قبل العلاقات الدولية الكلاسيكية. هذه الإهتمامات العسكرية السياسية التقليدية، والتي تضمنت موضوعات مثل توازن القوى، وتحديد الحدود الجغرافية، ومفاوضات التحكم في الأسلحة، وتماسك التحالفات، لم يتم استبدالها بعد. بدلاً عن ذلك، فقد تمت إضافة بعض الإهتمامات السياسية إلى القائمة الدبلوماسية. كان ينظر إليها في السابق باعتبارها “سياسة دنيا”. ونتيجة للعولمة، فإن موضوعات مثل اللاجئين، وحقوق الإنسان، والارهاب، والجريمة عابرة الدول، والمخدرات، والبيئة، إلى جانب الاقتصاد، والتجارة العالمية، والتدفقات المالية، والتجارة، والملكية الفكرية، وقضايا التكنولوجيا، ومستويات العمالة، والمفاوضات حول البروتوكولات والمعايير الفنية، قد أصبحت الآن بصورة متزائدة القضايا المفتاحية في العلاقات الدولية بين، وخلال الدول. وبما أنه يجب على الدبلوماسية في عصر المعلومات أن تقوم بعملية تكامل لقطاع عريض من الاعتبارات الاقتصادية، والثقافية والاجتماعية، والبيئية، والعلمية، والقانونية، إضافة إلى العوامل السياسية والعسكرية التقليدية، فإن الكثير من الدوائر المحلية قد أصبحت لاعبين مفتاحيين في تنمية السياسات الخارجية. وقد قاد ذلك إلى تدجين الدبلوماسية، أو إعادة توطينها في السياسات المحلية الداخلية.

والشيء الأهم، هو أن القضايا المحلية السابقة، مثل سياسة التشفير، أو معايير السلامة الغذائية، لا يمكن فصلها عن إهتمامات السياسة الخارجية؛ فهي الآن عوامل تكميلية في تطوير وتنفيذ تلك السياسة. وبالقطع، فإن ذات النموذج المثال للعلاقات الدولية ينبني على نماذج الدول القديمة كقوقعة صلبة، وأن اللاعبين في شكل وحدات كرة البلياردو قد أُخذوا بواسطة النموذج الكلاسيكي القديم المتجذر في الميكانيكا النوعية، التي تعترف بالنشاطات الداخلية، والمنافسة داخل الدول بين دوائر متنوعة حول قضايا عالمية، والكثافة المتزائدة لشبكات الاتصالات بين الكيانات دون الدولية، والتي تدعم تبادل أدوار المصالح.

وسيكون المستقبل المنظور للاتصالات العالمية، وغير المتوقع، حاسما في تقرير كثير من تحولات الوظيفة الدبلوماسية. لهذا، فإن بناء نظام يستند على تخصصات ضيقة، ومتخصصين ذوى محدودية في الحركة والرؤية، سيكون غير واقعي، وغير عملي البتة. أحد الخيالات المقوية لمشاكلنا المعاصرة، هي في أنه بالإمكان الفصل بين السياسة وإدارة المصادر، الأمر الذي لا يجب أن يسمح لها بالاستمرار. فالمستقبل يستدعى دبلوماسيين متعددي الأبعاد، في الداخل والخارج، دبلوماسيين يُتوقع منهم أن يطوروا ويقودوا معرفة ملموسة متعددة الجوانب، وخبرة جغرافية، ومهارات شخصية وظيفية عملياتية، وخبرة معرفية فنية. وعلى إدارة الموارد البشرية والتعيينات، أو إدارة الخبرات التنموية، أن تؤكد أن كل التنفيذيين الرئيسيين يجب أن تكون لديهم التجربة في التنسيق بين الوكالات العالمية، والاستخدام البناء للمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص، والعلاقات الدولبة.

فالدبلوماسية، كما أسلفنا، هى الوسيلة التي تدار العلاقات بين الأمم بواسطتها. وهى الطريقة المتميزة، التي تتضمن المحتوى الوطني الداخلي للسياسة الخارجية. واليوم، لا شك في أن الطريقة التي يعمل بها العالم قد تغيرت بصورة نهائية ودرماتيكية. ولكن، بالرغم من ذلك، فإنه عندما يأتي الأمر لأداء الدبلوماسية، فإن الكثير من المميزات المفتاحية تظل باقية. غير أن أحد الأبعاد المهمة لهذه الفترة قد أفلت من النقاش الشامل؛ وهو أثر ثورة المعلومات على صناعة الدولة نفسها، وبصورة أوسع، كيف تتفاعل الأمم دبلوماسياً في تقنيات الاتصالات والمعلومات سريعة التغيير.

ومن العدل القول بإن بروتوكولات الإعلام الرقمي قد أصبحت اللغة الرسمية للنظام العالمي الجديد، رابطة نظماً سياسية، واقتصادية، وثقافية متنوعة، وخالقة علاقات جديدة لا تعطي اعتباراً للحدود والهرميات المتعارف عليها. وقامت المؤتمرات الهاتفية، والاتصالات عبر الكومبيوتر، وتقنيات الإعلام الشخصية، بتوسيع الفرص للاتصالات عبر الحدود الجيوبوليتية، والمناطق الزمنية، رافعة بذلك من عدد الفاعلين، الذين يمكن لهم التاثير في نشوء النزاعات، والسرعة التي تتقدم بها الأحداث؛ من قضية ملتهبة إلى أزمة مميتة. إنها فقط ميزة أخرى للدبلوماسية في عصر المعلومات.

 

توقعات موضوعية:

من هذا العرض المختصر لقضايا وموضوعات الدبلوماسية يمكن لنا الاستنتاج بأن وظيفة هذه الدبلوماسية لن تتقلص، لأي سبب أو آخر، مادامت مؤشراتها أدائها، وبؤر تركيزها، في تزايد وتنامي مكثف، ذلك أن غياب التمثيل الدبلوماسي للدول على المستوى الثنائي يضر كثيراً بمصالحها، ويعني عدم وجودها في المؤسسات والمنظمات الدولية إقصاء وتغييب حضورها كطرف فاعل ومهم من المجموعة الدولية، ويحرمها من المساهمة والتأثير في القضايا المصيرية ذات الاهتمامات المشتركة. وبالتالي، تبرز سياسة الاحتكار والإقصاء كبديل سلبي عوض سياسة المشاركة الجماعية والاحترام المتبادل لقيم ومصالح الشعوب والدول, مما يجعل ساحة العلاقات الدولية مسرحاً لمظاهر وأشكال الصراع والنزاع المؤسفة والمروعة.

فلقد أكدت كل الأوضاع الدولية التي أعقبت الحديث المتعجل عن “نهاية الدبلوماسية”، بعد تصاعد وتيرة ثورة الاتصالات وتسارع عمليات العولمة، بأن عامل المصلحة القومية ومناطق الثروات والموارد الإستراتيجية ما يزال هو الفاعل الحاسم والمسيطر في إدارة العلاقات الدولية وتنفيذ السياسات الخارجية للدول، مما يجعل من العملية الدبلوماسية ضرورة شديدة الحيوية للدفع بمبدأ تعظيم النفع المشترك للمصالح والثروات والموارد الإستراتيجية في جو من الاستقرار والتصالح والسلام. إذ أن الدبلوماسية وحدها هي القادرة على إدارة الحوار الذي يفضي لمعالجة حالات النزاع والصدام والقوة واستعمال سلاح التهديد والاحتواء، وتحويلها إلى خيارات التعاون للحفاظ على المصالح المشتركة للدول.

وبالتالي نخلص إلى نتيجة مهمة وهي أن ملامح دبلوماسية القرن الواحد والعشرين ستبقى تلوح في الأفق مما يحتم على القائمين على الأمر في وزارات الخارجية ومؤسسات الدولة المختلفة أن تجعل من التطوير والتحديث والتأهيل الصاعد والمستمر واقعاً ومصيراً لأنظمة العمل ووسائل وطرائق إنفاذه. وما على الدبلوماسيين إلا أن يتذكروا أن كل حديث عن نهاية الدبلوماسية ما هو إلا زبد العولمة الذي ذهب جفاء، وأن العلمية الدبلوماسية ستمكث في الأرض لحاجة العلاقات الإنسانية إليها. فمن حسن الحظ أن عمليات العولمة شهدت اتجاهاً مضاداً جديراً بالملاحظة، وهو التقارب الذي حدث بفعل وسائل الاتصال استدعى مزيداً من العمل الدبلوماسي. فقد عمدت الدول ذات التفكير المتشابه، وأغلبها من الدول المتجاورة، إلى تكوين تجمعات في محاولة لتعزيز نفوذها؛ وكان هذا ملحوظاً بصورة أكثر بين بعض البلدان الأصغر حجماً والأكثر فقراً والأشد تضرراً من محاولات هيمنة الكبار على المسرح العالمي. وبقليل من التنظيم والفعل الدبلوماسي المتطور والمنظم، بات من الممكن أن تعمل هذه التجمعات كأحجار بناء وليس معاول هدمٍ للإجماع العالمي. وبالتالي، صارت هذه التجمعات الأكثر اهتماماً بمعالجة القضايا العالمية، التي قد تنشأ عن رغبة الجميع في التواجد في كل مكان في نفس الوقت، والعمل معاً بروح الفريق، والفوز بالمديح والثناء على الإنجاز، والحصول على كل وسيلة ممكنة لتحقيق الغايات المشتركة.

 

[1] أنظر Ankie Hoogvelt, Globalisation, Exclusion and the Politics of Resistance, University of Sheffield, United Kingdom, Paper presented at the Convergence and Diversity Conference, Victoria University of Wellington, March 1-2, 1997. P. 1.

[2] Ibid. p. 13.

[3] أنظرRobert Gilpin, The Challenge of Global Capitalism: The World Economy in the 21st Century, Princeton University Press,. Princeton, 2000, pp. 35-112.

[4] Martin Wolf, Will the Nation-State Survive Globalization?.. , Foreign Affairs, January/February 2001, p. 78.

[5] Ramchandran, J and Upton, D M, `The Co-ordination of Global Manufacturing’ in Stephen P Bradly, Jerry A Hausman and Richard L Nolan (eds) Globalization, Technology, Competition: The Fusion of Computers and Telecommunications in the 1990s, Harvard Business School Press, Cambridge, Mass. USA, pp 169-184.

[6] Manuel Castells, The Rise of the Network Society, Vol I of The Information Age: Economy, Society and Culture, Blackwells, Cambridge Ma. and Oxford, 1996, p. 102.

[7] أنظر هايل عبدالمولى طشطوش، “الدبلوماسية ودورها في إدارة العلاقات الدولية”، موقع رابطة أدباء الشام الإلكتروني، http://www.odabasham.net/show.php?sid=30470

[8] أنظر  ترجمة عبدالرسول درويش، “في ظل وجود الانترنت والتحالفات الإقليمية.. الدبلوماسية الجديدة ترتدي ثوباً جديداً”، موقع جريد الوقت الإلكتروني، http//.www.alwaqt.com، وأنظر أيضاً أمل فؤاد عبيد، “فينومنولوجيا العولمة تعريفها وتاريخها”، موقع شبكة النبأ المعلوماتية، http://www.annabaa.org/nbanews/60/603.htm

[9] أنظر  كينيث فايز برودي، “الدبلوماسية الجديدة”، موقع بوجيكت سنديكيت، http://www.project-syndicate.org/commentary/diplomacy-2-0/arabic

[10] أنظر بروجيكت سيندكيت، المصدر السابق نفسه.

[11] المصدر السابق.

[12] ، أنظر “الدبلوماسية الجديدة”، موقع صحيفة العرب القطرية الإلكتروني، http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=124854&issueNo=832&secId=15

[13] المصدر السابق.

[14] المصدر السابق.

[15]  أنظر  كينيث فايز برودي، “الدبلوماسية الجديدة”، موقع بوجيكت سنديكيت، http://www.project-syndicate.org/commentary/diplomacy-2-0/arabic

[16] أنظر المصدر السابق نفسه.

[17] المصدر السابق،

[18] المصدر السابق،

[19] Gordon S. Smith, “Reinventing Diplomacy: A Virtual Necessity,” U. S. Institute of Peace, Virtual Diplomacy Series, no. 6, February 2000. قدم هذا التقرير في جمعية الدراسات الدولية كجزء من سلسلة جزأين بعنوان “الدبلوماسية الافتراضية: ثورة في الشؤون الدبلوماسية، نظرية ودراسات الحالة،” واشنطن، DC، فبراير 1999.

[20] هنا الجهات الفاعلة غير الحكومية تشمل أي شخص، أو أية منظمة ليست دولة أمة، ولكن تفترض التكافؤ الضمني أو الصريح مع الدول القومية.

[21] Center for Strategic and International Studies, Reinventing diplomacy in the information age, CSIS, Washington DC, 1998; pp. 6-8.

[22] Ibid. , CSIS-Ecxuctive Summary, p. 9.

[23] Ibid. , CSIS-Ecxuctive Summary, p. 11.

[24] Jeffrey R. Cooper, “Diplomacy in the Information Age: Implications for Content and Conduct,” Center for Information Strategy and Policy (CISP) of SAIC, iMP Magazine, July 23, 2001, p. 14.

[25] وفقاً لجيفري كوبر، مدير مركز المعلومات الاستراتيجية والسياسة (CISP)، فإن فكرة معقدة تأتي بمعنى نظام التكيف المعقد (CAS)، والأجزاء الكثيرة المتفاعلة الفردية، وهي حساسة للغاية لظروف النشأة الأولي، وقادرة على إنتاج قدر من السلوك  المستغرب.

[26] لعل النجاح السريع جداً والمثير للدهشة من حملة لحظر الألغام الأرضية هو المثال الأفضل والأحدث.

[27] قد ينظر العلماء في 150 سنة من الدبلوماسية الكبرى من المجلس الأوروبي إلى  تأسيس عصبة الأمم والأمم المتحدة إلى مفاوضات SALT / START، باعتبارها العصر الذهبي للدبلوماسية الغربية.

 

[28] أنظر Gordon S. Smith, “Reinventing Diplomacy: A Virtual Necessity,” U. S. Institute of Peace, Virtual Diplomacy Series, no. 6, February 2000. The report was presented at the International Studies Association as part of a two part panel series entitled “Virtual Diplomacy: A Revolution in Diplomatic Affairs, Theory and Case Studies,” Washington, D. C. , February 1999.

[29] لقد استخدم مصطلح “الأمة” بدلاً من “الدولة” عن عمد منذ أن جاز لأولئك العديد من المتحالفين عن طريق الولادة، العرق، أو اللغة، أو الدين، بدلاً من المواطنة في حد ذاتها.

[30] نحن قد نضع في الاعتبار نظرة الغرب إلى 150 سنة من الدبلوماسية الكبرى من مجلس أوروبا وخلال تأسيس عصبة الأمم والأمم المتحدة إلى المفاوضات SALT / START ومن ثم الإتحاد الأوربي، على أساس أنها العصر الذهبي للدبلوماسية.

 

[31]  أنظرRichard H. Solomon, “The Information Revolution and International Conflict Management”, A paper presented to “Virtual Diplomacy”. P. 3. ورقة مقدمة إلى مشروع “الدبلوماسية الإفتراضية” وهو مشروع معهد السلام الأمريكي، الذي يهدف إلى استكشاف كيف أن ثورة المعلومات العالمية اليوم والنمو الهائل في قدرات الاتصالات والمعلوماتقد غيرت طبيعة العلاقات الدولية. هذا الاستكشاف ينطلق من إعادة النظر في الآثار المترتبة على التكنولوجيات الجديدة للمعلومات على المنظمات والطريقة التي تعمل بها. هدفها هو تقييم أهمية هذه التطورات في تكنولوجيا الاتصالات لإدارة الصراع الدولي.

[32] Ibid. , p. 4.

[33] أنظر Walter B. Wriston, “Bits, Bytes, and Diplomacy”, Presentation at the United States Institute of Peace Conference on “Virtual Diplomacy: The Global Communications Revolution and International Conflict Management. ” The conference, held April 1-2, 1997, p. 5.

[34] Ibid. , p. 2.

[35] أنظر George P. Shultz, Former Amercan Secretary of the State remarks on “Diplomacy in the Information Age”, presented at the United States Institute of Peace, Conference on “Virtual Diplomacy: The Global Communications Revolution and International Conflict Management. ” Held on April 1-2, 1997. Drawing on the discussions at conference United States Institute of Peace, Conference on “Virtual Diplomacy: The Global Communications Revolution and International Conflict Management. ” Held on April 1-2, 1997. ، وهذه التقديرات بُنيت اعتماداً على المناقشات التي دارت في مؤتمر تصور مشروع معهد الدبلوماسية الافتراضية كوسيلة برامجية لاستكشاف القضايا طويلة الأجل للمشاركة في الطبيعة المتغيرة للعلاقات الدولية، وبشكل أكثر مباشرة، لمساعدة العاملين في فن الحكم في فهم وتطبيق التكنولوجيات الجديدة للمعلومات في منع وإدارة وتسوية النزاعات الدولية. على وجه التحديد، فإن الهدف من هذا المشروع هو تعزيز الجهود الدبلوماسية لشرح كيفية استخدام هذه التقنيات التي يمكن أن تساعد في تحسين آليات التعامل من قضايا الصراع الدولي في “نقاط دخول” محددة على طول تواصل الصراع بدءاً من الدبلوماسية الوقائية من خلال عملية إعادة بناء وتعزيز المجتمع المدني في ما بعد حالات الصراع.

[36] أنظرGeorge P. Shultz, “Diplomacy in the Information Age”. Center for Strategic and International Studies, Reinventing diplomacy in the information age, CSIS, Washington DC, 1998; pp. 94-8.

[37] أنظر Mark Leonard and Liz Noble, Being Public: How diplomacy will need to change to cope with the information society, United States Institute of Peace, iMP Magazine, 23 july 2001, pp. 32-5.

[38] أنظرGlobal Trends 2015: a dialogue about the future with nongovernment experts, National Intelligence Council, December 2000.


اكتشاف المزيد من التنويري

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة